الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حديث أبي بصرة من عدم دلالته على المطلوب في زعمه.
وكأنه لذلك أعرض الشيخ عن ذكره فلم يتعرض له بجواب البتة لأنه حجة عليه وهذا شيء نود أن ننزه الشيخ عنه ولكن الأمر يحتاج إلى مساعدة منه وحديث أبي بصره المشار إليه هو في الحقيقة شاهد ثان للحديث وسيأتي الجواب عن كلام الشيخ عليه قريبا إن شاء الله تعالى.
آثار صحيحة تشهد للحديث:
هذا وإن مما يزيد الحديث قوة أنه جاء عن طائفة من الصحابة وغيرهم العمل بنحو ما فيه وخلاف ما ذهب إليه المانعون من الإفطار بعد الخروج فأنا أذكر ما وقفت عليه من الروايات عنهم إتماما للفائدة:
1 -
عن اللجلاج قالوا "كذا الأصل ولعله: اللجلاج وغيره قالوا": كنا نسافر مع عمر رضي الله عنه ثلاثة أميال فيتجوز في الصلاة ويفطر رواه ابن أبي شيبة في "المصنف".
"2/151/2" بإسناد حسن أو قريب منه.
2 -
عن أنس بن مالك قال: قال لي أبو موسى: ألم أنبأ أنك إذا خرجت خرجت صائما وإذا دخلت دخلت صائما؟ فإذا خرجت فاخرج مفطرا. وإذا دخلت فادخل مفطرا.
رواه الدارقطني "ص 241" والبيهقي "4/247" بإسناد صحيح على شرط الستة.
3 -
عن نافع عن ابن عمر أنه خرج في رمضان فأفطر.
رواه ابن أبي شيبة "2/151/1" بإسناد رجاله ثقات.
4 -
عن ابن عباس قال: إن شاء صام وإن شاء أفطر.
رواه ابن أبي شيبة في "باب ما قالوا في الرجل يدركه رمضان فيصوم ثم يسافر""2/151/1" وإسناده صحيح.
5 -
عن مغيرة قال: خرج أبو ميسرة1 في رمضان مسافرا.
1 اسمه عمرو بن شرحبيل الهمداني قال الحافظ: "ثقة عابد مخضرم مات سنة ثلاث وستين".
فمر بالفرات وهو صائم فأخذ منه حسوة فشربه وأفطر.
رواه ابن أبي شيبة "2/151/1" بإسناد صحيح ثم روى هو "2/151/2" والبيهقي "4/247" بسند آخر عنه مختصرا وهو صحيح أيضا.
6 -
و 7 - عن سعيد المسيب والحسن البصري قالا: يفطر إن شاء.
رواه ابن أبي شيبة عقب الأثر الذي قبله وسنده صحيح.
وفي رواية عن الحسن البصري "يفطر إن شاء في بيته يوم يريد أن يخرج" ذكرها القرطبي في تفسيره "2/279".
وبعد فإن حديثا كهذا يشهد له القرآن والسنة والآثار الصحيحة عن السلف وفيهم بعض الخلفاء الراشدين1.
1 فأين أولئك الذين نقموا علينا دعوتنا إلى إحياء السنة الصحيحة في ركعات التراويح ونسبونا - زورا وبهتانا - إلى الطعن في الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه بسبب مخالفتنا لما يروى عنه من.....=
لحري ألا يكون موضع جدل وتردد في صحته مهما قيل في إسناده أو في متنه لولا أن بعض الناس يتعصبون لمذاهبهم ما لا يتعصبون للشرع الثابت عن نبيهم اتباعا لما ألفوه فاللهم رحمتك وهداك.
2 -
فقه الحديث ومن قال به.
إذا تبين أن الحديث صحيح بلفظ الإثبات فهو حجة واضحة لما ذهب إليه الإمام إسحق بن راهويه كما حكاه.
= الركعات العشرين مع أنها لا تثبت عنه بل الصحيح عنه موافق لما ندعو إليه من السنة كما بيناه مفصلا في ردنا عليهم في "صلاة التراويح" أقول: أين هؤلاء من إطباقهم على مخالفة عمر بن الخطاب ومن معه من الصحابة الكرام والسلف العظام في هذه المسألة لا سيما والسنة الصحيحة معهم فالحمد لله الذي وفقنا لتباع السنة هنا وهناك ونسأله المزيد من فضله وتوفيقه كما نسأله أن يهدي المخالفين إليها وأن يحيينا ويميتنا عليها وأن يحشرنا تحت لواء صاحبها عليه الصلاة والسلام: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
الترمذي عنه1 وقد نقله الشيخ عنه وفي كتاب "المسائل" لإسحاق بن منصور المروزي "ق 29/1 - 2" ما نصه:
"قلت "يعني للإمام أحمد": إذا خرج مسافرا متى يفطر؟ قال: إذا برز عن البيوت قال إسحق "يعني ابن راهويه": بل حين يضع رجله فله الإفطار كما فعل ذلك أنس بن مالك2 وسن النبي صلى الله عليه "كذا" وإذا جاوز البيوت قصر".
اتباع ابن العربي للحديث خلافا للمذهب:
ولقد أنصف الإمام ابن العربي رحمه الله تعالى فإنه ذهب إلى العمل بالحديث في هذه المسألة خلافا لكثير من علماء.
1 ومن العجائب قول ابن العربي - كما يأتي -: "أنه لم يقل به إلا أحمد" مع أن ذلك ورد في كتاب الترمذي الذي شرحه ابن عربي نفسه فسبحان من لا يسهو.
2 هذا يؤيد ما كنت رجحته أن حديث أنس هذا ينبغي أن يكون صحيحا عند من قال به كأحمد وإسحاق وقد كنت رجحت ذلك قبل أن أقف على هذا النص فالحمد لله على توفيقه.
المالكية وتبعه على ذلك القرطبي وغيره وسبقهم إلى الجهر بذلك الحافظ ابن عبد البر فقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي""4/13 - 16" تعليقا على الحديث:
"وهذا صحيح لم يقل به أحد إلا أحمد بن حنبل فأما علماؤنا "يعني المالكية" فمنعوا منه لكنهم اختلفوا إذا أكل هل عليه كفارة أم لا؟ فقال مالك في "كتاب ابن حبيب": "لا كفارة عليه" وقال أشهب: "نعم لأنه متأول" وقال غيرهم: عليه الكفارة ويجب أن لا يكفر لصحة الحديث
…
وهو يقتضي جواز الفطر مع أهبة السفر".
وقال القرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن""2/278 - 279" بعد أن حكى الخلاف الذي ذكره ابن العربي: "قلت: قول أشهب في نفي الكفارة حسن لأنه فعل ما يجوز له فعله والذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين ولا يقين مع الاختلاف ثم إنه مقتضى قوله تعالى: {أَوْ عَلَى
سَفَرٍ} "وقال أبو عمر "هو ابن عبد البر": هذا أصح أقاويلهم في هذه المسألة ولو كان الأكل مع نية السفر يوجب عليه الكفارة لأنه كان قبل خروجه ما أسقطها عنه خروجه فتأمل ذلك تجده كذلك إن شاء الله تعالى".
ثم ذكر ابن عبد البر من قال بأنه لا يفطر وأن عليه الكفارة إن أفطر ثم قال:
"وليس هذا بشيء لأن الله سبحانه قد أباح الفطر في الكتاب والسنة وأما قولهم: "لا يفطر" فإنما ذلك استحباب لما عقده فإن أخذ برخصة الله كان عليه القضاء وأما الكفارة فلا وجه لها ومن أوجبها فقد أوجب ما لم يوجبه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم".
وهذا هو الذي استظهره العلامة الصنعاني في "سبل السلام""2/629".
وهو الذي نقطع به لهذا الحديث الصحيح فإنه نص في.
المسألة لا يقبل التأويل مع تأيده بظاهر القرآن والآثار الصحيحة عن السلف رضي الله عنهم.
ومما سبق يعلم أن القول بعدم جواز الإفطار وإيجاب الكفارة على المفطر مما لا دليل عليه في الشرع فعلى من نصب نفسه للرد علينا وحاول تضعيف الحديث الصحيح انتصارا لمذهبه أن يأتي بالدليل الذي يقنع به نفسه قبل غيره بصحة ما ذهب إليه وإلا فهو عندنا وكما بينا خلاف ظاهر القرآن ونصوص الآثار الصحيحة وذلك كاف في إثبات خطأه ولو كان الحديث عنده ضعيفا.
فليتأمل في هذا المنصفون على اختلاف مذاهبهم يتبين لهم صواب ما ذكرنا. إن شاء الله تعالى وهو ولي التوفيق.
وإن مما يحسن التنبيه إليه أن ذلك الموقف الطيب الذي وقفه ابن العربي ومن معه من الحديث هو الذي يجب على كل مسلم أن يتخذه تجاه هذا الحديث خاصة والأحاديث الأخرى.
ورة عامة ولو كانت على خلاف رأي الآباء والشيوخ لأنه هو الموقف الوحيد الذي يتفق مع الإيمان الصحيح كما قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} .
"فلا جرم أن الأئمة أمروا بذلك أتباعهم وألحوا عليهم بذلك في عبارات كثيرة مشهورة عنهم وقد ذكرت الكثير منها في مقدمة كتابي "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم". فمن شاء رجع إليه.
3 -
حديث أبي بصرة الغفاري.
بقي علينا الكلام على حديث أبي بصرة الغفاري لقد ذكر الشيخ أنه لا يكفي على المعتمد على صحة الحديث سكوت أبي داود عليه.
وجوابنا عن ذلك من وجوه:
الأول: أن ما ذكره صحيح بالنسبة إلى العالم الناقد العارف بطرق الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف فإن مثل هذا.
لا يقنعه سكوت أبي داود على الحديث لأنه يعلم يقينا أنه سكت عن أحاديث لا حصر لها وهي ضعيفة بينة الضعف كما قرر ذلك العلماء كالنووي والعسقلاني وغيرهما وبينا ذلك بأمثلة كثيرة في نقدنا لكتاب "التاج الجامع للأصول الخمسة"1.
فعلمه هذا يلزمه أن يرجع إلى السند ويحكم فيه قواعد هذا العلم فيصحح أو يضعف وأما المقلد الذي "ليس له وظيفة التصحيح والتضعيف" مثل فضيلة الشيخ باعترافه هو كما سبق نقله عنه فهذا لا بد له من الاعتداد بسكوت أبي داود على الحديث حتى يقف على قول عالم آخر هو أوثق منه عنده ضعف الحديث وأما هو نفسه فلا يجوز له الإقدام على التضعيف بداهة لأنه لا علم له بذلك وهذا شيء واضح ما.
1 بدأنا بنشر خلاصة نافعة عنه في مقالات متتابعة في مجلة "المسلمون" وقد صدر المقال الأول منه.
أظن عاقلا منصفا يجادل فيه.
فما بال الشيخ إذن لا يرضى بسكوت أبي داود الذي يدل على أن الحديث صالح عنده بل يجتهد - مع أنه يعتقد حرمته عليه - فيذهب إلى تضعيف الحديث كما يشير إلى ذلك قوله: "لو صح
…
" دون أية حجة علمية ولا برهان ولو تقليدا لإمام؟.
الثاني: أنني أعتقد أن اللائق بطريقة الشيخ التي عرفناها منه في "التعقب الحثيث" أن يذهب إلى القول بصحة هذا الحديث لا إلى تضعيفه وذلك لأن رجال إسناده عند أبي داود "رقم 2413" وأحمد "6/398" كلهم ثقات محتج بهم في الصحيحين غير كليب بن ذهل وقد وثقه ابن حبان "2/253" وقال الحافظ في ترجمته من "التقريب": "مقبول" وأما عبيد بن جبر فقد مال الحافظ إلى أن له صحبة وذكره يعقوب بن سفيان في "الثقات" وقال العجلي "رقم.
884": "مصري تابعي ثقة" وذكره ابن حبان أيضا في "الثقات" "1/140" إلا أنه قال: "هو مولى الحكم بن أبي العاص" فلا أدري هو هذا أو غيره وعهدنا بالشيخ أنه يعتد بتوثيق ابن حبان للمجهولين كما سبق بيانه من كلامه فلماذا إذن يضعف الشيخ هذا الحديث ولا يصححه مع أنه صحيح على شرطه؟ 1.
لا أريد أن أقول: إنه يكيل بكيلين وأن نهجه في التصحيح والتضعيف ليس هو على ما ثبت في "مصطلح الحديث" وإن كان هو يصرح أنه ليس من أهل ذلك كما سبق نقله عنه ولكن لعله حين يكون الحديث مخالفا لمذهبه لا ينشط لتحقيق القول فيه على مقتضى علم الحديث - على قدر معرفته به - خشية أن يتبين له صحته فيكتفي في تضعيفه بأي شيء عثر عليه ولو.
1 وقال الشوكاني في "نيل الأوطار": "سكت عنه أبو داود والمنذري وابن حجر في "التلخيص" ورجال إسناده ثقات".
كخيوط القمر وإذا كان الحديث موافقا لمذهبه لم ينشط أيضا للنظر فيه مخافة أن يتبين له ضعفه ويقنع في تصحيحه بأي قول وجده ولو كان خلاف القواعد العلمية.
وخلاصة القول: أن هذا الحديث صحيح على طريقة الشيخ وأما نحن فحسبنا فيه أنه شاهد ثان لحديث أنس وإن كان سنده فيه ما في الشاهد الأول فتضعيف الشيخ إياه خطأ بين على جميع الاحتمالات كما لا يخفى لأن أقل أحواله أنه حسن لغيره.
4 -
دلالة الحديث على ما دل عليه حديث أنس.
وأما قول الشيخ: إن الحديث لو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه أنه خرج بعد الصبح فركب ثم أكل فيحتمل أنه خرج من بيته قبل الفجر.
فأقول: الاحتمال المذكور باطل من وجوه:
أولا: أنه خلاف المتبادر من الحديث.
ثانيا: أنه خلاف ما فهم منه العلماء الذين خرجوه فهذا أبو داود يترجم له بقول: "باب متى يفطر المسافر إذا خرج؟ " يشير بذلك إلى أن أبا بصرة كان خرج صائما ثم أفطر وهذا المجد ابن تيمية ترجم له بقوله: "من سافر في أثناء يوم هل يفطر فيه؟ ومتى يفطر؟ " ومثله وأصرح منه قول البيهقي الآتي قريبا إن شاء الله تعالى.
ثالثا: أن أبا بصرة لو خرج قبل الفجر - كما ادعى الشيخ - فمعنى ذلك أنه سافر قبل أن يجب عليه الصيام لعدم وجود شرطه وهو الإقامة ومن المعلوم أن مثل هذا يجوز له الأكل بعد الفجر بنص القرآن واتفاق المسلمين بل إن بعضهم أوجبه عليه فإذ الأمر كذلك فهل يعقل أن يعترض عليه عبيد بن جبير بقول: "ألست ترى البيوت؟ " فلا شك أن هذا القول منه دليل على أن أبا بصرة خرج صائما وأنه أكل بعد الفجر وأفطر فأراد عبيد رحمه الله أن يلفت نظره إلى ما ظنه مانعا من.
الإفطار وهو كونه لا يزال في حكم المقيم لأنه لم يجاوز البيوت فأخبره أبو بصرة رضي الله عنه بأن المجاوزة ليست بشرط وأن التمسك به خلاف السنة..
هذا هو المعنى الذي يمكن فهمه من الحديث إذا تجردنا عن الهوى والتقليد الأعمى وهو الذي فهمه العلماء كما ذكرت في الوجه الأول. ويشهد لذلك أيضا ترجمة البيهقي للحديث بقوله: "باب من قال يفطر وإن خرج بعد طلوع الفجر".
فهذا نص قاطع على بطلان ما تأول الشيخ الحديث به من المعنى وهو مما يدل على أن الشيخ يجتهد في فهم الأحاديث - خلاف ما يتظاهر به - وكأنه - ألهمنا الله الصواب جميعا - يجتهد لهدمها وإبطال معانيها حتى لا تتعارض مع مذهبه فالمذهب هو الأصل عنده والحديث تبع له وهذا خلاف ما يجب أن يكون عليه المسلم كما سبق التنبيه عليه "ص 37" وخلاف ما جرى عليه العلماء المنصفون حتى من كان منهم معروفا باتباعه.
لمذهب من المذاهب الأربعة وأقرب شاهد لدينا على ذلك الإمام البيهقي رحمه الله فإنه مع اتباعه للمذهب الشافعي وتأييده له في أكثر مسائله فسر الحديث بقوله الذي ذكرته آنفا بخلاف ما ذهب إليه الإمام الشافعي رحمه الله تعالى ولم يحمله معنى لا يتحمله ولا يساعد عليه الذوق العربي والفهم السليم كما صنع غيره وهو ينتمي لمذهب الشافعي أيضا.
رابعا: قول عبيد بن جبير: "ثم قرب غداءه" فإن فيه إشارة إلى أن الخروج والأكل كان غدوة وهي ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كما نقله الشيخ نفسه عن القاموس.
فإذا ثبت هذا فلا أدري ما وجه تأييد الشيخ ما ذهب إليه في تأويل الحديث من المعنى بقول عبيد هذا؟ لأن أكل أبي بصرة سواء كان في أول النهار - وهو بعد الفجر – أو كان بعد طلوع الشمس فلا يؤيد بوجه من الوجوه قول الشيخ أن الخروج كان قبل الفجر.