الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الجهاد
ــ
باب الجهاد
أي باب في بيان أحكام الجهاد: أي القتال في سبيل الله مأخوذ من المجاهدة، وهي المقاتلة في سبيل الله.
واعلم، أنه ورد في الجهاد من الآيات والاخبار ما يطول ذكره ويتعذر حصره، فمن الأول قوله تعالى: * (كتب عليكم القتال وهو كره لكم) * وقوله تعالى: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) * وقوله تعالى: * (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد) * وقوله تعالى: * (أذن الذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير) * وقوله تعالى: * (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون) * الآية.
ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم وقوله عليه السلام: اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله، فواق نافة وجبت له الجنة.
والفواق ما بين الحلبتين، وقوله عليه السلام: أن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض وقوله عليه السلام: ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله فتمسه النار.
وقوله عليه السلام: لا يلج النار رجل بكى من خشية الله تعالى، حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا.
وقوله عليه السلام: من رمى بسهم في سبيل الله كان له كعدل محرر وقوله عليه السلام: من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا بوعده، فإن شبعه وريه وروثه وبوله في ميزانه يوم القيامة.
يعني حسنات.
وقد ورد في فضل الشهادة أيضا شئ كثير: فمن ذلك قوله تعالى: * (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون.
فرحين بما آتاهم الله من فضله) * وقوله تعالى: * (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم.
سيهديهم ويصلح بالهم.
ويدخلهم الجنة عرفها لهم) * وقوله صلى الله عليه وسلم: إن للشهيد عند الله سبع خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلية الايمان، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار: الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه.
واعلم، أنه ينبغي لكل مسلم أن ينوي الجهاد في سبيل الله، ويحدث نفسه به حتى يسلم من الوعيد الوارد في ترك ذلك، وذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شبهة من النفاق وينبغي الاكثار من سؤال الشهادة.
قال عليه الصلاة والسلام: من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه.
نسأل الله العظيم أن يمن علينا بالشهادة وبالحسنى وزيادة.
(1) سورة البقرة، الاية:216.
(2)
سورة البقرة، الاية:193.
(3)
سورة التوبة، الاية:5.
(4)
سورة الحج، الاية:39.
(5)
سورة التوبة، الاية:111.
(6)
سورة آل عمران، الاية:169.
(7)
سورة محمد، الاية:4.
(هو فرض كفاية كل عام) ولو مرة إذا كان الكفار ببلادهم، ويتعين إذا دخلوا بلادنا كما يأتي: وحكم فرض الكفاية أنه إذا فعله من فيهم كفاية سقط الحرج عنه وعن الباقين.
ويأثم كل من لا عذر له من المسلمين إن
تركوه وإن جهلوا.
وفروضها كثيرة (كقيام بحجج دينية) وهي البراهين على إثبات الصانع سبحانه وما يجب له
ــ
(قوله: هو) أي الجهاد فرض كفاية، أما كونه فرضا فبالاجماع.
وأما كونه على الكفاية فلقوله تعالى: * (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم، فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى) * ففاضل بين المجاهدين والقاعدين، ووعد كلا الحسنى وهي الجنة، والعاصي لا يوعد بها.
ولا يفاضل بين مأجور ومأزور.
وقال تعالى: * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة) * أي ومكثت طائفة * (ليتفقهوا) * أي الماكثون * (في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم) * فحثهم على أن تنفر طائفة فقط.
فدل ذلك على أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين.
(قوله: كل عام) أي لفعله صلى الله عليه وسلم إياه كل عام منذ أمر به، وكإحياء الكعبة فإنه فرض كفاية في كل عام.
(وقوله: ولو مرة) أي ولو فعل في كل عام مرة، فإنه يكفي، والمرة في الجهاد هي أقله.
وعبارة المغني: أقل الجهاد مرة في السنة كإحياء الكعبة، ولقوله تعالى: * (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين) *.
قال مجاهد: نزلت في الجهاد، ولان الجزية تجب بدلا عنه، وهي واجبة في كل سنة، فكذا بدلها، فإن زاد على مرة فهو أفضل.
وتحصل الكفاية بأن يشحن الامام الثغور بمكافئين للكفار، مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد الامراء، أو بأن يدخل الإمام أو نائبه دار الكفر بالجيوش لقتالهم، ووجوب الجهاد وجوب الوسائل لا المقاصد: إذ المقصود بالقتال إنما هو الهداية، وما سواها من الشهادة.
وأما قتل الكفار فليس بمقصود، حتى لو أمكن الهداية بإقامة الدليل بغير جهاد كان أولى من الجهاد.
اه.
بحذف.
ثم إن محل الاكتفاء فيه بمرة إذا لم يحتج إلى زيادة، احتيج إليها،
زيد بقدر الحاجة.
(قوله: إذا كان الخ) قيد لكونه فرض كفاية: أي أنه فرض كفاية في كل عام إذا كان الكفار حالين في بلادهم لم ينتقلوا عنها.
(قوله: ويتعين) أي الجهاد، أي يكون فرض عين، والملائم أن يقول وفرض عين الخ.
(وقوله: إذا دخلوا بلادنا) أي بلدة من بلاد المسلمين ومثل البلدة القرية وغيرها.
(قوله: كما يأتي) أي في المتن في قوله وإن دخلوا بلدة لنا تعين الخ.
(قوله: وحكم فرض الكفاية) أي مطلقا جهادا كان أو غيره.
(قوله: أنه إذا فعله من فيهم كفاية) أي لمقاومة الكفار، وإن لم يكونوا من أهل فرض الجهاد، كالصبيان والمجانين والنساء، وذلك لأنه أقوى نكاية في الكفار (وقوله: سقط الحرج) أي الاثم (وقوله: عنه) أي عن الفاعل إن كان من أهله.
(وقوله: وعن الباقين) أي الذين لم يفعلوا الجهاد لحصول الكفاية بفعل من فيه كفاية (قوله: ويأثم إلخ) داخل في حكم فرض الكفاية.
(وقوله: من لا عذر له من المسلمين) فإن كان به عذر فلا يأثم.
(وقوله: إن تركوه) أي كلهم.
(وقوله: وإن جهلوا) أي يأثمون بالترك، وإن كانوا جاهلين بفرضية الجهاد عليهم.
قال في التحفة: أي وقد قصروا في جهلهم به، أخذا من قولهم لتقصيرهم، كما لو تأخر تجهيز ميت بقرية: أي ممن تقضي العادة بتعهده، فإنه يأثم وإن جهل موته، لتقصيرهم بعدم البحث عنه.
اه.
(قوله: وفروضها) أي الكفاية كثيرة، ولما كان شأن فروض الكفاية مهما لكثرتها وخفائها، ذكر جملة منها هنا.
(قوله: كقيام بحجج دينية) أي وقيام بحل مشكلة في الدين، وإنما كان ما ذكر من فروض الكفايات لتندفع الشبهات، وتصفو الاعتقادات عن تمويهات المبتدعين، ومعضلات الملحدين، ولا يحصل كمال ذلك إلا بإتقان قواعد علم الكلام، المبنية على الحكميات والالهيات.
ومن ثم قال الامام: لو بقي الناس على ما كانوا عليه في صفوة الاسلام، لما أوجبنا التشاغل به، وربما نهينا عنه - أي كما جاء عن الائمة كالشافعي، بل جعله أقبح مما عدا الشرك.
فأما الآن - وقد ثارت البدع ولا سبيل إلى تركها تلتطم - فلا بد من إعداد ما يدعي به إلى المسلك الحق، وتحل به الشبهة فصار الاشتغال بأدلة المعقول، وحل الشبهة من فروض الكفايات، وأما من استراب في أصل من أصول الاعتقاد فيلزمه السعي في إزالته،
(1) سورة النساء، الاية:95.
(2)
سورة التوبة، الاية:122.
(3)
سورة التوبة، الاية:122.
من الصفات ويستحيل عليه منها وعلى إثبات النبوات وما ورد به الشرع من المعاد والحساب وغير ذلك.
(وعلوم شرعية) كتفسير وحديث وفقه زائد على ما لا بد منه وما يتعلق بها بحيث يصلح للقضاء والافتاء للحاجة إليهما (ودفع ضرر معصوم) من مسلم وذمي ومستأمن جائع لم يصل لحالة الاضطرار أو عار أو نحوهما.
والمخاطب به كل موسر بما زاد على كفاية سنة له ولممونة عند احتلال بيت المال وعدم وفاء زكاة (وأمر بمعروف) أي
ــ
حتى تستقيم عقيدته.
اه.
تحفة.
(قوله: وهي البراهين إلخ) أي أن الحجج هي البراهين الدالة على إثبات الصانع سبحانه وتعالى، وإثبات ما يجب له سبحانه وتعالى من الصفات المتقدم بيانها في أول الكتاب، وإثبات ما يستحيل عليه
منها.
(قوله: وعلى إثبات النبوات) أي والبراهين الدالة على إثبات ما يتعلق بالانبياء مما يجب لهم من الصفات، ويستحيل عليهم منها.
(قوله: وما ورد به الشرع) أي من كل ما أخبر به الشارع صلى الله عليه وسلم من البعث، والنشور، والحساب، والعقاب، ودخول الجنة، وغير ذلك.
(قوله: وعلوم شرعية) أي وكقيام بعلوم شرعية، فهو معطوف على بحجج.
(وقوله: كتفسير الخ) تمثيل لها.
(وقوله: زائد) صفة لفقه: أي وفرض الكفاية منه القيام بالزائد على ما لا بد منه، أما القيام بما لا بد منه فهو فرض عين.
(قوله: وما يتعلق بها) معطوف على علوم شرعية، وليس معطوفا على تفسير الخ.
لافادته أنه من العلوم الشرعية مع أنه ليس منها.
والمراد بما يتعلق بالعلوم الشرعية، ما تتوقف عليه من علوم العربية، وأصول الفقه، وعلم الحساب، المضطر إليه في المواريث والاقارير والوصايا، فتجب الاحاطة بذلك كله لشدة الحاجة إليه.
(قوله: بحيث يصلح للقضاء والافتاء) مرتبط بعلوم شرعية، والباء لتصوير القيام بها، الذي هو فرض كفاية: أي ويتصور القيام بها المسقط للحرج، بأن يتلبس بحالة هي أن يصلح للقضاء أو الافتاء.
قال في النهاية: وإنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على كل مكلف حر ذكر غير بليد مكفي ولو فاسقا، غير أنه لا يسقط به لعدم قبول فتواه، ويسقط بالعبد والمرأة في أوجه الوجهين.
وبقوله غير بليد مع قول المصنف رحمه الله تعالى كابن الصلاح، أن الاجتهاد المطلق انقطع من نحو ثلاثمائة سنة، يعلم أنه لا إثم على الناس اليوم بتعطيل هذا الفرض، وهو بلوغ درجة الاجتهاد المطلق، لان الناس صاروا كلهم بلداء بالنسبة إليها.
أي إلى درجة الاجتهاد.
اه.
ومثله في التحفة.
(قوله: للحاجة إليهما) أي إلى القضاء والافتاء، وهو علة لتصوير القيام بها بما ذكر.
(قوله: ودفع ضرر معصوم) يصح عطفه على قيام، أي وكدفع ضرر الخ، ويصح عطفه على حجج: أي وكالقيام بدفع.
قال في النهاية: هل المراد بدفع ضرر من ذكر ما يسد الرمق أم الكفاية؟ قولان أصحهما ثانيهما، فيجب في الكسوة ما يستر كل البدن، على حسب ما يليق بالحال من شتاء وصيف.
ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما، كأجرة طبيب، وثمن دواء، وخادم منقطع، - كما هو واضح.
اه.
(وقوله: معصوم) خرج غيره كالحربي والمرتد وتارك الصلاة، فلا يجب دفع ضررهم.
(قوله: من مسلم الخ) بيان للمعصوم.
(قوله: جائع) صفة لمعصوم.
(وقوله: لم يصل لحالة الاضطرار) أما إذا وصل إليها فيجب إطعامه على كل من علم به، ولو لم يزد ما عنده عن كفاية سنة، وإن كان يحتاجه عن قرب.
(قوله: أو عار) معطوف على جائع.
(قوله: أو نحوهما) أي نحو الجائع والعاري كمريض.
(قوله: والمخاطب به) أي بدفع الضرر عمن ذكر.
(قوله: بما زاد) متعلق بموسر.
(قوله: عند اختلاف الخ) متعلق بالمخاطب: أي أن المخاطب بدفع الضرر الموسر عند عدم انتظام بيت المال، وعدم
وفاء الزكاة، أو نحوها بكفايته، فإن لم يختل ما ذكر، أو وقت الزكاة بها، لا يكون الموسر هو المخاطب به، بل يكون دفع ضرره من بيت المال أو من الزكاة.
(وقوله: وعدم وفاء زكاة) أي أو نذر أو وقف أو وصية، بسد حاجات المحتاجين.
(قوله: وأمر بمعروف) أي وكأمر بمعروف أو قيام بأمر الخ، فهو بالجر معطوف على قيام أو على حجج كما تقدم.
واعلم أنه ورد في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من الآيات والاخبار شئ كثير لا يكاد يحصر، فمن الأول قوله تعالى: * (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) * ومن
(1) سورة آل عمران، الاية:104.
واجبات الشرع والكف عن محرماته فشمل النهي عن منكر - ي المحرم - لكن محله في واجب أو حرام مجمع عليه، أو في اعتقاد الفاعل والمخاطب به كل مكلف لم يخف على نحو عضو ومال وإن قل ولم يغلب على ظنه أن فاعله يزيد فيه عنادا وإن علم عادة أنه لا يفيده بأن يغيره بكل طريق أمكنه من يد فلسان فاستغاثة بالغير فإن عجز أنكره بقلبه.
وليس لاحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون.
نعم: إن أخبره ثقة بمن
ــ
الثاني قوله عليه السلام: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.
وذلك أضعف الايمان وفي رواية أخرى: ليس وراء ذلك - يعني الانكار بالقلب - من الايمان مثقال ذرة وقوله عليه الصلاة والسلام: ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر.
(قوله: أي واجبات الخ) تفسير للمعروف: أي أن المراد به شيئان واجبان، الشرع والكف عن محرماته.
(وقوله: فشمل) أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تفريع على تفسيره المعروف بما ذكر.
وبيان ذلك أنه إذا أريد بالمعروف ما يشمل الكف عن المحرم، وأريد من الامر الامر اللغوي، وهو الطلب سواء عبر عنه بصيغة الامر الاصطلاحي، أو بصيغة النهي، صدق ذلك بالنهي عن المنكر.
إذ هو طلب الكف عن المحرم.
والقصد من ذلك كله دفع ما يرد على اقتصاره على الامر بالمعروف، من أن مقتضاه أن النهي عن المنكر، ليس من فروض الكفاية، مع أنه منها.
وحاصل الجواب أن عبارته صادقة به أيضا، فلا إيراد.
(قوله: لكن محله) أي محل وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(وقوله: مجمع عليه) صفة لكل من واجب ومن حرام، والمجمع عليه منهما هو ما علم وجوبه بالنسبة للاول، وتحريمه بالنسبة للثاني من الدين بالضرورة.
والاول: كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك، والثاني: كالزنا واللواط وشرب الخمر.
وخرج بالمجمع عليه المختلف فيه منهما، فليس القيام به من فروض الكفاية، فلا يأمر الشافعي الحنفي بالبسملة في الفاتحة، كما أنه لا ينهى المالكي عن استعمال الماء القليل الواقع فيه نجاسة لم تغيره، ولا يرد حد الشافعي حنفيا شرب نبيذا يري إباحته لضعف أدلته، ولان العبرة بعد الرفع للقاضي بإعتقاده فقط.
(قوله: أو في اعتقاد الفاعل) معطوف على مجمع عليه: أي أو واجب أو حرام في اعتقاد الفاعل، فله أن يأمر به أو ينهى عنه، وإن كان على
خلاف اعتقاده.
قال في النهاية: ولا ينكر العالم مختلفا فيه، حتى يعلم من فاعله اعتقاد تحريمه له حال ارتكابه، لاحتمال أنه حينئذ قلد القائل بحله أو أنه جاهل بحرمته، أما من ارتك ب ما يرى إباحته بتقليد صحيح، فلا يحل الانكار عليه.
اه.
(قوله: والمخاطب به) أي بالامر بالمعروف الشامل للنهي عن المنكر (قوله: لم يخف إلخ) قال في الروض وشرحه: ولا يسقط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلا لخوف منهما على نفسه أو ماله أو عضوه أو بضعه، أو لخوف مفسدة على غيره أكثر من مفسدة المنكر الواقع، أو غلب على ظنه أن المرتكب يزيد فيما هو فيه عنادا.
اه.
(قوله: وان علم عادة الخ) غاية لقوله والخاطب به كل مكلف: أي هو مخاطب بما ذكر، وإن علم عادة أن أمره أو نهيه لا يفيد المأمور أو المنهي شيئا.
قال في الروض وشرحه: ولا يختص الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بمسموع القول، بل عليه - أي على كل مكلف - أن يأمر وينهى وإن علم بالعادة أنه لا يفيد، فإن الذكرى تنفع المؤمنين، فلا يسقط ذلك عن المكلف بهذا العلم، لعموم خبر: من رأى منكم إلخ، ولا يشترط في الآمر والناهي كونه ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه أن يأمر وينهى نفسه وغيره، فإن اختل أحدهما لم يسقط الآخر.
اه.
(قوله: بأن يغيره) تصوير للنهي عن المنكر المندرج تحت الامر بالمعروف.
وعبارة فتح الجواد بعد قوله والمخاطب به الخ: فعليه إنكاره حينئذ بأن يغيره إلخ.
اه.
(قوله: بكل طريق أمكنه) أي بكل شئ ممكن له يزيل به المنكر.
(وقوله: من يد الخ) بيان للطريق (وقوله: فاستغاثة بالغير) أي يستغيث بغيره لاجل أن يعينه على إزالة المنكر.
(قوله: فإن عجز) أي عن تغيير بيده الخ.
(وقوله: أنكره بقلبه) قال في التحفة.
تنبيه: ظاهر كلامهم أن الامر والنهي بالقلب من فروض الكفاية، وفيه نظر ظاهر، بل الوجه أنه فرض عين، لان المراد منهما به الكراهة والانكار به، وهذا لا يتصور فيه أن يكون إلا فرض عين.
فتأمله فإنه مهم نفيس.
اه.
اختفى بمنكر لا يتدارك كالقتل والزنا لزمه ذلك.
ولو توقف الانكار على الرفع للسلطان لم يجب لما فيه من هتك حرمة وتغريم مال.
قاله ابن القشيري.
قال شيخنا: وله احتمال بوجوبه إذا لم ينزحر إلا به هو الاوجه، وكلام الروضة وغيرها صريح فيه.
انتهى.
(وتحمل شهادة) على أهل له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر
ــ
(قوله: وليس لاحد البحث الخ) قال سيدنا الحبيب عبد الله الحداد في نصائحه الدينية.
واعلم، أنه ليس بواجب على أحد أن يبحث عن المنكرات المستورة، حتى ينكرها إذا رآها، بل ذلك محرم لقوله تعالى: * (ولا تجسسوا) * ولقول النبي عليه السلام: من يتتبع عورة أخيه يتتبع الله عورته الحديث، وإنما الواجب هو الامر بالمعروف عندما ترى التاركين له في حال تركهم، والانكار للمنكر كذلك، فاعلم هذه الجملة فإنا رأينا كثيرا من الناس يغلطون فيها.
ومن المهم أن لا تصدق ولا تقبل كل ما ينقل إليك من أفعال الناس وأقوالهم المنكرة، حتى تشاهد
ذلك بنفسك أو ينقله إليك مؤمن تقي لا يجازف ولا يقول إلا الحق، وذلك لان حسن الظن بالمسلمين أمر لازم، وقد كثرت بلاغات الناس بعضهم على بعض، وعم التساهل في ذلك، وقلت المبالاة، وارتفعت الامانة، وصار المشكور عند الناس من وافقهم على أنفسهم - وإن كان غير مستقيم لله - والمذموم عندهم من خالفهم - وإن كان عبدا صالحا - فتراهم يمدحون من لا يستأهل المدح لموافقته إياهم، وسكوته على باطلهم، ويذمون من يخالفهم وينصحهم في دينهم.
هذا حال الاكثر إلا من عصم الله، فوجب الاحتراز والتحفظ والاحتياط في جميع الأمور، فإن الزمان مفتون، وأهله عن الحق ناكبون، إلا من شاء الله منهم - وهم الاقلون - اه (قوله: والتجسس) هو البحث عما ينكتم عنك من عيوب المسلمين وعوراتهم، فحينئذ عطفه على البحث مرادف.
(قوله: واقتحام الدور) أي الدخول فيها من غير إذن صاحبها.
(قوله: بالظنون) متعلق بكل من المصادر السابقة.
(قوله: نعم إلخ) استدراك من قوله ليس لاحد الخ.
لانه يوهم أنه ليس له ذلك، ولو أخبره ثقة بشخص اختفى بمنكر الخ، مع أنه ليس كذلك، فدفع هذا الايهام بالاستدراك المذكور.
(قوله: بمن اختفى بمنكر الخ) أي لارادة فعل منكر لا يتدارك لو فعل كالقتل والزنا، فإنه لا يمكن تداركهما بعد حصولهما، بخلاف ما يتدارك كالغصب والسرقة فلا يلزمه فيه ذلك، فإنه يمكن تدارك المغصوب بعد غصبه، والمسروق بعد سرقته.
(قوله: لزمه ذلك) أي ما ذكر من البحث والتجسس واقتحام الدور.
(قوله: ولو توفق الانكار) أي للمنكر: أي إزالته.
(وقوله: على الرفع للسلطان) متعلق بتوقف.
(قوله: لم يجب) أي الرفع إلى السلطان.
(قوله: لما فيه) أي في الرفع.
(وقوله: من هتك حرمة) أي من كشف وفضيحة حرمة المرتكب، وقد أمرنا بسترها ما أمكن.
(وقوله: وتغريم مال) أي تغريم السلطان المرتكب مالا، وهذا إن كان المنكر الذي ارتكبه فيه تغريم ماله، أو كان السلطان جائرا يأخذ مالا نكالا.
(قوله: وله) أي لابن القشيري، (وقوله: احتمال بوجوبه) أي الرفع للسلطان.
(وقوله: إذا لم ينزجر) أي مرتكب المنكر إلا بالرفع إليه (قوله: وهو) أي هذا الاحتمال الاوجه.
(قوله: صريح فيه) أي في هذا الاحتمال.
تتمة: يجب على الإمام أن ينصب محتسبا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وإن كانا لا يختصان بالمحتسب، فيتعين عليه الامر بصلاة الجمعة إذا اجتمعت شروطها، وكذا بصلاة العيد وإن قلنا إنها سنة.
فإن قيل: قال الامام: معظم الفقهاء على أن الامر بالمعروف في المستحب مستحب، وهنا مستحب.
أجيب: بأن محله في غير المستحب، ولا يقاس بالوالي غيره، ولهذا لو أمر الامام بصلاة الاستسقاء أو صومه صار واجبا، ولا يأمر المخالفين له في المذهب بما لا يجوزونه، ولا ينهاهم عما يرونه فرضا عليهم أو سنة لهم.
اه.
مغني.
(قوله: وتحمل شهادة) أي وكتحمل شهادة أو قيام بتحمل شهادة فيجري عليه ما مر من العطف على قيام، أو على حجج، فهو من فروض الكفاية.
(قوله: على أهل له) أي للتحمل: أي بأن يكون مكلفا حرا ذا مروءة وعدالة.
(قوله:
(1) سورة الحجرات، الاية:12.
حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 14
بعذر جمعة (وأدائها) على من يحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين (وكإحياء كعبة) بحج وعمرة كل عام وتشييع جنازة (ورد سلام) مسنون (عن جمع) أي إثنين فأكثر، فيسقط الفرض عن الباقين ويختص
ــ
حضر إليه) أي إلى الاهل الذي يجب عليه التحمل.
(قوله: أو طلبه) أي أو طلب المشهود عليه الاهل الذي يريد التحمل.
(وقوله: إن عذر بعذر جمعة) قيد في كون التحمل يجب بالطلب: أي محل وجوبه عليه بالطلب إن عذر: أي الطالب المشهود عليه، فإن لم يعذر لا يجب التحمل بالطلب.
وعبارة المغني: وتحمل الشهادة إن حضر المشهود عليه، فإن دعا الشاهد المتحمل، لم يجب عليه إلا إن دعاه قاض أو معذور بمرض أو نحوه.
اه.
(قوله: وأدائها) أي وكأداء الشهادة والقيام بأداء الشهادة فهو من فروض الكفاية.
(وقوله: إن كان أكثر من نصاب) قيد في كونه فرض كفاية: أي محل كون الاداء فرض كفاية على المتحمل إن كان أكثر من نصاب.
والنصاب في الشهود يختلف، ففي نحو الزنا أربعة، وفي الاموال والعقود رجلان، أو رجل وامرأتان، ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح وطلاق وعتق رجلان.
وهكذا وسيذكر ذلك في باب الشهادة.
(قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يكن المتحمل أكثر من نصاب، بل كان نصابا فقط، فيكون الاداء فرض عين.
قال في المغني.
تنبيه: التحمل يفارق الاداء من جهة أن التحمل فرض كفاية على الناس، والاداء على من تحمل دون غيره.
قاله الماوردي في باب الشهادة: وفرض الاداء أغلظ من فرض التحمل لقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * اه.
(قوله: وكإحياء الخ) عطف على قوله كقيام.
وانظر لم أعاد العامل؟ والاولى عدم ذكره لكون المعطوفات على نسق واحد، فإحياء الكعبة - أي قصدها بالنسك من جمع - يحصل بهم للشعار فرض كفاية كل عام.
(وقوله: بحج وعمرة) فلا يكفي إحياؤها بأحدهما، ولا بغيرهما كالصلاة والاعتكاف.
تنبيه: قاله في المغنى: ولا يشترط في القائمين بهذا الفرض قدر مخصوص، بل الفرض أن يحجها كل سنة بعض المكلفين.
قاله في المجموع.
قال الاسنوي: ويتجه اعتباره من عدد يظهر بهم الشعار اه.
ونوزع في ذلك.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذا وبين المتطوع بالحج، لأن إحياء الكعبة بالحج من فروض الكفايات فكل، وقد
يجيئون كل سنة للحج، فهم يحيون الكعبة، فمن كان عليه فرض الاسلام حصل ما أتى به سقوط فرضه، ومن لم يكن عليه فرض الاسلام كان قائما بفرض الكفاية فلا يتصور حج التطوع؟.
أجيب: بأن هنا جهتين من حيثيتين: جهة التطوع من حيث إنه ليس عليه فرض الاسلام، وجهة فرض الكفاية من حيث الامر بإحياء الكعبة، فيصح أن يقال هو تطوع من حيث إنه ليس فرض عين، وأن يقال فرض كفاية من حيث الاحياء، وبأن وجوب الاحياء لا يستلزم كون العبادة فرضا، لان الواجب المتعين قد يسقط بالمندوب، كاللمعة المغفلة في الوضوء تغسل في الثانية أو الثالثة، والجلوس بين السجدتين بجلسة الاستراحة.
وإذا سقط الواجب المتعين بفعل المندوب، ففرض الكفاية أولى.
ولهذا تسقط صلاة الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي.
ولو قيل يتصور ذلك في العبيد والصبيان والمجانين لكان وجيها.
اه.
(قوله: وتشييع جنازة) أي وكتشييع جنازة، فهو فرض كفاية، ومثله غسل الميت وتكفينه والصلاة عليه.
(قوله: ورد سلام) أي وكرد سلام، أي جوابه، فهو فرض كفاية إذا كان المسلم مسلما مميزا غير متحلل به من صلاة، أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) * وأما كونه كفاية فلخبر: يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم.
(وقوله: مسنون) صفة السلام، وخرج به غير المسنون مما سيذكره في قوله ولا يندب السلام على قاضي حاجة الخ فلا يجب رده.
(قوله: عن جمع) عن بمعنى على، وهي ومجرورها متعلق بسلام: أي أن رد السلام الكائن على جماعة فرض كفاية عليهم، إذا قام به واحد منهم سقط الحرج عن
(1) سورة البقرة، الاية:283.
(2)
سورة النساء، الاية:86.
بالثواب، فإن ردوا كلهم - ولو مرتبا - أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة.
ولو سلم جمع مرتبون على واحد فرد مرة قاصدا جميعهم، وكذا لو أطلق على الاوجه أجزأه ما لم يحصل فصل ضار.
ودخل في قولي مسنون سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى.
ويلزمها في
هذه الصورة رد سلام الرجل.
أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي، ومثله ابتداؤه ويكره رد سلامها، ومثله ابتداؤه أيضا.
والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه لطمعه فيها أكثر - بخلاف ابتدائه ورده.
قاله شيخنا.
ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن إذ لا يخشى فتنة حينئذ.
وخرج بقولي عن جمع الواحد
ــ
الباقين.
(قوله: أي اثنين فأكثر) ولا بد أن يكونوا مكلفين، أو سكارى لهم نوع تمييز سمعوه.
(قوله: ويختص) أي الرد بالثواب.
(قوله: فإن ردوا كلهم) أي كل المسلم عليهم.
(وقوله: ولو مرتبا) أي ولو كان ردهم مرتبا، وليس في آن واحد.
(قوله: أثيبوا) أي كلهم.
(وقوله: ثواب الفرض) أي فرض الكفاية.
(قوله: كالمصلين على الجنازة) أي فإنهم يثابون كلهم ثواب الفرض.
فإن قلت: لم لم يسقط الفرض برد الصبي بخلاف نظيره في الجنازة؟.
قلت: لأن القصد ثم الدعاء، وهو منه أقرب للاجابة، والقصد هنا الامن، وهو ليس من أهله.
(قوله: ولو سلم جمع مرتبون) أي أو دفعة.
(قوله: فرد مرة) أي فأجابهم بجواب واحد.
(وقوله: قاصدا جميعهم) أي قاصدا الرد على جميعهم: (وقوله: وكذا لو أطلق) أي لم يقصد شيئا.
وخرج بذلك ما إذا قصد الابتداء فلا يسقط به الفرض.
(قوله: أجزأه) أي الرد عن الجميع.
(قوله: ما لم يحصل فصل ضار) أي بين السلام والجواب، فإن حصل فصل ضار فلا يجزئه، وفيه أنه كيف يتصور عدم وجود فصل ضار بالنسبة لغير السلام الاخير المتصل بالجواب، إذا كان المسلمون كثيرا، وسلم واحد بعد واحد كما هو فرض المسألة.
ثم رأيت في المغني ما يؤيد الاشكال ونص عبارته: وظاهر كلام المجموع أنه لا فرق بين أن يسلموا دفعة واحدة أو متفرقين، وهو كما قاله بعض المتأخرين ظاهر فيما إذا سلموا دفعة واحدة، أما لو سلموا واحدا بعد واحد، وكانوا كثيرين، فلا يحصل الرد لكلهم: إذ قد مر أن شرط حصول الواجب، أن يقع متصلا بالابتداء.
اه.
(قوله: سلام امرأة على امرأة) أي فإنه مسنون.
(قوله: أو نحو محرم) بالجر عطف على امرأة: أي سلامها على نحو محرم، والأولى حذف لفظ نحو، لأن ما اندرج تحته صرح به بعد.
(قوله: أو سيد أو زوج) أي أو سلامها على زوج أو سيد.
(قوله: وكذا على أجنبي) أي وكذا دخل في المسنون، سلامها على رجل أجنبي، والحال أنها عجوز لا تشتهي.
(قوله: ويلزمها) أي المرأة.
(وقوله: في هذه الصورة) أي صورة كونها عجوزا لا تشتهي.
(وقوله: رد سلام الرجل) أي إذا سلم الرجل عليها وهي عجوز لا تشتهي، لزمها أن ترد عليه، لان سلامه عليها مسنون كسلامها عليه.
(أما مشتهاة إلخ) مفهوم قوله لا تشتهي.
والحاصل: يحرم الرد عند اختلاف الجنس بشروط أربعة: كون الانثى وحدها، وكونها مشتهاة، وكون الرجل وحده، وانتفاء المحرمية ونحوها: كالزوجية.
(قوله: ومثله) أي ومثل الرد في حرمته منها ابتداؤه منها، فإنها حرام.
(قوله: ويكره رد سلامها) أي يكره على الاجنبي أن يرد سلام المشتهاة.
(وقوله: ومثله) أي الرد في الكراهة، ابتداء السلام منه عليها.
(قوله: والفرق) أي بين ابتدائها وردها حيث حرما، وبين رده وابتدائه حيث كرها.
(وقوله: أن ردها) أي الاجنبية المشتهاة على الاجنبي.
(وقوله: وابتداءها) أي ابتداء السلام منها عليه.
(وقوله: يطمعه لطمعه فيها أكثر) في بعض نسخ الخط إسقاط لفظة لطمعه، وهو الصواب الموافق لما في التحفة، وإلا لزم تعليل الشئ بنفسه.
والمراد إن كلا من ردها سلام الاجنبي، أو ابتدائها بالسلام عليه، يطمع ذلك الاجنبي فيها طمعا أكثر من طمعه فيها الحاصل برده عليها، أو ابتدائها به.
(قوله: بخلاف ابتدائه ورده) أي فلا يطمعه كل منهما فيها أكثر.
(قوله: قاله شيخنا) أي قال ما ذكر
فالرد فرض عين عليه ولو كان المسلم صبيا مميزا.
ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع المحقق ولو في ثقيل السمع.
نعم: إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته فالذي يظهر - كما قاله شيخنا - أنه يلزمه الرفع وسعيه دون العدو خلفه.
ويجب اتصال الرد بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه.
ولا بأس بتقديم عليك في رد سلام الغائب لان الفصل ليس بأجنبي.
وحيث زالت الفورية فلا قضاء - خلافا لما يوهمه كلام الروياني.
ويجب في الرد على الاصم أن يجمع بين اللفظ والاشارة ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له
ــ
من قوله ودخل في قولي مسنون، لا الفرق فقط، وإن كان هو ظاهر عبارته كما يعلم من الوقوف على عبارة شيخه في التحفة.
(قوله: ولو سلم) أي أجنبي.
(وقوله: على جمع نسوة) التركيب إضافي أو توصيفي.
(قوله: وجب إلخ) جواب لو، (وقوله: رد إحداهن) فلو رددن كلهن جاز وأثبن ثواب الفرض، فالتقييد بإحداهن ليس بمتعين.
قال في المغني: ولا يكره أي الرد على جمع نسوة أو عجوز، لانتفاء خوف الفتنة، بل يندب الابتداء به منهن على غيرهن وعكسه.
اه.
(قوله: إذ لا يخشى فتنة حينئذ) أي حين إذ كن جمعا، وهو علة وجوب الرد.
(قوله: وخرج بقولي عن جمع الواحد) أي المسلم عليه الواحد.
(وقوله: فالرد فرض عين عليه) أي جواب السلام يكون فرض عين عليه، لكن إن كان مكلفا.
(قوله: ولو كان المسلم إلخ) غاية في كونه فرض عين.
(قوله: ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت) أي فلا تسقط سنية الابتداء إلا برفع الصوت، ولا تسقط فرضية الرد إلا بذلك أيضا.
(وقوله: بقدر ما يحصل به السماع) أي أنه يرفع كل من المبتدئ والراد صوته بقدر ما يحصل به سماع كل للآخر سماعا محققا، ولو بالنسبة لثقيل السمع.
قال في الأذكار: وأقل السلام الذي يصير به مسلما مؤديا سنة السلام، أن يرفع صوته بحيث يسمع المسلم عليه، فإن لم يسمعه، لم يكن آتيا بالسلام، فلا يجب الرد عليه.
وأقل ما يسقط به فرض رد السلام، أن يرفع صوته بحيث يسمعه المسلم، فإن لم يسمعه، لم يسقط عنه فرض الرد.
ذكرهما المتولي وغيره.
قلت: والمستحب أن يرفع صوته رفعا يسمعه به المسلم عليه، أو عليهم سماعا محققا، وإذا تشكك في أنه يسمعهم زاد في رفعه واحتاط.
واستثنى ما إذا سلم على إيقاظ عندهم نيام، فالسنة أن يخفض صوته بحيث يحصل سماع الايقاظ ولا يستيقظ النيام.
اه.
(قوله: نعم الخ) استدراك على إشتراط حصول السماع المحقق.
(وقوله: إن مر الخ) فاعل مر يعود على المسلم، وكذلك ضمير يبلغه، وباقي الضمائر يعود على المسلم عليه.
والمعنى: إذا سلم شخ ص وهو مار بسرعة على آخر، وبعد عنه بحيث أنه إذا رد عليه، لم يبلغ المسلم صوته يجب على ذلك الآخر المسلم عليه، أن يرفع صوته طاقته، ولا يجب عليه أن يسعى خلفه، سواء بلغه صوته أم لا.
(قوله: ويجب اتصال الرد بالسلام) أي الصادر من المسلم نفسه، أو من المبلغ، فالاتصال في كل شئ بحسبه.
فلا يعترض.
ويقال أن ذاك ظاهر فيما لو كان السلام حصل من المسلم مشافهة، أما إذا كان بالتبليغ، فلا يتصور: أي فلو فصل بينهما كلام أجنبي، أو سكوت طويل، لم يسقط به الفرض.
(قوله: كإتصال قبول إلخ) أي نظير وجوب إتصال قبول البيع بإيجابه.
(قوله: ولا بأس بتقديم عليك إلخ) أي بأن يقول فيه كما سيأتي، وعليك وعليه السلام، فالفصل بعليك غير مضر، لانه ليس بأجنبي، أو هو مستثنى، كما عبر به بعضهم.
(قوله: وحيث زالت الفورية) أي في الرد، أي لم يحصل رد فورا، والانسب بما قبله أن يقول وحيث لم يحصل الاتصال.
(وقوله: فلا قضاء) أي فلا يقضى الرد، بل يفوت عليه ويأثم بذلك.
قال سم: ويؤيد عدم القضاء، أو يصرح به، قول الاذكار: فصل قال الإمام أبو محمد القاضي حسين، والامام أبو الحسن الواحدي وغيرهما: ويشترط أن يكون الجواب على الفور، فإن أخره ثم رد، لم يعد جوابا، وكان آثما بترك الرد.
اه.
فقوله لم يعد جوابا وكان آثما الخ: يقتضي ذلك، إذ لو كان يقضى، لم يقل بترك الرد: كأن يقول بتأخير الرد.
اه.
(قوله: خلافا لما يوهمه كلام الروياني) أي من أنه يقضى إذا زالت الفورية.
(قوله: ويجب في الرد على الاصم الخ) به يعلم الفرق بين ثقيل السمع وبينه.
المسلم عليه بين اللفظ والاشارة (وابتداؤه) أي السلام عند إقباله أو انصرافه على مسلم غير نحو فاسق أو مبتدع حتى الصبي المميز وإن ظن عدم الرد (سنة) عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتمسية للاكل لخبر: أن أولى
ــ
(قوله: إن يجمع) أي الراد ليحصل الافهام، ويسقط عنه فرض الجواب.
(وقوله: بين اللفظ والاشارة) أي بنحو اليد.
ويغني عن الاشارة علمه بأن الاصم فهم بقرينة الحال، والنظر إلى فهمه الرد عليه.
كذا في شرح الروض.
(قوله: ولا يلزمه الرد إلخ) أي ولا يلزم الاصم الرد على من سلم عليه، إلا إن جمع له من سلم عليه بين اللفظ والاشارة.
قال في الروض وشرحه.
وتجزئ إشارة الاخرس إبتداء وردا، لان إشارته قائمة مقام العبارة.
(قوله: وابتداؤه أي السلام) يؤخذ من قوله إبتداؤه، أنه لو أتى به بعد تكلم لم يعتد به.
نعم: يحتمل في تكلم سهوا أو جهلا، وعذر به أنه لا يفوت الابتداء به فيجب جوابه.
اه.
تحفة.
(قوله: عند إقباله) أي على شخص مسلم.
(وقوله: أو انصرافه) أي عنه: أي إذا أراد أن ينصرف عنه، يسن للمنصرف إبتداء السلام عليه.
(قوله: على مسلم) متعلق بالسلام.
وخرج به الكافر، فلا يسن السلام عليه، بل يحرم - كما سيذكره - (قوله: غير نحو فاسق أو مبتدع) سيأتي محترزهما.
(قوله: حتى الصبي المميز) غاية في المسلم: أي يسن السلام عليه، ولو كان صبيا مميزا.
(قوله: وإن ظن عدم الرد) غاية في سنية ابتداء السلام على مسلم.
فلو أخرها عن قوله سنة لكان أولى (قوله: سنة) قال الحليمي: وإنما كان الرد فرضا والابتداء سنة، لان أصل السلام أمان ودعاء بالسلامة، وكل اثنين أحدهما آمن من الآخر، يجب أن يكون الآخر آمنا منه، فلا يجوز لاحد إذا سلم عليه غيره أن يسكت عنه لئلا يخافه.
اه.
واعلم: أن أصل السلام ثابت بالكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقد قال سبحانه وتعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا
فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) *.
وقال تعالى: * (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) *.
وقال تعالى: * (فقالوا سلاما قال سلام) *.
وأما السنة ففي الصحيحين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الاسلام خير؟ قال تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعر ف.
وفيهما أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خلق الله عزوجل آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك.
فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله.
فزادوه رحمة الله.
وفيهما عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، ونصر الضعيف، وعون المظلوم، وإفشاء السلام، وإبرار القسم.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا.
أو لا أدلكم على شئ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.
(قوله: عينا للواحد) حال من سنة: أي حال كون السنة عينا: أي سنة عين من الواحد.
(قوله: وكفاية للجماعة) أي وسنة كفاية إذا كان من جماعة، فإذا فعله واحد منهم، فقد أدى المطلوب وسقط الطلب به عن الباقين.
قال ابن رسلان في زبده: والسنة المثاب من قد فعله ولم يعاقب امرؤ إن أهمله ومنه مسنون على الكفاية كالبدء بالسلام من جماعة (قوله: كالتسمية للاكل) أي فإنها سنة عين من الواحد، وكفاية من الجماعة.
(قوله: لخبر إلخ) دليل على سنية إبتداء السلام: أي وإنما كان سنة لخبر: إن أولى الناس بالله - أي برحمته، أو بدخول جنته - أي من بدأهم بالسلام.
(1) سورة النور، الاية:61.
(2)
سورة النساء، الاية:86.
(3)
سورة الذاريات، الاية:25.
الناس بالله من بدأهم بالسلام.
وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره وصيغة ابتدائه السلام عليكم أو سلام عليكم، وكذا عليكم السلام أو سلام، لكنه مكروه للنهي عنه ومع ذلك يجب الرد فيه - بخلاف وعليكم السلام بالواو - إذ لا يصلح للابتداء والافضل في الابتداء والرد الاتيان بصيغة الجمع حتى في الواحد لاجل الملائكة والتعظيم وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته.
ولا يكفي الافراد
ــ
(قوله: وأفتى القاضي بأن الابتداء أفضل) أي من الرد، وإن كان واجبا.
(قوله: كما أن إبراء المعسر أفضل من إنظاره) أي مع أن الابراء سنة، والانظار واجب.
(قوله: وصيغة إبتدائه السلام عليكم) أي وصيغة رده: وعلكيم السلام، أو سلام
ولو ترك الواو جاز - وإن كان ذكرها أفضل - فإن عكس فيهما، بأن قال في الابتداء عليكم السلام، وقال في الرد السلام عليكم، جاز وكفى.
فإن قال في الرد وعليكم وسكت عن السلام لم يجز: إذ ليس فيه تعرض للسلام.
(قوله: وكذا عليكم السلام) أي وكذلك يكفي في صيغة الابتداء عليكم السلام بتقديم الخبر.
(قوله: أو سلام) معطوف على لفظ السلام: أي وكذا يكفي عليكم سلام، بالتنكير وتقديم الخبر.
(قوله: لكنه مكروه) أي لكن الاتيان في الابتداء بعليكم السلام، أو عليكم سلام مكروه، فضمير لكنه يعود على ما بعد، وكذا لا على قوله أو سلام فقط.
وعبارة النهاية: ويجزئ مع الكراهة عليكم السلام، ويجب فيه الرد، وكعليكم السلام عليكم سلام.
اه.
(وقوله: للنهي عنه) أي في خبر الترمذي وغيره.
(قوله: ومع ذلك) أي مع كونه مكروها.
(وقوله: يجب الرد فيه) أي في هذا المكروه.
(قوله: بخلاف وعليكم السلام) أي فإنه لا يجب فيه الرد، لأنه لا يصلح لابتداء السلام، لتقدم واو العطف.
(قوله: والافضل في الابتداء والرد إلخ) قال النووي في الأذكار: اعلم أن الأفضل أن يقول المسلم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فيأتي بضمير الجمع، وإن كان المسلم عليه واحدا ويقول المجيب وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ويأتي بواو العطف في قوله وعليكم.
وممن نص على أن الافضل في المبتدئ أن يقول السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، الامام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي في كتابه الحاوي في كتاب السير، والامام أبو سعيد المتولي من أصحابنا في كتاب صلاة الجمعة وغيرهما.
ودليله ما رويناه في مسند الدارمي وسنن أبي داود والترمذي، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه السلام ثم جلس.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم عشر.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرده عليه فجلس، فقال عشرون.
ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه فجلس، فقال ثلاثون قال الترمذي حديث حسن.
وفي رواية لأبي داود من رواية معاذ بن أنس رضي الله عنه زيادة على هذا: قال: ثم أتى آخر فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومغفرته، فقال أربعون، وقال: هكذا تكون الفضائل.
اه.
(قوله: حتى في الواحد) أي يأتي المبتدئ بصيغة الجمع، ولو كان المسلم عليه واحدا، ويأتي الراد بذلك أيضا، ولو كان المسلم عليه واحدا.
(وقوله: لاجل الملائكة) أي نظرا لمن معه من الملائكة.
قال ابن العربي: إذا قلت السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أو سلمت على أحد في الطريق، فقلت السلام عليكم، فأحضر في قلبك كل عبد صالح لله في الارض والسماء، وميت وحي، فإن من في ذلك المقام يرد عليك، فلا يبقى ملك مقرب، ولا روح مطهر، يبلغه سلامك إلا ويرد عليك، وهو دعاء فيستجاب فيك فتفلح، ومن لم يبلغه سلامك من عباد الله المهيم في
جلاله المشتغل به، فأنت قد سلمت عليه في هذا الشمول، فإن الله ينوب عنه في الرد عليك، وكفى بهذا شرفا لك حيث يسلم عليك الحق.
فليته لم يسمع أحد ممن سلمت عليه، حتى ينوب الله عن الكل في الرد عليك.
اه.
مناوي.
(قوله: وزيادة إلخ) أي والافضل زيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته، لما تقدم آنفا عن النووي، ولما روي عن أنس رضي الله عنه قال: كان رجل يمر بالنبي صلى الله عليه وسلم يرعى دواب أصحابه فيقول السلام عليك يا رسول الله، فيقول له النبي صلى الله عليه وسلم وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه.
فقيل يا رسول الله تسلم على هذا سلاما ما تسلمه على أحد من
للجماعة ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا: أي ما لم يقصد به الابتداء وحده كما بحثه بعضهم وإلا لزم كلا الرد.
فروع: يسن إرسال السلام للغائب ويلزم الرسول التبيلغ لانه أمانة ويجب أداؤها.
ومحله ما إذا رضي بتحمل تلك الامانة.
أما لو ردها فلا وكذا إن سكت.
وقال بعضهم: يجب على الموصى به تبليغه ومحله - كما
قال شيخنا - إن قبل الوصية بلفظ يدل على التحمل ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ في الارسال وبه أو بالكتابة فيها.
ويندب الرد أيضا على المبلغ والبداءة به فيقول عليك وعليه السلام، للخبر المشهور فيه.
وحكى
ــ
أصحابك.
قال وما يمنعني من ذلك وهو ينصرف بأجر بضعة عشر رجلا.
(قوله: ولا يكفي الافراد للجماعة) أي ولا يكفي الافراد في السلام على الجماعة فلا يجب عليهم الرد.
(قوله: ولو سلم كل) أي من اثنين تلاقيا.
(قوله: فإن ترتبا) أي السلامان بأن تقدم أحدهما على الآخر.
(وقوله: كان الثاني جوابا) أي كان السلام الثاني كافيا في الرد: أي إن قصد به الرد أو أطلق أو شرك أخذا مما بعده.
(وقوله: ما لم يقصد) أي المسلم الثاني به: أي بسلامه الابتداء وحده، فإن قصده وحده لم يكف عن الجواب، فيجب عليه رد السلام على من سلم عليه أولا.
(قوله: وإلا لزم كلا الرد) أي وإن لم يترتبا، بأن وقع سلامهما دفعة واحدة، لزم كلا منهما أن يرد سلام الآخر.
(قوله: يسن إرسال السلام) أي برسول أو بكتاب.
(وقوله: للغائب) أي الذي يشرع له السلام عليه لو كان حاضرا بأن يكون مسلما غير نحو فاسق أو مبتدع (قوله: ويلزم الرسول التبليغ) أي ولو بعد مدة طويلة، بأن نسي ذلك ثم تذكره لانه أمانة.
اه.
ع ش (قوله: لأنه) أي السلام المرسل أمانة.
(قوله: ويجب أداؤها) أي الامانة.
قال بعضهم: والظاهر أنه لا يلزم المبلغ قصد محل الغائب، بل إذا اجتمع به وذكر بلغه.
اه.
ونظر فيه في التحفة، وقال: بل الذي يتجه أنه يلزمه قصد محله حيث لا مشقة شديدة عرفا عليه، لان أداء الامانة ما أمكن واجب.
اه.
(قوله: ومحله) أي ومحل لزوم التبليغ عليه.
(وقوله: ما إذا رضي) أي لفظا والأولى حذف لفظ ما والاقتصار على ما بعده.
(وقوله: بتحمل تلك الامانة) أي وهي السلام المرسل للغائب.
(قوله: أما لو ردها) أي تلك الامانة (وقوله: فلا) أي فلا يلزمه التبليغ.
(قوله: وكذا إن سكت) أي وكذا لا يلزمه التبليغ إن سكت ولم يردها لفظا.
قال في التحفة بعده أخذا من قولهم لا ينسب لساكت قول، وكما لو جعلت بين يديه وديعة فسكت.
ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا وعدمه.
اه.
(قوله: وقال بعضهم إلخ) عبارة التحفة: ثم رأيت بعضهم قال: قالوا يجب على الموصى به تبليغه ومحله الخ.
اه.
فالشارح تصرف فيها حتى جعل قوله ومحله الخ من
كلامه وأنه تابع فيه لشيخه مع أنه من مقول البعض، كما يعلم من آخر عبارة التحفة.
(وقوله: يجب على الموصى به تبليغه) يعني إذا أوصى شخص آخر أن يبلغ سلامه على زيد مثلا بعد موته، فيجب على ذلك الشخص الموصى - بفتح الصاد - بالسلام التبليغ.
(قوله: ومحله) أي ومحل وجوب التبليغ على الوصي.
(وقوله: إن قبل الوصية) أي لانه يبعد تكليفه الوجوب بمجرد الوصية.
(وقوله: يدل على التحمل) أي تحمل أمانة السلام.
(قوله: ويلزم المرسل إليه الرد فورا) أي إن أتى الرسول بصيغة معتبرة، كأن قال له فلان يقول لك السلام عليك، أو أتى المرسل بها، كأن قال السلام على فلان فبلغه عني، فقال الرسول له: زيد يسلم عليك.
والحاصل، لا بد في وجوب الرد، من صيغة شرعية من المرسل أو الرسول، بخلاف ما إذا لم توجد من واحد منهما، كأن قال المرسل سلم لي على فلان، فقال الرسول لفلان زيد يسلم عليك، فلا يجب الرد.
(قوله: وبه الخ) معطوف على باللفظ: أي ويلزم المرسل إليه الرد فورا باللفظ أو بالكتابة، فيما إذا أرسل له السلام في كتاب فيلزم الرد إما باللفظ أو بالكتابة.
(قوله: ويندب الرد) أي في ضمن رده على المرسل، كما يعلم من التفريع بقوله فيقول الخ.
(قوله: والبداءة به) أي ويندب البداءة بالمبلغ في صيغة رد السلام.
(قوله: فيقول الخ) بيان لكيفية
بعضهم ندب البداءة بالمرسل.
ويحرم أن يبدأ به ذميا ويستثنيه وجوبا بقلبه إن كان مع مسلم.
ويسن لمن دخل محلا خاليا أن يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
ولا يندب السلام على قاضي حاجة بول أو غائط أو جماع أو استنجاء ولا على شارب وآكل في فمه اللقمة لشغله ولا على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه
ــ
صيغة الرد على المبلغ، مع البداءة به وعلى المرسل: أي فيقول المرسل إليه في الرد عليهما، وعليك وعليه السلام.
(قوله: للخبر المشهور فيه) أي في ندب الرد على المبلغ مع البداءة به، وذلك الخبر هو ما رواه أبو داود في سننه، عن غالب القطان عن رجل قال له: حدثني أبي عن جدي قال: بعثني أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائته فأقرئه السلام، فأتيته فقلت إن أبي يقرئك السلام، فقال عليك السلام وعلى أبيك السلام.
(قوله: ندب البداءة بالمرسل) أي بأن يقول وعليه وعليك السلام.
(قوله: ويحرم أن يبدأ به) أي بالسلام ذميا، وذلك للنهي عنه في خبر مسلم، فإن بان من سلم عليه معتقدا أنه مسلم ذميا، استحب له أن يسترد سلامه، بأن يقول له رد علي سلامي.
والغرض من ذلك أن يوحشه، ويظهر له أنه ليس بينهما ألفة.
وروي أن ابن عمر سلم على رجل، فقيل له إنه يهودي فتبعه، وقال له: رد علي سلامي.
قال النووي في الاذكار: روينا في صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام، فإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروه إلى أضيقه.
وروينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا عليكم.
وروينا في صحيح البخاري، عن
ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك، فقل وعليك.
ثم قال: قال أبو سعيد: لو أراد تحية ذمي فعلها بغير السلام، بأن يقول هداك الله، وأنعم الله صباحك.
قلت: هذا الذي قاله أبو سعيد لا بأس به إذا احتاج إليه، وأما إذا لم يحتج إليه، فالاختيار أن لا يقول شيئا، فإن ذلك بسط له وإيناس، وإظهار صورة مودة، ونحن مأمورون بالاغلاظ عليهم، ومنهيون عن ودهم فلا نظهره.
والله أعلم.
اه.
(قوله: ويستثنيه) أي الذمي وجوبا إن كان ذلك الذمي مع مسلم.
قال النووي في الاذكار أيضا: إذا مر على جماعة فيهم مسلمون، أو مسلم وكفار، فالسنة أن يسلم عليهم، ويقصد المسلمين أو المسلم.
روينا في صحيحي البخاري ومسلم، عن أسامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الاوثان واليهود، فسلم عليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
اه.
(قوله: ويسن لمن دخل إلخ) قال في الروض وشرحه: ومن دخل داره فليسلم ندبا على أهله، لخبر أنس أنه صلى الله عليه وسلم قال له: يا بني، إذا دخلت على أهلك فسلم، يكن بركة عليك وعلى أهلك رواه الترمذي، وقال حسن صحيح، أو دخل موضعا خاليا عن الناس فليقل ندبا، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
لما روى مالك في موطئه، أنه بلغني أنه يستحب ذلك، وقال تعالى: * (فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) * وليقل ندبا قبل دخوله، بسم الله، ويدعو بما أحب، ثم يسلم بعد دخوله لخبر أبي داود، إذا ولج الرجل بيته فليقل اللهم إني أسألك خير المولج وخير المدخل.
بسم الله ولجنا، وبسم الله خرجنا، وعلى الله توكلنا، ثم يسلم على أهله.
اه.
(قوله: ولا يندب السلام على قاضي حاجة إلخ) أي للنهي عنه، ولان مكالمته بعيدة عن المروءة والادب، ولا يندب أيضا على من في الحمام.
قال الرافعي: لانه بيت الشيطان، ولاشتغاله بالغسل.
اه.
(وقوله: بول) مضاف إليه لفظ حاجة، والاضافة فيه للبيان.
(قوله: ولا على شارب) أي ولا يندب على شارب: أي في فمه جرعة ماء على قياس ما بعده.
(وقوله: لشغله) أي المذكور من الشارب والآكل، بما في فيه من الماء واللقمة.
(قوله: ولا على فاسق) أي ولا يندب السلام على فاسق.
قال الإمام النووي في الاذكار: وأما المبتدع ومن اقترف ذنبا عظيما ولم يتب منه، فينبغي أن لا يسلم عليهم ولا يرد عليهم السلام، كذا قاله البخاري وغيره من العلماء.
فإن اضطر إلى السلام على
(1) سورة النور، الاية:61.
ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة ولا على مصل وساجد ومؤذن ومقيم وخطيب ومستمعه ولا رد عليهم إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه ذلك بل يكره الرد لقاضي الحاجة والجامع والمستنجي ويسن للآكل وإن كانت اللقمة بفيه.
نعم: يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بفيه، ويلزمه الرد ويسن الرد لمن في الحمام وملب باللفظ ولمصل ومؤذن ومقيم بالاشارة، وإلا فبعد الفراغ أي إن
ــ
الظلمة، بأن دخل عليهم وخاف ترتب مفسدة على دينه أو دنياه أو غيرهما، إن لم يسلم عليهم.
قال الإمام أبو بكر بن العربي: قال العلماء يسلم وينوي أن السلام من أسماء الله تعالى: المعنى الله عليكم رقيب.
اه.
(قوله: بل يسن تركه) أي ترك السلام فيثاب عليه.
(وقوله: على مجاهر بفسقه) حال من ضمير تركه، أو متعلق بنفس الضمير، بناء على القول بجواز ذلك إذا عاد على ما يجوز التعلق به.
(قوله: ومرتكب ذنب عظيم) الذي يظهر أنه معطوف على مجاهر، ومثله ما بعده.
ثم رأيت العلامة الرشيدي صرح به مستدلا بعبارة التحفة المماثلة لعبارة شارحنا.
فتحصل أن هؤلاء لا يسن إبتداء السلام عليهم.
ويسن تركه بحيث يثاب عليه، وما عداهم من مرتكب ذنب غير عظيم، وهو مخف لا يسن السلام عليه فقط، وأما تركه فليس بسنة، بل هو مباح.
(قوله: إلا لعذر) يحتمل إرتباطه بقوله ولا على فاسق، ويحتمل إرتباطه بقوله بل يسن تركه.
قال ع ش: ومن العذر خوفه أن يقطع نفقته.
(قوله: أو خوف مفسدة) عطف على عذر من عطف الخاص على العام.
إذ العذر شامل لخوف المفسدة.
(قوله: ولا على مصل إلخ) أي ولا يندب السلام على مصل الخ.
والحاصل، ضابط من لا يندب السلام عليه كل شخص مشغول بحالة لا يليق بالمروءة القرب منه فيها.
كذا في شرح الروض.
(قوله: ولا رد عليهم) أي ولا رد واجب عليهم: أي على قاضي الحاجة ومن بعده، لان من لا يستحب السلام عليه لا يلزمه رده لو سلم عليه، إلا ما استثني.
(قوله: إلا مستمع الخطيب) أي إذا سلم عليه.
(وقوله: فانه يجب عليه ذلك) أي الرد.
أي مع أن السلام عليه مكروه، وقيل لا يجب عليه الرد، لتقصير المسلم عليه.
وعبارة المغني: وإذا سلم على حاضر الخطبة وقلنا بالجديد لا يحرم عليهم الكلام، ففي الرد ثلاثة أوجه: أصحها عند البغوي وجوب الرد، وصححه البلقيني، والثاني استحبابه، والثالث جوازه.
اه.
(قوله: بل يكره الرد لقاضي الحاجة إلخ) أي لأنه يسن لهم عدم الكلام مطلقا.
(قوله: ويسن) أي الرد للآكل المتقدم، وهو الذي سلم عليه واللقمة بفمه.
(وقوله: وإن كانت اللقمة بفيه) أي يسن للآكل المذكور الرد سواء كانت اللقمة باقية بفمه أو لا.
(قوله: نعم: يسن إلخ) استثناء من الآكل، وهو في الحقيقة مفهوم التقييد بقوله سابقا في فمه اللقمة، فإنه يفهم منه أنه إذا لم تكن في فمه يندب السلام عليه، وإذا ندب وجب رده.
وعبارة المغني: واستثنى الامام من الآكل، ما إذا سلم عليه بعد الابتلاع.
وقبل وضع لقمة أخرى، فيسن السلام عليه، ويجب عليه الرد، وكذا من في محل نزع الثياب في الحمام - كما جرى عليه الزركشي وغيره - اه.
(قوله: ويسن الرد لمن في الحمام) الاخصر حذف قوله: ويسن الرد.
ويكون قوله ولمن الخ معطوفا على للآكل وهو
الاولى أيضا، ليكون قوله باللفظ مرتبطا برد الآكل أيضا.
(قوله: وملب) أي ويسن الرد لملب.
قال النووي: والملبي يكره أن يسلم عليه، لانه يكره له قطع التلبية، فإن سلم عليه، رد السلام باللفظ.
نص عليه الشافعي وأصحابنا.
اه.
(قوله: ولمصل إلخ) أي ويسن الرد لمن سلم عليه وهو في الصلاة أو الأذان أو الإقامة بالاشارة بالرأس أو باليد أو بغير ذلك.
قال النووي في الاذكار: وأما المصلي فيحرم عليه أن يقول وعليكم السلام، فإن فعل ذلك بطلت صلاته إن كان عالما بتحريمه، وإن كان جاهلا لم تبطل على أصح الوجهين عندنا، وإن قال عليه السلام بلفظ الغيبة - لم تبطل صلاته، لانه دعاء ليس بخطاب، والمستحب أن يرد عليه في الصلاة بالاشارة، ولا يتلفظ بشئ، وإن رد بعد الفراغ من الصلاة فلا بأس.
وأما المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد، لان ذلك يسير لا يبطل الاذان ولا يخل به.
اه.
وما جرى عليه الشارح في الاذان من رده بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ خلاف ما ذكر.
(قوله: بالاشارة) متعلق بما تعلق به.
قرب الفصل، ولا يجب عليهم.
ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير وماش على واقف وراكب عليهم وقليلين على كثيرين.
فوائد: وحتى الظهر مكروه.
وقال كثيرون حرام.
وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني لحديث: من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه.
ويندب ذلك لنحو صلاح أو
ــ
(قوله: لمصل إلخ) أي ويسن الرد بالاشارة لمصل إلخ.
(قوله: وإلا فبعد الفراغ) أي وإن لم يرد من ذكر من المصلي والمؤذن والمقيم بالاشارة، فليرد بعد الفراغ: أي من الصلاة أو الأذان أو الإقامة.
وما ذكر من سنية الرد بالاشارة أو بعد الفراغ هو الاوجه.
وقيل يجب بعد الفراغ.
وعبارة المغني: ولو سلم على المؤذن لم يجب حتى يفرغ.
وهل الاجابة بعد الفراغ واجبة أو مندوبة؟ لم يصر جوابه.
والاوجه - كما قال البلقيني - أنه لا يجب.
اه.
(قوله: أي إن قرب الفصل) أي بين السلام والرد: قال ع ش: بأن لا يقطع القبول عن الإيجاب في البيع.
اه.
(قوله: ولا يجب) أي الرد.
(وقوله: عليهم) أي على الآكل، ومن في الحمام ومن بعده.
وقد نظم الجلال السيوطي المسائل التي لا يجب فيها الرد فقال: رد السلام واجب إلا على من في صلاة أو بأكل شغلا أو شرب أو قراءة أو أدعية أو ذكر أو في خطبة أو تلبية أو في قضاء حاجة الانسان أو في إقامة أو الاذان أو سلم الطفل أو السكران أو شابة يخشى بها افتتان أو فاسق أو ناعس أو نائم أو حالة الجماع أو تحاكم أو كان في حمام أو مجنونا فواحد من بعده عشرونا وقوله: أو شابة يقرأ بتخفيف الباء للضرورة.
(قوله: ويسن عند التلاقي) أي في طريق.
وخرج بالتلاقي ما إذا كان القوم جلوسا، أو وقوفا، أو مضجعين، وورد عليهم غيرهم، فالوارد يبدأ بالسلام مطلقا سواء كان صغيرا أو كبيرا، قليلا أو كثيرا.
(قوله: سلام صغير الخ) فلو عكس، بأن سلم الكبير على الصغير، أو الواقف على الماشي، أو الماشي على الراكب، لم يكره، وإن كان خلاف السنة (وقوله: وماش على واقف) أي أو جالس أو مضطجع.
(وقوله: وراكب عليهم) أي ويسن سلام راكب على كبير وماش وواقف، ولو كان الراكب صغيرا.
(قوله: وقليلين على كثيرين) أي ويسن سلام قليلين على كثيرين.
قال في شرح الروض: فلو تلاقى قليل ماش، وكثير راكب، تعارضا.
اه.
(وقوله: تعارضا) أي فلا أولوية لأحدهما على الآخر.
(قوله: وحتى الظهر) أي عند السلام.
(وقوله: مكروه) أي لخبر: أن رجلا قال: يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أو صديقه أينحني له؟ قال: لا.
قال أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا.
قال فيأخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم رواه الترمذي.
ولا يغتر بكثرة من يفعله ممن ينسب إلى علم أو صلاح، أو غيرهما من خصال الفضل، فإن الاقتداء إنما يكون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: * (وما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا) *.
وعن الفضيل بن عياض رحمه الله: اتبع طريق الهدي ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطريق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين.
ومحل كراهة التقبيل، إذا لم يكن لنحو صلاح، أما إذا كان لذلك فلا يكره - بل يندب - كما سينص عليه قريبا.
(قوله: وقال كثيرون حرام) أي خصوصا إن وصل إلى حد الركوع (قوله: وأفتى النووي بكراهة الانحناء بالرأس) معتمد (قوله: وتقبيل الخ) معطوف على الانحناء: أي وأفتى بكراهة تقبيل الخ، ومحلها في غير تقبيل الامرد الحسن الوجه، أما هو فيحرم بكل حال - سواء قدم من سفر أم لا - والمعانقة كالتقبيل، بل أولى.
(وقوله: لا سيما لنحو غني) أي خصوصا إذا كان لنحو غني.
ودخل تحت نحو: ذو
(1) سورة الحشر، الاية:7.
علم أو شرف لان أبا عبيدة قبل يد عمر رضي الله عنهما.
ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو علم أو ولادة أو ولاية مصحوبة بصيانة.
قال ابن عبد السلام أو لمن يرجى خيره أو يخشى شره ولو كافرا خشي منه ضررا عظيما.
ويحرم على الرجل أن يحب قيامهم له.
ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته للاتباع (كتشميت عاطس) بالغ (حمد الله تعالى) بيرحمك الله أو رحمكم الله وصغير مميز حمد الله بنحو أصلحك الله فإنه سنة على الكفاية إن سمع جماعة وسنة عين إن سمع واحد إذا حمد الله العاطس المميز عقب عطاسه بأن لم يتخلل
ــ
ثروة وشوكة ووجاهة.
(وقوله: لحديث الخ) تعليل لكراهة التقبيل لنحو غني.
(وقوله: من تواضع) أي من أظهر التواضع، سواء كان بتقبيل أو قيام، أو غير ذلك.
(قوله: ويندب ذلك) أي التقبيل: قال الإمام النووي في الاذكار: إذا أراد تقبيل غيره، إن كان ذلك لزهده وصلاحه، أو علمه، أو شرفه، وصيانته، أو نحو ذلك من الأمور الدينية لم يكره، بل يستحب.
وإن كان لغناه ودنياه وثروته وشوكته ووجاهته عند أهل الدنيا ونحو ذلك، فهو مكروه شديد الكراهة.
وقال المتولي من أصحابنا: لا يجوز، فأشار إلى أنه حرام.
روينا في سنن أبي داود عن زارع رضي الله عنه وكان في وفد عبد
القيس - قال فجعلنا نتبادر من رواحلنا فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله، ثم قال: وأما تقبيل الرجل خد ولده الصغير وأخيه، وقبلة غير خده من أطرافه ونحوها على وجه الشفقة والرحمة واللطف ومحبة القرابة فسنة، وكذلك قبلته ولد صديقه وغيره من صغار الاطفال على هذا الوجه، وأما التقبيل بالشهوة فحرام بالاتفاق، وسواء في ذلك الوالد وغيره، بل النظر إليه بالشهوة حرام إتفاقا: على القريب والاجنبي.
اه.
(قوله: ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة) أي إكراما وبرا وإحتراما له لا رياءا.
(وقوله: من نحو صلاح) بيان للفضيلة.
(وقوله: أو ولادة) أي ويسن القيام لمن له ولادة: كأب أو أم.
(وقوله: أو ولاية) أي ولاية حكم: كأمير وقاض.
(قوله: مصحوبة بصيانة) قال ع ش: راجع للجميع.
اه.
والمراد بالصيانة: العفة والعدالة، ومفهومها أنه لو كان كل ممن ذكر ليس فيه صيانة، بأن كان فاسقا أو ظالما، فلا يسن له القيام (قوله: أو لمن يرجى خيره) أي ويسن القيام لمن يترقب خيره، قال السيد عمر البصري: لعل المراد الخير الاخروي - كالمعلم - حتى لا ينافي الحديث المار.
اه.
(وقوله: أو يخشى شره) أي يخاف شره لو لم يقم له.
(قوله: ويحرم على الرجل أن يحب الخ) أي للحديث الحسن من أحب أن يتمثل الناس له قياما، فليتبوأ مقعده من النار.
(قوله: ويسن تقبيل إلخ) أي لما روي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه، فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن.
(قوله: كتشميت عاطس) أي فهو سنة عندنا، واختلف أصحاب مالك في وجوبه: فقال القاضي عبد الوهاب هو سنة، ويجزئ تشميت واحد من الجماعة، كمذهبنا، وقال ابن مزين يلزم كل واحد منهم، واختاره ابن العربي المالكي اه.
أذكار.
(قوله: بالغ) سيذكر مقابله.
(قوله: حمد الله تعالى) قيد وسيذكر محترزه، ولا بد أيضا أن لا يزيد عطاسه على ثلاث، وأن لا يكون بسبب، وإلا فلا يسن التشميت.
(قوله: بيرحمك الله) أي أن التشميت يكون بيرحمك الله، أو ربك، أو بيرحمكم الله، أو رحمكم الله.
(قوله: وصغير مميز) معطوف على بالغ، وهو مفهومه: أي وكتشميت صغير مميز، ولم يقيد في التحفة والنهاية الصغير بكونه مميزا، ولعل ما جرى عليه الشارح هو الظاهر، لأن التشميت لا يسن إلا بعد الحمد، وإذا كان غير مميز فلا يتصور منه حمد.
(وقوله: بنحو أصلحك الله) أي تشميت الصغير يكون بما يناسبه، كأصلحك الله، أو أنشأك الله إنشاء صالحا، أو بارك الله فيك، ولم يفرق النووي في الإذكار بين ما يشمت به الكبير والصغير.
(قوله: فإنه) أي التشميت سنة، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى، كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول له يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا
تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان.
قال العلماء: والحكمة في ذلك أن العطاس سببه محمود، وهو خفة الجسم التي تكون لقلة الاخلاط وتخفيف الغذاء، وهو أمر مندوب إليه، لانه يضعف الشهوة ويسهل الطاعة، والتثاؤب بضد ذلك.
(قوله: على الكفاية إن سمع جماعة) أي العطاس والحمد عقبه، فالمفعول
بينهما فوق سكتة تنفس أوعى فإنه يسن له أن يقول عقبه الحمد لله وأفضل منه الحمد لله رب العالمين، وأفضل منه الحمد لله على كل حال.
وخرج بقولي حمد الله من لم يحمده عقبه فلا يسن التشميت له.
فإن شك قال يرحم الله من حمده.
ويسن تذكيره الحمد وعند توالي العطاس يشمته لثلاث ثم يدعو له بالشفاء ويسر به
ــ
محذوف.
فإذا شمت واحد سقط الطلب عن الباقين، لكم الافضل أن يشمته كل واحد منهم، للحديث المتقدم.
(قوله: وسنة عين إن سمع واحد) قال في الأذكار.
فإن كانوا جماعة فسمعه بعضهم دون بعض، فالمختار أنه يشمته من سمعه دون غيره.
وحكى ابن العربي خلافا في تشميت الذي لم يسمع الحمد، إذا سمع تشميت صاحبه، فقيل يشمته لانه عرف عطاسه وحمده بتشميت غيره، وقيل لا لانه لم يسمعه.
اه.
(قوله: إذا حمد الله الخ) أعاده لاجل بيان إشتراط العقبية، وبيان أن الحمد سنة عين للعاطس.
ولو قال أولا حمد الله عقب عطاسه بأن إلخ، ثم قال بعد قوله فإنه سنة عين كالحمد للعاطس، فإنه يسن إلخ لكان أخصر وأسبك.
(وقوله: عقب عطاسه) لم يقيد به في التحفة والنهاية وشرح الروض والاذكار فليراجع.
(قوله: بأن لم الخ) تصوير للعقبية.
(وقوله: بينهما) أي العطاس والحمد.
(وقوله: فوق الخ) أي مقدار فوق الخ.
فلفظ فوق صفة لموصوف محذوف هو الفاعل، أو لفظ فوق هي الفاعل لانها من الظروف المتصرفة.
(قوله: فإنه يسن له) أي للعاطس عينا (وقوله: أن يقول عقبه) أي العطاس وذلك لحديث: إذا عطس أحدكم فليحمد الله تعالى.
(قوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله، الحمد لله رب العالمين.
(وقوله: وأفضل منه) أي من الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على كل حال، وذلك لحديث: من عطس أو تجشى فقال: الحمد لله على كل حال، رفع الله عنه سبعين داء، أهونها الجذام.
فائدة: من قال بعد العطاس عقب حمدا لله: اللهم ارزقني مالا يكفيني، وبيتا يأويني، واحفظ علي عقلي وديني، واكفني شر من يؤذيني: أعطاه الله سؤاله.
اه.
بجيرمي.
(قوله: من لم يحمده) أي أو قال لفظا آخر غير الحمد.
(وقوله: عقبه) الاولى إسقاطه لانه ليس داخلا في المخرج بالحمد، أو يقول وخرج بقولي عقبه ما إذا لم يحمده عقبه.
(قوله: فلا يسن التشميت له) أي للعاطس الذي لم يحمد الله تعالى عقبه.
(قوله: فإن شك) أي شخص في أن العاطس حمد أو لا.
(قوله: قال) أي الشاك.
(وقوله: يرحم الله من
حمده) أي ولا يقول رحمك الله بالخطاب.
(قوله: ويسن تذكيره الحمد) أي ويسن تذكير من عطس، ولم يحمد الله تعالى الحمد، لأنه إعانة على معروف، ولما روي من سبق العاطس بالحمد أمن من الشوص - أي وجع الضرس - واللوص - أي وجع الاذن - والعلوص - وهو وجع البطن - ونظمها بعضهم فقال: من يبتدي عاطسا بالحمد يأمن من شوس ولوص وعلوص، كذا وردا (قوله: وعند توالي العطاس يشمته لثلاث) أي لما روى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم، ولا يشمت بعد ثلاث.
قال النووي في الأذكار: واختلف العلماء فيه - أي في المزكوم - فقال ابن العربي المالكي قيل يقال له في الثانية إنك مزكوم، وقيل يقال له في الثالثة، وقيل في الرابعة، والاصح أنه في الثالثة.
قال والمعنى فيه، أنك لست ممن يشمت بعد هذا، لأن هذا الذي بك زكام ومرض لا خفة العطاس.
فإن قيل: فإذا كان مرضا فكان ينبغي أن يدعى له ويشمت، لانه أحق بالدعاء من غيره.
فالجواب: أنه يستحب أن يدعى له، لكن غير دعاء العطاس المشروع، بل دعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ونحو ذلك، ولا يكون من باب التشميت.
اه.
المصلي ويحمد في نفسه إن كان مشغولا بنحو بول أو جماع ويشترط رفع بكل بحيث يسمعه صاحبه.
ويسن للعاطس وضع شئ على وجهه وخفض صوته ما أمكنه، وإجابة مشمته بنحو يهديكم الله ويصلح بالكم أو يغفر الله لكم للامر به ويسن للمتثائب رد التثاؤب طاقته وستر فيه - ولو في الصلاة - بيده اليسرى.
ويسن إجابة الداعي بلبيك.
(والجهاد) فرض كفاية (على) كل مسلم (مكلف) أي بالغ عاقل لرفع القلم عن غيرهما (ذكر)
ــ
(قوله: ويسر به) أي بالحمد المصلي.
قال في الأذكار: إذا عطس في صلاته، يستحب أن يقول الحمد لله ويسمع نفسه، هذا مذهبنا.
ولاصحاب مالك ثلاثة أقوال: أحدها، هذا، واختاره ابن العربي، والثاني: يحمد في نفسه، والثالث: قاله سحنون، لا يحمد جهرا ولا في نفسه.
اه.
(قوله: ويحمد في نفسه الخ) أي يجري ألفاظ الحمد في قلبه في غير أن يتلفظ بها إن كان العاطس مشغولا ببول ونحوه كغائط.
وبالتفسير المذكور حصل الفرق بينه وبين الحمد سرا وحاصله أن معنى الحمد سرا، أن يتكلم به بحيث يسمع نفسه، ومعنى الحمد في نفسه إجراؤه على قلبه من غير أن يتكلم به، ويثاب على هذا الحمد.
وليس لنا ذكر يثاب عليه من غير لفظ إلا هذا - كما تقدم أول الكتاب في آداب داخل الخلاء -.
(قوله: ويشترط رفع) أي رفع الصوت.
(وقوله: بكل) أي من الحمد والتشميت.
(وقوله: بحيث يسمعه صاحبه) أي بحيث يسمع أحدهما الآخر، فالحمد يرفع صوته بالحمد بحيث يسمعه المشمت، والمشمت يرفع صوته بالتشميت، بحيث يسمعه الحامد.
(قوله: ويسن للعاطس وضع شئ عى وجهه وخفض صوته ما أمكنه) أي لما روى
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض - أو غض - بها صوته.
وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله عزوجل يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس.
وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: التثاؤب الرفيع والعطشة الشديدة من الشيطان.
(قوله: وإجابة مشمته) أي ويسن للعاطس أن يجيب مشمته: أي من قال له يرحمك الله.
(وقوله: بنحو إلخ) متعلق بإجابة.
(قوله: للأمر به) الاولى بها: أي بإجابة المشمت، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله، وليقل له أخوة أو صاحبه يرحمك الله، فإذا قال له يرحمك الله، فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم.
أي شأنكم.
(قوله: ويسن للمتثائت الخ) أي للحديث المتقدم.
(قوله: وستر فيه إلخ) أي ويسن له ستر فمه عند التثاؤب: لما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل.
(وقوله: ولو في الصلاة) أي ولو كان التثاؤب في الصلاة، ولا ينافيه ما تقدم في باب الصلاة، من أنه يكره للمصلي وضع يده على فمه، لان محله إذا لم تكن حاجة كالتثاؤب وشبهه.
(وقوله: بيده اليسرى) متعلق بستر.
(قوله: ويسن إجابة الداعي) أي المنادي له.
(وقوله: بلبيك) بأن يقول له لبيك فقط، أو لبيك وسعديك.
ويسن أيضا أن يرحب بالقادم عليه، بأن يقول له مرحبا، وأن يدعو لمن أحسن إليه، بأن يقول جزاك الله خيرا، أو حفظك الله ونحوهما، للاخبار المشهورة بذلك.
(قوله: والجهاد فرض كفاية إلخ) شروع في بيان شروط الجهاد الذي هو فرض كفاية، أما الذي هو فرض عين، فلا تشترط فيه هذه الشروط كما سيذكره.
(قوله: على كل مسلم) أي فلا جهاد على كافر ولو ذميا، لقوله تعالى * (يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار) * فخاطب به المؤمنين دون غيرهم، ولان الذمي إنما بذل الجزية لنذب عنه، لا ليذب عنا.
(قوله: مكلف) أي بالغ عاقل ولو حكما، فدخل السكران المتعدي، فلا جهاد على صبي لان النبي صلى الله عليه وسلم رد ابن عمر يوم أحد - وكان إذ ذاك ابن أربع عشرة سنة - وأجازه يوم الخندق، وكان إذ ذاك ابن خمس عشرة سنة، ولا على مجنون لقوله تعالى: * (ليس على الضعفاء) * الآية، قيل هم المجانين لضعف عقولهم، وقيل الصبيان لضعف أبدانهم (قوله: لرفع القلم عن غيرهما) أي عن غير البالغ والعاقل.
(قوله: ذكر) أي واضح الذكورة، فلا جهاد
(1) سورة التوبة، الاية:123.
(2)
سورة التوبة، الاية:91.
لضعف المرأة عنه غالبا (حر) فلا يجب على ذي رق ولو مكاتبا ومبعضا وإن أذن له سيده لنقصه (مستطيع له سلاح) فلا يجب على غير مستطيع كأقطع وأعمى وفاقد معظم أصابع يده، ومن به عرج بين أو مرض تعظم مشقته، وكعادم مؤن ومركب في سفر قصر فاضل ذلك عن مؤنة من تلزمه مؤنته - كما في الحج - ولا على من ليس له سلاح لان عادم ذلك لا نصرة به (وحرم) على مدين موسر عليه دين حال لم يوكل من يقضي عنه من ماله
ــ
على امرأة وخنثى مشكل لضعفهما غالبا، ولقوله تعالى: * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) *.
ولفظ المؤمنين ينصرف للرجال دون النساء، ولخبر البيهقي وغيره: عن عائشة رضي الله عنها قلت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ قال: نعم.
جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة.
وتسمية الحج جهادا لكونه مشتملا على مجاهدة النفس بالتعب والمشقة.
(قوله: لضعف المرأة عنه) أي عن الجهاد، ومثلها الخنثى.
(قوله: حر) أي كله.
(قوله: فلا يجب على ذي رق) أي ذكرا كان أو أنثى (وقوله: ولو مكاتبا) أي أو مدبرا.
(قوله: وإن أذن له سيده) أي فلا يجب عليه، ولو أمره به فلا يجب عليه امتثال أمره لان الجهاد ليس من الاستخدام المستحق للسيد، فإن الملك لا يقتضي التعريض للهلاك.
نعم: للسيد استصحاب غير المكاتب معه في الجهاد للخدمة.
(قوله: لنقصه) أي ذي الرق أي ولقوله تعالى: * (وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) *.
ولا مال للرقيق، ولا نفس له يملكها، فلم يشمله الخطاب.
(قوله: مستطيع) أي للجهاد بأن يكون صحيحا واجدا ما يكفيه ذهابا وإيابا، فاضلا عن مؤنة من تلزمه مؤنته كذلك.
والحاصل، الاستطاعة المعتبرة في الحج معتبرة هنا، ما عدا أمن الطريق، فليس معتبرا هنا وإن اعتبر في الحج، فلو كان الطريق مخوفا من كفار، أو لصوص مسلمين، لا يمتنع الجهاد.
لان مبناه على إرتكاب المخاوف، فيحتمل فيه ما لا يحتمل في الحج.
(قوله: له) أي للمستطيع (وقوله: سلاح) أي يصلح لقتال العدو.
(قوله: فلا يجب) أي الجهاد على غير مستطيع، وذلك لقوله تعالى: * (ليس على الاعمى حرج، ولا على الاعرج حرج، ولا على المريض حرج) *.
(قوله: كأقطع) أي لليدين أو الرجلين أو الواحدة منهما.
(قوله: وفاقد معظم أصابع يده) أي أو أشل معظمها، وإنما لم يجب الجهاد مع ذلك، لأن المقصود منه البطش والنكاية، وهو مفقود فيهما.
وخرج بمعظم فقد الاقل.
وبقوله أصابع يده فقد معظم أصابع رجليه فلا أثر فيهما، لامكان البطش والنكاية بذلك.
(قوله: ومن به عرج بين) أي ولو في رجل واحدة.
وخرج بالبين العرج اليسير الذي لا يمنع المشي، فإنه لا يؤثر.
(قوله: أو مرض تعظم مشقته) أي بأن كان يمنعه من الركوب والقتال الا بمشقة شديدة، بحيث لا تحتمل عادة، كحمى مطبقه، بخلاف المرض الذي لا يمنعه عن ذلك، كصداع خفيف، ووجع ضرس، وحمى خفيفة، فإنه لا يؤثر.
(قوله: وكعادم مؤن) أي لنفسه.
(وقوله: ومركوب) أي وكعادم مركوب حسا أو شرعا.
(وقوله: في سفر قصر) قيد في المركوب، فهو ليس بشرط، إلا إن كان السفر سفر قصر، فإن كان دونه لم يشترط إن كان قادرا على المشي، وإلا اشترط.
(قوله: فاضل ذلك) نعت لكل من قوله مؤن، وقوله
مركوب، واسم الإشارة يعود عليه أيضا.
والمعنى وكعادم المؤن المركوب الفاضلين على مؤنة من تلزمه مؤنته، وذلك صادق بأن لا يوجد أصلا وأوجدا، لكن غير فاضلين عن ذلك لأن النفي المأخوذ من عادم يصح تسليطه على المقيد والقيد معا، أو على القيد فقط.
(قوله: ولا على من لبس له سلاح) أي ولا يجب الجهاد على من ليس عنده سلاح (قوله: لان عادم ذلك الخ) علة لعدم وجوبه على من ليس عنده سلاح: أي وإنما لم يجب لان عادم السلاح لا تحصل به النصرة على العدو.
(قوله: وحرم على مدين) أي ولو والدا.
(قوله: موسر) أي بأن كان عنده أزيد مما يبقى للمفلس فيما يظهر، ويلحق بالمدين وليه.
(وقوله: عليه) أي الموسر.
(وقوله: دين حال) سيذكر محترزه.
(قوله: لم يوكل إلخ) أي فإن وكل
(1) سورة الانفال، الاية:65.
(2)
سورة الصف، الاية:11.
(3)
سورة الفتح، الاية:17.
الحاضر (سفر) لجهاد وغيره، وإن قصر وإن لم يكن مخوفا أو كان لطلب علم رعاية لحق الغير، ومن ثم جاء في مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين.
(بلا إذن غريم) أو ظن رضاه وهو من أهل الاذن.
ولو كان الغريم ذميا أو كان بالدين رهن وثيق أو كفيل موسر.
قال الاسنوي في المهمات: أن سكوت رب الدين ليس بكاف في جواز السفر، معتمدا في ذلك على ما فهم من كلام الشيخين هنا.
وقال ابن الرفعة والقاضي أبو الطيب والبندنيجي والقزويني: لا بد في الحرمة من التصريح بالمنع، ونقله القاضي إبراهيم بن ظهيرة ولا يحرم السفر، بل ولا يمنع منه إن كان معسرا أو كان الدين مؤجلا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه القصر وهو مؤجل (و) حرم السفر لجهاد وحج تطوع بلا إذن (أصل) مسلم أب وأم وإن عليا ولو أذن من هو
ــ
من يؤديه عنه من ماله الحاضر، فلا يحرم السفر، لكن بشرط أن تثبت الوكالة، ويعلم الدائن بالوكيل.
(قوله: سفر) فاعل حرم.
(وقوله: بالجهاد) متعلق بسفر.
(قوله: وغيره) أي وغير الجهاد، كحج وتجارة.
(قوله: وان قصر) أي السفر.
قال في التحفة: يظهر ضبط القصير هنا بما ضبطوه به في التنفل على الدابة، وهو ميل أو نحوه، وحينئذ.
فليتنبه لذلك، فإن التساهل يقع فيه كثيرا.
اه.
(قوله: وان لم يكن مخوفا) غاية في الحرمة: أي يحرم السفر وإن لم يكن مخوفا بأن كان آمنا.
(قوله: أو كان لطلب علم) غاية ثانية.
أي يحرم وإن كان لاجل طلب العلم، ولا حاجة لهذه الغاية، لاندراج طلب العلم في قوله أو غيره.
(قوله: رعاية لحق الغير) علة للحرمة: أي وإنما حرم السفر رعاية وحفظا وتقديما للدين الذي هو حق الغير.
وقال في شرح المنهج: تقديما لفرض العين على غيره.
اه.
(قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل رعاية حق الغير، ورد في صحيح مسلم: القتل في سبيل الله يكفر كل شئ إلا الدين.
أي فلا يكفره، لكونه حق الغير.
(قوله: بلا إذن غريم) أي دائن، والجار والمجرور متعلق بحرم أو بسفر: أي فإن كان بإذنه فلا يحرم لرضاه بإسقاط حقه.
قال في النهاية والتحفة: نعم لا يتعرض للشهادة، بل يقف وسط الصف، أو حاشيته، حفظا للدين.
اه.
(قوله: وهو من أهل الاذن) أي والحال أن ذلك الغريم من أهل الاذن: أي والرضا بأن كان مكلفا رشيدا، فلو لم يكن من أهل الاذن، حرم السفر مطلقا ولو أذن، ولا يجوز لوليه أن يأذن في السفر.
ولو أذن فإذنه لاغ لا يتعد به.
(قوله: ولو كان الغريم ذميا إلخ) غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن الغريم، ولو كان ذلك الغريم ذميا، أو كان رهن وثيق في الدين، أو
ضامن موسر.
(قوله: قال الأسنوي الخ) حاصل ما استفيد من نقل ما ذكر أن بعضهم إشترط لجواز السفر بالاذن، أن يكون ذلك الاذن لفظا، وأن السكوت غير كاف، وبعضهم لم يشترط ذلك، وقال متى لم يحصل منع باللفظ، جاز السفر مطلقا - سواء حصل بإذن اللفظ أو لا -.
(قوله: معتمدا) حال من فاعل قال، (وقوله: في ذلك) أي في أن السكوت ليس بكاف.
(وقوله: على ما فهم) بالبناء للمجهول.
(وقوله: هنا) أي في باب الجهاد.
(قوله: والبندنيجي) بباء مفتوحة، فنون ساكنة، فدال مفتوحة، فنون مكسورة.
(قوله: والقزويني) بقاف مفتوحة، وزاي ساكنة.
(قوله: لا بد في الحرمة) أي حرمة السفر.
(قوله: من التصريح بالمنع) أي منع الغريم السفر.
(قوله: ونقله) أي نقل ما قاله هؤلاء من أنه لا بد من التصريح.
(قوله: إن كان معسرا) مفهوم قوله موسرا.
(قوله: أو كان الدين مؤجلا) أي ولا يحرم السفر، بل ولا يمنع منه إن كان الدين مؤجلا، لانه لا مطالبة لمستحقيه الآن.
نعم: له الخروج معه ليطالبه به عند حلوله.
(وقوله: إن قرب حلوله) غاية لعدم الحرمة.
(وقوله: بشرط إلخ) تقييد للغاية.
(وقوله: لما يحل له فيه القصر) أي لمكان يحل له: أي للمسافر القصر كخارج السور العمران.
(وقوله: وهو مؤجل) أي والحال أن الدين باق على تأجيله، فإن حل قبل وصوله لما يحل له القصر منه، حرم السفر ومنع منه، لانه حينئذ في البلد.
(قوله: وحرم السفر لجهاد الخ) السفر ليس بقيد بالنسبة للجهاد، لانه يحرم الجهاد بلا إذن من الاصل مطلقا - سواء وجد سفر أم لا - وذلك لان بره فرض عين، ولقوله صلى الله عليه وسلم لمن استأذنه في الجهاد، وقد أخبره أنهما أي الوالدين له، ففيهما فجاهد، وصح ألك والدة؟ قال: نعم.
قال انطلق فأكرمها، فإن الجنة تحت رجليها.
(قوله: بلا إذن أصل) متعلق بحرم أو بالسفر.
(قوله: مسلم) خرج الكافر، فلا يحرم
أقرب منه، وكذا يحرم بلا إذن أصل سفر لم تغلب فيه السلامة لتجارة (لا) سفر (لتعلم فرض) ولو كفاية كطلب النحو ودرجة الفتوى فلا يحرم عليه وإن لم يأذن أصله (وإن دخلوا) أي الكفار (بلدة لنا تعين) الجهاد (على أهلها) أي يتعين على أهلها الدفع بما أمكنهم وللدفع مرتبتان.
إحداهما أن يحتمل الحال اجتماعهم وتأهبهم للحرب فوجب الدفع على كل منهم بما يقدر عليه حتى على من لا يلزمه الجهاد نحو فقير وولد ومدين وعبد وامرأة فيها قوة بلا إذن ممن مر.
ويغتفر ذلك لهذا الخطب العظيم الذي لا سبيل لاهماله.
وثانيتهما أن يغشاهم
ــ
الجهاد بلا إذنه، لأنه لا يجب استئذانه، لاتهامه بمنعه له حمية لدينه، وإن كان عدوا للمقاتلين.
(قوله: أب وأم) بدل من أصل.
(قوله: وإن عليا) أي الاب والام، وكان القياس وإن علوا - بالواو - لانه واوي، يقال علا يعلو، ثم رأيت أن علا جاء بالواو والياء، فيقال في مضارعه يعلو ويعلى.
وعليه فما هنا على إحدى اللغتين.
اه.
ع ش.
بزيادة.
(قوله: ولو أذن من هو أقرب منه) غاية في حرمة السفر بلا إذن: أي يحرم السفر بلا إذن من أحد الاصول، وإن أذن له أصل أقرب من المانع، كأن منعه جده وأذن له أبوه.
(قوله: وكذا يحرم إلخ) أي كما أنه يحرم السفر للجهاد وحج التطوع بلا إذن أصل، يحرم السفر للتجارة بلا إذنه.
(وقوله: لم تغلب فيه السلامة) ظاهره أنه قيد حتى في السفر القصير.
وعبارة المغني صريحة في كونه قيدا في الطويل، أما القصير فيجوز مطلقا ونصها.
تنبيه: سكت المصنف عن حكم السفر المباح كالتجارة، وحكمه أنه إن كان قصيرا فلا منع منه بحال، وإن كان طويلا، فإن غلب الخوف فكالجهاد، وإلا جاز على الصحيح بلا إستئذان.
والوالد الكافر في هذه الاسفار كالمسلم ما عدا الجهاد - كما مر.
اه.
(قوله: لا سفر لتعلم فرض) قال في النهاية، ومثله كل واجب عيني وإن كان وقته متسعا، لكن يتجه منعهما له من خروج لحجة الاسلام قبل خروج قافلة أهل بلده: أي وقته عادة لو أرادوه، لعدم مخاطبته بالوجوب إلى الآن.
اه.
(قوله: ولو كفاية) أي ولو كان الفرض كفاية، من علم شرعي، كطلب درجة الفتوى أو آلة له، كطلب نحو أو صرف أو منطق.
(قوله: فلا يحرم) أي السفر لما ذكر، لكن بشرط أن يكون أمنا أو قل خطره، ولم يجد ببلده من يصلح لكمال ما يريده، أو رجا بقرينة زيادة فراغ، أو إرشاد أستاذ، وأن يكون رشيدا، وأن لا يكون أمرد جميلا، إلا أن يكون معه محرم يأمن على نفسه.
(وقوله: عليه) أي الفرع.
(وقوله: وإن لم يأذن) أصله غاية في عدم الحرمة.
(قوله: وإن دخلوا إلخ) المناسب تقديم هذا على قوله وحرم سفر الخ، لأنه مرتبط بقوله والجهاد فرض كفاية، وذكره في المنهج مفهوم قيد ذكره لقوله الجهاد فرض كفاية، وذلك القيد هو قوله والكفار ببلادهم.
وكان الأولى للشارح أن يذكر القيد المذكور بعد قوله والجهاد فرض كفاية، وقبل قوله على كل مكلف الخ، كما صنع في المنهج، وكما صنع هو نفسه أول الباب فانظره.
ثم إن الدخول ليس بقيد، فمثله ما لو صار بينهم وبين البلدة دون مسافة القصر.
(وقوله: بلدة) مثل البلدة القرية.
(وقوله: لنا) أي المسلمين، ومثل كونها لنا كونها للذميين.
ولو زاد الشارح لفظة مثلا بعد قوله بلدة، وقوله لنا لكان أولى.
(قوله: تعين إلخ) جواب أن (وقوله: على أهلها) أي البلدة التي لنا أو للذميين.
(قوله: أي يتعين الخ) تفسير مراد لتعين الجهاد.
(قوله: الدفع بما أمكنهم) أي بأي شئ أطاقوه، ولو بحجارة أو عصا.
(قوله: وللدفع مرتبتان الخ) القصد من هذا بيان كيفية الدفع، وأن فيها تفصيلا.
(قوله: أن يحتمل الحال اجتماعهم) أي يمكن اجتماعهم، بأن لم يهجم عليهم العدو.
(وقوله: وتأهبهم للحرب) أي إستعدادهم له.
(قوله: فوجب الدفع) الفاء للتفريع، والاولى التعبير بالمضارع: أي ففي هذه المرتبة يجب الدفع مطلقا من غير تقييد بشئ.
(وقوله: على كل منهم) أي على كل واحد واحد من أهل البلد، وممن دون مسافة القصر.
(وقوله: بما يقدر عليه) متعلق بالدفع الواجب عليه.
(قوله: حتى على إلخ) أي يجب الدفع حتى على من لا يلزمه الجهاد.
(قوله: نحو فقير إلخ) تمثيل لمن لا يلزمه الجهاد.
(قوله: بلا إذن ممن مر) أي من الاصل ورب الدين والسيد: أي والزوج، وإن لم يتقدم له ذكر.
(قوله: ويغتفر ذلك) أي عدم وجود الاذن في هؤلاء.
(وقوله:
الكفار ولا يتمكنون من اجتاع وتأهب فمن قصده كافر أو كفار وعلم أنه يقتل إن أخذه فعليه أن يدفع عن نفسه بما أمكن وإن كان ممن لا جهاد عليه لامتناع الاستسلام لكافر.
فروع: وإذا لم يمكن تأهب لقتال وجوز أسرا وقتلا فله قتال واستسلام إن علم أنه إن امتنع منه قتل وأمنت المرأة فاحشة إن أخذت وإلا تعين الجهاد، فمن علم أو ظن أنه إن أخذ قتل عينا امتنع عليه الاستسلام كما مر آنفا.
ولو أسروا مسلما يجب النهوض إليهم فورا على كل قادرر لخلاصه إن رجى.
ولو قال لكافر أطلق أسيرك وعلي كذا فأطلقه لزمه ولا يرجع به على الاسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشترط له الرجوع (و) تعين على (من دون مسافة قصر منها) أي من البلدة التي دخلوا فيها وإن كان في أهلهم كفاية لانهم في حكمهم،
ــ
لهذا الخطب العظيم) أي لهذا الامر العظيم الذي هو دخول الكفار في بلاد المسلمين.
(وقوله: الذي لا سبيل لاهماله) أي تركه، أي هذا الخطب.
(قوله: وثانيتهما) أي ثانية المرتبتين أن يغشاهم الكفار: أي يهجموا عليهم ويحيطوا بهم.
(قوله: ولا يتمكنون) أي المسلمون.
(وقوله: من اجتماع) أي اجتماعهم.
(وقوله: وتأهب) أي تأهبهم للقتال.
(قوله: فمن قصده كافر الخ) الفاء للتفريع على المرتبة الثانية: أي ففي هذه المرتبة الثانية كل من قصده الخ.
(وقوله: وعلم أنه) أي من قصده الخ، ومثل العلم غلبة الظن.
وسيأتي محترزه في الفروع.
(وقوله: يقتل إن أخذه) أي أخذه الكافر (قوله: فعليه الخ) أي فيجب على من قصده كافر، والجملة جواب من.
(قوله: وإن كان ممن لا جهاد عليه) غاية في الوجوب، وهو بعيد بالنسبة للصبي.
(قوله: لامتناع الاستسلام لكافر) أي لانه ذل ديني.
(قوله: فروع الخ) الاسبك والأخصر أن يحذف لفظة فروع وما بعدها إلى قوله ولو أسروا الخ ويذكر مفهوم قوله قبل الفروع، وعلم أنه يقتل إن أخذه بأن يقول فإن لم يعلم أنه يقتل، بأن جوز أسرا وقتلا إلخ، ثم يقول بعد ذلك ولو أسروا الخ.
(قوله: وجوز أسرا) أي من غير قتل.
(وقوله: وقتلا) الواو بمعنى أو: أي أو جوز قتلا: أي بعد الاسر.
(قوله: فله قتال الخ) أي فيجوز له إذا جوز الاسر، وجوز القتل، أن يقاتل، ويجوز له أن يستسلم لهم.
(قوله: إن علم إلخ) قيد في الاستسلام: أي محل جوازه له، إن علم أو ظن ظنا قويا، أنه إن امتنع من الاستسلام يقتل يقينا.
(قوله: وأمنت المرأة إلخ) أي وإن أمنت المرأة التي قصدها كافر فعل الفاحشة فيها إن أسرت.
(قوله: وإلا تعين) أي وإن لم يعلم أنه إن امتنع من الاستسلام يقتل، ولم تأمن المرأة فعل الفاحشة فيها تعين الجهاد، ولا يجوز الاستسلام، لانه حينئذ ذل ديني.
(قوله: فمن علم أو ظن الخ) هذا مفهوم قوله وجوز أسرا وقتلا، لان مفهومه أنه إن لم يجوز ذلك، بل تيقن أو غلب على ظنه أنه إن أخذ قتل، إمتنع عليه الاستسلام.
(قوله: كما مر آنفا) أي قبيل الفروع في قوله فمن قصده كافر الخ.
(قوله: ولو أسروا) أي الكفار.
(وقوله: يجب النهوض إليهم) أي وجوبا عينيا كدخولهم دار نابل هذا أولى: إذ حرمة المسلم أعظم.
(قوله: على كل قادر) متعلق بالنهوض أو بيجب: أي يجب النهوض على كل قادر، أي ولو كان قنا.
(قوله: لخلاصه) اللام تعليلية متعلقة بيجب: أي يجب النهوض لاجل خلاص المسلم المأسور من أيدي الكفار.
(قوله: إن رجي) أي الخلاص ولو على ندور، فإن لم يرج خلاصه، تركناه للضرورة.
(قوله: ولو قال لكافر إلخ) عبارة التحفة: ويسن للامام - بل وكل موسر - عند العجز عن خلاصه مفاداته بالمال، فمن قال لكافر إلخ.
اه.
وهي أولى بالزيادة التي زادها قبل قوله فمن إلخ.
(قوله: لزمه) أي لزم
من قال للكافر ما ذكر المال له.
(قوله: ولا يرجع) أي الدافع للكافر ذلك المال.
(وقوله: به) أي المال.
(قوله: إلا أن أذن الخ) أي إلا إن أذن الاسير له في أن يفديه بمال، بأن قال له أفدني بمال، فحينئذ يرجع على الاسير به.
(وقوله: وإن لم يشترط له الرجوع) غاية في الرجوع على الاسير إذا أذن: أي يرجع عليه إذا أذن له في المفاداة، وإن لم يقل وترجع به علي.
ففاعل يشترط يعود على الاسير، وضمير له يعود على القائل للكافر ما تقدم.
(قوله: وتعين) أي الجهاد.
(قوله: وإن كان في أهلهم) الاولى في أهلها: أي البلدة التي دخلوها، ثم وجدت ذلك في بعض نسخ الخط.
(قوله: لانهم في
وكذا من كان على مسافة القصر إن لم يكف أهلها ومن يليهم، فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد.
(وحرم) على من هو من أهل فرض الجهاد (انصراف عن صف) بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل لعده (ص) الفرار من الزحف من السبع الموبقات.
ولو ذهب سلاحه وأمكن الرمي بالحجارة لم يجز له الانصراف على تناقض فيه.
وجزم بعضهم بأنه إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب الفرار (إذا لم يزيدوا) أي الكفار (على مثلينا) للآية.
وحكمة وجوب مصابرة الضعف أن المسلم يقاتل على
ــ
حكمهم) أي لان من كان دون مسافة القصر، في حكم أهل البلدة التي دخلوها.
(قوله: وكذا من كان الخ) أي وكذا يتعين الجهاد على من كان على مسافة القصر.
(وقوله: إن لم يكف أهلها) أي البلدة التي دخلوها (وقوله: ومن يليهم) أي ومن يلي أهل البلدة التي دخلوها، وهم من على دون مسافة القصر.
(قوله: فيصير) أي الجهاد.
(وقوله: فرض عين في حق من قرب) أي وهم من على دون مسافة القصر.
(قوله: وفرض كفاية) بالنصب معطوف على فرض عين: أي ويصير فرض كفاية.
(وقوله: في حق من بعد) أي وهم من على مسافة القصر، ولا يظهر تفريع هذا على ما قبله إلا لو زاد بعد قوله وكذا على من كان على مسافة القصر بقدر الكفاية، فيفهم منه حينئذ أنه لا يلزم جميعهم الخروج، بل يكفي في سقوط الحرج عنهم خروج قوم منهم فيهم كفاية.
ولعل في كلامه سقطا من الناسخ وهو ما ذكر.
(قوله: وحرم على من هو من أهل فرض الجهاد) خرج من هو ليس من أهله كمريض وامرأة، فلا حرمة عليه بانصرافه.
(وقوله: انصراف عن صف) خرج به ما لو لقي مسلم مشركين، فإنه يجوز إنصرافه عنهما، وإن طلبهما ولم يطلباه.
(قوله: بعد التلاقي) أي تلاقي الصفين فإن كان قبله فلا يحرم (قوله: وإن غلب على ظنه إلخ) غاية في الحرمة، أي يحرم الانصراف وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت في الصف قتل.
وكتب سم.
على قول التحفة وإن غلب على ظنه إلى آخره ما نصه: إلا فيما يأتي قريبا عن بعضهم.
اه.
(وقوله: إلا فيما يأتي الخ) سيذكره المؤلف أيضا بقوله وجزم بعضهم الخ (قوله: لعده إلخ) أي ولقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار) * (وقوله: الفرار من الزحف) أي الفرار من الصف، لاجل زحف الكفار إلى جهة صف المسلمين.
(وقوله: من السبع الموبقات) أي المهلكات.
وقد تقدم بيانها غير مرة.
(قوله: ولو ذهب سلاحه الخ) مثله ما لو مات مركوبه وأمكنه الجهاد راجلا، فيمتنع عليه الانصراف.
(قوله: على تناقض فيه) أي على تناقض في عدم جواز الانصراف، وقع في كلامهم (قوله: وجزم بعضهم بأنه) أي الحال
والشأن.
(وقوله: إذا غلب ظن الهلاك بالثبات) بثباته في الصف.
(وقوله: من غير نكاية فيهم) أي من غير أن يحصل منه نكاية: أي قتل وإثخان في الكفار.
قال في المصباح: نكيت في العدو أنكى، والاسم النكاية إذا قتلت وأثخنت.
اه.
بحذف.
(وقوله: وجب الفرار) أي لقوله تعالى: * (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) *.
(قوله: إذا لم يزيدوا الخ) متعلق بحرم: أي حرم الانصراف إذا لم يزيدوا على مثلينا.
وعبارة المنهج: إن قاومناهم.
اه.
وقال في شرحه: وإن زادوا على مثلينا، كمائة أقوياء عن مائتين وواحد ضعفاء، ثم قال: وخرج ما إذا لم نقاومهم، وإن لم يزيدوا على مثلينا، فيجوز الانصراف، كمائة ضعفاء عن مائتين إلا واحدا أقوياء.
اه.
وهي أولى لان العبرة بالمقاومة لا بالعدد، ولا ينافي ذلك الآية، فإنها ينظر فيها للمعنى، وهو المقاومة المأخوذة من قوله صابرة، وعبارة التحفة: وإنما يراعي العدد عند تقارب الاوصاف، ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه، ولا براكب وماش، بل الضابط - كما قاله الزركشي كالبلقيني - أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم، ويرجون الظفر بهم، أو من الضعف ما لا يقاومونهم.
اه.
(قوله: للآية) هي قوله تعالى: * (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله.
والله مع الصابرين) *.
وهي خبر بمعنى الأمر: أي لتصبر مائة لمائتين.
(قوله: وحكمة الخ) أي الحكمة في كوننا مأمورين بالصبر على مقاتلة ضعفنا من الكفار،
(1) سورة الانفال، الاية:15.
(2)
سورة البقرة، الاية:195.
(3)
سورة الانفال، الاية:66.
إحدى الحسنيين: الشهادة والفوز بالغنيمة مع الاجر، والكافر يقاتل على الفوز بالدنيا فقط.
أما إذا زادوا
على المثلين كمائتين وواحد عن مائة فيجوز الانصراف مطلقا.
وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا إذا بلغ المسلمون اثني عشر ألفا لخبر: لن يغلب إثنا عشر ألفا من قلة وبه خصت الآية.
ويجاب بأن المراد من الحديث أن الغالب على هذا العدد الظفر فلا تعرض فيه لحرمة فرار ولا لعدمها - كما هو واضح - وإنما يحرم الانصراف إن قاومناهم إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة يستنجد بها على العدو ولو بعيدة (ويرق ذراري كفار) وعبيدهم ولو مسلمين كاملين (بأسر) كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر أي يصيرون بنفس الاسر أرقاء لنا ويكونون كسائر أموال الغنيمة.
ودخل في الذراري الصبيان والمجانين والنسوان ولا حد إن وطئ غانم أو أبوه أو
ــ
أن المسلمين يقاتلون على إحدى الحسنيين: إما الفوز بالشهادة إن قتلوا، وإما الفوز والظفر بالغنيمة مع حصول الاجر إن لم يقتلوا.
وأما الكفار فإنما يقاتلون على الفوز والظفر بالدنيا فقط، فكان الحاصل للمسلمين بسبب الجهاد ضعف ما هو حاصل للكفار، فوجب عليهم أن يصبروا على ملاقاة ضعفهم من الكفار.
(قوله: أما إذا زادوا إلخ) مفهوم قوله إذا لم يزيدوا على مثلينا.
(وقوله: كمائتين وواحد عن مائة) قد علمت أن العبرة بالمقاومة وعدمها، لا بالعدد.
فلا تغفل.
(قوله: فيجوز الانصراف) أي عن الصف (وقوله: مطلقا) أي غلب على الظن الهلاك أم لا، بلغوا اثني عشر ألفا أم لا.
(قوله: وحرم جمع مجتهدون الانصراف مطلقا) أي زادوا على مثلينا أم لا.
(وقوله: إذا بلغ إلخ) قيد في الحرمة.
(قوله: لخبر إلخ) علة للحرمة.
(وقوله: لن يغلب) بالبناء للمجهول ونائب فاعله ما بعده.
(وقوله: من قلة متعلق به) أي
لن يغلب جيش جيشا بلغ اثني عشر ألفا من أجل قلته، بل هو إذا بلغ هذا المقدار فهو كثير ولا يعد قليلا، فيفهم الخبر حينئذ أنه لا يجوز الانصراف لانهم كثير.
(قوله: وبه خصت الآية) أي وبهذا الخبر خصت الآية السابقة المقتضية أن المسلمين إنما يقاتلون الضعف ولو زادوا على اثني عشر ألفا، فيقال أن محل ذلك ما لم يبلغ المسلمون هذا المقدار، فإن بلغوه قاتلوا مطلقا ولو زاد الكفار على ضعفهم.
(قوله: أن الغالب على هذا العدد) أي الذي في الحديث.
(وقوله: الظفر) أي بالاعداد ولو زاد الكفار على ضعفهم.
(قوله: فلا تعرض فيه) أي في الحديث، وهذا هو محط الجواب.
(قوله: كما هو) أي كون المراد منه ما ذكر واضح.
(قوله: وإنما يحرم الانصراف) أعاده لأجل الاستثناء بعده وإلا فهو مصرح به فيما قبل.
ولو قال ومحل حرمة الانصراف إذا لم يكن متحرفا الخ، لكان أولى وأخصر.
(وقوله: إن قاومناهم) المناسب لعبارته أن يقول أن لم يزيدوا على مثلينا.
(قوله: إلا متحرفا لقتال إلخ) استثناء من عموم الأحوال: أي يحرم إنصراف المسلم عن الصف في جميع الأحوال، إلا في حالة كونه متحرفا لقتال: أي مائلا عن محله ومنتقلا عنه، لاجل مصلحة القتال، بأن كان قصد به الانتقال لمكان أرفع من مكانه، أو أصوب منه، ليكمن من العدو، أو في حالة كونه متحيزا: أي ذاهبا إلى فئة من المسلمين يستنجد بها: أي يستنصر بها على العدو فلا يحرم.
(قوله: ولو بعيدة) أي ولو كانت الفئة التي قصدها بعيدة.
(قوله: ويرق إلخ) شروع في بيان ما يفعل بالاسرى.
(وقوله: ذراري) جمع ذرية وهم الصغار.
قال في المصباح: الذرية فعلية من الذر وهم الصغار، وتجمع على ذريات، وقد تجمع على ذراري، وقد أطلقت الذرية على الآباء مجازا.
اه.
(قوله: وعبيدهم) أي ويرق عبيدهم.
قال في شرح المنهج: والمراد برق العبيد إستمراره لا تجديده.
اه.
وقيل إن الرق الذي فيهم يزول بالاسر، ويخلفه رق آخر لنا، ومثلهم المبعضون بالنسبة لبعضهم الرقيق، ويأتي في بعضهم الحر التخير بين المن والفداء والاسترقاق، لا القتل تغليبا لحقن الدم.
(وقوله: ولو مسلمين) غاية في رق العبيد، أي يرق عبيدهم ولو كانوا مسلمين كاملين.
(قوله: بأسر) متعلق بيرق، والمراد به الاستيلاء والقهر.
(قوله: كما يرق حربي مقهور لحربي بالقهر) الكاف للتنظير في كون الحربي إذا قهر حربيا آخر أسترقه بذلك.
(قوله: أي يصيرون الخ) تفسير مراد لارقاق الذراري والعبيد بالاسر.
(قوله: ويكونون) أي الذين استرقوا بالاسر.
(وقوله: كسائر أموال الغنيمة) أي فيخمسون الخمس لاهله والباقي للغانيمن، لانه صلى الله عليه وسلم كان يقسم السبي كما
سيده أمة في الغنيمة ولو قبل اختيار التملك لان فيها شبهة ملك ويعزر عالم بالتحريم لا جاهل به إن عذر لقرب إسلامه أو بعد محله عن العلماء.
فرع: يحكم بإسلام غير بالغ ظاهرا وباطنا: إما تبعا للسابي المسلم ولو شاركه كافر في سبيه، وإما تبعا لاحد أصوله وإن كان إسلامه قبل علوقه فلو أقر أحدهما بالكفر بعد البلوغ فهو مرتد من الآن (ولامام) أو أمير
ــ
يقسم المال.
(قوله: ودخل في الذراري الخ) في دخول المجانين والنسوان البالغين نظر: إلا أن يكون على سبيل
المجاز، بأن يراد بالذراري، كل من ينتمي للكفار ممن تجب مؤنته عليهم.
(قوله: ولا حد) أي لازم.
(قوله: إن وطئ غانم) أي واحد من الغانمين.
(قوله: أو أبوه) أي أو أبو الغانم.
(وقوله: أو سيده) أي سيد الغانم (وقوله: أمة) مفعول وطئ.
(قوله: في الغنيمة) الجار والمجرور صفة لامة، أي أمة كائنة في الغنيمة التي غنهما المسلمون.
(قوله: ولو قبل اختيار التملك) غاية لعدم الحد: أي لا يحد، ولو قبل أن تدخل في ملكه، والدخول فيه يكون باختيار التملك: بأن يقول اخترت نصيبي ذلك لان الملك في الغنيمة إنما يحصل بعد إختيار كل التملك لنصيبه.
(قوله: لان فيها شبهة ملك) علة لعدم الحد: أي وإنما لم يحد بوطئ أمة الغنيمة، لان فيها شبهة الملك.
(قوله: ويعزر عالم بالتحريم) أي يعزره الامام بما يراه: أي ويلزمه المهر للشبهة، كوطئ الاب جارية ابنه، فإن أحبلها لم يثبت الاستيلاد وإن كان موسرا لعدم الملك، ولزمه أرش الولادة لحصة غيره.
كذا في شرح الروض.
(قوله: لا جاهل به) أي لا يعزر جاهل بالتحريم، لكن بشرط أن يكون معذورا بأن قرب إلخ.
(قوله: فرع إلخ) لما ذكر أن ذراري الكفار يسترقون بالاصل، فرع على ذلك أنه يحكم عليهم بالاسلام تبعا للمسلمين الذين أسروهم، وذكر في ضمن ذلك تبعيتهم فيه أيضا لاحد الاصول.
(قوله: يحكم بإسلام غير بالغ) أي ذكرا كان أو أنثى أو خنثي والمجنون البالغ كالصغير، سواء بلغ مجنونا أو بلغ عاقلا ثم جن على الأصح.
(قوله: ظاهرا وباطنا) وقد يحكم عليه بالاسلام ظاهرا فقط، كما لو وجد لقيط في دار الإسلام، أو في دار كفار وفيها مسلم، فإنه يحكم عليه تبعا للدار، والفرق بين من يحكم عليه بالاسلام ظاهرا وباطنا وبين من يحكم عليه به ظاهرا فقط، أنه في الأول لو وصف الكفر بعد بلوغه يصير مرتدا فيستتاب، فإن تاب ترك وإلا قتل، وفي الثاني يتبين أنه كافر أصلي وليس مرتدا.
(قوله: إما تبعا للسابي المسلم) أي ولو كان غير مكلف، ويشترط لتبعيته له أن يكون منفرد عن أبويه، بحيث لا يكون معه أحدهما في جيش واحد غنيمة واحدة، فإن لم يكن كذلك فلا يتبع السابي له، بل يتبع أحد أبويه، لان تبعية الاصل أقوى من تبعية الفرع.
(قوله: ولو شاركه كافر) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا للسابي المسلم، ولو شاركه في السبي كافر تغليبا لجانب المسلم.
(قوله: وإما تبعا لأحد أصوله) أي من جهة الأب أو الأم وإن لم يكونوا وارثين وإن بعدوا.
فإن قيل: إطلاق ذلك يقتضي الحكم على جميع الاطفال بالاسلام، بإسلام أبيهم آدم عليه الصلاة السلام.
أجيب: بأن الكلام في جد ينسب إليه بحيث يعرف به.
(قوله: وإن كان إسلاما قبل علوقه) أي يحكم عليه بالاسلام تبعا وإن كان إسلام أحد أصوله قبل علوقه: أي قبل
أن تعلق به أمه أي تحمل، وفيه أنه لا معنى لهذه الغاية وذلك لأنه إن أسلم أحد أصوله قبل العلوق أو عنده، فقد انعقد الحمل مسلما بالاجماع.
ولا يقال إنه حكم بالاسلام فيه تبعا، وإن أسلم بعد العلوق، فالحكم بالاسلام يكون على الحمل لا على الصبي - كما صرح به الباجوري - وعبارته: ومثل الصبي الحمل في إسلامه بإسلام أحد أبويه أو أحد أصوله: وصورة ذلك أن تحمل به أمه في حال كفر أبويه وسائر أصوله، ثم يسلم أحد أبويه أو أحد أصوله قبل انفصاله، أو بعده وقبل تمييزه أو بعده وقبل بلوغه، أما لو كان أحد أبويه أو أحد أصوله مسلما وقت علوقه فقد انعقد مسلما بالاجماع، ولا يضر ما يطرأ بعد ذلك من ردة أحد أبويه أو أحد أصوله.
اه.
تنبيه: خرج بقوله تبعا في الصورتين إسلامه إستقلالا، كأن نطق بالشهادتين فلا يعتد به، وذلك لأن نطقه
(خيار في) أسير (كامل) ببلوغ وعقل وذكورة وحرية (بين) أربع خصال من (قتل) بضرب الرقبة لا غير (ومن) عليه بتخلية سبيله (وفداء) بأسرى منا أو مال فيخمس وجوبا أو بنحو سلاحا ويفادى سلاحهم بأسرانا على الاوجه لا بمال (واسترقاق) فيفعل الامام أو نائبه وجوبا الاحظ للمسلمين لاجتهاده، ومن قتل أسيرا غير كامل
ــ
بالشهادتين إما خبر أو إنشاء، فإن كان خبرا فخبره غير مقبول، وإن كان إنشاء فهو كعقوده وهي باطلة.
وأما إسلام سيدنا علي رضي الله عنه فقد اختلف في وقته، فقيل إنه كان بالغا حين أسلم - كما نقله القاضي أبو الطيب عن الامام - وقيل إنه أسلم قبل بلوغه - وعليه الاكثرون - وأجاب عنه البيهقي بأن الاحكام إنما صارت معلقة بالبلوغ بعد الهجرة.
قال السبكي: وهو الصحيح.
(قوله: فلو أقر أحدهما) أي المحكوم عليه بالاسلام تبعا للسابي، أو المحكوم عليه به تبعا لاحد الاصول، (وقوله: فهو مرتد من الآن) أي من وقت إقراره بالكفر، لا كافر أصلي، وحينئذ يستتاب، فإن تاب ترك، وإلا قتل - كما مر -.
(قوله: ولا إمام أو أمير) أي أمير جيش.
(قوله: خيار في أسير كامل) أي من الكفار الاصليين: أما إذا كان من المرتدين، فلا خيار فيه بل يطالبه الامام أو الامير بالاسلام فقط.
(قوله: ببلوغ الخ) متعلق بكامل: أي أن كماله يكون ببلوغ وعقل وذكورة وحرية، فإن لم يكمل بما ذكر بأن كان صبيا، أو مجنونا، أو أنثى، أو خنثى، أو رقيقا، فلا خيار فيه، بل يسترق بمجرد الاسر فقط، كما مر.
(قوله: بين أربع خصال) متعلق بخيار: أي هو مخير بين أربع خصال، وهذا بالنسبة لغير المبعضين، أما هم فيتخير فيهم الامام بين ثلاثة أشياء فقط، كما مر.
(قوله: من قتل الخ) بيان للاربع الخصال، ثم إن محل القتل إذا كان فيه إخماد شوكة الكفار وإعزاز المسلمين وإظهار قوتهم.
(وقوله: بضرب الرقبة لا غير) أي لا بتحريق وتغريق ولا بغير ذلك من أنواع القتل.
(قوله: ومن عليه) أي إنعام عليه، وهو معطوف على قتل.
(وقوله: بتخلية سبيله) متعلق بمن: أي من عليه بتخلية سبيله بفكه وإطلاقه من الاسر من غير مقابل، ويفعل ذلك الإمام إذا كان فيه إظهار عز المسلمين.
(قوله: وفداء) معطوف على قتل أيضا - وهو بكسر الفاء مع المد أو بفتحها مع
القصر - (وقوله: بأسرى منا) أي برد أسرى من المسلمين إلينا، ومثلهم الذميون.
والمراد يدفع لهم أسراهم، ويدفعون إلينا أسرانا.
(قوله: أو مال) معطوف على أسرى: أي أو فداء بأخذ مال منهم سواء كان من مالهم أو من مالنا تحت أيديهم.
(قوله: فيخمس) أي المال الذي نأخذه كبقية أموال الغنيمة.
(قوله: أو بنحو سلاحنا) معطوف على بأسرى، أي أو فداء بأخذ نحو سلاحنا الذي أخذوه منا.
(قوله: ويفادي سلاحهم بأسرانا) يعني نعطيهم سلاحهم الذي أخذناه منهم برد أسرانا إلينا.
(قوله: لا بمال) أي لا يفادى سلاحهم الذي أخذناه بدفع مال إلينا.
قال في التحفة: إلا إن ظهرت فيه مصلحة لنا ظهورا تاما لا ريبة فيه، فيجوز ويفرق بينه وبين منع بيع السلاح لهم مطلقا: أي ولو ظهرت مصلحة فيه، بأن ذلك فيه إعانتهم إبتداء من الآحاد، فلم ينظر فيه لمصلحة، وهذا أمر في الدوام يتعلق بالامام، فجاز أن ينظر فيه إلى مصلحة.
اه.
بزيادة.
(قوله: وإسترقاق) معطوف على قتل أي ومن إسترقاق: أي ضرب الرق ولو لوثني أو عربي، أو بعض شخص إذا رآه مصلحة، ولا يسري الرق إلى باقيه على الاصح فيكون مبعضا.
(قوله: فيفعل إلخ) مفرع على قوله ولامام خيار الخ.
وأشار به إلى أن التعبير بالخيار فيه مسامحة، لانه إنما يكون عند استواء الخصال.
(قوله: الاحظ للمسلمين) أي الاصلح والانفع للمسلمين: أي وللاسلام، وذلك لان حظ المسلمين ما يعود إليهم من الغنائم وحفظ مهجهم، ففي الاسترقاق والفداء حظ للمسلمين، وفي المن والقتل حظ للاسلام.
هذا إن ظهر له الاحظ، فإن لم يظهر له حبسهم حتى يظهر له الاحظ فيفعله، لآنه أمر راجع إلى الاجتهاد لا إلى التشهي، فيؤخر لظهور الصواب.
تنبيه: قال في التحفة: لم يتعرضوا فيما علمت إلى أن الامام لو اختار خصلة له الرجوع عنها أولا، ولا إلى أن اختياره هل يتوقف على لفظ أو لا؟ والذي يظهر لي في ذلك تفصيل لا بد منه.
أما الاول فهو أنه لو اختار خصلة ظهر له بالاجتهاد أنها الاحظ.
ثم ظهر له به إن الاحظ غيرها، فإن كانت رقا لم يجز له الرجوع عنها مطلقا، لان الغانمين وأهل الخمس ملكوا بمجرد ضرب الرق، فلم يملك إبطاله عليهم، أو قتلا جاز له الرجوع عنه تغليبا لحقن الدماء ما أمكن، وإذا جاز رجوع مقر بنحو الزنا بمجرد تشهيه وسقط عنه القتل بذلك، فهنا أولى، لان هذا محض حق الله تعالى، وذاك
لزمته قيمته أو كاملا قبل التخيير فيه عزر فقط (وإسلام كافر) كامل (بعد أسر يعصم دمه) من القتل لخبر الصحيحين: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ولم يذكر هنا وماله لانه لا يعصمه.
إذا اختار الامام رقه ولا صغار أولاده للعلم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا
ــ
فيه شائبة حق آدمي، أو فداء، أو من، لم يعمل بالثاني لاستلزامه نقض الاجتهاد بالاجتهاد من غير موجب، كما لو اجتهد الحاكم وحكم، ولا ينقض حكمه باجتهاد بان، نعم، إن كان اختياره أحدهما: لسبب ثم زال ذلك السبب، وتعينت المصلحة في الثاني عمل بقضيته، وليس هذا نقض اجتهاد باجتهاد، بل بما يشبه النصر لزوال موجب الاول بالكلية.
وأما
الثاني فهو أن الاسترقاق لا بد فيه من لفظ يدل عليه، ولا يكفي فيه مجرد الفعل بالاستخدام، لانه لا يستلزمه، وكذا الفداء، نعم، يكفي فيه لفظ ملتزم البدل مع قبض الامام له من غير لفظ، بخلاف الخصلتين الاخيرتين لحصولهما بمجرد الفعل اه.
(وقوله: أما الاول) أي أما التفصيل في الأول، وهو كونه لو اختار خصلة له الرجوع أولا.
(وقوله: وأما الثاني) أي وأما التفصيل في الثاني وهو كون اختياره هل يتوقف على لفظ أم لا؟ (قوله: ومن قتل أسيرا إلخ) قال في الاقناع.
تنبيه: لا يقتل من ذكر: أي النساء والصبيان والمجانين والعبيد للنهي عن قتل النساء والصبيان والباقي في معناهما، فإن قتلهم الامام ولو لشرهم وقوتهم، ضمن قيمتهم للغانمين كسائر أموال الغنيمة وقوله: فإن قتلهم الامام: مثل الامام غيره، وهذا في قتل الناقصين.
أما قتل الكاملين، فإن كان بعد اختيار الامام القتل أو قبله، فلا ضمان إلا لتعزير، وإن كان بعد اختيار الامام للفداء.
فإن كان بعد قبضه الفداء، وقبل وصول الكافر لمأمنه ضمن بالدية، ويأخذ الامام منها قدر للفداء والباقي لورثته، وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان.
وأما إن كان القتل بعد المن، فإن كان قبل وصوله لمأمنه، ضمن بالدية لورثته.
وإن كان بعد وصوله لمأمنه فلا ضمان اه.
بجيرمي.
(قوله: أو كاملا) أي أو قتل أسيرا كاملا، وكماله بما مر.
(وقوله: قبل التخيير فيه) متعلق بقتل المقدر: أي قتله قبل أن يختار الامام فيه شيئا من الخصال الاربع.
ومفهومه أنه إذا كان بعد التخيير لا شئ عليه أصلا، لا تعزير ولا غيره، مع أنه ليس كذلك بل فيه تفصيل يعلم من عبارة البجيرمي المارة آنفا.
(وقوله: عزر) أي القاتل وهو جواب إن المقدرة مع شرطها (قوله: وإسلام كافر كامل) خرج الناقص فلا يعتد بإسلامه إلا تبعا وسيذكر حكمه.
(قوله: بعد أسر) أي وقبل اختيار الامام فيه شيئا، فإن كان بعد اختيار الامام فيه خصلة من الخصال، تعينت ما عدا القتل اه.
بجيرمي.
(قوله: يعصم دمه من القتل) الجملة خبر إسلام.
(قوله: لخبر إلخ) دليل على عصمة دم من أسلم الخ.
(قوله: حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) أي وأن محمدا رسول الله، أو يقال أن لا إله إلا الله صارت علما على الشهادتين.
اه.
ز ي (قوله: فإذا قالوها) أي كلمة التوحيد.
(قوله: وأموالهم) فيه أن الاموال لا تعصم بإسلامه بعد الاسر، فمحل الاستدلال قوله دماءهم، وكان الأولى ذكر هذا الخبر بعد قوله وإسلامه قبله يعصم دما ومالا اه.
بجيرمي (قوله: إلا بحقها) أي بحق الدماء والاموال والانساب التي تقتضي جواز قتلهم وأخذ أموالهم.
اه.
ع ش.
وذلك كالقود والزكاة.
(قوله: ولم يذكر هنا) أي ولم يذكر المصنف هنا: أي في إسلامه بعد الاسر، كما ذكره بعد في قوله وإسلامه قبله، وكان حق التعبير أن
يقول: ولم أذكر بهمزة التكلم إلا أن يقال أنه ارتكب التجريد.
(قوله: وماله) مفعول يذكر.
(قوله: لأنه) أي الاسلام بعد الاسر (وقوله: لا يعصمه) أي المال، لان المقدور عليه بعده غنيمة.
(قوله: إذا اختار الامام رقه) قال الرشيدي: قضية هذا القيد أنه إذا اختار غير الرق يعصم ماله، وانظره مع قوله الآتي ومن حقها - أي الاموال - أن ماله المقدور عليه بعد الاسر غنيمة، ولم أر هذا القيد في غير كلامه، وكلام التحفة.
اه.
(قوله: ولا صغار أولاده) معطوف على قوله وماله: أي ولم يذكر هنا صغار أولاده.
(قوله: للعلم بإسلامه إلخ) عبارة التحفة للعلم بإسلامهم تبعا له من كلامه الآتي: إذ التقيد فيه بقبل الظفر، لافادة عموم العصمة، ثم بخلافها هنا لما ذكر في المال، وأما صغار أولاده فالملحظ في الصورتين
بدار الحرب أو أرقاء وإذا تبعوه في الاسلام وهم أحرار لم يرقوا لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته.
ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق أو أرقاء لم ينقص رقهم.
ومن ثم لو ملك حربي صغيرا
ثم حكم بإسلامه تبعا لاصله جاز سبيه واسترقاقه ويبقى الخيار في باقي الخصال السابقة من المن أو الفداء أو الرق.
ومحل جواز المفاداة مع إرادة الاقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه (و) إسلامه (قبله) أي قبل أسر بوضع أيدينا عليه (يعصم دما) أي نفسا عن كل ما مر (ومالا) أي جميعه بدارنا أو دارهم وكذا فرعه الحر الصغير والمجنون عند السبي عن الاسترقاق لا زوجته فإذا سبيت ولو بعد الدخول انقطع
ــ
واحد وزعم المخالفة بين ما هنا.
وثم وأن عموم ذلك مقيد بهذا، فلا يتبعونه في إسلامه بعد الظفر، ولا يعصمون به عن الرق ليس في محله لتصريحهم بتبعيتهم له قبل الظفر، فبعده كذلك.
اه.
فلعل في العبارة سقطا من الناسخ يعلم من العبارة المذكورة.
(وقوله: تبعا له) أي لاصله الذي أسلم.
(قوله: وإن كانوا إلخ) غاية في التبعية: أي يتبعونه في الاسلام، وإن كانوا بدار الحرب.
(وقوله: أو أرقاء) أي أو كانوا أرقاء، بأن سباهم مسلمون، أو قهرهم حربيون.
(قوله: وإذا تبعوه) أي الاصل الذي أسلم.
(وقوله: وهم أحرار) أي والحال أنهم، أي صغار أولاده أحرار.
(قوله: لم يرقوا) جواب إذا.
(قوله: لامتناع طرو الرق إلخ) علة لعدم إسترقاقهم.
(وقوله: على من قارن إسلامه حريته) أي على الشخص الذي قارن إسلامه حريته.
(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل إمتناع طرو الطرق على من ذكر.
(وقوله: أجمعوا على أن الحر المسلم) خرج الرقيق المسلم، فيسبي ويسترق إذا كان للحربين كما تقدم.
(وقوله: لا يسبي) أي لا يؤسر.
(وقوله: ولا يسترق) عطف لازم على ملزوم، لأنه يلزم من عدم صحة سبيه عدم صحة استرقاقه.
(قوله: أو أرقاء) معطوف على أحرار: أي وإذا تبعوه في الاسلام وهم أرقاء، لم ينقض رقهم: أي فلا يعصمهم إسلام أبيهم من الرق، لان أمرهم تابع لساداتهم، لانهم من أموالهم.
(قوله: ومن ثم) يعني ومن أجل أن الرق لا ينقض بطرو إسلامهم تبعا لابيهم، بل يستمر رقهم مع الاسلام.
(وقوله: ثم حكم بإسلامه) أي ذلك الصغير (وقوله: تبعا لاصله) أي أصل ذلك الصغير بأن أسلم أحد أصوله.
(وقوله: جاز سببه واسترقاقه) أي صح سبي ذلك الصغير واسترقاقه: أي لانه رقيق لحربي، ولم ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق الحربي يجوز سبيه واسترقاقه أي لانه رقيق لحربي، ولم ينقض رقه بإسلامه تبعا، ورقيق الحربي يجوز سبيه واسترقاقته ولو كان مسلما.
(قوله: ويبقى الخيار إلخ) مرتبط بالمتن يعني أن إسلامه إنما يعصمه من
القتل فقط، ويبقى الخيار في باقي الخصال، كما أن من عجز عن الاعتاق في كفارة اليمين يبقى خياره في الباقي من خصالها.
(وقوله: من المن الخ) بيان لباقي الخصال (قوله: ومحل جواز المفاداة الخ) قال ع ش: ينبغي أن مثله: أي الفداء المن بالاولى مع إرادته الاقامة بدار الحرب.
اه.
(قوله: أن كان له ثم) أي في دار الكفر عشيرة: أي جماعة يأمن معها على نفسه وماله، فإن لم يكن له ثم عشيرة كما ذكر، لا تجوز مفاداته ومثلها المن.
(قوله: وإسلامه قبله) هذا مفهوم قوله: وإسلام كافر بعد أسر.
(قوله: أي قبل أسر) أي أسر الامام أو أمير الجيش، (وقوله: بوضع أيدينا عليه) متعلق بأسر.
(قوله: يعصم دما الخ) الجملة خبر إسلامه.
(قوله: أي نفسا الخ) أشار بهذا التفسير إلى أنه ليس المراد بالدم سفكه بالقتل، كالدم المتقدم فيمن أسلم بعد الاسر، بل المراد به النفس.
والمراد عصمتها من القتل ومن غيره كالرق (فقوله: عن كل ما مر) أي من الخصال السابقة من القتل والرق والمفاداة.
(قوله: ومالا) أي ويعصم مالا: أي من غنمه.
(قوله: بدارنا أو دراهم) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا كائنا بدار المسلمين، أو بدار الكفار.
(قوله: وكذا فرعه الحر الصغير) أي وكذا يعصم إسلامه فرعه الحر الصغير، لتبعيته له في الإسلام.
وقيد بالحر.
لان الرقيق يسبى ويسترق ولا يمنعه الاسلام كما علمت (وقوله: الصغير) خرج الكبير فلا يعصمه إسلام أصله.
(وقوله: والمجنون عند السبي) أي وكذا يعصم ولده المجنون عند الاسر.
ولو طرأ جنونه بعد البلوغ كما مر.
ومثل الصبي والمجنون الحمل، ة فيعصمه إسلام أبينه، لانه يتبعه في الإسلام كما مر.
نعم، إن سبيت أمه قبل إسلام أبيه، ثبت رقه
نكاحه حالا.
وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح بينهما لما في خبر مسلم أنهم لما امتنعوا يوم أوطاس من وطئ المسبيات المتزوجات نزل * (والمحصنات) * أي المتزوجات * (من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) *.
(1)
فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات.
فرع: لو ادعى أسير قد أرق إسلامه قبل أسره لم يقبل في الرق ويجعل مسلما من الآن ويثبت بشاهد وامرأتين ولو ادعى أسير أنه مسلم، فإن أخذ من دارنا صدق بيمينه أو من دار الحرب فلا (وإذا أرق) الحربي
ــ
بسبي الام مع الحكم بإسلامه تبعا لابيه، ولكن لا يبطل إسلامه رقه كالمنفصل.
(وقوله: عن الاسترقاق) متعلق بيعصم المقدر بعد كذا.
(قوله: لا زوجته) يعني أن إسلام الكافر لا يعص زوجته عن الاسترقاق ولو كانت حاملا لاستقلالها.
فإن قيل: إذا عقد الكافر الجزية، عصم زوجته الموجودة حين عقد الجزية عن استرقاقها، فكان الاسلام أولى بذلك.
(أجيب) بأن الزوجة تستقل بالاسلام، فلا تجعل فيه تابعة، لان ما يمكن إستقلال الشخص به لا يجعل فيه تابعا لغيره، ولا تستقل ببذل الجزية فتجعل فيه تابعة، لأن ما لا يمكن إستقلال الشخص به يجعل فيه تابعا لغيره.
(قوله: فإذا سبيت) أي زوجته.
(وقوله: ولو بعد الدخول) غاية لقوله انقطع نكاحه: أي ينقطع النكاح، ولو كان السبي حصل بعد الدخول بها، وهي للرد على القائل بأنه إن كان السبي بعد الدخول بها إنتظرت العدة، فلعلها تعتق فيها
فيدوم النكاح كالردة.
(قوله: انقطع نكاحه حالا) أي انفسخ نكاحه حالا: أي حال السبي، وذلك لامتناع إمساك الامة الكافرة في نكاح المسلم، كما يمتنع إبتداء نكاحها.
(قوله: وإذا سبي زوجان أو أحدهما) أي وكانا حرين، أو أحدهما حرا فقط، ورق بأن كان غير مكلف، أو أرقه الامام بأن كان مكلفا.
أما لو كانا رقيقين، سواء سبيا أم أحدهما، فلا ينقطع نكاحهما: إذ لم يحدث رق، وإنما انتقل الملك من شخص إلى آخر، وذلك لا يقطع النكاح، كالبيع والهبة.
(قوله: إنفسخ النكاح بينهما) محله في سبي زوج صغير أو مجنون أو مكلف إختار الامام رقه، فإن من عليه، أو فادى به، إستمر نكاحه حيث لم يحكم برق زوجته، بأن سبي وحده وبقيت بدار الحرب.
(قوله: لما في خبر مسلم الخ) دليل لانفساخ النكاح بينهما إذا سبيا أو أحدهما.
(قوله: أنهم) أي الصحابة، وهو بيان لما في خبر مسلم.
(قوله: يوم أوطاس) بفتح الهمزة كما في المختار.
وقال ق ل: هو بضم الهمزة أفصح من فتحها: اسم واد من هوازن عند حنين.
اه.
(قوله: من وطئ المسبيات المتزوجات) أي اللائي كن متزوجات قبل السبي.
(قوله: والمحصنات) أي وحرمت عليكم المحصنات، فهو معطوف على ما قبله في الآية.
(قوله: فحرم الله تعالى المتزوجات إلا المسبيات) أي واستثنى منهم من سبي منهن، فأحل نكاحهن، وهذا يدل على أنه ينفسخ بالسبي النكاح، وإلا لم يحل نكاحهن.
(قوله: فرع) الأولى فرعان.
(قوله: لو ادعى أسير) أي كامل إذ الدعوى لا تسمع إلا منه، وإنما ادعى ذلك لأجل أن لا يصح سبيه، فلا يصح إسترقاقه.
(قوله: قد أرق) أي قد اختار الامام رقه، ومفهومه أنه إذا ادعاه قبل أن يرق يقبل حتى بالنسبة للرق فانظره.
(قوله: لم يقبل في الرق) أي لم يقبل ما ادعاه بالنسبة للرق، فيستدام الرق الذي اختاره الإمام فيه، أما بالنسبة للقتل والمفاداة فيقبل.
(قوله: ويجعل مسلما الآن) أي ويحكم بإسلامه من وقت دعواه ذلك.
(قوله: ويثبت إلخ) هذا كالتقييد لقوله لم يقبل: أي أن محل عدم قبوله إذا لم يثبت إسلامه الذي ادعاه بالبينة، فإن ثبت بها، وهي رجل وامرأتان، قبلت فلا يصح أسره ولا استرقاقه ولا غير ذلك.
(قوله: ولو ادعى أسير أنه مسلم) تأمله، فإن كان المراد أنه ادعى إسلامه قبل أسره، فهو عين ما قبله: وإن كان المراد بعد أسره، فانظر لم فصل فيه بقوله فإن أخذ من دارنا الخ.
ولم يفصل فيما إذا ادعى أنه أسلم قبل الاسر؟ والظاهر أن المراد الاول، وقصده بيان تقييد قوله فيما تقدم، لم يقبل
(1) سورة النساء، الاية:24.
(وعليه دين) لمسلم أو ذمي (لم يسقط) وسقط إن كان لحربي، ولو اقترض حربي من حربي أو غيره أو اشترى منه شيئا ثم أسلما أو أحدهما يسقط لالتزامه بعقد صحيح.
ولو أتلف حربي على حربكي شيئا أو غصبه منه فأسلما أو أسلم المتلف فلا ضمان لانه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه ولان الحربي لو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه فأولى مال الحربي.
ــ
في الرق المقتضي قبوله بالنسبة لغير الرق.
(قوله: ويجعل مسلما من الآن) بما إذا أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من
دارهم فلا يقبل مطلقا، ولا يحكم عليه بالاسلام، لكن كان المناسب والأخصر في التعبير، حيث كان هذا هو المراد، أن يقول بعد قوله ويجعل مسلما من الآن إن أخذناه من دارنا، فإن أخذناه من دارهم فلا.
وفيه أن هذا يقتضي أنهم يجوز قتلهم إذا أخذناهم من ديارهم، ولو قالوا: نحن مسلمون فانظره.
ثم رأيت ع ش بحث في ذلك واختار استفسارهم.
وعبارته.
فرع: لو أسر نفر فقالوا: نحن مسلمون أو أهل ذمة، صدقوا بأيمانهم إن وجدوا في دار الإسلام.
وإن وجدوا في دار الحرب لم يصدقوا.
جزم به الرافعي في آخر الباب.
اه.
سم على منهج.
وقضية عدم تصديقهم جواز قتلهم مع قولهم نحن مسلمون، وقد يقال، القياس إستفسارهم، فإن نطقوا بالشهادتين تركوا، وإلا قتلوا إلخ.
اه.
(قوله: وإذا أرق الحربي) بالبناء للمجهول: أي وإذا أرق الامام أو أمير الجيش الحربي.
(قوله: وعليه دين لمسلم أو ذمي) مثل من عليه دين، من له الدين، فإذا أرق، فإن كان دينه على مسلم أو ذمي لم يسقط، وإن كان على حربي سقط.
والحاصل، صور لمقام ستة، لانه إذا أرق من عليه الدين، إما أن يكون دينه لمسلم أو ذمي أو حربي، وإذا أرق من له الدين، إما أن يكون من عليه الدين مسلما أو ذميا أو حربيا.
ولا يسقط في هذه الصور كلها، إلا دين حربي على مثله إذا أرق أحدهما.
(قوله: لم يسقط) أي الدين، فيقضي من ماله إن غنم بعد رقه، وإن زال ملكه عنه بالرق قياسا للرق على الموت، فإن غنم قبل رقه أو معه لم يقض منه، فإن لم يكن له مال، أو لم يقض منه، بقي في ذمته إلى أن يعتق فيطالب به.
اه.
شرح المنهج.
(قوله: وسقط) أي الدين إن كان لحربي مفهوم قوله: لمسلم أو ذمي.
والفرق بين الحربي وغيره، أن مال الاول غير محترم، بخلاف الثاني.
(قوله: ولو اقترض حربي من حربي) أي أو كان له عليه دين معاوضة كصداق.
(قوله: أو غيره) بالجر معطوف على حربي المجرور بمن: أي أو اقترض حربي من غير الحربي، من مسلم أو ذمي أو معاهد أو مستأمن.
(قوله: أو اشترى) أي الحربي.
(وقوله: منه) أي حربي آخر.
(قوله: ثم أسلما) أي الحربيان معا أو مرتبا، أو أعطيا الجزية، أو أخذا أمانا.
وعبارة المنهج: ثم عصم أحدهما بإسلام أو أمان مع الآخر أو دونه.
اه.
(قوله: لم يسقط) أي الدين الملتزم بعقد القرض أو الشراء.
(قوله: لالتزامه) أي الدين، وهو علة لعدم السقوط.
(وقوله: بعقد صحيح) أي وهو القرض أو البيع.
(قوله: ولو أتلف) مفهوم قوله: إقترض أو اشترى المقتضي وجود عقد: إذ الاتلاف لا
عقد فيه.
(وقوله: على حربي) ليس بقيد كما يفهم من قوله الآتي، ولو أتلف مال مسلم أو ذمي لم يضمنه.
(قوله: فأسلما) أي الحربيان معا أو مرتبا.
(قوله: أو أسلم المتلف) في شرح الروض وكإسلامهما إسلام أحدهما، وتقييد الاصل بإسلام المتلف لبيان محل الخلاف.
اه.
(قوله: فلا ضمان) أي على المتلف.
(قوله: لأنه) أي المتلف لم يلتزم: أي في ذمته شيئا بعقد.
(وقوله: حتى يستدام حكمه) أي حكم الملتزم بالعقد، وهو الضمان.
وأفهم التعليل المذكور أن ما اقترضه المسلم أو الذمي من الحربي يستحق المطالبة به، وإن لم يسلم لالتزامه بعقد.
أفاده ع ش.
(قوله: ولان الحربي الخ) معطوف على لأنه لم يلتزم الخ.
(قوله: فأولى مال الحربي) أي فمال الحربي المتلف أولى
فرع: لو قهر حربي دائنه أو سيده أو زوجه ملكه ارتفع الدين والرق والنكاح وإن كان المقهور كاملا، وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور ولكن ليس للقاهر بيع مقهوره البعض لعتقه عليه خلافا للسمهودي.
مهمة: قال شيخنا في شرح المنهاج: قد كثر اختلاف الناس وتأليفهم في السراري والارقاء المجلوبين من الروم والهند.
وحاصل معتمد مذهبنا فيهم أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم يحل شراوه وسائر التصرفات فيه لاحتمال أن آسره البائع له أولا حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه وهذا كثير لا نادر، فإن تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراوه إلا على الوجه الضعيف أنه لا يخمس عليه فقول جمع متقدمين ظاهر الكتاب والسنة والاجماع على منع وطئ السراري المجلوبة من الروم والهند إلا أن ينصب
ــ
بعدم الضمان.
(قوله: لو قهر حربي دائنه) أي لو قهر حربي مديون دائنه الحربي.
(وقوله: أو سيده) أي أو قهر عبد حربي سيده الحربي.
(وقوله: أو زوجة) أي أو قهر حربي زوجه، أي زوجته فإطلاق الزوج بلا تاء على المرأة هو القياس.
ومثله ما لو قهرت امرأة زوجها.
(قوله: ملكه) أي ملك القاهر المقهور.
(وقوله: وارتفع الدين) أي سقط بالنسبة للصورة الأولى.
(قوله: والرق) أي وارتفع الرق بالنسبة للصورة الثانية.
(قوله: والنكاح) أي وارتفع النكاح بالنسبة للصورة الثالثة.
(قوله: وإن كان المقهور كاملا) أي ملكه وارتفع ما ذكر، وإن كان المقهور كاملا ببلوغ وعقل وحرية وذكورة.
قال في شرح الروض: قال الامام: ولم يعتبروا في القهر قصد الملك، وعندي لا بد منه، فقد يكون للاستخدام أو غيره.
اه.
(قوله: وكذا إن كان القاهر بعضا للمقهور) أي وكذا يملكه إن كان القاهر ولدا للمقهور، أو والدا له.
فمراده بالبعض ما يشمل الاصل والفرع، وإن كان في إطلاقه على الاصل تسمح.
(قوله: ولكن ليس للقاهر) أي الأصل أو الفرع.
(قوله: بيع مقهوره البعض) أي الأصل أو الفرع.
(قوله: لعتقه عليه) أي بعد ثبوت الملك بالقهر يعتق عليه.
(قوله: خلافا للسمهودي) مقتضى السياق أنه يخالف في عدم جواز البيع.
(قوله: مهمة) أي تتعلق بما يسبى من بلاد الروم ونحوها.
وحاصل الكلام على ذلك أنه إن كان حرا مسلما، فلا يصح سبيه، ولا استرقاقه كما مر، وإن كان كافرا، فإن علم أن السابي له كافر صح سبيه واسترقاقه وجاز شراؤه وسائر التصرفات فيه، أو علم أنه مسلم سباه باختلاس أو نهب أو غير ذلك، فإن علم أن الامام خمسه كسائر أموال الغنيمة، أو قال كل من أخذ شيئا فهو له.
فكذلك يصح شراؤه وسائر التصرفات قطعا.
وإن علم أنه لم يخمسه، أو لم يقل ذلك، فلا يصح شراؤه ولا سائر التصرفات قطعا.
ووقع الخلاف
فيما إذا احتمل أن السابي كافر، واحتمل أنه مسلم، والمعتمد أنه يصح شراؤه للاحتمال الاول.
(قوله: في السراري) جمع سرية.
(وقوله: والارقاء) معطوف على ما قبله، من عطف العام على الخاص.
(قوله: المجلوبين) أي المأخوذين.
(قوله: من الروم والهند) أي ونحوهما، كالترك والسودان.
(قوله: وحاصل معتمد مذهبنا فيهم) أي في السراري والأرقاء المجلوبين من الروم والهند.
(قوله: أن من لم يعلم كونه غنيمة لم تتخمس ولم تقسم) أي بأن علم أنه غنيمة تخمست وقسمت أو جهل ذلك.
(قوله: يحل شراؤه) أي من لم يعلم كونه غنيمة، لم تتخمس ولم تقسم.
(قوله: وسائر التصرفات فيه) أي ويحل فيه سائر التصرفات، كالهبة والعتق والرهن والاجارة.
(قوله: لاحتمال الخ) علة لحل ذلك: أي وإنما حل شراؤه، لاحتمال أن الذي أسره حربي أو ذمي.
(قوله: فإنه لا يخمس عليه) علة للعلة: أي وإنما حل شراؤه إذا احتمل أن سابيه حربي أو ذمي، لان مأسور الحربي أو الذمي لا يخمسه الامام عليه، بل يستقل به، لكونه ليس غنيمة للمسلمين.
(قوله: وهذا) أي كون الآسر له حربيا أو ذميا، كثير لا نادر.
(قوله: فإن تحقق أن آخذه مسلم) أي وأنه لم يخمسه الامام ولم يقسمه.
وهذا مفهوم قوله من لم يعلم كونه الخ.
(وقوله: بنحو سرقة) متعلق بآخذه.
(قوله: لم يجز شراؤه) أي لانه غنيمة للمسلمين، وهي لا تملك إلا بعد التخميس والقسمة.
(قوله: أنه لا يخمس عليه) أن وما بعدها في تأويل مصدر بدل من الوجه الضعيف، أو عطف بيان.
(قوله: فقول جمع
من يقسم الغنائم ولا حيف يتعين حمله على ما علم أن الغانم له المسلمون وإنه لم يسبق من أميرهم قبل الاغتنام من أخذ شيئا فهو له لجوازه عند الائمة الثلاثة.
وفي قول الشافعي بل زعم التاج الفزاري أنه لا يلزم الامام قسمة الغنائم ولا تخميسها، وله أن يحرم بعض الغانمين، لكن رده المصنف وغيره بأنه مخالف للاجماع وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق علم، وإلا فللقاضي كالمال الضائع - أي الذي لم يقع اليأس من صاحبه - وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به على المعتمد.
ومن ثم كان المعتمد كما مر أن من وصل له شئ يستحقه منه حل له أخذه وإن ظلم الباقون.
نعم: الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا
ــ
إلخ) مبتدأ خبره جملة يتعين حمله الخ، وهذا جواب شرط مقدر تقديره.
وإذا علمت أن حاصل معتمد مذهبنا ما ذكر من التفصيل فقول جمع الخ.
(قوله: ظاهر إلخ) مبتدأ خبره الجار والمجرور بعده، والجملة مقول القول.
وفي التحفة تظاهر بصيغة الماضي بمعنى اتفق.
(وقوله: على منع وطئ السراري) أي على حرمة ذلك لعدم صحة شرائهن.
(قوله: إلا أن ينصب الخ) أي إلا أن يولي الإمام من يقسم الغنائم، فإن ولي فلا منع.
(وقوله: ولا حيف) أي ولا جور وظلم موجود في القسمة، بأن يعطى كل ذي حق حقه، أما إذا وجد حيف، بأن أعطى بعض الغانمين وحرم الباقين، فيمتنع وطؤهن.
(قوله: يتعين حمله) أي القول المذكور.
(وقوله: على ما علم) أي تيقن أن الغانم له: أي للمذكور من السراري المسلمون.
(قوله: وأنه لم يسبق) أي وعلم أنه لم يسبق إلخ.
(قوله: من أخذ شيئا فهو له) فاعل يسبق.
أي لم يسبق من أميرهم هذا اللفظ.
(قوله: لجوازه) أي لجواز أن يسبق من الامير المذكور ذلك: أي صحته عند الأئمة الثلاثة.
وعبارة المؤلف في آخر باب الزكاة: ولا يصح شرط الإمام من أخذ شيئا فهو له، وفي قول يصح وعليه الائمة الثلاثة.
اه.
وإذا
جاز قول الامير المذكور، جاز الاخذ بقوله - كما في الرشيدي - وعبارته: إذ بقوله المذكور كل من أخذ شيئا اختص به، أي عند الأئمة الثلاثة، لا عند الشافعي، إلا في قول ضعيف له.
اه.
وإذا جاز الاخذ بقول الامير، لصحته عند الأئمة الثلاثة، فيصح وطئ السراري، ويبطل قول جمع ظاهر الكتاب الخ، إلا أن يحمل على ما ذكره المؤلف.
(قوله: وفي قول الشافعي) معطوف عل عند الأئمة الثلاثة، أي ولجوازه في قول ضعيف للشافعي.
(قوله: بل زعم التاج الفزاري الخ) وعليه فيحمل وطئ السراري مطلقا لصحة شرائهن.
(قوله: وله أن يحرم الخ) معطوف على اسم إن وخبرها: أي وزعم الفزاري أن للامام أن يحرم إلخ.
(قوله: لكن رده) أي ما زعمه التاج الفزاري.
(وقوله: المصنف) أي النووي.
(وقوله: بأنه) متعلق برده.
(قوله: وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس) أي والمخلص لمن وقع في يده شئ من الغنائم التي لم تخمس يقينا، بشراء أو هبة أو وصية، أن يدفعه لمستحقه إن كان معلوما، ثم بعد ذلك إن شاء اشتراه منه بعقد جديد، ويحل وطؤه حينئذ.
(قوله: وإلا فللقاضي) أي وإن لم يعلم المستحق: أي ولم ييأس منه بدليل التشبيه الآتي، فيرده للقاضي ليحفظه عنده حتى يعلم المستحق فيعطيه له.
(قوله: كالمال الضائع) الكاف للتنظير: أي أن هذه الغنائم التي لم تخمس، نظير المال الضائع في أنه يدفع للقاضي ليحفظه عنده.
(قوله: أي الذي الخ) بيان لقيد المال الضائع، ومثله في القيد المذكور من وقع بيده من الغنائم.
(قوله: وإلا) أي بأن وقع اليأس من مالكه، كأن ملك بيت المال، وعلى قياسه يقال هنا إذا وقع اليأس من مستحق الغنيمة، يكون ملكا لبيت المال.
(قوله: فلمن له فيه الخ) تفريع على كونه لبيت المال: أي وإذا صار ملكا له، فلكل من كان له في بيت المال حق الظفر به: أي بالمال الضائع الذي أيس من مالكه.
(قوله: ومن ثم إلخ) أي ومن أجل أن من كان له حق في بيت المال له الظفر به، كان المعتمد فيمن وصل له شئ: أي أعطي شيئا يستحقه من بيت المال حل أخذه، وإن كان بقية المستحقين مظلومين.
(وقوله: كما مر) يعني في كلام التحفة في كتاب قسم الفئ والغنيمة، وعبارته هناك.
فائدة: منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال.
ففي الإحياء قيل: لا يجوز لأحدهم أخذ شئ منه أصلا لأنه مشترك ولا يدري حصته منه، وهذا غلو.
وقيل يأخذ كفاية يوم بيوم.
وقيل كفاية سنة.
وقيل ما يعطى إذا كان قدر
من وكيل بيت المال لان الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فيكون ملكا لبيت المال.
انتهى.
تتمة: يعتق رقيق حربي إذا هرب ثم أسلم ولو بعد الهدنة أو أسلم ثم هرب قبلها وإن لم يهاجر إلينا لا عكسه بأن أسلم بعد هدنة ثم هرب فلا يعتق لكن لا يرد إلى سيده فإن لم يعتقه باعه الامام من مسلم أو دفع
ــ
حقه، والباقون مظلومون.
وهذا هو القياس لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه.
اه.
وخالفه ابن عبد السلام فمنع الظفر في الأموال العامة لأهل الإسلام، ومال المجانين والايتام.
وما
ذكره الغزالي أوجه مما ذكره ابن عبد السلام.
اه.
بحذف.
(قوله: نعم الورع إلخ) مرتبط بقوله يحل شراؤه في أول المبحث: يعني إنه إذا لم يعلم كونه غنيمة لم تخمس، يحل شراؤه وسائر التصرفات، لكن الورع لمريد التسري الخ.
ويحتمل أن يكون مرتبطا بقوله قريبا حل له أخذه.
ويدل للاول صنيع النهاية، وقوله المؤلف بعد أن يشتري ثانيا.
إذ هو يدل على أنه وقع الشراء منه أولا، وفي صورة حل الاخذ ليس فيه شراء أصلا.
(وقوله: أن يشتري ثانيا) أي بثمن ثان غير الذي اشترى به أولا.
ويشترط أن يكون ثمن مثلها.
اه.
ع ش.
(وقوله: واليأس) بالرفع عطف على عدم التخميس: أي ولان الغالب اليأس من معرفة مالكها: أي السراري (قوله: فيكون) أي الذي لم يخمس، وأيس من معرفة مالكه.
(وقوله: ملكا لبيت المال) أي ككل ما أيس من معرفة مالكه.
اه.
رشيدي.
(قوله: تتمة) أي في ذكر مسائل تتعلق بالهدنة، وهي مصالحة أهل الحرب على ترك القتال مدة معينة مجانا أو بعوض، لا على سبيل الجزية، وهي جائزة لا واجبة.
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (براءة من الله ورسوله) * الآية، وقوله: * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) *.
وأركانها ثلاثة.
الأول العاقد: وهو الإمام أو نائبه إن كانت الهدنة للكفار مطلقا، أو لاهل إقليم كالروم والهند، لان فيها خطرا عظيما بترك الجهاد فاختصت بهما، فإن كانت لبعض كفار إقليم، جاز أن يكون الوالي، وأن يكون الامام، وإنما يعقدها من ذكر لمصلحة، كضعفنا بقلة عدد وأهبة، وكرجاء إسلام، أو بذل جزية، أو إعانتهم لنا، أو كفهم عن الاعانة علينا.
الثاني المدة: وهي أربعة أشهر فأقل إن كان بنا قوة، وعشر سنين فأقل إن كان بناضعف.
فمتى زادت المدة على أربعة أشهر في الحالة الأولى، أو على عشر سنين في الحالة الثانية، بطل العقد في الزائد، وصح في الجائز تفريقا للصفقة، فإن لم يذكر في عقد الهدنة مدة أصلا بطل مطلقا، لانه يقتضي التأبيد.
الثالثة الصيغة: وهي كهادنتكم أو وادعتكم مثلا على ترك القتال مدة كذا.
وإذا صحت الهدنة وجب علينا الكف عنهم وفاء بالعهد حتى تنقضي مدتها، أو ينقضوها هم بتصريح منهم بنقضها أو بقتالنا أو قتل مسلم أو ذمي بدارنا عمدا.
(قوله: يعتق رقيق حربي) هو تركيب إضافي، والمراد قنه مطلقا ولو مستولدة أو مكاتبا.
(وقوله: إذا هرب) أي من سيده الحربي.
(وقوله: ثم أسلم) أي بعد الهرب.
(وقوله: ولو بعد الهدنة) أي ولو وقع الاسلام بعد الهدنة، فإنه يعتق عليه، لأن الهدنة لا توجب أمان بعضهم من بعض.
قال في الروض وشرحه: ولو هاجر قبل الهدنة أو بعدها ثم أسلم عتق، لانه إذا جاء قاهرا لسيده ملك نفسه بالقهر فيعتق، أو أسلم ثم هاجر قبل الهدنة، فكذا يعتق لوقوع قهره حال
الاباحة، أو بعدها فلا يعتق لان أموالهم محظورة حينئذ، فلا يملكها المسلم بالاستيلاء.
اه.
(قوله: أو أسلم ثم هرب قبلها) أي الهدنة.
(وقوله: وإن لم يهاجر إلينا) غاية لعتقه بما ذكر: أي يعتق عليه بما ذكر، وإن لم يهاجر: أي يأت إلى المسلمين.
(قوله: لا عكسه) أي لا يعتق في عكس المذكور.
(قوله: بأن أسلم الخ) تصوير للعكس.
(قوله: ثم هرب) أي بعد الاسلام.
(قوله: فلا يعتق) أي على سيده الحربي، لان أموالهم محظورة علينا حينئذ، فلا يملكها المسلم بالاستيلاء - كما تقدم -.
(قوله: لكن لا يرد إلى سيده) استدراك من عدم عتقه حينئذ، دفع به ما يتوهم منه من تمكين السيد منه.
(قوله: فإن لم يعتقه الخ) مقابل لمحذوف، أي فإن عتقه أو باعه عن مسلم فذاك واضح، وإن لم يعتقه ولم
(1) سورة التوبة، الاية:1.
(2)
سورة الانفال، الاية:61.
لسيده قيمته من مال المصالح وأعتقه عن المسلمين والولاء لهم وإن أتانا بعد الهدنة.
وشرط رد من جاء منهم إلينا حر ذكر مكلف مسلما، فإن لم تكن له ثم عشيرة تحميه لم يرد وإلا رد عليهم بطلبهم بالتخلية بينه وبين طالبه بلا إجبار على الرجوع مع طالبه.
وكذا لا يرد صبي ومجنون وصفا الاسلام أم لا وامرأة وخنثى أسلمتا: أي لا يجوز ردهم ولو لنحو الاب لضعفهم ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد دون الحر المرتد.
ــ
يبعه عليه باعه الامام على مسلم، أو دفع له قيمته من بيت المال وأعتقه عن كافة المسلمين، والولاء يكون لهم جميعا.
(قوله: وإن أتانا بعد الهدنة) فاعل الفعل قوله بعد حر ذكر مكلف.
(وقوله: وشرط رد من جاء منهم إلينا) الجملة حالية: أي والحال أنهم شرطوا علينا في عقد الهدنة أن نرد إليهم من جاء منهم إلينا.
(قوله: مسلما) حال من فاعل جاء، أو من فاعل أتانا، وهو قوله حر، ولو رفعه وجعله صفة رابعة لكان أولى.
(قوله: فإن لم تكن إلخ) جواب أن أتانا: أي وإن أتانا، من ذكر مسلما ففيه تفصيل، فإن لم تكن له عشيرة: أي جماعة ثم، أي في بلاد أهل الحرب تحميه، فلا يجوز رده إليهم.
وإن كان له ثم عشيرة تحميه رد إليهم بطلبهم إياه، فإن طلبه غير عشيرته لم يرد، وإن كان يحميه إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب والهرب منه فيرد إليه، وعليه حمل رد النبي صلى الله عليه وسلم أبا بصير لما جاء في طلبه رجلان، فقتل أحدهما في الطريق، وهرب منه الآخر.
(قوله: بالتخلية بينه وبين طالبه) تصوير للرد، فمعنى رده إليهم أن يخلي بينه وبين طالبه.
(قوله: بلا إجبار الخ) أي أنه يخلي بينه وبين طالبه من غير أن نجبره على الرجوع مع طالبه، لحرمة إجبار المسلم على إقامته بدار الحرب، ولا يلزم المطلوب الرجوع مع طالبه، بل لا يجوز له إن خشي فتنة، وذلك لأنه لم يلتزمه، إذ العاقد غيره، ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وسلم على أبي بصير إمتناعه ولا قتله لطالبه، بل سره ذلك، ومن ثم سن أن يقال له سرا لا ترجع، وإن رجعت فاهرب متى قدرت أفاده في التحفة.
(قوله: وكذا لا يرد إلخ) أي كما أنه لا يرد من ليس له ثم عشيرة تحميه، كذلك لا يرد صبي ومجنون، وهو مفهوم قوله مكلف.
(وقوله: وصفا الاسلام أم لا) أي نطقا بالشهادتين أم لا، وإنما قال وصفا ولم يقل أسلما لعدم صحة الاسلام منهما.
(قوله: وامرأة) أي
وكذا لا ترد امرأة: أي لئلا يطأها زوجها أو يتزوجها حربي.
(وقوله: وخنثى) أي وكذا لا يرد خنثى وهما مفهوم قوله ذكر، وبقي عليه مفهوم قوله حر، وهو الرقيق، فلا يرد أيضا، لانه جاء مسلما مراغما لسيده، وتقدم بيان كونه يعتق عليه أم لا.
(قوله: أي لا يجوز ردهم) تفسير مراد لقوله وكذا لا يرد إلخ، أفاد به حكمه وهو عدم الجواز.
(قوله: لضعفهم) علة لعدم جواز ذلك: أي لا يجوز لضعفهم.
أي الصبي والمجنون والمرأة والخنثى.
قال في التحفة.
فإن كمل الصبي أو المجنون واختيارهم مكناه منهمم.
اه.
(قوله: ويغرمون لنا قيمة رقيق ارتد) أي وهرب منا إليهم وقد شرطوا علينا أن لا يردوا من جاءهم مرتدا آمنا.
قال في المنهج وشرحه: ولو شرط عليهم في الهدنة رد مرتد جاءهم منا، لزمهم الوفاء به عملا بالشرط سواء كان رجلا أم أمرأة، حرا أو رقيقا، فإن أبوا فناقضو العهد لمخالفتهم الشرط، وجاز شرط عدم رده: أي مرتد جاءهم منا، ولو امرأة ورقيقا فلا يلزمهم رده، لانه صلى الله عليه وسلم شرط ذلك في مهادنة قريش، ويغرمون مهر المرأة وقيمة الرقيق، فإن عاد إلينا رددنا لهم قيمة الرقيق دون مهر المرأة، لان الرقيق بدفع قيمته يصير ملكا لهم، والمرأة لا تصير زوجة.
اه.
(قوله: دون الحر المرتد) أي إذا ذهب إليهم فلا يلزمهم شئ فيه.
إذ لا قيمة للحر.
خاتمة: نسأل الله حسن الختام، العقود التي تفيد الكفار الامن ثلاثة: الهدنة، والامان، والجزية.
وقد علمت ما يتعلق بالهدنة، وأنها تختص بالامام أو نائبه.
وأما الامان فلا يختص به، بل يجوز لكل مسلم مختار غير صبي ومجنون وأسير، ولو امرأة وعبدا وفاسقا وسفيها أمان جماعة من أهل الحرب محصورين قبل أسر، وذلك لقوله تعالى: * (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره) * وخبر الصحيحين: ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم - أي يتحملها ويعقدها مع الكفار أدناهم - فمن أخفر مسلما - أي نقض عهده - فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
وخرج بمسلم
(1) سورة التوبة، الاية:6.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكافر، فلا يصح أمانه لانهم متهم، وبمختار المكره، وبما بعده الصبي والمجنون والاسير، فلا يصح أمانهم.
وخرج بالمحصورين غيرهم.
وضابطه أن يؤدي الامان إلى إبطال الجهاد في تلك الناحية، فلا يصح من الآحاد حينئذ أمان، لابطاله شعار الدين وأعظم مكاسب المسلمين، وإنما ينعقد الامان بإيجاب صريح: كأمنتك، وأجرتك، ولا تخف، ولا بأس عليك، أو كناية نحوكن كيف شئت.
ومنها الكتابة، وبقبول للامان ولو بما يشعر به كترك القتال.
ويدخل في الامان للحربي بدارنا، ماله وأهله من ولده الصغير والمجنون وزوجته إن كان بدارنا، وكذا ما معه من مال غيره إن كان المؤمن له
الامام.
فإن أمنه غيره لم يدخل أهله ولا ما يحتاجه من ماله إلا بشرط دخولهما، وكذا يدخلان فيه إن كانا بدارهم، وشرط دخولهما إمام لا غيره.
وأما الجزية فتختص بالامام أو نائبه كالهدنة، وهي لغة اسم لخراج مجعول على أهل الذمة، وشرعا مال يلتزمه كافر بعقد مخصوص.
والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) * وما رواه البخاري من أنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر وقال: سنوا بهم سنة أهل الكتاب وما رواه أبو داود من أخذه لها من أهل نجران.
وفسر إعطاء الجزية في الآية بالتزامها بالعقد والصغار فيها بالتزام أحكامنا التي يعتقدونها كحرمة زنا وسرقة، بخلاف التي لا يعتقدونها كحرمة شرب مسكر، ونكاح مجوسي محارم، فإنهم لا يلتزمونها، لانه لا يلزمهم الانقياد إلا للاحكام التي يعتقدونها.
وأركانها خمسة: عاقد، ومعقود له، ومكان، ومال، وصيغة.
وشرط فيها ما مر في البيع من نحو إتصال الايجاب بالقبول، وهي إيجابا كأقررتكم، أو أذنت في إقامتكم بدارنا على أن تلتزموا كذا وتنقادوا لحكمنا، وقبولا كقبلنا ورضينا.
وشرط في العقاد كونه إماما أو نائبه، فلا يصح عقدها من غيره لانها من الامور الكلية، فيحتاج إلى نظر واجتهاد، وشرط في المعقود له كونه متمسكا بكتاب كتوراة وإنجيل وزبور حرا ذكرا غير صبي ومجنون.
وشرط في المكان قبوله للتقرير، فيمنع كافر ولو ذميا إقامة بالحجاز، وهو مكة والمدينة واليمامة وطرقها وقراها كالطائف لمكة، وخيبر للمدينة.
وشرط في المال عند قوتنا كونه دينارا فأكثر كل سنة عن كل واحد، لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن: خذ من كل حالم - أي محتلم - دينارا رواه أبو داود وغيره.
ويسن للامام أن يشاحح غير الفقير عند العقد في قدر ما يعقد به، بأن يقول للمتوسط لا أعقد إلا بدارين، وللموسر لا أعقد إلا بأربعة دنانير.
ويسن للامام أيضا أن يشرط عليهم الضيافة لمن يمر عليهم من المسلمين المجاهدين وغيرهم.
ويتضمن عقد الجزية أربعة أشياء: أحدها: أن يؤدوا الجزية بالذلة والصغار.
ثانيها: أن تجري عليهم أحكام المسلمين فيضمنون ما يتلفونه عليهم من نفس ومال.
ثالثها: أن لا يذكروا الاسلام إلا بخير.
رابعها: أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين، كرفع بناء لهم على بناء جار مسلم، وكإيوائهم من يطلع على عورات المسلمين، وكدلالتهم أهل الحرب على عورة لنا، وكدعائهم مسلما للكفر، وكزنا ذمي بمسلمة، فإن فعلوا ذلك إنتقض عهدهم.
ويجب على الإمام إذا اختلطوا بنا أن يأمرهم بلبس الغيار، وهو تغير اللباس، بأن يخيط الذمي على ثوبه شيئا يخالف لون ثوبه، وشد الزنار - وهو خيط غليظ يشد في الوسط فوق الثياب - وبغير ذلك مما هو مذكور في المطولات.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
(1) سورة التوبة، الاية:29.