المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب في الإعتاق - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٤

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌باب في الإعتاق

‌باب في الإعتاق

هو إزالة الرق عن الآدمي والاصل فيه قوله تعالى: * (فك رقبة) * وخبر الصحيحين أنه (ص) قال: من

أعتق رقبة مؤمنة - وفي رواية امرأ مسلما - أعتق الله بكل عضو منها عضوا من أعضائه من النار حتى الفرج بالفرج

ــ

باب في الإعتاق

هو لغة: السبق والاستقلال مأخوذ من قولهم عتق الفرس إذا سبق، وعتق الفرخ إذا طار واستقل.

فكأن العبد إذا فك من الرق تخلص واستقل وسبق غيره ممن لم يعتق.

وشرعا: إزالة الرق عن آدمي كما سيذكره.

واعلم: أنه قد قام الاجماع على أن العتق بالقول قربة سواء المنجز والمعلق، وأما تعليقه فليس قربة إن قصد به حث أو منع أو تحقيق خبر: كإن دخلت الدار فأنت حر، أو إن لم تسافر فأنت حر، أو إن لم يكن الخبر الذي أخبرتكم به حقا فعبدي حر، فإن لم يقصد به ذلك كان قربة نحو: إن طلعت الشمس فأنت حر.

وأما العتق بالفعل وهو الاستيلاد فليس قربه لانه متعلق بقضاء أو طار، إلا إن قصد به حصول عتق أو ولد فيكون قربة - والعتق بالقول من الشرائع القديمة بدليل عتق ذي الكراع الحميري ثمانية آلاف، وكان ذلك في الجاهلية.

وعتق أبي لهب ثويبة لما بشرته بولادة النبي صلى الله عليه وسلم.

وأما العتق بالفعل فهو من خصوصيات هذه الامة.

وأركانه ثلاثة: معتق وعتيق وصيغة.

ويشترط في المعتق أن يكون حرا كله مختارا مطلق التصرف.

وشرط في العتيق أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع ذلك الحق بيعه بأن لم يتعلق به حق أصلا، أو تعلق به حق جائز كالمعار، أو تعلق به حق لازم هو عتق كالمستولدة، أو تعلق به حق لازم غير عتق لا يمنع بيعه كالمؤجر، بخلاف ما تعلق به حق لازم غير عتق يمنع بيعه كالمرهون فإن فيه تفصيلا: وهو أنه ينفذ من الموسر ولا ينفذ من المعسر.

وشرط في الصيغة لفظ يشعر بالعتق، أو إشارة أخرس، أو كتابة بنية.

وهذه الاركان ما عدا العتيق مصرح بها في كلامه، وأما العتيق فمعلوم من كلامه ضمنا.

(قوله: هو) أي الاعتاق شرعا.

(وقوله: إزالة الخ) المراد بالازالة ما يشمل الزوال فدخل فيه العتق بالبعضية وبالسراية، والعتق بالفعل، وهو الاستيلاد، وذلك لأنه ذكر ذلك كله في هذا الباب.

(وقوله: عن الآدمي) خرج به غير الآدمي كالطير والبهيمة، فلا يصح عتقهما لانه كتسييب السوائب وهو حرام.

نعم: لو أرسل مأكولا بقصد إباحته لمن يأخذه لم يحرم، ولمن يأخذه أكله فقط، وليس له إطعام غيره منه على المعتمد كالضيف، فإنه لا يجوز له إطعام غيره لانه إنما أبيح له أكله دون غيره.

(قوله: والأصل فيه) أي والدليل على مشروعية الاعتاق.

(وقوله: قوله تعالى: * (فك رقبة) *) أي من الرق أي وقوله تعالى: * (وإذ تقول للذي أنعم الله عليه) * أي بالاسلام * (وأنعمت عليه) * أي بالعتق

كما قاله المفسرون.

(قوله: وخبر الصحيحين) معطوف على قوله تعالى، أي والأصل فيه خبر الصحيحين.

(وقوله: أنه صلى الله عليه وسلم إلخ) بدل من خبر الصحيحين.

(وقوله: من أعتق رقبة) المراد بالرقبة الذات على سبيل المجاز المرسل، وإنما عبر عنها بالرقبة لأن الرق كالغل في الرقبة، فإن السيد يحبسه به كما يحبس الدابة بالحبل في رقبتها، فإذا أعتقه فقد أطلقه من ذلك الغل الذي كان في رقبته.

(وقوله: مؤمنة) التقييد به للغالب فلا مفهوم له.

(وقوله: وفي رواية امرأ مسلما) أي

(1) سورة البلد، الاية:13.

(2)

سورة البلد، الاية:13.

(3)

سورة الاحزاب، الاية:37.

ص: 368

وعتق الذكر أفضل.

وروي أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أعتق ثلاثين ألف نسمة أي رقبة وختمنا كالاصحاب بباب العتق تفاؤلا (صح عتق مطلق تصرف) له ولاية ولو كافرا فلا يصح من صبي ومجنون ومحجور بسفه أو فلس ولا من غير مالك بغير نيابة: (بنحو أعتقتك أو حررتك) كفككتك وأنت حر أو عتيق

ــ

بدل قوله رقبة مؤمنة.

(وقوله: حتى الفرج بالفرج) نص على ذلك لان ذنبه أقبح وأفحش، أو لانه قد يختلف من المعتق، والعتيق كعتق الرجل أمة، وكعتق المرأة رجلا.

(قوله: وعتق الذكر أفضل) عبارة التحفة قبله: وصح خبر: أيما امرئ مسلم أعتق لله امرأ مسلما كان فكا له من النار، وأيما امرء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكا له من النار.

وبه يعلم أن عتق الذكر أفضل: أي من عتق الانثى.

اه.

(قوله: وروى أن عبد الرحمن إلخ) عبارة التحفة قبله: ويسن الاستكثار منه كما جرى عليه أكابر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأكثر من بلغنا عنه ذلك عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، فإنه جاء أنه أعتق ثلاثين ألف نسمة، وعن غيره أنه أعتق في يوم واحد ثمانية آلاف عبد.

اه.

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق ثلاثة وستين نسمة وعاش ثلاثا وستين سنة، ونحر بيده في حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة، وأعتقت عائشة تسعا وستين، وعاشت كذلك، وأعتق أبو بكر كثيرا، وأعتق العباس سبعين، وأعتق عثمان وهو محاصر عشرين.

(قوله: وختمنا) أي الكتاب.

(وقوله: كالاصحاب) أي أصحاب الامام.

(قوله: تفاؤلا) أي رجاء أن الله يعتقه من النار، وأيضا ليناسب الختام الافتتاح، فالافتتاح بالعبادات، والختام بالعتق الذي هو أفضل القربات، وبين العبادة والقربة تناسب واضح.

(قوله: صح عتق) أي إعتاق.

(وقوله: مطلق تصرف) أي من يجوز له أن يتصرف تصرفا مطلقا، بأن يكون بالغا عاقلا رشيدا.

(وقوله: له ولاية) أي على الرقيق بطريق الملكية، أو بطريق النيابة، ولا بد أن يكون حرا كامل الحرية، وأن يكون مختار، فلا يصح من المكاتب والمبعض، ومن المكره بغير حق، أما إذا كان بحق فيصح كما لو اشترى العبد بشرط العتق ثم امتنع من الاعتاق، فإذا أكرهه الحاكم عليه حينئذ صح لانه إكراه بحق.

(قوله: ولو كافرا) غاية في مطلق التصرف: أي يصح العتق منه ولو كان كافرا.

قال الشرقاوي: فيخفف عنه من عذاب غير الكفر بسببه.

اه.

(قوله: فلا

يصح) أي الاعتاق، وهو مفهوم القيود المندرجة تحت قوله: مطلق تصرف: أعني البلوغ والعقل والرشد، وإنما لم يصح منهم لعدم صحة تصرفهم.

(قوله: ومحجور بسفه) محل عدم صحة اعتاقه إذا كان بالقول المنجز، أما إذا كان بالفعل، أو كان معلقا فينفذ منه.

(وقوله: أو فلس) أي أو محجور عليه بفلس، ومحل عدم صحة إعتاقه أيضا إذا كان بالفعل أو بالقول المنجز، أما إذا كان بالقول المعلق كالتدبير فيصح منه.

أفاده البجيرمي.

(قوله: ولا من غير مالك إلخ) مفهوم قوله له ولاية: أي ولا يصح العتق من غير مالك للعبد.

(وقوله: بغير نيابة) أي من المالك، أما بالنيابة منه فيصح.

(قوله: بنحو أعتقتك الخ) الملائم لقوله بعد وبكناية أن يقول هنا بصريح عتق نحو أعتقتك الخ، وهذا شروع في بيان الركن الثالث وهي الصيغة.

وحاصل الكلام عليها أنها تنقسم إلى صريح في العتق وإلى كناية فيه، والأول هو ما لا يحتمل غير العتق، وذلك كمشتق تحرير وإعتاق وفك رقبة.

كقوله أنت حر، أو محرر، أو حررتك، أو أنت عتيق، أو معتق، أو أعتقتك، أو أنت فكيك الرقبة، أو مفكوك الرقبة، أو فككت رقبتك.

ولو قال أعتقك الله، أو الله أعتقك، كان صريحا أيضا للقاعدة أن كل ما استقل به الانسان إذا أسنده لله كان صريحا، وما لا يستقل به الانسان كالبيع إذا أسنده لله كان كناية.

وقد نظمها بعضهم في قوله: ما فيه الإستقلال بالإنشاء وكان مسندا لذي الآلاء فهو صريح ضده كناية فكن لذا الضابط ذا دراية وحكم الصريح أنه لا يحتاج إلى نية الايقاع، لانه لا يفهم منه غير العتق عند الاطلاق، فهو قوي في نفسه فلم يحتج لتقويته بالنية.

نعم: لو قال لمن إسمها حرة يا حرة ولم يقصد العتق بأن قصد النداء، أو أطلق لم تعتق.

والثاني ما

ص: 369

وبكناية مع نية كلا ملك أو لا سبيل لي عليك أو أزلت ملكي عنك وأنت مولاي وكذا يا سيدي على المرجح وقوله أنت إبني أو هذا أو هو إبني أو أبي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن وإن عرف نسبه مؤاخذة له بإقراره أو يا ابني كناية فلا يعتق في النداء إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثير الملاطفة وحسن المعاشرة كما صرح به شيخنا في شرح المنهاج والارشاد وليس من لفظ الاقرار به قوله لا عتق لعبد فلان لانه لا

ــ

احتمل العتق وغيره، وذلك كقول السيد لعبده: لا ملك لي عليك، أو لا سلطان لي عليك، أو لا سبيل لي عليك، أو لا خدمة لي عليك، أو أنت سائبة، أو أنت مولاي، أو أنت سيدي، أو أزلت ملكي أو حكمي عنك، ونحو ذلك مما هو صريح أو كناية في الطلاق أو الظهار، لكن فيما هو صالح للعتق، بخلاف ما ليس بصالح له كقوله لعبده: إعتد، أو استبرئ رحمك.

وقوله لامته أنا منك طالق، فلا يقع به العتق وإن نواه.

وحكم ما كان بالكناية أنه يقع به العتق إن نواه وإن احتفت به قرينة، فلا تكفي عن النية، ويكفي قرن النية بجزء من الصيغة المركبة من المبتدإ والخبر مثلا - كما في

الطلاق بالكناية.

(قوله: كفككتك إلخ) تمثيل لنحو أعتقتك.

(قوله: وبكناية) معطوف على نحو الخ.

(وقوله: مع نية) أي للعتق، وذلك لاحتمال اللفظ غير العتق.

(قوله: كلا ملك إلخ) أي لكوني أعتقتك، ويحتمل لكوني بعتك.

(وقوله: لي عليك) مرتبط بكل من قوله لا ملك وقوله لا سبيل.

(قوله: أو أزلت ملكي عنك) أي بالعتق، ويحتمل البيع.

(قوله: وأنت مولاي) إنما كان كناية لاشتراكه بين المعتق والعتيق، قال الشاعر: وهل يتساوى سادة وعبيدهم على أن أسماء الجميع موالي (قوله: وكذا يا سيدي) أي وكذلك هو كناية.

(وقوله: على المرجح) أي عند غير القاضي والغزالي.

وعبارة المغني.

تنبيه: لو قال لعبده يا سيدي، هل هو كناية أو لا؟ وجهان رجح الامام أنه كناية، وجرى عليه ابن المقرى، وهو الظاهر.

ورجح القاضي والغزالي أنه لغو لانه من السؤدد، وتدبير المنزل، وليس فيه ما يقتضي العتق.

اه.

وفي التحفة: وهل أنت سيدي كذلك، أو يقطع فيه بأنه كناية؟ كل محتمل.

اه.

(قوله: وقوله) أي المالك مخاطبا لعبده في المثال الأول، ومخاطبا لغيره في بقية الامثلة.

(وقوله: إعتاق) أي صريحا كما يدل عليه قوله بعد: أو يا ابني كناية، وهو خبر عن قوله أنت الخ.

(قوله: أن أمكن من حيث السن) أي إن أمكن أن يكون الرقيق إبنه، أو بنته، أو أباه، أو أمة، من حيث السن.

قال ع ش: وإلا أي وإن لم يمكن ذلك كان لغوا.

اه.

(قوله: وان عرف نسبه) أي نسب الرقيق لغير المدعي.

(قوله: مؤاخذة له بإقراره) تعليل لكون قوله المذكور إعتاقا: أي يعتق عليه به، وإن عرف نسبه لغيره مؤاخذة له بإقراره، قال ع ش: أي فيعتق ظاهرا لا باطنا.

وينبغي أن محله حيث قصد به الشفقة والحنو، فلو أطلق عتق ظاهرا وباطنا.

اه.

(قوله: أو يا ابني إلخ) الأولى التعبير بالواو كما في التحفة: أي وقوله: يا ابني بالنداء كناية.

(قوله: فلا يعتق في النداء) الاولى الاضمار بأن يقول: فلا يعتق فيه، أي في قوله يا ابني.

(وقوله: إلا إن قصد به العتق) أي فإنه يعتق عليه.

(وقوله: لاختصاصه) أي النداء، وهو علة لعدم العتق ألا بالقصد (قوله: كما صرح به) أي بالمذكور كله من قوله أنت ابني الخ، لكن قوله: فلا يعتق في النداء الخ في شرح الإرشاد لا في التحفة، ونص عبارة الاول: ويعتق أيضا بقوله أنت ابني، أو أنت بنتي، أو أنا أبوك، فيما يظهر إذا كان ذلك خطابا لممكن، كونه قنه لصغر سنه، وإن لم ينو بذلك عتقه.

أو كان بالغا وكذبه في أنه إبنه وعرف كذب السيد فيه، لكون

القن معروف النسب من غير مؤاخذة له بإقراره، ويؤخذ من ذلك أن عتقه بذلك إنما هو في الظاهر دون الباطن إن لم يكن فيه إبنه، وهو محتمل، والاوجه كما بينته في الاصل إن ما ذكر لا يجري في النداء، بل لا يعتق به إلا إن قصد به العتق لاختصاصه بأنه يستعمل في العادة كثيرا للملاطفة وحسن العشرة.

اه.

(قوله: وليس من لفظ الاقرار به) أي بالعتق.

ص: 370

يصلح موضوعه لاقرار ولا إنشاء وإن استعمل عرفا في العتق كما أفتى به شيخنا رحمه الله تعالى (ولو بعوض) أي معه فلو قال أعتقتك على ألف أو بعتك نفسك بألف فقبل فورا عتق ولزمه الالف في الصورتين والولاء للسيد فيهما (ولو أعتق حاملا) مملوكة له هي وحملها (تبعها) أي الحمل في العتق وإن استثناه لانه كالجزء منها، ولو أعتق الحمل عتق إن نفخت فيه الروح دونها، ولو كانت لرجل والحمل لآخر بنحو وصية لم يعتق أحدهما بعتق

ــ

(وقوله: لا عتق لعبد فلان) الذي يظهر أن اللام الاولى لام الابتداء، ومدخولها فعل مضارع.

واللام الثانية زائدة، ومدخولها مفعوله.

(وقوله: لأنه لا يصلح موضوعه الخ) علة لكون اللفظ المذكور ليس إقرارا بالعتق: أي وإنما لم يكن إقرارا به لان موضوعه: أي لفظ أعتق لا يصلح لاقرار به، ولا لانشائه، بل هو للوعد به، إذ صيغة الاستقبال تفيد ذلك، وأنت خبير بأن قياس قولهم في البيع أن صيغة المضارع كناية فيه لاحتمالها الوعد والانشاء أن يكون هنا كذلك فليراجع.

(قوله: ولو بعوض) غاية لقوله صح عتق الخ.

(وقوله: أي معه) أفاد به أن الباء بمعنى مع: أي يصح العتق بما ذكر ولو مع عوض: أي ملتزم في ذمة الرقيق يؤديه بعد العتق، فلا يصح أن يكون معينا كهذا الثوب، إذ لا ملك له قبل العتق.

(قوله: فلو قال) أي السيد لعبده.

(وقوله: أعتقتك على ألف) أي في ذمتك تؤديني إياها بعد العتق كما عرفت.

(قوله: أو بعتك نفسك بألف) عبارة المنهاج مع شرح ابن حجر، ولو قال بعتك نفسك بألف في ذمتك حالا أو مؤجلا تؤديه بعد العتق، فقال: اشتريت، فالمذهب صحة البيع كالكتابة، بل أولى لأن هذا ألزم وأسرع، ويعتق في الحال وعليه ألف عملا بمقتضى العقد، وهو عقد عتاقة لا بيع فلا خيار فيه.

وخرج بقوله بألف قوله بهذا فلا يصح لأنه لا يملكه، والولاء للسيد لما تقرر أنه عقد عتاقة لا بيع.

اه.

(قوله: فقبل) أي العبد.

(وقوله: فورا) قيد لانه بيع في المعنى، وهو يشترط فيه الفورية بين الإيجاب والقبول كما تقدم.

(قوله: عتق) أي العبد.

واعلم: أن عتق يستعمل لازما كما هنا، ويستعمل متعديا كما في قولك عتقت عبدي، وقد تدخل عليه الهمزة فيقال أعتق وهو حينئذ متعد لا غير.

(قوله: ولزمه الالف) أي لزم الرقيق أداء الالف التي التزمها في ذمته للسيد.

قال في التحفة ولا حط هنا لضعف شبهه بالكتابة.

اه.

(وقوله: في الصورتين) أي قوله: أعتقتك على ألف، وقوله: بعتك نفسك بألف.

(قوله: والولاء للسيد) أي لعموم خبر الصحيحين: إنما الولاء لمن أعتق.

(وقوله: فيهما) أي في الصورتين.

(قوله: ولو أعتق حاملا) شمل إطلاقه ما لو قال لها أنت حرة بعد موتي، فإنها تعتق مع حملها على الاصح، ولو عتقت بعد خروج بعض الولد منها،

سري إليه العتق كما في الروضة، وأصلها في باب العدد.

(قوله: مملوكة له) أي للمعتق.

(وقوله: هي) توكيد للضمير المستتر.

(وقوله: وحملها) بالرفع معطوف على الضمير المستتر، وساغ ذلك لوجود شرطه وهو الفصل بالضمير المنفصل.

كما قال ابن مالك: وإن على ضمير رفع متصل عطفت فافصل بالضمير المنفصل أو فاصل ما الخ (قوله: تبعها) أي ما لم يكن في مرض الموت، ولم يحتملهما الثلث، فإن كان كذلك فإن الحمل لا يتبعها، كما نقله سم عن البرلسي.

اه.

بجيرمي.

(قوله: وإن استثناه) أي استثنى الحمل في صيغة العتق بأن قال: عتقتك دون حملك، فإنه يتبعها فيه.

ولقوة العتق لم يبطل بالاستثناء، بخلافه في البيع كما مر.

(قوله: لانه) أي الحمل، وهو علة للتبعية: أي وإنما تبعها فيه لانه كالجزء منها، فعتقه بالتبعية لا بالسراية، لان السراية إنما تكون في الاشقاص كالربع لا في الاشخاص.

(قوله: ولو أعتق الحمل) أي فقط.

(وقوله: عتق إن نفخت فيه الروح) أي لأنه يشترط في العتيق أن يكون آدميا.

قال في المغني، تنبيه: محل صحة إعتاقه وحده إذا نفخ فيه الروح، فإن لم تنفخ فيه الروح كمضغة كأن قال أعتقت مضغتك فهو لغو.

اه.

(وقوله: دونها) أي دون الامة الحامل: أي فلا تتبعه في العتق، لان الاصل لا يتبع الفرع.

ص: 371

الآخر (أو) أعتق (مشتركا) بينه وبين غيره أي كله (أو) أعتق (نصيبه) منه كنصيبي منك حر (عتق نصيبه) مطلقا (وسرى الاعتاق) من موسر لا معسر لما أيسر به من نصيب الشريك أو بعضه ولا يمنع السراية دين مستغرق بدون حجر واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري إلى حصة شريكه كالعتق وعليه قيمة نصيب شريكه وحصته من مهر المثل لا قيمة الولد أي حصته ولا يسري التدبير (ولو ملك) شخص (بعضه) من أصل أو فرع وإن بعد (عتق

ــ

(قوله: ولو كانت لرجل إلخ) مفهوم قوله مملوكة له هي وحملها.

(وقوله: بنحو وصية) تصوير لكون الحمل يكون لشخص وأمة لآخر: أي يتصور ذلك بما إذا أوصى شخص بالحمل لشخص غير الوارث ومات فيكون الحمل ملكا للموصى له، والام للوارث.

واندرج تحت نحو الوصية الوقف.

(قوله: لم يعتق أحدهما بعتق الآخر) أي لأنه لا استتباع مع اختلاف المالكين، ولا تتأتى السراية لما مر أن السراية إنما تكون في الاشقاص لا في الاشخاص.

(قوله: أو أعتق مشتركا) شروع في العتق بالسراية.

(وقوله: بينه) أي المعتق.

(وقوله: وبين غيره) هو الشريك.

(قوله: أي كله) أي أعتق كل المشترك بأن قال له أنت حر.

(قوله: أو أعتق نصيبه) أي أو لم يعتقه كله بل أعتق نصيبه: أي حصته من العبد المشترك بأن قال نصيبي منك حر، أو نصفك حر، وهو يملك نصفه.

(قوله: عتق نصيبه) أي فقط، وهو جواب لو المقدرة قبل قوله: أعتق مشتركا.

(وقوله: مطلقا) أي موسرا كان أو معسرا في صورة عتقه كله، وفي صورة عتقه نصيبه فقط، وذلك لأنه يملك التصرف فيه.

(قوله: وسرى الاعتاق إلخ) أي لخبر الصحيحين: من أعتق شركا له في عبد وكان له

مال يبلغ ثمن العبد، قوم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عتق منه ما عتق.

(قوله: من موسر) المراد به هنا الموسر بنصيب شريكه فاضلا عن جميع ما يترك للمفلس من قوت ممونه يومه وليلته، ومن سكنى يومه، ومن دست ثوب يليق به - كما مر - اه.

بجيرمي.

(وقوله: لا معسر) أي لا يسري الاعتاق من معسر بنصيب شريكه، فيبقى الباقي بعد الاعتاق رقيقا للشريك.

(قوله: لما أيسر به) متعلق بسرى، أي سرى لما أيسر بقيمته.

(وقوله: من نصيب إلخ) بيان لما.

(قوله: ولا يمنع السراية دين) أي لو كان المعتق مدينا فلا يمنع الدين المستغرق لجميع ما عنده السراية، لانه مالك لما في يده نافذ التصرف فيه، ولهذا لو اشترى عبدا وأعتقه نفذ.

(وقوله: بدون حجر) أي لا يمنع الدين السراية عليه إذا كان غير محجور عليه، فإن كان محجورا عليه منع السراية.

ويشترط أن يكون الحجر بفلس، أما إذا كان بسفه فلا يمنع كما في المغنى.

وعبارته بعد قول الأصل: ولا يمنع السراية دين مستغرق.

تنبيه: هذا إذا كان من يسري عليه غير محجور عليه، فإن حجر عليه بفلس بعد أن علق عتق حصته على صفة ثم وجدت حال الحجر فلا سراية، وفي نظيره في حجر السفه يعتق عليه.

والفرق أن المفلس لو نفذنا عتقه أضررنا بالغرماء بخلاف السفيه.

اه.

(قوله: وإستيلاد) مبتدأ خبره جملة يسري.

(وقوله: الموسر) بالجر صفة لاحد الشريكين.

وخرج به المعسر فلا يسري إستيلاده، وينعقد الولد مبعضا لا حرا.

(وقوله: كالعتق) أي كسريانه كما مر.

(قوله: وعليه قيمة نصيب شريكه) هذا مرتبط بصورة الاعتاق وصورة الاستيلاد، فضمير عليه يعود على المذكور من المعتق والمستولد: يعني أنه يسري الاعتاق إلى ما أيسر به، وعليه قيمة نصيب شريكه.

ويسري الاستيلاد إلى حصة شريكه، وعليه قيمة ذلك.

قال البجيرمي: وهو يفيد أن الواجب قيمة ما أيسر به لا حصة ذلك من قيمة الجميع، فإذا أيسر بحصة شريكه كلها، فالواجب قيمة النصف لا نصف القيمة.

عميرة.

سم.

والمراد بقيمة النصف قيمته منفردا عن النصف الآخر، والمراد بنصف القيمة نصف قيمة جميعه بأن يقوم جميعه.

اه.

(قوله: وحصته من مهر المثل) هذا مرتبط بالصورة الثانية فقط.

أي وعليه لشريكه حصته من مهر المثل.

وعبارة المنهج مع شرحه: وعليه لشريكه في المستولدة حصته ومن مهر مثل مع أرش بكارة إن كانت بكرا، هذا إن تأخر الانزال عن تغييب الحشفة كما هو الغالب، وإلا فلا يلزمه حصة مهر، لأن الموجب له تغييب الحشفة في ملك غيره وهو منتف.

اه.

وقوله: مع أرش بكارة: أي مع حصته من أرش بكارة، وينبغي أن محله إن تأخر

ص: 372

عليه) لخبر مسلم.

وخرج بالبعض غيره كالاخ فلا يعتق بملك (ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي) أو إذا مت

ــ

الانزال عن إزالتها كما هو الغالب، وإلا فلا يجب لها أرش.

ولعله لم ينبه عليه لبعد العلوق من الانزال قبل زوال البكارة.

اه.

بجيرمي.

(قوله: لا قيمة الولد) أي ليس عليه لشريكه قيمة الولد، وذلك لان أمه صارت أم ولد حالا فيكون العلوق في ملك الوالد فلا تجب القيمة.

(وقوله: أي حصته) أفاد به أن هنا مضافا مقدرا بين المتضايفين هو ما ذكر: أي لا قيمة حصة الشريك من الولد، ولو قال من أول الامر لا قيمة حصة الولد لكان أخصر.

(قوله: ولا يسري التدبير) يعني إذا دبر أحد الشريكين نصيبه من العبد كأن قال: إن مت فنصيبي منك حر، فلا يسري التدبير لنصيب شريكه لانه ليس إتلافا، بدليل جواز بيع المدبر، فبموت السيد يعتق ما دبره فقط، لان الميت معسر، ومثل التدبير المعلق عتقه بصفة.

واعلم: أنه يشترط للسراية أمور: أحدها: اليسار كما علم مما مر.

ثانيها: أن يتسبب في إعتاقه باختياره ولو بنائبه، كشرائه جزء أصله أو فرعه فإنه يسري إلى الباقي لانه تسبب فيه باختياره، وإن عتق عليه قهرا في هذا المثال، بخلاف ما لو ورث جزء أصله أو فرعه، فإن يعتق عليه ذلك الجزء ولا يسري إلى الباقي، لان سبيل السراية سبيل ضمان المتلفات، ولم يوجد منه إتلاف، ولا قصد.

ثالثها: أن يكون المحل قابلا للنقل، من شخص إلى آخر، فلا سراية في نصيب حكم بالاستيلاد فيه بأن استولد الامة أحد الشريكين وهو معسر، فيحكم بالاستيلاد في نصيبه فقط، فإذا أعتق الآخر نصيبه عتق فقط، ولا سراية إلى الحصة الموقوفة، أو المنذور إعتاقها.

رابعها: أن يعتق نصيبه فقط، أو جميعه، فيعتق بذلك نصيبه ثم يسري العتق إلى نصيب شريكه، فلو أعتق نصيب شريكه لغا لانه لا ملك ولا تبعية.

(قوله: ولا ملك إلخ) شروع في الملك بالبعضية، والمراد بالملك ما يشمل القهري كالارث، والاختياري كالشراء والهبة والوصية.

(وقوله: شخص) أي حر كله، ولو كان غير رشيد: كصبي ومجنون وسفيه، خلافا لقول المنهاج: إذا ملك أهل تبرع الخ، فتقييده بأهل التبرع غير معتبر كما نبه عليه في شرح المنهج.

(قوله: من أصل أو فرع) أي من النسب، أما من الرضاع فإنه لا يعتق عليه.

(وقوله: وإن بعد) أي لا فرق في كل من الأصل أو الفرع بين أن يبعد أو يقرب من المشتري مثلا.

ولا فرق أيضا بين أن يتحد الدين أو يختلف، وذلك لانه حكم متعلق بالقرابة فاستوى فيه من ذكر.

(قوله: عتق عليه) أي على مالكه بشرط أن يكون حرا كله - كما علمت - فيخرج المكاتب والمبعض، فلو ملك كل واحد منهما أصله أو فرعه فلا يعتق عليه لتضمنه الولاء، وهما ليسا من أهله، وإنما عتقت أم ولد المبعض بموته، لانه أهل للولاء حينئذ لانقطاع، الرق عنه بالموت، لانه لا رق بعد الموت.

(قوله: لخبر مسلم) هو قوله صلى الله عليه وسلم: لن يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه.

وقوله: فيعتقه: بالرفع وضميره المستتر يعود على الشراء: أي يعتقه نفس

الشراء، وليس المراد أن الولد يعتقه بإنشائه العتق، وهذا الخبر دليل لعتق الأصل على الفرع، ويدل له أيضا قول الله تعالى: * (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) * ولا يتأتى خفض الجناح مع الاسترقاق.

ويدل لعتق الفرع على الاصل قوله تعالى: * (وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا، إن كل من في السموات والأرض إلا آتى الرحمن عبدا) *.

وقوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون) * فدل ذلك على نفي إجتماع العبدية والولدية.

(قوله: وخرج بالبعض غيره) أي من سائر الاقارب كالاخوة والاعمام، فإنهم لا يعتقون بالملك لأنه لم يرد فيهم نص، وأما خبر: من ملك ذا رحم فقد عتق عليه فضعيف، بل قال النسائي إنه منكر.

(قوله: فلا يعتق) أي غير البعض بملك، بل حكمه حكم الاجنبي.

واعلم: أنه لا يصح شراء الولي لصبي أو مجنون أو سفيه من يعتق عليه، لانه إنما يتصرف بالمصلحة، ولا مصلحة له في ذلك لانه يعتق عليه، وفي تضييع مال عليه، وأما لو وهب لمن ذكر من يعتق له، أو وصى له به، فإن لم تلزمه نفقته

(1) سورة الاسراء، الاية:24.

(2)

سورة مريم، الاية:93.

(3)

الانبياء، الاية:26.

ص: 373

فأنت حر أو أعتقتك بعد موتي وكذا إذا مت فأنت حرام أو مسيب مع نية (فهو مدبر يعتق بعد وفاته) من ثلث ماله بعد الدين (وبطل) أي التدبير (بنحو بيع) للمدبر فلا يعود وإن ملكه ثانيا ويصح بيعه (لا برجوع) عنه (لفظا)

ــ

كأن كان معسرا، أو فرعه الموهوب له كسوبا فعلى الولي قبوله، ويعتق على المولى لانتفاء الضرر عنه.

وحصول الكمال لاصله أو فرعه وإن لزمته نفقته، فليس للولي قبوله، ولا يصح لو قبل، لحصول الضرر للمولى.

(قوله: ومن قال لعبده أنت حر بعد موتي إلخ) شروع في بيان أحكام التدبير من كون المدبر يعتق بعد وفاة سيده من ثلث ماله، وجواز بيعه في حياته وغير ذلك، وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة، والتدبير لغة النظر في العواقب والتأمل فيها، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: التدبير نصف المعيشة.

وشرعا: تعليق المالك عتق رقيقه بموته وسمي بذلك لأن السيد دبر نفسه في الدنيا بإستخدام الرقيق، وفي الآخرة بعتقه.

والأصل فيه قبل الاجماع خبر الصحيحين: أن رجلا دبر غلاما ليس له مال غيره فباعه النبي صلى الله عليه وسلم في دين كان عليه.

فتقريره صلى الله عليه وسلم له حيث لم ينكر عليه يدل على جوازه، ولا ينافي ذلك بيعه لان ذلك يدل على جواز الرجوع عنه بالبيع ونحوه.

وأركانه ثلاثة مدبر وهو المالك، ومدبر - بفتح الباء - وهو الرقيق، وصيغة، وكلها تعلم من كلامه، ضمنا.

وشرط في الأول: بلوغ وعقل واختيار، فلا يصح من صبي ومجنون ومكره، ويصح من سفيه ومفلس ومبعض وسكران لانه

مكلف حكما، وكافر ولو حربيا، وأما المرتد فتدبيره موقوف، فإن أسلم بانت صحته، وإن مات مرتدا بان بطلانه.

وللحربي حمل مدبره الكافر الاصلي إلى دار الحرب بخلاف المسلم والمرتد، لبقاء علقة الإسلام فيه وشرط في الثاني كونه غير أم ولد، فلا يصح تدبير أم الولد لانها تستحق العتق بجهة أخرى أقوى من التدبير، فإنها تعتق من رأس المال، والمدبر يعتق من الثلث.

وشرط في الثالث: وهو الصيغة لفظ يشعر بالتدبير، أو كتابة بالنية، أو إشارة أخرس مفهمة.

واللفظ إما صريح وهو ما لا يحتمل غير التدبير كقوله: إذا مت فأنت حر كما سيذكره، وكقوله: دبرتك، أو أنت مدبر، وإن لم يقل بعد موتي، وإما كناية وهي ما يحتمل التدبير وغيره كخليت سبيلك، أو حبستك بعد موتي فيهما، وكقوله إذا مت فأنت حرام، أو مسيب.

(قوله: أو أعتقتك بعد موتي) أي أو حررتك، أو أنت حر بعد موتي، ولا بد من التلفظ ببعد موتي وإلا عتق حالا.

(قوله: وكذا إذا مت) أي ومثل أنت حر بعد موتي الخ إذا مت فأنت حرام أو مسيب، لكن في هاتين الصورتين لا بد من نية التدبير لانهما من الكناية، كما أفاده بقوله مع نية.

(قوله: فهو مدبر) جواب من إن كانت شرطية، وخبرها إن كانت موصولة.

(قوله: يعتق بعد وفاته الخ) أي وحكم المدبر أنه يعتق كله بعد وفاة السيد من ثلث ماله، وإن وقع التدبير في الصحة.

ومحل كونه يعتق كله إن خرج كله من الثلث، فإن لم يخرج كله من الثلث عتق منه بقدر ما خرج من الثلث كالنصف إن لم تجز الورثة ما زاد على الثلث، فإ أجازوا عتق كله، والحيلة في عتق الجميع وإن لم يخرج من الثلث، وإن لم يكن هناك مال سواه أن يقول في حال صحته: إن مرضت فهذا الرقيق حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة فهو حر قبل موتي بيوم، فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم عتق من رأس المال، ولا سبيل لاحد عليه، لكن ليس هذا من التدبير كما هو ظاهر.

(وقوله: بعد الدين) أي محل كونه يعتق من الثلث بعد وفاء الدين، فإن استغرق الدين التركة لا يعتق منه شئ.

(قوله: وبطل أي التدبير بنحو بيع) أي من كل مزيل للملك كالوقف والهبة المقبوضة، وجعله صداقا، وبطل بإيلاد لمدبرته أيضا، لانه أقوى من التدبير، بدليل أنه لا يعتبر من الثلث ولا يمنع منه الدين.

(قوله: فلا يعود) أي إلى التدبير.

(وقوله: وإن ملكه) لا معنى للغاية، فلو حذف الواو وجعله قيدا لما قبله لكان أولى.

وعبارة متن المنهاج: فلو باعه ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب.

اه.

وإنما لم يعد التدبير حينئذ، لأن الزائل العائد هنا كالذي لم يعد.

(قوله: ويصح بيعه) أي المدبر، لانه صلى الله عليه وسلم باع المدبر كما مر في حديث الصحيحين السابق.

ويشترط أن يكون البائع له جائز التصرف، وخرج غيره كالسفيه، فإنه لا يصح بيعه وإن صح تدبيره، ومثل البيع سائر التصرفات فتصح منه فيه، ولعل

الشارح اقتصر على البيع لانه الوارد في الحديث، ويقاس غيره عليه.

(قوله: لا برجوع إلخ) أي لا يبطل التدبير بالرجوع

ص: 374

كفسخته أو عقصته ولا بإنكار للتدبير ويجوز له وطئ المدبرة ولو ولدت مدبرة ولدا من نكاح أو زنا لا يثبت للولد حكم التدبير.

فلو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما، ولو دبر حاملا ثبت التدبير للحمل تبعا لها إن لم يستثنه وإن انفصل قبل موت سيدها لا إن أبطل قبل انفصاله تدبيرها والمدبر كعبد في حياة السيد.

ويصح تدبير مكاتب وعكسه، كما يصح تعليق عتق مكاتب ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه وقال كسبته بعد الموت وقال الوارث بل قبله لان اليد له (الكتابة) شرعا عقد عتق بلفظها معلق بمال منجم بنجمين فأكثر وهي (سنة) لا واجبة

ــ

عن التدبير لفظا كسائر التعليقات.

(قوله: ولا بإنكار للتدبير) أي ولا يبطل أيضا بإنكاره التدبير، فليس إنكاره رجوعا عنه، كما أن إنكار الردة ليس إسلاما، وإنكار الطلاق ليس رجعة، ولا يبطل التدبير أيضا بردة السيد، ولا بردة المدبر، صيانة لحق المدبر عن الضياع، فيعتق بموت السيد وإن كانا مرتدين.

(قوله: ويجوز له وطئ المدبرة) أي للسيد أن يطأ مدبرته لبقاء ملكه فيها كالمستولدة، مع أنه لم يتعلق بها حق لازم.

ولا يكون وطؤه لها رجوعا عن التدبير لانه قد يؤدي إلى العلوق المحصل لمقصود التدبير وهو عتقها، بخلاف نحو البيع.

فإن أولدها بطل تدبيره كما مر.

(قوله: ولو ولدت مدبرة ولدا) أي حملت به بعد التدبير.

(وقوله: من نكاح) بأن زوجها سيدها.

(قوله: لا يثبت للولد حكم التدبير) أي لانه عقد يقبل الرفع، فلا يسري للولد الحادث بعده كالرهن، بخلاف الاستيلاد.

وفي سم ما نصه: قال في شرح الارشاد: وقيل يلحقه التدبير، ونقله في الشرح الصغير عن ترجيح الاكثرين، وبه قال الأئمة الثلاثة، وانتصر له الزركشي بأنه قياس تبع الولد للام في نذر الهدي والاضحية.

ويرد بأن النذر لازم فيقوى على الاستتباع الحادث بخلاف التدبير فإنه جائز فلم يقو على ذلك.

اه.

(قوله: فلو كانت حاملا إلخ) مفرع على مفهوم قوله ولدت.

وعبارة التحفة: وخرج بولدت ما لو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما.

اه.

قال سم: حاصل المسألة أنها إذا كانت حاملا في أحد الوقتين وقت التدبير ووقت الموت دون الآخر أو فيهما معا تبعها الولد، وإلا فلا.

اه.

(قوله: ولو دبر حاملا) أي يملكها هي وحملها، سواء كان حملها من زنا أو من زوج، ويعرف وجوده عند التدبير بوضعه لدون ستة شهر منه، فإن وضعته لأكثر من أربع سنين لم يتبعها، وإن ولدته لما بينهما، فإن كان لها زوج يفترشها فلا يتبعها، وإن كانت ليست كذلك تبعها.

أفاده البجيرمي نقلا عن زي.

(قوله: إن لم يستثنه) أي إن لم يستثن السيد الحمل عند تدبير الام، بأن قال لها أنت مدبرة، فإن استثناه بأن قال لها أنت مدبرة دون حملك، لم يتبعها في التدبير.

ويفرق بينه وبين ما مر في العتق بقوته وضعف التدبير.

ومحل ذلك إن ولدته قبل موت السيد وإلا تبعها، لان الحرة لا تلد إلا حرا: أي غالبا.

أفاده في التحفة.

(قوله: وإن انفصل الخ) غاية لثبوت التدبير له: أي يثبت التدبير للحمل تبعا، سواء انفصل قبل موت سيدها أم لا.

(قوله: لا إن أبطل إلخ) أي لا يثبت التدبير للحمل إن أبطل السيد تدبيرها قبل انفصاله.

كأن باعها، أو وهبها، أو جعلها صداقا.

وخرج بقبل انفصاله ما لو أبطل تدبيرها بعد انفصاله، فإنه لا يبطل تدبيره.

ولو بطل تدبيرها قبل انفصاله فإنه لا يبطل تدبيره

أيضا إن عاش، وهو نادر.

(قوله: والمدبر كعبد في حياة السيد) يعني أن حكم المدبر في حال حياة السيد حكم العبد القن، فتكون أكسابه التي اكتسبها في حال حياته للسيد بخلاف التي اكتسبها بعد موته.

(قوله: ويصح تدبير مكاتب وعكسه) أي كتابة المدبر فيصير فيهما مدبرا مكاتبا، ويعتق بالاسبق من موت السيد، أو أداء النجوم.

(قوله: كما يصح تعليق عتق مكاتب) أي وعكسه وهو كتابة المعلق عتقه بصفة، ويعتق في ذلك بالاسبق من وجود الصفة المعلق عليها، أو أداء النجوم.

(قوله: ويصدق المدبر بيمين فيما وجد معه) أي في المال الذي وجد تحت يده.

(وقوله: وقال كسبته الخ) أي واختلف هو والوارث فقال المدبر: كسبته بعد الموت فهو ملكي، وقال الوارث: بل كسبته قبله فهو ملكي، لان الاكساب الحاصلة منه حال حياة السيد لسيده، فإذا مات انتقلت للوارث.

(قوله: لان اليد له) علة لتصديق المدبر: أي وإذا كان كذلك فيرجع بيده، وكذلك تقدم بينته على بينة الوارث إذا أقاما بينتين لاعتضاد بينته بيده، وهذا بخلاف ما لو ادعت المدبرة أنها ولدت بعد موت السيد فيكون حرا، وادعى الوارث أنها ولدته قبله فيكون رقيقا، فإن القول قول الوارث بيمينه، لانها تزعم حريته والحر لا يدخل تحت اليد، والفرض أنها حملت به بعد التدبير حتى يظهر الاختلاف المذكور،

ص: 375

وإن طلبها الرقيق كالتدبير (بطلب عبد أمين مكتسب) بما يفي مؤنته ونجومه فإن فقدت الشروط أو أحدها فمباحة (وشرط في صحتها لفظ يشعر بها) أي بالكتابة (إيجابا ككاتبتك) أو أنت مكاتب (على كذا) كمائة (منجما مع)

ــ

لانها لو كانت حاملا به حين التدبير كان مدبرا تبعا لها كما مر.

(قوله: الكتابة إلخ) شروع في بيان أحكام الكتابة كاستحبابها إذا سألها العبد وكان أمينا مكتسبا، ولزومها من جهة السيد، وجوازها من جهة المكاتب.

وقد أفردها الفقهاء بترجمة مستقلة.

والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا) *.

أي أمانة وكسبا، كما فسره الشافعي رضي الله عنه بذلك.

وخبر: من أعان غارما، أو غازيا، أو مكاتبا في فك رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.

وخبر: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم.

رواه أبو داود وغيره.

والحاجة داعية إليها لان السيد قد لا تسمح نفسه بالعتق مجانا، والعبد لا يتشمر للكسب تشمره إذا علق عتقه بالتحصيل والاداء، ولفظها إسلامي لم يعرف في الجاهلية.

وأركانها أربعة: مكاتب - بكسر التاء الفوقية - وهو السيد، ومكاتب - بفتح التاء - وهو الرقيق، وعوض، وصيغة.

وشرط في الاول كونه مختارا أهل تبرع وولاء، لان الكتابة تبرع وآيلة للولاء، فتصح من كافر أصلي وسكران، لا من مكره، ولا من صبي ومجنون، ومحجور سفه أو فلس، ولا من أوليائهم، ولا من مبعض ومكاتب وإن أذن له سيده لانهما ليسا أهلا للولاء، ولا من مرتد لان ملكه موقوف، والعقود لا توقف على الجديد.

وشرط الثاني اختيار وتكليف، وأن لا

يتعلق به حق لازم، بخلاف المكره والصبي والمجنون كسائر عقودهم، ومن تعلق به حق لازم لانه إما معرض للبيع كالمرهون، والكتابة تمنع منه.

أو مستحق المنفعة كالمؤجر فلا يتفرع لاكتساب ما يوفي به النجوم.

وشرط في الثالث أن يكون مالا معلوما ولو منفعة في الذمة مؤجلا إلى أجل معلوم منجما بنجمين فأكثر.

وشرط في الرابع - وهو الصيغة - أن يكون لفظا يشعر بالكتابة، أو كتابة، أو إشارة أخرس مفهمة.

واللفظ إما إيجاب كقوله: كاتبتك، أو أنت مكاتب على دينارين تدفعهما إلي في شهرين، فإذا أديتهما إلي فأنت حر، وإما قبول كقول العبد قبلت ذلك.

وسيذكر المؤلف بعض هذه الاركان معنونا عنه بلفظ الشرط، وبقيتها تؤخذ من كلامه ضمنا.

(قوله: شرعا عقد إلخ) أي وأما لغة: فهي الضم والجمع، وسمي المعنى الشرعي بها لان فيه ضم نجم إلى نجم، وللعرف الجاري بكتابة ما تضمنه العقد في كتاب.

(قوله: بلفظها) أي الكتابة.

(قوله: معلق) بالجر صفة لعتق.

(وقوله: بمال) أي بأدائه.

(قوله: منجم بنجمين) أي مؤقتا بوقتين، ويطلق النجم على القدر الذي يؤدي في وقت معين.

(قوله: وهي) أي الكتابة.

(وقوله: سنة) أي بالشروط الآتية.

(قوله: لا واجبة) صرح به مع علمه مما قبله توطئة للغاية بعده.

(قوله: وإن طلبها الرقيق) غاية لعدم الوجوب لا للسنية، وهي للرد على من قال بوجوبها إذا طلبها الرقيق تمسكا بقوله تعالى: * (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) * الآية، فحمل الامر على الوجوب، والجمهور حملوه على الندب قياسا على التدبير وشراء القريب الذي يعتق عليه ونحو ذلك، فلا تجب الكتابة وإن سألها الرقيق لئلا يتعطل أثر الملك وتستحكم المماليك على الملاك.

(قوله: كالتدبير) أي قياسا على التدبير في عدم وجوبه: أي ونحوه مما مر آنفا.

(قوله: بطلب الخ) ذكر للسنية قيودا ثلاثة: وهي الطلب، والامانة، والاكتساب، فإن فقد واحد منها كانت مباحة كما سيذكره.

وقال بعضهم: الطلب ليس قيدا للاستحباب وإنما هو قيد لتأكدها، فإن لم يطلبها فهي مسنونة من غير تأكد، بخلاف الشرطين فهما للاستحباب، فإن فقد أحدهما كانت مباحة.

(وقوله: عبد) المراد به الرقيق ولو أنثى.

(وقوله: أمين) أي فيما يكسبه بحيث لا يضيعه في معصية، فالمدار على كونه لا يضيع المال وإن لم يكن عدلا في دينه لترك صلاة ونحوها، وإنما اعتبرت الامانة في ذلك لئلا يضيع ما يحصله فلا يعتق.

(وقوله: مكتسب بما يفي مؤنته ونجومه) أي قادر على كسب ما يفي بذلك، وإنما اعتبرت القدرة على ذلك ليوثق بتحصيل النجوم.

(قوله: وشرط في

(1) سورة النور، الاية:33.

ص: 376

قوله (إذا أديته فأنت حر وقبولا كقبلت) ذلك (و) شرط فيها (عوض) من دين أو منفعة.

(مؤجل) هنا ليحصله

ــ

صحتها) أي الكتابة.

(وقوله: لفظ) أي أو إشارة أخرس مفهمة، أو كتابة مع النية كما مر.

واللفظ إما صريح أو كناية كما تقدم، فمن الصريح ما ذكره بقوله كاتبتك الخ.

ومن الكناية قوله كاتبتك على كذا واقتصر عليه، فإن نوى بذلك الكتابة صحت وإلا فلا.

وإنما كان منها لاحتمال اللفظ لكتابة الخراج، وللكتابة التي الكلام فيها.

(قوله: إيجابا) حال من لفظ، أي حال كون اللفظ المذكور إيجابا الخ، أو خبر لكان مقدرة مع إسمها: أي كان ذلك اللفظ إيجابا وهو ما صدر من السيد.

وسيذكر مقابله.

(قوله: ككاتبتك) لا بد من إضافته إلى الجملة، فلو قال: كاتبت يدك مثلا، لم تصح.

اه.

بجيرمي.

(قوله: علي كذا) أي على أن تعطيني كذا.

(قوله: منجما) أي مؤقتا بوقتين فأكثر - كما سيأتي في كلامه - وهو حال من لفظ كذا.

(قوله: مع قوله إلخ) أي ولا بد أن ينضم إلى اللفظ المذكور قوله: إذا أديته الخ، والمراد بالقول ما يشمل قول النفس، إذ نية ذلك كافية كما صرح به في المنهاج ونصه: ولو ترك لفظ التعليق، أي قوله إذا أديته فأنت حر، ونواه جاز ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق ولا نية على المذهب.

اه.

وإنما اشترط إنضمام ذلك لفظا أو نية إلى قوله كاتبتك ونحوه، لان لفظ الكتابة يصلح لهذا ويصلح للمخارجة، فاحتيج لتميزها بالضميمة المذكورة.

قال في التحفة: والتعبير بالاداء للغالب من وجود الاداء في الكتابة، وإلا فيكفي - كما قال جمع - أن يقول: فإذا برئت أو فرغت ذمتك منه فأنت حر.

(قوله: وقبولا) عطف على إيجابا، ولا بد أن يكون فورا، وبه تتم الصيغة، فلا تصح الكتابة بدونه كسائر العقود.

وإنما لم يكف الاداء بلا قبول كالاعطاء في الخلع لان هذا أشبع بالبيع من ذلك، ويكفي استيجاب وإيجاب، ككاتبني على كذا فيقول: كاتبتك.

(قوله: كقبلت ذلك) أي كقول المكاتب قبلت ذلك، فلو قبل أجنبي الكتابة من السيد ليؤدي عن العبد النجوم لم تصح، لمخالفته موضع الباب.

(قوله: وشرط فيها) أي في صحتها.

(قوله: من دين الخ) بيان للعوض، ولا فرق فيه بين أن يكون نقدا أو عرضا.

وخرج بالدين العين فلا تصح الكتابة عليها، لأنه لا يملك الاعيان حتى يورد العقد عليها.

(قوله: أو منفعة) لو قال كما في المنهاج والمنهج: ولو منفعة لكان أولى، إذ المراد بالمنفعة المتعلقة بالذمة كأن يقول له: كاتبتك على بناء دارين في ذمتك في شهرين وهي دين، أما المنفعة المتعلقة بعين من الاعيان كأن كاتبه على منفعة دابتين معينتين لزيد يدفعهما له في شهرين، فلا تصح الكتابة عليها، إذ منفعة العين مثل العين، وهي لا تصح الكتابة عليها كما علمت.

نعم: المنفعة المتعلقة بين المكاتب تصح الكتابة عليها بشرطين: أن تتصل المنفعة المذكورة، كالخدمة والخياطة بالعقد، وأن تكون مع ضميمة شئ آخر إليها كدينار، ككاتبتك على أن تخدمني شهرا من الآن، أو تخيط لي ثوبا بنفسك وعلى دينار تأتي به بعد انقضاء الشهر، أو نصفه.

فلو أجل المنفعة لم

تصح لأن الأعيان لا تقبل التأجيل فكذلك منافعها.

وكذلك لا تصلح إن لم تكن مع الضميمة المذكورة، لعدم تعدد النجم الذي هو شرط في صحة الكتابة، ولو اقتصر على خدمة شهرين وصرح بأن كل شهر نجم لم يصح أيضا، لانهما نجم واحد ولا ضميمة، ولو فرق بينهما كرجب ورمضان كان أولى بعدم الصحة، لأنه يشترط في المنفعة المذكورة اتصالها بالعقد كما علمت.

(قوله: مؤجل) صفة لعوض، أي عوض مؤجل إلى أجل معلوم، فلا تصح الكتابة بالحال، لان الكتابة عقد خالف القياس في وضعه واتبع فيه سنن السلف.

والمأثور عن الصحابة فمن بعدهم قولا وفعلا إنما هو التأجيل، ولم يعقدها أحد منهم حالة، ولو جاز لم يتفقوا على تركه مع اختلاف الاغراض، خصوصا وفيه تعجيل عتقه.

واختار ابن عبد السلام والروياني في حليته جواز الحلول، وهو مذهب الامامين مالك وأبي حنيفة رضي الله عنهما.

فإن قيل: لو اقتصر المصنف على الاجل لاغنى عن الدينية، فإن الاعيان لا تقبل التأجيل.

أجيب: بأن دلالة الالتزام لا يكتفي بها في المخاطبات، وهذان وصفان مقصودان.

اه.

ونظر في التحفة في الجواب المذكور بأن دلالة المؤجل على الدين من دلالة التضمن لا الالتزام، لان مفهوم المؤجل شرعا دين تأخر وفاؤه، فهو مركب من شيئن.

ودلالة التضمن يكتفي بها في المخاطبات.

وأجاب بجواب آخر غيره، نظر فيه سم فانظره.

ص: 377

ويؤديه (منجم بنجمين فأكثر) كما جرى عليه أكثر الصحابة رضوان الله عليهم ولو في مبعض (مع بيان قدره) أي العوض (وصفته) وعدد النجوم وقسط كل نجم (ولزم سيدا) في كتابة صحيحة قبل عتق (حط متمول منه) أي العوض لقوله تعالى: * (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم) * فسر الايتاء بما ذكر لان القصد منه الاعانة على

ــ

(قوله: ليحصله) أي ذلك العوض وهو علة لاشتراط التأجيل.

(وقوله: ويؤديه) أي بعد تحصيله لسيده.

(قوله: منجم بنجمين فأكثر) صفة ثانية لعوض: أي عوض مؤقت بوقتين فأكثر، فالمراد بالنجم هنا الوقت، وسمي بذلك لأن العرب كانت لا تعرف الحساب، وكانوا يبنون أمورهم على طلوع النجم، فيقول أحدهم: إذا طلع النجم أديت حقك ونحو ذلك، فسميت الاوقات نجوما لذلك.

ويطلق النجم أيضا على المؤدي في الوقت كما مر.

قال في المغني: تنبيه: قضية إطلاقه أنها تصح بنجمين قصيرين ولو في مال كثير، وهو كذلك لامكان القدرة عليه، كالسلم إلى معسر في مال كثير إلى أجل قصير.

اه.

(قوله: كما جرى عليه أكثر الصحابة) الكاف للتعليل: أي وإنما اشترط أن يكون منجما بنجمين فأكثر، لأنه هو الذي جرى عليه أكثر الصحابة، أي ومن بعدهم، فلو كفى نجم لفعلوه، لانهم كانوا يبادرون إلى القربات والطاعات ما أمكن، ولان الكتابة عقد إرفاق، ومن تتمة الارفاق التنجيم بنجمين فأكثر.

(قوله: ولو في مبعض) غاية في اشتراط التأجيل، والتنجيم بنجمين يعني أنه يشترط ما ذكر في صحة الكتابة ولو بالنسبة لمبعض كوتب كتابة صحيحة فيما رق منه وهو قادر على أداء العوض في الحال، أو دون نجمين، لما علمت من أن الكتابة عقد خالف القياس الخ.

(قوله:

مع بيان قدره) صفة ثالثة لعوض، أي عوض مصحوب ببيان قدره: أي ويشترط لصحة الكتابة أن يبين قدر العوض.

(وقوله: وصفته) أي ومع بيان صفة العوض: أي وجنسه ونوعه، وذلك لانه عوض في الذمة، فاشترط فيه بيان ذلك كدين السلم.

قال في التحفة: نعم، الاوجه أنه يكفي نادر الوجود.

اه.

وفي الروض: هل يشترط بيان موضع التسليم للنجوم أو لا؟ فيه الخلاف المذكور في السلم.

قال في شرحه: قضيته ترجيح الاول إن وقع العقد بموضع لا يصلح لتسليمها، أو يصلح له، ولحملها مؤنة.

وبه جزم القاضي وغيره.

اه.

(قوله: وعدد النجوم) أي وبيان عدد النجوم كشهرين أو ثلاثة.

(قوله: وقسط كل نجم) أي وبيان ما يؤديه في كل نجم من العوض لسيده كخمسة، أو عشرة.

(قوله: ولزم سيدا) مثله وارثه ولو تعدد السيد واتحد المكاتب وجب الحط.

(قوله: في كتابة صحيحة) خرج بها الكتابة الفاسدة فلا حط فيها لان المغلب فيها التعليق بالصفة، وهي لا توجد إلا إن أدى ما كاتبه عليه، فلو حط عنه منه شيئا لم توجد الصفة فلا يعتق.

(قوله: قبل عتق) فإن أخر الحط عنه أثم وكان قضاء.

وعبارة التحفة مع الأصل: والأصح أن وقت وجوبه قبل العتق، أي يدخل وقت أدائه بالعقد ويتضيق إذا بقي من النجم الاخير قدر ما يفي به من مال الكتابة لما مر أنه ليس القصد به إلا الاعانة على العتق، فإن لم يؤد قبله، أدى بعده وكان قضاء.

اه.

(قوله: حط متمول) فاعل لزم، أي لزمه حط متمول وإن قل كشئ من جنس النجوم قيمته درهم نحاس، ولو كان المالك متعددا.

ويقوم مقام الحط أن يدفع السيد جزءا معلوما من جنس مال الكتابة، أو من غيره برضاه، ولكن الحط أولى من الدفع، لان الاعانة على العتق بالحط محققة وبالدفع موهومة، لانه قد يصرف المدفوع من جهة أخرى.

وإذا مات السيد وقام مقامه وارثه في الحط قدمه على مؤن التجهيز.

(قوله: لقوله تعالى) دليل للزوم الحط، ووجه الدلالة أن آتوهم أمر، والأمر للوجوب.

ولم يقم دليل على حمل الايتاء على الاستحباب، فيعمل بما اقتضاه الظاهر.

واستثنى من وجوب الايتاء ما لو كاتبه في مرض موته، والثلث لا يحتمل أكثر من قيمته، وما لو كاتبه على منفعته، وما لو أبرأه من النجوم، أو باعه من نفسه، أو أعتقه ولو بعوض، فلا يجب شئ في ذلك.

(قوله: فسر الايتاء بما ذكر لأن الخ) أي فسسر المفسرون الايتاء في الآية بالحط، مع أن المتبادر منه الدفع، لأن القصد الخ.

وفيه أن المفسرين لم يقتصروا في تفسير الايتاء على الحط، بل فسروه به وبالدفع، فكان على المؤلف أن يزيد لفظ: أو دفعه بعد قوله حط متمول، ويكون المراد بقوله بما ذكر: أي بالحط والدفع.

ثم رأيت في المنهج ذكر

(1) سورة النور، الاية:33.

ص: 378

العتق وكونه ربعا فسبعا أولى (ولا يفسخها) أي يجوز فسخ السيد الكتابة (إلا إن عجز مكاتب عن أداء) عند المحل لنجم أو بعضه (أو امتنع عنه) عند ذلك مع القدرة عليه (أو) غاب عند ذلك وإن حضر ماله أو كانت غيبة المكاتب دون مسافة القصر فله فسخها بنفسه وبحاكم متى شاء لتعذر العوض عليه وليس للحاكم الاداء من

ــ

الزيادة المذكورة.

وقال في شرحه: وفسر الايتاء بما ذكر لأن القصد الخ.

وكتب البجيرمي ما نصه: قوله وفسر الخ.

أي وإنما فسر الايتاء بما يشمل الحط وإن كان المتبادر منه الدفع، لأن القصد إلخ.

اه.

وهو الظاهر الموافق لما في التفاسير.

ولعل تلك الزيادة سقطت من النساخ.

فتنبه.

(قوله: وكونه) أي الذي يقصد حطه.

(وقوله: ربعا فسبعا أولى) عبارة المغني مع الأصل: ويستحب الربع، أي حط قدر ربع مال الكتابة إن سمح به السيد، وإلا فالسبع.

روى حط الربع النسائي وغيره عن علي.

وروي عنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وروى حط السبع مالك عن ابن عمر رضي الله عنهما.

قال البلقيني: بقي بينهما حط السدس.

رواه البيهقي عن أبي سعيد مولى أبي أسد.

اه.

(قوله: ولا يفسخها) أي الكتابة الصحيحة، لأنها لازمة من جهته لكونها عقدت لحظ مكاتبه، وهو تخليصه من الرق لا لحظ نفسه، أما الكتابة الفاسدة، وهي ما اختلت صحتها بفساد شرط، كشرط أن يبيعه كذا، أو كتابة بعض رقيق، أو فساد عوض مقصود كخمر، أو فساد أجل كنجم واحد، فللسيد أن يفسخها كالمكاتب لانها جائزة من جهتهما.

وأما الكتابة الباطلة، وهي ما اختلت صحتها باختلال ركن من أركانها، ككون أحد العاقدين صبيا، أو مجنونا، أو مكرها أو عقدت بغير مقصود كدم فهي ملغاة.

واعلم: أن الفاسد والباطل بمعنى واحد إلا في الكتابة، فيفرقون بينهما، وكذلك في الحج والعارية والخلع.

واعلم: أنها كما لا يجوز للسيد أن يفسخها، لا تنفسخ أيضا بالجنون والاغماء والحجر، سواء كان ذلك من السيد أو من المكاتب، لان اللازم من أحد الطرفين لا ينفسخ بشئ من ذلك كالرهن، ويقوم ولي السيد مقامه في قبضه، ويقوم الحاكم مقام المكاتب في أدائه إن وجد له مالا، ولم يأخذ السيد استقلالا، وثبتت الكتابة، وحل النجم، وحلف السيد على استحقاقه ورأى أن له مصلحة في الحرية، فإن استقل السيد بالقبض، عتق لحصول القبض، المستحق.

وإن رأى الحاكم أنه يضيع إذا أفاق لم يؤد عنه - كما قاله الغزالي - قال الشيخان: وهذا حسن، وإن لم يجد له مالا مكن السيد من التعجيز والفسخ.

فإذا فسخ عاد المكاتب قنا له وعليه مؤنته، فإن أفاق أو ارتفع الحجر وظهر له مال، كأن حصله قبل فسخ السيد، دفعه الحاكم إلى السيد، ونقض تعجيزه وفسخه وحكم بعتقه.

(قوله: إلا أن عجز إلخ) استثناء من قوله ولا يفسخها.

(قوله: عن أداء) متعلق بعجز.

(قوله: عند المحل) متعلق بأداء - وهو بكسر الحاء -: أي وقت الحلول، ولو استمهل المكاتب سيده لعجزه عند المحل، سن إمهاله مساعدة له في تحصيل النجوم ليحصل العتق، أو استمهله لبيع عرض وجب إمهاله، أو لاحضار ماله من دون مسافة القصر وجب إمهاله أيضا لانه كالحاضر، بخلاف ما لو كان فوق ذلك، فلا يجب إمهالمه لطول المدة، وله أن لا يزيد في مدة الإمهال على

ثلاثة أيام، ولو كان لكساد سلعته، لانها المدة المغتفرة شرعا، فليس له الفسخ فيها، وله الفسخ فيما زاد عليها.

(قوله: لنجم) متعلق بأداء أيضا (وقوله: أو بعضه) أي بعض النجم، ومحله في غير الواجب في الايتاء، فان عجز عن بعضه الواجب في الايتاء فليس للسيد الفسخ، ولا يحصل التقاص فيه، لان للسيد أن يدفع غيره.

(قوله: أو امتنع عنه عند ذلك) أي وإلا إن امتنع المكاتب عن الاداء عند المحل فللسيد أن يفسخها.

(وقوله: مع القدرة عليه) أي على الاداء، وامتناع العبد عن الاداء حينئذ جائز، لان الكتابة جائزة من جهته كما سيأتي.

(قوله: أو غاب عند ذلك) أي أو إلا أن غاب المكاتب عند المحل.

(قوله: وإن حضر ماله أو كانت الخ) غايتان لجواز فسخ السيد إذا غاب المكاتب: أي للسيد فسخها إذا غاب وإن حضر ماله، أو كانت غيبته دون مسافة القصر.

(قوله: فله فسخها إلخ) مفرع على الصور الثلاث: أي وإذا عجز المكاتب، أو امتنع، أو غاب، فللسيد أن يفسخ الكتابة بنفسه، أو بحاكم.

وقيده البلقيني بما إذا لم يأذن له السيد في السفر وينظره إلى حضوره، وإلا فليس له الفسخ.

(قوله: متى شاء) أي الفسخ، ومنه يعلم أنه لا بد من الفسخ،

ص: 379

مال المكاتب الغائب (وله) أي للمكاتب (فسخ) كالرهن بالنسبة للمرتهن فله ترك الاداء والفسخ وإن كان معه وفاء (وحرم عليه تمتع بمكاتبة) لاختلال ملكه ويجب بوطئه لها مهر لا حد والولد حر (وله) أي للمكاتب (شراء إماء لتجارة لا تزوج إلا بإذن سيده ولا تسر) ولو بإذنه يعني لا يجوز وطئ مملوكته وما وقع للشيخين في موضع مما يقتضي جوازه بالاذن مبني على الضعيف أن القن غير المكاتب يملك بتمليك السيد.

قال شيخنا: ويظهر أنه ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ أيضا ويجوز للمكاتب بيع وشراء وإجارة لا هبة وصدقة وقرض بلا إذن سيده.

ــ

ولا يحصل بمجرد التعجيز.

(قوله: وليس للحاكم الاداء الخ) أي بل يمكن السيد من الفسخ لان المكاتب ربما عجز نفسه أو امتنع من الاداء لو حضر.

(وقوله: الغائب) صفة للمكاتب.

(قوله: وله) أي للمكاتب فسخ: أي لانها جائز من جهته خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه في قوله أنها لازمة من جهته أيضا.

(قوله: كالرهن بالنسبة للمرتهن) أي فإنه جائز من جهته.

(قوله: فله) أي للمكاتب.

(وقوله: ترك الاداء) أي أداء النجوم.

(وقوله: والفسخ) بالرفع عطف على ترك.

(وقوله: وإن كان معه وفاء) أي له ذلك مطلقا، سواء كان معه ما يوفي به النجوم أم لا، لجوازها من جهته كما علمت.

(قوله: وحرم عليه) أي على السيد المكاتب - بكسر التاء -.

(وقوله: تمتع) أي مطلقا، ولو بالنظر لانها كالاجنبية.

(قوله: لاختلال ملكه) أي لضعف ملكه فيها.

(قوله: ويجب بوطئه لها مهر) أي وإن طاوعته لشبهة الملك.

اه.

شرح المنهج.

وقوله: لشبهة الملك: دفع لما قد يقال إذا طاوعته كانت زانية، فكيف لها المهر، وحاصله أن لها شبهة دافعة للزنا وهي الملك.

اه.

بجيرمي قال ع ش: ولا يتكرر المهر بتكرر الوطئ إلا إذا وطئ بعد أداء المهر.

اه.

(قوله: لاحد) أي لا يجب عليه حد بوطئه لها، وإن علم التحريم واعتقده لانها ملكه.

نعم، يعزر من علم التحريم منهما.

(قوله: والولد حر) أي وإذا أحبلها وولدت منه يكون الولد حرا، لانها علقت به وهي في ملكه.

قال في المنهج وشرحه: ولا يجب عليه قيمتها لانعقاده حرا وصارت بالولد مستولدة مكاتبة، فإن عجزت عتقت بموت السيد.

اه.

(قوله: وله أي

للمكاتب) بفتح التاء.

(وقوله: شراء إماء) أي توسعا له في طريق الاكتساب.

(قوله: لا تزوج) أي ليس له أن يتزوج لما فيه من المؤن، ولانه عبد ما بقي عليه درهم.

وليس للمكاتبة أيضا أن تتزوج خوفا من موتها بالطلق فيفوت حق السيد.

(قوله: إلا بإذن سيده) أي فله التزوج حينئذ.

(قوله: ولا تسر ولو بإذنه) أي لا يجوز له التسري مطلقا، سواء كان أذن سيده له فيه أم لا، لضعف ملكه، وخوفا من هلاك الجارية بالطلق لو حبلت، فمنعه من الوطئ كمنع الراهن من وطئ المرهونة، فإن خالف ووطئ فلا حد عليه لانه ملكه، والولد منه يلحقه ويتبعه رقا وعتقا، فإن عتق هو عتق ولده، وإلا رق وصار للسيد، ولا تصير الامة به أم ولد، لانعقاده رقيقا مملوكا لابيه.

(قوله: يعني لا يجوز له وطئ مملوكته) أي وإن لم ينزل، وإنما حمل التسري على مطلق الوطئ لان حقيقة التسري ليست مرادة هنا، وذلك لانه يعتبر فيها أمران: حجب الامة عن أعين الناس، وإنزاله فيها، وهما ليسا بشرط هنا.

أفاده في النهاية.

(قوله: وما وقع للشيخين) مبتدأ خبره مبني.

(وقوله: في موضع) أي من كتبهما.

(وقوله: مما يقتضي إلخ) بيان لما.

(وقوله: جوازه) أي الوطئ.

(وقوله: بالاذن) أي بإذن السيد.

(قوله: أن القن إلخ) بدل من الضعيف، أو عطف بيان له.

(وقوله: يملك بتمليك السيد) له وجه بناء جواز وطئ الكاتب لامته على ملك الرقيق بتمليك السيد له أن الملك يستلزم جواز وطئه للامة التي ملكها سيده له، وإذا كان الرقيق يجوز وطؤه على هذا الوجه فالمكاتب من باب أولى، لان له ملكا في الجملة.

(قوله: قال شيخنا) أي في التحفة.

(وقوله: ويظهر أنه) أي المكاتب.

(وقوله: ليس له الاستمتاع بما دون الوطئ) أي لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

(وقوله: أيضا) أي كما لا يجوز له الوطئ.

(قوله: ويجوز للمكاتب بيع الخ) الحاصل يجوز للمكاتب التصرف فيما فيه تنمية المال كالبيع والشراء والاجارة، لا فيما فيه نقصه واستهلاكه كالهبة والصدقة والهدية، ولا فيما فيه خطر كقرض وبيع نسيئة وإن استوثق برهن أو كفيل، إلا بإذن السيد.

(قوله: لاهبة وصدقة) أي لا يجوز له ذلك.

نعم، ما تصدق به عليه من نحو لحم وخبز مما العادة فيه أكله، وعدم بيعه له إهداؤه لغيره.

ص: 380

فرع: لو قال السيد بعد قبضه المال كنت فسخت الكتابة فأنكر المكاتب صدق بيمينه لان الاصل عدم الفسخ وعلى السيد البينة.

ولو قال كاتبتك وأنا صبي أو مجنون أو محجور علي فأنكر المكاتب حلف السيد إن عرف له ذلك وإلا فالمكاتب لان الاصل عدم ما ادعاه السيد (إذا أحبل حر أمته) أي من له فيها ملك وإن قل ولو

ــ

(قوله: فرع) الأولى فرعان لذكره لهما: الأول: قوله لو قال السيد الخ، والثاني: قوله ولو قال كاتبتك الخ.

(قوله: لو قال السيد إلخ) أي لو ادعى السيد على المكاتب بعد قبضه نجوم الكتابة أنك فسخت عقد الكتابة قبل أن تؤديني المال، فأنكر المكاتب ذلك، فإن أقام السيد بينة على ما ادعاه سمعت وإلا صدق المكاتب بيمينه.

(قوله: كنت) بتاء المخاطب.

(وقوله: فسخت) أي قبل قبض المال.

(قوله: فأنكر المكاتب) أي أصل الفسخ، أو كونه قبل قبض المال

منه.

(قوله: صدق) أي المكاتب بيمينه إن لم يأت السيد بالبينة.

(قوله: لأن الأصل عدم الفسخ) لو قال لأن الأصل عدم ما ادعاه السيد لكان أولى، ليشمل الصورة الثانية وهي ما إذا أنكر كونه قبل قبض المال.

(قوله: وعلى السيد البينة) أي على ما ادعاه، فإن أقامها سمعت وفسخت الكتابة، وبقي العبد على رقه.

(قوله: ولو قال) أي السيد للمكاتب.

(قوله: وأنا صبي) في المنهاج والمنهج إسقاطه والاقتصار على قوله.

كاتبتك وأنا مجنون، أو محجور علي، وهو الاولى ليلائم قوله بعد أن عرف له ذلك، إذ هو إنما يظهر فيهما.

(قوله: أو محجور علي) أي بسفه، تحفة ونهاية.

(قوله: فأنكر المكاتب) أي ما ادعاه السيد وقال له: بل كاتبتني وأنت بالغ عاقل رشيد.

(قوله: حلف السيد) أي وصدق بحلفه.

(قوله: إن عرف له ذلك) أي ما ادعاه من الجنون والحجر، وذلك لقوة جانبه حينئذ لكون الاصل بقاءه، ومن ثم صدقناه مع كونه مدعيا للفساد على خلاف القاعدة، وهو مخالف لما ذكروه في النكاح من أنه لو زوج بنته ثم قال: كنت محجورا علي، أو مجنونا يوم زوجتها، لم يصدق وإن عرف له ذلك.

وفرق بأن الحق ثم تعلق بثالث وهو الزوج بخلافه هنا.

(قوله: وإلا فالمكاتب) أي وإن لم يعرف للسيد ما ادعاه، فيحلف المكاتب ويصدق بحلفه.

(وقوله: لأن الأصل عدم ما ادعاه السيد) أي ولضعف جانبه بفقد القرينة.

(قوله: إذا أحبل إلخ) شروع في الاعتاق بالفعل، وهو الاستيلاد.

وقد أفرده الفقهاء بترجمة مستقلة.

وختم كتابه به لان العتق فيه يعقب الموت الذي هو خاتمة أمر العبد في الدنيا، وهو قربة في حق من قصد به حصول ولد وما يترتب عليه من العتق وغيره من القربات - كما تقدم - واختلف فيه هل هو أقوى من العتق باللفظ، أو العتق باللفظ أقوى منه؟ ذهب ابن حجر إلى الاول، وعلله بنفوذه من المجنون والمحجور عليه بسفه، وذهب م ر إلى الثاني وعلله بأن اللفظ ينفذ قطعا بخلافه بالاستيلاد لجواز أن تموت المستولدة أو لا، وبأنه مجمع عليه، بخلاف الاستيلاد.

والاصل فيه أنه صلى الله عليه وسلم قال في مارية أم إبراهيم لما ولدت أعتقها ولدها: أي أثبت لها حق الحرية.

رواه الحاكم، وقال أنه صحيح الاسناد.

وخبر: أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه.

أي بعد آخر جزء من حياته.

رواه ابن ماجه والحاكم وصحح إسناده، وخبر الصحيحين: عن أبي موسى قلنا يا رسول الله إنا نأتي السبايا ونحب أثمانهن فما ترى في العزل، أي الانزال خارج الفرج؟ فقال: ما عليكم أن لا تفعلوا.

ما من نسمة كائنة أو مقدرة إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة، أي موجودة.

ففي قولهم ونحب أثمانهن دليل على أن بيعهن بالاستيلاد ممتنع.

واستشهد البيهقي لامتناع بيعها بقول عائشة رضي الله عنها: لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم دينارا، ولا درهما، ولا عبدا، ولا أمة.

قال: ففيه دلالة على أنه لم يترك أم إبراهيم رقيقة، وأنها عتقت بعد موته.

وقد استنبط سيدنا عمر رضي الله عنه امتناع بيع أم الولد من قوله تعالى: *

(فعل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الارض وتقطعوا أرحامكم) * فقال وأي قطيعة أقطع من أن تباع أم امرئ منكم؟ وكتب إلى الآفاق لا تباع أم امرئ منكم، فإنه قطيعة، وأنه لا يحل.

رواه البيهقي مطولا.

تنبيه: آثر التعبير بإذا على التعبير بأن لان أن تختص بالمشكوك والموهوم والنادر، بخلاف إذا فإنها للمتيقن والمظنون.

ولا شك أن إحبال الاماء كثير مظنون بل متيقن، ونظيره قوله تعالى: * (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا) * الخ.

وقوله تعالى: * (وإن كنتم جنبا) *.

فخص الوضوء بإذا لتكرره وكثرة أسبابه، والجنابة بأن لندرتها.

أفادته في التحفة.

(1) سورة محمد صلى الله عليه وسلم، الاية:22.

(2)

سورة المائدة، الاية:6.

(3)

المائدة، الاية:6.

ص: 381

كانت مزوجة أو محرمة لا إن أحبل أمة تركة مدين وارث معسر (فولدت) حيا أو ميتا أو مضغة مصورة بشئ من خلق الآدميين (عتقت بموته) أي السيد من رأس المال مقدما على الديون والوصايا وإن حبلت في مرض موته

ــ

(قوله: حر) أي كله أو بعضه، فينفذ إيلاد المبعض في أمته التي ملكها ببعضه الحر.

لا يقال إنه لا يصح إعتقاه لأنه ليس أهلا للولاء، لأنا نقول لا رق بعد الموت، فبموته الذي يحصل به عتق أم ولده ينتفي كونه ليس أهلا للولاء، ومن ثم صح تدبيره.

ويشترط فيه أن يكون بالغا، فلا ينفذ إيلاد الصبي وإن لحقه الولد عند إمكان كونه منه، لان النسب يكفي فيه الامكان احتياطا له، ومع ذلك لا يحكم ببلوغه، لأن الأصل عدمه، وبذلك يلغز فيقال لنا أب غير بالغ.

ولا يشترط أن يكون عاقلا مختارا، وينفذ إيلاد المجنون والسفيه، بخلاف المفلس فلا ينفذ إيلاده على المعتمد، لأنه كالراهن المعسر، خلافا للبلقيني في اعتماده نفوذه.

وخرج بالحر المكاتب فلا ينفذ إيلاده، فلو مات لا تعتق بموته أمته ولا ولدها، ولو مات حرا بأن أدى نجوم الكتابة قبل الموت.

كذا في المغني.

(قوله: أمته) أي ولو تقديرا، كأن وطئ الاصل أمة فرعه التي لم يستولدها فيقدر دخولها في ملك الاصل قبيل العلوق، ومثلها أمة مكاتبه أو مكاتبة ولده.

ويشترط فيها شرطان: الاول: أن تكون مملوكة للسيد حال علوقها منه، الثاني: أن لا يتعلق بها حق لازم للغير، فخرجت المرهونة إذا أولدها الراهن المعسر بغير إذن المرتهن، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المرتهن فرعه - كما بحثه بعضهم - فإن انفك الرهن نفذ في الاصح، وخرجت الجانية المتعلق برقبتها مال إذا أولدها مالكها المعسر، فلا ينفذ إيلاده إلا إن كان المجني عليه فرع مالكها.

(قوله: أي من له فيها ملك) تفسير مراد للامة، وهو يشمل الامة المشتركة فينفذ استيلاده في نصيبه، ويسري إلى نصيب شريكه إن أيسر بقيمته، وإلا فلا يسري كما تقدم.

(وقوله: وإن قل) أي ملكه الحاصل فيها كسدس.

(قوله: ولو كانت مزجة) غاية في الأمة.

ولو أخرها عن قوله عتقت بموته وجعلها غاية له لكان أولى.

(قوله: أو محرمة) هي بضم

الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة، عطف على مزوجة من عطف العام على الخاص: أي ولو كانت محرمة عليه بسبب حيض، أو نفاس، أو إحرام، أو فرض صوم، أو اعتكاف، أو لكونه قبل استبرائها، أو لكونها محرما له بنسب أو رضاع أو مصاهرة، أو معتمدة، أو مجوسية، أو مرتدة.

(قوله: لا إن أحبل الخ) فاعل الفعل وارث، ولفظ أمة مضاف إلى تركة، وهي مضافة إلى مدين.

والمراد به المورث، أي لا تعتق بالموت إن أحبل وارث معسر أمة مورث مدين، لتعلق حق الغرماء بها، وقد تقدم أنه يشترط فيها أن لا يتعلق بها حق لازم للغير.

(قوله: فولدت) معطوف على أحبل: أي أحبلها فولدت.

قال في التحفة: أي في حياة السيد أو بعد موته بمدة يحكم بثبوت نسبه منه، وفي هذه الصورة الاوجه كما رجحه بعضهم أنها تعتق إلى حين الموت فتملك كسبها بعده.

اه.

(وقوله: تعتق الخ) أي يتبين عتقها من حين الموت، وقيل تعتق من حين الولادة.

(وقوله: حيا أو ميتا) أي بشرط أن ينفصل جميعه، فإن انفصل بعضه ولم ينفصل باقيه لم تعتق إلا بتمام انفصاله، ولو ولدت أحد توأمين عتقت وإن لم ينزل الآخر.

(قوله: أو مضغة) معطوف على حيا: أي أو ولدت مضغة.

(وقوله: مصورة) أي فيها صورة آدمي ظاهرة أو خفية أخبر بها القوابل، ويعتبر أربع منهن، أو رجلان، أو رجل وامرأتان - بخلاف ما لم يكن فيها صورة آدمي، وإن قلن لو بقيت لتخططت -.

(قوله: عتقت) جواب إذا.

(وقوله: بموته) أي ولو بقتلها له، وهذا مستثنى من قوله من استعجل بشئ قبل أوانه عوقب بحرمانه، لتشوف الشارع إلى العتق.

وفي البجيرمي: قال الشوبري.

(فإن قيل) إذا كانت الولاية هي الموجبة للعتق فلم وقف على موت السيد؟.

قيل: لان لها حقا بالولادة وللسيد حقا بالملك، وفي تعجيل عتقها بالولادة إبطال لحقه من الكسب والاستمتاع، ففي تعليقه بموت السيد حفظ للحقين فكان أولى.

اه.

(قوله: من رأس المال) متعلق بعتق: أي عتقها يحسب من رأس المال لا من الثلث سواء استولدها في الصحة أو المرض، أو نجز عتقها في مرض موته، ولا نظر إلى ما فوته من منافعها التي كان يستحقها إلى موته، لان الاستيلاد

ص: 382

(كولدها) الحاصل (بنكاح أو زنا بعد وضعها) ولدا للسيد فإنه يعتق من رأس المال بموت السيد وإن كانت أمه قبل ذلك (وله وطئ أم ولد) إجماعا واستخدامها وإجارتها وكذا تزويجها بغير إذنها (لا تمليكها) لغيره ببيع أو هبة فيحرم ذلك ولا يصح وكذا رهنها (كولدها متابع لها) في العتق بموت السيد فلا يصح تمليكه من غيره كالام

ــ

كالاتلاف بالاكل واللبس وغير ذلك من اللذات، وبالقياس على من تزوج امرأة بمهر مثلها في مرض موته.

(قوله: مقدما الخ) حال من العتق: أي ويحسب العتق من رأس المال حال كونه مقدما على قضاء الديون ولو لله تعالى كالكفارة، ولو على نفوذ الوصايا، ولو لجهة عامة كالفقراء.

(قوله: وإن حبلت في مرض موته) غاية في حسبان العتق من رأس المال

وتقديمه على الديون والوصايا: أي يحسب من رأس المال، ويقدم على الديون والوصايا، وإن حبلت في مرض موته، وإن أوصى بها من الثلث لما مر وتلغو وصيته.

(قوله: كولدها) أي المستولدة، والكاف للتنظير في العتق من رأس المال وتقديمه على الديون والوصايا.

(وقوله: الحاصل) أي من غير السيد، أما الحاصل منه فإنه ينعقد حرا.

(قوله: بنكاح) متعلق بالحاصل.

(وقوله: بعد وضعها) متعلق بالحاصل.

وخرج به ولدها الحاصل من غير سيدها قبل أن تضع ولدا لسيدها، فإنه لا يعتق من رأس المال بموت السيد، بل يكون رقيقا يتصرف فيه بما شاء من التصرفات، لحدوثه قبل استحقاق الحرية للام.

(قوله: ولدا للسيد) مفعول وضعها.

(قوله: فإنه يعتق من رأس المال) أي فإنه يكون مملوكا للسيد ويعتق من رأس المال بموته، لسريان الاستيلاد إليه: أي ويقدم على الديون والوصايا.

(قوله: وإن ماتت إلخ) غاية في كونه يعتق من رأس المال: أي يعتق من رأس المال وإن ماتت أمته قبل موت السيد، لانه حق استحقه في حياة أمه فلا يسقط بموتها.

ولو أعتق السيد مستولدته قبل موته لم يعتق ولدها تبعا لها، فإذا مات السيد بعد ذلك عتق بموته.

(قوله: وله وطئ أم ولد) أي وللسيد أن يطأ أم ولده.

(وقوله: إجماعا) أي ولخبر الدارقطني: أمهات الاولاد لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن، يستمتع بها سيدها ما دام حيا، فإذا مات فهي حرة.

ومحل جواز وطئها إذا لم يقم بها مانع ككونها محرما، أو مسلمة وهو كافر، أو موطوءة أبيه ونحو ذلك.

(قوله: واستخدامها) معطوف على وطئ: أي وله استخدامها، أي طلب الخدمة بجميع أنواعها لانها كالقنة في جميع الاحكام ما لم تكن مكاتبة، وإلا امتنع الاستخدام وغيره مما ذكر معه.

(قوله: وإجارتها) معطوف أيضا على وطئ: أي وله إجارتها: أي لغيرها، أما إذا أجرها نفسها فإنه لا يصح، لأن الشخص لا يملك منفعة نفسه بعقد.

وهل لها أن تستعير نفسها من سيدها؟ قياس ما قالوه في الحر أنه لو أجر نفسه وسلمها ثم استعارها جاز انه هنا كذلك، ولو مات السيد بعد أن أجرها، انفسخت الاجارة.

(قوله: وكذا تزويجها بغير إذنها) إنما فصله عما قبله لأن فيه خلافا، والاصح ما ذكره: أي وكذلك للسيد أن يزوجها جبرا بغير إذنها على الاصح، لبقاء ملكه عليها وعلى منافعها، إلا إن كان السيد كافرا وهي مسلمة فلا يزوجها هو، بل يزوجها الحاكم لأنه لا ولاية للكافر على المسلمة.

(قوله: لا تمليكها لغيره) أي لا يجوز للسيد أن يملكها لغيره لأنها لا تقبل النقل، وما رواه أبو داود عن جابر رضي الله عنه قال: كنا نبيع سرارينا أمهات الاولاد والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا نرى بذلك بأسا أجيب عنه بأنه منسوخ على فرض إطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مع كونه قبل النهي، أو أنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم استدلالا واجتهادا، أي من جابر حيث غلب على ظنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اطلع عليه وأقره.

فيقدم عليه ما نسب إليه صلى الله عليه وسلم قولا ونصا وهو نهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع أمهات الاولاد في

خبر الدارقطني السابق، وهو وإن كان نفيا لفظا لكنه نهي معنى.

(قوله: فيحرم ذلك) أي تمليكها لغير.

ببيع أو هبة.

(قوله: وكذا رهنها) أي وكذا لا يصح رهنها لما فيه من التسليط على بيعها.

(قوله: كولدها التابع لها) أي بأن كان من غير السيد كما مر.

(وقوله: في العتق بموت السيد) متعلق بالتابع لها.

(قوله: فلا يصح تمليكه) أي ولدها التابع لها، أي ولا رهنه، ويصح استخدامه وإجارته وإعارته وإجباره على النكاح إن كان أنثى لا إن كان ذكرا.

والحاصل: يمتنع على السيد التصرف فيه بما يمتنع فيها، ويجوز له التصرف فيه بما يجوز فيها ما عدا الوطئ.

(وقوله: من غيره) أي على غيره أو لغيره، فمن بمعنى على أو اللام.

(وقوله: كالام) أي أمه، فإنه لا يصح

ص: 383

بل لو حكم به قاض نقض على ما حكاه الروياني عن الاصحاب وتصح كتابتها وبيعها من نفسها ولو ادعى ورثة سيدها مالا له بيدها قبل موته فادعت تلفه أي قبل الموت صدقت بيمينها كما نقله الاذرعي فإن ادعت تلفه بعده لم تصدق فيه كما قاله شيخنا رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأفتى القاضي فيمن أقر بوطئ أمته فادعت أنها أسقطت منه ما تصير به أم ولد بأنها تصدق إن أمكن ذلك بيمينها فإذا مات عتقت أعتقنا الله تعالى من النار،

ــ

تمليكها لغيره كما صرح به فيما قبل.

(قوله: بل لو حكم به) أي بالتمليك، أي صحته في الام وولدها التابع لها.

(وقوله: نقض) أي لمخالفته الاجماع، وما وقع الخلاف بين أهل القرن الاول فقد انقطع وانعقد الاجماع على منع التمليك.

(قوله: وتصح كتابتها) أي أم الولد لما علمت من بقاء ملكه عليها.

(قوله: وبيعها من نفسها) أي ويصح على نفسها لانه عقد عتاقة، وكبيعها من نفسها هبتها لها وقرضها لنفسها، ويجب عليها في صورة القرض رد مثلها الصوري وهو جارية مثلها، فالبيع لها ليس بقيد.

(قوله: ولو ادعى ورثة سيدها) أي على المستولدة.

(وقوله: مالا له) أي لسيدها.

(قوله: بيدها قبل موته) أي كائنا ذلك المال تحت يدها من قبل موت السيد.

(قوله: فادعت تلفه) أي فأقرت به وادعت أنه تلف قبل الموت.

(قوله: صدقت بيمينها) أي لان يدها عليه قبل الموت يد أمانة.

(قوله: فإن ادعت تلفه بعده) أي بعد الموت.

(قوله: لم تصدق فيه) أي في التلف، لان يدها عليه حينئذ يد ضمان، لانه ملك الغير وهي حرة.

اه.

تحفة.

(قوله: فيمن أقر بوطئ أمته) مفهومه أنه إذا أنكر لا تصدق.

(قوله: فادعت الخ) أي وأنكر هو ما ادعته: (وقوله: أسقطت منه ما تصير به أم ولد) أي كمضغة تصورت.

(قوله: بأنها تصدق) متعلق بأفتى.

قال في النهاية: وفي فروع ابن القطان: لو قالت الامة التي وطئها السيد ألقيت سقطا صرت به أم ولد، فأنكر السيد إلقاءها ذلك، فمن المصدق، وجهان: قال الأذرعي: الظاهر أن القول قول السيد لأن الأصل معه، لاسيما إذا أنكر الاسقاط والعلوق مطلقا.

وفيما إذا اعترف بالحمل احتمال، والاقرب تصديقه أيضا إلا أن تمضي مدة لا يبقى الحمل منتسبا إليها.

اه.

(قوله: إن أمكن ذلك) أي سقوط حمل منها تصير به أم ولد، بأن أسقطته بعد مضي مائة وعشرين يوما من الوطئ.

(قوله: بيمينها) متعلق بتصدق.

(قوله: فإذا مات عتقت) أي فإذا صدقناها بيمينها ومات السيد عتقت بموته.

(قوله: أعتقنا الله تعالى) هذه الجملة دعائية، فهي خبرية لفظا إنشائية معنى.

ثم أنه يحتمل أن الشارح قصد نفسه فقط مع تعظيمها إظهارا لتعظيم الله له حيث أهله للعلم، فيكون من باب التحدث بالنعمة.

قال الله تعالى: * (وأما بنعمة ربك فحدث) *.

ولا ينافيه أن مقام الدعاء يقتضي الذلة والخضوع، لان الشخص إذا نظر لنفسه احتقرها بالنسبة لعظمة الله تعالى، وإذا نظر لتعظيم الله له عظمها.

ويحتمل أنه أراد به نفسه وإخوانه المسلمين، وهو أولى لأن الدعاء مع التعميم أقرب إلى القبول، وجميع ما ذكر يجري في الجملتين بعد.

ثم إن المراد بالعتق هنا الخلاص، فمعنى أعتقنا الله خلصنا الله، وليس المراد حقيقته التي هي إزالة الملك عن الآدمي، فيكون في الكلام استعارة تبعية، وتقريرها أن تقول شبه تخليص الله له من النار بمعنى العتق بجامع إزالة الضرر وحصول النفع في كل، واستعير العتق من معناه الاصلي لتخليص الله له من النار.

ولا تخفى مناسبة هذا الدعاء هنا على بصير، وفيه إشارة إلى أنه خلص من تأليف هذا الشرح المبارك العميم النفع ففيه من المحسنات البديعية براعة المقطع.

وتسمى حسن الختام، وهي الاتيان في أواخر حسن ابتدائي به أرجو الكلام نظما أو نثرا بما يدل على التمام كقول بعضهم التلخص من نار الجحيم وهذا حسن مختتمي (قوله: من النار) هي جرم لطيف نوري علوي، وهي في الأصل اسم لبعيدة القعر - كما في القاموس - والمراد بها دار العذاب بجميع طبقاتها السبع التي أعلاها جهنم وتحتها لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية،

(1) سورة الضحى، الاية:11.

ص: 384

وحشرنا في زمرة المقربين الاخيار الابرار وأسكننا الفردوس من دار القرار، ومن علي في هذا التأليف وغيره

ــ

وباب كل من داخل الاخرى.

أعاذنا الله والمسلمين منها.

(قوله: وحشرنا في زمرة المقربين) الحشر بمعنى الجمع، وفي بمعنى مع، وزمرة - بضم الزاي - بمعنى جماعة.

ويحتمل أن المراد بالحشر الدخول، وفي باقية على معناها.

وعلى كل فإضافة زمرة لما بعد للبيان.

والمعنى على الأول: وجمعنا مع جماعة هي المقربون من الانبياء والصديقين والشهداء والصالحين المذكورين في آية: * (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم) * الخ.

وعلى الثاني: أدخلنا فيهم، والمراد جمعنا معهم في دار السلام أو أدخلنا فيهم، وذلك لنستمتع في الجنة برؤيتهم وزيارتهم والحضور معهم، وإن كان مقرهم في الدرجات العلى بالنسبة إلى غيرهم، ولذلك سبب وهو محبتهم واقتفاء آثارهم، لما أخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية، والضياء المقدسي في صفة الجنة، وحسنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

يا رسول الله: إنك لاحب إلي من نفسي، وأنك لاحب إلي من ولدي، وأني لاكون في البيت فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك.

فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بقوله تعالى: * (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) *.

وفي رواية: عن أنس رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال: متى الساعة؟ قال: وما أعددت لها؟ قال: لا شئ إلا أني أحب الله ورسوله.

فقال: أنت مع من أحببت.

قال أنس فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم.

والمراد بالمعية في الحديث المذكور وفي الآية التردد للزيارة والحضور للتأنس بهم، مع أن مقر كل منهم الدرجات التي أعدها الله لهم، وليس المراد أنهم يكونون في درجة واحدة، لانه يقتضي استواء الفاضل والمفضول في الدرجة، وليس كذلك، بل يكون كل في درجة.

ولكن يتمكن من رؤية غيره والتردد إليه.

اللهم امنحنا حبهم، واحشرنا في زمرتهم آمين.

(وقوله: الاخيار) جميع خير - بشد الياء وتخفيفها - كأموات جمع ميت - مشددا ومخففا -، وهم الذين اختارهم الله واصطفاهم.

(وقوله: الابرار) جمع بر، أو بار من البر وهو الاحسان، يقال بره يبره - بفتح الباء وضمها - فهو بر وبار، وذكر بعضهم أن جمع البار: بررة، وجمع البر أبرار، والمراد بهم الاولياء والعباد والزهاد، وقيل المراد بهم المؤمنون الصادقون في إيمانهم سموا أبرارا لانهم بروا الآباء والابناء والبنات، كما أن لوالديك عليك حقا، كذلك لولدك عليك حقا، فالبر بالآباء والامهات الاحسان إليهم وإلانة الجانب لهم، والبر بالابناء والبنات أن لا يفعل فيهم ما يكون العقوق.

(قوله: وأسكننا الفردوس) أي جعل سكنانا الفردوس، وهو أفضل الجنان وأوسعها كما تقدم سببا في أول الكتاب، ولا بد من تقدير مضاف قبل الفردوس: أي قربه أو جواره، لانه خاص بالمصطفى صلى الله عليه وسلم كما في شرح منظومة أسماء أهل بدر.

(قوله: من دار القرار) أي دار استقرار المؤمنين وثباتهم، ومن تبعيضية متعلقة بمحذوف حال من الفردوس: أي حال كونه بعض دار القرار الذي هو الجنة، وهو يفيد أنها متعددة: أي تحتها أنواع، وهو الذي ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما كما تقدم أيضا أول الكتاب، واستدل لذلك بحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الجنان سبع: دار الجلال، ودار السلام، وجنة عدن، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة الفردوس، وجنة النعيم.

وذهب بعضهم إلى أنها واحدة، والاسماء كلها صادقة عليها، إذ يصدق عليها جنة عدن أي إقامة، ودار السلام لسلامتهم فيها من كل خوف وحزن، ودار لخلودهم فيها وهكذا، وعليه فمن بيانية، أي الفردوس الذي هو دار القرار.

(قوله: ومن على) يطلق المن على الانعام والاحسان ابتداء من غير حساب، ومنه قوله تعالى: * (لقد

من الله على المؤمنين) * الآية.

ويطلق على تعداد النعم كقولك: فعلت مع فلان كذا وكذا، ومنه قوله تعالى: * (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والاذى) *.

وهو حرام إلا من الله والنبي والاصل والشيخ.

والمراد به هنا الأول وإن كان الثاني يصح إطلاقه على الله: أي أنعم علي وأحسن إلي تفضلا منه لا وجوبا عليه.

وفي تعبيره هنا بعلي وتعبيره فيما قبله بنا دليل

(1) سورة مريم، الاية:58.

(2)

سورة النساء، الاية:69.

(3)

سورة آل عمران، الاية:164.

(4)

سورة البقرة، الاية:264.

ص: 385

بقبوله وعموم النفع به وبالاخلاص فيه ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة وسببا لرحمة الله الخاصة والعامة.

ــ

على أن المراد بمدلولها الاحتمال الثاني من الاحتمالين المارين عند قوله أعتقنا الله.

(وقوله: في هذا التأليف) أي الذي هو الشرح مع الاصل إذ كلاهما له.

(وقوله: وغيره) أي غير هذا التأليف من بقية مؤلفاته.

(وقوله: بقبوله) الاولى بقبولهما بضمير التثنية العائد على هذا التأليف وغيره، وإن كان يصح إرادة المذكور، ومثله يقال في الضمائر بعد.

(قوله: وعموم النفع به) مطعوف على قبوله، وإضافة عموم إلى ما بعده من إضافة الصفة للموصوف: أي ومن علي بالنفع العام به: أي إيصال الثواب بسببه لان النفع إيصال الخير للغير.

(قوله: وبالاخلاص فيه) معطوف على قبوله أيضا: أي ومن علي بالاخلاص فيه: أي من الامور التي تعوقه عن القبول كالرياء والسمعة وحب الشهرة والمحمدة.

(واعلم) أن مراتب الاخلاص ثلاث: الاولى: أن تعبد الله طلبا للثواب وهربا من العقاب، الثانية: أن تعبده لتتشرف بعبادته والنسبة إليه، والثالثة: أن تعبد الله لذاته لا لطمع في جنته ولا لهرب من ناره - وهي أعلاها - لانها مرتبة الصديقين، ولذلك قالت رابعة العدوية رضي الله عنها: كلهم يعبدوك من خوف نار ويرون النجاة حظا جزيلا أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا بقصور ويشربوا سلسبيلا ليس لي في الجنان والنار حظأنا لا أبتغي بحبي بديلا وكلامه صادق بكل من المراتب الثلاث، لكن بقطع النظر عن التعليل بعد، أما بالنظر إليه فيكون خاصا بالمرتبة الاولى.

(قوله: ليكون) أي ما ذكر من هذا التأليف وغيره، والمراد جزاؤه وهو علة طلبه من الله أن يمن عليه في هذا التأليف وغيره بالقبول الخ.

(وقوله: ذخيرة) أي ذخرا، وهو ما أعددته لوقت الحاجة من الشئ النفيس، والمراد به هنا جزاء هذا

التأليف وغيره على سبيل المجاز، فشبه جزاء هذا التأليف بالشئ النفيس المدخر إلى وقت الحاجة بجامع الانتفاع بكل.

(قوله: إذا جاءت الطامة) هي إسم من أسماء يوم القيامة، سميت بذلك لأنها تطم كل شئ: أي تعلوه لعظم هولها.

(قوله: وسببا) معطوف على ذخيرة، والسبب في الاصل الحبل قال تعالى: * (فليمدد بسبب إلى السماء) * ثم أطلق على كل شئ يتوصل به إلى أمر من الامور، فيكون مجازا بالاستعارة إن جعلت العلاقة المشابهة في التوصل في كل.

أو مجازا مرسلا إن جعلت علاقته الاطلاق والتقييد.

(قوله: لرحمة الله الخاصة) أي لعباده المؤمنين في الآخرة.

(وقوله: والعامة) أي في الدنيا لعباده المؤمنين والكافرين، وللطائعين والعاصين.

قال في حاشية الجمل: وفي الخطيب: ورحمتي وسعت كل شئ.

أي عمت وشملت كل شئ من خلقي في الدنيا، ما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين: أن رحمتي سبقت غضبي وفي رواية: غلبت غضبي وأما في الآخرة فقال: فسأكتبها للذين يتقون الخ.

اه.

الحاصل رحمة الله تعم البر والفاجر في الدنيا، وتخص المؤمنين في الآخرة.

(واعلم) أنه ينبغي لكل شخص أن يرحم أخاه عملا بحديث: الراحمون يرحمهم الرحمن.

قال كعب الأحبار: مكتوب في الإنجيل: يا ابن آدم كما ترحم كذلك ترحم، فكيف ترجو أن يرحمك الله وأنت لا ترحم عباد الله؟ ومما يعزى لابن حجر رحمه الله تعال كما تقدم أول الكتاب: ارحم هديت جميع الخلق أنك ما رحمت يرحمك الرحمن فاغتنما

(1) سورة الحج، الاية:15.

ص: 386

الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.

وصلى الله وسلم أفضل صلاة وأكمل سلام على أشرف مخلوقاته محمد وآله وأصحابه وأزواجه عدد معلوماته ومداد كلماته وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة إلا بالله

ــ

وله أيضا: ارحم عباد الله يرحمك الذي عم الخلائق جوده ونواله الراحمون لهم نصيب وافرمن رحمة الرحمن جل جلاله اللهم يا رحمن ارحمنا، واجعلنا من الراحمين بجاه سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.

(قوله: الحمد لله الخ) لما كان تمام التأليف من النعم حمد الله عليه كما حمده على ابتدائه، فكأنه قال: الحمد لله الذي أقدرني على إتمامه كما أقدرني على ابتدائه.

واختار الجملة الاسمية لافادتها الدوام المناسب للمقام.

(وقوله:

حمدا) مفعول مطلق منصوب بمثله، وهو الحمد الواقع مبتدأ.

(وقوله: يوافي نعمه) أي يقابلها بحيث يكون بقدرها، فلا تقع نعمة إلا مقابلة بهذا الحمد، بحيث يكون الحمد بإزاء جميع النعم، وهذا على سبيل المبالغة بحسب ما ترجاه، وإلا فكل نعمة تحتاج إلى حمد مستقل.

(وقوله: ويكافئ) بهمزة في آخره بمعنى يساوي.

(وقوله: مزيده) مصدر ميمي، والضمير لله تعالى: أي يساوي الحمد ما زاده تعالى من النعم.

والمعنى أن المؤلف ترجى أن يكون الحمد الذي أتى به موفيا بحق النعم الحاصلة بالفعل، ومساويا بما يزيده منها في المستقبل.

واعلم أن أفضل المحامد هذه الصيغة لما ورد: أن الله لما أهبط أبانا آدم إلى الأرض قال: يا رب علمني المكاسب وعلمني كلمة تجمع لي فيها المحامد، فأوحى الله إليه أن قل ثلاثا عند كل صباح ومساء: الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده.

ولهذا لو حلف إنسان ليحمدن الله بمجامع المحامد بر بذلك.

وقال بعض العارفين: الحمد لله ثمانية أحرف كأبواب الجنة، فمن قالها عن صفاء قلب، استحق أن يدخل الجنة من أيها شاء.

(قوله: وصلى الله وسلم الخ) أي اللهم صل وسلم، فهي جملة خبرية لفظا إنشائية معنى، وأتى بالفعلين بصيغة الماضي رجاءا التحقق حصول المسؤول.

وقد تقدم الكلام على الصلاة والسلام في خطبة الكتاب فارجع إليه إن شئت.

(وقوله: أفضل صلاة) نائب عن المفعول المطلق لصلى: أي صلى الله عليه صلاة موصوفة بكونها أفضل الصلوات الصادرة منك على خلقك، أو الصادرة منهم على الانبياء والمرسلين.

(وقوله: وأكمل سلام) نائب عن المفعول المطلق أيضا لقوله وسلم: أي وسلم عليه سلاما موصوفا بكونه أكمل السلام: أي التحية الصادرة منك على خلقك، أو من خلقك على الانبياء والمرسلين.

(قوله: على أشرف مخلوقاته) متعلق بكل من صلى وسلم، أي صلى الله وسلم على أفضل المخلوقات، أي على الاطلاق كما قال صاحب الجوهرة: وأفضل الخلق على الاطلاق نبينا فمل عن الشقاق (وقوله: محمد) بالجر بدل من أشرف، ويصح رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف، ونصبه على أنه مفعول لفعل محذوف.

(قوله: وآله) معطوف على أشرف، والضمير يعود على محمد: أي وصلى الله وسلم على آل محمد، أي أتباعه، ولو عصاة لان المقام مقام دعاء.

والعاصي أحوج إلى الدعاء من غيره.

(قوله: وأصحابه) معطوف على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد: أي وصلى الله وسلم على أصحابه، وهو جمع صاحب، والمراد به صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من اجتمع بنبينا صلى الله عليه وسلم إجتماعا متعارفا مؤمنا به، ولو أعمى وغير مميز.

فإن قلت: لم قدم الآل على الاصحاب مع أن فيهم من هو أشرف الانام بعد المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو أبو بكر.

فالجواب أن الصلاة على الآل ثبتت بالنص في قوله صلى الله عليه وسلم قولوا: اللهم صل على محمد وآله الحديث، وعلى الصحب بالقياس على الآل، فاقتضى ذلك التقدم.

ص: 387

العلي العظيم.

يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه ومشايخه: فرغت من تبييض هذا الشرح ضحوة يوم

ــ

(قوله: وأزواجه) معطوف أيضا على أشرف، والضمير يعود على سيدنا محمد، أي وصلى الله على أزواجه، وهو جمع زوج يقال للرجل والمرأة، ويقال للمرأة أيضا زوجة.

والمراد هنا نساؤه صلى الله عليه وسلم الطاهرات المطهرات اللاتي اختارهن الله تعالى لنبيه وخيرة خلقه ورضيهن أزواجا له في الدنيا والآخرة حتى استحققن أن يصلي عليهن مع صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله في شأنهن ما أنزل من إيتائهن أجورهن مرتين، وكونهن لسن كأحد من النساء: اه.

شرح الدلائل للفاسي.

(قوله: عدد الخ) منصوب على النيابة عن المصدر لصلى وسلم: أي صلى وسلم صلاة وسلاما عددهما مساو لعدد ما ذكر.

(وقوله: معلوماته) أي الله سبحانه وتعالى: أي ما تعلق به علم الله تعالى من الواجبات والجائزات والمستحيلات.

(قوله: ومداد كلماته) أي الله، قال في شرح الدلائل.

مداد - بكسر الميم - وهو ما يكثر به ويزاد، قال في المشارق: أي قدرها.

وقال السيوطي في الدر النثير في تلخيص نهاية ابن الاثير: أي مثل عددها.

وقيل: قدر ما يوازنها في الكثرة بمعيار كيل، أو وزن، أو عدد، أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب لان الكلام لا يدخل في الكيل، والوزن بل في العدد.

اه.

(قوله: وحسبنا الله) أي كافينا الله، فحسب بمعنى كافي، فهو بمعنى اسم الفاعل، وهو خبر مقدم، والله مبتدأ مؤخر.

وقيل إن حسب اسم فعل بمعنى يكفي والله فاعله، والمعنى على الأول الله كافينا، وعلى الثاني يكفينا الله.

قال الله تعالى: * (ومن يتوكل على الله فهو حسبه) *.

فمنى اكتفى بالله كفاه، وأعطاه سؤاله ومناه، وكشف همه، وأزال غمه، كيف لا ومن التجأ إلى ملك من الملوك حفظه وسلك به أحسن السلوك؟ فالاولى بذلك من يحتسب رب العالمين ويكتفي به عن الخلق أجمعين.

(قوله: ونعم الوكيل) أي الله، فالمخصوص بالمدح محذوف، والجملة معطوفة على جملة حسبنا الله، من عطف الانشاء على الانشاء، إن جعلنا جملة حسبنا الله لانشاء الاحتساب، فإن جعلناها للاخبار كان من عطف الانشاء على الخبر، وفي جوازه خلاف، والاكثرون على منعه.

ولذلك قال بعضهم: وعطفك الانشا على الاخبار وعكسه فيه خلاف جاري فابن الصلاح وابن مالك أبواجوازه فيه وبالجل اقتدوا

وجوزته فرقة قليلة وسيبويه وارتضى دليله ثم إن وكيل فعيل بمعنى مفعول، وقيل إنه بمعى فاعل.

والمعنى على الأول: ونعم الموكول إليه الامر، لان عباده وكلوا أمورهم إليه، واعتمدوا في حوائجهم عليه.

والمعنى على الثاني: ونعم القائم على خلقه بما يصلحهم، فوكل أمور عباده إلى نفسه وقام بها فرزقهم وقضى حوائجهم ومنحهم كل خير ودفع عنهم كل ضير.

للهم اجعلنا من المعتمدين عليك، المفوضين جميع أمورنا إليك.

(قوله: ولا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول عن معصية الله إلا بطاعة الله، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله.

(وقوله: العلي) أي الرفيع فوق خلقه وليس فوقه شئ، فالمراد به علو قدر ومنزلة، وقيل العلي بالملك والسلطنة والقهر، فلا أعلى منه أحد.

(وقوله: العظيم) أي شأنه وقدره.

واعلم أنه جاء في فضائل لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم شئ كثير، فمن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها كنز من كنوز الجنة، وفيها شفاء من تسعة وتسعين داء، أيسرها الهم.

وفي رواية: أكثروا من ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها تدفع عن قائلها تسعة وتسعين بابا من الضرر أدناها الهم.

ومن ذلك ما أخرجه الطبراني وابن عساكر عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أبطأ عليه رزقه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وفي رواية البخاري ومسلم: أنها كنز من كنوز الجنة.

ومن ذلك ما رواه ابن أبي الدنيا بسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قال في كل يوم لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة لم يصبه الفقر أبدا.

ومن ذلك

(1) سورة الطلاق، الاية:3.

ص: 388

الجمعة الرابع والعشرين من شهر رمضان المعظم قدره سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يقبله وأن يعم النفع به ويرزقنا الاخلاص فيه ويعيذنا به من الهاوية، ويدخلنا به في جنة عالية، وأن يرحم امرءا

ــ

ما روي: أن عوف بن مالك الاشجعي رضي الله عنه أسر المشركون ابنا له يسمى سالما فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أسر ابني، وشكى إليه الفاقة، فقال عليه الصلاة والسلام ما أمسى عند آل محمد الامد، فاتق الله واصبر، وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ففعل، فبينما هو في بيته إذ قرع ابنه الباب ومعه مائة من الابل غفل عنها العدو فاستاقها.

وفي الفشني على الاربعين النووية: ومن الادعية المستجابة أنه إذا دخل بالشخص أمر ضيق، يطبق أصابع يده اليمنى ثم يفتحها بكلمة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

اللهم لك الحمد، ومنك الفرج، وإليك المشتكى، وبك المستعان.

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وهي فائدة عظيمة.

اه.

وبالجملة فلا حول ولا قوة

إلا بالله العلي العظيم لها تأثير عظيم في طرد الشياطين والجن، وفي جلب الرزق والغنى، والشفاء وتحصيل القوة، ودفع العجز، وغير ذلك.

(قوله: يقول المؤلف الخ) هذه الجملة يحتمل أن تكون من المؤلف، ويكون جاريا على طريقة الالتفات، إذ حقه أن يقول أقول كما في قول ابن مالك في أول ألفيته: قال محمد هو ابن مالك ويحتمل أن تكون من بعض الطلبة أدخلها على قول المؤلف فرغت الخ، والأول أقرب.

(قوله: عفا الله عنه إلخ) جملة دعائية.

(قوله: فرغت الخ) الجملة مقول القول.

(قوله: ضحوة) ظرف متعلق بفرغت، وهي بفتح الضاد وسكون الحاء، مثل قرية، والجمع ضحى: مثل قرى.

اسم للوقت، وهو من ارتفاع الشمس كرمح إلى الزوال.

(قوله: الرابع والعشرين) بدل من يوم الجمعة.

(وقوله: من شهر رمضان) متعلق بمحذوف حال من الرابع والعشرين: أي حال كون الرابع والعشرين كائنا من شهر رمضان وفي المصباح: أن رجب الشهر مصروف، وإن أريد به معين، وأما باقي الشهور فجمادي ممنوع لالف التأنيث وشعبان ورمضان للعلمية والزيادة، والباقي مصروف.

اه.

(قوله: المعظم) صفة لشهر رمضان.

(وقوله: قدره) نائب فاعله.

(قوله: سنة إلخ) متعلق بمحذوف حال من شهر رمضان: أي حال كونه كائنا في سنة إثنتين وثمانين وتسعمائة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم (قوله: وأرجو الله) الرجاء بالمد تعلق القلب بمرغوب فيه مع الاخذ في الاسباب، فإن لم يكن معه أخذ في الاسباب فطمع وهو مذموم، وأما الرجا بالقصر فهو الناحية.

والأول هو المراد هنا.

والمعنى أطلب وأؤمل أملا من الله أن يقبل هذا الشرح الخ، وإنما أعاد طلب ما ذكر مع أنه قد طلبه أولا بقوله أعتقنا الله الخ، لأن الله سبحانه وتعالى يحب الملحين في الدعاء كما جاء في الحديث.

(وقوله: سبحانه وتعالى لما ذكر الاسم الكريم ناسب أن يأتي بما ذكر، لانه يطلب من العبد أنه متى ذكر المولى أتى بما يدل على تنزيهه عما لا يليق به.

ومعنى سبحانه: تنزهه عن كل ما لا يليق بجلاله، ومعنى تعالى: تباعد وارتبع عما يقوله الظالمون من اتخاذ الولد، أو الشريك، أو نحو ذلك.

(قوله: أن يقبله) أي هذا الشرح والمصدر المؤول من أن والفعل مفعول أرجو.

(قوله: وأن يعم النفع به) أي وأرجو الله أن يعم النفع بهذا الشرح.

وقد أجاب الله المؤلف بعين ما طلب فعم النفع بالشرح المذكور شرقا وغربا، وشاما ويمنا، وذلك لانه رضي الله عنه كان من أكابر الصوفية، وكان مجاب الدعوى رضي الله عنه ونفعنا بتراب أقدامه آمين.

(قوله: ويرزقنا) بالنصب عطف على يقبله: أي وأرجو الله أن يرزقنا الاخلاص في هذا الشرح.

وقد تقدم الكلام

عليه آنفا.

(قوله: ويعيذنا به) بالنصب أيضا على يقبله: أي وأرجو الله أن يجيرنا: أي ينقذنا بسبب هذا الشرح من الهاوية: أي نار جهنم أعاذنا الله والمسلمين منها.

(قوله: ويدخلنا به الخ) بالنصب أيضا عطف على يقبله: أي وأرجو الله أن يدخلنا بسببه في جنة عالية: أي عالية المكان مرتفعة على غيرها من الامكنة، أو عالية القدر، لان فيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين.

لاحرمنا الله والمسلمين منها.

(قوله: وأن يرحم الخ) أي وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يرحم الخ:

ص: 389

نظر بعين الانصاف إليه، ووقف على خطأ فأطلعني عليه أو أصلحه الحمد لله رب العالمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون.

وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

ــ

وهذا دعاء من المؤلف لمن نظر الخ.

(قوله: نظر بعين الانصاف إليه) أي نظر بعين العدل إلى هذا الشرح.

وفي الكلام استعارة بالكناية حيث شبه العدل بإنسان ذي عين، وحذف المشبه به ورمز له بشئ من لوازمه وهو عين، وفيه تنبيه على أن من نظر إليه بعين الجور لا يدخل في دعاء المؤلف المذكور، وأنه لا اعتداد به.

(قوله: ووقف الخ) معطوف على نظر: أي ورحم الله امرأ وقف على خطأ في شرحي هذا فأطلعني عليه، وهذا تواضع من المؤلف رحمه الله تعالى، حيث اعترف بأن شرحه هذا لم يأمن عدم وقوع الخطأ فيه.

(قوله: أو أصلحه) أي أصلح ذلك الخطأ، وهذا إذن من المؤلف لمن يكون أهلا أن يصلح ذلك الخطأ.

والمراد بالاصلاح أن يكتب على الهامش لعله كذا، أو الصواب كذا.

وليس المراد أن يغير ما في الشرح على الحقيقة ويكتب بدله، لأن ذلك لا يجوز، فإنه لو فتح باب ذلك لادى إلى عدم الوثوق بشئ من كتب المؤلفين، وذلك لأن كل من طالع وظهر له شئ غير ما هو مقرر في الكتاب غيره إلى غيره، ويجئ من بعده ويفعل مثل فعله، وهكذا فحينئذ لا يوثق بنسبة شئ إلى المؤلفين، لاحتمال أن ما وجد مثبتا في كلامهم يكون من إصلاح بعض من وقف على كتبهم.

قاله ع ش في كتابته على خطبة النهاية، وقال أيضا فيها: ليس كل اعتراض سائغا من المعترض، وإنما يسوغ له اعتراض بخمسة شروط كما قاله الابشيطي وعبارته: لا ينبغي لمعترض اعتراض إلا باستكمال خمسة شروط، وإلا فهو آثم مع رد إعتراضه عليه: كون المعترض أعلى أو مساويا للمعترض عليه، وكونه يعلم أن ما أخذه من كلام شخص معروف، وكونه مستحضرا لذلك الكلام، وكونه قاصدا للصواب فقط، وكون ما اعترضه لم يوجد له وجه في التأويل إلى الصواب.

اه.

أقول وقد يتوقف في الشرط الاول، فإنه قد يجري الله على لسان من هو دون غيره بمراحل ما لا يجريه على لسان الافضل.

اه.

واعلم أنه لا بد في الاصلاح من التأمل وإمعان النظر، فلا يهجم ببادئ الرأي على التخطئة.

وما أحسن ما قاله الاخضري في نظم المنطق:

وأصلح الفساد بالتأمل وإن بديهة فلا تبدل إذ قيل كم مزيف صحيحالاجل كون فهمه قبيحا (قوله الحمد لله الخ) أي الثناء بالجميل مستحق لله رب العالمين.

وحمد ثانيا تنبيها إلى أنه ينبغي الاكثار من الحمد، إذ نعم الله على عبده في كل لحظة لا تنقطع، وليكون شاكرا ربه على إلهامه للحمد الاول، لان إلهامه إياه نعمة تحتاج إلى الشكر عليها، وأيضا فيه إشارة إلى القبول، لان ختم الدعاء به علامة على إجابته.

(قوله: اللهم صل وسلم) لما أعاد الحمد لله ناسب أن يعيد الصلاة والسلام على رسول الله تبركا بهما ولقوله تعالى: * (ورفعنا لك ذكرك) * أي لا أذكر إلا وتذكر معي يا محمد، وإشارة إلى القبول لان ختم الدعاء بهما علامة على إجابته.

(وقوله: كلما ذكرك وذكره الذاكرون وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون) هذه رواية، ويروى أيضا: كلما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، بذكر الذكر مرة في جانب الذاكرين ومرة في جانب الغافلين.

وهذه الرواية الثانية سمع فيها إحتمالات أربع.

الاول: ما ذكر من كونه بكاف الخطاب في الاول وهاء الغيبة في الثانية، الاحتمال الثاني: عكس هذا، وهو بهاء الغيبة في الاول وكاف الخطاب في الثاني، الاحتمال الثالث بكاف الخطاب فيهما، الاحتمال الرابع: بهاء الغيبة فيهما.

والاحتمال الاول منها أولى لان الذاكرين لله أكثر من الغافلين عنه، والغافلين عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من الذاكرين له، إذ المؤمنون بالنسبة للكافرين كالشعرة البيضاء في الثور الاسود، وذكر الاكثر من جانب الله والاكثر في جانب النبي صلى الله عليه وسلم أبلغ في كثرة الصلاة

(1) سورة الشرح، الاية:4.

ص: 390

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عليه صلى الله عليه وسلم.

ثم أنه يحتمل أن يكون المراد من الذكر القلبي وهو الاستحضار، ويحتمل أن يكون المراد منه اللساني، والمراد بالغفلة على الاول النسيان، وعلى الثاني السكوت كما يؤخذ من شرح الدلائل.

واعلم: أن أول من صلى بهذه الصيغة الإمام الشافعي رضي الله عنه.

قال محمد بن عبد الحكم: رأيت الشافعي رضي الله عنه في المنام فقلت له: ما فعل الله بك يا إمام؟ قال رحمني وغفر لي وزفت إلي الجنة كما تزف العروس.

فقلت: بماذا بلغت هذا الحال؟ قال: بما في كتاب الرسالة من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال، وقلت: كيف تلك الصلاة؟ قال: اللهم صل على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.

قال: فلما أصبحت أخذت الرسالة ونظرت فوجدت الأمر كما رأيت.

وقال بعض الصالحين: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ما جزاء الشافعي

عندك حيث قال في كتاب الرسالة وصلى الله على سيدنا محمد عدد ما ذكرك الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون؟ فقال صلى الله عليه وسلم، جزاؤه عندي أنه لا يوقف للحساب.

واختلف هل يحصل للمصلي بنحو هذه الصيغة ثواب صلوات بقدر هذا العدد، أو يحصل له ثواب صلاة واحدة لكنه أعظم من ثواب الصلاة المجردة عن ذلك؟ قولان.

والمحققون على الثاني.

(قوله: وعلينا) معطوف على سيدنا محمد: أي وصل وسلم علينا، والضمير للمتكلم وحده، أو هو مع غيره من جميع المسلمين.

ففيه إحتمالان، والثاني أولى كما تقدم.

(وقوله: معهم) ظرف متعلق بكل من الفعلين المقدرين، والإضافة لأدنى ملابسة، أي صل وسلم علينا مع صلاتك وسلامك عليهم: أي النبي صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه فتحصل لنا الصلاة تبعا لهم.

واعلم: أن هذه الصلاة المفروغ منها قد احتوت على الصلاة على غير النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف في ذلك.

والمعتمد أنها إن كانت على سبيل التبعية كما هنا فهي جائزة، وإلا فممنوعة.

واختلف في المنع هل هو من باب التحريم، أو كراهة التنزيه، أو خلاف الاولى؟ والصحيح الذي عليه الأكثرون الثاني لانه شعار أهل البدع، وقد نهينا عن شعارهم، ويستحب الترضي والترحم على الصحابة والتابعين فمن بعدهم من العلماء والعباد وسائر الاخيار.

وأما قول بعض العلماء أن الترضي خاص بالصحابة ويقال في غيرهم رحمه الله تعالى، فليس كما قال، بل الصحيح الذي عليه الجمهور إستحبابه.

اه.

ملخصا من شرح الدلائل.

(قوله: برحمتك إلخ) الجار والمجرور يحتمل أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره، وارحمنا برحمتك، ويحتمل أن يكون متعلقا بكل من صل وسلم: أي صل وسلم على من ذكر برحمتك: أي بفضلك الواسع لا بالوجوب عليك، فيكون فيه إشارة إلى ما في الصحيح: سددوا وقاربوا واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.

ويحتمل أن تكون الباء للقسم: أي وأقسم عليك في تنجيز ما سألته بحق رحمتك التي وسعت كل شئ ولذا طمع فيها إبليس حيث لا يفيده الطمع.

وقد ورد في الحديث عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تبارك وتعالى خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فأنزل منها إلى الارض رحمة واحدة، فبها تعطف الوالدة على ولدها، والوحش والطير بعضها على بعض، حتى أن الفرس لترفع حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه، فإذا كان يوم القيامة رد الله تعالى هذه الرحمة إلى التسعة والتسعين، فأكملها مائة رحمة فيرحم بها عباده.

(وقوله: يا أرحم الراحمين) أي بعباده، فإنه تعالى

أرحم بالعبد من نفسه، وأشفق عليه من والديه، ولذا أحب توبته ورجوعه إليه، قال صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم إذا سقط عليه بعيره قد أضله بأرض فلاة.

رواه الشيخان.

وفي الحديث: إن لله ملكا موكلا بمن يقول يا أرحم الراحمين، فمن قالها ثلاثا، قال له الملك: إن أرحم الراحمين قد أقبل عليك فسل.

رواه الحاكم عن أبي أمامة.

ويا أرحم الراحمين كنز من كنوز الجنة.

ومن دعا به ألف مرة في جوف الليل لاي حاجة كانت من الحاجات الدنيوية

ص: 391

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والاخروية قضى الله حاجته.

اللهم يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، يا أرحم الراحمين، اقض حوائجنا الدنيوية، والاخروية، ووفقنا لاصلاح النية، بجاه سيدنا محمد خير البرية، وأهل بيته ذوي النفوس الزكية.

وهذا آخر ما يسر الله جمعه من حاشية فتح المعين بشرح قرة العين، وكان ذلك يوم الاربعاء بعد صلاة العصر السابع والعشرين من شهر جمادى الثانية سنة ألف ومائتين وثمانية وتسعين، على يد مؤلفها راجي العفو والغفران من ربه ذي العطا أبي بكر ابن المرحوم محمد شطا.

وقد جاءت بحمد الله حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله من كل حاسد وواشي، تقر بها أعين الناظرين، ويشفي بها صدور المتصدرين، وتنزل من القلوب منزلة الجنان، ومن العيون منزلة الانسان.

كيف وقد بذلت الجهد في توشيحها وترشيحها، وصرفت الوسع في تهذيبها وتنقيحها، مع أني أبدي الاعتذار، لذوي الفضل والاقتدار، وأقول: قل أن يخلص مصنف من الهفوات، أو ينجو مؤلف من العثرات، مع عدم تأهلي لذلك، وقصو رباعي من الوصول لما هنالك، ومع ضيق الوقت وكثرة الاشغال، وتوالي الهموم على الاتصال، وترادف القواطع، وتتابع الموانع، وعدم الكتب التي ينبغي أن تراجع في مثل هذا الشأن.

وأرجو منهم إن رأوا خللا، أو عاينوا زللا، أن يصلحوه بعد التأمل بإحسان، ولا يستغرب هذا من الانسان، خصوصا وقد قيل الانسان محل النسيان: وما سمي الانسان إلا لنسيه ولا القلب إلا أنه يتقلب ولله در ابن الوردي حيث يقول: فالناس لم يصنفوا في العلم لكي يصيروا هدفا للذم ما صنفوا إلا رجاء الاجر والدعوات وجميل الذكر لكن فديت جسدا بلا حسدولا يضيع الله حقا لاحد والله عند قوم كل قائل وذو الحجا من نفسه في شاغل

فإذا ظفرت أيها الطالب بمسألة فاخمة فادع لي بحسن الخاتمة، وإذا ظفرت بعثرة فادع لي بالتجاوز والمغفرة.

وأتضرع إلى الله سبحانه وتعالى وأسأله من فضله العميم، متوسلا بنبيه الكريم، أن ينفع بها كما نفع بأصلها الخاص والعام، ويقبلها بفضله كما أنعم بالاتمام، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم وسببا للفوز بجنات النعيم.

وأن يطهر ظواهرنا بإمتثال أوامر واجتناب نواهيه.

وأن يخلص سرائرنا من شوائب الاغيار والشيطان ودواعيه، وأن يتفضل علينا بالسعادة التي لا يلحقها زوال، وأن يذيقنا لذة الوصال بمشاهدة الكبير المتعال، وأن يلحقنا بالذين هم في رياض الجنة يتقلبون، وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون، وعلى الفرش التي بطائنها من استبرق يتكئون، وبالحور العين يتمتعون، وبأنواع الثمار يتفكهون: * (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين، لا يصدعون عنها ولا ينزفون، وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون، جزاء بما كانوا يعملون) *.

فنالوا بذلك السعادة الابدية، وكانوا بلذائذ المشاهدة هم الواصلون.

والصلاة والسلام على الواسطة العظمى لنا في كل نعمة، وعلى آله وأصحابه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.

يقول المؤلف عفا الله عنه وعن آبائه وأخوانه ومحبيه ومشايخه والمسلمين أجمعين قد تم تحرير هذه الحاشية المباركة إن شاء الله تعالى، يوم الاثنين المبارك بعد ظهر الثالث والعشرين من شهر شوال المعظم، قدره سنة ثلاثمائة وألف 0031 من هجرة من خلقه الله على أكمل وصف، صلى الله عليه وسلم، وجاء لله الحمد على أتم حال، وأحسن منوال، وذلك بواسطة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشيخي وأستاذي مربي الطالبين.

ناشر شريعة سيد المرسلين.

ورئيس العلماء والمدرسين.

ومفتي الانام ببلد الله الامين، مولانا العارف بربه المنان، السيد أحمد بن زيني دحلان.

وبواسطة بقية

(1) سورة الواقعة، الاية 17 - 24.

ص: 392

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أشياخي الكرام.

بدور الظلام.

أطال الله في أعمارهم وأدام النفع بهم آمين.

اللهم إنا نسألك بالطاهر النسب، الكريم الحسب، خير العجم والعرب، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، أن تمحو من صحائفنا ما زل به البنان، أو أخل به البيان، وأن تتقبل منا ما سطرنا، وأن تجعله حجة لنا لا حجة علينا، حتى نتمنى أننا ما كتبنا وما قرأنا، اللهم يا محول الاحوال حول حالنا إلى أحسن حال، بحولك وقوتك يا عزيز يا متعال.

اللهم إنا نسألك من النعمة تمامها، ومن العصمة دوامها، ومن الرحمة شمولها، ومن العافية حصولها، ومن العيش أرغده، ومن العمر أسعده، ومن الاحسان أتمه، ومن الانعام أعمه، ومن الفضل أعذبه، ومن اللطف أنفعه، اللهم كن لنا ولا تكن علينا.

اللهم اختم بالسعادة آجالنا، وحقق بالزيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلنا، واصبب سجال عفوك على ذنوبنا، ومن علينا بإصلاح عيوبنا، واجعل التقوى زادنا، وفي دينك اجتهادنا، وعليك توكلنا واعتمادنا، وثبتنا على نهج الاستقامة.

وأعذنا في الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة، وخفف عنا ثقل الاوزار، وارزقنا عيش الابرار، واكفنا واصرف عنا شر الاشرار، وأعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأولادنا وإخواننا وعشيرتنا وأصحابنا وأحبابنا من النار، برحمتك يا عزيز يا غفار يا ستار يا حليم يا جبار، يا ألله يا الله يا الله يا رحيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

وصلى الله على خاتم الولاية النبوية الارسالية، وعلى آله وأصحابه أرباب العناية الالهية، وسلم تسليما.

والحمد لله أولا وآخرا، باطنا وظاهرا، والحمد لله مستغرق المحامد كلها، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين آمين.

ص: 393