المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب الدعوى والبينات - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٤

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌باب الدعوى والبينات

‌باب الدعوى والبينات

الدعوى لغة، الطلب وألفها للتأنيث وشرعا: إخبار عن وجوب حق على غيره عند حاكم.

وجمعها دعاوي بفتح الواو وكسرها كفتاوى.

والبينة شهود سموا بها لان بهم يتبين الحق وجمعوا لاختلاف أنواعهم.

والاصل فيها خبر الصحيحين: ولو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم لكن اليمين على

ــ

باب الدعوى والبينات

ذكرهما عقب القضاء لكونهما لا يقعان إلا عند قاض أو محكم.

وأفرد الدعوى لان حقيقتها واحدة وإن اختلف المدعى به، وجمع البينات لاختلاف أنواعها، لانها إما رجل رجلان أو أربع نسوة كما سيأتي.

(قوله: الدعوى لغة الطلب) منه قوله تعالى: * (ولهم ما يدعون) * أي يطلبون.

(قوله: وألفها للتأنيث) أي كألف حبلى، وقد تؤنث بالتاء، فيقال دعوة، وتجمع على دعوات، كسجدة وسجدات، لكن المشهور أن الدعوة بالتاء تكون للدعوة إلى الطعام.

(قوله: وشرعا) عطف على لغة.

(وقوله: إخبار عن وجوب حق) أي ثبوت حق على غيره، وهذا يشمل الشهادة، فالاولى أن يزيد لفظ له بأن يقول عن وجوب حق له: أي للمخبر لتخرج الشهادة.

(وقوله: عند حاكم) قال في التحفة: وكأنهم إنما لم يذكروا المحكم هنا مع ذكرهم له فيما بعد، لأن التعريف للدعوى حيث أطلقت، وهي لا يتبادر منها إلا ذلك.

اه.

(قوله: وجمعها الخ) الأولى تقديمه على قوله، وشرعا كما في التحفة، لان الجمع المذكور للدعوى بالمعنى اللغوي لا المعنى الشرعي، لأنه حقيقة واحدة لا تعدد فيها، كما تقدم قريبا.

(وقوله: بفتح الواو وكسرها) قال ابن مالك: وبالفعالى والفعالي جمعا صحراء والعذراء والقيس اتبعا (قوله: كفتاوى) أي فإنه بفتح الواو وكسرها.

(قوله: والبينة الشهود) الاولى والبينات جمع بينة، وهي الشهود، لانه ذكرها في الترجمة كذلك.

(قوله: سموا) أي الشهود.

(وقوله: بها) أي بالبينة.

(قوله: لان بهم يتبين الحق) أي

يظهر، واسم أن ضمير الشأن محذوف.

(قوله: وجمعوا) أي البينات، والاولى وجمعت، أي البينة على بينات (قوله: لاختلاف أنواعهم) أي البينات، والاولى لاختلاف أنواعها.

أي البينة.

واختلاف الانواع يكون بحسب اختلاف المدعى به، كما سيذكره في فصل الشهادات.

(قوله: والأصل فيها خبر الصحيحين) عبارة التحفة: والأصل فيها قوله تعالى: * (وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم) * الآية وخبر الصحيحين إلخ.

اه.

(قوله: ولو يعطى الناس إلخ) أي لو كان كل من ادعى شيئا عند الحاكم يعطاه بمجرد دعواه بلا بينة، لادعى أناس الخ، ولكن لا يعطون بدعواهم بلا بينة فلم يدعوا الخ.

(قوله: دماء رجال وأموالهم) قدم الدماء مع أن الدعوى بالمال أكثر، لان الدماء أول ما تقع فيه المطالبة، ويفصل فيها بين المتخاصمين يوم القيامة.

(قوله: ولكن الخ) هي وإن لم تأت لفظا على قانونها من وقوعها بين نفي وإثبات، لكنها جارية عليه تقديرا.

لان لو تفيد النفي، إذ المعنى لا يعطي الناس بدعواهم المجردة ولكن باليمين، وهي

(1) سورة يس، الاية:57.

(2)

سورة النور، الاية:48.

ص: 283

المدعى عليه.

وفي رواية: البينة على المدعي واليمين على من أنكر (المدعي من خالف قوله الظاهر) وهو براءة الذمة (والمدعى عليه من وافقه) أي الظاهر.

وشرطهما تكليف والتزام للاحكام فليس الحربي ملتزما للاحكام بخلاف الذمي.

ثم إن كانت الدعوى قودا أو حد قذف أو تعزيرا وجب رفعها إلى القاضي ولا يجوز للمستحق

ــ

على المدعى عليه، إلا في اللعان والقسامة إذا اقترن بدعوى الدم لوث، فاليمين في جانب المدعي فيهما.

(قوله: وفي رواية) أي للبيهقي وذكرها بعد ما تقدم لأن فيها زيادة فائدة، وهي أن البينة على المدعي.

(قوله: البينة على المدعي واليمين على من أنكر) إنما جعلت البينة على الاول، واليمين على الثاني.

لأن جانب الاول ضعيف لدعواه خلاف الاصل، والبينة حجة قوية لبعدها عن التهمة.

وجانب الثاني قوي لموافقته للاصل في البراءة، واليمين حجة ضعيفة لقربها من التهمة، فجعل القوي في جانب الضعيف والضعيف في جانب القوي.

(قوله: المدعي الخ) لما كانت الدعوى تتضمن مدعيا ومدعى عليه، شرع في بيانهما، فقال المدعي إلخ.

(قوله: من خالف قوله الظاهر) وقيل هو من لو سكت لترك، والمدعى عليه من لو سكت لم يترك.

قال في التحفة: واستشكل أي التعريف الاول للمدعي بأن الوديع إذا ادعى الرد أو التلف يخالف قوله الظاهر، مع أن القول قوله.

ورد بأنه يدعي أمرا ظاهرا، هو بقاؤه على الامانة، ويرده ما في الروضة وغيرها أن الامناء الذين يصدقون في الرد بيمينهم مدعون، لانهم يدعون الرد مثلا، وهو خلاف الظاهر، لكن اكتفى منهم باليمين لانهم أثبتوا أيديهم لغرض المالك.

اه.

(قوله: وهو) أي الظاهر.

(وقوله: براءة الذمة) أي ذمة المدعى عليه مما ادعاه المدعي.

فلو أسلم الزوج والزوجة قبل الدخول ثم قال الزوج أسلمنا معا فالنكاح باق، وقالت الزوجة بل أسلمنا مرتبا فلا نكاح.

فهو مدع لان إسلامهما معا خلاف الظاهر، وهي مدعى عليها لموافقتها الظاهر،

فتحلف هي ويرتفع النكاح.

وفي البجيرمي: وقضية هذا أن القول قول الزوجة، والمعتمد خلافه، وهو أن القول قول الزوج، لأن الأصل بقاء النكاح، ولا يرتفع إلا بيقين.

اه.

بالمعنى.

(قوله: والمدعى عليه من وافقه أي الظاهر) أي أن ضابط المدعى عليه من وافق قوله الظاهر، وتقدم ضابط آخر له غير هذا.

(قوله: وشرطهما) أي المدعي والمدعى عليه.

(وقوله: تكليف) قال سم انظره مع قوله في أول باب القضاء على الغائب.

والقياس سماعها على ميت وصغير، ومع قول المتن ويجريان في دعوى على صبي ومجنون.

اه.

بتصرف.

وقصده الاعتراض على اشتراط التكليف بالنسبة للمدعى عليه، مع أن ما تقدم في القضاء على الغالب يقتضي عدم الاشتراط.

ثم رأيت العلامة الرشيدي كتب على قول النهاية: والمدعى عليه المتصف بما مر ما نصه: أي الذي من جملته التكلف، ولعل مراده المدعى عليه الذي تجري فيه جميع الأحكام التي من جملتها الجواب والحلف، وإلا فنحو الصبي يدعى عليه لكن لاقامة البينة.

اه.

(قوله: والتزام للاحكام) أي أحكام المسلمين.

قال في فتح الجواد: كذمي لا حربي ومعاهد ومستأمن.

نعم، تسمع دعوى الاخيرين على مثلهما وذمي مسلم، بل قد تصح دعوى الحربي كما بينته في الاصل.

اه.

وقوله في الاول: قال فيه بل الحربي نفسه تصح دعواه في بعض الصور، لما مر في الامان أن الاسير لو اشترى منه شيئا شراء صحيحا لزمه أن يبعث إليه ثمنه، أو فاسدا فعينه، فحينئذ تصح دعواه ذلك، وكذلك تصح دعواه فيما لو دخل حربيان دارنا بأمان فقتل أحدهما الآخر، فإذا قدم وارث المقتول أو سيده، سمعت دعواه على قاتله.

اه.

(قوله: فليس الحربي ملتزما للاحكام) أي فلا تصح الدعوى منه وعليه.

قال سم: وقد تسمع دعوى الحربي.

اه.

أي في بعض الصور كما تقدم آنفآ.

(قوله: بخلاف الذمي) أي فإنه ملتزم لها، فتسمع الدعوى منه وعليه.

(قوله: ثم إن كانت الدعوى) أي المدعى به، فهي مصدر بمعنى اسم المفعول، وإلا لما صح الاخبار عنها بقوله قودا الخ.

(وقوله: قودا الخ) والحاصل أنه إن كان المدعى به عقوبة لآدمي، وجب رفعها للحاكم، ولا يستقل صاحب الحق باستيفائها.

وإن كان عقوبة لله فلا تسمع فيها دعوى، لانتفاء حق المدعي فيها، فالطريق في إثباتها شهادة الحسبة.

وإن كان عينا أو دينا ففيه تفصيل سيذكره الشارح، وإن كان منفعة، فإن كانت واردة على العين فهي كالعين، فله استيفاؤها منها بنفسه إن لم يخش من ذلك ضررا، ولا فلا بد من الرفع إلى الحاكم، وإن كانت واردة على الذمة فهي كالدين، فإن كانت على غير ممتنع طالبه بها، ولا يأخذ شيئا من ماله بغير

ص: 284

الاستقلال باستيفائها لعظم الخطر فيها وكذا سائر العقود والفسوخ كالنكاح والرجعة وعيب النكاح والبيع.

واستثنى الماوردي من بعد عن السلطان فله استيفاء حد قذف أو تعزير (وله) أي للشخص (بلا خوف فتنة) عليه أو على غيره (أخذ ماله) إستقلالا للضرورة (من) مال مدين له مقر (مماطل) به أو جاحد له أو متوار أو متعزز وإن

ــ

مطالبة.

وإن كانت على ممتنع وقدر على تحصيلها بأخذ شئ من ماله فله ذلك بشرطه.

قال الرشيدي: وضابط ما تشترط

فيه الدعوى عند من ذكر كل ما لا تقبل فيه شهادة الحسبة وليس بمال.

اه.

(قوله: وجب رفعها) أي الدعوى بما ذكر، فالضمير يعود على الدعوى بالمعنى المصدري لا بمعنى اسم المفعول.

(وقوله: إلى القاضي) ومثله أمير أو نحوه ممن يرجي الخلاص على يده، والمقصود عدم الاستقلال عميرة.

اه.

بجيرمي.

(قوله: ولا يجوز للمستحق الاستقلال باستيفائها) أي الدعوى، بمعنى المدعى به، فلو خالف واستقبل وقعت الموقع، وإن أثم باستقلاله.

اه.

ع ش.

(قوله: وكذا سائر العقود الخ) أي ومثل القود وحد القذف والتعزير في وجوب الرفع إلى القاضي وعدم جواز الاستقلال في استيفائه سائر العقود والفسوخ.

قال سم: لعله في غير العقوبة كالنكاح والرجعة، باعتبار الظاهر فقط، حتى لو عامل من ادعى زوجيتها أو رجعيتها معاملة الزوجة جاز له ذلك فيما بينه وبين الله تعالى، إذا كان صادقا فليراجع.

اه.

(قوله: كالنكاح) راجع للعقود، أي فلو ادعى زوجية امرأة فلا بد في ثبوتها من الرفع إلى الحاكم.

(قوله: والرجعة) أي فيما إذا ادعى بها بعد انقضاء العدة: أي ادعى بعد انقضاء العدة أنه كان راجعها قبلها، وإلا بأن ادعى بها قبل انقضاء العدة فلا حاجة للدعوى والرفع للحاكم، لأنه قادر على إنشائها.

اه.

بجيرمي.

وهي راجعة للعقود.

(قوله: وعيب النكاح) أي العيب الذي يثبت فسخ النكاح، فهو راجع للفسوخ، فليس للزوج أو الزوجة الاستقلال بفسخ النكاح بالعيب، بل لا بد من الرفع إلى الحاكم.

(قوله: والبيع) يحتمل أنه معطوف على النكاح المضاف إليه عيب: أي وعيب البيع: أي الذي يثبت به فسخ البيع، فيكون راجعا للفسوخ، ويحتمل أنه معطوف على النكاح الاول: أي وكالبيع فيكون راجعا للعقود.

(قوله: واستثنى الماوردي) أي من عدم جواز الاستقلال باستيفاء حد القذف أو التعزير.

(وقوله: من بعد عن السلطان) أي أو قرب منه وخاف من الرفع إليه عدم التمكن من إثبات حقه، أو غرم دراهم فله استيفاء حقه حيث لم يطلع عليه من يثبت بقوله وأمن الفتنة.

اه.

ع ش.

(قوله: فله استيفاء الخ) أي ومع ذلك إذا بلغ الامام فله تعزيره لافتياته عليه.

(وقوله: حد قذف أو تعزير) أي فقط فلا يستوفي القود.

وقال ابن عبد السلام في آخر قواعده: لو انفرد بحيث لا يرى ينبغي أن لا يمنع من القود، ولاسيما إذا عجز عن إثباته.

اه.

(وقوله: ينبغي أن لا يمنع) أي شرعا.

فيجوز له ذلك باطنا.

(قوله: وله أي للشخص) مراده به الدائن، بدليل قوله بعد من مال مدين له.

فكلامه قاصر على الدين، وكان الأولى أن يذكر كغيره العين أيضا فيقول: وله بلا فتنة أخذ عين ماله استقلالا ممن هي تحت يده، وأخذ ما هو له من مال مدين مماطل الخ.

(قوله: بلا خوف فتنة) الجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من المصدر بعده: أي له أخذ ماله حال كون الآخذ كائنا بلا فتنة.

(قوله: عليه أو على غيره) أي أنه لا فرق في خوف الفتنة بين أن تقع على الآخذ نفسه أو على

غيره.

(قوله: أخذ ماله) بكسر اللام: أي حقه الذي في ذمة المدين، والمراد جنس حقه كما سيذكره.

ويصح قراءته بفتح اللام، أي الشئ الذي هو ثابت له في ذمة المدين.

(قوله: استقلالا) أي من غير رفع للحاكم.

(قوله: للضرورة) تعليل لجواز الاخذ استقلالا: أي وإنما جاز له الاخذ كذلك لوجود الضرورة.

قال ح ل: وهي المؤنة ومشقة الرفع إلى الحاكم.

اه.

وإذا كان المراد بالضرورة ما ذكر كأن مكررا مع قوله الآتي، ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة، وحينئذ فالاولى حذف هذا التعليل إكتفاء عنه بما سيأتي.

(قوله: من مال مدين) متعلق بأخذ.

(وقوله: له) متعلق بمدين، وضميره يعود على الاخذ، أي مدين للآخذ.

(قوله: مقر مماطل) أي موعد له بالوفاء مرة بعد أخرى.

قال في المصباح: مطله بدينه مطلا، إذا سوقه بوعد الوفاء مرة بعد أخرى.

اه.

(وقوله: به) أي بالدين.

(قوله: أو جاحد له) أي منكر للدين، وهو مقابل قوله مقر.

(قوله: أو متوار) أي مختف بعد حلول الاجل خوفا أن يطالبه الدائن.

(قوله: أو متعزز) أي ممتنع من أدائه اعتمادا على القوة والغلبة.

قال في المصباح: عز يعز، أي اشتد كناية عن الانفة وتعزز: أي تقوى.

اه.

ص: 285

كان على الجاحد بينة أو رجا إقراره لو رفعه للقاضي لاذنه (ص) لهند لما شكت إليه شح أبي سفيان أن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف ولان في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة وإنما يجوز له الاخذ من جنس حقه ثم عند تعذر جنسه يأخذ غيره.

ويتعين في أخذ غير الجنس تقديم النقد على غيره ثم إن كان المأخوذ من جنس ماله يتملكه

ويتصرف فيه بدلا عن حقه فإن كان من غير جنسه فيبيعه الظافر بنفسه أو مأذونه للغير لا لنفسه إتفاقا ولا لمحجوره لامتناع تولي الطرفين وللتهمة.

هذا إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه ولا بينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج لمؤنة ومشقة وإلا اشترط إذنه ولا ببيعه إلا بنقد البلد (ثم إن كان جنس حقه تملكه) وإلا اشترط جنس حقه وملكه

ــ

ولو قال كما في المنهج على ممتنع من أدائه مقرا كان أو جاحدا، لكان أخصر وأنسب بقوله الآتي ولو كان الدين على غير ممتنع من الاداء طالبه إلخ.

(قوله: وإن كان على الجاحد الخ) غاية لجواز الاخذ.

(قوله: أو رجا) أي الدائن إقراره: أي المدين الجاحد.

(وقوله: لو رفعه للقاضي) أي رفع دعواه عليه للقاضي.

(قوله: لاذنه الخ) علة لجواز الاخذ.

(قوله: أن تأخذ) أي من مال أبي سفيان.

والمصدر المنسبك منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بإذنه.

(قوله: ولأن في الرفع للقاضي مشقة ومؤنة) أي في الجملة، وإلا فقد لا تكون مشقة ولا مؤنة فيه.

(قوله: وإنما يجوز له) أي للدائن الظافر.

(وقوله: من جنس حقه) أي الذي مطله به أو جحده إياه.

(قوله: ثم عند تعذر جنسه) أي بأن لم يوجد.

(قوله: يأخذ غيره) أي له أن يأخذ غير جنس حقه ولو أمة.

ومحله إذا كان الغريم مصدقا أنه ملكه.

فلو كان منكرا ذلك لم يجز له أخذه وجها واحدا، كما في النهاية والتحفة.

(قوله: ويتعين في أخذ غير الجنس) أي غير جنس حقه.

(وقوله: تقديم النقد على غيره) أي تقديم النقد، أي في الاخذ ليشتري به ما هو من جنس حقه.

(قوله: ثم إن كان المأخوذ) أي المال الذي أخذه الظافر.

(قوله: يتملكه) أي بلفظ يدل على كتملكت.

قال في التحفة: وظاهره كالروضة والشرحين أنه لا يملكه بمجرد الاخذ، لكن قال جمع يملكه بمجرده، واعتمده الاسنوي وغيره.

لان الشارع إذن له في قبضه فكان كإقباض الحاكم له، وهو متجه.

اه.

(قوله: ويتصرف) أي الآخذ.

(وقوله: فيه) أي في المأخوذ.

(قوله: فإن كان) أي

المأخوذ.

(وقوله: من غير جنسه) أي جنس حقه قال في التحفة: أو منه وهو بصفة أرفع.

اه.

(قوله: فيبيعه) أي ولا يتملكه من غير بيع، وإن كان قدر حقه.

(قوله: بنفسه) متعلق ببيع، أي ببيعه بنفسه: أي استقلالا من غير رفع للحاكم كما يستقل بالاخذ.

(قوله: لا لنفسه) أي لا يبيعه على نفسه إتفاقا.

(قوله: ولا لمحجوره) قال في التحفة بعده كما هو ظاهر.

(قوله: لامتناع إلخ) تعليل لعدم جواز البيع على نفسه أو محجوره.

(وقوله: تولي الطرفين) أي الإيجاب والقبول.

(قوله: وللتهمة) تعليل ثان.

(قوله: هذا) أي محل كونه ببيعه بنفسه للغير.

(قوله: وإن لم يتيسر علم القاضي به) أي لم يسهل علم القاضي بحق الظافر الكائن تحت يد الغير.

(وقوله: لعدم إلخ) تعليل لعدم تيسر ذلك.

(وقوله: علمه) أي القاضي.

(وقوله: لا بينة) أي موجودة تشهد بالحال.

(وقوله: أو مع أحدهما) أي أو تيسر علم القاضي مع العلم أو البينة، ولا يخفى ما في ذلك من الركاكة.

وعبارة فتح الجواد: وباع الظافر بغير جنس حقه ولو بوكليه، ما ظفر به حيث لم يعلم القاضي الحال ولم يكن له بينة، لتقصير المدين بامتناعه، وليس له تملكه، فإن علم القاضي لم يبع إلا بإذنه، وكذا لو كان له بينة.

ومحله كما بحثه البلقيني في الاول وقياسه الثاني حيث لا مشقة ومؤنة فوق العادة.

وإلا استقل.

اه.

وهي ظاهرة.

(قوله: لكنه) أي الرفع للقاضي يحتاج إلى مؤنة ومشقة.

(قوله: وإلا) أي بأن تيسر علم القاضي، أو وجدت بينة مع وجود المشقة، أو مع وجود المؤنة.

(وقوله: اشترط إذنه) أي إذن القاضي في البيع.

وعبارة شرح الروض: فإن اطلع عليه القاضي لم يبعه إلا بإذنه.

قال البلقيني: ولعله فيما إذا لم تحصل مؤنة ومشقة فوق العادة، وإلا فلا يبعد أن يستقل بالبيع كما يستقل بأخذ الجنس وغيره.

اه.

(قوله: ولا ببيعه) أي غير جنس حقه.

(وقوله: إلا بنقد البلد) أي الغالب.

(قوله: ثم إن كان جنس حقه تملكه).

واعلم أن هذا من المتن في غالب النسخ، فبمقتضاه يكون اسم كان يعود على المأخوذ، ولكن الشارح تصرف فيه

ص: 286

ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين لم يأخذ إذ قدر حصته بالمضاربة إن علمها وإلا احتاط وله الاخذ من مال غريم غريمه إن لم يظفر بمال الغريم وجحد غريم الغريم أو ماطل وإذا جاز الاخذ ظفرا جاز له كسر باب أو قفل ونقب جدار للمدين إن تعين طريقا للوصول إلى الاخذ وإن كان معه بينة فلا يضمنه كالصائل وإن خاف فتنة أي مفسدة تفضي إلى محرم كأخذ ماله لو اطلع عليه وجب الرفع إلى القاضي أو نحوه لتمكنه من الخلاص به ولو كان الدين على غير ممتنع من الاداء طالبه ليؤدي ما عليه فلا يحل أخذ شئ له لان له الدفع من

ــ

وجعله عائدا على نقد البلد.

ويوجد في بعض نسخ الخط أنه من الشارح، وعليه فعود الضمير على نقد البلد ظاهر.

(قوله: تملكه) يأتي فيه ما تقدم.

(قوله: وإلا اشترى) أي وإن لم يكن نقد البلد من جنس حقه، إشترى به جنس حقه.

قال في التحفة: لا بصفة أرفع.

اه.

(قوله: وملكه) أي ما اشتراه بنقد البلد الذي ليس من جنس حقه، وظاهره أنه يملكه بمجرد الشراء، وهو كذلك كما في التحفة.

(قوله: ولو كان المدين الخ) لو شرطية جوابها قوله لم يأخذ إلا قدر حصته.

(قوله: أو ميتا) أي أو كان المدين ميتا.

(وقوله: وعليه دين) أي وعلى الميت دين آخر لشخص آخر.

(قوله: لم

يأخذ) أي الظافر بحقه.

(وقوله: إلا قدر حصته بالمضاربة) أي قدر ما يخصه من أموال المحجور عليه أو الميت بعد المقاسمة، وتقسيطها على أرباب الديون.

(قوله: إن علمها) أي قدر حصته، وأنث الضمير لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.

(قوله: وإلا احتاط) أي وإن لم يعلم قدر حصته احتاط.

قال ع ش: أي فيأخذ ما تيقن إن أخذه لا يزيد على ما يخصه.

اه.

(قوله: وله) أي للشخص الدائن.

(وقوله: الاخذ) أي ظفرا.

(وقوله: من مال غريم غريمه) أي كأن يكون لزيد على عمرو دين، ولعمرو على بكر مثله.

فلزيد أن يأخذ من بكر ماله على عمرو، ويلزمه حينئذ أن يعلم الغريم بأخذه حتى لا يأخذ ثانيا، وإن أخذ كان هو الظالم، ولا يلزمه إعلام غريم الغريم إذ لا فائدة فيه، ومن ثم لو خشي أن الغريم يأخذ منه ظلما، لزمه فيما يظهر إعلامه.

(قوله: وإن لم يظفر) أي الدائن الذي هو زيد في المثال.

(وقوله: بمال الغريم) أي غريم الدائن وهو بكر في المثال، فإن ظفر به لم يجز له الأخذ من مال غريم الغريم.

(قوله: وجحد غريم الغريم) يعني وكان غريم الغريم الذي هو بكر جاحدا لغريمه الذي هو عمرو، فلو كان مقرا له غير ممتنع من الاداء لم يجز لزيد أن يأخذ منه شيئا.

(قوله: جاز له) أي للآخذ بنفسه، فلو وكل بذلك أجنبيا لم يجز، فإن فعل ضمن المباشر.

قال في التحفة: ولو قيل بجواز الاستعانة به لعاجز عن نحو الكسر بالكلية لم يبعد.

(قوله: كسر باب أو قفل ونقب جدار) أي بشرط أن لا يكون ما ذكر مرهونا أو مؤجرا، ولا المحجور عليه حجر فلس.

(وقوله: للمدين) متعلق بمحذوف صفة لكل من باب وقفل وجدار.

ويشترط فيه أن لا يكون صبيا أو مجنونا أو غائبا، فلا يؤخذ من مالهم إن ترتب عليه كسر أو نقب لعذرهم، خصوصا الغائب.

وإن لم يترتب على الاخذ ما ذكر جاز، وبعضهم منع الاخذ من مالهم مطلقا.

وعبارة النهاية: ويمتنع نحو النقب في غير متعد لنحو صغر.

قال الأذرعي وفي غائب معذور وإن جاز الاخذ.

اه.

(قوله: أن تعين) أي المذكور من الكسر والنقب، فإن لم يتعين ذلك لم يجز.

فلو فعل ضمن.

(قوله: وإن كان معه بينة) أي يجوز له الكسر والنقب وإن كان بينه معه تشهد بالحق الذي له.

قال في التحفة: وإن كان الذي له تافه القيمة، أو اختصاصا، كما بحثه الأذرعي.

اه.

(قوله: فلا يضمنه) مفرع على جواز الكسر والنقب، وضميره يعود على المذكور من الباب والقفل والجدار.

(قوله: كالصائل) أي فإنه لو تعذر دفعه إلا بإتلاف ماله جاز، ولا يضمن.

وعبارة التحفة: ولا يضمن ما فوته، كمتلف مال صائل تعذر دفعه إلا بإتلافه.

اه.

(قوله: وان خاف فتنة إلخ) محترز قوله بلا خوف فتنة.

(وقوله: أي مفسدة) تفسير لقوله فتنة.

(قوله: تفضي إلى الحرم) أي تؤدي تلك المفسدة إلى ارتكاب حرام.

(وقوله: كأخذ ماله) أي مال الآخذ الدائن لو اطلع عليه، وهو مثال للمفسدة التي تفضي إلى محرم.

إذ أخذ مال الدائن حرام.

(قوله: وجب الرفع) جواب إن.

(قوله: أو نحوه) أي كنائبه ومحكم وذوي شوكة.

(قوله: لتمكنه) أي الدائن، وهو تعليل لوجوب الرفع للقاضي (وقوله: من الخلاص به) أي من خلاص حقه من المدين بالقاضي.

(قوله: ولو كان الدين

ص: 287

أي ماله شاء فإن أخذ شيئا لزمه رده وضمنه إن تلف ما لم يوجد شرط التقاص.

فرع: له استيفاء دين له على آخر جاحد له بشهود دين آخر له عليه قضى من غير علمهم وله جحد من جحده إذا كان له على الجاحد مثل ماله عليه أو أكثر فيحصل التقاص للضرورة فإن كان له دون ما للآخر عليه جحد من حقه بقدره (وشرط للدعوى) أي لصحتها حتى تسمع وتحوج إلى جواب (بنقد) خالص أو مغشوش

ــ

على غير ممتنع) أي على مقر غير ممتنع من الاداء، وهذا مفهوم قوله مماطل الخ.

(قوله: طالبه) أي طالب الدائن مدينه غير الممتنع.

(قوله: فلا يحل أخذ شئ) أي من مال غير الممتنع من غير مطالبة.

(وقوله: له) يصح تعلقه بالفعل، ويصح بالمصدر.

(قوله: لأن له) أي للمدين غير الممتنع.

(وقوله: الدفع من أي ماله شاء) أي بخلاف ما لو استقل بالاخذ، فربما يأخذ شيئا لا تسمح نفس المدين به.

(قوله: فإن أخذ) أي الدائن شيئا من مال غير الممتنع من أدائه.

(قوله: لزمه) أي الدائن الآخذ.

(وقوله: رده) أي للمدين.

(قوله: وضمنه) أي ضمان المغصوب إن تلف.

(قوله: ما لم يوجد الخ) قيد للزوم الرد والضمان.

(وقوله: شرط التقاص) وهو أن يكون الذي أخذه مثل الذي له عند المدين جنسا وقدرا وصفة.

قال في المصباح: قاصصته مقاصة وقصاصا، من باب قاتل إذا كان لك عليه دين مثل ما له عليك، فجعلت الدين في مقابلة الدين.

اه.

(قوله: فرع) الأولى فرعان لانه ذكرهما، الاول: قوله له الاستيفاء الخ.

والثاني: قوله وله جحد الخ.

(قوله: له) أي للدائن المعلوم من السياق.

(وقوله: استيفاء) الحاصل صورة المسألة أن لعمرو مثلا مائتي ريال على بكر، وإحدى المائتين عليها بينة والاخرى ليس عليها ذلك، فأدى بكر المائة التي عليها البينة من غير إطلاعها على الاداء، وأنكر المائة التي بلا بينة، فلعمرو أن يدعي عليه بالمائة الاولى بدل الثانية، ويقيم البينة على ذلك، وإن كان قد أداها في الواقع للضرورة.

(قوله: جاحد له) أي جاحد ذلك الآخر لذلك الدين.

(قوله: بشهود) متعلق باستيفاء (وقوله: دين آخر له) أي للدائن (وقوله: عليه) أي على المدين الجاحد.

(وقوله: قضى من غير علمهم) أي قضى ذلك الدين الآخر من غير علم الشهود به.

(قوله: وله جحد من جحده) يعني إذا كان لزيد مائة ريال على عمرو ولعمرو على زيد كذلك وليس عليهما بينة، فأنكر عمرو الدين الذي عليه لزيد، فيجوز لزيد حينئذ أن يجحده أيضا.

(قوله: مثل ماله) أي للجاحد.

(وقوله: عليه) أي على الدائن الاول.

(قوله: فيحصل التقاص) أي فكل منهما يجعل الدين في ذمته في مقابلة الدين الذي في ذمة الآخر.

(قوله: فإن كان له) أي لمن يسوغ له الجحد.

(وقوله: دون ما للآخر عليه) بأن تكون له خمسون ريالا وللجاحد عنده مائة ريال مثلا.

(وقوله: جحد) جواب أن.

(وقوله: من حقه) أي حق الجاحد.

(وقوله: بقدره) أي بقدر حق

نفسه، وهو في المثال المذكور خمسون ريالا.

(قوله: وشرط للدعوى إلخ) اعلم أنه يشترط لصحة كل دعوى سواء كانت بدم أم بغيره، كغصب وسرقة وإتلاف مال ستة شروط: الاول أن تكون مفصلة بأن يفصل المدعي ما يدعيه، وتفصيله يختلف باختلاف المدعى به.

ففي دعوى الدم يكون التفصيل بذكر قتله عمدا أو خطأ أو شبه عمد، إفرادا أو شركة.

وفي دعوي نقد يكون بذكر جنسه ونوعه وقدره.

وفي دعوى عين تنضبط بالصفات، كحيوان وحبوب يكون بوصفها بصفات السلم.

وفي دعوى عقار يكون بذكر جهة وبلد وسكة وحدود أربعة.

وفي دعوى النكاح على حرة يكون بذكر شروطه ورضاها إن كانت غير مجبرة، وعلى أمة يكون بما ذكر ويزيد عليه ذكر خوف العنت وفقد مهر حرة.

الشرط الثاني: أن تكون ملزمة للمدعى عليه، فلا تسمع دعوى هبة شئ أو بيعه أو الاقرار به حتى يقول وقبضته بإذن الواهب، ويلزم البائع أو المقر التسليم إلي.

وذلك لاحتمال أن يقول الواهب، لكنك لم تقبضها بإذني، فلا يلزمه شئ.

ولاحتمال أن يكون للبائع حق الحبس، أو يكون المقر به ليس في يد المقر، فلا يلزمه التسليم إليه.

الشرط الثالث: أن يعين المدعى عليه، فلو قال قتله أحد هؤلاء لم تسمع دعواه، لابهام المدعى عليه.

الشرط الرابع: أن لا تناقضها دعوى أخرى، فلو ادعى على واحد انفراده بالقتل، ثم ادعى على آخر شركة فيه أو انفرادا به لم تسمع دعواه الثانية، لان الاولى تكذبها، ولا يمكن

ص: 288

(أو دين) مثلي أو متقوم (ذكر جنس) من ذهب أو فضة (ونوع) وصحة وتكسر إن اختلف بهما غرض (وقدر) كمائة درهم فضة خالصة أو مغشوشة أشرفية أطالبه بها الآن لان شرط الدعوى أن تكون معلومة وما علم وزنه كالدينار لا يشترط التعرض لوزنه ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش ولا تسمع دعوى دائن مفلس ثبت فلسه أنه وجد مالا حتى يبين سببه كإرث واكتساب وقدره (و) في الدعوى (بعين) تنضبط بالصفات كحبوب وحيوان

ــ

من العود إلى الاولى لان الثانية تكذبها.

الشرط الخامس: أن يكون كل من المدعي والمدعى عليه مكلفا، ومثله السكران.

الشرط السادس: أن يكون كل منهما ملتزما للاحكام وقد نظم بعضهم هذه الشروط بقوله: لكل دعوى شروط ستة جمعت تفصيلها مع إلزام وتعيين أن لا تناقضها دعوى تغايرها تكليف كل ونقي الحرب للدين وكلها تؤخذ من كلامه ما عدا التعين بعضها صراحة وبعضها ضمنا.

(قوله: حتى تسمع) أي تلك الدعوى، أي يسمعها القاضي.

(وقوله: وتحوج إلى جواب) أي تحوج الخصم إلى أن يجيب صاحب الدعوى.

(قوله: بنقد) متعلق بالدعوى.

(وقوله: خالص أو مغشوش) تعميم في النقد.

(قوله: أو دين) معطوف على نقد: أي وشرط للدعوى بدين.

(قوله: مثلي) أي ذلك الدين، كإردب حب مسلم فيه أو مقترض.

(وقوله: أو متقوم) هو بكسر الواو معطوف على مثلي، وذلك كعبد مسلم فيه أو مقترض.

(قوله: ذكر جنس) نائب فاعل شرط، والمراد بالجنس هنا ما كثرت أفراده واختلفت صفاته لا الجنس المنطقي - كما هو ظاهر - قال في فتح الجواد: وقد

يغني النوع عنه.

(قوله: من ذهب أو فضة) بيان للجنس.

(قوله: ونوع) معطوف على جنس: أي وشرط ذكر نوع كأشر في أو ظاهري وكريال مجيدي، أو فرنساوي كجنيه فرنساوي أو مجيدي وهكذا.

(قوله: وصحة وتكسر) معطوف أيضا على جنس: أي وشرط ذكر صحة وتكسر.

(وقوله: إن اختلف بهما) أي بالصحة والتكسر غرض.

وعبارة الروض وشرحه: وكذا بيان صحة وتكسر نقدان أثرا في قيمته بأن اختلفت قيمته بهما، أما إذا لم تختلف قيمة النقد بالصحة والتكسر فلا يحتاج إلى بيانها اه.

بحذف.

(قوله: وقدر) معطوف على جنس أيضا: أي وشرط ذكر قدر كعشرة.

(قوله: كمائة درهم الخ) مثال للمستجمع للقيود ما عدا ما قبل الاخير فلم يذكره، وكان حقه أن يذكره.

وعبارة شرح الروض: كمائة درهم فضة ظاهرية، صحاح أو مكسرة.

اه.

(وقوله: أشرفية) نسبه للسلطان الأشرف.

(قوله: أطالبه بها الآن) زائد على القيود السابقة، وهو ساقط من عبارة المنهج وشرح الروض، فكان الأولى إسقاطه هنا، وإن كان هو لا بد منه لما علمت أن من شروط الدعوى الالزام في الحال.

(قوله: لان شرط إلخ) علة لاشتراط ما ذكر في الدعوى بنقد أو دين: أي وإنما شرط للدعوى بنقد أو دين، ذكر ما ذكر لأن شرط الدعوى أن تكون معلومة، وهي لا تعلم إلا بذكر ذلك في المدعى به.

(قوله: وما علم إلخ) هو في معنى الاستدراك على اشتراط القدر، فكان الاولى زيادة أداة الاستدراك كما في شرح الروض.

(قوله: ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش) قال في التحفة: بناء على الأصح أنه مثلي، فقول البلقيني يجب فيه مطلقا ممنوع.

اه.

وكتب سم قوله بناء على الأصح إلخ.

ما نصه: قضيته إعتبار ذكر القيمة في الدين المتقوم لكن عبر في المنهج وشرحه بقوله: ومتى ادعى نقدا أو دينا مثليا أو متقوما وجب ذكر جنس ونوع وقدر وصفة.

اه.

ولم يتعرض لاعتبار ذكر القيمة -.

(قوله: ولا تسمع دعوى) أي على المفلس.

(وقوله: دائن مفلس) تركيب إضافي.

(وقوله: ثبت فلسه) أي عند القاضي.

(قوله: أنه وجد مالا) المصدر المنسبك من أن واسمها وخبرها منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بدعوى.

والمعنى لا تسمع دعوى دائن على مفلس بأن المفلس تحصل عنده مال.

(وقوله: حتى يبين) أي الدائن المدعى.

(وقوله: سببه) أي سبب وجود المال عنده.

(قوله: كإرث الخ) تمثيل للسبب.

(قوله: وقدره) بالنصب معطوف على سببه، أي وحتى يبين قدر المال الذي وجد عنده، فإن لم يبين سببه وقدره لا تسمع دعواه عليه.

أما في الأول فالظاهر عدم وجود مال عنده.

وأما في الثاني فلان المال يطلق على أقل متمول فلربما أنه وجد مالا

ص: 289

ذكر (صفة) بأن يصفها المدعي بصفات سلم ولا يجب ذكر القيمة فإن تلفت العين وهي متقومة وجب ذكر القيمة مع الجنس كعبد قيمته كذا (و) في الدعوى (بعقار) ذكر (جهة) ومحلة (وحدود) أربعة فلا يكفي ذكر ثلاثة منها

إذا لم يعلم إلا بأربعة فإن علم بواحد منها كفى بل لو أغنت شهرته عن تحديده لم يجب (و) في الدعوى (بنكاح) على امرأة ذكر صحته وشروطه من نحو (ولي وشاهدين عدول) ورضاها إن شرط بأن كانت غير مجبرة فلا يكفي

ــ

كما قال المدعي، إلا أنه لا يقع الموقع فلا فائدة في سماع الدعوى.

(قوله: وفي الدعوى بعين) معطوف على للدعوى

بنقد، أي وشرط في الدعوى بعين، والمراد بها غير النقد، أما هو فقد تقدم ذكره.

آنفا.

(قوله: تنضبط بالصفات) خرج به العين التي لا تنضبط بالصفات كالجواهر، فالمعتبر فيها ذكر القيمة.

فيقول جوهرة قيمتها كذا.

(قوله: كحبوب وحيوان) تمثيل للعين التي تنضبط بالصفات، ومثل بمثالين إشارة إلى أن لا فرق في العين بين أن تكون من المثليات كالمثال الأول، أو من المتقومات كالمثال الثاني.

(قوله: ذكر صفة نائب) فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعين.

وأفهم إطلاقه إشتراط ذكر الصفة في المتقوم، وهو كذلك عند حجر.

وعند م ر يجب في المثلي، ويندب في المتقوم مع وجوب ذكر القيمة فيه.

(قوله: بأن يصفها) أي العين المدعى بها.

(وقوله: بصفات سلم) أي لأنها لا تتميز التميز الكامل إلا بها، وذلك بأن يذكر في الرقيق نوعه كحبشي أو رومي، وذكورته أو أنوثته، وقده طولا أو قصرا، ولونه كأبيض.

ويذكر في الثوب الجنس كقطن أو كتاب أو حرير، والنوع كقطن عراقي، والطول والعرض وهكذا.

وقد تقدم تفصيل ذلك في باب السلم.

(قوله: ولا يجب ذكر القيمة) أي قيمة العين إكتفاء بذكر صفات السلم.

(قوله: فإن تلفت العين الخ) مقابل لمحذوف، أي هذا أن بقيت العين، فإن تلفت الخ.

ومثل التالفة ما إذا غابت عن البلد، فيجب ذكر القيمة في المتقوم، ولا يجب ذكر الصفات كما صرح بذلك في التحفة في فصل في غيبة المحكوم به، ونص عبارتها مع الاصل: ويبالغ وجوبا المدعي في الوصف للمثلي، ويذكر القيمة في المتقوم وجوبا، إذ لا يصير معلوما إلا بها، أما ذكر قيمة المثلي والمبالغة في وصف المتقوم فمندوبان كما جريا عليه هنا.

وقولهما في الدعاوي يجب وصف العين بصفات السلم دون قيمتها مثلية كانت أو متقومة، محمول على عين حاضرة بالبلد يمكن إحضارها مجلس الحكم.

اه.

(قوله: وجب ذكر القيمة مع الجنس) أي ولا يجب ذكر بقية الصفات، لان القيمة هي الواجبة عند التلف، فلا حاجة لذكر شئ من الصفات معها.

(قوله: (قوله: وفي الدعوى بعقار) معطوف على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بعقار.

(وقوله: ذكر جهة) نائب فاعل شرط مقدرا قبل قوله وفي الدعوى بعقار، والجهة كالحجاز أو الشام.

(وقوله: ومحله) أي وذكر محلة، - وهي بفتحتين وتشديد اللام المفتوحة - المعبر عنها بالحارة.

(وقوله: وحدود أربعة) أي وذكر حدود أربعة وهي - الشرق والغرب والشام واليمن -، وبقي عليه ذكر البلد والسكة، أي الزقاق، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته.

وعبارة الروض وشرحه: ويبين في دعوى العقار الناحية والبلدة والمحلة والسكة والحدود الاربعة، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته أو صدرها ذكره البلقيني ولا حاجة لذكر القيمة.

اه.

(قوله: فلا يكفي ذكر ثلاثة منها) أي من الحدود.

(وقوله: إذا لم يعلم) أي العقار، وهو قيد في عدم الإكتفاء بذلك.

(قوله: فإن علم بواحد منها) أي من الحدود الاربعة.

(وقوله:

كفى) أي ذكر ذلك الواحد.

(قوله: بل لو أغنت شهرته) أي العقار، كأن وضع له إسم لا يشاركه فيه غيره، كدار الندوة بمكة.

(وقوله: عن تحديده) أي بالحدود الاربعة.

(وقوله: لم يجب) أي التحديد.

(قوله: وفي الدعوى بنكاح) معطوف أيضا على للدعوى بنقد: أي وشرط في الدعوى بنكاح.

(وقوله: على امرأة) متعلق بالدعوى، وهي ليست بقيد، بل مثلها الرجل، فلو ادعت زوجية رجل وذكرت ما يأتي من الصحة وشروط النكاح، فأنكر فحلفت اليمين المردودة، ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنتها وحل له اصابتها، لأن إنكار النكاح ليس بطلاق، قاله الماوردي.

وحل إصابتها يكون ظاهرا لا باطنا إن صدق في الانكار.

(قوله: ذكر صحته) أي النكاح، وهو نائب فاعل شرط المقدر أيضا.

(وقوله: وشروطه) أي النكاح، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، ويصفهم بالعدالة، ويصف المرأة بالرضا إن كانت غير مجبرة.

قال في شرح الروض: ولا يشترط تعيين الولي والشاهدين، ولا التعرض لعدم الموانع، لأن الأصل

ص: 290

فيه الاطلاق فإن كانت الزوجة أمة وجب ذكر العجز عن مهر حرة وخوف العنت وأنه ليس تحته حرة (و) في الدعوى (بعقد مالي) كبيع وهبة ذكر صحته ولا يحتاج إلى تفصيل كما في النكاح لانه أحوط حكما منه (وتلغو) الدعوى (بتناقض) فلا يطلب من المدعى عليه جوابها (كشهادة خالفت) الدعوى كأن ادعى ملكا بسبب فذكر الشاهد سببا آخر فلا تسمع لمنافاتها الدعوى وقضيته أنه لو أعادها على وفق الدعوى قبلت وبه صرح الحضرمي

ــ

عدمها ولكثرتها.

اه.

وإنما شرط الجمع بين ذكر الصحة وذكر الشرط مع أن كل واحد منهما يستلزم الآخر إحتياطا في النكاح.

(قوله: من نحو ولي الخ) بيان للشروط، ودخل تحت نحو السيد الذي يلي نكاح الأمة.

(وقوله: عدول) صفة لكل من ولي وشاهدين.

(قوله: ورضاها) معطوف على نحو ولي من عطف الخاص على لعام، ولو قال كرضاها تمثيلا لنحو ما ذكر لكان أولى.

(وقوله: إن شرط) أي الرضا.

(وقوله: بأن كانت غير مجبرة) تصوير لشرط الرضا.

قال في التحفة: أما إذا لم يشترط رضاها كمجبرة فلا يتعرض له بل لمزوجها من أب أو جد، أو لعلمها به إن ادعى عليها.

اه.

(وقوله: بل لمزوجها الخ) أي بل يتعرض له أو لما بعده بأن يقول نكحتها من أبيها أو جدها، أو هي عالمة به.

(قوله: فلا يكفي فيه) أي في دعوى النكاح، وذكر الضمير مع أن المرجع مؤنث لاكتسابه التذكير من المضاف إليه.

(وقوله: الاطلاق) أي بأن لم يتعرض للشروط، وقيل يكفي ذلك، ويكون التعرض لذلك مستحبا، كما اكتفي به في دعوى إستحقاق المال، فإنه لا يشترط فيه ذكر السبب بلا خلاف، ولانه ينصرف إلى النكاح الشرعي، وهو ما وجدت فيه الشروط.

اه.

نهاية.

تنبيه: يستثنى من عدم الاكتفاء بالاطلاق على المعتمد أنكحة الكفار، فيكفي في الدعوى بها أن يقول هذه زوجتي، وإن ادعى استمرار نكاحها بعد الاسلام ذكر ما يقتضي تقريره.

وأفاده المغني.

(قوله: فإن كانت الزوجة أمة وجب) أي زيادة على ما مر.

(وقوله: ذكر العجز الخ) أي ذكر ما يبيح له نكاح الأمة

من الشروط التي ذكرها، وذلك بأن يقول نكحتها نكاحا صحيحا بولي وشاهدين، وإني عاجز عن مهر حرة، وخائف العنت، وليس تحتي زوجة حرة.

(قوله: وفي الدعوى بعقد مالي) معطوف على للدعوى بنقد أيضا: أي وشرط في الدعوى بعقد مالي، أي يتعلق بالمال.

(وقوله: كبيع وهبة) تمثيل له.

(وقوله: ذكر صحته) أي العقد وهو نائب فاعل شرط المقدر كالذي قبله.

(قوله: ولا يحتاج إلى تفصيل) أي ولا يحتاج العقد المالي: أي الدعوى به إلى تفصيل بذكر شروطه، بل يكفي فيه الاطلاق، وقيل يشترط فيه ذلك كأن يقول بعته إياه بيعا صحيحا بثمن معلوم، ونحن جائزا التصرف وتفرقنا عن تراض.

(قوله: كما في النكاح) تمثيل للمنفي، فإنه يحتاج فيه إلى التفصيل كما مر.

(وقوله: لانه) أي النكاح، وهو علة لكون النكاح يحتاج فيه إلى التفصيل.

(وقوله: أحوط حكما منه) أي من العقد المالي، وكان المناسب في العلة أن يقول: لانه دون النكاح في الاحتياط.

(قوله: وتلغو الدعوى بتناقض) أي بوجود تناقض: أي مناقض لها، وذلك كأن يدعي شخص على إنسان أنه قتل مورثه وحده، ثم يدعي ثانيا ويقول قتله آخر وحده أو مع الاول، فلا تسمع الثانية لمناقضتها الاولى، ولا يمكنه الرجوع إلى الاولى لمناقضتها الثانية.

ومحل إلغاء ما ذكر إذا لم يحصل إقرار من المدعى عليه حينئذ، فيؤاخذ مدعى عليه مقر صدقه المدعي في إقراره بمضمون الأولى أو الثانية لان الحق لا يعدوهما، وغلط المدعي في الاخرى محتمل.

(قوله: فلا يطلب الخ) تفريع على إلغائها.

(قوله: كشهادة) أي كإلغاء شهادة خالفت الدعوى، فالكاف للتنظير.

(قوله: كأن ادعى إلخ) تمثيل لالغاء الشهادة، ولم يمثل لالغاء الدعوى وقد علمته.

(وقوله: بسبب) أي كإرث مثلا.

(قوله: فذكر الشاهد سببا آخر) أي كهبة.

(قوله: فلا تسمع) أي الشهادة (قوله: لمنافاتها) أي الشهادة.

(وقوله: الدعوى) مفعول المصدر، أو منصوب بإسقاط الخافض.

(قوله: وقضيته) أي التعليل.

(وقوله: أنه) أي الشاهد.

(وقوله: لو أعادها) أي الشهادة.

(وقوله: قبلت) أي الشهادة.

قال في التحفة: وينبغي تقييده بمشهور بالديانة إعتيد، نحو سبق لسان أو نسيان.

اه.

(قوله: وبه صرح الخ) أي وبقبول الشهادة المعادة، صرح الشيخ

ص: 291

واقتضاه كلام غيره ولا تبطل الدعوى بقوله شهودي فسقة أو مبطلون فله إقامة بينة أخرى والحلف (ومن قامت عليه بينة) بحق (ليس له تحليف المدعي) على استحقاق ما ادعاه بحق لانه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن في الشهود نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره لجواز أن له مالا باطنا ولو ادعى خصمه مسقطا له كأداء له أو إبراء منه أو شرائه منه فيحلف على نفي ما ادعاه الخصم لاحتمال ما يدعيه وكذا لو ادعى خصمه عليه علمه بفسق

ــ

إسماعيل الحضرمي.

(قوله: ولا تبطل الدعوى بقوله) أي المدعي.

(وقوله: شهودي فسقة الخ) الجملة مقول القول.

وخرج بالدعوى نفس البينة، فتبطل بقوله المذكور ولا تقبل.

قال في الروض وشرحه: ومن كذب شهوده سقطت بينته لتكذيبه لها لا دعواه، لاحتمال كونه محقا فيها، والشهود مبطلين لشهادتهم بما لا يعلمون، وفي مثله قال الله تعالى: * (والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) *.

اه.

(قوله: فله إقامة إلخ) مفرع على عدم بطلان

الدعوى: أي وإذا لم تبطل الدعوى فله إقامة بينة أخرى: أي غير بينته الاولى، أما هي فلا تقبل ثانيا ما لم تحصل توبة وتمضي مدة الاستبراء، وإلا قبلت - كما في البجيرمي - نقلا عن سم.

ونص عبارته: ولو قال شهودي فسقة أو عبيد ثم جاء بعد، فإن مضت مدة استبراء أو عتق قبلت شهادتهم.

وإلا فلا.

اه.

(قوله: والحلف) هكذا في التحفة.

وانظر ما المراد به؟ فإن كان المراد أن له إقامة البينة مع الحلف فانظر لاي شئ يحلف؟ وإن كان المراد أن له إقامة البينة وله الحلف بمعنى أنه مخير بينهما فلا يصح إذ لا يقبل منه حلف فقط، وإن كان المراد به حلف النكول بأن قال القاضي للخصم بعد عجز المدعي عن الاتيان بالبينة أحلف، فأبى الخصم ذلك صح، ولكنه بعيد من كلامه.

فتأمل.

(قوله: ومن قامت عليه بينة) أي شهدت عليه بينة.

(قوله: بحق) أي بثبوت حق عنده، والجار والمجرور متعلق بقامت.

(قوله: ليس له) أي لمن قامت عليه البينة.

(وقوله: تحليف المدعي) أي على من قامت عليه البينة بحق.

(وقوله: على استحقاق ما ادعاه) متعلق بتحليف.

(وقوله: بحق) هو ضد الباطل، وهو متعلق بإستحقاق: أي ليس لمن قامت عليه البينة أن يحلف المدعي بأن ما ادعى به عليه يستحقه بحق.

(قوله: لأنه) أي التحليف، وهو علة لقوله ليس له الخ.

(وقوله: تكليف حجة) هي اليمين، وهي حجة في الجملة.

(وقوله: بعد حجه) هي البينة.

(قوله: فهو إلخ) أي تحليف المدعي مع إقامة البينة كالطعن في الشهود، أي القدح فيهم، وهو ممتنع فكذلك التحليف بعد إقامة البينة.

ممتنع، وهذا تعليل ثان لقوله ليس الخ.

وعبارة النهاية: لانه كالطعن في الشهود، ولظاهر قوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين) *.

اه.

(قوله: نعم له تحليف إلخ) استثناء من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا إن ادعى المدين أنه معسر وأقام بينة على إعساره، فللدائن تحليفه بأنه ليس عنده مال، لاحتمال أن يكون له مال باطنا.

(قوله: بإعساره) تنازعه كل من تحليف والبينة.

(قوله: لجواز الخ) علة لكون الدائن له أن يحلف المدين.

(وقوله: مالا لا باطنا) أي لم تطلع عليه البينة.

(قوله: ولو ادعى الخ) هذا استثناء أيضا من امتناع التحليف مع إقامة البينة، فكأنه قال يمتنع التحليف مع إقامة البينة، إلا إن ادعى الخصم بعد إقامة البينة عليه أنه أدى الدائن حقه وأن الدائن أبرأه منه أو غير ذلك، فله أن يحلفه على نفي ما ادعاه.

(قوله: خصمه) أي خصم الدائن، وهو المدين.

(قوله: مسقطا له) أي للحق.

(قوله: كأداء الخ) تمثيل للمسقط.

(وقوله: له) أي للحق، وكذا ضمير منه بعد.

وفي المغني ما نصه: يستثني من إطلاق المصنف الاداء ما لو قال الاجير على الحج قد حججت، فإنه يقبل قوله ولا يلزمه بينة ولا يمين.

قاله الدبيلي.

اه.

(قوله: أو شرائه) بالجر عطف على أدائه: أي وكشرائه: أي الحق منه: أي من المدعي، وذلك بأن يدعي عليه بعبد مثلا

في ذمته ويقيم البينة على ذلك، فيقول الخصم قد اشتريته منك.

(قوله: فيحلف) يصح قراءته بالبناء للمجهول، فيكون بضم الياء وفتح الحاء وتشديد اللام المفتوحة، وضميره يعود على الدائن المدعى عليه بالاداء ونحوه.

ويصح قراءته بالبناء للمعلوم، فيكون بفتح الياء وسكون الحاء وكسر اللام.

والمناسب الأول.

(وقوله: على نفي ما ادعاه الخصم) أي

(1) سورة المنافقون، الاية:1.

(2)

سورة البقرة، الاية:282.

ص: 292

شاهده أو كذبه ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا لانه يؤدي إلى فساد عام.

ولو نكل عن هذه اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة (وإذا) طلب الامهال من قامت عليه البينة (أمهله) القاضي وجوبا لكن بكفيل وإلا فبالترسيم عليه إن خيف هربه (ثلاثة) من الايام (ليأتي بدافع) من نحو أداء أو إبراء ومكن من سفره ليحضره إن لم تزد المدة على الثلاث لانها لا يعظم الضرر فيها (ولو ادعى رق بالغ) عاقل مجهول النسب

ــ

بأن يقول والله ما تأديت منه الحق ولا أبرأته ولا بعته عليه.

(قوله: لاحتمال ما يدعيه) تعليل لكونه يحلف، ومحل تحليفه على نفي ذلك إن ادعى الخصم ذلك قبل قيام البينة والحكم أو بينهما ومضي زمن إمكانه، وإلا فلا يلتفت لدعواه كذا في شرح المنهج.

(قوله: وكذا لو ادعى الخ) أي وكذلك يحلف على نفي ما ادعاه لو ادعى الخ وهو مستثنى مما مر أيضا.

(وقوله: علمه) مفعول ادعى، وضميره يعود على من ادعى عليه بحق دائنا أو غيره.

(وقوله: بفسق شاهده) أي الذي أقامه شاهدا على حقه، وهو مفرد مضاف فيعم فيشمل الشاهدين.

(وقوله: أو كذبه) أي أو علمه بكذبه، فهو بالجر معطوف على بفسق.

وعبارة الروض وشرحه: وإن ادعى علمه بفسق الشهود أو كذبهم، فله تحليفه أنه لا يعلم ذلك لانه لو أقر به لنفعه، وكذا إن ادعى عليه بكل ما لو أقر به لنفعه، كأن ادعى إقراره له بكذا: أي بالمدعي به الخ.

اه.

(قوله: ولا يتوجه حلف على شاهد أو قاض الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يجوز تحليف القاضي ولا الشهود، وإن كان ينفع الخصم تكذيبهما أنفسهما لما مر أن منصبهما يأبى التحليف.

اه.

(قوله: ادعى) أي الخصم.

(وقوله: كذبه) أي الشاهد في شهادته، أو القاضي في حكمه.

وعبارة متن المنهاج: ولا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه، ولا شاهد أنه لم يكذب.

اه.

(قوله: لأنه) أي توجه الحلف عليهما، وهو علة لقوله ولا يتوجه.

(وقوله: يؤدي إلى فساد عام) أي وهو ضياع حقوق الناس، وذلك لان التحليف كالطعن في الشهادة أو في الحكم، وليس هناك أحد يرضى الطعن في شهادته أو في حكمه، فإذا علم الشاهد أو القاضي أنه يحلف، امتنع الاول من الشهادة والثاني من الحكم، فيؤدي ذلك إلى ضياع حقوق الناس، وهذا فساد عام.

هذا ما ظهر في معنى الفساد العام.

(قوله: ولو نكل) أي مقسم البينة من الحلف، وهو مرتبط بالصور الثلاث: أعني قوله: نعم له تحليف إلخ.

وقوله: لو ادعى خصمه الخ.

وقوله: وكذا لو ادعى الخ.

ومقيم البينة في الصورة الأولى المدين المعسر، وفي الصورتين الباقيتين المدعي بحق دائنا كان أو غيره.

(قوله: حلف المدعى عليه) أي اليمين المردودة، والمدعى عليه في الصورة الأولى الدائن، وذلك لان المدين يدعي بأنه معسر

فطلب الدائن منه اليمين ونكل منها، فيحلف الدائن حينئذ اليمين المردودة، ولا تسمع بينة الاعسار.

وفي الصورتين الباقيتين من عليه الحق.

(وقوله: بطلت الشهادة) أي بالاعسار في الصورة الأولى، وبثبوت الحق في ذمة المدين في الصورتين الباقيتين.

(قوله: وإذا طلب الامهال) أي من القاضي.

(قوله: من قامت عليه البينة) من اسم موصول فاعل طلب، والجملة بعده صلة الموصول.

(قوله: أمهله القاضي) أي أمهل من طلب منه الامهال.

(قوله: لكن بكفيل) أي لكن يمهله بشرط أن يأتي بكفيل عليه يحضره إذا هرب.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يأت بكفيل.

(وقوله: فبالترسيم عليه) أي فيمهله مع الترسيم عليه: أي المحافظة عليه من طرف القاضي.

(قوله: إن خيف هربه) راجع لاصل الاستدراك كما في الرشيدي.

(قوله: ثلاثة) مفعول في لامهل، أو نائب عن المفعول المطلق: أي إمهالا ثلاثة أيام.

(قوله: ليأتي) أي من طلب الامهال، وهو علة طلبه إياه.

أي طلب الامهال لاجل أن يأتي الخ.

(وقوله: بدافع) أي بينة دافع، فهو على حذف مضاف، إذ المأتي به البينة لا الدافع الذي بينه بقوله من نحو أداء أو إبراء، ويجب استفساره الدافع إن لم يفسره وكان جاهلا لانه قد يتوهم ما ليس بدافع دافعا، بخلاف ما إذا كان عارفا.

(قوله: ومكن من سفره) أي إن احتاج في إثباته إليه.

(وقوله: ليحضره) أي الدافع: أي بينته كما علمت.

(قوله: إن لم تزل المدة) أي مدة السفر، وهو قيد لتمكينه من السفر.

(وقوله: على الثلاثة) أي التي هي مدة الامهال، فإن كانت تزيد عليها لا يمكن منه.

وفي البجيرمي: فرع: لو قال لي بينة في المكان الفلاني والامر يزيد على الثلاثة فمفهوم كلامهم عدم الامهال، فلو قضى عليه ثم أحضرها بعد الثلاثة أو قبلها سمعت.

عميرة شوبري.

اه.

ص: 293

(فقال أنا حر أصالة) ولم يكن قد أقر له بالملك قبل وهو رشيد (حلف) فيصدق بيمينه وإن استخدمه قبل إنكاره وجرى عليه البيع مرارا أو تداولته الايدي لموافقته الاصل وهو الحرية ومن ثم قدمت بينة الرق على بينة الحرية لان الاولى معها زيادة علم بنقلها عن الاصل وخرج بقولي أصالة ما لو قال أعتقتني، أو أعتقني من باعني لك فلا يصدق إلا ببينة وإذا ثبتت حريته الاصلية بقوله رجع مشتريه على بائعه بثمنه وإن أقر له بالملك لانه بناه على ظاهر

ــ

(قوله: لأنها) أي الثلاث لا يعظم الضرر فيها، وهو تعليل لكونه يمهل ثلاثة من الايام.

قال في التحفة: ولو أحضر بعد الثلاث شهود الدافع، أو شاهدا واحدا، أمهل ثلاثا أخرى للتعديل أو التكميل، كما صرح به الماوردي، لكن ضعفه البلقيني.

ولو عين جهة ولم يأت ببينتها ثم ادعى أخرى عند انقضاء مدة المهلة واستمهل لها لم يمهل، أو أثنائها أمهل بقيتها.

اه.

(وقوله: ولو عين جهة) أي للدفع، كأداء أو إبراء.

(قوله: ولو ادعى) أي شخص.

(وقوله: رق) مفعول ادعى.

(قوله: مجهول النسب) خرج به ما إذا علم نسبه، فلا تسمع دعوى الرق عليه أصلا.

(قوله: فقال) أي البالغ العاقل المدعى عليه في الرق.

(قوله: أنا حر أصالة) أي لا يضرب علي الرق أصلا.

وفي سم وقع السؤال عما لو كانت أمه رقيقة وقال أنا حر الاصل، فهل يقبل قوله بيمينه أيضا، لاحتمال حرية الاصل مع ذلك بنحو وطئ شبهة يقتضي

الحرية.

أو لا بد من بينة لان الولد يتبع أمه في الرق، فالاصل في ولد الرقيقة هو الرق، وفيه نظر.

ولعل الأوجه الثاني، وبه أفتى م ر متكررا، ويؤيده تعليلهم بموافقة الأصل وهو الحرية، إذ لا يقال في ولد الرقيقة أن الاصل فيه الحرية.

اه.

(قوله: ولم يكن) أي المدعى عليه بالرق.

(وقوله: قد أقر له) أي لمدعي الرق، أي أو لغيره.

وعبارة شرح الروض ولم يسبق منه إقرار برق اه.

وهي أولى.

(وقوله: قبل) أي قبل قوله أنا حر أصالة.

وخرج به ما لو أقر بالرق ثم ادعى حرية الاصل فلا تسمع دعواه بها، كما صرح به في التحفة قبيل باب الجعالة.

وفي شرح الروض وخرج ما لو قال أنا عبد فلان، فالمصدق السيد لاعتراف العبد بالرق، وأنه مال ثبتت عليه اليد، واليد عليه للسيد فلا تنتقل بدعواه.

اه.

(وقوله: وهو رشيد) الجملة الحالية، أي لم يكن قد أقر به في حال كونه رشيدا، وفي التقييد به خلاف.

ولذلك قال في التحفة: وهو رشيد على ما مر قبيل الجعالة، ونص عبارته هناك، وإن أقر به أي الرق، وهو المكلف.

وعن ابن عبد السلام ما يقتضي اعتبار رشده أيضا، وظاهر كلامهم خلافه.

اه.

وكتب سم قوله اعتبار رشده قد يؤيده أنه إقرار بمال وشرطه الرشد، اللهم إلا أن يمنع أن الاقرار بالرق ليس من الاقرار بالمال، وإن ترتب عليه المال.

اه.

(قوله: حلف) أي مدعي الحرية.

(قوله: فيصدق بيمينه) أي إن لم يأت مدعي الرق ببينة، وإلا قدمت.

(قوله: وإن استخدمه) أي إستخدم مدعي الرق مدعي الحرية، وهو غاية لتصديق الثاني بيمينه.

(قوله: قبل إنكاره) أي إنكار مدعي الحرية الرق، وهو لا مفهوم له كما هو ظاهر.

(قوله: أو تداولته الأيدي) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي وإن تداولته الايدي: أي استعملته الايدي بأن صار ينتقل من يد إلى يد أخرى على سبيل الاستخدام، أو الاجارة، أو البيع.

(قوله: لموافقته الاصل) تعليل لقوله فيصدق بيمينه، وعبارة شرح الروض: صدق بيمينه وإن تداولته الايدي وسبق من مدعي رقه قرينة تدل على الرق ظاهرا، كاستخدام وإجارة قبل بلوغه لان اليد والتصرف إنما يدلان على الملك فيما هو مال في نفسه، وهذا بخلافه لان الاصل الحرية.

اه.

(قوله: وهو) أي الاصل الحرية.

(قوله: ومن ثم) أي من أجل أن الاصل الحرية.

(وقوله: قدمت بينة الرق) أي البينة المثبتة للرق.

(وقوله: على بينة الحرية) أي البينة المثبتة للحرية.

(قوله: لان الاولى الخ) علة للمعلل مع علته: أي وإنما قدمت بينة الرق لكون الاصل الحرية، لان مع بينة الرق زيادة علم: أي علم بينة الحرية، وبيان ذلك ان بينة الحرية إنما علمت بالاصل فقط وهو الحرية، وبينة الرق علمت به وبطرو الرق عليها فعلمها يزيد على علم الاولى بذلك.

(وقوله: بنقلها عن الأصل) الضمير يعود على البينة، والباء سببية متعلقة بزيادة: أي وإنما كان معها زيادة علم بسبب إنتقالها عن الأصل الذي هو الحرية، وشهادتها بخلافه وهو الرق الذي يطرأ غالبا على الحرية.

(قوله: وخرج

بقولي أصالة) أي من قوله أنا حر أصالة.

(قوله: ما لو قال) أي مدعي الحرية الرق.

(وقوله: أعتقتني إلخ) مقول القول.

(قوله: فلا يصدق إلا ببينة) أي لا يصدق مدعي العتق إلا ببينة يقيمها عليه، لأن الأصل عدمه.

(قوله: وإذا ثبتت حريته

ص: 294

اليد (أو) ادعى رق (صبي) أو مجنون كبير (ليس في يده) وكذبه صاحب اليد (لم يصدق إلا بحجة) من بينة أو علم قاض أو يمين مردودة لان الاصل عدم الملك.

فلو كان الصبي بيده أو بيد غيره وصدقه صاحب اليد حلف لخطر شأن لحرية ما لم يعرف لقطه ولا أثر لانكاره إذا بلغ لان اليد حجة فإن عرف لقطه لم يصدق إلا ببينة.

فرع: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل إذ لم يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال ويسمع قول البائع المبيع وقف وكذا ببينة.

إن لم يصرح حال البيع بملكه وإلا سمعت دعواه لتحليف المشتري أنه باعه وهو ملكه.

ــ

الاصلية) مثله ما لو ثبتت حريته العارضة بالعتق بالبينة، فيرجع المشتري على بائعه.

(قوله: بقوله) أي بقوله أنا حر أصالة: أي مع اليمين كما هو ظاهر.

(قوله: رجع إلخ) جواب إذا.

(قوله: وإن أقر) أي المشتري له.

أي للبائع بالملك وهو غاية للرجوع بالثمن.

(قوله: لأنه) أي المشتري المقر وهو علة لمقدر: أي فلا يضر إقراره لأنه الخ.

(وقوله: بناه) أي الملك.

(وقوله: على ظاهر اليد) أي على ظاهر كونه تحت يده وتصرفه، فإن الذي يظهر من ذلك أنه ملكه.

(قوله: أو ادعى) معطوف على مدخول لو، فهي مسلطة عليه أيضا، أي ولو ادعى شخص رق صبي أو مجنون.

(وقوله: كبير) صفة لمجنون.

(قوله: ليس) أي من ذكر من الصبي والمجنون.

(وقوله: في يده) أي في قبضته وتصرفه.

والضمير يعود على مدعي الرق.

(قوله: وكذبه) أي كذب المدعي صاحب اليد: أي بأن قال له أنه ليس برقيق، وهذا إذا كان في يد غيره، وإلا فقد يكون ليس في يد أحد والحكم واحد.

(قوله: لم يصدق) أي مدعي الرق.

(قوله: من بينة) هو مع ما بعده بيان للحجة.

(وقوله: أو يمين مردودة) أي من صاحب اليد.

(قوله: لأن الأصل عدم الملك) أي ولا يترك هذا الاصل إلا بحجة.

(قوله: فلو كان الصبي بيده) أي مدعي الرق.

(وقوله: وصدقه صاحب اليد) إظهار في مقام الاضمار، وهو محترز قوله وكذبه صاحب اليد.

(قوله: حلف) أي مدعي الرق، أي يحكم له به باليمين.

(قوله: لخطر شأن الحرية) تعليل للحلف.

(قوله: ما لم يعرف لقطه) أي يحلف ويصدق به ما لم يعلم لقط صاحب اليد له، فالمضير يعود على صاحب اليد مطلقا، سواء كان هو مدعي الرق أم لا، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله، ويصح أن يعود على المدعى عليه بالرق، والإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.

(قوله: ولا أثر لانكاره) أي المدعى عليه بالرق إذا بلغ.

نعم: إن أتى ببينة صدق بها.

(قوله: فإن عرف لقطه) محترز قوله ما لم يعرف لقطه.

(قوله: لم يصدق) أي من ادعى الرق سواء كان هو الملتقط أو من كان تحت يده كما مر.

(وقوله: إلا ببينة) أي لان اللقيط محكوم عليه بالحرية ظاهرا فلا يزال عنها إلا بمستند قوي وهو البينة.

(قوله: لا تسمع الدعوى بدين مؤجل) قال في النهاية: إلا إن كان بعضه حالا وادعى بجميعه ليطالبه بما حل سمعت.

اه.

(قوله: إذ لم يتعلق بها) أي بدعوى الدين المؤجل.

(وقوله: إلزام ومطالبة في الحال) أي ومن شرط الدعوى كما تقدم أن تكون ملزمة المدعى عليه بالمدعى به في الحال.

(قوله ويسمع

قول البائع المبيع وقف إلخ) أي إذا باع عينا ثم ادعى الوقفية وأن البيع باطل، سمعت دعواه.

والمراد بسماعها بالنسبة لتحليف الخصم أنه باعه وهي ملكه.

وفائدة ذلك أنه ربما ينكل فيحلف البائع بأنها ليست ملكا وإنما هي وقف، ويبطل البيع وهذا إن لم يكن عنده بينة، وإلا عمل بها، ولا تحليف كما هو ظاهر.

(قوله: وكذا ببينة) لعل الباء زائدة من النساخ: أي وكذا تسمع بينة أيضا إن وجدت.

(وقوله: إن لم يصرح حال الخ) قيد لقوله وكذا ببينة: أي وكذا تسمع إن لم يصرح البائع حال البائع بأنها ملكه بأن اقتصر على البيع ولم يذكر شيئا.

(قوله: وإلا سمعت الخ) أي وإلا لم يصرح، بأن صرح حال البيع بأنها ملكه ثم ادعى الوقفية سمعت دعواه فقط، أي ولم تسمع بينته، ولو قال وإلا لم تسمع بينته وسمعت دعواه الخ لكان أنسب.

(وقوله: لتحليف الخ) هذا ثمرة سماع دعواه: أي سمعت دعواه لاجل تحليف الخصم أنه باعه والمبيع ملك له لا وقف، فإن حلف استمر البيع على صحته، وإلا بأن نكل حلف البائع وبطل البيع وثبتت الوقفية، وما ذكرته من الحل المذكور هو مقتضى صنيعه كالتحفة، ويؤيده عبارة الانوار ونصها: ولو ادعى البائع أنه وقف قال القفال: لا تسمع بينته والتقييد بها يشعر بسماع دعواه وتحليف خصمه، وقال العراقيون تسمع إذا لم يصرح بأنه ملكه

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بل اقتصر على البيع.

اه.

وقوله تسمع: أي البينة.

وجرى في الروض وشرحه على أنه إذا لم يصرح بأنها ملكه سمعت دعواه وبينته، وإذا صرح بذلك لم تسمع دعواه، ولا بينته وعبارتهما: ولو ادعى البائع وقفها ولم يكن قال حين البيع هي ملكي سمعت دعواه للتحليف وبينته وإلا: أي وإن قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته، وتقييد سماع دعواه بكونه لم يقبل ذلك من زيادته أخذا من المسألة الآتية، وظاهر أن محل عدم سماعها فيهما إذا لم يذكر تأويلا.

ولو قال البائع للمشتري منه بعتك وأنا لا أملكها والآن قد ملكتها، ولم يكن قال حين البيع هي ملكي، سمعت دعواه وبينته.

فإن لم يكن له بينة حلف المشتري أنه باعه إياها وهي ملكه، وإن كان قال ذلك لم تسمع دعواه ولا بينته.

اه.

وقوله إذا لم يذكر تأويلا: أي لقوله أولا هي ملكي، ثم قوله ثانيا هي وقف، فإن ذكر تأويلا سمعت دعواه وبينته، والتأويل مثل أن يبيعه ظانا أنها ملكه لكونه ورثها لم يعلم أن مورثه أوقفها، ثم يتبين له بعد البيع أنه قد وقفها فتسمع دعواه الوقفية وبينتها، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 296

فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به (إذا أقر المدعى عليه ثبت الحق) بلا حكم (وإن سكت عن الجواب أمره القاضي به) وإن لم يسأل المدعي (فإن سكت فكمنكر) فتعرض عليه اليمين، (فإن سكت) أيضا ولم يظهر سببه (فنأكل) فيحلف المدعي وإن أنكر اشترط إنكار ما ادعى عليه وأجزائه إن تجزأ (فإن ادعى) عليه (عشرة) مثلا (لم يكف) في الجواب (لا تلزمني) العشرة (حتى يقول ولا بعضها وكذا يحلف) إن توجهت اليمين عليه لان مدعيها مدع لكل جزء منها فلا

ــ

فصل في جواب الدعوى وما يتعلق به

لما أنهى الكلام على بيان كيفية الدعوى شرع في بيان كيفية الجواب وما يكفي منه وما لا يكفي.

والجواب شيئان: إما إقرار أو إنكار.

(وقوله: وما يتعلق به) أي بالجواب، وهو اليمين أو النكول.

(قوله: إذا أقر المدعى عليه) أي بالحق للمدعي، أي وكان ممن يصح إقراره.

(قوله: ثبت الحق) أي عليه للمدعي.

(وقوله: بلا حكم) أي من غير افتقار لحكم بخلاف ما إذا ثبت بالبينة فيفتقر إليه، لأن قبولها يفتقر إلى نظر واجتهاد.

(قوله: وإن سكت) أي المدعى عليه.

(وقوله: عن الجواب) أي للدعوى الصحيحة، وهو عارف أو جاهل، أو حصلت له دهشة، وأعلم أو نبه فلم يمتثل.

وإعلامه أو تنبيهه عند ظهور كون سكوته لذلك واجب.

(قوله: وأمره القاضي به) أي بالجواب بأن يقول له أجبه.

(قوله: وإن لم يسأل المدعى) غاية في أمر القاشي له به: أي يأمره بذلك وإن لم يطلب المدعي من القاضي ذلك.

(قوله: فإن سكت) أي فإن استمر على السكوت عن الجواب بعد أمر القاضي فكمنكر: أي فحكمه كحكم المنكر للمدعى به.

(وقوله: فتعرض عليه اليمين) بيان لذلك الحكم.

قال في الروض وشرحه: ويستحب عرضها - أي اليمين - على الناكل ثلاثا وعرضها على ساكت عنها آكد من عرضها على الناكل.

اه.

(قوله: فإن سكت) المراد به هنا السكوت عن الحلف بعد أن عرض عليه، وليس المراد السكوت عن الجواب، وإلا كان مكررا مع قوله أولا فإن سكت فكمنكر.

(وقوله: أيضا) أي كما أنه سكت أولا عن الجواب.

(قوله: ولم يظهر سببه) أي سبب السكوت من جهل أو دهشة، والفعل يقرأ بالبناء للمعلوم وما بعد فاعله.

(قوله: فنأكل) أي فكنأكل: أي ممتنع عن الحلف.

قال في الروض وشرحه: والسكوت عن الحلف بعد الاستحلاف لا لدهش ونحوه كغباوة نكول، كما أن السكوت عن الجواب في الابتداء إنكار هذا مع الحكم به: أي بالنكول ليرتب عليه رد اليمين بخلاف ما لو صرح بالنكول، فإنه يردها وإن لم يحكم به، وبخلاف السكوت لدهش أو نحوه ليس نكولا، وليس للقاضي أن يحكم بأنه نكول.

اه.

(قوله: فيحلف المدعي) أي اليمين المردودة ويثبت بها الحق، وهو تفريع على قوله فنأكل.

(قوله: وإن أنكر الخ) مقابل قوله وإن سكت، وهو دخول أيضا على قوله فإن ادعى الخ.

(قوله: اشترط) أي لصحة إنكاره.

(وقوله: إنكار ما ادعي عليه) أي به فالعائد على ما محذوف.

(وقوله: وأجزائه معطوف على ما) أي وإنكار أجزاء ما ادعى عليه به.

(وقوله: إن تجزأ) أي إن كان له أجزاء كالعشرة الآتية.

(قوله: فإن ادعى الخ) تفريع على قوله وإن أنكر إشترط الخ.

(قوله: لم يكف في الجواب) أي على سبيل الانكار.

(وقوله: لا تلزمني العشرة) فاعل يكفي قصد لفظه: أي لم يكف هذا اللفظ.

(وقوله: حتى يقول ولا بعضها) أي فإذا قال ذلك مع قوله أولا لا تلزمني العشرة كفى في الجواب.

(قوله:

وكذا يحلف) أي ومثل الجواب المذكور يكون الحلف، فلا يكفي أن يحلف على العشرة حتى يقول ولا بعضها.

(قوله:

ص: 297

بد أن يطابق الانكار واليمين دعواه، فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فنأكل عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة ويأخذه لان النكول عن اليمين كالاقرار (أو) ادعى (مالا) مضافا لسبب كأقرضتك كذا (كفاه) في الجواب (لا تستحق) أنت (علي شيئا) أو لا يلزمني تسليم شئ إليك، ولو اعترف به وادعى مسقطا طولب بالبينة.

ولو ادعى عليه وديعة فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم بل لا تستحق علي شيئا ويحلف كما أجاب ليطابق الحلف الجواب.

ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطى المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار وله تحليفه.

ــ

إن توجهت اليمين عليه) أي بأن لم توجد بينة من المدعي.

(قوله: لان مدعيها إلخ) علة لعدم الاكتفاء في الجواب وفي الحلف بقوله لا تلزمني العشرة حتى الخ.

(وقوله: لكل جزء منها) أي من العشرة.

(قوله: فلا بد أن يطابق الخ) أي وإنما يطابقانها إن نفى المدعى عليه كل جزء منها.

(وقوله: دعواه) أي دعوى المدعي.

(قوله: فإن حلف) أي المدعى عليه على نفي العشرة بأن قال والله ليس له عندي عشرة دراهم.

(قوله: واقتصر عليه) أي على نفي العشرة ولم يزد عليها لفظ ولا بعضها.

(وقوله: فنأكل) أي فهو ناكل.

(وقوله: عما دونها) أي عن الحلف عما دون العشرة، وفي هذه العبارة بعض إجمال، لأنه لا يكون ناكلا بمجرد حلفه على نفي العشرة، بل لا بد بعد هذا الحلف أن يقول له القاضي هذا غير كاف قل ولا بعضها، فإن لم يحلف كذلك فنأكل عما دونها.

(قوله: فيحلف المدعي إلخ) أي من غير تجديد دعوى، وهو تفريع على النكول عما دونها: أي وإذا كان ناكلا عما دونها فيحلف المدعي على استحقاق ما دون العشرة، ويأخد ما حلف عليه، وهو الجزء الذي دون العشرة وإن قل.

(قوله: لان النكول عن اليمين) عبارة التحفة.

لما يأتي أن النكول مع اليمين كالاقرار.

اه.

فلعل عن في كلامه بمعنى مع، وإلا فمجرد النكول ليس كالاقرار.

(قوله: أو ادعى مالا) عطف على قوله ادعى عليه عشرة.

(قوله: مضافا لسبب) أي متعلقا بسبب كالقرض والايداع.

(قوله: كفاه في الجواب لا تستحق الخ) أي كفاه في الجواه أن يقول ما ذكر.

ولا يشترط فيه التعرض لسبب كأن يقول لم تقرضني شيئا.

(وقوله: أو لا يلزمني الخ) معطوف على قوله لا تستحق الخ: أي وكفاه في الجواب لا يلزمني الخ.

(قوله: ولو اعترف الخ) أتى به في شرح المنهج في ضمن تعليل ذكره للاكتفاء في الجواب بلا يستحق علي شيئا الخ.

ونص عبارته: لان المدعي قد يكون صادقا ويعرض ما يسقط المدعي به.

ولو اعترف به وادعى مسقطا، طولب بالبينة وقد يعجز عنها، فدعت الحاجة إلى قبول الجواب المطلق.

اه.

ومثله في التحفة والنهاية والمغني، وعبارة الاخير بعد قول المنهاج كفاه في الجواب إلخ.

ولا يشترط التعرض لنفي تلك الجهة، لان المدعي قد يكون صادقا في الاقراض وغيره، وعرض ما أسقط الحق من أداء أو إبراء، فلو نفى السبب كذب.

أو اعترف وادعى المسقط طولب ببينة قد يعجز عنها، فقبل الاطلاق للضرورة.

اه.

وإذا علمت ذلك فلعل في عبارته سقطا من النساخ وهو قوله لان المدعي إلى قوله ولو اعترف.

(وقوله: به) أي بالمدعي به وادعى مسقطا: أي من أداء أو إبراء.

(وقوله: طولب بالبينة) أي على ذلك المسقط: أي وهو قد يعجز عنها.

(قوله: ولو

ادعى عليه وديعة الخ) هذا كالاستثناء من الاكتفاء في جواب دعوى ما أضيف للسبب بقوله لا يلزمني تسليم شئ إليك.

(وقوله: فلا يكفي في الجواب لا يلزمني التسليم إلخ) أي لأنه لا يلزمه في الوديعة تسليم، وإنما يلزمه التخلية.

(قوله: بل لا تستحق على شيئا) أي بل الذي يكفي في الجواب أن يقول له لا تستحق علي شيئا، ومثله في الإكتفاء به أن يقول هلكت الوديعة، أو رددتها، أو ينكرها من أصلها، وعبارة المغني.

فالجواب الصحيح أن ينكر الايداع، أو يقول لا تستحق علي شيئا، أو هلكت الوديعة، أو رددتها.

اه.

(قوله: ويحلف الخ) مرتبط بجميع ما قبله.

(وقوله: كما أجاب) أي فإن أجاب بالاطلاق كقوله لا تستحق علي شيئا، حلف عليه كذلك.

(وقوله: ليطابق الخ) علة لكون الحلف يكون على وفق الجواب، وعبارة المنهاج مع المغني: ويحلف المدعى عليه على حسب جوابه هذا، أو على نفي السبب، ولا يكلف التعرض لنفيه، فإن تبرع وأجاب بنفس السبب المذكور كقوله في صورة القرض السابقة ما أقرضني كذا حلف عليه، أي على نفي السبب كذلك ليطابق اليمين الانكار.

ص: 298

فرع: لو ادعى عليه عينا فقال ليست لي أو هي لرجل لا أعرفه أو لابني الطفل أو وقف على الفقراء أو مسجد كذا وهو ناظر فيه فالاصح أنه لا تنصرف الخصومة عنه ولا تنزع العين منه بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه

التسليم للعين رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الاولين والبدل للحيلولة في البقية أو يقيم

ــ

تنبيه: قضية كلامه أنه إذا أجاب بالاطلاق ليس له الحلف على نفي السبب، وليس مرادا بل لو حلف على نفيه بعد الجواب المطلق جاز اه.

بحذف.

(قوله: ولو ادعى) أي شخص.

(وقوله: عليه) أي على شخص آخر.

(قوله: فأنكر) أي المدعى عليه المال المدعى به.

(قوله: وطلب منه اليمين) أي وطلب المدعي من المدعى عليه اليمين عل نفي المدعى به.

(قوله: فقال) أي المدعى عليه.

(قوله: وأعطى المال) أي وأعطيك المال الذي ادعيت به من غير حلف.

(قوله: لم يلزمه قبوله) أي لم يلزم المدعي أن يقبل المال.

قال ع ش: ومفهومه جواز القبول.

ويدل عليه قوله وله تحليفه إلخ.

قال في التحفة وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين، فيلزمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعي.

اه.

(قوله: وله تحليفه) أي وللمدعي تحليف المدعى عليه على نفي ما ادعى به عليه، لأنه لا يأمن من أن يدعي عليه بما دفعه بعد.

تنبيه: يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله يثبت ما يدعيه، فتطالب القضاة المدعي بالاثبات لفهمهم أن ذلك جواب صحيح، وفيه نظر ظاهر.

إذ طلب الاثبات لا يستلزم إعترافا ولا إنكارا فتعين أن لا يكتفي منه بذلك، بل يلزم بالتصريح بالاقرار أو الانكار، ويقع أيضا كثيرا أن المدعى عليه بعد الدعوى عليه، يقول ما بقيت أتحاكم عندك، أو ما

بقيت أدعي عندك، والوجه أنه يجعل بذلك منكرا ناكلا فيحلف المدعي ويستحق - كذا في التحفة وسم -.

(قوله: لو ادعى عليه عينا) أي كائنة تحت يد المدعى عليه، ولا فرق في العين بين أن تكون عقارا أو عبدا أو غيرهما.

(قوله: فقال) أي المدعى عليه ليست: أي تلك العين لي: أي واقتصر على ذلك.

(قوله: أو هي لرجل إلخ) عبارة المنهج وشرحه: أو أضافها لمن يتعذر مخاصمته كهي لمن لا أعرفه الخ.

(قوله: أو لابني الطفل) أي أو هي لابني الطفل، أي أو المجنون أو السفيه سواء زاد على ذلك أنها ملكه، أو وقف عليه أم لا، كما هو ظاهر.

اه.

تحفة.

(قوله: أو وقف إلخ) أي أو قال هي وقف على الفقراء، أو مسجد كذا.

(وقوله: وهو) أي المدعى عليه ناظر فيه، أي ناظر على الوقف على المسجد أو الفقراء.

قال ح ل: فإن كان الناظر غيره انصرفت الخصومة عنه إلى الناظر.

اه.

(قوله: فالاصح إلخ) جواب لو.

(وقوله: أنه) أي الحال والشأن.

(وقوله: لا تنصرف الخصومة عنه) أي عن المدعى عليه، وذلك لأن ما صدر منه بالنسبة للاولين ليس بمؤثر، ولانه لم يقر في البقية لذي يد يمكن نصب الخصومة معه.

(وقوله: ولا تنزع العين منه) أي لأن الظاهر أن ما في يده ملكه، أو مستحقه، وما صدر عنه ليس بمزيل.

(قوله: بل يحلفه المدعي) أي يطلب منه الحلف.

(وقوله: أنه لا الخ) أي على أنه لا يلزمه أن يسلم للمدعي العين المدعى بها.

(قوله: رجاء إلخ) علة لقوله يحلفه: أي وإنما يحلفه رجاء أن يقر: أي بالعين المدعى بها.

(وقوله: أو ينكل) معطوف على يقر: أي ورجاء أن ينكل، أي عن اليمين، وهو بضم الكاف من باب دخل.

(قوله: فيحلف) أي المدعي يمين الرد، وهو راجع لقوله ينكل.

(وقوله: وتثبت الخ) راجع لكل من الاقرار والنكول مع الحلف.

(وقوله: له) أي للمدعي (قوله: في الاولين) هما قوله ليست لي، وقوله هي لرجل لا أعرفه.

(قوله: والبدل للحيلولة) أي ويثبت له البدل للحيلولة في البقية: أي قوله هي لابني الطفل، أو وقف على الفقراء، أو مسجد كذا، وذلك البدل هو القيمة وإن كانت العين مثلية، كما في ع ش.

وفي البجيرمي ما نصه.

(قوله: والبدل للحيلولة) فيه بحث، لأن اليمين المردودة مفيدة لانتزاع العين في المسائل كلها، لان الفرض أن الخصومة لا تنصرف عنه.

نعم، إن قلنا بانصراف الخصومة في مسألة المحجور والوقف كما ذهب إليه الغزالي، وكذا في الاولين على وجه كان له التحليف لتغريم البدل.

فما قاله شرح المنهج هنا وهم منشؤة انتقال النظر من

ص: 299

المدعي بينة أنها له.

ولو أصر المدعى عليه على سكوت عن جواب للدعوى فنأكل إن حكم القاضي بنكوله (وإذا ادعيا) أي إثنان أي كل منهما (شيئا في يد ثالث) لم يسنده إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها (وأقاما) أي كل منهما (بينة) به (سقطتا) لتعارضهما ولا مرجح فكان كما لا بينة فإن أقر ذو اليد لاحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته (أو) ادعيا شيئا (بيدهما) وأقاما بينتين (فهو لهما) إذ ليس أحدهما أولى به من الآخر أما إذا لم يكن

ــ

حالة إلى حالة عميرة.

سم.

وعبارة شرح الروض فيحلف المدعي وتثبت له.

اه.

ولم يزد وهو صريح في ثبوت العين في جميع الصور.

اه.

(قوله: أو يقيم المدعي) معطوف على قوله بل يحلفه، فالمدعي مخير بين تحليفه المدعى عليه

وبين إقامته البينة، وإذا أقامها يقضي له بالعين.

(قوله: ولو أصر المدعى عليه إلخ) هذا قد علم من قوله سابقا، فإن سكت أيضا فنأكل فلا حاجة إلى إعادته هنا، ويمكن أن يقال إنه أعاده لاجل تقييد النكول بكونه بعد حكم القاضي به.

(قوله: إن حكم القاضي بنكوله) زاد في شرح المنهج بعده: أو قال للمدعي إحلف بعد عرض اليمين عليه، أن المدعى عليه.

اه.

وكتب البجيرمي قوله إن حكم إلخ: أي فلا يصير ناكلا بمجرد السكوت، بل لا بد من الحكم بالنكول، أو يقول للمدعي إحلف.

اه.

وقد تقدم عن شرح الروض مثله وزيادة.

(قوله: وإذا ادعيا أي إثنان إلخ) شروع في بيان تعارض البينتين، وكان المناسب للمؤلف أن يفرده كغيره بفصل مستقل.

(قوله: أي كل منهما) أشار به إلى أنه ليس المراد أنهما ادعياها جميعا على أنها شركة بينهما، بل المراد أن كلا ادعى ذلك الشئ لنفسه على حدته.

(وقوله: شيئا) مفعول ادعيا، والمراد بالشئ هنا العين كما عبر بها في المنهاج.

(قوله: في يد ثالث) الجار والمجرور صفة لشيئا: أي شيئا كائنا في يد ثالث.

(قوله: لم يسنده إلخ) الجملة صفة لثالث: أي ثالث موصوف بكونه لم يسند ذلك الشئ.

أي لم يضفه: أو يقر به لواحد من المدعيين.

(قوله: قبل البينة) أي قبل إتيان ذلك الاحد ببينته.

(وقوله: ولا بعدها) أي ولم يسنده بعد الاتيان بالبينة إلى أحدهما.

(قوله: وأقاما الخ) أي أقام كل واحد من المدعيين بينة تثبت دعواه، سواء كانتا مطلقتي التاريخ أو متفقتيه، أو إحداهما مطلقة والاخرى مؤرخة.

كما في شرح الروض.

(وقوله: به) الباء بمعنى على متعلقة بأقاما.

والضمير يعود على الشئ المدعى به.

(قوله: سقطتا) أي البينتان، ويحلف الثالث المدعى عليه حينئذ لكل منهما يمينا لخبر: البينة على المدعي، واليمين على من أنكر.

ويكون المدعى به له، وأما خبر الحاكم: أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعير فأقام كل واحد منهما بينة أنه له، فجعله النبي صلى الله عليه وسلم بينهما.

فأجيب عنه بأنه يحتمل أن البعير كان بيدهما، فأبطل البينتين وقسمه بينهما.

(قوله: لتعارضهما) أي البينتين.

(وقوله: ولا مرجح) أي والحال أنه لا مرجح موجود لاحد البينتين على الاخرى.

قال في النهاية: أي فأشبه الدليلين إذا تعارضا بلا ترجيح.

اه.

(قوله: فكان كما لا بينة) أي فكان الشئ المدعى به عند التعارض للبينتين، كالذي لا بينة عليه أصلا.

وعبارة التحفة: فكأن لا بينة.

اه.

(قوله: فإن أقر ذو اليد) أي وهو المدعى عليه، وهذا مفهوم قوله لم يسنده الخ، والملائم له أن يقول: فإن أسنده ذو اليد الخ.

(وقوله: لاحدهما) قال سم: فلو أقر بأنها لهما فهل تجعل بينهما.

اه.

وفي ش ق أنها تجعل بينهما.

(وقوله: قبل البينة) متعلق بأقر: أي أقر قبل قيام بينته.

(وقوله: أو بعدها) أي البينة: أي قيامها.

(وقوله: رجحت بينته) أي بينة ذلك الاحد المقر له لاعتضادها بالاقرار، فيعمل حينئذ بمقتضاها.

(قوله: أو ادعيا شيئا بيدهما) أي

كأن كان فراشا جالسين عليه، أو جملا راكبين عليه، أو دارا ساكنين فيها.

(قوله: وأقاما بينتين) أي أقام كل واحد منهما بينة بأن هذا الشئ كله له.

(قوله: فهو لهما) أي فذلك الشئ يبقى تحت يدهما كما كان أولا للتعارض، وكلامه يقتضي أنه لا يحتاج السابق منهما إلى إعادة البينة، وليس مرادا، بل الذي أقام البينة أولا يحتاج إلى إعادتها للنصف الذي بيده، لتقع بعد بينة الخارج بالنسبة لذلك النصف، فإن لم يفعل كان الجميع لصاحب البينة المتأخرة - كما في البجيرمي - هذا إذا شهدت كل بينة بجميع الشئ كما علمت، فإن شهدت بينة كل واحد منهما بالنصف الذي في يد صاحبه، فلا تعارض.

لان البينتين لم يتواردا على محل واحد فيحكم القاضي لكل واحد منهما بما في يده، لكن لا من جهة التساقط ولا الترجيح باليد، بل من جهة الترجيح بالبينة.

(قوله: إذ ليس أحدهما الخ) تعليل لكون الشئ يجعل لهما بقيام كل بينة

ص: 300

بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما.

ومحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح وإلا قدم وهو بيان نقل الملك ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه ثم شاهدان مثلا على شاهد ويمين ثم سبق ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا ثم بذكر سبب الملك (أو) ادعيا شيئا (بيد أحدهما) تصرفا أو إمساكا (قدمت بينته) من غير يمين وإن تأخر تاريخها أو كانت شاهدا ويمينا وبينة

ــ

على مدعاه.

(قوله: أما إذا الخ) صنيعه يقتضي أن حكم هذه المسألة مخالف لحكم ما إذا كان بيدهما، وليس كذلك، بل هو مثله كما يفيده قوله فيجعل بينهما مع قوله أولا فهو لهما، وعبارة المنهج: أو بيدهما أو لا بيد أحد.

اه.

وكان الأولى أن يصنع كصنيعه.

(وقوله: لم يكن بيد أحد) قال سم: كأن كان عقارا أو متاعا ملقى في طريق وليس المدعيان عنده.

اه.

(قوله: وشهدت بينة كل له بالكل) أي وشهدت بينة كل من المدعيين له بكل ذلك الشئ.

قال سم: وكذا بالبعض بالاولى بل لا تعارض حينئذ بينهما.

اه.

(قوله: فيجعل بينهما) جواب أما: أي فيجعل الشئ المدعى به بين المدعييين، أي للتعارض، فليس أحدهما أولى به من الآخر كما إذا كان بيدهما معا.

(قوله: ومحل التساقط إذا وقع تعارض) أي كما في الصور السابقة.

(وقوله: حيث لم يتيمز أحدهما) الضمير للمدعيين: أي حيث لم يتميز بينة أحدهما.

(وقوله: بمرجح) متعلق بيتميز.

(قوله: وإلا) أي بأن تميز أحدهما بمرجح.

(وقوله: قدم) أي ذلك الاحد المتميز بما ذكر.

(قوله: وهو) أي ذلك المرجح.

(وقوله: بيان نقل الملك) أي من أحد المتداعيين للآخر، كأن قالت إحداهما هذه الدار ملك زيد، وقال الاخرى هذه ملك عمرو تملكها من زيد، فتقدم الثانية لانها بينت انتقال الملك.

(قوله: ثم اليد فيه للمدعي) أي ثم المرجح أيضا كون اليد على المدعى به ثابتة للمدعي.

(وقوله: أو لمن أقر له به) أي أو كون اليد لمن أقر للمدعي بالمدعى به، كأن يكون في يد ثالث وأقر به لاحد المدعيين، والانسب والأولى أن يقول ثم إقرار المدعى عليه به لاحدهما، لان الغرض بيان المرجح، والمرجح هنا الاقرار المذكور لا كون اليد لمن أقر الخ.

(وقوله: أو انتقل له منه) أي أو كون اليد لمن انتقل المدعى به منه لاحد المدعيين: كأن قالت إحدى البينتين هي ملك

لزيد إشتراها من عمرو واقتصرت على ذلك، وقالت الاخرى هي ملك لبكر إشتراها من خالد وهي في يده، قدمت الثانية.

(قوله: ثم شاهدان) معطوف على بيان: أي ثم المرجح أيضا شاهدان.

(وقوله: مثلا) أي أو شاهد وامرأتان كما سيأتي.

(وقوله: على شاهد ويمين) متعلق بمحذوف: أي ويرجح الشاهدان على شاهد ويمين.

(قوله: ثم سبق ملك أحدهما) معطوف أيضا على بيان: أي ثم المرجح أيضا سبق ملك أحد المدعيين: أي سبق تاريخه، وقد صرح به في التحفة.

(وقوله: بذكر زمن) أي متقدم، وهو متعلق بمقدر: أي أو يعلم ذلك السبق بذكر زمن متقدم على الزمن الذي ذكرته البينة الاخرى، كأن نقول إحدى البينتين ونشهد أنه ملكه من منذ سنة، وتقول الأخرى من منذ شهر، فتقدم الاولى - كما سيأتي -.

(قوله: أو بيان) بالجر عطف على ذكر: أي ويعلم سبق تاريخ الملك أيضا، ببيان أن الشئ المدعى به ولد في ملك أحدهما، كأن شهدت إحدى البينتين أن هذه الدابة ملكه أنها ولدت في ملكه، وشهدت الاخرى بأنها ملك فلان واقتصرت على ذلك، فتقدم الأولى على الثانية.

(قوله: ثم بذكر) الباء زائدة، ومدخولها معطوف على بيان الاول: أي ثم المرجح أيضا ذكر سبب الملك كشراء، أو هبة، أو وصية، أو إرث، وفيه أن بيان سبب الملك يستلزم بيان نقل الملك، وإذا كان كذلك فهو يغني عنه، (قوله: أو ادعيا) أي إثنان.

(قوله: بيد أحدهما) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لشيئا: أي شيئا كائنا بيد أحد المتداعيين.

(قوله: تصرفا أو إمساكا) بيان لمعنى اليد: أي أن المراد باليد الحكمية كالتصرف، أو الحسية كالامساك.

(قوله: قدمت بينته) أي ذلك الأحد الذي ذلك الشئ المدعى به تحت يده.

(قوله: من غير يمين) أي من ذلك الأحد الذي العين تحت يده.

(قوله: وإن تأخر تاريخها) غاية في التقديم: أي قدمت وإن تأخر تاريخها، أي عن تاريخ بينة غير ذي اليد ويسمى الخارج.

قال البجيرمي: ومحله إذا لم تسند انتقال الملك عن شخص واحد، وإلا قدمت بينة الخارج إن كانت أسبق تاريخا، كما ذكره في القوت عن فتاوى البغوي وغيرها، واعتمده الشهاب الرملي.

اه.

وسيذكره الشارح أيضا في قوله ولو ادعى في عيون بيد غيره أنه اشتراها الخ.

(قوله: أو كانت

ص: 301

الخارج شاهدين أو لم تبين سبب الملك من شراء وغيره ترجيحا لبينة صاحب اليد بيده ويسمى الداخل وإن حكم بالاولى قبل قيام الثانية أو بينت بينة الخارج سبب ملكه.

نعم لو شهدت بينة الخارج بأنه أشتراه منه أو من بائعه مثلا قدمت لبطلان اليد حينئذ ولو أقام الخارج بينة بأن الداخل أقر له بالملك قدمت ولم تنفعه بينته بالملك إلا إن ذكرت إنتقالا ممكنا من المقر له إليه (هذا إن أقامها بعد بينة الخارج) بخلاف ما لو أقامها قبلها لانها إنما تسمع بعدها لان الاصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية.

ــ

شاهدا ويمينا) معطوف على الغاية، فهو غاية أيضا: أي قدمت بينة صاحب اليد وإن كانت شاهدا ويمينا، وبينة الخارج شاهدين.

(قوله: أو لم تبين سبب الملك) معطوف على الغاية أيضا فهو غاية: أي قدمت بينة صاحب اليد.

وإن لم تبين سبب الملك: أي وبينته بينة الخارج.

(وقوله: من شراء وغيره) بيان لسبب الملك.

(قوله: ترجيحا الخ) علة لتقديم بينة صاحب اليد.

(وقوله: بيده) الباء سببية متعلق بترجيحا.

(قوله: ويسمى) أي صاحب اليد الداخل.

(قوله: وإن حكم

بالاولى الخ) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد.

وانظر ما المراد بالاولى، فإن كان بينة الداخل نافاه قوله بعد هذا: إن أقامها بعد بينة الخارج الخ، وإن كان المراد بينة الخارج فلا منافاة، لكن يرد عليه أن الاولى في كلامه بينة الداخل لا الخارج.

ولعلها سرت له من عبارة التحفة المستقيمة، لان الاولى فيها بينة الخارج ونصها مع الأصل.

ولو كانت بيده فأقام غيره بها بينة وأقام هو بينة، قدم صاحب اليد ويسمى الداخل، وإن حكم بالاولى قبل قيام الثانية.

اه.

(وقوله: أو بينت بينة الخارج سبب ملكه) غاية أيضا لتقديم بينة صاحب اليد: أي قدمت وإن بينت بينة الخارج سبب الملك، وفيه أن هذه الغاية يغني عنها الغاية الثالثة.

أعني أو لم تبين سبب الملك، لان معناها كما تقدم قدمت بينة صاحب اليد مطلقا سواء بينت سبب الملك أم لا، مع كون بينة الخارج بينت ذلك.

(قوله: نعم، لو شهدت إلخ) استثناء من المتن، أعني قوله قدمت بينته: أي صاحب اليد، فكأنه قال تقدم بينة صاحب اليد على بينة الخارج إن كان معها زيادة علم، وإلا قدمت هي على بينة صاحب اليد.

(وقوله: بأنه) أي غير صاحب اليد.

(وقوله: إشتراه منه) أي من صاحب اليد.

(وقوله: أو من بائعه) معطوف على الجار والمجرور قبله، وضميره يعود على صاحب اليد: أي أو اشتراه من البائع على صاحب اليد، لكن لا بد من تقييد هذا بتقديم شرائه على شراء صاحب اليد، حتى يكون شراء صاحب اليد باطلا لانه اشتراه من الذي لا يملك.

وسيذكر الشارح هذه المسألة بقوله ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين، فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة، قدمت بينة الخارج لانها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد وقد زال ملكه عنه.

(وقوله: مثلا) راجع لقوله إشتراه: أي أو غصبها ذلك الداخل، أي أو البائع عليه: أي شهدت بينة الخارج بأن الداخل أو البائع عليه غصبها منه.

(قوله: قدمت) أي بينة الخارج.

(وقوله: لبطلان اليد) أي يد المدعي.

(وقوله: حينئذ) أي حين إذ أقام الخارج البينة بأنه اشتراه الخ.

(قوله: ولو أقام الخارج) أي غير صاحب اليد.

(قوله: بأن الداخل) أي صاحب اليد.

(وقوله: أقر له) أي للخارج.

(قوله: قدمت) أي بينة الخارج.

(قوله: ولم تنفعه) أي الداخل.

(وقوله: بينته بالملك) أي بينة الداخل التي شهدت بالملك لان بينة الاقرار معها زيادة علم بانتقال الملك من المقر للمقر له.

(قوله: إلا إن ذكرت إلخ) أي بأن قالت بينة الداخل نشهد أن هذا مالكه وهبه له فلان المقر له، فتقبل حينئذ وتنفعه، لأن معها زيادة بانتقال الملك من المقر له للمقر.

(وقوله: من المقر له) أي وهو الخارج.

(وقوله: إليه) أي إلى الداخل وهو المقر.

(قوله: هذا إن أقامها إلخ) اسم الإشارة يعود على تقديم بينة صاحب اليد: أي محل تقديمها إن أقامها بعد قيام بينة الخارج، ولو قبل تعديلها.

(قوله: بخلاف ما لو أقامها قبلها) أي بخلاف ما لو أقام صاحب اليد

بينته قبل بينة الخارج فلا يعتد بها، فإذا أقام الخارج بينته إستحق نزع العين منه، فيحتاج حينئذ إلى إقامة البينة لتدفع بينة الخارج.

(قوله: لأنها) أي بينة صاحب اليد وهو تعليل لمحذوف: أي فلا يعتد بها لانها الخ.

(وقوله: إنما تسمع بعدها) أي بعد بينة الخارج.

(قوله: لأن الأصل إلخ) علة للعلة.

(وقوله: في جانبه) أي الداخل، وذلك لأنه مدعي عليه، وهو الذي يكون من جهته اليمين.

(قوله: فلا يعدل عنها) أي اليمين.

(وقوله: ما دامت كافية) أي وهي كافية ما دام الخارج

ص: 302

فروع: لو أزيلت يده ببينة ثم أقام بينة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده واعتذر بغيبة شهوده أو جهله بهم سمعت وقدمت إذ لم تزل إلا لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء، لكن لو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك فقال الداخل بل هو ملكي وأقاما بينتين بما قالا قدم الخارج لزيادة علم بينته بانتقال الملك وكذا قدمت بينته لو شهدت أنه ملكه وإنما أودعه أو أجره أو أعاره للداخل أو أنه أو بائعه غصبه منه وأطلقت بينة الداخل.

ولو

تداعيا دابة أو أرضا أو دارا لاحدهما متاع فيها أو الحمل أو الزرع قدمت بينته على البينة الشاهدة بالملك المطلق

ــ

لم يقم بينته.

اه.

بجيرمي.

(قوله: فروع) أي ثلاثة.

الأول: قوله لو أزيلت الخ، الثاني: قوله ولو تداعيا دابة الخ، الثالث: قوله ولو اختلف الزوجان.

(قوله: لو أزيلت يده) أي الداخل والمراد أزيل المال من تحت يده: إما حسا بأن سلم المال لخصمه، وإما حكما بأن حكم عليه به فقط.

(وقوله: ببينة) الباء سببية متعلقة بأزيلت: أي أزيلت بسبب بينة أقامها الخارج وحكم له بها القاضي.

(قوله: ثم أقام) أي الداخل الذي أزيلت يده.

(وقوله: بينة بملكه) أي بينة تشهد بأن هذا المال المزال من تحت يده ملك له من قبل الازالة.

(وقوله: مستندا) حال من فاعل أقام: أي أقامها حال كونه مستندا: أي مضيفا ملكه إلى ما قبل الازالة، أي مع استدامته إلى وقت الدعوى، ويصح أن يكون حالا من ملكه، ويكون بالبناء للمفعول: أي بملكه حال كونه مستندا، أي مضافا إلى ذلك، قال في التحفة: وخرج بمستندا الخ شهادتها بملك غير مستند فلا تسمع.

اه.

(قوله: واعتذر) أي الداخل: أي اعتذر من عدم إقامتها عند إرادة الازالة.

قال في شرح المنهج: واشتراط الاعتذار ذكره الاصل كالروضة وأصلها.

قال البلقيني: وعندي إنه ليس بشرط، والعذر إنما يطلب إذا ظهر من صاحبه ما يخالفه، كمسألة المرابحة، قال الولي العراقي بعد نقله ذلك: ولهذا لم يتعرض له الحاوي.

اه.

ويجاب بأنه إنما شرط هنا وإن لم يظهر من صاحب ما يخالفه لتقدم الحكم بالملك لغيره، فاحتيط بذلك ليسهل نقض الحكم.

اه.

(وقوله: كمسألة المرابحة) أي كما لو قال: اشتريت هذا بمائة، وباعه مرابحة بمائة وعشرة، ثم قال غلطت من ثمن متاع إلى آخر وإنما اشتريته بمائة وعشرة.

ع ش.

فقوله غلطت هذا هو العذر.

اه.

بجيرمي.

(وقوله: بغيبة شهوده) المقام للإضمار، فلو قال بغيبتها: أي البينة التي أقامها بعد لكان أولى.

(وقوله: أو جهله بهم) معطوف على غيبة.

أي أو اعتذر بجهله للشهود.

قال في التحفة: أي أو بقبولهم.

اه.

(قوله: سمعت) أي بينة الداخل، وقيل لا تسمع، فلا ينقض القضاء.

وإلى هذا ذهب القاضي حسين، ونقل عن الهروي أنه قال: أشكلت على هذه المسألة نيفا وعشرين سنة لما فيها من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، وتردد جوابي فيها ثم استقر فيها على أنه لا ينقض.

اه.

مغني.

(قوله: إذا لم تزل) أي يد الداخل.

(وقوله: إلا لعدم الحجة) أي وقت الازالة.

(قوله: وقد ظهرت) أي الحج بعد الازالة.

(قوله: فينقض القضاء) أي يبطل الحكم بإزالة العين من تحت يد الداخل وإثباتها للخارج، وتردد بعض النقد إلى الداخل.

(قوله: لكن لو قال الخارج الخ) استدراك على قوله سمعت وقدمت: أي تسمع بينة الداخل بعد إزالة العين من تحت يده ما لم تشهد بينة الخارج بأن الازالة حصلت بسبب شراء الخارج منه، وأنكر الداخل ذلك، فإن شهدت بينة الخارج بما ذكر قدمت على بينة الداخل، وهذا الاستدراك لا حاجة إليه هنا، لأنه يغني عنه الاستدراك الأول.

أعني قوله نعم لو شهدت الخ، فالاولى والاخصر إسقاطه.

(قوله: لزيادة علم بينته) أي الخارج.

(وقوله: بانتقال الملك) متعلق بزيادة، والمراد بالاخبار بانتقال الملك.

(قوله: وكذا قدمت بينته) أي الخارج: أي لتبين بطلان يد الداخل.

(وقوله: وشهدت) أي بينة الخارج.

(وقوله: أنه) أي الشئ.

(وقوله: ملكه) أي الخارج.

(وقوله: وإنما أودعه الخ) فاعل الافعال الثلاثة يعود على الخارج، وضمير البارز يعود على الشئ.

(وقوله: للداخل) تنازعه كل من الافعال الثلاثة.

(قوله: أو أنه الخ) عطف على أنه ملكه: أي أو شهدت بينة الخارج أن الداخل غصب ذلك الشئ.

(وقوله: أو بائعه) بالنصب عطف على اسم إن، وضميره يعود على الداخل.

(وقوله: منه متعلق بغصبه) أي غصبه هو أو البائع عليه من الخارج.

(قوله: وأطلقت بينة الداخل) أي بأن قالت هو ملكه، واقتصرت على ذلك.

(قوله: ولو تداعيا) أي شخصان.

(قوله: لأحدهما) أي المتداعيين.

(وقوله: متاع فيها) في بمعنى على بالنسبة للدابة، وعلى حقيقتها بالنسبة للبقية،

ص: 303

لانفراده بالانتفاع فاليد له فإن اختص المتاع ببيت فاليد له فيه فقط.

ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت ولو بعد الفرقة ولا بينة ولا اختصاص لاحدهما بيد فلكل تحليف الآخر، فإذا حلفا جعل بينهما وإن صلح لاحدهما فقط أو حلف أحدهما قضى له كما لو اختص باليد وحلف (وترجح) البينة (بتاريخ سابق) فلو شهدت البينة لاحد المتنازعين في عين بيدهما أو يد ثالث أو لا بيد أحد بملك من سنة إلى الآن وشهدت بينة أخرى للآخر بملك لها

ــ

وعبارة المغني: ولو تداعيا بعيرا لاحدهما عليه متاع، فالقول قول صاحب المتاع بيمينه لانفراده بالانتفاع، بخلاف ما لو تداعيا عبدا لاحدهما عليه ثوب لم يحكم له بالعبد، لان كون حمله على البعير انتفاع به قيده عليه، والمنفعة في لبس الثوب للعبد لا لصاحب الثوب فلا يد له.

ولو تداعيا جارية حاملا واتفقا على أن الحمل لاحدهما.

قال البغوي: فهي لصاحب الحمل.

اه.

(قوله: أو الحمل) أي أو لاحدهما الحمل أو الزرع، والاول بالنسبة للدابة.

والثاني بالنسبة للارض.

(قوله: قدمت بينته) أي ذلك الأحد الذي له المتاع أو الحمل أو الزرع.

أي باتفاقهما أو ببينة.

(قوله: على البينة الخ) متعلق بقدمت: أي قدمت على البينة التي تشهد للآخر بالملك المطلق، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو الأرض أو الدار ملك، ولم تتعرض لشئ آخر.

(قوله: لانفراده) أي ذلك الأحد المذكور، وهو علة لتقديم بينته.

(وقوله: بالانتفاع) أي بالدابة، لان متاعه عليها، وبالارض، لان زرعه فيها.

وبالدار لان متاعه فيها.

(قوله: فاليد له) أي

للمنفرد بالانتفاع.

(قوله: فإن اختص المتاع ببيت) أي من الدار (قوله: فاليد له فيه) أي في البيت الذي فيه المتاع.

(وقوله: فقط) أي وليس له اليد في بيت غير الذي فيه المتاع.

(قوله: ولو اختلف الزوجان في أمتعة البيت) أي فقال الزوج هي ملكي، وقال الزوجة هي ملكي.

(قوله: ولو بعد الفرقة) أي ولو حصل الاختلاف بعد فراقهما بطلاق أو غيره.

(قوله: ولا بينة) أي لاحدهما موجودة.

(قوله: ولا اختصاص لاحدهما بيد) أي ككونه في خزانة له، أو صندوق مفتاحه بيده.

(قوله: فلكل) أي من الزوجين تحليف الآخر: أي على دعواه.

(قوله: فإذا حلفا) أي الزوجان.

(قوله: جعل) أي المدعى به.

والاولى جعلت: أي الامتعة، ومثله يقال في الافعال بعده.

(وقوله: بينهما) أي الزوجين، أي نصفين.

(قوله: وإن صلح لاحدهما) إن غائية، وإن كان ظاهر صنيعه أنها شرطية جوابها قوله قضى الخ.

ويدل على ما قالته عبارة النهاية، ومثلها عبارة عميرة في حواشي البهجة ونصها.

قال الشافعي رضي الله عنه: إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، فمن أقام البينة على شئ من ذلك فهو له، ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه، أن هذا المتاع إن كان في أيديهما معا فيحلف كل منهما لصاحبه على دعواه، فإن حلفا جميعا فهو بينهما نصفين، وإن حلف أحدهما فقط قضى له به - سواء اختلفا في دوام النكاح أم بعده - واختلاف وارثهما كهما، وسواء ما يصلح للزوج - كالسيف والمنطقة - وللزوجة - كالخلخال والغزل، وغيرهما كالدراهم - أو لا يصلح لهما: كالمصحف وهما أميان، وتاج الملوك وهما عاميان.

وقال أبو حنيفة: إن كان في يدهما حسا فهو لهما، وإن كان في يدهما حكما فما يصلح للرجل فللزوج، وما يصلح للانثى فللزوجة، والذي يصلح لهما يكون لهما، وعند أحمد ومالك قريب من ذلك.

واحتج الشافعي رضي الله عنه بأنا لو استعملنا الظنون لحكم في دباغ وعطار تداعيا عطرا ودباغا في أيديهما أن يكون لكل ما يصلح له، وفيما لو تنازع موسر ومعسر في لؤلؤ أن نجعله للموسر ولا يجوز الحكم بالظنون.

اه.

(قوله: أو حلف أحدهما) أي الزوجين دون الآخر.

(قوله: قضى له) أي قضى ذلك المدعى به لذلك الاحد.

والفعل المذكور يجعل جوابا لان مقدرة قبل قوله حلف أحدهما، أي وإن حلف أحدهما قضى له، وذلك ليوافق ما قررته آنفا من جعل إن غائية لا شرطية.

(قوله: كما لو اختص باليد وحلف) هذا مفهوم قوله ولا اختصاص لاحدهما بيد، أي كما لو اختص أحدهما بوضع اليد عليه فإنه يقضي له به، لكن بعد الحلف عليه.

(قوله: وترجح البينة) أي مطلقا سواء كانت للداخل أو للخارج.

(وقوله: بتاريخ سابق) أي على تاريخ البينة الاخرى.

(قوله: فلو شهدت الخ) تفريع على ترجح البينة بالتاريخ السابق.

(قوله: في عين) متعلق بالمتنازعين.

(قوله: بيدهما إلخ) متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيدهما، أو يد ثالث، أو لا بيد أحد.

وخرج

بذلك ما إذا كانت بيد أحدهما فتقدم، ولو تأخر تاريخها كما تقدم، وكما سيأتي في قوله وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ

ص: 304

من أكثر من سنة إلى الآن كسنتين فترجع بينة ذي الاكثر لانها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى ولصاحب التاريخ السابق أجرة وزيادة حادثة من يوم ملكه بالشهادة لانها فوائد ملكه وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ يد لم يعلم أنها عادية قدمت على الاصح.

ولو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة قدمت بينة الخارج لانها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد ما زال ملكه عنه ولو اتحد تاريخهما أو أطلقتا أو إحداهما قدم ذو اليد ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال لم تسمع كما لا تسمع دعواه بذلك حتى نقول ولم يزل ملكه أولا نعلم له مزيلا أو تبين سببه كأن تقول

ــ

الخ.

(قوله: بملك) متعلق بشهدت.

(قوله: من سنة) متعلق بملك: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة.

(وقوله: إلى الآن) متعلق بملك أيضا: أي شهدت بأنه يملكه من منذ سنة إلى الآن: أي أنه مستمر إلى الآن، ولا بد من ذكر هذا لما سيأتي قريبا أنه لو شهدت بينة بملك أمس، ولم تتعرض للحال لم تسمع.

(قوله: وشهدت بينة أخرى) أي غير هذه البينة.

(وقوله: للآخر) أي لاحد المتنازعين الآخر.

(وقوله: بملك) متعلق بشهدت.

(وقوله: لها) أي للعين المدعى بها.

(وقوله: من أكثر الخ) هو الجار والمجرور بعده متعلقان بملك أيضا كالذي قبله.

(وقوله: كسنتين) تمثيل للاكثر من سنة.

(قوله: فترجح إلخ) جواب لو.

(قوله: لأنها) أي بينة ذي الاكثر.

(وقوله: أثبتت الملك) أي ملك العين للمدعي بها.

(وقوله: في وقت) متعلق بأثبتت.

(وقوله: لا تعارضها فيه الاخرى) الجملة صفة لوقت.

أي وقت موصوف بكونه لا تعارض بينة ذي الاكثر فيه البينة الاخرى، وذلك الوقت هو السنة الاولى.

وعبارة التحفة لانها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى، وفي وقت تعارضها فيه، فيتساقطان في محل التعارض، ويعمل بصاحبة الاكثر فيما لا تعارض فيه، والأصل في كل ثابت دوامه.

اه.

(قوله: ولصاحب التاريخ السابق) أي على صاحب التاريخ المتأخر.

(وقوله: أجرة) أي لما أثبت له.

(وقوله: وزيادة حادثة) أي كولد وثمرة حدثا في المدعى به.

(قوله: من يوم ملكه بالشهادة) قال ع ش: أي وهو الوقت الذي أرخت به البينة، لا من وقت الحكم فقط.

اه.

(قوله: لانها) الاولى لانهما: أي الاجرة والزيادة.

(قوله: وإذا كان لصاحب متأخرة التاريخ) أي لصاحب البينة التي تأخر تاريخها.

(وقوله: يد) أي تصرفا أو حكما كما مر.

(قوله: لم يعلم أنها عادية) الجملة صفة ليد، أي يد موصوفة بكونها لم يعلم أن تلك اليد عادية، أي متعدية في جعل العين تحتها بغصب أو بشراء ما لا يملك.

(قوله: قدمت) أي متأخرة التاريخ.

قال في التحفة: ذكرتا - أي البينتان أو إحداهما - الانتقال لمن تشهد له من معين أم لا، وإن اتحد ذلك المعين، لتساوي البينتين في إثبات الملك حالا، فيتساقطان وتبقى اليد في مقابلة الملك السابق وهي أقوى.

اه.

(قوله: ولو ادعى إلخ) المقام للتفريع، فلو قال فلو، بفاء التفريع لكان أولى.

(وقوله: بيد غيره) الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لعين: أي عين كائنة بيد غيره.

(وقوله: أنه اشتراها إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر مجرور بحرف جر مقدر متعلق بادعى: أي ادعى فيها بأنه اشتراها من زيد من منذ سنتين.

(وقوله: فأقام الداخل) أي الذي اليد له.

(قوله: قدمت بينة الخارج) قال في التحفة:

نعم يؤخذ مما يأتي في مسألة تعويض الزوجة أنه لا بد أن يثبت الخارج هنا أنها كانت بيد زيد حال شرائه منه، وإلا بقيت بيد من هي بيده.

اه.

(قوله: لأنها) أي بينة الخارج.

(قوله: بشرائه) الباء سببية متعلقة بعادية.

(وقوله: ما زال ملكه) ما اسم موصول مفعول المصدر: أي بشرائه الشئ الذي زال ملك زيد عنه.

قال في التحفة والنهاية: ولا نظر لاحتمال أن زيدا استردها ثم باعها للآخر، لان هذا خلاف الاصل والظاهر.

اه.

(قوله: ولو اتحد تاريخهما الخ) مقابل قوله بتاريخ سابق، وهذا قد علم من قوله أو ادعيا شيئا بيد أحدهما قدمت بينته وإن تأخر تاريخها، ففي كلامه شبه التكرار.

(وقوله: أو أطلقتا) أي في الشهادة ولم تتعرضا للتاريخ.

(وقوله: أو إحداهما) أي أو أطلقت إحداهما: أي وأرخت الاخرى.

(وقوله: قدم ذو اليد) أي كما أنه يقدم لو اختلف التاريخ، لكن بشرط أن لا يعلم أن يده عادية كما مر.

(قوله: ولو شهدت بينة بملك أمس ولم تتعرض للحال) أي بأن قالت نشهد أن هذا ملك فلان أمس، ولم تقل إلى الآن، وهذا محترز التقييد بقوله إلى الآن.

(قوله: لم تسمع) أي البينة وهو جواب لو.

وفي المغني ما نصه.

ص: 305

اشتراها من خصمه أو أقر له به أمس لان دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة.

ولو قال من بيده عين اشتريتها من فلان من منذ شهر وأقام به بينة فقالت زوجة البائع منه هي ملكي تعوضتها منه من منذ شهرين وأقامت به بينة، فإن ثبت أنها بيد الزوج حال التعويض حكم بها لها وإلا بقيت بيد من هي بيده الآن (و) ترجح (بشاهدين) وشاهد وامرأتين وأربع نسوة فيما يقبلن فيه (على شاهد مع يمين) للاجماع على قبول من ذكر دون الشاهد واليمين (لا) ترجح (بزيادة) نحو عدالة أو عدد (شهود) بل تتعارضان لان ما قدره الشرع لا يختلف بالزيادة

ــ

تنبيه: يستثنى من إطلاق المصنف عدم السماع مسائل.

الاولى: ما لو ادعى رق شخص بيده وادعى آخر أنه كان له أمس وأنه أعتقه، وأقام بذلك بينة قبلت، لان المقصود منها إثبات العتق، وذكر الملك السابق وقع تبعا.

الثانية: ما لو شهدت أن هذا المملوك وضعته أمة في ملكه، أو هذه الثمرة أثمرتها نخلته في ملكه، ولم تتعرض لملك الولد والثمرة في الحال فإنها تسمع.

الثالثة: إذا شهدت أن هذا الغزل من قطنه، أو أن هذا الطير من بيضه، أو الآجر من طينه.

الرابعة: إذا شهدت أنها ملكه بالامس ورثها.

قال العمراني حكم بها على الأصح، وذكر أن الربيع والمزني نقلا ذلك.

الخامسة: إذا شهدت أنها ملكه بالامس اشتراها من المدعى عليه بالامس، أو أقر له بها المدعى عليه بالامس ولم تتعرض للحال قبلت.

السادسة: لو شهدوا أن هذه الدار اشتراها المدعي من فلان وهو يملكها، ولم يقولوا وهي الآن ملك المدعي قبلت على ما يفهم من كلام الجمهور.

اه.

بحذف.

(قوله: كما لا تسمع دعواه بذلك) أي بالملك أمس من غير تعرض للحال.

(قوله: حتى تقول إلخ) مرتبط بقوله لم تسمع: أي لم تسمع البينة حتى تقول الخ، أي فإذا قالت ما ذكر سمعت.

(وقوله: ولم يزل ملكه) أي لم ينقل ملكه عنه، فهو من زال يزول التامة.

وليس في هذا شهادة بنفي محض حتى يقول إنها غير مقبولة.

(قوله: أو لا نعلم الخ) معطوف على قوله: ولم يزل ملكه: أي أو تقول لا نعلم مزيلا لملكه.

(قوله: أو تبين إلخ) بالنصب عطف على تقول: أي أو حتى

تبين سببه، أي الملك.

(قوله: كأن تقول الخ) تمثيل لتبيين السبب.

(وقوله: من خصمه) أي وهو المدعى عليه.

(قوله: أو أقر) أي الخصم.

(وقوله: له) أي للمدعي.

(وقوله: به) أي بالشراء.

(وقوله: أمس) متعلق بكل من اشترى وأقر.

(قوله: لان دعوى الملك إلخ) علة لقوله لم تسمع، ولا حاجة إليها للاستغناء عنها بقوله سابقا، كما لا تسمع دعواه بذلك، إذ هو في معنى العلة.

وفي التحفة الاقتصار على الثاني.

وفي شرح المنهج: الاقتصار على الأول.

(قوله: فكذا البينة) أي لا تسمع.

(قوله: ولو قال من بيده عين الخ) هذه الصورة من مفاهيم قوله سابقا لم يعلم أنها عادية.

(قوله: وأقام به) أي بالشراء من منذ شهر.

(قوله: فقالت زوجة البائع) أي الذي هو فلان المتقدم.

(وقوله: هي) أي تلك العين التي اشتريتها أنت ملكي.

(وقوله: تعوضتها منه) أي أخذتها منه بعوض بطريق الشراء أو الهبة.

(وقوله: من منذ شهرين) متعلق بتعوضتها.

(قوله: وأقامت به) أي بالملك أو بالتعويض من منذ شهرين (قوله: فإن ثبت) أي ببينة أو بإقرار المشتري.

(وقوله: أنها) أي العين.

(وقوله: حكم بها لها) أي حكم بالعين للزوجة، لان يد الداخل عادية بشرائه ممن لا يملك كما مر.

(قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يثبت أنها بيد الزوج حال التعويض، بقيت العين بيد من هي بيده الآن.

قال في النهاية: كذا قيل، والأوجه تقدم بينتها: أي الزوجة مطلقا، لاتفاقهما على أن أصل الانتقال من زيد، فعمل بأسبقهما تاريخا.

اه.

(قوله: وترجح) أي البينة.

(وقوله: بشاهدين) الباء للتصوير، وهي متعلق بمحذوف حال من نائب فاعل ترجح: أي وترجح البينة حال كونها مصورة بشاهدين، أو شاهد وامرأتين، أو أربع نسوة.

وعبارة المنهج: ويرجح - بالياء التحتية - وعليها فنائب الفاعل يعود على أحد المدعيين، وهي ظاهرة.

(وقوله: فيما يقبل) أي يقبل النسوة فيه، وهو ما يظهر للنساء غالبا كولادة وحيض.

(قوله: على شاهد مع يمين) متعلق بترجح، ومحله في غير بينة الداخل، كما يعلم مما مر.

(قوله: للاجماع الخ) علة الترجيح.

وعبارة شرح المنهج، لان ذلك حجة بالاجماع، وأبعد عن تهمة الحالف بالكذب في يمينه.

اه.

(وقوله: قبول من ذكر) أي من الشاهدين، أو الشاهد والمرأتين، أو الاربع نسوة.

(قوله: لا ترجح) أي البينة.

(قوله: بزيادة نحو عدالة الخ) لفظ عدالة، يقرأ من غير تنوين، لانه مضاف إلى شهود، أو

ص: 306

والنقص ولا برجلين على رجل وامرأتين ولا على أربع نسوة (ولا) بينة (مؤرخة على) بينة (مطلقة) لم تتعرض لزمن الملك حيث لا يد لاحدهما واستويا في أن لكل شاهدين ولم تبين الثانية سبب الملك فتتعارضان.

نعم لو

شهدت إحداهما بدين والاخرى بالابراء رجحت بينة الابراء لانها إنما تكون بعد الوجوب.

والاصل عدم تعدد الدين ولو شهدت بينة بألف وبينة بألفين يجب ألفان ولو أثبت إقرار زيد له بدين فأثبت زيد إقراره بأنه لا شئ له عليه لم يؤثر لاحتمال حدوث الدين بعد.

ــ

إلى نظيره.

ومثله لفظ عدد.

ودخل تحت نحو عدالة بقية الصفات المعتبرة في الشاهد كمروءة وإبصار وسمع وعقل.

(وقوله: شهود فيه) إظهار في مقام الاضمار أورث ركة في العبارة، فلو قال لا بزيادة نحو عدالتها، أو عددها لكان أولى.

(قوله: بل تتعارضان) أي البينتان، ومحل التعارض ما لم تبلغ زيادة إحداهما عدد التواتر، وإلا رجحت لافادتها حينئذ

العلم الضروري، وهو لا يعارض.

أفاده في التحفة والنهاية.

(قوله: لأن الخ) علة لقوله لا ترجح.

(وقوله: ما قدره الشرع) أي الامر الذي قدره وحده الشارع، كعدد الشهود هنا.

(وقوله: لا يختلف بالزيادة) أي عددا وصفة كما مر.

(وقوله: والنقص) أي عن تلك الزيادة لا عن الذي قدره الشارع، لانه مضر كما هو ظاهر.

(قوله: ولا برجلين) أي ولا ترجح برجلين الخ.

أي لكمال الحجة في الطرفين.

(قوله: ولا بينة مؤرخة) أي ولا ترجح بينة مؤرخة، وهي المقيدة بزمن (قوله: على بينة) متعلقة بترجح المقدر بعد لا النافية (وقوله: مطلقة) - بكسر اللام - اسم فاعل من أطلق، وقد بينها بقوله لم تتعرض لزمن الملك.

(قوله: حيث الخ) متعلق بترجح المقدر: أي لا ترجح البينة المؤرخة على البينة المطلقة، بل هما سواء حيث لا يد لاحدهما، بأن كانت لهما معا، أو لا لاحد، أو لثالث غيرهما، أما إذا كانت اليد لاحدهما، فترجح بينة صاحبها وإن كانت مطلقة، خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة من أن المؤرخة ترجح إذا كان اليد لاحدهما، سواء كانت بينته هي المؤرخة أو المطلقة.

(قوله: واستويا) أي المتداعيان.

(وقوله: في أن لكل شاهدين) فإن لم يستويا في ذلك بأن كان مع أحدهما شاهد ويمين، ومع الآخر شاهدان، قدم الثاني، سواء كانت بينته مطلقة أم مؤرخة كما مر.

(قوله: ولم تبين الثانية) أي البينة الثانية سبب الملك كشراء أو إرث كما مر، فإن بينت ذلك قدمت على غيرها مطلقا.

(قوله: فتتعارضان) مفرع على عدم ترجيح إحداهما على الأخرى المقتضي للاستواء.

قال في النهاية: ومجرد التاريخ غير مرجح، لاحتمال أن المطلقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الأول.

اه.

(قوله: نعم لو شهدت الخ) أي وقد أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى كما هو الفرض، وصرح به في شرح الروض، فهو استدراك على قوله: ولا مؤرخة على مطلقة كما قاله س ل.

اه.

بجيرمي.

وقوله: وصرح به في شرح الروض: وعبارته مع الاصل: والمؤرخة كالمطلقة فلا تقدم عليها بل تساويها، لان المطلقة قد تثبت الملك قبل ذلك التاريخ.

نعم: لو شهدت إحداهما بالحق والاخرى بالابراء، وأطلقت إحداهما وأرخت الأخرى، قدمت بينة الابراء لانها إنما تكون بعد الوجوب.

اه.

(قوله: لأنها) أي بينة الابراء.

وعبارة التحفة: لأنه إنما يكون بعد الوجوب.

اه.

فذكر الضمير وهو أولى لعوده على الإبراء.

(وقوله: بعد الوجوب) أي وجوب الدين.

أي ثبوته.

أي فيكون مع بينة الابراء زيادة علم.

(وقوله: والاصل عدم تعدد الدين) من تتمة التعليل، وأتى به لدفع ما يقال إنه ربما استدان منه دينا آخر فتسمع بينته.

(قوله: لو شهدت بينة الخ) هذه الصورة والتي بعدها كالاستدراك من قوله والاصل عدم تعدد الدين.

(وقوله: يجب ألفان) أي لاحتمال حدوث ألف ثانية عليه، لم تطلع عليه البينة الاولى.

(قوله: ولو أثبت) أي أحدهما.

(وقوله: إقرار زيد له) أي

لذلك الاحد.

(وقوله: بدين) أي على زيد لذلك الاحد.

(قوله: فأثبت زيد إقراره) أي ذلك الأحد المدعي.

(وقوله: بأنه لا شئ له) أي لذلك الاحد.

(وقوله: عليه) أي على زيد.

(قوله: لم يؤثر) أي إثبات زيد إقرار ذلك الاحد بأنه لا شئ له عليه.

(قوله: لاحتمال حدوث الدين بعد) أي بعد إقرار ذلك الاحد بما ذكر.

قال في التحفة: ولان الثبوت لا يرتفع بالنفي المحتمل.

اه.

وقوله: المحتمل أي لهذا الدين ولغيره.

ص: 307

فروع: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة من غير تعرض بملك سابق بتاريخ لم يستحق ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا عند الشهادة ويستحق الحمل والثمر غير الظاهر عندها تبعا للام والاصل، فإذا تعرضت لملك سابق على حدوث ما ذكر فيستحقه ولو اشترى شيئا فأخذ منه بحجة غير إقرار رجع على بائعه الذي لم يصدقه ولا أقام بينة بأنه اشتراه من المدعي ولو بعد الحكم به بالثمن بخلاف ما لو أخذ منه بإقراره أو بحلف المدعي بعد

ــ

(قوله: فروع) أي خمسة.

(قوله: لو أقام بينة بملك دابة أو شجرة) أي لو ادعى شخص أن هذه الدابة، أو هذه الشجرة ملكه، وأقام بينة تشهد بذلك.

(وقوله: من غير تعرض إلخ) متعلق بمحذوف، هو متعلق الجار والمجرور قبله: أي أقام بينة تشهد بذلك من غير أن تتعرض لملك سابق بالتاريخ، بأن قالت نشهد أن هذه الدابة أو الشجرة ملك فلان، واقتصرت على ذلك.

(قوله: لم يستحق) أي مقيم البينة.

(وقوله: ثمرة ظاهرة ولا ولدا منفصلا) إنما لم يستحقهما لانهما ليسا من أجزاء العين، ولذا لا يدخلان في بيعها.

ولان البينة لا تثبت الملك بل تظهره، فكفى تقدمه عليها بلحظة فلم يستحق ثمرا ونتاجا حصلا قبل تلك اللحظة.

اه تحفة.

(قوله: عند الشهادة) متعلق بكل من ظاهرة ومنفصلا.

(قوله: ويستحق) أي مقيم البينة.

(قوله: غير الظاهر) صفة للثمر: أي الثمر غير البارز المؤبر.

(قوله: عندها) متعلق بمحذوف صفة لكل من الحمل والثمر: أي الموجودين عندها: أي الشهادة.

(قوله: تبعا للام) أي بالنسبة للحمل.

(وقوله: والاصل) أي بالنسبة للثمر.

قال في التحفة: ولا عبرة باحتمال كون ذلك الغير مالك الام والشجر بنحو وصية، لانه خلاف الأصل.

اه.

(قوله: فإذا تعرضت الخ) مقابل قوله: من غير تعرض لملك.

(وقوله: سابق على حدوث ما ذكر) أي الثمرة الظاهرة والولد المنفصل، وذلك بأن قالت نشهد أن هذه الدابة، أو الشجرة ملك فلان من منذ سنة، فحينئذ كل ما يحدث في هذه السنة يكون ملكا للمشهود له.

وعبارة المغني: فإن تعرضت لوقت مخصوص إدعاه المشهود له فما يحصل من النتاج والثمرة له، وإن تقدم على وقت أداء الشهادة.

(قوله: فيستحق) أي يستحق مالك الدابة أو الشجرة ما ذكر من الولد المنفصل، أو الثمرة الظاهرة، ولو قال فيستحقهما بضمير التثنية العائد على الولد والثمرة لكان أولى.

(قوله: ولو اشترى شيئا) أي وأقبض ثمنه.

(قوله: فأخذ منه) أي فأخذ ذلك الشئ من المشتري بأن ادعى شخص فيه بأنه ملكه، وأقام بينة عليه وأخذه منه.

(وقوله: بحجة) أي ولو مطلقة عن تقييد الاستحقاق بوقت الشراء أو غيره.

(وقوله: غير إقرار) سيأتي محترزه.

(قوله: رجع على بائعه) أي

رجع المشتري على بائعه بما دفعه له.

قال البجيرمي: محل الرجوع ما لم يكن يعلم عند البيع أنه لا يملكه، كأن تحقق أنه سارقه، أو غاصبه، وإلا لم يرجع عليه بما دفعه له، لأنه في مقابلة تسليمه إياه، وقد حصل أيضا.

فلما علم أنه لا يملكه كان كأنه متبرع بما أعطاه له.

اه.

(وقوله: الذي لم يصدقه) هذه الصلة جرت على غير من هي له، لان الضمير المستتر يعود على المشتري، والبارز يعود على الذي، فكان حقه أن يبرز الضمير، والمعنى للمشتري أن يرجع على بائعه بشرط أن لا يصدقه في أن المدعى به ملكه، فإن صدقه في أنه ملكه، وأن المدعي كاذب في دعواه لم يرجع عليه بشئ، لاعترافه بأن الظالم غيره وهو المدعي.

قال في النهاية: نعم لو كان تصديقه له اعتمادا على ظاهر يده، أو كان ذلك في حال الخصومة، لم يمنع رجوعه حيث ادعى ذلك، لعذره حينئذ.

اه.

(قوله: ولا أقام الخ) معطوف على صلة الموصول، والفاعل ضمير يعود على البائع الواقع عليه إسم الموصول، فالصلة بالنسبة له جرت على من هي له: أي رجع عى بائعه الذي لم يقم بينة بأنه اشتراه من المدعى به ثم باعه، فإن أقام بينة على ذلك بعد أن حكم به للمدعي وأخذ من المشتري، فلا يرجع على بائعه بشئ إذ الظالم غيره وهو المدعي.

(قوله: ولو بعد الحكم إلخ) غاية في إقامة البينة، فهي راجعة للمنفى (قوله: بالثمن) متعلق برجع: أي رجع على بائعه بالثمن الذي دفعه له.

(قوله: بخلاف ما لو أخذ إلخ) مفهوم قوله غير إقرار: أي بخلاف ما لو أخذ ذلك الشئ من المشتري بإقراره أنه ملك للمدعي فإنه لا يرجع على بائعه بشئ، لان إقراره للغير لا يكون حجة على البائع، ولا ملزما له أن يرجع عليه.

(قوله: أو بحلف الخ) معطوف على بإقراره: أي وبخلاف ما لو أخذ منه بحلف المدعي اليمين المردودة من

ص: 308

نكوله لانه المقصر ولو اشترى قنا وأقر بأنه قن ثم ادعى بحرية الاصل وحكم له بها رجع بثمنه على بائعه ولم يضر اعترافه برقه لانه معتمد فيه على الظاهر.

ولو ادعى شراء عين فشهدت بينة بملك مطلق قبلت لانها شهدت بالمقصود ولا تناقض على الاصح.

وكذا لو ادعى ملكا مطلقا فشهدت له به مع سببه لم يضر وإن ذكر سببا وهم سببا آخر ضر ذلك للتناقض بين الدعوى والشهادة.

فرع: لو باع دارا ثم قامت بينة حسبة أن أباه وقفها عليه ثم على أولاده انتزعت من المشتري ورجع بثمنه على البائع ويصرف له ما حصل في حياته من الغلة إن صدق البائع الشهود وإلا وقفت، فإن مات مصرا صرفت

ــ

المشتري، بدليل قوله بعد نكوله، فإن المراد به بعد نكول المشتري عن اليمين، بأن قال المدعي له: إحلف أن هذا الذي اشتريته ليس ملكي، فينكل فيحلف المدعي ويأخذ حقه، ولا يرجع المشتري على البائع، لانه يعتقد أن هذا البيع ملكه وأن المدعي غير محق.

(قوله: ولو اشترى) أي شخص، وهذه المسألة قد تقدمت في باب الدعوى بأبسط مما هنا.

(وقوله: قنا) أي رقيقا، ذكرا كان أو أنثى.

(قوله: وأقر) أي المشتري بأنه قن.

(قوله: ثم ادعى) أي القن.

(وقوله: بحرية الاصل) أي بأنه حر أصالة.

(قوله: وحكم له) أي لمدعي الحرية.

(وقوله: بها) أي بالحرية.

(قوله: رجع) أي المشتري.

(وقوله: بثمنه) أي الرقيق.

(وقوله: على بائعه) متعلق برجع.

(قوله: ولم يضر) أي في الرجوع بالثمن.

(وقوله: إعترافه) أي المشتري.

(وقوله: برقه) أي ما اشتراه.

(وقوله: لأنه) أي المشتري، وهو علة لعدم

الضرر.

(وقوله: معتمد فيه) أي في اعترافه بالرق.

(وقوله: على الظاهر) أي ظاهر اليد.

(قوله: ولو ادعى شراء عين) أي ادعى الملكية وبين السبب.

(قوله: بملك مطلق) أي لم تبين فيه السبب.

(قوله: قبلت) أي البينة.

(قوله: لانها شهدت بالمقصود) أي وهو الملك، وأما السبب فهو تابع له.

(قوله: ولا تناقض) أي والحال أنه لا تناقض بين الدعوى والشهادة موجودة.

(قوله: على الأصح) متعلق بقبلت.

وعبارة التحفة: وفي الانوار عن فتاوي القفال لو ادعى شراء عين فشهدت بينة له بملك مطلق قبلت، لكن رد بأن الصحيح أنها لا تسمع حتى تصرح له بالشراء، وفيه نظر بل الاوجه الأول إلخ.

اه.

(قوله: وكذا) متعلق بلم يضر بعد الواقع جواب لو: أي لم يضر كذا: أي كما لو ادعى شراء عين الخ.

وعدم الضرر فيه لم يصرح به، وإنما يفهم من قوله قبلت.

(وقوله: ملكا مطلقا) أي لم يذكر سببه.

(وقوله: فشهدت) أي البينة.

(وقوله: له) أي لمدعي الملك المطلق.

(وقوله: به) أي بالملك.

(وقوله: مع سببه) أي مع ذكر سبب الملك.

(قوله: لم يضر) أي ما زادته البينة من السبب.

قال في التحفة: لان سببه تابع له، وهو المقصود، وقد وافقت البينة فيه الدعوى.

نعم: لا يكون ذكرهم السبب مرجحا لانهم ذكروه قبل الدعوى به، فإن أعاد دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك، رجحت حينئذ.

اه.

(قوله: وإن ذكر) أي المدعي.

(وقوله: سببا) أي للملك كشراء.

(وقوله: وهم) أي وذكرهم: أي الشهود.

(وقوله: سببا آخر) أي كإرث.

(قوله: ضر ذلك) أي ذكرهم السبب الآخر في شهادتهم.

(قوله: للتناقض إلخ) قال في التحفة: ويفرق بين هذا وما لو قال له علي ألف من ثمن عبد، فقال المقر له لا بل من ثمن دار، بأنه يغتفر في الاقرار ما لا يغتفر في الشهادة المشترط فيها المطابقة للدعوى لا فيه: أي الإقرار.

اه.

(قوله: لو باع) أي شخص.

(قوله: ثم قامت إلخ) أي ثم بعد البيع قامت بينة حسية، وهي التي تشهد قبل الاستشهاد، سواء سبقها دعوى أم لا، وهي مأخوذة من احتسب بكذا أجرا عند الله، اعتده ينوي به وجه الله تعالى.

(قوله: إن أباه) أي أبى البائع.

(قوله: وقفها) أي الدار المبيعة.

(وقوله: عليه) أي على البائع (قوله: ثم على أولاده) أي ثم من بعده تكون وقفا على أولاده.

ولا بد أن تكون موقوفة من بعدهم على جهة عامة كالفقراء لتصح شهادة الحسبة، لما سيأتي في الشارح أنها لا تصح إلا في حق مؤكد لله كطلاق، وعتق، ووقف لنحو جهة عامة الخ.

(قوله: إنتزعت) أي الدار.

وهو جواب لو.

(قوله: ورجع) أي المشتري.

(قوله: ويصرف له) أي للبائع: أي الذي وقفت الدار عليه.

(قوله: من الغلة) أي غلة الدار مثلا: أي أجرتها، وهو بيان لما حصل.

(قوله:

ص: 309

لاقرب الناس إلى الواقف.

قاله الرافعي كالقفال.

فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الامر فيه بملك الآن للعين المدعاة استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما إعتمادا علي الاستصحاب لان الاصل البقاء وللحاجة لذلك وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة إذا تطاول الزمن ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الاكثرين (ولو ادعيا) أي كل من اثنين (شيئا بيد ثالث) فإن أقر به لاحدهما سلم إليه وللآخر تحليفه (و) إن ادعيا شيئا على ثالث و (أقام كل) منهما (بينة أنه اشتراه) منه وسلم ثمنه (فإن اختلف تاريخهما حكم للاسبق) منهما تاريخا لان معها زيادة علم

ــ

إن صدق البائع الشهود) أي في الوقفية.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يصدقهم.

(وقوله: وقفت) أي الغلة، أي تبقى موقوفة ولا تصرف على أحد.

(قوله: فإن مات مصرا) أي على عدم تصديقهم.

(وقوله: صرفت) أي الغلة.

وانظر حينئذ هل يبطل الوقف أو لا؟ مقتضى قوله لاقرب الناس إلى الواقف يؤيد الاول، وإلا لقال صرفت إلى أولاد البائع من بعده، لانهم مذكورون في صيغة الواقف، وأيضا قولم في باب الوقف يشترط القبول من الموقوف عليه المعين، وإلا بطل حقه.

وبطل أصل الوقف إن كان عدم القبول من البطن الاول يؤيده.

وعبارة المنهاج مع التحفة هناك: والأصح أن الوقف على معين يشترط فيه قبوله إن تأهل، وإلا فقبول وليه عقب الإيجاب، أو بلوغ الخبر.

ولو رد الموقوف عليه المعين بطل بحقه منه.

وخرج بحقه أصل الوقف، فإن كان الراد البطن الأول بطل عليهما، أو من بعده فكمنقطع الوسط.

اه.

بحذف.

(قوله: بل تجب) أي الشهادة.

(قوله: إن انحصر الأمر فيه) أي في الشاهد، بأن لم يوجد غيره.

(قوله: بملك) متعلق بالشهادة.

(قوله: إستصحابا) حال من مقدر: أي تجوز الشهادة للشخص حال كونه مستصحبا الخ.

(وقوله: لما سبق) أي لسبب سبق الشهادة: أي وجد قبلها.

(وقوله: من إرث) بيان لما.

(وقوله: وغيرهما) أي غير الارث والشراء كهبة.

(قوله: اعتمادا على الاستصحاب) هو عين قوله استصحابا، فاوولى إسقاطه.

(قوله: لأن الأصل البقاء) أي بقاء الملك، وهو علة للعلة.

(قوله: وللحاجة لذلك) أي للاعتماد على الاستصحاب في أداء الشهادة، وذلك لأنه لا يمكن استمرار الشاهد مع صاحبه دائما لا يفارقه لحظة، لانه متى فارقه أمكن زوال ملكه عنه، فتعذرت عليه الشهادة.

(قوله: وإلا) أي وإن لم تجز الشهادة اعتمادا على الاستصحاب.

(وقوله: لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة) أي لانه يقال فيها يحتمل زوال ملكه عنها.

(قوله: ومحله) أي محل قبول الشهادة اعتمادا على ما ذكر.

(وقوله: لم يصرح) أي الشاهد في الشهادة بأنه اعتمد الاستصحاب، بأن يقول أشهد أنه ملك له الآن، اعتمادا على ما سبق من أنه ورثه أو اشتراه.

(قوله: وإلا) أي بأن صرح بذلك.

(وقوله: لم تسمع) أي الشهادة، قال في النهاية: لكن يتجه حمله على ما إذا ذكره على وجه الريبة والتردد، فإن ذكره لحكاية حال، أو تقوية قبلت معه.

اه.

(قوله: ولو ادعيا الخ) المسألة الاولى قد تقدمت.

(قوله: أي كل من إثنين) أي ادعى كل واحد من إثنين.

(قوله: فإن أقر) أي الثالث، وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة، حلف لكل منهما يمينا وترك في يده.

(وقوله: به) أي بذلك الشئ.

(قوله: سلم) أي ذلك الشئ.

(وقوله: إليه) أي إلى الاحد المقر له.

(قوله: وللآخر تحليفه) أي وللمدعي الثاني تحليف المقر بأن هذا الشئ ليس ملكه.

قال في النهاية: إذ لو أقر به له أيضا غرم له

بدله.

اه.

(قوله: وأن ادعيا شيئا على ثالث) أي أنكرهما، وإنما عدل عن قوله في المتن بيد ثالث إلى ما قال ليشمل ما إذا لم يكن في يد البائع، كما ستأتي الاشارة إليه.

(قوله: وأقام كل منهما) أي من المدعيين.

(وقوله: أنه اشتراه منه) أي وهو يملكه إن كان المبيع بغير يده، وإلا لم يحتج لذكر ذلك كما يأتي.

(قوله: وسلم ثمنه) قيد به لأجل قوله بعد: ويرجعان عليه بالثمن.

(قوله: فإن اختلف تاريخهما) أي كأن شهدت إحدى البينتين أنه اشتراه في رجب، والاخرى أنه اشتراه في شعبان.

(قوله: حكم للاسبق منهما) أي من البينتين.

قال سم: ويلزم المدعى عليه للآخر دفع ثمنه لثبوته ببينة من غير تعارض فيه، كما هو ظاهر.

وكلام الروض صريح فيه.

اه.

(قوله: لأن معها) أي مع

ص: 310

(وإلا) يختلف تاريخهما بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد (سقطتا) لاستحالة أعمالهما ثم إن أقر لهما أو لاحدهما فواضح، وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن لثبوته بالبينة ولو قال كل منهما والمبيع في يد المدعى عليه بعتكه بكذا وهو ملكي وإلا لم تسمع الدعوى فأنكر وأقاما بينتن بما قالاه وطلباه بالثمن فإن اتحد تاريخهما سقطتا وإن اختلف لزمه الثمنان.

ولو قال أجرتك البيت بعشرة مثلا فقال بل أجرتني جميع الدار بعشرة وأقاما بينتين تساقطتا فيتحالفان ثم يفسخ العقد.

تنبيه: لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده

ــ

البينة التي هي أسبق تاريخا.

(وقوله: زيادة علم) أي بثبوت الملك في وقت لا تعارضها فيه الاخرى.

قال في التحفة: ولان الثاني اشتراه من الثالث بعد ما زال ملكه عنه.

ولا نظر لاحتمال عوده إليه لانه خلاف الاصل، بل والظاهر.

اه.

(قوله: وإلا يختلف تاريخهما) أي البينتين معا، وهو صادق بثلاث صور: بأن لا يوجد تاريخ أصلا منهما، وذلك بأن أطلقتا، وبما إذا وجد تاريخ من إحداهما، وبما إذا وجد منهما ولكنه متحد، وقد بينها بقوله بأن أطلقتا الخ (قوله: سقطتا) أي البينتان.

(قوله: لاستحالة أعمالهما) أي لاستحالة العمل بهما لتعارضهما.

(قوله: ثم إن أقر إلخ) أي ثم بعد سقوطهما إن أقر المدعى عليه بأنه باع كلا منهما، أو أحدهما.

فالحكم واضح وهو أنه في الأولى يثبت البيع لاحدهما، ويرجع الآخر عليه بالثمن الذي سلمه له، لبطلان البيع بالنسبة له، وفي الثانية كذلك يثبت البيع للمقر له، ويرجع الآخر عليه بالثمن.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يقر.

(وقوله: حلف لكل منهما) أي بأنه ما باعه.

(قوله: ويرجعان عليه بالثمن) قال في شرح الروض: إذ لا تعارض فيه، لان بينة كل منهما شهدت بتوفية الثمن، وإنما وقع التعارض في الدار لامتناع كونها ملكا لكل منهما في وقت واحد، فسقطتا فيها دون الثمن.

اه.

ومحل رجوعهما عليه بالثمن ما لم تتعرض البينة لقبض المبيع، وإلا فلا يرجعان عليه به لتقرر العقد بالقبض، وليس على البائع عهدة ما يحدث بعده.

(قوله: ولو قال كل منهما الخ) هذه عكس المسألة السابقة، لان تلك في مشتريين وبائع، وهذه في بائعين ومشتر، ومقصودهما الثمن وفي تلك العين.

(قوله: والمبيع الخ) أي والحال أن المبيع في يد المدعى عليه.

(قوله: بعتكه بكذا وهو ملكي) مقول القول.

قال سم: وانظر لو قال وهو في يدي هل يكفي كما قد يدل عليه ما في التنبيه الآتي؟ اه.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يقل هو ملكي لم تسمع الدعوى.

(قوله: فأنكر) أي

المدعى عليه الشراء منهما.

(قوله: وأما) أي مدعيا البيع.

(قوله: بما قالاه) أي من البيع عليه.

(قوله: فإن اتحد تاريخهما سقطتا) أي لامتناع كون العين ملكا لكل منهما في وقت واحد، فيحلف لكل منهما يمينا كما لو لم يكن بينة، وتبقى له العين ولا يلزمه شئ.

(قوله: وإن اختلف) أي تاريخهما.

مثله ما لو أطلقتا، أو أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى.

(قوله: لزمه الثمنان) أي لان التنافي غير معلوم والجمع ممكن، لكن يشترط أن يكون بينهما زمان يمكن فيه العقد الاول، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني ثم العقد الثاني، فلو عين الشهود زمنا لا يتأتى فيه ذلك لم يلزم الثمنان، ويحلف حينئذ لكل.

اه.

نهاية.

(قوله: ولو قال الخ) شروع في حكم ما لو اختلف مؤجر الدار مثلا والمستأجر في قدر ما استؤجر كالمثال المذكور.

ومثله ما لو اختلفا في قدر الاجر، كأن قال أجرتك البيت بعشرة، فقال: بل أجرتنيه بخمسة.

أو فيهما معا، كأن قال أجرتك البيت بخمسة، فقال بل أجرتني جميع الدار بثلاثة.

(قوله: وأقاما بينتين) أي أطلقتا، أو إحداهما، أو اتحد تاريخهما، وكذا إذا اختلف تاريخهما، واتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد.

اه.

تحفة.

(قوله: تساقطتا) أي البينتان، لتناقضهما في كيفية العقد الواحد.

قال في شرح الروض: ويفارق هذا ما لو شهدت بينة بألف وأخرى بألفين، حيث ثبتت الالفان بأنهما لا يتنافيان، لان الشهادة بالالف لا تنفي الالفين، وهنا العقد واحد.

اه.

(قوله: ثم يفسخ العقد) أي عقد الاجارة، ويسلم المكتري أجرة مثل ما سكن في الدار.

(قوله: لا يكفي في الدعوى كالشهادة الخ) عبارة الروض وشرحه: ويشترط في دعوى المشتري من

ص: 311

إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا (ولو ادعوا) أي الورثة كلهم أو بعضهم (مالا) عينا أو دينا أو منفعة (لمورثهم) الذي مات (وأقاموا شاهدا) بالمال (وحلف) معه بعضهم على استحقاق مورثه الكل (أخذ نصيبه ولا يشارك فيه) من جهة البقية لان الحجة تمت في حقه وحده وغيره قادر عليها بالحلف وأن يمين الانسان لا يعطى بها غيره فلو كان بعض الورثة صبيا أو غائبا حلف إذا بلغ أو حضر وأخذ نصيبه بلا إعادة دعوى وشهادة ولو أقر بدين لميت فأخذ بعض ورثته قدر حصته ولو بغير دعوى ولا إذن من حاكم فللبقية مشاركته ولو أخذ أحد شركائه في دار أو منفعتها ما يخصه من أجرتها لم يشاركه فيه بقية الورثة كما قاله شيخنا.

ــ

غير ذي اليد أن يقول المدعي: إشتريتها منه وهي ملكه، أو تسلمتها منه، أو سلمها إلي، كالشهادة يشترط فيها أن يقول الشاهد إشتراها من فلان وهي ملكه، أو إشتراها أو تسلمها منه أو سلمها إليه لا في دعوى الشراء من ذي، يد، فلا يشترط فيها ذلك، بل يكفي ذكر اليد، لان اليد تدل على الملك.

اه.

(قوله: إذا كان) أي البائع غير ذي يد بأن كان المبيع في يد شخص آخر غير البائع.

(قوله: أو مع ذكر الخ) عطف على قوله مع ذكر ملك البائع: أي أو إلا مع ذكر اليد فيكفي ذلك، لان اليد تدل على الملك كما مر.

(قوله: إذا كانت اليد له) أي للبائع.

(وقوله: ونزعت منه تعديا) فيه أنه يكون حينئذ غير ذي يد، فيقال حينئذ ما الفرق بين هذه الصورة والتي قبلها؟ ويمكن أن يفرق بينهما بحمل قوله في الصورة الأولى غير ذي يد على ما إذا لم يكن تحت يده أصلا، بأن ورثه من أبيه ولم يستلمه من وكيله أو من وصيه، وحمل ما هنا على ما إذا دخل تحت يده ولكن انتزع منه.

ولو أسقطه - كما في شرح الروض - لكان

أولى.

(قوله: ولو ادعوا إلخ) هذه المسألة ذكروها في باب الشهادة.

(قوله: مالا) مفعول ادعوا.

(وقوله: عينا إلخ) تعميم في المال.

(قوله: لمورثهم) متعلق بمحذوف صفة لمالا: أي مالا ملكا لمورثهم.

(قوله: وأقاموا شاهدا) أي بعد إثباتهم لموته وإرثهم وانحصاره فيهم.

اه.

نهاية.

(قوله: وحلف معه بعضهم) أي وحلف مع الشاهد الذي أقاموه بعض الورثة.

قال في شرح الروض: فإذا حلفوا كلهم ثبت الملك له وصار تركة تقضى منها ديونه ووصاياه.

اه.

(قوله: على استحقاق مورثه الكل) أي المال، ولا يقتصر على قدر حصته، لأنه إنما يثبت الملك لمورثه.

وكذا لو حلفوا كلهم لما ذكر.

(قوله: أخذ نصيبه) قال في شرح الروض: ويقضي من نصيبه قسطه من الذين والوصية لا الجميع.

اه.

(قوله: ولا يشارك) بالبناء للمجهول.

(وقوله: فيه) نائب فاعله، وضميره يعود على نصيبه الذي أخذه.

(قوله: من جهة البقية) أي بقية الورثة.

(قوله: لان الحجة تمت إلخ) علة عدم المشاركة.

(وقوله: في حقه) أي الحالف.

(قوله: وغيره) أي ولان غير الحالف قادر عليها، أي الحجة.

(وقوله: بالحلف) متعلق بقادر.

(قوله: وأن يمين الإنسان الخ) علة ثالثة لعدم المشاركة.

(وقوله: لا يعطى بها) أي بيمين الانسان.

(وقوله: غيره) أي غير الانسان صاحب اليمين.

(قوله: فلو كان الخ) مرتب على محذوف تقديره: ويبطل حق كامل لم يحلف بنكوله إن حضر في البلد، وكان قد شرع في الخصومة أو شعر بها، فلو كان بعض الورثة صبيا الخ.

(قوله: حلف إذا بلغ) راجع للصبي.

(وقوله: أو حضر) راجع للغائب.

(قوله: وأخذ) أي وأخذ كل منهما.

(وقوله: نصيبه) أي حصته (قوله: بلا إعادة دعوى وشهادة) أي لانهما وجدا أولا من الكامل خلافة عن الميت.

(قوله: ولو أقر) أي شخص بدين لميت.

(قوله: فأخذ بعض ورثته) أي الميت من ذلك الدين المقر به.

(قوله: ولو بغير دعوى) غاية في الأخذ.

(وقوله: ولا إذن من حاكم) أي في الاخذ.

(قوله: فللبقية) أي بقية الورثة.

(وقوله: مشاركته) أي مشاركة بعض الورثة في القدر الذي أخذه.

(قوله: ولو أخذ أحد شركائه) أي الشخص (وقوله: في دار متعلق بشركاء) أي شركائه في نفس الدار.

(وقوله: أو منفعتها) معطوف على في الدار: أي أو شركائه في منفعة الدار، بأن كان موصى بها لجماعة.

(قوله: ما يخصه) مفعول أخذ.

(وقوله: من أجرتها) بيان لما.

(قوله: لم يشاركه فيه) أي فيما أخذه مما يخصه من أجرتها.

(قوله: بقية الورثة) صوابه بقية الشركاء، كما في بعض نسخ الخط.

والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 312

فصل في الشهادات جمع شهادة.

وهي إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص.

(الشهادة لرمضان) أي لثبوته بالنسبة للصوم فقط.

(رجل) واحد لا امرأة وخنثى (ولزنا) ولواط (أربعة) من الرجال يشهدون أنهم رأوه أدخل ملكفا

ــ

فصل في الشهادات

شروع في القسم الثاني من ترجمة الباب السابق، وهو البينات.

وإنما أفرده بفصل مستقل لطول الكلام على القسم الاول وهو الدعاوي، ولان الباب ما اشتمل على فصول، فلا يقال إنه في الباب السابق ترجم للبينات ولم يذكرها فيه.

(قوله: جمع شهادة) وإنما جمعها لتنوعها كما مر بيانه والأصل فيها قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: * (ولا تكتموا الشهادة) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) *.

وقوله تعالى: * (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) *.

وأخبار كخبر الصحيحين: ليس لك إلا شاهداك أو يمينه.

أي ليس لك يا مدعي في إثبات الحق على خصمك إلا شاهداك، وليس لك في فصل الخصومة بينك وبينه عند عدم البينة إلا يمينه، وكخبر البيهقي والحاكم وصحح إسناده أنه صلى الله عليه وسلم: سئل عن الشهادة، فقال للسائل: ترى الشمس؟ قال نعم.

فقال: على مثلها فاشهد أو دع.

وقوله: على مثلها الخ: المراد إن كنت تعلم الشئ الذي تريد الشهادة به مثل الشمس فاشهد به، وإن كنت لا تعلمه مثلها فاترك الشهادة به.

وأركانها خمسة: شاهد ومشهود به ومشهود عليه ومشهود له وصيغة.

وكلها تعلم من كلامه.

(قوله: وهي) أي الشهادة شرعا ما ذكر.

وأما لغة فمعناها الاطلاع والمعاينة كما في المصباح.

(وقوله: إخبار الشخص الخ) عرفها بعضهم بأنها إخبار عن الشئ بلفظ خاص، وهو أولى لشموله لنحو هلال رمضان، بخلاف تعريف الشارح.

(قوله: بحق على غيره) أي لغيره.

(قوله: بلفظ خاص) أي على وجه خاص، بأن تكون عند قاض بشرطه.

اه.

رشيدي والمراد باللفظ الخاص لفظ أشهد لا غير، فلا يكفي إبداله بغيره ولو كان أبلغ، لان فيه نوع تعبد.

(قوله: الشهادة إلخ) شروع في بيان ما يعتبر فيه شهادة الرجال وتعدد الشهود، وما لا يعتبر فيه ذلك.

(وقوله: لرمضان) أي وتوابعه كتعجيل زكاة الفطر في اليوم الأول، ودخول شوال، وصلاة التراويح.

(قوله: أي لثبوته) أي رمضان، وأفاد بهذا التفسير أن الشهادة ليست لنفس رمضان، وإنما هي لاثباته.

(قوله: بالنسبة للصوم فقط) أي لا بالنسبة لحلول أجل أو لوقوع طلاق، كما مر في باب الصوم.

(قوله: رجل) خبر عن الشهادة، ولا بد من تقدير مضاف في الأول أو الثاني ليتطابق المبتدأ والخبر، وذلك لان الشهادة ليست عين الرجل: إذ هي إسم معنى، وهو جثة.

وتقديره في الاول ذو الشهادة لرمضان رجل، وفي الثاني الشهادة لرمضان شهادة رجل، ويصح أن يكون رجل فاعلا لفعل محذوف مع متعلقه، والتقدير يكفي فيها رجل، وهذا أقعد من جهة المعنى إلا أنه يرد عليه أن حذف العامل لا يجوز إلا مع القرينة، ولا قرينة

(1) سورة البقرة، الاية:283.

(2)

سورة الطلاق، الاية:2.

(3)

سورة البقرة، الاية:282.

ص: 313

مختارا حشفته في فرجها بالزنا.

قال شيخنا: والذي يتجه أنه لا يشترط ذكر زمان ومكان إلا ن ذكره أحدهم فيجب سؤال الباقين لاحتمال وقوع تناقض يسقط الشهادة ولا ذكر رأينا كالمرود في المكحلة بل يسن ويكفي للاقرار به إثنان كغيره (ولمال) عينا كان أو دينا أو منفعة (وما قصد به مال) من عقد مالي أو حق مالي (كبيع) وحوالة

وضمان ووقف وقرض وإبراء (ورهن) وصلح وخيار وأجل (رجلان أو رجل وامرأتان أو رجل ويمين) ولا يثبت

ــ

هنا، إلا أن يدعي المقام، ومثل ذلك يجري في جميع ما يأتي.

(قوله: لا امرأة وخنثى) أي فلا يثبت بهما هلال رمضان لنقصهما.

(قوله: ولزنا ولواط) معطوفان على قوله لرمضان: أي والشهادة لزنا ولواط: أي وإتيان بهيمة أو ميتة.

(قوله: أربعة من الرجال) أي لقوله تعالى: * (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة) *.

ولان الزنا أقبح الفواحش، وإن كان القتل أغلظ منه على الاصح، فغلظت الشهادة فيه سترا من الله تعالى على عباده، واشتراط الاربعة فيهما إنما هو بالنسبة لاثبات الحد أو التعزيز، أما بالنسبة لسقوط حصانته وعدالته ووقوع طلاق علق بزناه فيثبت برجلين، وقد يشكل على ثبوت ما ذكر بهما ما مر في باب حد القذف من أن شهادة ما دون الاربعة بالزنا تفسقهم وتوجب حدهم، فكيف يتصور هذا.

وقد يجاب بأن صورته أن يقولا نشهد بزناه بقصد سقوط أو وقوع ما ذكر، فقولهما بقصد الخ ينفي عنهما الحد والفسق، لانهما صرحا بما ينفي أن يكون قصدهما إلحاق العار به الذي هو موجب حد القذف.

(قوله: يشهدون إلخ) بيان لكيفية الشهادة بالزنا واللواط.

(قوله: أنهم) أي الاربعة.

(وقوله: رأوه) أي الزاني أو اللائط.

(قوله: مكلفا مختارا) حالان من فاعل أدخل.

(قوله: حشفته) أي أو قدرها من مقطوعها، وهو مفعول أدخل.

(قوله: في فرجها) متعلق بأدخل، ولا بد من تعيينها كهذه، أو فلانة.

(وقوله: بالزنا) متعلق بأدخل: أي على وجه الزنا، ولا بد من ذكر ذلك أو ما يفيد معناه، كان يقول على وجه محرم.

(قوله: لا يشترط ذكر زمان ومكان) أي زمان الزنا ومكانه.

(قوله: إلا أن ذكره) أي المذكور من الزمان والمكان.

(وقوله: أحدهم) أي أحد الشهود الاربعة.

(قوله: فيجب سؤال الباقين) أي عن الزمان والمكان.

(قوله: لاحتمال) علة للوجوب.

(وقوله: وقوع تناقض) أي إذا سئلوا عنهما.

وذلك كأن تذكر بقية الشهود زمانا أو مكانا غير الذي ذكره الشاهد الاول، كأن يقول أحد الشهود رأيته زنى أول النهار في المكان الفلاني، ويقول الباقون رأيناه زنى آخر النهار في المكان الفلاني غير المكان الاول، فهذا تناقض وخلف وقع بينهم، وهو يسقط الشهادة أو يبطلها.

(قوله: ولا ذكر رأينا إلخ) أي ولا يشترط ذكر رأيناه أدخل حشفته في فرجها كدخول المرود في المكحلة، والمرود - بكسر الميم - الميل.

(قوله: بل يسن) أي ذكر رأيناه كالمرود في المكحلة.

(قوله: ويكفي للاقرار به) أي الزنا: أي وما ألحق به من اللواط، وإتيان البهيمة والميتة.

(وقوله: إثنان) أي شهادة إثنين.

(وقوله: كغيره) أي كغير الاقرار بالزنا من الاقارير، فإنه يكفي فيها إثنان.

(قوله: ولمال) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لمال (قوله: عينا كان) أي ذلك لمال كدار وثوب (وقوله: أو منفعة) أي لدار ونحوها.

(قوله: وما قصد به مال) أي وللشئ الذي قصد منه مال.

(قوله: من عقد) بيان لما.

(وقوله: مالي) أي متعلق بالمال (قوله: أو حق مالي) أي متعلق بالمال، ولم يمثل له إلا بمثال واحد وهو الخيار.

(قوله: كبيع) تمثيل للعقد المالي.

(قوله: وحوالة) معطوف على بيع، عطف الخاص على العام، ومثله جميع الامثلة الآتية ما عدا الخيار فإنها للعقد إذ هي بيع دين بدين فهي تمثيل أيضا للعقد المالي.

(قوله: وضمان) هو مثال للعقد المالي أيضا.

وفي حواشي شرح المنهج جعله مثالا للحق المالي وليس كذلك: إذ هو عقد.

(قوله: ووقف) هو مثال أيضا للعقد المالي: أي الذي قصد منه المال.

وفي حاشية الباجوري جعله من الحق المالي وليس كذلك، إذ هو عقد أيضا.

وكتب البجيرمي على قول الخطيب: تنبيه من هذا الضرب الوقف ما نصه، لأن المقصود منه فوائده أو أجرته وهي مال.

وصورة المسألة، أن شخصا ادعى ملكا تضمن وقفية، كأن قال هذه الدار كانت لابي ووقفها علي.

وأنت غاصب لها، وأقام شاهدا وحلف معه، حكم له بالملك، ثم تصير وقفا بإقراره، وإن

(1) سورة النور، الاية:4.

ص: 314

شئ بامرأتين ويمين (ولغير ذلك) أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال من عقوبة لله تعالى كحد شرب وسرقة أو لآدمي كقود وحد قدف ومنع إرث بأن ادعى بقية الورثة على الزوجة أن الزوج خالعها حتى لا ترث منه (ولما يظهر للرجال غالبا كنكاح) ورجعة (وطلاق) منجز أو معلق وفسخ نكاح وبلوغ (وعتق) وموت وإعسار

ــ

كان الوقف لا يثبت بشاهد ويمين.

قاله في البحر.

م.

ر.

اه.

(قوله: وقرض) هو وجميع ما بعده ما عدا الخيار من العقد المالي، أما الخيار فمن الحق المالي كما علمت، ومثله جناية توجب مالا.

وجعل البجيرمي الاجل أيضا من الحق المالي، وفيه نظر لأنه لا بد أن يكون مصرحا به في العقد، فهو من متعلقات العقد لا الحق.

(قوله: رجلان الخ) خبر المبتدأ المقدر قبل قوله لمال: أي والشهادة لمال وما قصد به مال يكفي فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو رجل ويمين، وذلك لقوله تعالى: * (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * أي إن لم ترغبوا في إقامة الرجلين، وليس المراد أنه لا يكفي الرجل والمرأتان إلا عند تعذر الرجلين، بدليل الاجماع على خلافه ولعموم البلوى بالمعاملات ونحوها، فوسع في طرق إثباتها، واستثنى في التحفة من الاكتفاء بشهادة من ذكر: الشركة والقراض، والكفالة.

وقال: أما هي فلا بد فيها من رجلين ما لم يرد في الاولين إثبات حصة من الربح.

اه.

(قوله: ولا يثبت شئ بإمرأيتن ويمين) أي ولو فيما يثبت بشهادة النساء منفردات، وذلك لعدم ورود ذلك ولضعفهما.

وإنما قام المرأتان مقام الرجل في الرجل والمرأتين لوروده.

(قوله: ولغير ذلك) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لغير ذلك المذكور من رمضان وما بعده.

(وقوله: أي ما ليس بمال ولا يقصد منه مال) تفسير لغير ذلك، لا لاسم الاشارة كما هو ظاهر.

وكان عليه أن يزيد وما ليس برمضان ولا زنا، لانهما من جملة المذكور قبل.

(قوله: من عقوبة لله تعالى) بيان لما، وهو على حذف مضاف: أي من موجب عقوبة كشرب وسرقة، لان الشهادة له لا لها.

(وقوله: كحد شرب) أي شرب خمر، وهو تمثيل للعقوبة.

(قوله: وسرقة) أي وحد سرقة.

(قوله: أو لآدمي) معطوف على لله.

أي أو عقوبة لآدمي، وهو على حذف مضاف أيضا كالذي قبله: أي موجب عقوبة لآدمي.

(قوله: كقود) أي قصاص، وهو تمثيل لعقوبة الآدمي (قوله: ومنع أرث) عطف على قود المجعول مثالا لعقوبة الآدمي، وهو يفيد أنه مثال لها أيضا.

وفيه نظر إلا أن يراد من العقوبة مطلق أذية، حسية كانت أو معنوية.

تأمل.

(قوله: بأن ادعى الخ) تصوير لمنع الارث.

(قوله: ولما يظهر للرجال) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة لما يظهر للرجال الخ.

(وقوله: غالبا) أي في غالب الاحوال، وقد لا يظهر على سبيل الندور، فقد يتفق أن الرجل يطلق زوجته من غير حضور رجال، بل بحضور النساء، ومع ذلك فلا عبرة بهن.

(قوله: كنكاح) قال سم نقلا عن ابن العماد: يجب على شهود النكاح ضبط التاريخ بالساعات واللحظات، ولا يكفي الضبط بيوم العقد، فلا يكفي أن النكاح عقد يوم الجمعة مثلا، بل لا بد أن يزيدوا على ذلك بعد الشمس مثلا بلحظة أو لحظتين، أو قبل العصر أو المغرب كذلك.

لان النكاح يتعلق به لحاق الولد لستة أشهر ولحظتين من حين العقد، فعليهم ضبط التاريخ بذلك لحق النسب.

وهذا مما يغفل عنه في الشهادة بالنكاح.

اه.

وفي المغني.

(تنبيه) يستثنى من النكاح ما لو ادعت أنه نكحها وطلقها، وطلبت شطر الصداق، أو أنها زوجة فلان الميت، وطلبت الارث فيثبت ما ادعته برجل وامرأتين، وبشاهد ويمين، وإن لم يثبت النكاح بذلك، لان مقصودها المال.

ومن الطلاق ما لو كان بعضو وادعاه الزوج فإنه يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهدين ويمين.

اه.

(قوله: ورجعة) ذكرها مبني على القول بإشتراط الاشهاد فيه، والمعتمد خلافه، فلا تحتاج إلى إشهاد رأسا فضلا عن إشتراط الرجلين فيها.

(قوله: وطلاق) أي بعوض أو غيره أن ادعته الزوجة.

فإن ادعاه الزوج بعوض يثبت بشاهد ويمين ويلغز به فيقال: لنا طلاق يثبت بشاهد ويمين.

زي.

وفيه أن الطلاق ثبت بإقراره، والثابت بالرجل واليمين إنما هو

(1) سورة البقرة، الاية:282.

ص: 315

وقراض ووكالة وكفالة وشركة ووديعة ووصاية وردة وانقضاء عدة بأشهر ورؤية هلال غير رمضان وشهادة على شهادة وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين (رجلان) لا رجل وامرأتان لما روى مالك عن الزهري: مضت السنة من رسول الله (ص) أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق وقيس بالمذكورات غيرها مما يشاركها في المعنى (ولما يظهر للنساء) غالبا (كولادة وحيض) وبكارة وثيابة ورضاع وعيب امرأة تحت

ــ

العوض.

اه.

بجيرمي.

(قوله: وقراض ووكالة) محل إشتراط الرجلين فيهما.

وفي الوصاية وفي الشركة إن أريد عقودها والولاية فيها.

فإن أريد إثبات الجعل في الوكالة والوصاية، وإثبات حصته من المال في الشركة، وحصته من الربح فيها وفي القراض، قبل فيها رجلان، أو رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين، لان المقصود منها المال حينئذ.

وقد تقدم التنبيه على بعض ذلك.

(قوله: ووديعة أي ادعى مالكها غصب ذي اليد لها، وذو اليد أنها وديعة، فلا بد من شاهدين، لان المقصود بالذات إثبات ولاية الحفظ له، وعدم الضمان يترتب على ذلك.

اه.

تحفة.

(قوله: ووصاية) أي فالشهادة للوصاية: أي بأن فلانا وصى فلانا، لا بد فيها من رجلين لقوله تعالى: * (شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية إثنان) * الخ.

(قوله: ورؤية هلال غير رمضان) أي أما رؤية هلال رمضان فتثبت بواحد كما تقدم.

والراجح عند غير شيخ الإسلام وابن حجر: أن رؤية هلال غير رمضان تثبت بواحد بالنسبة للعبادة كرؤية هلال رمضان، فتقبل شهادة الواحد بهلال شوال للاحرام بالحج، وصوم ستة أيام من شوال، وبهلال ذي الحجة للوقوف، وللصوم في عشره، ما عدا يوم العيد، وبهلال رجب للصوم فيه، وبهلال شعبان لذلك، حتى لو نذر صوم شهر فشهد واحد بهلاله وجب.

(قوله: وشهادة على شهادة) أي بأن يشهد إثنان على شهادة كل من الشاهدين، بنحو قرض لغيبتهما مثلا.

(قوله: وإقرار بما لا يثبت إلا برجلين) وهو ما يظهر للرجال غالبا كالنكاح وما بعده.

ولو قال وإقرار بها: أي بهذه المذكورات لكان أولى، ومثل الاقرار بذلك الإقرار بما لا يثبت إلا بأربعة رجال كالزنا كما مر، أما الاقرار بما يثبت بهما، أو برجل ويمين، مما مر من المال، أو ما يقصد به مال، فيكفي فيه ذلك أيضا كما صرح به في الروض.

وعبارته: الضرب الثالث المال، وما المقصود منه المال كالاعيان والديون والعقود المالية، وكذا الاقرار به يثبت برجلين، أو رجل وامرأتين.

اه.

فقوله وكذا الاقرار به: هو محل الاستشهاد.

(قوله: لا رجل وامرأتان) أي ولا رجل ويمين.

(قوله: لما روى مالك إلخ) أي ولأنه تعالى نص في الطلاق والرجعة والوصاية على الرجلين، وصح به الخبر في النكاح.

اه.

تحفة.

(وقوله: مضت السنة) أي استقرت بأنه، أي على أنه الخ.

أو حكمت، ونسبة الحكم إليها مجاز، والسنة الطريقة: أي شريعة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الاحكام الشرعية لا مقابل الفرض.

اه.

ش ق.

(قوله: وقيس بالمذكورات) أي في الخبر، وهي الحدود والنكاح والطلاق.

(وقوله: غيرها) أي المذكورات، نائب فاعل قيس.

(قوله: مما يشاركها في المعنى) أي وهو كل ما ليس بمال، ولا هو المقصود منه.

ولا نظر لرجوع الوصاية والوكالة للمال، لان القصد منهما إثبات الولاية لا المال.

اه.

تحفة.

(قوله: ولما يظهر للنساء) معطوف على لرمضان أيضا: أي والشهادة للحق الذي يظهر للنساء.

(وقوله: غالبا) أي في غالب

الاحوال، وقد يظهر للرجال على سبيل الندور.

(قوله: كولادة) أي ادعتها وأنكرها الرجل، فتثبت بهن.

قال في التحفة: إذا ثبتت الولادة للنساء ثبت النسب، والارث تبعا.

لأن كلا منهما لازم شرعا للمشهود به لا ينفك عنه، ويؤخذ من ثبوت الارث فيما ذكر ثبوت حياة المولود، وإن لم يتعرضن لها في شهادتهن بالولادة، لتوقف الارث عليها، أعني الحياة، فلم يمكن ثبوته قبل ثبوتها، أما لو لم يشهدن بالولادة بل بحياة المولود، فظاهر أنهن لا يقبلن، لان الحياة من حيث هي مما يطلع عليه الرجل غالبا.

اه.

بحذف.

(قوله: وحيض) أي ادعته لاجل العدة فأنكر.

وفي البجيرمي ما نصه: قوله وحيض - هو صريح في إمكان البينة عليه، وبه صرح النووي في أصل الروضة، ونقله في فتاويه عن ابن الصباغ، وصوبه بعضهم خلافا لما في الروضة، كأصلها في كتاب الطلاق من تعذر إقامة البينة عليه.

ورجح بعضهم ما هنا، وحمل في

(1) سورة المائدة، الاية:106.

ص: 316

ثيابها (أربع) من النساء (أو رجلان أو رجل وامرأتان) لما روى ابن أبي شيبة عن الزهري: مضت السنة بأنه يجوز شهادة النساء فيما لا يطلع عليه غيرهن من ولادة النساء وعيوبهن وقيس بذلك غيره ولا يثبت ذلك برجل ويمين.

(وسئل) بعض أصحابنا عما إذا شهد رجلان أن فلانا بلغ عمره ست عشرة سنة فشهدت أربع نسوة أن فلانة يتيمة ولدت شهر مولده أو قبله أو بعده بشهر مثلا فهل يجوز تزويجها إعتمادا على قولهن أو لا يجوز إلا بعد ثبوت بلوغ نفسها برجلين.

ــ

الطلاق من التعذر على التعسر.

اه.

وإنما كان متعسرا.

لان الدم وإن شوهد إحتمل أنه إستحاضة.

(قوله: وبكارة) أي فيما إذا شرطت في العقد وادعى زوجها أنه وجدها ثيبا وأراد الفسخ، وأنكرت ذلك وادعت أنها بكر إلى الآن وأقامت أربع نسوة على دعواها فيقبلن.

(وقوله: وثيابة) في بعض نسخ الخط وثيوبة - بالواو - وهي ضد البكارة، وصورتها أن يكون قد طلقها وادعى أنه طلقها وهي بكر لتشطير المهر عليه، فادعت أنها ثيب بوطئه لها ليستقر المهر كله لها وأقامت أربع نسوة على ذلك فيقبلن.

(قوله: ورضاع) أي إذا كان من الثدي، أما إذا كان من إناء فلا يقبلن فيه، لان ذلك يطلع عليه الرجال غالبا.

نعم: يقبلن في أن هذا اللبن الذي في هذا الإناء من هذه المرأة، لأن الرجال لا يطلعون عليه غالبا.

(قوله: وعيب امرأة) أي كرتق، وقرن، وجرح على فرجها، حرة كانت أو أمة.

(وقوله: تحت ثيابها) المراد به ما لا يطلع عليه الرجال غالبا.

وخرج به عيب الوجه واليد من الحرة، فلا يثبت حيث لم يقصد به مال إلا برجلين، وكذا ما يبدو عند مهنة الامة إذا قصد به فسخ النكاح مثلا، أما إذا قصد به الرد في العيب، فيثبت برجل وامرأتين، وشاهد ويمين: لأن القصد منه حينئذ المال.

لا يقال كون هذا مما يطلع عليه الرجال غالبا، إنما يظهر على القول بحل النظر إلى ذلك لا على المعتمد من تحريمه، لانا نقول الوجه والكفان يطلع عليهما الرجال غالبا.

وإن قلنا بتحريم النظر لهما لانه جائز لمحارمها وزوجها بل للاجنبي لتعليم ومعاملة وتحمل شهادة.

(قوله: أربع من النساء) خبر عن الشهادة المقدرة قبل قوله ولم يظهر إلخ.

(واعلم) أن ما قبلت فيه شهادة النساء على فعله، لا تقبل شهادتهن على الإقرار به، لانه مما يطلع عليه الرجال

غالبا بالسماع كسائر الاقارير.

(قوله أو رجلان إلخ) .. (واعلم) أن قبول شهادة من ذكر معلوم بالاولى، لانه إذا قبلت شهادتهن منفردات قبلت شهادة الرجلين، والرجل والمرأتين بالاولى.

(قوله: لما روى الخ) دليل للاكتفاء بشهادة الاربع النسوة فيما لا يظهر للنساء غالبا.

(قوله: من ولادة إلخ) بيان لما.

(وقوله: وعيوبهن) أي كالرتق وما بعده مما مر.

(قوله: وقيس بذلك) أي بالمذكور في الحديث من الولادة والعيوب.

(وقوله: غيره) أي غير المذكور في الحديث مما هو في معناه من كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كالحيض وما بعده مما مر.

(قوله: ولا يثبت ذلك) أي ما يظهر للنساء غالبا برجل ويمين، لانها حجة ضعيفة.

وعيوب النساء ونحوها مما في معناها أمور مخطرة تحتاج إلى حجة قوية.

(قوله: وسئل الخ) الغرض من إيراد ما ذكر، بيان أن البلوغ قد يثبت بالنسوة تبعا لما يقبلن فيه، وإن كان إستقلالا لا يثبت إلا برجلين.

(قوله: أن فلانة يتيمة) يحتمل أن هذا علم عليها، ويحتمل الوصف.

(قوله: ولدت) بالبناء للمجهول.

(وقوله: شهر مولده) أي مولد فلان الذي شهد رجلان ببلوغه ست عشرة سنة.

(وقوله: أو قبله) أي أو ولدت قبل شهر مولده.

(وقوله: أو بعده) أي أو بعد شهر مولده.

(وقوله: بشهر) متعلق بولدت المقدر.

وقوله: مثلا) أي أو بشهرين.

(قوله: فهل يجوز تزويجها) أي فيما إذا توقف على إذنها بأن لم يكن لها ولي مجبر.

(قوله: إعتمادا على قولهن) أي في ثبوت الولادة.

(قوله: أو لا يجوز) أي تزويجها.

(قوله: إلا بعد

ص: 317

(فأجاب) نفعنا الله به: نعم يثبت ضمنا بلوغ من شهدن بولادتها كما يثبت النسب ضمنا بشهادة النساء بالولادة فيجوز تزويجها بإذنها للحكم ببلوغها شرعا.

اه.

فرع: لو أقامت شاهدا بإقرار زوجها بالدخول كفى حلفها معه ويثبت المهر أو أقامه هو على إقرارها به لم يكف الحلف معه لان قصده ثبوت العدة والرجعة وليسا بمال (وشرط في شاهد تكليف وحرية ومروءة وعدالة) وتيقظ فلا تقبل من صبي ومجنون ولا ممن به رق لنقصه ولا من غير ذي مروءة لانه لا حياء له ومن لا حياء له يقول

ما شاء وهي توقى الادناس عرفا فيسقطها الاكل والشرب في السوق والمشي فيه كاشفا رأسه أو بدنه لغير سوقي

ــ

ثبوت بلوغ نفسها) أي إلا بعد أن تثبت بلوغها بنفسها برجلين.

(قوله: نعم يثبت ضمنا) أي تبعا للولادة (وقوله: من شهدن) بنون النسوة.

(قوله: كما يثبت النسب) أي تبعا للولادة، كما تقدم في عبارة التحفة.

(قوله: فيجوز تزويجها إلخ) مفرع على ثبوت البلوغ بولادتها.

(قوله: لو أقامت شاهدا إلخ) أي إذا ادعت دخوله عليها ليستقر المهر كلها، وأنكر الزوج ليتشطر المهر، فأقامت شاهدا على أنه أقر بأنه دخل عليها، كفى حلفها مع ذلك الشاهد.

لان القصد المال وما كان القصد منه ذلك يكفي فيه شاهد ويمين كما مر.

(وقوله: ويثبت المهر) أي كله بذلك.

(قوله: أو أقامه إلخ) أي إذا ادعى دخوله عليها لتثبت العدة إذا طلقها، والرجعة إذا كان رجعيا، وأنكرته هي لئلا يكون عليها عدة، ولا تثبت له الرجعة، لان الطلاق قبل الوطئ لا عدة فيه ولا رجعة.

وأقام شاهدا على إقرارها بالدخول فلا يكون الحلف معه، لانه ليس القصد المال

بل العدة والرجعة، وما كان كذلك لا بد فيه من رجلين كما مر.

(قوله: وشرط في شاهد إلخ) شروع في بيان شروط الشاهد، وذكر منها هنا خمسة شروط، وسيذكر ثلاثة وهي عدم التهمة، والابصار والسمع في المبصرات والمسموعات، وسيذكر محترزات الجميع، وبقي عليه في الشروط الاسلام والنطق، والرشد، فلا تقبل الشهادة من كافر ولو على مثله، لانه أخس الفساق، ولقوله تعالى: * (واستشهدوا شهدين من رجالكم) * وقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.

والكافر ليس من رجالنا وليس بعدل، وأما خبر: لا تقبل شهادة أهل دين على غيرهم إلا المسلمون فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم فضعيف، وأما قوله تعالى: * (أو آخران من غيركم) * فمعناه من غير عشيرتكم، أو منسوخ بقوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.

ولا من أخرس وإن فهم إشارته كل أحد فلا يعتد بشهادته بها، كما لا يحنث فيما لو حلف لا يتكلم ولا تبطل صلاته بها، فهي لاغية في هذه الابواب الثلاثة، ومعتبرة في غيرها، ولا من محجور عليه بسفه لنقصه.

(واعلم) أن هذه الشروط يعتبر وجودها في الشاهد عند التحمل، والاداء في النكاح لتوقف صحته على الشهود، وعند الاداء فقط في غيره، فيجوز أن يتحملها وهو غير كامل، ثم يؤديها وهو كامل.

(قوله: فلا تقبل من صبي) أي لقوله تعالى: * (من رجالكم) *.

والصبي ليس من رجالنا فلا تقبل شهادته ولو لمثله أو عليه، خلافا للامام مالك رضي الله عنه حيث قبل شهادة الصبيان فيما يقع بينهم من الجراحات ما لم يتفرقوا.

(وقوله: ومجنون) أي فلا تقبل شهادته بالاجماع.

(قوله: ولا ممن به رق) أي ولا تقبل الشهادة ممن فيه رق كسائر الولايات، إذ في الشهادة نفوذ قول على الغير، وهو نوع ولاية.

ولانه مشغول بخدمة سيده فلا يتفرغ لتحمل الشهادة ولا لادائها.

اه.

شرح الروض.

(قوله: ولا من غير ذي مروءة) أي ولا تقبل الشهادة من غير صاحب مروءة، وهي - بضم الميم - لغة: الاستقامة، وشرعا ما سيذكره.

(قوله: لأنه) أي غير صاحب مروءة، لا حياء له.

(قوله: ومن لا حياء له يقول ما شاء) أي لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا لم تستح فاصنع ما شئت.

(قوله: وهي) أي المروءة شرعا، ومعناها لغة ما تقدم.

(وقوله: توقي الادناس) أي التحرز من كل دنس، أي خسيس لا إثم فيه.

أو فيه إثم كسرقة لقمة.

(وقوله: عرفا) راجع

(1) سورة البقرة، الاية:282.

(2)

سورة الطلاق، الاية:2.

(3)

سورة المائدة، الاية:106.

ص: 318

وقبلة الحلية بحضرة الناس وإكثار ما يضحك بينهم أو لعب شطرنج أو رقص بخلاف قليل الثلاثة ولا من فاسق واختار جمع منهم الاذرعي والغزي وآخرون قول بعض المالكية إذا فقدت العدالة وعم الفسق قضى الحاكم

ــ

للادناس، فالمراد من الدنس، ما يعد في العرب دنسا، فهو لا ينضبط، بل يختلف باختلاف الأشخاص والاحوال والاماكن.

وعبارة المنهاج: والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه.

قال في المغني: لان الامور العرفية قلما تنضبط، بل تختلف باختلاف الاشخاص والازمنة والبلدان، وهي بخلاف العدالة فإنها لا تختلف بإلاختلاف الاشخاص، فإن الفسق يستوى فيه الشريف والوضيع، بخلاف المروءة فإنها تختلف.

وقيل المروءة التحرز.

عما يسخر منه ويضحك به.

وقيل هي أن يصون نفسه عن الادناس ولا يشينها عند الناس، وقيل غير ذلك.

اه.

وقوله: وقيل غير ذكل، منه: المروءة ترك ما يزري بمتعاطيه لكونه غير لائق به عرفا، وهذه التعاريف متقاربة من جنة المعنى.

(واعلم) أنه يجوز تعاطي خارم المروءة، إلا إذا تعينت عليه الشهادة فيحرم عليه تعبه.

وقد فقدت المروءة الآن إلا من القليل من الناس.

وما أحسن ما قيل فيها: مررت على المروءة وهي تبكي فقلت علام تنتحب الفتاة؟ فقالت كيف لا أبكي وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا؟ (قوله: فيسقطها) أي المروءة.

(وقوله: الأكل والشرب في السوق) أي ونحوه من كل مكان لا يعتاد فيه ذلك، فالسوق ليس بقيد.

ومحل إسقاطهما للمروءة حيث لا عذر، وإلا كأن غلبه جوع أو عطش واضطر إلى ذلك فيه، أو كان صائما وقصد المبادرة لسنة الفطر فلا يسقطانها، ومحله أيضا كما في النهاية فيما إذا أكل أو شرب خارج الحانوت، أما لو أكل داخل الحانوت وكان مستترا فيه، بحيث لا ينظره غيره ممن هو خارجه، فلا يضره ذلك ولم يرتض.

هذا في التحفة ونصها: قال البلقيني أو أكل داخل حانوت مستترا ونظر فيه غيره، وهو الحق فيمن لا يليق به ذلك.

اه.

(قوله: والمشي إلخ) بالرفع معطوف على الاكل: أي ويسقطها المشي في السوق حال كونه كاشفا ما ذكر، والمشي ليس بقيد.

(وقوله: أو بدونه) أي غير العورة، أما كشف العورة فحرام.

(قوله: لغير سوقي) متعلق بكل من الاكل والشرب والمشي، فإن صدرت هذه الثلاثة من السوقي فلا تسقط مرؤته.

(قوله: وقبلة الحليلة الخ) بالرفع أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها أيضا قبلة الحليلة، زوجة كانت أو أمة بحضرة الناس.

وفي المغني ما نصه: قال البلقيني: والمراد بالناس الذين يستحيي منهم في ذلك، وبالتقبيل الذي يستحيي من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه أو بحضرة زوجات له غيرها، فإن ذلك لا يعد من ترك المروءة.

وأما تقبيل الرأس ونحوه فلايخل بالمروءة.

اه.

بتصرف.

ولا يرد على إسقاط القبلة لها

تقبيل ابن عمر رضي الله عنهما أمته التي وقعت في سهمه، لانه كان تقبيل إستحسان لاغاظة الكفار لا تمتع، أو كان بيانا للجواز، ومثل القبلة في إسقاط المروءة وضع يده على موضع الاستمتاع منها من صدر ونحوه.

(قوله: وإكثار الخ) بالرفع أيضا عطف على الاكل: أي ويسقطها إكثار ما يضحك من الحكايات بين الناس، ومحله إن قصد ضحك الجالسين، فإن لم يقصده لكون ذلك طبعه لم يعد خارما للمروءة، كما وقع ذلك لبعض الصحابة، وفي الصحيح، من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه، يهوي بها في النار سبعين خريفا.

(قوله: أو لعب شطرنج) بالجر عطف على ما يضحك: أي وإكثار لعب شطرنج بحيث يشغله عن مهماته، والكلام إذا خلا عن المال، وإلا فحرام كما سيذكره.

(قوله: أو رقص) هو بالجر أيضا عطف على ما: أي وإكثار رقص والكلام أيضا حيث لم يكن تكسر، وإلا فهو حرام.

(قوله: بخلاف قليل الثلاثة) أي ما يضحك ولعب شطرنج والرقص فإنه لا يسقطها، ومما يسقطها أيضا إكثار الغناء - بكسر الغين - والمد، أو استماعه.

ويسقطها أيضا حرفة دنيئة كحجم وكنس زبل ودبغ ممن لا تليق به لاشعارها بالخسة، بخلافها ممن تليق به، وإن لم تكن حرفة آبائه فلا يسقطها.

(قوله: ولا من فاسق) عطف على قوله من صبي: أي ولا تقبل الشهادة من فاسق لقوله تعالى: وأشهدوا ذوي عدل منكم، وهو ليس بعدل.

(قوله: واختار جمع إلخ) قال في التحفة: رده ابن

ص: 319

بشهادة الامثل فالامثل للضرورة والعدالة تتحقق (باجتناب) كل (كبيرة) من أنواع الكبائر كالقتل والزنا والقذف به وأكل الربا ومال اليتيم واليمين الغموس وشهادة الزور وبخس الكيل أو الوزن وقطع الرحم والفرار من الزحف بلا عذروعقوق الوالدين وغصب قدر ربع دينار وتفويت مكتوبة وتأخير زكاة عدوانا ونميمة

ــ

عبد السلام بأن مصلحته: أي المشهود له يعارضها مفسدة المشهود عليه.

(وقوله: قضى الحاكم بشهادة الامثل فالامثل) أنظر ما المراد به؟ ولعله الاخف فسقا.

(قوله: والعدالة الخ) هي لغة التوسط، وشرعا ما ذكره وهو إجتناب الكبائر والاصرار على الصغائر.

وقيل هي ملكة في النفس تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة.

(قوله: باجتناب كل كبيرة) أي بالتباعد عنها والترك لها، وعبارته من عموم السلب، فتفيد أنه متى ارتكب كبيرة إنتفت عنه العدالة.

(قوله: كالقتل الخ) أفادت كاف التمثيل مع الضابط الآتي أن الكبائر أشياء كثيرة.

قال في المغني: قال ابن عباس هي إلى السبعين أقرب.

وقال سعيد بن جبير أنها إلى السبعمائة أقرب.

اه.

وقد نظم بعضهم جملة منها فقال: إذا رمت تعداد الكبائر آخذا عن المصطفى والصحب كي تبلغ الغرف فشرك وقتل ثم سحر مع الربا فظلم اليتامى والفرار إذا زحف عقوق وإلحاد وتبديل هجرة وسكر ومن يزني ويسرق أو قذف وزور وتقذير ببول نميمة غلول ويأس أو من المكر لم يخف

وإضرار موص منع ماء ونحلة ونسيان قرآن كذا سبه السلف وسوء ظنون والذي وعده أتى بنار ولعن أو عذاب فخذ ووف وقوله: منع ماء: أي عن ابن السبيل.

وقوله: ونحلة: أي مهر، ويروى وفحله، أي ومنع فحله.

وفي الزواجر أخرج البزار بسند فيه ضعف: أكبر الكبائر: الاشراك بالله، وعقوق الوالدين، ومنع فضل الماء، ومنع الفحل.

(قوله: واليمين الغموس) بفتح المعجمة: أي الفاجرة، وهي التي يبطل بها حق، أو يثبت بها باطل.

وسميت بذلك لانها تغمس الحالف في الاثم في الدنيا، وفي النار في الاخرى.

قال عليه الصلاة والسلام: من حلف على مال امرئ مسلم بغير حق لقي الله وهو عليه غضبان.

وقال عليه السلام: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة.

فقال له رجل: وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال: وإن كان قضيبا من أراك.

(قوله: والفرار من الزحف) أي الانصراف من الصف لزحف الكفار على المسلمين، وتقدم الكلام عليه في مبحث الجهاد، فارجع إليه إن شئت.

(وقوله: بلا عذر) أما إذا كان لعذر كمرض، وكالانصراف من الصف لاجل أن يكمن في موضع ثم يهجم فلا يحرم.

(قوله: وعقوق الوالدين) أي ولو كافرين وهو الظاهر، وإن وقع في بعض الاحاديث التقييد بالمسلمين لأن الظاهر أنه جري على الغالب.

ومعنى عقوقهما أن يؤذيهما أذى ليس بالهين، ومنه التأفيف.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عق والديه فقد عصى الله ورسوله، وأنه إذا وضع في قبره ضمه القبر حتى تختلف أضلاعه، وأشد الناس عذابا في جهنم عاق لوالديه، والزاني، والمشرك بالله سبحانه وتعالى.

وروي: أن رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أباه، وأنه يأخذ ماله.

فدعاه فإذا هو شيخ يتوكأ على عصا فسأله، فقال: إنه كان ضعيفا وأنا قوي، وفقيرا وأنا غني، فكنت لا أمنعه شيئا من مالي، واليوم أنا ضعيف وهو قوي، وأنا فقير وهو غني، ويبخل علي بماله.

فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ما من حجر ولا مدر يسمع بهذا إلا بكى، ثم قال للولد: أنت ومالك لابيك.

وشكا إليه آخر سوء خلق أمه فقال: لم لم تكن سيئة الخلق حين حملتك تسعة أشهر؟ قال إنها سيئة الخلق.

قال لم لم تكن كذلك حين أرضعتك حولين؟ قال: إنها سيئة الخلق.

قال لم لم تكن كذلك حين سهرت لك ليلها وأظمأت لك نهارها؟ قال لقد جازيتها.

قال: ما فعلت؟ قال: حججت بها على عنقي.

قال: ما جازيتها.

وقال عليه السلام: إياكم وعقوق الوالدين، فإن الجنة يوجد ريحها من مسيرة ألف عام، ولا يجد ريحها عاق، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جار إزاره خيلاء.

إن الكبرياء لله رب العالمين.

اه.

بجيرمي.

(قوله: وغصب قدر ربع دينار) أما غصب ما دونه فهو من الصغائر.

قال في الروض وشرحه: وغصب مال لخبر مسلم:

ص: 320

وغيرها من كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة (و) اجتناب (إصرار على صغيرة) أو صغائر

ــ

من اقتطع شبرا من أرض ظلما، طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين.

وقيده جماعة بما يبلغ قيمة ربع مثقال كما يقطع به في السرقة.

وخرج بغصب المال غصب غيره كغصب كلب فصغيرة.

اه.

(قوله: وتفويت مكتوبة) أي فهو من الكبائر، لقوله تعالى إخبارا عن أصحاب الجحيم: ما سلككم في سقر؟ قالوا: لم نك من المصلين، ولم نك نطعم المسكين، وكنا نخوض مع الخائضين ولما روي أن: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله.

ومثل تفويت الصلاة تعمدا، تأخيرها عن وقتها أو تقديمها عليه من غير عذر كسفر أو مرض، لقوله تعالى: * (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة، واتبعوا الشهوات، فسوف يلقون غيا إلا من تاب) *.

قال ابن مسعود رضي الله عنهما: ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية، ولكن أخروها عن أوقاتها، وقال سعيد بن المسيب إمام التابعين: هو أن لا يصلي الظهر حتى تأتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء، ولا يصلي العشاء إلى الفجر، ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس.

فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب أوعده الله بغي، وهو واد في جهنم بعيد قعره، شديد عقابه.

(قوله: وتأخير زكاة) مثله بالاولى تركها بالكلية.

(وقوله: عداونا) أي عمدا، وهو راجع لكل من تفويت الصلاة، وتأخير الزكاة.

وخرج به ما إذا كان تفويت الصلاة لعذر كنسيان، أو نوم، أو كان تأخير الزكاة لعذر كأن لم يحضر المستحق لها وقت وجوبها، فلا حرمة في ذلك مطلقا.

(قوله: ونميمة) هي نقل الكلام على وجه الافساد، سواء قصد الافساد أم لا، وسواء نقله لمن تكلم به فيه أو نقله إلى غيره، كأبيه وإبنه مثلا، وحصل الافساد.

والمراد بالافساد ضرر لا يحتمل.

ونقل الكلام ليس قيدا بل نقل الاشارة والفعل كذلك، وسواء نقله بكلام أو إشارة أو كتابة.

اه.

بجيرمي.

وإنما كانت من الكبائر لورود الوعيد الشديد فيها، فقد روى الشيخان: لا يدخل الجنة قتات أي نمام.

وروى أحمد والنسائي: لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا نمام.

(قوله: وغيرها) أي وغير المذكورات.

(قوله: من كل جريمة الخ) بيان للغير، وهذا حد للكبيرة، واعترض بشموله صغائر الخسة كسرقة لقمة، لانها جريمة: أي معصية تؤذن بقلة إكتراث: أي إعتناء مرتكبها بالدين، وبرقة الديانة: أي ضعفها، لكن مع شموله لذلك مع أولى من حدها بأنها هي التي توجب الحد، لان أكثرها لا حد فيه، ومن حدها بما فيه وعيد شديد بنص الكتاب أو السنة، لان كثيرا مما عدوه كبائر ليس فيه ذلك كالظهار، وأكل لحم الخنزير وكثيرا مما عدوه صغائر فيه ذلك كالغيبة.

(واعلم) أن للعلماء أقاويل كثرة في حد الكبيرة، فمنها ما تقدم، ومنها قول ابن الصلاح في فتاويه: قال الجلال

البلقيني وهو الذي أختاره: الكبيرة كل ذنب عظم عظما يصح معه أن يطلق عليه اسم الكبيرة، ويوصف بكونه عظيما على الاطلاق، ولها أمارات منها إيجاب الحد، ومنها الايعاد عليه بالعذاب بالنار، ونحوها في الكتاب أو السنة، ومنها وصف فاعلها بالفسق، ومنها اللعن.

اه.

ومنها قول البارزي في تفسيره التحقيق: أن الكبيرة كل ذنب قرن به وعيد أو لعن بنص كتاب أو سنة، أو علم أن مفسدته كمفسدة ما قرن به وعيد أو حد أو لعن، أو أكثر من مفسدته أو أشعر بتهاون مرتكبه في دينه.

اه.

وقد استوعبها الشيخ ابن حجر في كتابه المسمى بالزواجر على اقتراف الكبائر وقال فيه: واعلم أن كل ما سبق من الحدود إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة وكيف يمكن ضبط ما لا طمع في ضبطه.

اه.

(قوله: واجتناب إصرار على صغيرة) معطوف على اجتناب كل كبيرة.

والاصرار هو أن يمضي زمن تمكنه فيه التوبة ولم يتب، وقيل بأن يرتكبها ثلاث مرات من غير توبة، وقال عميرة الاصرار قيل: هو الدوام على نوع واحد منها، والارجح أنه الاكثار من نوع أو أنواع.

قاله الرافعي: لكنه في باب العضل قال: إن المداومة على النوع الواحد كبيرة، وبه صرح الغزالي في الإحياء، قال الزركشي والحق أن الاصرار الذي تصير به الصغيرة كبيرة، إما تكرارها بالفعل وهو الذي تكلم عليه الرافعي، وإما تكرارها في الحكم وهو العزم عليها قبل تكفيرها وهو الذي تكلم فيه ابن الرفعة.

وتفسيره بالعزم فسر به الماوردي قوله تعالى: * (ولم يصروا على ما فعلوا) *.

وإنما يكون العزم إصرارا بعد الفعل وقبل التوبة.

اه.

وفي

(1) سورة المدثر، الاية:42.

(2)

سورة مريم، الاية:59.

(3)

سورة آل عمران، الاية:135.

ص: 321

بأن لا تغلب طاعاته صغائره فمتى ارتكب كبيرة بطلت عدالته مطلقا.

أو صغيرة أو صغائر داوم عليها أولا خلافا لمن فرق.

فإن غلبت طاعته صغائره فهو عدل، ومتى استويا أو غلبت صغائره طاعاته فهو فاسق.

والصغيرة كنظر

ــ

الاحياء أن الصغيرة قد تكبر بغير الاصرار كاستصغار الذنب، والسرور به، وعدم المبالاة، والغفلة عن كونه يسبب الشقاوة والتهاون بحكم الله، والاغترار بستر الله تعالى وحلمه، وأن يكون عالما يقتدى به ونحو ذلك.

اه.

بجيرمي.

(قوله: أو صغائر) أي من نوع واحد أو أنواع.

(قوله: بأن لا تغلب طاعاته صغائره) الذي يظهر أن الباء بمعنى مع، وهي متعلقة بإصرار المنفي.

والمعنى أن العدالة تتحقق بإجتناب الاصرار المصاحب لعدم غلبة طاعاته معاصيه، بأن استويا أو غلبت المعاصي، أما الاصرار المصاحب لغلبة الطاعات فتحقق العدالة بدون إجتنابه - كما سيصرح به - ورأيت لسيد عمر البصري كتب على قول التحفة، بأن لا تغلب إلخ ما نصه: كذا في النهاية، وفي هامش أصله بخط تلميذه عبد الرؤوف ما نصه: الظاهر أن لا زائدة، وفيه نظر لأن الظاهر أن مراد الشارح تفسير الاصرار المراد للمصنف، وحينئذ فيتعين إثبات لا،

وأما حذف لا فإنما يتأتى لو كان المراد تفسير إجتناب الاصرار، وليس مرادا.

اه.

وهو يفيد أن الباء تصوير لمراد المصنف من الاصرار وهو بعيد، ويدل على ما ذكرته قول التحفة: قيل عطف الاصرار من عطف الخاص على العام، لما تقرر أنه ليس المراد مطلقه، بل مع غلبة الصغائر أو مساواتها للطاعات إلخ.

اه.

وقوله: بل مع الخ مع محل الاستدلال.

(قوله: فمتى ارتكب الخ) تفريع على مجموع قوله باجتناب كل كبيرة، وإجتناب إصرار على صغيرة الخ المفيد للاطلاق في جانب الكبيرة، والتقييد في جانب الصغيرة.

(وقوله: مطلقا) أي سواء غلبت طاعاته صغائرة أم لا.

(قوله: أو صغيرة) أي ومتى ارتكبت صغيرة أو صغائر.

(وقوله: داوم عليها) أي أصر عليها أم لا.

(وقوله: خلافا لمن فرق) أي بين المداومة: أي الاصرار وعدمها، والظاهر أن هذا الفارق يقول إن المداومة عليها تسقط الشهادة مطلقا - غلبت معاصيه أم لا - كالكبيرة، كما يدل على ذلك عبارة الروض وشرحه ونصهما: فالاصرار على الصغائر ولو على نوع منها يسقط الشهادة، بشرط ذكره في قوله: قال الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه كان عدلا، وعكسه فاسق.

اه.

فيؤخذ من قوله بشرط إلخ أن خلاف الجمهور لا يقولون به.

تأمل.

(قوله: فإن غلبت الخ) جواب متى المقدرة قبل قوله: أو صغيرة.

قال في النهاية: ويتجه ضبط الغلبة بالعد من جانبي الطاعة والمعصية من غير نظر، لكثرة الثواب في الاولى، وعقاب في الثانية، لأن ذلك أمر أخروي لا تعلق له بما نحن فيه.

اه.

وكتب ع ش: قوله من جانبي الطاعة والمعصية - أي بأن يقابل كل طاعة بكل معصية في جميع الايام، حتى لو غلبت الطاعات على المعاصي في بعض الأيام، وغلبت المعاصي في باقيها، بحيث لو قوبلت جملة المعاصي بجملة الطاعات كانت المعاصي أكثر لم يكن عدلا.

اه.

وقوله: من غير نظر لكثرة إلخ: معناه أن الحسنة تقابل بسيئة لا بعشر سيئات.

وعبارة ق ل: ومعنى غلبتها مقابلة الفرد بالفرد من غير نظر إلى المضاعفة.

اه: قال في النهاية: ومعلوم أن كل صغيرة تاب منها مرتكبها لا تدخل في العد، لاذهاب التوبة الصحيحة أثرها رأسا.

اه.

(قوله: والصغيرة الخ) هي كل ذنب ليس بكبيرة، قال في الزواجر:(واعلم) أن جماعة من الائمة أنكروا أن في الذنوب صغيرة، وقالوا: بل سائر المعاصي كبائر، منهم الاستاذ أبو إسحاق الاسفرايني والقاضي أبو بكر الباقلاني وإمام الحرمين في الارشاد، وابن القشيري في المرشد، بل حكاه ابن فورك عن الاشاعرة واختاره في تفسيره فقال: معاصي الله عندنا كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة ولبعضها كبيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها.

ثم قال: وقال جمهور العلماء أن المعاصي تنقسم إلى صغائر وكبائر، ولا خلاف بين الفريقين في المعنى، وإنما الخلاف في التسمية والاطلاق، لاجماع الكل على أن من المعاصي ما يقدح في العدالة،

ومنها ما لا يقدح في العدلة، وإنما الاولون فروا من هذه التسمية، فكرهوا تسمية معصية الله صغيرة نظرا إلى عظمة الله تعالى وشدة عقابه، وإجلالا له عزوجل عن تسمية معصيته صغيرة، لانها بالنظر إلى باهر عظمته كبيرة، أي كبيرة.

ولم ينظر الجمهور إلى ذلك لأنه معلوم، بل قسموها إلى صغائر وكبائر لقوله تعالى: * (وكره إليكم الكفر والفسوق

ص: 322

الاجنبية ولمسها ووطئ رجعية وهجر المسلم فوق ثلاث وبيع خمر ولبس رجل ثوب حرير وكذب لا حد فيه ولعن ولو لبهيمة أو كافر وبيع معيب لا ذكر عيب وبيع رقيق مسلم لكافر ومحاذاة قاضي الحاجهة الكعبة بفرجه

ــ

والعصيان) *.

فجعلها رتبا ثلاثة، وسمى بعض المعاصي فسوقا دون بعض، وقوله تعالى: * (الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم) *.

الآية، وسيأتي في الحديث الصحيح الكبائر سبع - وفي رواية تسع - وفي الحديث الصحيح أيضا ومن كذا إلى كذا كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر، فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك، ولان ما عظمت مفسدته أحق بإسم الكبيرة، علم أن قوله تعالى: * (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم) *.

صريح في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر، ولذلك قال الغزالي: لا يليق إنكار الفرق بين الكبائر والصغائر.

وقد عرف من مدارك الشرع.

اه.

(قوله: كنظر الاجنبية) أي لغير حاجة، أما إذا كان لحاجة كتحمل الشهادة، أو إستشفاء، فلا يحرم.

(قوله: ووطئ رجعية) أي من قبل الرجعة.

(قوله: وهجر المسلم فوق ثلاث) أي من الايام بلا سبب يقتضي ذلك، وقد تقدم الكلام عليه في فصل القسم والنشوز.

(قوله: ولبس رجل ثوب حرير) أي لغير حاجة.

أما إذا كان لحاجة كجرب وقمل، فلا يحرم كما مر في باب الجمعة.

(قوله: وكذب لا حد فيه) عبارة الروض وشرحه: وكذب لا حد فيه ولا ضرر، وقد لا يكون صغيرة، كأن كذب في شعره بمدح وإطراء.

وأمكن حمله على المبالغة فإنه جائز، لان غرض الشاعر إظهار الصنعة لا التحقيق كما سيأتي ذلك.

وخرج بنفي الحد والضرر ما لو وجدا أو أحدهما مع الكذب فيصير كبيرة، لكنه مع الضرر ليس كبيرة مطلقا، بل قد يكون كبيرة كالكذب على الانبياء، وقد لا يكون، بل الموافق لتعريف الكبيرة بأنها المعصية الموجبة للحد أنه ليس كبيرة مطلقا.

اه.

(قوله: ولعن) عده ابن حجر في الزواجر من الكبائر إن كان لمسلم، ونصها: سب المسلم والاستطالة في عرضه، وتسبب الانسان في لعن أو شتم والديه وإن لم يسبهما، ولعنه مسلما من الكبائر.

اه.

واللعن معناه الطرد والبعد من رحمة الله ومحل حرمته إن كان لمعين ولو فاسقا، أو كافرا حيا أو ميتا، ولم يعلم موته على الكفر، لاحتمال أنه ختم له بالاسلام - بخلاف من علم أنه ختم له على غير الاسلام كفرعون، وأبي جهل، وأبي لهب - ويجوز إجماعا لعن غير المعين بالشخص بل بالوصف، كلعنة الله على الكاذبين أو الظالمين، وقد ورد في النهي عنه شئ كثيرة: فمن ذلك قوله عليه السلام: من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه.

قيل: وكيف يلعنهما؟ قال يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه.

وقوله عليه السلام: أن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الارض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا، فإن لم تجد مساغا، رجعت على الذي لعن، فإن كان أهلا وإلا رجعت على قائلها وقوله عليه السلام: ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذي.

أي المتكلم بالفحش والكلام القبيح.

ومر عليه السلام بأبي بكر رضي الله عنه وهو يلعن بعض رقيقه، فالتفت إليه وقال: لعانين؟ كلا ورب الكعبة، فأعتقه أبو بكر رضي الله عنه يومئذ، ثم جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا أعود.

ولعن رجل بعيره فقال له عليه السلام: لا تتبعنا على بعير ملعون.

وقال عليه السلام: لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة.

وصرخ ديك قرب النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل: اللهم العنه، فقال عليه السلام: مه فإنه يدعو إلى الصلاة.

ولدغت برغوث رجلا فلعنها، فقال عليه السلام: لا تلعنها فإنها نبهت نبيا من الانبياء لصلاة الصبح.

وفي حديث: لا تسبوها فنعمت الدابة، فإنها أيقظتكم لذكر الله وقد قيل فيها شعر: لا تشتموا البرغوث إن اسمه بر وغوث لك لو تدري فبره شرب دم فاسدوغوثه الايقاظ للفجر ولعن الرجل الريح فقال عليه الصلاة والسلام: لا تعلن الريح فإنها مأمورة، من لعن شيئا ليس بأهل رجعت اللعنة

(1) سورة الحجرات، الاية:7.

(2)

سورة النجم، الاية:32.

(3)

سورة النساء، الاية:31.

ص: 323

وكشف العورة في الخلوة عبثا ولعب بنرد لحصة النهي عنه وغيبة وسكوت عليها.

ونقل بعضهم الاجماع على أنها كبيرة لما فيها من الوعيد الشديد محمول على غيبة أهل العلم وحملة القرآن لعموم البلوى بها، وهي ذكرك

ــ

عليه.

(وقوله: ولو لبهيمة أو كافر) أي فإنه يحرم.

قال في الزواجر: واستفيد من هذه الاحاديث أن لعن الدواب حرام، وبه صرح أئمتنا، والظاهر أنه صغيرة ثم قال: ثم رأيت بعضهم صرح بأن لعن الدابة والذمي المعين كبيرة، وقيد حرمة لعن المسلم بغير سبب شرعي وفيه نظر، والذي ينجه ما مر من أن لعن الدواب صغيرة، وأما الذمي فيحتمل أنه كبيرة لاستوائه مع المسلم في حرمة إيذائه، وأما تقييده فغير صحيح، إذ ليس لنا غرض شرعي يجوز لعن المسلم أصلا.

اه.

(قوله: وبيع معيب بلا ذكر عيب) أي للمشتري فإنه حرام من الصغائر، ومحلها إذا علم البائع بالعيب، وإلا فلا حرمة كما هو ظاهر.

(قوله: وبيع رقيق مسلم لكافر) أي فإنه حرام، ولا يصح كما تقدم في باب البيع لما في ذلك من الاذلال للمسلم، ولقوله تعالى: * (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا) * نعم يصح فيما إذا كان يعتق عليه كما إذا كان

المبيع أصلا أو فرعا للمشتري الكافر، لانه يستعقب العتق فلا إذلال، ويحرم أيضا بيع المصحف لكافر، ولا يصح كما تقدم لما فيه من الاهانة.

(قوله: ومحاذاة قاضي الحاجة الكعبة بفرجه) أي فإنها حرام إستقبالا وإستدبارا، لكن بشرط أن يكون في صحراء بدون ساتر، أو في بناء غير معد لقضاء الحاجة.

وذلك لخبر: إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها ببول ولا غائط، ولكن شرقوا أو غربوا وقد تقدم هذا في أول الكتاب.

(قوله: وكشف العورة في الخلوة عبثا) أي من غير حاجة فهو حرام حينئذ، فإن كان لحاجة كإغتسال لم يحرم - كما تقدم أول الكتاب في شروط الصلاة -.

(قوله: ولعب بنرد) هو المعروف عند الناس بالطاولة، وفي مسلم: من لعب بالنرد فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه.

وفارق الشطرنج حيث يكره إن خلا عن المال بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح، ففيه تصحيح الفكر ونوع من التدبير، ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق.

قال العلامة الهمام ابن نباتة في شرحه لرسالة إبن زيدون: وقد وضع النرد لازدشير من ولد ساسان، وهو أول الفرس الثانية تنبيها على أنه لا حيلة للانسان مع القضاء والقدر، وهو أول من لعب به، فقيل نردشير، وقيل أنه هو الذي وضعه.

وشبه به تقلب الدنيا بأهلها، فجعل بيوت النرد اثني عشر بيتا بعدد شهور السنة، وعدد كلابها ثلاثون بعدد أيام الشهور، وجعل الفصين مثالا للقضاء والقدر وتلقيبهما بأهل الدنيا، وأن الانسان يلعبه فيبلغ بإسعاف القدر ما يريده، وأن اللاعب غير الفطن يتأتى له ما يتأتى للفطن إذا أسعفه القدر.

فعارضهم الهند بالشطرنج.

(قوله: وغيبة وسكوت عليها) عبارة الروض وشرحه: وغيبة للمسر فسقه واستماعها بخلاف المعلن لا تحرم غيبته بما أعلن به كما مر في النكاح، وبخلاف غير الفاسق فينبغي أن تكون غيبته كبيرة، وجرى عليه المصنف كأصله في الوقوع في أهل العلم وحملة القرآن كما مر، وعلى ذلك يحمل ما ورد فيها من الوعيد الشديد في الكتاب والسنة، وما نقله القرطبي من الاجماع على أنها كبيرة، وهذا التفصيل أحسن من إطلاق صاحب العدة أنها صغيرة، وإن نقله الاصل عنه وأقره وجرى عليه المصنف.

وقوله: واستماعها أخص من قول الاصل، والسكوت عليها لانه قد يعلمها ولا يسمعها.

اه.

(قوله: ونقل بعضهم) مبتدأ خبره قوله محمول الخ.

(قوله: الاجماع على أنها) أي الغيبة كبيرة.

(وقوله: لما فيها من الوعيد الشديد) علة لكونها كبيرة، ومما ورد فيها قوله عليه السلام: من قذفا مؤمنا بما ليس فيه حبسه الله في ردغة الخبال.

رواه الطبراني وغيره.

وردغة بسكون الدال وفتحها.

عصارة أهل النار.

وقوله عليه السلام: لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخشمون صدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل: قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم.

وقوله عليه السلام في حجة الوداع: إن دماءكم

وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ومن أربى الربا إستطالة المرء في عرض أخيه.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا - قال بعض الرواة تعني أنها قصيرة - فقال عليه السلام: قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته.

أي لانتنته وغيرت ريحه.

وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره

(1) سورة النساء، الاية:141.

ص: 324

- ولو نحو إشارة - غيرك المحصور المعين ولو عند بعض المخاطبين بما يكره عرفا.

واللعب بالشطرنج بكسر

ــ

أن فتاتين ظلتا صائمتين فأعرض عنه أربع مرات وهو يكرر عليه ذلك، ثم قال: إنهما لم يصوما.

وكيف صام من ظل هذا اليوم يأكل لحوم الناس؟ إذهب فمرهما إن كانتا صائمتين فلتتقيآ، فرجع إليهما وأخبرهما فقاءت كل واحدة علقة من دم، فرجع إليه صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: والذي نفسي بيده لو بقيتا في بطونهما لاكلتهما النار.

وفي رواية: فقال لاحداهما قيئي، فقاءت قيحا ودما وصديدا ولحما حتى ملات نصف القدح، ثم قال للاخرى قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملات القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الاخرى فجعلتا تأكلان من لحوم الناس.

(قوله: محمول على غيبة أهل العلم وحملت القرآن) أي لشدة إحترامهم.

(قوله: لعموم البلوى بها) أي وإنما حمل الاجماع على ذلك ولم يبق على إطلاقه لعموم البلوى بالغيبة، فيحصل حرج عظيم لو لم يحمل عليه.

(قوله: وهي) أي الغيبة، وهو بيان لحدها، وقد بينها عليه السلام في قوله: هل تدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم.

قال: ذكرك أخاك بما يكرهه.

قال: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته.

قال في الزواجر: وذكر الاخ في الحديث كالآية للعطف والتذكير بالسبب الباعث على أن الترك متأكد في حق المسلم أكثر، لانه أشرف وأعظم حرمة.

اه.

(وقوله: ذكرك) المراد بالذكر التعرض بالايذاء بدليل الغاية بعده.

(وقوله: ولو بنحو إشارة) دخل تحت نحو الغمز والكتابة والتعرض، كأن يذكر عنده غيره فيقول الحمد لله الذي ما ابتلانا بقلة الحياء، أو بالدخول على السلاطين، وليس قصده بدعائه إلا أن يفهم عيب ذلك الغير، ومثله كل ما يتوصل به إلى فهم المقصود كأن يمشي مشيته، بل قال الغزالي إن هذا أعظم لانه أبلغ من التصريح والتفهيم وأنكى للقلب.

(قوله: غيرك) مفعول ذكر المضاف لفاعله، والمراد به لغير ما يعم المسلم والذمي.

وسئل: الغزالي رحمه الله تعالى عن غيبة الكافر.

فقال: هي في حق المسلم محذورة لثلاثة علل: الايذاء، وتنقيص ما خلقه الله تعالى، وتضييع الوقت بما لا يعني.

والاولى تقتضي التحريم، والثانية الكراهة، والثالثة خلاف

الاولى.

وأما الذمي فكالمسلم فيما يرجع إلى المنع من الايذاء، لان الشرع عصم دمه وعرضه وماله، وأما الحربي فليس بمحرم على الاولى، ويكره على الثانية والثالثة.

وأما المبتدع فإن كفر فكالحربي، وإلا فكالمسلم.

(وقوله: المحصور المعين) لو اقتصر على القيد الثاني لكان أولى، لأنه يفيد مفاد الاول وزيادة.

وخرج بذلك غير المعين كأن يذم البخلاء، أو المتكبرين، أو المرائين، ويتعرض لهم بالتنقيص من غير تعيين أحد منهم، فهذا لا يعد غيبة.

(قوله: بما يكره) متعلق بذكرك: أي أن تذكره بشئ يكرهه سواء كان في بدنه كقصير وأسود وغير ذلك، أو في نسبه كأبوه إسكافي، أو في خلقه كسئ الخلق عاجز ضعيف، أو في فعله الديني ككذاب، أو متهاون بالصلاة، أو لا يحسنها، أو الدنيوي كقليل الادب، أو لا يرى لاحد حقا على نفسه، أو كثير الأكل أو النوم، أو في ثوبه كطويل الذيل وقصيره ووسخه، أو في داره كضيقة، أو قليلة المنافع، أو دابته كجموح، أو ولده كقليل التربية، أو زوجته ككثيرة الخروج، أو عجوز، أو تحكم عليه، أو قليلة النظافة، أو في خادمه كأبق أو غير ذلك من كل ما يعلم أنه يكرهه.

واعلم: أن أصل الغيبة الحرمة، وقد تباح لغرض صحيح شرعي لا يتوصل إليه إلا بها.

وينحصر في ستة أسباب، وقد تقدم الكلام عليها، لكن يحسن ذكرها هاهنا أيضا، وهي التظلم، فلمن ظلم - بالبناء للمجهول - أن يشكو لمن يظن أن له قدرة على إزالة ظلم أو تخفيفه والاستعانة على تغيير منكر يذكره لمن يظن قدرته على إزالته بنحو فلان يعمل كذا فازجره، أو أعني علي زجره ومنعه منه، والاستفتاء بأن يقول لمفت ظلمني فلان فهل يجوز له؟ ما طريقي في الخلاص منه أو تحصيل حقي منه؟ أو نحو ذلك.

وتحذير المسلمين من الشر ونصحهم كجرح الرواة والشهود والتجاهر بالفسق، فيجوز ذكر المتجاهر بما تجاهر به دون غيره، والتعريف بنحو لقب كالاعمش والاصم.

وتنبيه: البواعث على الغيبة كثيرة، وهي عامة وخاصة، فالعامة كتشفي الغيظ بذكر مساوي من أغضبه، وكموافقة الاخوان ومجاملتهم بالاسترسال معهم بما هم فيه، أو إبداء نظير ما أبدوه خشية أنه لو سكت أو أنكر إستثقلوه ونفروا عنه،

ص: 325

أوله وفتحه معجما ومهملا - مكروه إن لم يكن فيه شرط مال من الجانبين أو أحدهما أو تفويت صلاة ولو بنسيان بالاشتغال به أو لعب مع معتقد تحريمه وإلا فحرام، ويحمل ما جاء في ذمه من الاحاديث والآثار على ما ذكر

ــ

ويظن لجهله أن هذا من المجاملة في الصحبة، بل وقد يغضب لغضبهم إظهارا للجاهلية في السراء والضراء، فيخوض معهم في ذكر المساوي والعيوب فيهلك.

والخاصة كالتعجب من فعل غيره منكرا كأن يقول ما أعجب ما رأيت من فلان، أو عجيب من فلان كيف يحب أمته وهي قبيحة، أو كيف يقرأ على فلان الجاهل وهكذا.

يتعين عليك معرفة علاج الغيبة، وهو بأن تعلم أنك قد تعرضت بها لسخط الله تعالى وعقوبته، وأنها تحبط حسناتك، وبأن تنظر في باعثها فتقطعه

من أصله، إذ علاج العلة إنما يكون بقطع سببها.

ومما ينفعك في ذلك أن تتدبر في عيوبك وتجتهد في الطهارة منها لتدخل في قوله عليه السلام: طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.

وما أحسن قول بعضهم: لعمرك إن في ذنبي لشغلالنفسي عن ذنوب بني أمية على ربي حسابهم إليه تناهى علم ذلك لا إليه وليس بضائري ما قد أتوه إذا ما الله أصلح ما لديه وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض إخوانه: أوصيك بستة أشياء: إن أردت أن تقع في أحد وتذمه فذم نفسك، فإنك لا تعلم أحدا أكثر عيوبا منها، وإن أردت أن تعادي أحدا فعاد البطن، فليس لك عدو أعدى منها، وإن أردت أن تحمد أحدا، فاحمد الله فليس أحد أكثر منه منة عليك وألطف بك منه، وإن أردت أن تترك شيئا، فاترك الدنيا فإنك إن تركتها فإنك محمود وإلا تركتك وأنت مذموم، وإن أردت أن تستعد لشئ، فاستعد للموت فإنك إن لم تستعد له حل بك الخسران والندامة، وإن أردت أن تطلب شيئا، فاطلب الآخرة فلست تنالها إلا بأن تطلبها.

اللهم بصرنا بعيوب أنفسنا عن عيوب غيرنا يا كريم.

(قوله: واللعب) مبتدأ خبره مكروه.

قال في شرح الروض: واحتج لاباحة اللعب به بأن الاصل الاباحة، وبأن فيه تدابير الحروب.

وللكراهة بأن فيه صرف العمر إلى ما لا يجدي، وبأن عليا رضي الله عنه مر بقوم يلعبون به فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ اه.

(قوله: أن لم يكن فيه) أي في اللعب بالشطرنج، وهو قيد في الكراهة.

(وقوله: شرط مال من الجانبين) أي جانب اللاعبين: أي بأن يشرط كل واحد منهما على الآخر مالا إن غلب.

(وقوله: أو أحدهما) أي وإن لم يكن فيه شرط مال من أحد اللاعبين بأن يخرج مالا ليبذله إن غلب - بالبناء للمجهول - ويمسكه إن غلب، وليس له على الآخر شئ.

(قوله: أو تفويت صلاة) معطوف على شرط مال: أي وإن لم يكن فيه تفويت لصلاة: أي عن أدائها في الوقت.

(وقوله: ولو بنسيان) أي سواء كان تفويته لها عمدا، أو نسيانا، نشأ عن الاشتغال باللعب به.

قال في الزواجر: فإن قلت: لو استغرقه اللعب به حتى أخرج الصلاة عن وقتها غير متعمد لذلك، فما وجه تأثيمه مع أنه الآن غافل، والغافل غير مكلف فيستحيل تأثيمه؟ قلت: محل عدم تكليف الناسي والغافل حيث لم ينشأ النسيان والغفلة والجهل عن تقصيره، وإلا كان مكلفا آثما.

أما في الغفلة فلما صرحوا به في الشطرنج من أنه لا يعذر بإستغراقه في اللعب به حتى خرج وقت الصلاة، وهو لا يشعر لما تقرر أن هذه الغفلة نشأت عن تقصيره بمزيد إكبابه وملازمته على هذا المكروه حتى ضيع بسببه الواجب عليه، وأما في الجهل فلما صرحوا به من أنه لو مات إنسان فمضت عليه مدة ولم يجهز ولا صلي عليه، أثم جاره وإن لم يعلم بموته، لان تركه البحث عن أحوال جاره إلى هذه الغاية تقصير شديد، فلم يبعد القول بعصيانه.

اه.

(قوله: أو لعب) الاولى قراءته بصيغة الفعل، وهو مع فاعله معطوف على مدخول يكن: أي وإن لم يكن لعب به مع معتقد تحريمه كحنفي ومالكي.

(قوله: وإلا) أي بأن كان فيه شرط مال من الجانبين، أو من أحدهما، أو كان فيه

ص: 326

وتسقط مروءة من يداومه فترد شهادته وهو حرام عند الائمة الثلاثة مطلقا.

ولا تقبل الشهادة من مغفل ومختل نظر ولا أصم في مسموع ولا أعمى في مبصر كما يأتي.

ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة فيها ولا نقص.

قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى.

نعم: لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام (و) شرط في الشاهد أيضا (عدم تهمة) بجر نفع إليه أو إلى من لا تقبل شهادته له أو دفع

ــ

تفويت صلاة، أو كان لعب به مع معتقد تحريمه.

(وقوله: فحرام) وجه الحرمة في الصورة الأولى أن فيها اشتراط المال من الجانبين وهو قمار، وفي الثانية أن فيها اشتراط مال من أحدهما، وهو وإن كان ليس بقمار عقد مسابقة فاسدة لانه على غير آلة قتال، وتعاطي العقود الفاسدة حرام.

وفي الثالثة تأخير الصلاة عن وقتها.

وفي الرابعة إعانة على محرم.

(قوله: ويحمل ما جاء في ذمه) أي لعب الشطرنج المقتضي للحرمة.

(وقوله: من الاحاديث والآثار) من ذلك ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الازلام - النرد والشطرنج وما كان من اللهو - فلا تسلموا عليهم، فإنهم إذا اجتمعوا وأكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم، كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده، فما يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب: اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملات بطونها ثم تفرقت.

وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أشد الناس عذابا يوم القيامة صاحب الشاه - يعني صاحب الشطرنج - ألا تراه يقول: قتلته والله، مات والله، افتراء وكذبا على الله؟ قال علي كرم الله وجهه: الشطرنج ميسر الاعاجم.

ومر رضي الله عنه على قوم يلعبون الشطرنج فقال: ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ لان يمس أحدكم جمرا حتى يطفأ خير له من أن يمسها، ثم قال: والله لغير هذا خلقتم.

وقال أيضا رضي الله عنه: صاحب الشطرنج أكثر الناس كذبا، يقول أحدهم قتلت وما قتل، ومات وما مات.

(قوله: على ما ذكر) أي من شرط مال من الجانبين، أو أحدهما، أو تفويت الصلاة، أو لعب مع معتقد تحريمه.

(قوله: وتسقط مروءة إلخ) مكرر مع قوله فيما تقدم وإكثار ما يضحك بينهم، أو لعب شطرنج الخ فلا حاجة إليه.

(قوله: وهو) أي لعب الشطرنج.

(وقوله: حرام) عند الأئمة الثلاثة، وهم أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم.

وإنما قالوا بالحرمة للاحاديث الكثيرة التي جاءت في ذمه.

قال

في التحفة: لكن قال الحافظ لم يثبت منها حديث من طريق صحيح ولا حسن، وقد لعبه جماعة من أكابر الصحابة ومن لا يحصى من التابعين ومن بعدهم، وممن كان يلعبه غبا سعيد بن جبير رضي الله عنه.

اه.

(وقوله: مطلقا) أي وجد شرط مال أم لا، كأن هناك تفويت صلاة عن قوتها أم لا.

(قوله: ولا تقبل الشهادة من مغفل) محترز قوله وتيقظ.

(وقوله: ومختل نظر) أي ناقص عقل لا يضبط الامور، وعطفه على ما قبله من عطف المرادف.

(قوله: ولا أصم إلخ) أي ولا تقبل الشهادة من أصم في مشهود به يسمع، ولا من أعمى في مشهود به يبصر.

(قوله: كما يأتي) أي عند قوله وشرط لشهادة بفعل إبصار، وبقول هو وسمع، ومراده بهذا الاعتذار عن عدم اشتراط السمع والبصر هنا.

(قوله: ومن التيقظ إلخ) المناسب تقديمه وذكره بعد قوله وتيقظ.

(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أن من التيقظ ضبط ألفاظ إلخ.

(وقوله: لا تجوز الشهادة بالمعنى) أي فلو كانت صيغة البيع مثلا من البائع بعت ومن المشتري اشتريت، فلا يعتد بالشهادة إلا إذا قال أشهد أن البائع قال بعت والمشتري قال اشتريت، بخلاف ما لو قال: أشهد أن هذا اشترى هذا من هذا، فلا يكفي.

فتنبه له.

فإنه يغلط فيه كثيرا.

اه.

ع ش.

(قوله: نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر حيث لا إبهام) قال في التحفة: كما يشير لذلك قولهم: لو قال شاهد وكله، أو قال: قال وكلته، وقال الآخر فوض إليه، أو أنابه قبل، أو قال واحد قال: وكلت وقال الآخر قال: فوضت إليه، لم يقبلا لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكان الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة.

ويجري ذلك في قول أحدهما، قال القاضي ثبت عندي طلاق فلانة، والآخر قال: ثبت عندي طلاق هذه، وهي تلك فإنه يكفي اتفاقا.

اه.

(قوله: وشرط في الشاهد أيضا) أي كما اشترط فيه التكليف، وما بعده من الشروط المارة.

(وقوله: عدم تهمة) هي بضم ففتح، وإنما اشترط عدمها لخبر: لا تجوز شهادة ذي الظنة، ولا ذي الحنة.

والظنة - بكسر الظاء وتشديد النون المفتوحة - التهمة، والحنة

ص: 327

ضر عنه بها (فترد) الشهادة (لرقيقه) ولو مكاتبا ولغريم له مات وإن لم تسغرق تركته الديون بخلاف شهادته لغريمه الموسر وكذا المعسر قبل موته فتقبل لهما (و) ترد (لبعضه) من أصل وإن علا أو فرع له وإن سفل.

(لا) ترد الشهادة (عليه) أي لا على أحدهما بشئ إذ لا تهمة.

ولا على أبيه بطلاق ضرة أمه طلاقا بائنا وأمه تحته، أما

ــ

- بكسر الحاء وفتح النون المخففة - العداوة.

قال في التحفة: ويضر حدوثها - أي التهمة - قبل الحكم لا بعده، فلو شهد لاخيه بمال فمات وورثه قبل استيفائه، فإن كان بعد الحكم أخذه وإلا فلا، وكذا لو شهد بقتل فلان لاخيه الذي له ابن ثم مات وورثه، فإن صار وارثه بعد الحكم لم ينقض، أو قبله لم يحكم له.

اه.

(قوله: بجر نفع إلخ) الباء للتصوير متعلقة بمحذوف صفة لتهمة: أي تهمة مصورة بجر نفع إلى الشاهد: أي بتحصيل نفع إليه.

(وقوله: أو إلى من لا تقبل شهادته له) أي أو بجر نفع إلى شخص، لا تقبل شهادة ذلك الشخص لذلك الشاهد، كأن يكون أصله أو فرعه.

(قوله: أو دفع

ضر) معطوف على بجر نفع: يعني أن التهمة تتصور أيضا بدفع ضر.

(وقوله: عنه) ضميره راجع للاحد الدائر بين المذكورين: أي الشاهد ومن لا تقبل شهادته له.

(وقوله: بها) أي بالشهادة، وهو متعلق بكل من جر نفع ودفع ضر.

(قوله: فترد الشهادة لرقيقه) مفرع على مفهوم الشرط: أي فإذا وجدت التهمة ردت الشهادة كشهادة السيد لرقيقه، لانها تجر نفعا إلى السيد.

ومحله إن شهد له بالمال، فإن شهد أن فلانا قذفه قبلت، إذ لا فائدة تعود عليه حينئذ.

(قوله: ولو مكاتبا) غاية في رد الشهادة لرقيقه: أي ترد له ولو كان مكاتبا لأنه ملكه، فله علقة بماله بدليل منعه له من بعض التصرفات، ولانه بصدد العود إليه بعجز أو تعجيز - كما في التحفة -.

(قوله: ولغريم الخ) معطوف على لرقيقه: أي وترد الشهادة لغريم للشاهد قد مات وصورته - كما في البجيرمي - أن يدعي وارث الميت المدين بدين للميت على آخر، ويقيم الوارث المذكور دائن الميت يشهد مع آخر للميت بدينه، فلا تصح شهادة الدائن للميت للتهمة، لانه إذا أثبت بشهادته للغريم الميت شيئا فقد أثبت لنفسه المطالب به لاجل وفاء دينه، ومثله غريم المحجور عليه بفلس، فلا تقبل شهادته له لذلك.

(قوله: وإن لم تستغرق إلخ) غاية في رد شهادته للغريم.

(وقوله: تركته) أي الغريم، وهو مفعول مقدم.

(وقوله: الديون) فاعل مؤخر.

(قوله: بخلاف شهادته لغريمه الموسر) أي الحي.

(وقوله: وكذا المعسر) أي الحي.

فقوله قبل موته، راجع لكل منهما، وهو محترز قوله قد مات.

وعبارة التحفة: بخلاف غريمه الحي ولو معسرا، لم يحجر عليه لتعلق الحق بذمته.

وجعله في شرح المنهج مفهوم شئ أخر، وعبارته مع المنهج: وترد شهادته لرقيقه وغريم له مات أو حجر عليه بفلس، بخلاف حجر السفه والمرض، وبخلاف شهادته لغريمه الموسر، وكذا المعسر قبل موته، والحجر عليه لتعلق الحق حينئذ بذمته لا بعين أمواله.

اه.

بحذف.

فقوله: وبخلاف شهادته لغريمه إلخ مفهوم قوله: أو حجر عليه بفلس، لان مفهومه صادق بصورتين بما إذا كان موسرا فإنه لا حجر عليه، وبما إذا كان معسرا ولم يحجر عليه، وفي كلتيهما تقبل الشهادة.

(قوله: وترد لبعضه) أي وترد شهادة الأصل لفرعه وبالعكس، ولو بالرشد أو التزكية لانه بعضه، فكأنه شهد لنفسه فوجدت التهمة.

(قوله: من أصل إلخ) بيان للمراد من البعض: أي أن المراد به ما يشمل الاصل والفرع.

(قوله: لا ترد الشهادة عليه) أي على بعضه.

قال في التحفة: ومحله حيث لا عداوة بينهما وإلا فوجهان، والذي يتجه منهما عدم القبول أخذا مما مر أن الاب لا يلي بنته إذا كان بينهما عداوة ظاهرة.

ثم رأيت صاحب الانوار جزم به.

اه.

(قوله: أي لا على أحدهما بشئ) أي لا ترد الشهادة على أحدهما: أي الاصل والفرع بشئ، وأفاد بهذا التفسير أن مرجع ضمير عليه الاحد الدائر، والاولى كما أشرت إليه إرجاعه للبعض، وهو صادق بذلك الاحد،

والاخصر حذف لفظ لا.

(وقوله: إذ لا تهمة) أي موجودة، وهو علة لعدم رد الشهادة عليه.

(قوله: ولا على أبيه) أي ولا ترد شهادة البعض على أبيه.

والمراد بالبعض الجنس فيشمل الاثنين، إذ شرط صحة الشهادة به رجلان، وكذا يقال فيما يأتي.

وعبارة متن المنهاج: وكذا تقبل شهادتهما على أبيهما بطلاق ضرة أمهما أو قذفها في الاظهر.

قال في التحفة: لضعف تهمة نفع أمهما بذلك إذ له طلاق أمهما متى شاء مع كون ذلك حسبة تلزمهما الشهادة به.

اه.

(قوله: طلاقا) مفعول مطلق لطلاق.

(وقوله: بائنا) هو ما يكون بالثلاث أو بالخلع.

(قوله: وأمه تحته) أي وأم الشهد تحت أبيه، وهو

ص: 328

رجعي فتقبل قطعا.

هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى الضرة.

فإن ادعاه الاب لعدم نفقة لم تقبل شهادته للتهمة وكذا لو ادعته أمه.

قال ابن الصلاح: لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر فشهد به أبو الوكيل قبل وإن كان فيه تصديق ابنه.

وتقبل شهادة كل من الزوجين والاخوين والصديقين للآخر (و) ترد الشهادة (بما هو محل تصرفه) كأن وكل أو أوصى فيه لانه يثبت بشهادته ولاية له على المشهود به نعم: لو شهد به بعد عزله ولم يكن خاصم قبله قبلت، وكذا لا تقبل شهادة وديع لمودعه ومرتهن لراهنه لتهمة بقاء يدهما.

أما ما ليس وكيلا أو

ــ

ليس بقيد، وإنما أتى به لأن التهمة إنما تتوهم حينئذ.

(قوله: أما رجعي) مقابل قوله بائنا.

(وقوله: فتقبل قطعا) لم يذكر في الصورة السابقة ما يفيد الخلاف حتى يجزم هنا بالقبول، فكان الأولى أن يزيد في الصورة السابقة ما يفيده، وهو في الأظهر كما في المنهاج.

(قوله: هذا كله) أي ما ذكر ممن عدم رد الشهادة على أبيه بطلاق الضرة بائنا في الاظهر، وعدم رده قطعا إذا كان رجعيا.

(وقوله: في شهادة حسبه) أي بأن شهد ولداه عليه من غير تقدم دعوى.

(قوله: أو بعد دعوى الضرة) أي أن زوجها طلقها، وأقامت ولديه يشهدان به عليه.

(قوله: فإن ادعاه الأب الخ) أي فإن ادعى الطلاق الاب في زمن سابق لاسقاط نفقة ماضية، وأقام بعضه يشهد بذلك لم تقبل شهادته، لأنها في الحقيقة شهادة للاب لا عليه، فالتهمة موجودة.

قال في المغني: ولكن تحصل الفرقة بدعواه الخلع كما مر في بابه.

اه.

(قوله: وكذا لو ادعته أمه) أي وكذلك لا تقبل شهادة بعضه لو ادعت أمه طلاق ضرتها.

وإقامته يشهد بذلك للتهمة.

(قوله: لو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله) أي في استيفائه من ذلك الآخر.

(قوله: فأنكر) أي المدين أن عليه دينا للموكل.

(قوله: فشهد به) أي بالدين.

(وقوله: أبو الوكيل) أي الذي هو الفرع، والمراد شهد مع غيره.

(قوله: قبل) أي أبو الوكيل، والاولى قبلت: أي شهادته.

(قوله: وإن كان فيه إلخ) الواو للحال، وإن صلة، وضمير فيه يعود على قبول شهادته، أي تقبل شهادته والحال أن في قبولها تصديق ابنه.

قال في التحفة والنهاية: لضعف التهمة جدا.

اه.

(قوله: وتقبل شهادة كل الخ) أي لانتفاء التهمة.

(وقوله: من الزوجين) محل القبول فيهما ما لم يشهد الزوج بزنا زوجته، أو أن فلانا قذفها، وإلا فلا تقبل على الراجح.

(وقوله: للآخر) متعلق بتقبل، والمراد الآخر من الزوجين، والاخوين، والصديقين، فتقبل شهادة الزوج لزوجته وبالعكس: أي لان الحاصل بينهما عقد يطرأ ويزول، فلا يمنع قبول الشهادة، كما لو شهد الاجير للمستأجر وعكسه وتقبل شهادة الاخ لاخيه، وكذا بقية الحواشي، والصديق لصديقه، وهو من صدق في ودادك بأن يهمه ما

أهمك.

قال سم: وقليل ذلك: أي في زمانه، ونادر في زماننا، وذلك لضعف التهمة لأنهما لا يتهمان تهمة الاصل والفرع.

أفاده المغني.

(قوله: وترد الشهادة بما هو محل تصرفه) يعني وترد شهادة مأذون له في التصرف، كوكيل وولي ووصي في الشئ الذي هو محل تصرفه، وهو المال مثلا.

(قوله: كأن وكل أو أوصى) يقرآن بالبناء للمجهول، وفيه نائب فاعلهما، وضميره يعود على ما هو محل تصرفه، وهو تمثيل لكون الشهادة تكون فيما هو محل التصرف.

وفي العيارة حذف: أي ثم ادعى فيه فشهد كل من الوكيل أو الوصي بثبوته للموكل أو لليتيم: مثلا وإيضاحه أن يكون المالك قد وكله في بيع شئ مثلا، ثم ادعى شخص أنه ملكه فشهد هو - أي الوكيل - بأنه ملك موكله أو أوصاه على يتيم.

ثم ادعى آخر ببعض مال اليتيم فشهد هو - أي الوصي - بأنه ملك اليتيم فترد شهادة من ذكر للتهمة.

(قوله: لأنه) الضمير يعود على معلوم من المقام، وهو المأذون له في التصرف - وكيلا كان أو وصيا - وهو علة لرد الشهادة فيما هو محل تصرفه.

(وقوله: يثبت بشهادته) أي بثبوت المال لموكله أو اليتيم.

(وقوله: ولاية) أي سلطنة لنفسه على المشهود به.

أي فالتهمة موجودة في حقه.

(قوله: نعم لو شهد الخ) استدراك على رد شهادة من ذكر فيما ذكر، وعبارة شرح الرملي: فإن عزل الوكيل نفسه ولم يخص في الخصومة قبلت، أو بعدها - أي الخصومة - فلا وإن طال الفصل.

اه.

(وقوله: بعد عزله) أي عزل الولي له بالنسبة للوكيل، أو عزل القاضي له بالنسبة للوصي.

(قوله: ولم يكن خاصم) أي ولم يكن من ذكر خاصم المدعي لمال موكله، أو اليتيم قبل العزل، فإن خاصم ثم عزل لم تقبل.

(قوله: قبلت) أي شهادته، وهو جواب لو.

(قوله: وكذا لا تقبل شهادة وديع) أي بأن الوديعة ملك للمودع.

(وقوله: مرتهن لراهنه) أي ولا تقبل شهادة مرتهن،

ص: 329

وصيا فيه فتقبل.

ومن حيل شهادة الوكيل ما لو باع فأنكر المشتري الثمنن أو اشترى فادعى أجنبي بالمبيع فله أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا أو بأن هذا ملكه إن جاز له أن يشهد به للبائع ولا يذكر أنه وكيل وصوب الاذرعي حله باطنا لان فيه توصلا للحق بطريق مباح.

وكذا لا تقبل ببراءة من ضمنه الشاهد أو أصله أو فرعه أو عبده لانه يدفع به الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادة له (و) ترد الشهادة (من عدو) على عدوه عدواة دنيوية لا له.

وهو

ــ

أي بأن الرهن ملك للراهن عنده.

(قوله: لتهمة بقاء يدهما) أي إستدامة يدهما: أي الوديع والمرتهن على الوديعة والرهن، والتهمة تبطل الشهادة.

(قوله: أما ما ليس الخ) أي أما الشئ الذي ليس وكيلا فيه، أو وصيا فيه، فتقبل شهادة الوكيل أو الوصي.

وعبارة المغني: وأفهم كلامه كغيره القطع بقبول شهادة الوكيل لموكله بما ليس وكيلا فيه، ولكن حكى الماوردي فيه وجهين وأصحهما الصحة.

اه.

(قوله: ومن حيل شهادة الوكيل) أي من المحيل المصححة لشهادة الوكيل.

(قوله: ما لو باع) أي الوكيل شيئا ولم يقبض ثمنه.

(قوله: فأنكر المشتري الثمن) أي بأن ادعى أداءه إليه.

(قوله: أو اشترى) أي الوكيل شيئا.

(قوله: فادعى أجنبي بالمبيع) أي بأنه ملكه.

(قوله: فله) أي للوكيل.

(وقوله: أن يشهد لموكله بأن الخ) راجع للصورة الأولى، أعني صورة ما لو باع الوكيل إلخ.

(وقوله: له) أي للموكل.

(وقوله: عليه)

أي المشتري.

(وقوله: كذا) أي الثمن.

(وقوله: أو بأن هذا الخ) راجع للصورة الثانية: أعني صورة ما إذا اشترى الخ، فهو على اللف والنشر المرتب.

(وقوله: ملكه) أي أو أن يشهد بأن هذا البيع الذي ادعاه الاجنبي ملك الموكل.

(قوله: إن جاز له أن يشهد به للبائع) أي محل جواز شهادته بأن هذا ملك موكله، إن جاز للوكيل أن يشهد به للبائع لو فرض أنه استشهد عليه، بأن يعلم أنه ملك له حقيقة.

(قوله: ولا يذكر) أي في الشهادة أنه وكيل، فإن ذكر ذلك لا تقبل شهادته.

(قوله: وصوب الاذرعي حله) أي ما ذكر من شهادة الوكيل بما ذكر.

قال في التحفة بعده: ثم توقف - أي الاذرعي - فيه لحمله الحاكم على الحكم بما لو عرف حقيقته لم يحكم به.

ويجاب بأنه لا أثر لذلك، لان القصد وصول المستحق لحقه.

اه.

(وقوله: باطنا) أي بينه وبين الله بمعنى أنه لا يعاقبه على ذلك.

(قوله: لان في توصلا للحق) علة الحل باطنا: أي وإنما حل له أن يشهد بما تقدم لان فيه إيصال الحق للمستحق.

(وقوله: بطريق مباح) الذي يظهر أنه متعلق بتوصلا، وأن المراد بالطريق المباح هي شهادته بما ذكر لعلمه أن المشهود به ملك حقيقة للمشهود له، وإذا كان كذلك يكون من قبيل الإظهار في مقام الاضمار، لان التقدير وإنما جازت الشهادة بما ذكر لأن فيها توصلا للحق بها.

(قوله: وكذا لا تقبل ببراءة الخ) أي وكما لا تقبل شهادة الوكيل أو الوصي فيما هو محل التصرف فيه، لا تقبل الشهادة ببراءة الذي ضمنه الشاهد، أو أصله، أو فرعه، أو رقيقه.

فالضمان لا فرق فيه بين أن يكون من الشاهد نفسه، أو من أصل الشاهد، أو من فرع الشاهد، أو من رقيقه، فالشاهد في الاول هو الضامن، وفيما عداه غيره.

لان الضامن الأصل أو الفرع أو الرقيق والشاهد غير ذلك ببراءة الذي ضمنه من الدين الذي عليه، ومثلها الاداء.

(وقوله: لأنه) أي الشاهد الضامن هو، أو أصله، أو فرعه، أو عبده.

(وقوله: يدفع به) الاولى بها: أي بشهادته كما في التحفة.

(وقوله: الغرم عن نفسه) وذلك لأنه لو لم يؤد المضمون الدين الذي عليه فالمطالب به الضامن: أي فالتهمة موجودة.

(وقوله: أو عمن الخ) معطوف على عن نفسه، ومن واقعة على الضامن الأصل أو الفرع أو الرقيق.

(وقوله: لا تقبل شهادته) الضمير يعود على من، وضمير له يعود على الشاهد، والتقدير: أو لانه يدفع الغرم عن أصله أو فرعه أو رقيقه الذين لا تقبل شهادته له لو أشهدهم، أي فالتهمة موجودة.

(قوله: وترد الشهادة من عدو على عدوه) أي لحديث: لا تقبل شهادة ذي غمر على أخيه.

رواه أبو داود وابن ماجه بإسناد حسن، والغمر - بكسر الغين - الغل والحقد لما في ذلك من التهمة.

(قوله: عداوة دنيويه) خرج به الدينية: أي المتعلقة بالدين، كشهادة مسلم على كافر فتقبل، ولا بد أن تكون ظاهرة لان الباطنة لا يطلع عليها إلا علام الغيوب.

وفي معجم الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سيأتي قوم في آخر الزمان إخوان العلانية أعداء السريرة.

قيل

لنبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام: أي شئ كان أشد عليك مما مر بك؟ قال شماتة الاعداء.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ

ص: 330

من يحزن بفرحه وعكسه.

فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه.

تنبيه: قال شيخنا ظاهر كلامه قبولها من ولد العدو ويوجه بأنه لا يلزم من عداوة الاب عداوة الابن.

فائدة: حاصل كلام الروضة وأصلها أن من قذف آخر لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر وإن لم يطلب المقذوف حده وكذا من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر.

قال شيخنا: يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما فلا تقبل الشهادة من أحدهما

ــ

بالله منها.

فنسأل الله سبحانه وتعالى العافية من ذلك.

(وقوله: لا له) أي لا ترد الشهادة لعدوه إذ لا تهمة حينئذ.

وما أحسن ما قيل: ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الاعداء (قوله: وهو) أي عدو الشخص.

(وقوله: من يحزن الخ) عبارة المنهاج: وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته، ويحزن بسروره، ويفرح بمصيبته.

اه.

وهو بمعنى ما ذكره المؤلف.

(وقوله: وعكسه) هو من يفرح بحزنه.

(قوله: فلو عادى الخ) مرتب على محذوف، يعلم من عبارة التحفة ونصها: وقد تمنع العداوة من الجانبين ومن أحدهما، فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه.

اه.

ومثلها عبارة النهاية والخطيب، ونص الثاني: وقد تكون العداوة من الجانبين، وقد تكون من أحدهما، فيختص برد شهادته على الآخر.

ولو عادى من يستشهد عليه وبالغ في خصامه ولم يجبه ثم شهد عليه لم ترد شهادته لئلا يتخذ ذلك ذريعة إلى ردها.

اه.

(وقوله: من يريد الخ) من واقعة على الشاهد، وهو المعادي - بفتح الدال -.

(وقوله: أن يشهد عليه) فاعل يشهد يعود على من وهو العائد، وضمير عليه يعود على المشهود عليه الذي هو المعادي - بكسر الدال - والمعنى أن هذا المشهود عليه عادى الشاهد، فهذه العداوة لا تمنع شهادة الشاهد عليه، وإلا اتخذ الناس العداوة المذكورة ذريعة ووصلة لرد الشهادة عليه.

(قوله: وبالغ) أي المشهود عليه.

(وقوله: في خصومته) أي الشاهد.

(قوله: فلم يجبه) أي لم يجب الشاهد من بالغ في الخصومة.

(قوله: قبلت شهادته) أي هذا الذي خوصم وعودي.

(وقوله: عليه) أي على المشهود عليه الذي هو المعادي والمخاصم.

(قوله: قبولها) أي الشهادة.

(وقوله: من ولد العدو) أي فلو شهد ولد عدوه عليه قبلت.

ومثل الولد الاصل كما في المغنى نص عبارته: وخرج بالعدو أصله وفرعه فتقبل شهادتهما إذ لا مانع بينهما وبين المشهود عليه.

اه.

(قوله: ويوجه) أي قبول شهادة ولد العدو.

(وقوله: بأنه لا يلزم من عداوة إلخ) قال في التحفة: وزعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه، وأنه ينبغي أن لا تقبل ولو بعد موت أبيه، وإن كان الأصح على ما قيل عند المالكية قبوله بعد موته لا في حياته ليس في محله، لأن الكلام في ولد عدو لم يعلم حاله، وحينئذ يبطل زعم أنه أبلغ في العداوة من أبيه لاطلاقه.

أما معلوم الحال من عداوة أو عدمها فحكمه واضح.

اه.

(قوله: أن من قذف آخر) أي قبل الشهادة كما في النهاية.

(قوله:

لا تقبل شهادة كل منهما على الآخر) أي لا تقبل شهادة القاذف على المقذوف، ولا المقذوف على القاذف، لان كلا عدو للآخر.

(قوله: وإن لم إلخ) غاية في عدم قبول شهادة كل.

(وقوله: حدة) أي القاذف.

(قوله: وكذا الخ) أي من قذف آخر في عدم قبول شهادة كل من ادعى على آخر أنه قطع عليه الطريق وأخذ ماله.

(وقوله: فلا تقبل شهادة أحدهما على الآخر) أي لا تقبل شهادة المدعي بقطع الطريق على آخر، ولا شهادة الآخر عليه للعداوة بينهما.

(قوله: قال شيخنا يؤخذ من ذلك) أنظر من أين يؤخذ؟ فإنه لا يلزم من عدم قبول الشهادة في القذف ودعوى قطع الطريق عدم قبولها في كل فسق.

ولعل في العبارة سقطا هو المأخوذ منه ذلك يعلم من عبارة التحفة ونصها: بعد نقله حاصل كلام الروضة إلخ: ويوجه بأن رد القاذف والمدعي ظاهر، لانه نسبه فيهما إلى الفسق، وهذه النسبة تقتضي العدالة عرفا، وإن صدق ورد المقذوف والمدعى عليه كذلك، لان نسبته للزنا أو القطع تورث عنده عداوة له تقتضي أنه ينتقم منه بشهادة باطلة عليه،

ص: 331

على الآخر.

نعم يتردد النظر فيمن اغتاب آخر بمفسق يجوز له غيبته به وإن أثبت السبب المجوز لذلك.

فرع: تقبل شهادة كل مبتدع لا نكفره ببدعته وإن سب الصحابة رضوان الله عليهم كما في الروضة

ــ

وحينئذ يؤخذ من ذلك أن كل من نسب آخر إلخ.

اه.

فقوله: وحينئذ يؤخذ من ذلك: أي من توجيه عدم قبول الشهادة في صورة القذف، وصورة قطع الطريق، بحصول العداوة بينهما بسبب ذلك.

(قوله: اقتضى وقوع عداوة) الجملة في محل جر صفة لفسق، وذلك كشرب الخمر ونحوه.

(قوله: نعم يتردد النظر) أي في قبول الشهادة من أحدهما على الآخر، وعدم قبولها.

(قوله: فيمن اغتاب الخ) متعلق بيتردد، أو بالنظر.

(قوله: يجوز له غيبته به) يصح قراءة يجوز - بفتح الياء وبضم الجيم المخففة وسكون الواو - وغيبته بعده فاعله، ويصح قراءته بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة - وغيبته مفعوله، والفاعل ضمير يعود على مفسق، وعلى كل الجملة صفة لمفسق: أي مفسق موصوف بكونه يجوز لمن اغتاب غيبته به.

(قوله: وإن أثبت إلخ) غاية في تردد النظر.

(وقوله: السبب المجوز لذلك) أي للغيبة، وذلك السبب كالتجاهر به أو كظلمه له.

واعلم: أن المؤلف اقتصر في النقل من عبارة شيخه على تردد النظر فيما ذكر، ولم يذكر ما انحط رأيه عليه، فكان عليه أن يذكره لانه من تتميم عبارته، ونصها بعد قوله وإن أثبت السبب المجوز لذلك: وقضية ما تقرر في الدعوى بالقطع - أي قطع الطريق - من أنه لا تقبل شهادة أحدهما على الآخر، وإن أثبت المدعي دعواه انه هنا كذلك، وعليه فيفرق بين مسألة القطع ومسألة الغيبة، بأن المعنى المجوز للغيبة، وهو أن المغتاب هتك عرضه بظلمه للمغتاب، فجوز له الشارع الانتقام منه بالغيبة غير المعنى المقتضي للرد، وهو أن ذلك الامر يحمل على الانتقام بشهادة باطلة، وذلك جائز وقوعه من

كل منهما، فلم تقبل شهادة أحدهما على الآخر.

اه.

ببعض تصرف.

(قوله: فرع تقبل شهادة الخ) عبارة الروض وشرحه.

فرع: تقبل شهادة أهل البدع كمنكري صفات الله، وخلقه أفعال عباده، وجواز رؤيته يوم القيامة، لاعتقادهم أنهم مصيبون في ذلك لما قام عندهم، إلا الخطابية وهم أصحاب الخطاب الاسدي الكوفي كان يقول بإلهية جعفر الصادق ثم ادعى الالهية لنفسه، فلا تقبل شهادتهم لمثلهم وإن علمنا أنهم لا يستحلون دماءنا وأموالنا لتجويزهم الشهادة لمن صدقوه في دعواه، أي لانهم يرون جواز شهادة أحدهم لصاحبه إذا سمعه يقول: لي على فلان كذا، فيصدقه بيمين أو غيرها، ويشهد له اعتمادا على أنه لا يكذب، إذ الكذب عندهم كفر، وإلا منكري العلم لله تعالى بالمعدوم والجزئيات، ومنكري حدوث العالم، والبعث والحشر للاجسام، فلا تقبل شهادتهم لكفرهم لانكارهم ما علم مجئ الرسول به ضرورة، لا من قال بخلق القرآن أو نفي الرؤية، وما ورد من كفرهم مؤول بكفران النعمة، لا الخروج عن الملة، بدليل أنهم لم يحلقوهم بالكفار في الارث والانكحة ووجوب قتلهم وقتالهم وغيرها.

فلو قال الخطابي في شهادته رأيت أو سمعت، قبلت شهادته له لتصريحه بالمعاينة، وتقبل شهادة من يسب الصحابة والسلف، لانه يقوله اعتقادا لا عداوة وعنادا، فلا نكفر متأولا بما له وجه محتمل.

نعم، قاذف عائشة رضي الله عنها كافر، فلا تقبل شهادته لانه كذب الله تعالى في أنها محصنة قال الله تعالى: * (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات) * الآية.

وقذف سائر المحصنات يوجب رد الشهادة فقذفها أولى.

اه.

بالحرف.

(قوله: لا نكفره ببدعته) خرج من نكفره ببدعته كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر، فلا تقبل شهادته كما مر.

(قوله: وإن سب الصحابة) غاية في قبول الشهادة من المبتدع أي تقبل الشهادة من المبتدع وإن كان يسب الصحابة.

(1) سورة النور، الاية:23.

ص: 332

وادعى السبكي والاذرعي أنه غلط.

(و) ترد (من مبادر) بشهادته قبل أن يسألها بعد الدعوى لانه متهم نعم لو أعادها في المجلس ولو بعد الاستشهاد قبلت (إلا) في شهادة حسبة وهي ما قصد بها وجه الله فتقبل قبل الاستشهاد ولو بلا دعوى (في حق مؤكد لله) تعالى وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي (كطلاق) رجعي أو بائن (وعتق) واستيلاد ونسب وعفو عن قود وبقاء عدة وانقضائها وبلوغ وإسلام وكفر ووصية ووقف لنحو جهة عامة وحق

ــ

وعبارة المغني.

تنبيه: قضية إطلاقه أنه لا فرق بين سب الصحابة رضي الله عنهم وغيره، وهو المرجح في زيادة الروضة، قال بخلاف من قذف عائشة رضي الله عنها فإنه كافر، أي لانه كذب الله تعالى، وقال السبكي في الحلبيات في تكفير من سب الشيخين وجهان لاصحابنا، فإن لم نكفره فهو فاسق لا تقبل شهادته، ومن سب بقية الصحابة فهو فاسق مردود الشهادة، ولا يغلط فيقال شهادته مقبوله.

اه.

فجعل ما رجحه في الروضة غلطا.

قال الأذرعي: وهو كما قال، ونقل عن جمع

التصريح به، وأن الماوردي قال: من سب الصحابة، أو لعنهم، أو كفرهم، فهو فاسق مردود الشهادة.

اه.

وقوله: وهو المرجح في زيادة الروضة جزم به في التحفة والنهاية.

(قوله: وادعى السبكي والاذرعي) عبارة التحفة وإن ادعى بزيادة إن الغائية.

(وقوله: أنه غلط) أي أن قبول الشهادة ممن يسب الصحابة غلط.

(قوله: وترد) أي الشهادة من مبادر بشهادته.

(قوله: قبل أن يسألها) بالبناء للمجهول.

أي قبل أن يطلب منه أداؤها.

(قوله: ولو بعد الدعوى) غاية في الرد: أي ترد منه مطلقا، سواء بادر بها قبل الدعوى أم بعدها.

قال في المغني: وترد قبل الدعوى جزما وكذا بعدها، وقبل أن يستشهد، على الاصح للتهمة، ولخبر الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ قوم يشهدون ولا يستشهدون.

فإن ذلك في مقام الذم لهم.

وأما خبر مسلم: ألا أخبركم بخير الشهود الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها فمحمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة.

اه.

(قوله: لأنه) أي المبادر بالشهادة منهم.

اه.

قوله: نعم لو أعادها) أي الشهادة، وهذا إستثناء من رد شهادة المبادر، فكأنه قال: ترد إلا إن أعادها.

(وقوله: في المجلس) أي الذي شهد فيه أولا مبادرة، وانظر هل هو قيد أو لا؟ (وقوله: بعد الاستشهاد) أي بعد طلب الشهادة منه.

(قوله: قبلت) أي الشهادة المعادة وهو جواب لو.

(قوله: إلا في شهادة حسبة) استثناء من عدم صحة شهادة المبادر والحسبة مأخوذة من الاحتساب، وهو طلب الاجر كما مر.

(قوله: وهي) أي شهادة الحسبة.

(قوله: فتقبل) أي شهادة الحسبة.

(قوله: قبل الاستشهاد) أي قبل طلب أداء الشهادة منه.

(قوله: ولو بلا دعوى) أي تقبل ولو من غير سبق دعوى.

قال الرشيدي: وقضية الغاية أنها قد تقع بعد الدعوى وتكون شهادة حسبه.

وليس كذلك فقد صرح الأذرعي وغيره أنها بعد الدعوى لا تكون حسبة.

اه.

(قوله: في حق مؤكد لله) متعلق بقول الشارح فتقبل إلخ.

وعبارة المنهاج: وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى وفيما له فيه حق مؤكد.

اه.

ومثلها عبارة المنهج والمراد بالاول.

أعني حقوق الله تعالى ما كان متمحضا لله تعالى كالصلاة والصوم والحدود، وبالثاني أعني ما له فيه حق مؤكد، ما كان فيه حق لآدمي وحق لله، لكن المغلب الثاني كالطلاق رجعيا كان أو بائنا، لأن المغلب فيه حق الله.

وكالعتق والاستيلاد والوصية والوقف لجهة عامة ونحو ذلك، فلعل في عبارته سقطا، أو يقال أن المراد بالحق المؤكد ما يشمل المتمحض لله وغيره.

(قوله: وهو ما لا يتأثر إلخ) أي أن الحق المؤكد لله هو ما لا يتأثر برضا الآدمي: أي لا يتغير ولا يرتفع برضاه، مثلا لو اتفق الزوجان وتراضيا على إرتفاع الطلاق، فإنه لا يرتفع ولا أثر لرضاهما.

(قوله: كطلاق) تمثيل للحق المؤكد لله.

(وقوله: رجعي) صفة لطلاق.

(وقوله: أو بائن) أي ولو

خلعا.

لكن بالنسبة للفراق دون المال، بأن يشهد بذلك ليمنع من مخالفة ما يترتب عليه.

(قوله: وعتق وإستيلاد) عبارة الروض وشرحه.

وكالعتق والاستيلاد لا في عقدي التدبير والكتابة، وفارقهما الاستيلاد بأنه يفضي إلى العتق لا محالة بخلافهما، ولا في شراء القريب الذي يعتق به وإن تضمن العتق، لكون الشهادة على الملك.

والعتق تبع وليس كالخلع، لان المال فيه تابع، وفي الشراء مقصود فإثباته دون المال محال.

اه.

(قوله: ونسب) إنما كان حقا مؤكدا لله، لان الله

ص: 333

لمسجد وترك صلاة وصوم وزكاة بأن يشهد بتركها وتحريم رضاع ومصاهرة.

تنبيه: إنما تسمع شهادة الحسبة عند الحاجة إليها فلو شهد إثنان أن فلانا أعتق عبده أو أنه أخو فلانة من الرضاع لم يكف حتى يقولا أنه يسترقه أو أنه يريد نكاحها.

وخرج بقولي في حق لله تعالى حق الآدمي كقود وحد قذف وبيع فلا تقبل فيه شهادة الحسبة وتقبل في حد الزنا وقطع الطريق والسرقة (وتقبل) الشهادة (من فاسق بعد توبة) حاصلة قبل الغرغرة وطلوع الشمس من مغربها (وهي ندم) على معصية من حيث أنها معصية لا

ــ

أكد الانساب ومنع قطعها.

(قوله: وعفو عن قود) إنما كان حقا لله أيضا لان فيه إحياء نفس، وهو حق لله.

(قوله: وبقاء عدة) إنما كان حقا لله أيضا لانه يترتب على الشهادة به صيانة الفرج عن استباحته، وتمتع الازواج به، وهي حق لله تعالى.

(قوله: وانقضائها) أي العدة، أي فيما إذا طلقها زوجها طلاقا رجعيا أراد أن يراجعها، فشهدوا بانقضاء العدة.

وإنما كان حقا لله لما يترتب على الشهادة من صيانة الفرج من تمتع زوجها به من غير طريق شرعي.

(قوله: لنحو جهة عامة) متعلق بكل من الوصية والوقف: وعبارة الروض وشرحه: وفي الوصية والوقف إذا عمت جهتهما ولو أخرت الجهة العامة، فيدخل نحو ما أفتى به البغوي من أنه لو وقف دارا على أولاده ثم على الفقراء فاستولى عليها ورثته وتملكوها فشهد شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده بوقفيتها، قبلت شهادتهما.

لان آخره وقف على الفقراء، لا إن خص جهتهما فلا تقبل فيهما لتعلقهما بحظوظ خاصة.

اه.

(قوله: وحق لمسجد) أي وحق مستحق للمسجد بوصية أو وقف، فإذا شهد إثنان بأن هذا الدار وقف على المسجد، قبلت شهادتهما.

(قوله: إنما تسمع شهادة الحسبة إلخ) قال في المغني: وكيفية شهادة الحسبة أن الشهود يجيئون إلى القاضي ويقولون، نحن نشهد على فلان بكذا فأحضره لنشهد عليه، فإن ابتدأوا قالوا فلان زنى فهم قذفة.

اه.

(قوله: عند الحاجة إليها) أي إلى شهادة الحسبة.

(قوله: فلو شهد الخ) تفريع على مفهوم قوله: عند الحاجة إليها.

(قوله: لم يكف) أي قولهما المذكور في شهادة الحسبة.

(وقوله: حتى يقولا الخ) غاية لعدم الاكتفاء: أي لا يكفي ذلك حتى يقولا إن فلانا الذي أعتق عبده يسترقه، أو أن فلانا أخو فلانة من الرضاع يريد التزوج بها، فإذا قال ذلك اكتفي به في شهادة السحبة لوجود الحاجة، وهي الاسترقاق أو التزوج.

(قوله: وخرج بقولي في حق الله تعالى) هذا مما يؤيد أن في العبارة سقطا.

(قوله: حق الآدمي) أي المتحمض له.

(قوله: فلا تقبل فيه شهادة الحسبة) قال في المغني: لكن إذا لم يعلم صاحب الحق به أعلمه الشاهد به ليستشهده به بعد الدعوى.

اه.

(قوله: وتقبل في حد الزنا إلخ) أي لانها محض حق لله تعالى، وكان الأولى أن يذكره بعد قوله كطلاق الخ ويسبكه به.

(قوله:

وتقبل الشهادة من فاسق بعد توبة) أي في غير الشهادة المعادة، أما هي بأن شهد وهو فاسق فردت شهادته ثم تاب وأعادها فإنها لا تقبل هذه المعادة منه.

(قوله: حاصلة) أي التوبة.

(وقوله: قبل الغرغرة) أي معاينة سكرات الموت، أما بعدها فلا تقبل، وذلك لأن من وصل إلى تلك الحالة أيس من الحياة فتوبته إنما هي لعلمه باستحالة عوده إلى ما فعل.

(قوله: وطلوع الشمس الخ) معطوف على الغرغرة: أي وقبل طلوعها من مغربها، أما بعده فلا تقبل توبته: ونقل عن ابن العربي في شرح المصابيح أنه قال: اختلف أهل السنة في أن عدم قبول توبة المذنب وإنما الكافر هل هو عام حتى لا يقبل إيمان أحد ولا توبته بعد طلوع الشمس من مغربها إلى يوم القيامة، أو هو مختص بمن شاهد طلوعها من المغرب وهو مميز، فأما من يولد بعد طلوعها من المغرب أو ولد قبله ولم يكن مميزا فصار مميزا ولم يشاهد الطلوع، فيقبل إيمانه وتوبته، وهذا هو الأصح فليراجع.

اه.

بجيرمي.

وفي الروض وشرحه: تجب التوبة من المعصية على الفور بالاتفاق، وتصح من ذنب دون ذنب، وإن تكررت توبته وتكرر منه العود إلى الذنب، ولا تبطل توبته به، بل هو مطالب بالذنب الثاني دون الأول، وإن كانت توبته من القتل الموجب للقود صحت توبته في حق الله تعالى قبل تسليمه نفسه ليقتص منه، ومنعه القصاص حينئذ عن مستحقه معصية جديدة لا تقدح في التوبة بل تقتضي توبته منه، ولا يجب عليه تجديد التوبة كلما ذكر الذنب، وقيل يجب لان تركه حينئذ استهانة بالذنب الاول يمنع ذلك، وسقوط الذنب بالتوبة مظنون لا مقطوع به، وسقوطه

ص: 334

لخوف عقاب ولو اطلع عليه أو لغرامة مال (ب) - شرط (إقلاع) عنها حالا إن كان متلبسا أو مصرا على معاودتها.

ومن الاقلاع رد المغصوب (وعزم أن لا يعود) إليها ما عاش (وخروج عن ظلامة آدمي) من مال أو غيره فيؤدي الزكاة لمستحقيها ويرد المغصوب إن بقي وبدله إن تلف لمستحقه ويمكن مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء أو يبرئه منه المستحق للخبر الصحيح: من كانت لاخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله

ــ

بالاسلام مع الندم مقطوع به وثابت بالاجماع، وإنما كان توبة الكافر مقطوعا بها لان الايمان لا يجامع الكفر، والمعصية قد تجامع التوبة.

اه.

ببعض.

تصرف.

واعلم: أنه ورد في فضائل التوبة من الآيات والأحاديث شئ كثير، فمن ذلك قوله تعالى: * (وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون) *.

وقوله تعالى: * (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفورا رحيما) *.

وقوله عليه الصلاة والسلام: إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها.

رواه مسلم، وقال عليه السلام: إن من قبل المغرب لبابا مسيرة عرضه أربعون عاما - أو سبعون سنة - فتحه الله عزوجل للتوبة يوم خلق السموات والأرض، فلا يغلقه حتى تطلع الشمس منه.

رواه الترمذي وصححه.

اللهم اجعلنا من التائبين يا كريم.

(قوله: وهي) أي التوبة ندم، وعبارته تقتضي أنها هي الندم بالشروط الآتية، وهو الموافق لحديث: التوبة

الندم.

(وقوله: من حيث أنها معصية) عبارة الزواجر: وإنما يعتد به: أي بالندم إن كان على ما فاته من رعاية حق الله تعالى ووقوعه في الذنب حياء من الله تعالى وأسفا على عدم رعاية حقه، فلو ندم لحظ دنيوي كعار، أو ضياع مال، أو تعب بدن، أو لكون مقتوله ولده، لم يعتبر كما ذكره أصحابنا الاصوليون، وكلام أصحابنا الفقهاء ناطق بذلك، وإنما لم يصرحوا به لان التوبة عبادة، وهي لا تكون إلا لله تعالى، فلا يعتد بها إن كان لغرض آخر، وإن قيل من خصائص التوبة أنه لا سبيل للشيطان عليها لانها باطنة فلا تحتاج إلى الاخلاص لتكون مقبولة، ولا يدخلها العجب والرياء، ولا مطمع للخصماء فيها.

اه.

(قوله: لا لخوف عقاب إلخ) أي أن كان الندم من حيث خوف عقاب لو اطلع عليه، أو كان من حيث غرامة مال عليه، فإنه لا يعتبر فيهما ولا يعد تائبا.

(قوله: بشرط إقلاع عنها) أي عن المعصية.

(وقوله: حالا) أي بأن يتركها من غير مهلة.

(وقوله: إن كان متلبسا) أي بالمعصية.

(وقوله: أو مصرا على معاودتها) الظاهر أن هذا يغني عنه قوله فيما سيأتي وعزم أن لا يعود، إذ بوجود هذا ينتفي الاصرار على معاودتها تأمل.

(قوله: ومن الاقلاع رد المغصوب) لا حاجة إلى هذا لاندراجه في قوله.

وخروج عن ظلامة آدمي الذي هو ثمرة الاقلاع، وسيصرح به هناك.

(قوله: وعزم أن لا يعود إليها معطوف على إقلاع: أي وبشرط العزم على أن لا يعود إلى المعصية.

قال في التحفة: ومحله إن تصور منه، وإلا كمجبوب تعذر زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له بالاتفاق.

اه.

(قوله: وخروج عن ظلامة آدمي) معطوف على إقلاع أيضا: أي وبشرط خروج عن ظلامة آدمي.

وعبارة التحفة في الدخول على هذا، ثم صرح بما يفهمه الاقلاع للاعتناء به فقال: ورد ظلامة آدمي، يعني الخروج منها بأي وجه قدر عليه، مالا كانت أو عرضا نحو قود وحد قذف إلى تعلقت به، سواء تمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق مؤكد لله تعالى كزكاة، وكذا نحو كفارة وجبت فورا.

اه.

(قوله: من مال) بيان للظلامة.

(وقوله: أو غيره) كالعرض.

(قوله: فيؤدي إلخ) أي من عليه ظلامة وأراد التوبة، وهذا هو معنى الخروج عن الظلامة.

(قوله: ويرد المغصوب إن بقي) أي إن كان باقيا بعينه.

(قوله: وبدله) أي أو يرد بدله إن كان قد تلف.

(وقوله: لمستحقه) متعلق بيرد.

(قوله: ويمكن الخ) أي ويمكن التائب الذي عليه ظلامة مستحق القود وحد القذف من الاستيفاء، بأن يأتي إليه ويقول له أنا الذي قتلت أو قذفت ولزمني موجبهما، فإن شئت فاستوف وإن شئت فاعف.

(قوله: أو يبرئه منه المستحق) الظاهر أنه معطوف على مقدر، أي فبعد التمكين يستوفيه منه

(1) سورة النور، الاية:31.

(2)

سورة الفرقان، الاية:70.

ص: 335

اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، فإن كان له عمل يؤخذ منه بقدر مظلمته وإلا أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه وشمل العمل الصوم كما صرح به حديث مسلم خلافا لمن استثناه، فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه سلمها لقاض ثقة، فإن تعذر صرفها فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده فإن أعسر عزم على الاداء إذا أيسر فإن مات قبله انقطع الطلب عنه في الآخرة إن لم يعص بالتزامه.

فالمرجو من فضل الله الواسع تعويض المستحق.

ويشترط أيضا في صحة التوبة عن إخراج صلاة أو صوم أو وقتهما

ــ

المستحق أو يبرئه منه، فهو مخير في ذلك.

(قوله: للخبر الصحيح) دليل إشتراط الخروج عن ظلامة آدمي.

وعبارة الزواجر: والاصل في توقف التوبة على الخروج من حق الآدمي عند الامكان قوله صلى الله عليه وسلم: من كان لاخيه إلخ، ثم قال كذا أورده، الزركشي عن مسلم.

والذي في صحيحة كما مر: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.

قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار.

رواه الترمذي ورواه البخاري بلفظ: من كانت عنده مظلمة فليستحلله منها، فإنه ليس هناك دينار ولا درهم من قبل أن يؤخذ لاخيه من حسناته، فإن لم يكن حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه.

ورواه الترمذي بمعناه.

وقال في أوله: رحم الله عبدا كانت لاخيه مظلمة في عرض أو مال فجاء فاستحله.

اه.

(قوله: من كانت لاخيه عنده مظلمة) قال في القاموس: المظلمة - بكسر اللام - وكثمامة ما يظلمه الرجل.

اه.

وقوله: وكثمامة، أي وهو ظلامة.

(قوله: في عرض) أي من عرض، ففي بمعنى من البيانية.

(قوله: فليستحله اليوم) أي في الدنيا.

(وقوله: قبل أن لا يكون دينار ولا درهم) أي ينفع، وهو يوم القيامة.

(قوله: فإن كان له) أي لمن كانت عنده مظلمة.

(وقوله: عمل) أي صالح.

(قوله: يؤخذ منه) أي من عمله.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن له عمل: أي صالح.

(قوله: أخذ من سيئات صاحبه) أي الذي له المظلمة.

(قوله: فحمل عليه) أي طرح عليه قال في التحفة: ثم تحميله للسيئات يظهر من القواعد أنه لا يعاقب إلا على ما سببه معصية، أما من عليه دين لم يعص به وليس له من العمل ما يفي به، فإذا أخذ من سيئات الدائن وحمل على المدين لم يعاقب به.

وعليه ففائدة تحميله له تخفيف ما على الدائن لا غير.

اه.

(قوله: وشمل العمل) أي في الحديث.

(وقوله: الصوم) أي فيؤخذ ثوابه ويعطى للمظلوم.

(قوله: خلافا لمن استثناه) عبارة التحفة.

فمن استثناه فقد وهم.

اه.

(قوله: فإذا تعذر رد الظلامة على المالك أو وارثه) عبارة الروض وشرحه: فإن لم يكن مستحق، أو انقطع خبره، سلمها إلى قاض أمين، فإن تعذر تصدق به على الفقراء ونوى الغرم له إن وجده، أو يتركها عنده.

قال الأسنوي: ولا يتعين التصدق بها بل هو مخير بين وجوه المصالح كلها، والمعسر ينوي الغرم إذا قدر، بل يلزمه التكسب لايفاء ما عليه إن عصى به لتصح توبته، فإن مات معسرا طولب في الآخرة إن عصى بالاستدانة كما تقتضيه ظواهر السنة الصحيحة، وإلا فالظاهر أنه لا مطالبة فيها إذ لا معصية منه، والرجاء في الله تعويض الخصم.

اه.

بحذف.

(قوله: فإن تعذر) أي القاضي الثقة، أي الامين بأن لم يوجد أو وجد ولكنه غير ثقة.

(قوله: صرفها) أي

الظلامة.

(قوله: فيما شاء) أي في الوجه الذي شاءه من هي تحت يده.

(وقوله: من المصالح) بيان لما.

(قوله: عند انقطاع خبره) الظاهر أن ضميره يعود على المستحق ولا حاجة إليه، إذ الكلام مفروض في أنه متعذر، وتعذره يكون بعدم وجوده، أو بانقطاع خبره.

(قوله: بنية الغرم) متعلق بصرفها.

(وقوله: له) أي للمستحق.

(قوله: إذا وجده) أي المستحق.

(قوله: فإن أعسر) أي فإن كان من عنده المظلمة معسرا.

(قوله: عزم على الاداء) أي أداء الظلامة وإعطائها للمستحق لها.

(وقوله: إذا أيسر) متعلق بالاداء.

(قوله: فإن مات) أي المعسر.

(وقوله: قبله) أي قبل الاداء.

(قوله: إنقطع الطلب عنه في الآخرة) أي لا يطالبه بها مستحقها في الآخرة.

(قوله: فالمرجو الخ) معطوف على جملة إنقطع، والاولى التعبير بالواو، أي انقطع عنه الطلب، والذي يرجى من فضل الله أن يعوض المستحق في حقه.

(قوله: ويشترط أيضا) أي كما اشترط ما مر لصحة التوبة.

(وقوله: عن إخراج صلاة أو صوم عن وقتهما) أي بأن ترك الصلاة في وقتها، أو

ص: 336

قضاوهما وإن كثر وعن القذف أن يقول القاذف قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه وعن الغيبة أن يستحلها من المغتاب إن بلغته ولم يتعذر بموت أو غيبة طويلة وإلا كفى الندم والاستغفار له كالحاسد واشترط جمع متقدمون أنه لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار أيضا واعتمده البلقيني.

وقال بعضهم يتوقف في التوبة في الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائه عنه.

وجعل بعضهم

ــ

الصوم في وقته.

(وقوله: قضاؤهما) أي الصلاة والصوم.

وعبارة الزواجر: الحادي عشر: أي من شروط التوبة التدارك فيما إذا كانت المعصية بترك عبادة، ففي ترك نحو الصلاة والصوم تتوقف صحة توبته على قضائها لوجوبها عليه فورا، وفسقه بتركه كما مر، فإن لم يعرف مقدار ما عليه من الصلوات مثلا.

قال الغزالي: تحرى وقضى ما تحقق أنه تركه من حين بلوغه.

اه (قوله: وان كثر) أي القضاء عما فاته، فيشترط لصحة التوبة فعل جميع ما عليه من الصلوات أو الصيام.

(قوله: وعن القذف) معطوف على عن إخراج الخ.

أي ويشترط أيضا في صحة التوبة عن القذف الخ.

(وقوله: أن يقول القاذف إلخ) وفي البجيرمي ما نصه: وانظر هذا القول يكون في أي زمن يقال لمن.

شوبري انتهى.

وفي الزواجر: أنه يقوله بين يدي المستحل منه كالمقذوف.

انتهى.

قال سم: ولو علم أنه لو أعلم مستحق القذف ترتب على ذلك فتنة، فالوجه أنه لا يجب عليه إعلامه، ويكفيه الندم، والعزم على عدم العود، والاقلاع.

اه.

(قوله: قذفي باطل) قيل المراد بهذا أن القذف من حيث هو باطل، لا خصوص قوله: إذ قد يكون صادقا، ولذا رد الجمهور على الاصطخري إشتراطه أن يقول كذبت فيما قذفته.

انتهى.

(قوله: وعن الغيبة الخ) معطوف أيضا على عن إخراج الخ: أي ويشترط في صحة التوبة أن يستحلها الخ.

وعبارة الزواجر: ولو بلغت الغيبة المغتاب، أو قلنا أنها كالقود والقذف لا تتوقف على بلوغ، فالطريق أن يأتي المغتاب ويستحل منه، فإن تعذر لموته أو تعذر لغيبته الشاسعة استغفر الله تعالى، ولا اعتبار بتحليل الورثة.

ذكره الحناطي وغيره.

وأقرهم في الروضة.

قال فيها: وأفتى الحناطي بأن الغيبة إذا لم تبلغ المغتاب كفاه الندم

والاستغفار له.

وجزم به الصباغ حيث قال: إنما يحتاج لاستحلال المغتاب إذا علم لما داخله من الضرر والغم، بخلاف ما إذا لم يعلم فلا فائدة في إعلامه لتأذيه، فليتب فإذا تاب أغناه عن ذلك.

نعم: هن كان تنقصه عند قوم رجع إليهم وأعلمهم أن ذلك لم يكن حقيقة.

اه.

(قوله: ولم يتعذر) أي الاستحلال.

(وقوله: بموت) أي للمغتاب (وقوله: أو غيبة طويلة) أي له أيضا.

(قوله: وإلا) أي بأن لم تبلغه أو تعذر الاستحلال منه، كفى الندم.

(قوله: والاستغفار له) أي للمغتاب.

وعبارة غيره كالروض وشرحه: ويستغفر الله تعالى من الغيبة.

اه.

ويمكن الجمع بأن يقال يستغفر لنفسه من المعصية الصادرة منه وهي الغيبة، ويستغفر للمغتاب في مقابلة غيبته له، وذلك بأن يقول: اللهم اغفر لنا وله، ثم رأيته مصرحا به في فتح الجواد.

وعبارته: فإن تعذر أو تعسر لغيبته البعيدة، إستغفر له ولنفسه مع ندمه.

ويظهر أن الاستغفار له هنا شرط ليكون في مقابلة تأذيه ببلوغ الخبر له.

اه.

قال سم: فإن استغفر الله ثم بلغته فهل يكفي الاستغفار أم لا؟ والاوجه أنه يكفي.

اه.

(قوله: كالحاسد) أي فإنه يكفي فيه الندم والاستغفار للمحسود، هذا ما يقتضيه صنيعه، وعبارة التحفة والنهاية: وكذا يكفي الندم والاقلاع عن الحسد.

اه.

وعبارة الروض وشرحه: ويستغفر الله من الحسد، وهو أن يتمنى زوال نعمة غيره، ويسر ببليته.

وعبارة الاصل: والحسد كالغيبة وهي أفيد، ولا يخبر صاحبه: أي لا يلزمه إخبار المحسود.

قال في الروضة: بل لا يسن، ولو قيل يكره لم يبعد.

اه.

وقوله: وهي أفيد.

قال سم: وكأن وجه الافيدية أنها تفيد أيضا أنه إذا علم المحسود لا بد من إستحلاله.

اه.

(قوله: واشترط جمع متقدمون إنه) أي الحال والشأن.

(وقوله: لا بد في التوبة من كل معصية من الاستغفار) أي لنفسه.

(وقوله: أيضا) أي كما اشترط ما مر في صحة التوبة.

(قوله: وقال بعضهم يتوقف في التوبة الخ) أي يحتاج في صحة التوبة من الزنا على استحلال زوج المزني بها إن لم يخف فتنة.

(وقوله: وإلا) أي بأن خيف فتنة.

(وقوله: فليتضرع إلخ) أي فلا يتوقف على الاستحلال، بل يكفي التضرع إلى الله تعالى في إرضاء الخصم عنه.

(قوله: وجعل بعضهم إلخ) قال في الزواجر، بعد كلام: وقضية ما ذكره - أي الغزالي - من إشتراط الاستحلال في الحرم الشامل للزوجة والمحارم كما صرحوا به، أن الزنا واللواط فيهما حق

ص: 337

الزنا مما ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال والاوجه الاول.

ويسن للزاني - ككل مرتكب معصية - الستر على نفسه بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر لا أن يتحدث بها تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا، وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك الرجوع عن إقراره به قال شيخنا: من مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو

ــ

للآدمي، فتتوقف التوبة منهما على إستحلال أقارب المزني بها، أو الملوط به، وعلى إستحلال زوج المزني بها.

هذا إن لم يخف فتنة، وإلا فليتضرع إلى الله تعالى في إرضائهم عنه.

ويوجه ذلك بأنه لا شك أن في الزنا واللواط إلحاق عار، أي عار بالاقارب، وتلطيخ فراش الزوج، فوجب إستحلالهم حيث لا عذر.

فإن قلت: ينافي ذلك جعل بعضهم من الذنوب التي لا يتعلق بها حق آدمي وطئ الاجنبية فيما دون الفرج وتقبيلها من الصغائر، والزنا وشرب الخمر من الكبائر، وهذا صريح في أن الزنا ليس فيه حق آدمي فلا يحتاج فيه إلى الاستحلال.

قلت: هذا لا يقاوم به كلام الغزالي، لا سيما وقد قال الاذرعي عنه إنه في غاية الحسن والتحقيق، فالعبرة بما دل عليه دون غيره.

اه.

(قوله: فلا يحتاج) أي الزنا وهو تفريع على أنه ليس فيه حق آدمي.

(وقوله: إلى الاستحلال) أي استحلال زوج المزني بها.

(قوله: والاوجه الاول) أي ما قاله بعضهم من أنه يتوقف في التوبة من الزنا على الاستحلال.

(قوله: ويسن للزاني إلخ) أي لقوله عليه السلام: من ابتلي منكم بشئ من هذه القاذورات، فليستتر بستر الله تعالى.

(قوله: الستر على نفسه) نائب فاعل يسن.

(قوله: بأن لا يظهرها) أي المعصية، وهو تصوير للستر المسنون.

(قوله: ليحد أو يعزر) علة الاظهار المنفي، فهو إذا أظهرها يحد أو يعزر، ويكون خلاف السنة.

وإذا لم يظهرها لا يحد ولا يعزر، ويكون مسنونا.

(قوله: لا إن يتحدث بها) معطوف على أن لا يظهرها.

والمعنى عليه: يصور الستر بعدم إظهارها، ولا يصور بالتحدث بالمعصية الخ، وهذا أمر معلوم فلا فائدة في نفيه.

وعبارة التحفة: لا أن لا يتحدث بها، بزيادة لا النافية بعد أن، وهي ظاهرة، وذلك لان معناها أن الستر المسنون لا يصور بعدم التحدث بها تفكها أو مجاهرة، إذ يفيد حينئذ أن عدم التحدث بها سنة، وأن التحدث خلاف السنة فقط، مع أنه حرام قطعا.

إذا علمت ذلك فلعل في العبارة إسقاط لفظ لا من النساخ.

تأمل.

(وقوله: تفكها) أي استلذاذا بالمعصية.

(وقوله: أو مجاهرة) أي أو لأجل التجاهر بها.

(قوله: فإن هذا) أي التحدث بالمعصية تفكها أو مجاهرة، حرام قطعا.

وخرج بالتحدث لذلك التحدث لا لذلك، بل ليستوفى منه الحد الذي أوجبته المعصية، فهو ليس بحرام، بلا خلاف السنة فقط كما علمت.

(قوله: وكذا يسن لمن أقر بشئ من ذلك) أي من المعاصي.

(وقوله: الرجوع عن إقراره به) قال في التحفة: ولا يخالف هذا قولهم يسن لمن ظهر عليه حد - أي لله - أن يأتي الامام ليقيمه عليه لفوات الستر، لان المراد بالظهور هنا أن يطلع على زناه مثلا من لا يثبت الزنا بشهادته، فيسن له ذلك، أما حد الآدمي، أو القود له، أو تعزيره، فيجب الاقرار به ليستوفى منه.

ويسن لشاهد الاول الستر ما لم ير المصلحة في الاظهار، ومحله إن لم يتعلق بالترك إيجاب حد على الغير، وإلا كثلاثة شهدوا بالزنا لزم الرابع الاداء، وأثم بتركه.

وليس استيفاء نحو القود مزيلا للمعصية، بل لا بد معه من التوبة.

اه.

(وقوله: لأن المراد بالظهور هنا) أي في قوله: يسن لمن ظهر عليه الخ.

قال سم: فقال في شرح الروض: قال ابن الرفعة: والمراد به - أي بالظهور - الشهادة.

قال: وألحق به إبن الصباغ ما إذا اشتهر بين الناس.

اه.

(قوله: قال شيخنا الخ) عبارته في الزواجر.

وفي الجواهر: لو مات المستحق واستحقه وارث بعد وارث، فمن يستحقه في الآخرة.

أربعة أوجه: الاول آخر الورثة، ورابعها إن طالبه صاحبه به فجحده به وحلف فهو له، وإلا انتقل إلى ورثته.

وادعى القاضي أنه لو حلف عليه يكون للاول.

وقال النسائي: لو استحق الوفاء وارث بعد وارث، فإن كان المستحق ادعاه وحلف.

قال في الكفاية: فالطلب في الآخرة لصاحب الحق بلا خلاف، أو لم يحلف فوجوه، في الكفاية أصحها ما نسبه الرافعي للحناطي كذلك، والثاني للكل، والثالث للاخير ولمن فوقه ثواب المنع.

قال الرافعي: وإذا دفع لآخر الورثة خرج عن مظلمة الكل، إلا فيما سوف وماطل.

اه.

ملخصا.

وقوله: ثواب المنع: أي من وفاء ما يستحقه.

(قوله: وله) أي لمن مات.

(وقوله: دين) أي على غيره.

ص: 338

المطالب في الآخرة على الاصح (و) بعد (استبراء سنة) من حين توبة فاسق ظهر فسقه لانها قلبية وهو متهم لقبول شهادتهم وعود ولايته فاعتبر ذلك لتقوي دعواه، وإنما قدرها الاكثرون بسنة لان الفصول الاربعة في تهييج النفوس بشواتها أثرا بينا فإذا مضت وهو على حاله أشعر بذلك بحسن سريرته، وكذا لا بد في التوبة من خارم

المروءة الاستبراء كما ذكره الاصحاب.

فروع: لا يقدح في الشهادة جهله بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يوءديهما ولا توقفه في المشهود به

ــ

(وقوله: لم يستوفه) أي لم يستوف ذلك الميت الدين ممن هو عليه.

(قوله: يكون هو) أي من مات لا ورثته.

(وقوله: المطالب به) - بكسر اللام - اسم فاعل.

(وقوله: على الأصح) مقابله يعلم من العبارة المارة.

(قوله: وبعد استبراء سنة) معطوف على قوله بعد توبة: أي تقبل الشهادة من فاسق بعد توبة وبعد استبراء سنة.

قال في المغني: واستثني من اشتراط ذلك صور منها: مخفي الفسق إذا تاب وأقر وسلم نفسه للحد، لانه لم يظهر التوبة عما كان مستورا عليه إلا عن صلاح.

قاله الماوردي، والروياني.

ومنها ما لو عصى الولي بالعضل ثم تاب زوج في الحال، ولا يحتاج إلى استبراء كما حكاه الرافعي عن البغوي، ومنها شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإنه لا يحتاج بعد التوبة إلى استبراء، بل تقبل شهادته في الحال على المذهب في أصل الروضة، ومنها ناظر الوقف بشرط الواقف، إذا فسق ثم تاب، عادت ولايته من غير إستبراء.

اه.

(قوله: من حين الخ) من إبتدائية متعلقة بمحذوف صفة لسنة: أي بسنة مبتدأة، من حين توبة فاسق.

(وقوله: ظهر فسقه) قيد في كون قبول التوبة يكون بعد إستبراء سنة.

وخرج به ما إذا خفي فسقه وأقر به ليقام عليه الحد، فتقبل شهادته عقب توبته كما مر آنفا.

(قوله: لأنها) أي التوبة قلبية، وهو علة لاشتراط الاستبراء.

(قوله: وهو متهم إلخ) من تتمة العلة.

أي والفاسق الذي ظهر فسقه متهم: أي في إظهار توبته.

(وقوله: لقبول الخ) هذا سبب التهمة: أي وإنما كان متهما في إظهارها، لانه يقال: ربما أنه إنما أظهرها لاجل أن تقبل شهادته وتعود ولايته.

وعبارة التحفة: وهو متهم بإظهارها لترويج شهادته وعود ولايته، فاعتبر ذلك لتقوى دعواه.

اه.

وقال عميرة: وجه ذلك - أي إشتراط الاستبراء - التحذير من أن يتخذ الفساق مجرد التوبة ذريعة إلى ترويج أقوالهم.

اه.

(قوله: فاعتبر ذلك أي

الاستبراء بسنة.

(وقوله: لتقوي دعواه) أي للتوبة.

(قوله: وإنما قدرها) أي مدة الاستبراء.

(وقوله: سنة) الاصح أنها تقريبية لا تحديدية، فيغتفر مثل خمسة أيام لا ما زاد عليها.

اه.

بجيرمي.

(قوله: لان للفصول الاربعة) هي الشتاء والربيع والصيف والخريف.

(قوله: في تهييج النفوس) أي تحريكها واشتياقها، وهو متعلق بقوله بعد أثرا بينا.

(قوله: بشهواتها) الباء بمعنى اللام متعلقة بتهييج: أي تهييج النفوس لشهواتها.

وعبارة شرح الروض: لان لمضيها - أي السنة المشتملة على الفصول الاربعة - أثرا في تهييج النفوس لما تشتهيه، فإذا مضت على السلامة أشعر ذلك بحسن السريرة.

اه.

والمراد أن لكل فصل من الفصول الاربعة تأثيرا في تحريك النفس لما تشتهيه وتعتاده، فإن لم تتحرك نفسه لذلك فيها حتى مضت دل على حسن توبته وارتفعت التهمة عنه.

(قوله: فإذا مضت) أي الفصول الاربعة.

(قوله: وهو على حاله) أي وهو باق على حاله بعد التوبة.

(قوله: أشعر ذلك) أي مضي الفصول وهو باق على حاله.

(قوله: وكذا لا بد في التوبة الخ) عبارة المغني تنبيه إقتصار المصنف كالرافعي على الفسق يقتضي أنه إذا تاب عما يخرم المروءة لا يحتاج إلى استبراء، وليس مرادا، فقد صرح صاحب التنبيه بأنه يحتاج إلى الاستبراء.

قال البلقيني: وله وجه فإن خارم المروءة صار باعتياده سجية له فلا بد من إختبار حاله.

وذكر في المطلب: أنه يحتاج إلى الاستبراء في التوبة من العداوة، سواء كانت قذفا أم لا، كالغيبة والنميمة وشهادة الزور.

اه.

(وقوله: من خارم المروءة) متعلق بالتوبة.

(وقوله: الاستبراء) لعل لفظ من سقط من النساخ: أي لا بد من الاستبراء.

(قوله: فروع) أي ثلاثة.

الأول: قوله لا يقدح في الشهادة الخ، والثاني: قوله ولا توقفه الخ، والثالث: قوله ولا قوله الخ، وعدها في التحفة فرعا واحدا.

(قوله: لا يقدح في الشهادة) أي لا يؤثر فيها.

(وقوله: جهله) أي الشاهد.

ص: 339

إن عاد وجزم به فيعيد الشهادة ولا قوله لا شهادة لي في هذا إن قال نسيت أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله وقد اشتهرت ديانته ولا يلزم القاضي استفساره إن اشتهر ضبطه وديانته بل يسن كتفرقة الشهود وإلا لزم الاستفسار (وشرط لشهادة بفعل كزنا) وغصب ورضاع وولادة (إبصار) له مع فاعله فلا يكفي فيه السماع من الغير، ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين لتحمل شهادة، وكذا امرأة تلد لاجلها (و) لشهادة (بقول كعقد) وفسخ وإقرار (هو) أي

ــ

(وقوله: بفروض نحو الصلاة والوضوء اللذين يؤديهما) أي ولم يقصر في العلم - كما في النهاية - فإن قصر فيه لم تقبل شهادته، لان تركه من الكبائر كما في التحفة.

ونصها: وينبغي أن يكون من الكبائر ترك تعلم ما يتوقف عليه صحة ما هو فرض عبين عليه، لكن من المسائل الظاهرة لا الخفية.

نعم: مر أنه لو اعتقد أن كل أفعال نحو الصلاة أو الوضوء فرض أو بعضها فرض، ولم يقصد بفرض معين النفلية صح وحينئذ فهل ترك تعلم ما ذكر كبيرة أيضا أو لا؟ للنظر فيه مجال، والوجه أنه غير كبيرة، لصحة عباداته مع تركه.

وأما إفتاء شيخنا بأن من لم يعرف بعض أركان أو شروط نحو الوضوء أو الصلاة لا تقبل شهادته.

فيتعين حمله على غير هذين القسمين، لئلا يلزم على ذلك تفسيق العوام وعدم قبول شهادة أحد

منهم، وهو خلاف الاجماع الفعلي، بل صرح أئمتنا بقبول شهادة العامة، كما يعلم مما يأتي قبيل شهادة الحسبة على أن كثيرين من المتفقهة يجهلون كثيرا من شروط نحو الوضوء.

اه.

(قوله: ولا توقفه في المشهود به) معطوف على جهله بفروض إلخ: أي ولا يقدح في الشهادة تردد الشاهد في المشهود به، كأن قال أشهد أن على فلان مائة أو تسعين مترددا في ذلك.

(قوله: إن عاد) أي الشاهد، وهو قيد لعدم القدح في توقفه.

(قوله: وجزم به) أي بالمشهود به.

(قوله: فيعيد الشهادة) أي من أولها، ولا يكفي إقتصاره على جزمه بالمشهود به.

(قوله: ولا قوله الخ) معطوف على قوله جهله أيضا: أي ولا يقدح في الشهادة قول الشاهد قبل أن تصدر منه هذه الشهادة، لا شهادة لي في هذا الشئ.

(قوله: أن قال الخ) قيد لعدم القدح في الشهادة بقوله المذكور.

(وقوله: نسيت) أي الشهادة، فقلت لا شهادة لي، ثم تذكرتها وشهدت.

(قوله: أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله) أي لا شهادة لي، بأن مضى زمن يمكن فيه إيقاعه.

(قوله: وقد اشتهرت ديانته) أي من قال لا شهادة لي، ثم شهد، ومفهومه أنه إذا لم تشتهر ديانته يكون قوله المذكور قادحا في شهادته.

(قوله: ولا يلزم الخ) كلام مستأف.

وعبارة التحفة: وحيث أدى الشاهد أداء صحيحا لم ينظر لريبة يجدها الحاكم كما بأصله، ويندب له استفساره.

اه.

(وقوله: إستفساره) - أي الشاهد - أي طلب تفسير الشهادة، وتفصيلها بأن يسأله عن وقت تحملها وعن مكانه.

(قوله: إن اشتهر ضبطه وديانته) قيد في عدم لزوم استفساره.

(قوله: بل يسن) أي الاستفسار.

(قوله: كتفرقة الشهود) أي فإنها تسن عند أداء الشهادة، بأن يستشهد القاضي كل واحد على حدته.

(قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يشتهر ضبطه وديانته، لزم القاضي أن يستفسره.

وعبارة المغني: قال الامام: والاستفصال عند استشعار القاضي غفلة في الشهود حتم، وكذا إن رابه أمر.

وإذا استفصلهم ولم يفصلوا بحث عن أحوالهم، فإن تبين له أنهم غير مغفلين قضى بشهادتهم المطلقة.

قال: ومعظم شهادة العوام يشوبها غرة وسهو وجهل، وإن كانوا عدولا فيتعين الاستفصال كما ذكرنا، وليس الاستفصال مذكورا في نفسه، وإنما الغرض تبيين تثبتهم في الشهادة.

اه.

وتعقب كلام الامام المذكور في التحفة فقال فيها والوجه ما أشرت إليه آنفا أنه إن اشتهر ضبطه وديانته لم يلزمه استفساره، وإلا لزمه.

اه.

(قوله: وشرط لشهادة بفعل) أي زيادة على الشروط المتقدمة التي ذكرها.

(قوله: كزنا الخ) تمثيل للفعل.

(قوله: وولادة) قال في التحفة: وزعم ثبوتها بالسماع محمول على ما إذا أريد بها النسب من جهة الأم.

اه.

وقوله: محمول إلخ.

وذلك لأن النسب يكفي فيه الاستفاضة.

(قوله: إبصار إلخ) نائب فاعل شرط: أي شرط إبصار لذلك الفعل مع إبصار فاعله لحصول اليقين به.

قال تعالى: * (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) *.

وللخبر السابق: على مثلها - أي الشمس -

فاشهد.

(قوله: فلا يكفي فيه) أي في الفعل، أي الشهادة به.

(وقوله: السماع من الغير) أي بحصول ذلك الفعل بأن يسمع أن فلانا زنى بفلانة، فلا يجوز له أن يشهد بالسماع المذكور.

(قوله: ويجوز تعمد نظر فرج الزانيين) أي لانهما

(1) سورة الزخرف، الاية:86.

ص: 340

إبصار (وسمع) لقائله حال صدوره فلا يقبل فيه أصم لا يسمع شيئا ولا أعمى في مرئي لانسداد طرق التمييز مع اشتباه الاصوات ولا يكفي سماع شاهد من وراء حجاب وإن علم صوته لان ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا

ــ

هتكا حرمة أنفسهما.

(وقوله: لتحمل شهادة) علة الجواز: أي يجوز النظر لاجل التحمل، فإن كان لغيره فسقوا وردت شهادتهم.

وعبارة الخطيب: وإنما نقبل شهادتهم بالزنا إذا قالوا: حانت منا إلتفاتة فرأينا، أو تعمدنا النظر لاقامة الشهادة.

قال الماوردي: فإن قالوا تعمدنا لغير الشهادة فسقوا وردت شهادتهم.

اه.

(قوله: وكذا امرأة الخ) أي وكذلك يجوز تعمد نظر فرج امرأة تلد.

(وقوله: لاجلها) أي لاجل تحمل الشهادة.

وأنث الضمير العائد على مذكر لاكتسابه التأنيث من المضاف إليه.

(قوله: ولشهادة بقول) معطوف على لشهادة بفعل: أي وشرط لشهادة بقول (قوله: كعقد الخ) تمثيل للقول (قوله: هو) نائب فاعل شرط المقدر.

(قوله: وسمع) معطوف على الضمير.

(قوله: لقائله) هو وما بعده متعلقان بإبصار المجعول تفسيرا للضمير، والاولى أن يذكرهما بعد قوله: أي إبصار، ويقدر لسمع متعلقا يناسبه: أي سمع لقوله.

وعبارة المنهاج مع التحفة: والاقوال كعقد، وفسخ وإقرار، يشترط سمعها وإبصار قائلها حال صدورها منه، ولو من وراء نحو زجاج فيها يظهر، ثم رأيت غير واحد قالوا: تكفي الشهادة عليها من وراء ثوب خفيف يشف على أحد وجهين كما اقتضاه ما صححه الرافعي في نقاب المرأة الرقيق.

اه.

(وقوله: حال صدوره) أي القول (قوله: فلا يقبل الخ) تفريع على مفهوم شرط القول.

(وقوله: أصم لا يسمع شيئا) تفريع على مفهوم شرطه وشرط ما قبله وهو الفعل: أي فلا يقبل في القول أي الشهادة به أصم لا يسمع شيئا: أي وأما الفعل فيقبل لحصول العلم بالمشاهدة، كما صرح به في المنهاج.

(قوله: ولا أعمى في مرئي) أي ولا يقبل شهادة أعمى في مرئي، وهو الفعل مع فاعله بالنسبة للاول، وقائل القول بالنسبة للثاني، ومثل الاعمى من يدرك الاشخاص ولا يميز بينها.

ويستثنى من ذلك صور تقبل شهادة الاعمى فيها على الفعل، والقول منها ما إذا وضع يده على ذكر داخل في فرج امرأة، أو دبر صبي مثلا، فأمسكهما ولزمهما حتى شهد عند الحاكم بما عرفه بمقتضى وضع اليد، فيقبل شهادته لان هذا أبلغ من الرؤية، ومنها في الغصب والاتلاف فيما لو جلس الاعمى على بساط لغيره فغصبه غاصب أو أتلفه فأمسكه الاعمى في تلك الحالة مع البساط وتعلق بهما حتى شهد

عند الحاكم بما عرفه لتقبل شهادته، ومنها ما إذا أقر شخص في إذنه بنحو طلاق، أو عتق، أو مال لرجل معروف الإسم والنسب، فمسكه حتى شهد عليه عند قاض فتقبل شهادته، ومنها ما إذا كان عماه بعد تحمله الشهادة، والمشهود له والمشهود عليه معروفا الإسم والنسب فتقبل شهادته لحصول العلم به، ومنها ما يثبت بالاستفاضة والشيوع من جمع كثير يؤمن تواطؤهم على الكذب، مثل الموت والنسب والعتق مما سيأتي قريبا، فتقبل شهادته فيه.

(قوله: لانسداد طرق التمييز) أي المعرفة، وهو تعليل لعدم قبول شهادة الاعمى: أي وإنما لم تقبل لانسداد طرق التمييز عليه.

(وقوله: مع اشتباه الأصوات) أي فقد يحاكي الإنسان صوت غيره فيشتبه صوته به، فلذلك لا تقبل شهادته حتى على زوجته اعتمادا على صوتها كغيرها، خلافا لما بحثه الاذرعي من قبول شهادته عليها اعتمادا على ذلك، وإنما جوزوا له وطأها اعتمادا على صوتها للضرورة، ولان الوطئ يجوز بالظن بخلاف الشهادة فلا تجوز إلا بالعلم واليقين، كما يفيده الخبر السابق وهو: على مثلها فاشهد.

تنبيه: العمى هو فقد البصر عما من شأنه أن يكون بصيرا ليخرج الجماد، وهو ليس بضار في الدين، بل المضر إنما هو عمى البصيرة - وهو الجهل - بدليل: * (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) *.

وضمير فإنها للقصة.

وما أحسن قول أبي العباس المرسي.

يقولون الضرير فقلت كلابل والله أبصر من بصير سواد العين زار بياض قلبي ليجتمعا على فهم الامور

(1) سورة الحج، الاية:46.

ص: 341

يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن لجواز اشتباه الاصوات قال شيخنا: نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز اعتماد صوته وإن لم يره وكذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما.

اه.

ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة إعتمادا على صوتها كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الاصوات.

نعم، لو سمعها

ــ

ولما عمي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنشد: إن يأخذ الله من عيني نورهما فإن قلبي مضئ ما به ضرر أرى بقلبي دنياي وآخرتي والقلب يدرك ما لا يدرك البصر (قوله: ولا يكفي سماع شاهد الخ) لو حذف الفعل وجعل ما بعده معطوفا على قوله: ولا أعمى لكان أخصر وأولى، لان هذا مفرع أيضا على مفهوم اشتراط الابصار.

(وقوله: من وراء حجاب) يصح جعل من إسما موصولا، وتكون مفعول سماع: أي ولا يكفي سماعه من كان وراء حجاب ويصح جعلها جارة، وهي متعلقة بمحذوف لشاهد: أي

كائن من وراء حجاب، والمراد بالحجاب غير الشفاف.

أما هو كزجاج فيكفي كما مر.

(قوله: وإن علم) أي الشاهد.

(وقوله: صوته) أي المشهود عليه.

(قوله: لأن ما أمكن إدراكه الخ) أي لأن ما أمكن معرفته يقينا بإحدى الحواس كالبصر هنا لا يعمل فيه بغلبة الظن الحاصلة بغيره كالسمع، وبما قررته اندفع ما يقال إن السمع من الحواس والصوت يدرك به، فالعلة غير صحيحة.

وحاصل الدفع أن السمع وإن سلم أنه من الحواس إلا أنه لا يحصل به الادراك، أي المعرفة يقينا، بل يفيد غلبة الظن فقط لجواز اشتباه الأصوات، والذي يفيد الادراك يقينا هنا هو البصر، فإذا أمكن به لا يجوز العمل بخلافه.

والحواس الظاهرة خمس.

السمع والبصر والشم والذوق واللمس، فلو أدرك الاعمى شيئا بالشم وما بعده من الحواس جاز أن يشهد به لحصول الادراك به يقينا، فإذا اختلف المتبايعان في مرارة المبيع، أو حموضته، أو تغير رائحته، أو حرارته، أو برودته، جازت شهادة الاعمى به.

(قوله: نعم لو علمه إلخ) استثناء من عدم الاكتفاء بسماع شاهد من وراء حجاب: أي لا يكتفي بذلك إلا إن عرف الشاهد أن هذا المشهود عليه القائل بكذا مثلا هو في البيت وحده، وعرف أن الصوت خرج من هذا البيت الذي فيه المشهود عليه وحده، فإنه يكتفي بسماع صوته، ويجوز اعتماده وإن لم يره لحصول اليقين بما ذكر.

(قوله: وكذا لو علم إلخ) أي وكذا يجوز للشاهد اعتماد الصوت ويكتفي به في سماع الشهادة لم علم اثنين كائنين ببيت وحدهما لا ثالت لهما وسمعهما يتعاقدان.

(قوله: وعلم الموجب) بكسر الجيم.

(وقوله: منهما) أي من الاثنين، وهو متعلق بالموجب.

(وقوله: من القابل) متعلق بعلم على تضمينه معنى ميز.

(وقوله: لعلمه بمالك المبيع) علة لعلمه الموجب من القابل: أي أن معرفته الموجب من القابل لكونه يعلم من قبل بمالك المبيع.

وعبارة المغني: وما حكاه الروياني عن الاصحاب من أنه لو جلس بباب بيت فيه إثنان فقط، فسمع معاقدتهما بالبيع وغيره، كفى من غير رؤية زيفه البندنيجي بأنه لا يعرف الموجب من القابل.

قال الأذرعي: وقضية كلامه أنه لو عرف هذا من هذا أنه يصح التحمل، ويتصور ذلك بأن يعرف أن المبيع ملك أحدهما، كما لو كان الشاهد يسكن بيتا أو نحوه لاحدهما، أو كان جاره، فسمع أحدهما يقول بعني بيتك الذي يسكنه فلان الشاهد أو الذي في جواره، أو علم أن القابل في زاوية والموجب في أخرى، أو كان كل واحد منهما في بيت بمفرده والشاهد جالس بين البيتين وغير ذلك.

اه.

(قوله: أو نحو ذلك) أي نحو مالك المبيع، وهو القابل.

(قوله: فله) أي للعالم بما ذكر، وهذه نتيجة التشبيه بقوله وكذا.

(قوله: ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة) أي على نفسها أو على نكاحها، كما يعلم ذلك من قوله قال جمع الخ، والمنتقبة بنون ثم تاء هي التي غطت وجهها بالنقاب.

قال في المغني:

تنبيه: مراد المصنف والاصحاب بأنه لا يصح التحمل على المنتقبة ليؤدي ما تحمله اعتمادا على عرفة صوتها، أما لو شهد اثنان أن امرأة منتقبة أقرت يوم كذا لفلان بكذا، فشهد آخران أن تلك المرأة التي قد حضرت وأقرت يوم كذا هي

ص: 342

فتعلق بها إلى القاضي وشهد عليها جاز كالاعمى بشرط أن تكشف نقابها ليعرف القاضي صورتها.

وقال جمع لا ينعقد نكاح منقبة إلا إن عرفها الشاهدان إسما ونسبا وصورة (وله) أي للشخص (بلا معارض شهادة على نسب) ولو من أم أو قبيلة (وعتق) ووقف وموت ونكاح (وملك بتسامع) أي استفاضة (من جمع يؤمن كذبهم) أي

ــ

هذه، ثبت الحق بالبينتين، كما لو قامت بينة أن فلان بن فلان أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان بن فلان ثبت الحق.

اه.

ومثله في التحفة والنهاية.

(قوله: كما لا يتحمل بصير في ظلمة) أي كما لا يتحمل الشهادة، وهو في ظلمة لا يرى القائل.

وقوله: اعتمادا عليه) أي على الصوت.

(قوله: نعم لو سمعها إلخ) عبارة التحفة والنهاية: وأفهم قوله اعتمادا أنه لو سمعها فتعلق بها إلخ.

اه.

وهي أولى من الاستدراك، وضمير سمعها يعود على المنتقبة.

والمراد سمع قولها، إذ السماع لا يتعلق بذكر من الشهادة عليها، ولو قال جازت - أي الشهادة عليها - لكان أولى.

(قوله: كالاعمى) أي في أنه إن سمع من يقر لشخص بشئ فتعلق به حتى وصل إلى القاضي، فإنه يجوز كما مر.

(قوله: بشرط أن تكشف إلخ) فيه أن هذا شرط للحكم لا للشهادة التي الكلام فيها، ثم رأيت الرشيدي كتب على قوله النهاية: بشرط أن يكشف نقابها إلخ.

ما نصه: هذا شرط للعمل بالشهادة كما لا يخفى.

اه.

(قوله: وقال جمع الخ) قال سم: إذا رأى الشاهدان وجهها عند العقد صح وإن لم يره القاضي العاقد، لانه ليس بحاكم بالنكاح ولا شاهد، كما لو زوج ولي النسب، موليته التي لم يرها قط، بل يشترط رؤية الشاهدين وجهها في انعقاد النكاح كما مال إليه كلام الشارح في باب النكاح خلاف ما نقله هنا عن الجمع المذكور.

اه.

وقوله: كما مال إلخ: صرح به البجيرمي فقال: قال حجر: يجوز العقد عليها مع عدم رؤيتها ومعرفتها باسمها ونسبها بأن يشهدا على وقوع العقد بين الزوجين.

اه.

(وقوله: اسما ونسبا) أي بأن يستفيض أنها فلانة بنت فلان.

(وقوله: وصورة) الواو بمعنى أو، وقد عبر بها في التحفة والنهاية، وهو أولى.

(قوله: وله أي للشخص إلخ) شروع فيما يجوز فيه الشهادة اعتمادا على الاستفاضة، وذكر منه ستة أشياء وهي: النسب والعتق والوقف والموت والنكاح والملك، وبقي مما يثبت بها أشياء وهي: القضاء والجرح والتعديل والرشد والارث واستحقاق الزكاة والرضاع وعزل القاضي وتضرر الزوجة والاسلام والكفر والسفه والحمل والولادة والوصايا والحرية والقسامة والغصب.

وقد نظمها المناوي في قوله: ففي الست والعشرين تكفي استفاضة وتثبت سمعا دون علم بأصله

ففي الكفر والتجريح مع عزل حاكم وفي سفه أو ضد ذلك كله وفي العتق والاوقاف والزكوات مع نكاح وإرث والرضاع وعسره وإيصائه مع نسبة وولادة وموت وحمل والمضر بأهله وأشربة ثم القسامة والولا وحرية والملك مع طول فعله وإنما ثبتت هذه الامور بالاستفاضة لان بها أمور مؤيدة، فإذا طالت مدتها عسر إقامة البينة على ابتدائها فمست الحاجة إلى ثبوتها بالاستفاضة.

ولا شك أحد أن السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبويها زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأن السيدة فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مستند لذلك إلا السماع.

(قوله: بلا معارض) سيذكر محترزه.

(قوله: شهادة على نسب) أي وإن لم يعرف عين المنسوب إليه.

(قوله: ولو من أم أو قبيلة) من بمعنى اللام: أي أنه لا فرق في الشهادة بالنسب بين أن يكون المنسوب إليه أبا أو أما أو جدا أو قبيلة، وذلك بأن يقول أشهد أن هذا إبن فلان أو فلانة، أو من قبيلة كذا، وفائدة هذه الشهادة بالنسبة إلى القبيلة، استحقاق المنسوب إليها من وقف كائن عليها مثلا.

(قوله: وعتق) معطوف على نسب: أي وله شهادة على عتق بما سيذكره.

(قوله: ووقف) معطوف أيضا على نسب: أي وله شهادة على وقف بما سيذكره، وهذا بالنظر لاصله، أما بالنظر لشروطه فقال النووي في فتاويه، لا يثبت بالاستفاضة شروط الوقف وتفاصيله بل

ص: 343

تواطؤهم عليه لكثرتهم فيقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ولا يشترط حريتهم ولا ذكورتهم ولا يكفي أن يقول سمعت الناس يقولون كذا بل يقول أشهد أنه ابنه مثلا (و) له الشهادة بلا معارض (على ملك به) أي بالتسامخ

ممن ذكر (أو بيد وتصرف تصرف ملاك) كالسكنى والبناء والبيع والرهن والاجارة (مدة طويلة) عرفا فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد لانها لا تستلزمه ولا بمجرد التصرف لانه قد يكون بنيابة ولا تصرف بمدة قصيرة نعم إن انضم

ــ

إن كانت وقفا على جماعة معينين أو جهات متعددة قسمت الغلة بينهم بالسوية، أو على مدرسة مثلا وتعذرت معرفة الشروط صرف الناظر الغلة فيما يراه من مصالحها.

اه.

والاوجه حمل هذا على ما أفتى به ابن الصلاح شيخه من أن الشروط إن شهد بها منفردة لم يثبت بها، وإن ذكرها في شهادته بأصل الوقف سمعت، لانه يرجع حاصله إلى بيان كيفية الوقف.

اه.

مغني.

(قوله: وموت) إنما اكتفى فيه بالاستفاضة لان أسبابه كثيرة منها ما يخفى ومنها ما يظهر، وقد يعسر الاطلاع عليها فاقتضت الحاجة أن يعتمد فيه الاستفاضة.

(قوله: ونكاح) واعلم أنه حيث ثبت بالاستفاضة لا يثبت الصداق المدعى به بها، بل يرجع لمهر المثل.

(قوله: وملك) أي مطلق.

أما المقيد بسبب فإن كان مما يثبت سببه بالاستفاضة كالارث فكذلك، وإن كان مما لا يثبت سببه بها فلا.

(قوله: بتسامع) متعلق بشهادة.

(قوله: أي استفاضة) تفسير للتسامع.

وفي البجيرمي: نقلا عن الدميري ما نصه: والفرق بين الخبر المستفيض والخبر المتواتر أن المتواتر هو الذي بلغت روايته مبلغا أحالت العادة تواطأهم على الكذب، والمستفيض الذي لا ينتهي إلى ذلك، بل أفاد الامن من

التواطء على الكذب.

والامن معناه الوثوق، وذلك بالظن المؤكد.

اه.

(قوله: من جمع) متعلق بتسامع (قوله: أي تواطؤهم عليه) أي يؤمن تواطؤهم على الكذب.

(قوله: لكثرتهم) علة الامن.

(قوله: فيقع الخ) تفريع على كونهم يؤمن منهم ذلك.

(قوله: ولا يشترط حريتهم) أي الجمع المسموع منهم: أي ولا عدالتهم فيكفي فيهم أن يكونوا نساء وأرقاء وفسقة.

(قوله: ولا يكفي) أي في الشهادة بالاستفاضة.

(وقوله: أن يقول) أي الشاهد.

(وقوله: سمعت الناس يقولون كذا) مقول القول، وإنما لم يكف قوله المذكور لانه يحدث ريبة في شهادته، لأنه يشعر بعدم جزمه بالشهادة مع أنه لا بد من الجزم بها كأن يقول أشهد بموت فلان، أو أن فلانا ابن فلان، أو أن هذا الشئ ملك فلان، أو أن فلانا عتيق فلان.

(قوله: وله) أي للشخص.

(قوله: على ملك) هذا مكرر على قوله السابق وملك، فالصواب الاقتصار على هذا كما في المنهج فإنه اقتصر عليه.

(وقوله: به) معلق بالشهادة.

(قوله: ممن ذكر) أي من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب.

(قوله: أو بيد وتصرف الخ) معطوف على قوله به: أي وله الشهادة على ملك اعتمادا على اليد مع التصرف فيه تصرف الملاك، كما أن له الشهادة اعتمادا على الاستفاضة.

وعبارة الروض وشرحه: من رأى رجلا يتصرف في شئ متميزا عن أمثاله كالدار والعبد واستفاض في الناس أنه ملكه جاز أن يشهد له به وإن لم يعرف سببه، ولم تطل المدة.

وكذا يجوز ذلك انضم إلى اليد تصرف مدة طويلة ولو بغير استفاضة، لان امتداد اليد والتصرف بلا منازع يغلب على الظن الملك.

اه.

(قوله: كالسكنى الخ) تمثيل لكونه تحت اليد مع التصرف.

(وقوله: والبناء) الواو فيه وفيما بعده بمعنى أو.

إذ كل واحد منها على حدته كاف، كما صرح به في التحفة.

(وقوله: والبيع) المراد والفسخ بعده وإلا فالبيع يزيل الملك، فكيف يشهد له بالملك.

(قوله: مدة طويلة) متعلق بتصرف، وإنما جازت الشهادة بالملك حينئذ، لان امتداد الايدي والتصرف مع طول الزمان من غير منازع يغلب على الظن الملك.

(وقوله: عرفا) أي أن المعتبر في طول المدة العرف.

قال الشيخان: ولا يكفي التصرف مرة.

قال الاذرعي بل ومرتين بل ومرارا في مجلس واحد أو أيام قليلة.

(قوله: فلا تكفي الشهادة بمجرد اليد) أي لا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد اليد: أي من غير تصرف ويعلم من هذا أن المراد باليد فيما مر اليد الحسية لا الحكمية، وهو كونه تحت تصرفه وسلطنته، وإلا لما صح قوله المذكور.

(قوله: لأنها) أي اليد.

(وقوله: لا تستلزمه) أي الملك، وذلك لان اليد عليه قد تكون بطريق الاجارة أو العارية.

(قوله: ولا بمجرد التصرف) أي ولا تكفي الشهادة بالملك اعتمادا على مجرد التصرف: أي من غير يد (قوله: لأنه) أي التصرف المجرد.

(وقوله: قد يكون بنيابة) أي وكالة وقد يكون بغصب.

(قوله: ولا تصرف بمدة قصيرة) عبارة شرح المنهج: ولا بهما،

ص: 344

للتصرف استفاضة أن الملك له جازت الشهادة به وإن قصرت المدة ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك سنين.

واستثنوا من ذلك الرقيق فلا تجوز الشهادة بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد أنه له كما في الروضة للاحتياط في الحرية وكثرة استخدام الاحرار واستصحاب لما سبق من نحو إرث وشراء وإن احتمل زواله للحاجة الداعية إلى ذلك ولان الاصل بقاء الملك، وشرط ابن أبي الدم في الشهادة بالتسامع أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة، ومثلها الاستصحاب ثم اختار وتبعه السبكي وغيره أنه إن ذكره

ــ

أي اليد والتصرف معا بدون التصرف المذكور، كأن تصرف مرة أو تصرف مدة قصيرة، لأن ذلك لا يحصل الظن.

اه.

(قوله: نعم إن انضم الخ) استدراك على اشتراط المدة الطويلة، فهو مرتبط بالمتن.

(وقوله: استفاضة) أن الملك له، أي شيوع أن الملك لهذا المتصرف.

(قوله: جازت الشهادة به) أي بالملك، وذلك لأنه إذا جازت بمجرد الاستفاضة فلان تجوز بها مع التصرف أولى.

(قوله: ولا يكفي قول الشاهد رأيت ذلك) أي ما ذكر من اليد والتصرف سنين، بل لا بد من المدة الطويلة فيهما عرفا أو الاستفاضة.

(قوله: واستثنوا من ذلك) أي من جواز الشهادة باليد، والتصرف في المدة الطويلة.

(قوله: فلا تجوز الخ) أي فليس لمن رأى صغيرا في يد من يستخدمه ويأمره وينهاه مدة طويلة أن يشهد له بملكه، وهذا خلاف ما يستفاد من عبارة شرح الروض المارة.

(قوله: إلا أن انضم لذلك) أي لليد والتصرف.

(وقوله: السماع من ذي اليد أنه له) أي بأن قال هو عبدي مثلا، ولا بد أيضا من السماع من الناس كما يستفاد من التحفة والنهاية وعبارتهما: إلا إن انضم لذلك السماع من ذي اليد ومن الناس.

اه.

قال ع ش: أي فلا يكفي السماع من ذي اليد من غير سماع من الناس ولا عكسه.

اه.

(قوله: للاحتياط في الحرية) تعليل لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد والتصرف.

وكتب الرشيدي على قول النهاية للاحتياط للحرية ما نصه: يؤخذ منه أن صورة المسألة أن النزاع مع الرقيق في الرق والحرية، أما لو كان بين السيد وبين آخر يدعي الملك فظاهر أنه تجوز الشهادة فيه بمجرد اليد والتصرف مدة طويلة، هكذا ظهر فليراجع.

اه.

(قوله: وكثرة استخدام الاحرار) علة ثانية لعدم جواز الشهادة بأنه ملكه بمجرد اليد والتصرف: أي وإنما لم يجز ذلك لكثرة استخدام الاحرار: أي فلا يدلان على الملكية.

(قوله: واستصحاب) مرتبط بالمتن فهو معطوف على الضمير من به والتقدير: وله الشهادة على ملك باستصحاب لما سبق، وكان الأولى أن يذكره بعد قوله: مدة طويلة عرفا، ويعبر بأو، ويدل على ذلك عبارة المنهج ونصها: وله بلا معارض شهادة بملك به، أي بالتسامع ممن ذكر أو بيد، وتصرف تصرف ملاك كسكنى وهدم وبناء وبيع مدة طويلة عرفا، أو باستصحاب لما سبق الخ.

اه.

بزيادة من شرحه.

وهذه المسألة قد تقدمت في الشرح قبيل فصل الشهادات، وعبارته هناك.

فرع: تجوز الشهادة بل تجب إن انحصر الأمر فيه بملك الآن للعين المدعاة، استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما اعتمادا على الاستصحاب، لان الاصل البقاء، وللحاجة لذلك، وإلا لتعسرت الشهادة على الاملاك السابقة إذا تطاول الزمن، ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع عند الأكثرين.

اه.

(قوله: من نحو إرث إلخ) بيان لما سبق.

(قوله: وإن احتمل زواله) أي الملك، وهو غاية لجواز الشهادة بالاستصحاب لما سبق.

(قوله: للحاجة الخ) علة لجواز الشهادة بالملك بالاستصحاب: أي بالاعتماد عليه.

(وقوله: إلى ذلك) أي إلى الشهادة اعتمادا على الاستصحاب.

(قوله: ولأن الأصل إلخ) علة ثانية للجواز.

(قوله: وشرط ابن أبي الدم إلخ) عبارة شرح الروض: ولا يذكر من غير سؤال الحاكم مستند شهادته من تسامع، أو رؤية، أو تصرف، فلو ذكره بأن قال أشهد بالتسامع، بأن هذا ملك زيد، أو أشهد أنه ملكه لابي رأيته يتصرف فيه مدة طويلة، لم يقبل على الأصح، لأن ذكره يشعر بعدم جزمه بالشهادة، ويوافقه ما سيأتي في الدعاوي من أنه لو صرح في شهادته بالملك بأنه يعتمد الاستصحاب لم تقبل شهادته، كما لا تقبل شهادة الرضاع على امتصاص الثدي وحركة الحلقوم.

اه.

(قوله: ومثلها) أي ومثل الاستفاضة الاستصحاب، فلا يجوز أن يصرح بأنه مستنده في الشهادة.

(قوله: ثم اختار) أي ابن أبي

ص: 345

تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة.

ثم قال مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا كأن قال شهدت بالاستفاضة بكذا فلا، خلافا للرافعي واحترز بقولي بلا معارض عما إذا كان في النسب مثلا طعن من بعض الناس لم تجز الشهادة بالتسامع لوجود معارض.

تنبيه: يتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم لانه أبلغ في الظهور ولو عرف الشاهد السبب كالاقرار هل له أن يشهد بالاستحقاق؟ وجهان أشهرهما لا، كما نقله ابن الرفعة عن ابن أبي الدم.

وقال ابن الصباغ كغيره تسمع وهو مقتضى كلام الشيخين (وتقبل شهادة على شهادة) مقبول شهادته (في غير عقوبة لله)

ــ

الدم.

(قوله: أنه) أي الشاهد.

(وقوله: إن ذكره) أي المستند، والمصدر المؤول من أن ومعموليها مفعول اختار.

(وقوله: تقوية لعلمه) عبارة شرح الرملي: والاوجه أنه إن ذكره على وجه الريبة والتردد بطلت لتقوية كلام أو حكاية حال قبلت.

اه.

(قوله: بأن إلخ) تصوير لكون ذكره على سبيل التقوية.

(وقوله: جزم بالشهادة) أي بأن قال أشهد أن هذا ملك فلان، ولم يصرح فيها بالمستند.

(قوله: ثم قال) أي بعد جزمه بالشهادة بتراخ.

قال ما ذكر كما يفيده حرف العطف.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يذكره تقوية لعلمه، وإنما ذكره على سبيل التردد.

(وقوله: كأن قال شهدت بالاستفاضة) أي بأن صرح بالمستند مقرونا بالشهادة لا متأخرا عنها.

(قوله: فلا) أي فلا تسمع شهادته، وهو جواب إن المدغمة في لا النافية.

(قوله: خلافا للرافعي) أي القائل بأنه لا يضر ذكر المستند مطلقا.

وعبارة التحفة: بل كلام الرافعي يقتضي أنه لا يضر ذكرها: أي الاستفاضة مطلقا حيث قال في شاهد الجرح يقول: سمعت الناس يقولون فيه كذا، لكن الذي صرحوا به هنا أن ذلك لا يكفي لأنه قد يعلم خلاف ما سمع، وعليه فيوجه الاكتفاء بذلك في الجرح بأنه مفيد في المقصود منه من عدم ظن العدالة، ولا كذلك هنا.

اه.

(قوله: واحترز) يقرأ بصيغة المضارع المبدوء بهمزة المتكلم بدليل قوله بقولي، ويصح قراءته بصيغة الماضي مبنيا للمجهول.

(وقوله: بلا معارض) أي للتسامع الذي هو مستند الشهادة.

(قوله: عما إذا كان في النسب) أي في نسبة النسب إلى فلان.

(وقوله: مثلا) أدخل به ما بعده من العتق والوقف والموت وما بعدها.

(وقوله: طعن من بعض الناس) قال في التحفة: كذا أطلقوه ويظهر أنه لا بد من طعن لم تقم

قرينة على كذب قائله.

اه.

ومثل الطعن إنكار المنسوب إليه.

(قوله: لم تجز الشهادة بالتسامع) المناسب التفريع بأن يقول فإنه لا تجوز الشهادة بالتسامع.

(وقوله: لوجود معارض) أي وهو الطعن أو إنكار المنسوب إليه.

(قوله: يتعين على المؤدي الخ) الأنسب تقديم هذه المسألة أول الباب، أو تأخيرها إلى آخره.

(قوله: فلا يكفي مرادفه) أي مرادف أشهد.

(قوله: لأنه) أي لفظ أشهد: أي ولما مر أول الباب من أن فيه نوع تعبد.

(وقوله: أبلغ في الظهور) أي من غيره.

(قوله: ولو عرف الشاهد السبب) أي للملك.

(وقوله: كالإقرار) أي إقرار شخص بأن هذا العبد مثلا ملك فلان.

(قوله: هل له أن يشهد بالاستحقاق) أي استحقاق الملك اعتمادا على السبب.

(قوله: وجهان) أي قيل له ذلك، وقيل ليس له ذلك.

(وقوله: أشهرهما) أي الوجهين.

(وقوله: لا أي لا يشهد بالاستحقاق) قال في التحفة: لانه قد يظن ما ليس بسبب سببا، ولان وظيفته نقل ما سمعه أو رآه، ثم ينظر الحاكم فيه ليرتب عليه حكمه، لا ترتيب الاحكام على أسبابها.

اه.

(قوله: وقال ابن الصباغ كغيره تسمع) أي الشهادة بالاستحقاق، والملائم في المقابلة أن يقول يشهد بالاستحقاق وتسمع.

(قوله: وهو) أي سماعها.

(وقوله: مقتضى كلام الشيخين.) قال في النهاية: وهو الأوجه.

اه.

قال في التحفة بعده: ولك أن تجمع بحمل الأول على من يثق بعلمه، والثاني على من يوثق بعلمه، ثم أطال الكلام على ذلك فانظره إن شئت.

(قوله: وتقبل شهادة على شهادة) أي لعموم قوله تعالى: * (وأشهدوا ذوي عدل منكم) *.

فهو شامل للشهادة على أصل الحق، وللشهادة على الشهادة وللحاجة إليها، لان الاصل قد يتعذر، ولان الشهادة حق لازم الاداء فيشد عليها

(1) سورة الطلاق، الاية:2.

ص: 346

تعالى مالا كان أو غيره كعقد وفسخ وإقرار وطلاق ورجعة ورضاع وهلال رمضان ووقف على مسجد أو جهة عامة وقود وقذف بخلاف عقوبة لله تعالى.

كحد زنا وشرب وسرقة وإنما يجوز التحمل (ب) - شروط (تعسر أداء أصل) بغيبة فوق مسافة العدوى أو خوف حبس من غريم وهو معسر أو مرض يشق معه حضوره وكذا بتعذره بموت أو جنون (و) ب (- استرعائه) أي الاصل أي التماسه منه رعاية شهادته وضبطها حتى يؤديها عنه لان الشهادة

ــ

كسائر الحقوق.

(قوله: مقبول الخ) مجرور بإضافة شهادة التي في المتن إليه، وفيه حذف التنوين منه، والاولى إبقاؤه وزيادة من الجارة قبل قوله: مقبول.

(وقوله: شهادته) نائب فاعل مقبول: أي تقبل شهادة على شهادة من قبلت شهادته، وخرج به مردودها كفاسق ورقيق وعدو، فلا يصح تحمل شهادته لعدم الفائدة فيه.

(قوله: في غير عقوبة لله) متعلق بتقبل.

(قوله: مالا كان) أي غير العقوبة.

ولا فرق في المال بين أن يكون فيه حق لآدمي وحق لله كالزكاة ووقف المساجد والجهات العامة، أو متمحضا لآدمي كالديون.

(قوله: أو غيره) أي غير مال.

(قوله: كعقد إلخ) تمثيل لغير المال.

(قوله: ووقف على مسجد أو جهة عامة) أي أو على شخص معين.

(قوله: وقود وقذف) أي وكقود وقذف، فهما معطوفان على عقد.

(قوله: بخلاف عقوبة لله تعالى) أي موجبها، إذ منع الشهادة على الشهادة إنما يكون فيه، وأما

الشهادة على الشهادة في أصل العقوبة فلا تمنع كما في البجيرمي ونص عبارته: والمراد بمنع الشهادة على الشهادة في عقوبة الله منع إثباتها، فلو شهدا على شهادة آخرين أن الحاكم حد فلانا قبلت.

اه.

ومثل عقوبة الله إحصان من ثبت زناه بأن أنكر كونه محصنا فشهدت بينة بإحصانه لاجل رجمه، فلا تقبل الشهادة على هذه الشهادة.

(قوله: كحد زنا الخ) تمثيل لعقوبة الله تعالى.

(قوله: وإنما يجوز التحمل بشروط الخ) أي أربعة: الاول: تعسر أداء الاصل الشهادة.

الثاني: الاسترعاء بأن يلتمس الاصل من الفرع رعاية الشهادة وحفظها.

الثالث: تبيين الفرع عند الاداء جهة التحمل: الرابع: تسمية الفرع إياه.

ثم إنه لا يخفى أن هذه الشروط ما عدا الاسترعاء لقبول القاضي الشهادة على الشهادة لا لجواز التحمل، فلو أبقي المتن على حاله، ولم يزد قوله وإنما يجوز التحمل، أو قال وإنما تقبل بدل يجوز التحمل لكان أولى.

وعبارة متن المنهاج: وشرط قبولها تعسر أو تعذر الاصل بموت أو عمى إلخ.

اه.

ومثلها عبارة المنهج.

(قوله: تعسر إلخ) بدل من شروط.

(وقوله: أداء أصل) أي للشهادة، والمراد بالاصل من تحمل الشهادة على أصل الحق والفرع من تحمل الشهادة على شهادته.

(قوله: بغيبة) متعلق بتعسر، والباء سببية: أي أن تعسره يكون بسبب غيبة الاصل.

(وقوله: فوق مسافة العدوي) قد تقدم بيانها غير مرة.

وخرج بفوق مسافة العدوى ما إذا كانت غيبة الاصل إلى مسافة العدوى أو دونها، فلا تقبل الشهادة على الشهادة لانها إنما قبلت فيما إذا كانت الغيبة فوق مسافة العدوى للضرورة ولا ضرورة حينئذ.

(قوله: أو خوف الخ) عطف على غيبة، فهو من أسباب التعسر فهو يكون بالغيبة، ويكون بخوف الاصل الحبس من غريم لو أدى الشهادة بنفسه عند القاضي.

(وقوله: وهو معسر) أي والحال أن ذلك الاصل معسر ليس عنده ما يفي به دين الغريم، فإن كان موسرا لا تقبل الشهادة على شهادته.

(قوله: أو مرض) معطوف أيضا على غيبة، فهو من أسباب التعسر أيضا والمراد بالمرض غير الاغماء، أما هو فينتظر لقرب زواله.

(قوله: يشق معه حضوره) أي مشقة ظاهرة بأن يجوز ترك الجمعة.

ومثل المرض المذكور سائر الأعذار المرخصة لترك الجمعة، لان جميعها يقتضي تعسر الحضور، ومحله كما قال الشيخان في الاعذار الخاصة بالاصل، فإن عمت الفرع أيضا كالمطر والوحل لم يقبل.

(قوله: وكذا بتعذره) لو قال وكذا تعذره بإسقاط الباء لكان أولى، والمراد أن مثل تعسر أداء الاصل تعذره.

(وقوله: بموت) أي للاصل بعد أن تحمل الرفع الشهادة عنه.

(وقوله: أو جنون) أي له بعد ما ذكر أيضا.

(قوله: وباسترعائه) الأولى حذف الباء، لأنه معطوف على تعسر، فهو من جملة الشروط.

ثم رأيت في بعض نسخ الخط بشرط تعسر الخ بصيغة المفرد، فعليه تكون الباء ظاهرة، وتكون هي ومدخولها معطوفين على بشرط.

واعلم: أن مثل الاسترعاء ما إذا سمعه يشهد عند قاض أو محكم، فله أن يتحمل الشهادة عنه وان لم يسترعه، لانه

ص: 347

على الشهادة نيابة فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه (فيقول أنا شاهد بكذا) فلا يكفي أنا عالم به

(وأشهدك) أو أشهدتك أو أشهد (على شهادتي) به فلو أهمل الاصل لفظ الشهادة فقال أخبرك أو أعلمك بكذا فلا يكفي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي، ولا يكفي في التحمل سماع قوله لفلان على فلان كذا أو عندي شهادة بكذا (و) ب (- تبيين فرع) عند الاداء (جهة تحمل) كأشهد أن فلانا شهد بكذا وأشهدني على شهادته

ــ

إنما يشهد عند من ذكر بعد تحقق الوجوب، وما إذا بين الاصل سبب الوجوب، كأن قال أشهد أن لفلان على فلان كذا من ثمن مبيع أو قرض، فلمن سمعه أيضا أن يتحمل الشهادة عنه وان لم يسترعه أيضا، لانتفاء احتمال الوعد في التساهل مع الاسناد إلى السبب.

وقد صرح بما ذكرته في متن المنهاج ونص عبارته مع التحفة: وتحملها الذي يعتد به إنما يحصل بأحد ثلاثة أمور: إما بأن يسترعيه الاصل فيقول أنا شاهد بكذا، فلا يكفي أنا عالم ونحوه، وأشهدك، أو أشهدتك، أو اشهد على شهادتي، أو بأن يسمعه يشهد بما يريد أن يتحمله عنه عند قاض أو محكم، قال البلقيني: أو نحو أمير.

أو بأن يبين السبب كأن يقول ولو عند غير حاكم: أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع أو غيره، لأن إسناده للسبب يمنع احتمال التساهل فلم يحتج لاذنه أيضا.

اه.

بحذف.

(قوله: أي التماسه) تفسير للاسترعاء، وأشار به إلى أن السين والتاء في استرعائه للطلب.

(وقوله: منه) أي من مريد تحمل الشهادة عنه، وهو الفرع.

(قوله: رعاية شهادته) أي تحفظها، وهو مفعول استرعاء.

(وقوله: وضبطها) العطف للتفسير.

(قوله: حتى يؤديها) أي الفرع.

(وقوله: عنه) أي عن الاصل.

(قوله: لان الشهادة الخ) تعليل لاشتراط الاسترعاء: أي وإنما اشترط لان الشهادة على الشهادة نيابة: أي فالفرع نائب عن الأصل فيها.

(قوله: فاعتبر فيها) أي في الشهادة على الشهادة لكونها نيابة.

(وقوله: إذن المنوب عنه) أي وهو الأصل.

(قوله: أو ما يقوم مقامه) أي الاذن مما ذكرته لك عند قوله وباسترعائه.

(قوله: فيقول) أي المسترعي الذي هو الأصل، وهو بيان لصفة الاسترعاء.

(قوله: فلا يكفي أنا عالم به) أي كما لا يكفي ذلك في أداء الشهادة عند القاضي، لما تقدم أنه يتعين على المؤدي حروف الشهادة.

(قوله: وأشهدك أو أشهدتك أو اشهد) أتى بأفعال ثلاثة: الاول مضارع، والثاني ماض، والثالث أمر، إشارة إلى أنه يجوز التعبير بأي واحد منها.

(وقوله: على شهادتي) متعلق بالافعال الثلاثة، ومثل ذلك ما لو قاله: إذا استشهدت على شهادتي بكذا، فقد أذنت لك أن تشهد.

تنبيه: لو استرعى الاصل شخصا معينا للشهادة، يجوز لمن سمعه الشهادة على شهادته، وإن لم يسترعه هو بخصوصه، كما صرح به في التحفة.

(قوله: فلو أهمل الاصل لفظ الشهادة) أي لم يعبر به، بل عبر بمرادفه كأعلمك أو أخبرك، وهذا تفريع على إيثاره التعبير في الأفعال الثلاثة بحروف الشهادة.

(قوله: فلا يكفي) أي في التحمل، وهذا جواب لو.

(قوله: كما لا يكفي

ذلك) أي قوله أخبرك أو أعلمك.

(قوله: ولا يكفي في التحمل) أي للشهادة.

(وقوله: سماع قوله الخ) أي سماع شخص يريد التحمل.

قول شخص آخر لفلان على فلان كذا الخ.

أي ونحو ذلك من صور الشهادة التي في معرض الاخبار، كأشهد بأن لفلان على فلان كذا، وإنما لم يكف سماع هذه الالفاظ لانه مع كونه لم يأت في بعضها بلفظ الشهادة، قد يريد أن لفلان على فلان ذلك من جهة وعد وعده إياه، ويشير بكلمة على الخ.

إلى أن مكارم الاخلاق تقتضي الوفاء، وقد يتساهل بإطلاق لفظ الشهادة لغرض صحيح كحمله على الاعطاء، أو فاسد كأن كان غرضه شهادة الفرع على أصله، فإذا آل الامر إلى الشهادة تأخر عنها.

أفاده في شرح المنهج.

(قوله: وبتبيين فرع) معطوف أيضا على تعسر، فالاولى حذف الباء كما تقدم.

وعبارة المنهاج: وليبين الفرع عند الاداء جهة التحمل، فإن لم يبين ووثق القاضي بعلمه فلا بأس.

اه.

(وقوله: جهة تحمل) أي طريقه، وهو أحد الامور الثلاثة المتقدمة، وهي الاسترعاء، أو سماعه يشهد عند حاكم، أو سماعه يبين سبب الشهادة.

(قوله: كأشهد الخ) أي كقول الفرع: أشهد بصيغة المضارع أن فلانا

ص: 348

أو سمعته يشهد به عند قاض، فإذا لم يبين جهة التحمل ووثق الحاكم بعلمه لم يحب البيان فيكفي أشهد على شهادة فلان بكذا لحصول الغرض (وبتسميته) أي الفرع (إياه) أي الاصل تسمية تميزه وإن كان عدلا لتعرف عدالته، فإن لم يسمه لم يكف لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه.

وفي وجوب تسمية قاض شهد عليه وجهان، وصوب الاذرعي الوجوب في هذه الازمنة لما غلب على القضاة من الجهل والفسق.

ولو حدث بالاصل عداوة أو فسق لم يشهد الفرع.

فلو زالت هذه الموانع احتيج إلى تحمل جديد.

ــ

شهد بكذا.

(وقوله: وأشهدني على شهادته) يقول هذا إن استرعاه الأصل.

(قوله: أو سمعته) معطوف على قوله وأشهدني على شهادته، وهذا يقوله إن لم يسترعه زيادة على قوله: أشهد أن فلانا شهد بكذا، وبقي عليه بيان سبب الملك كأن يقول أشهد أن فلانا شهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع مثلا.

(قوله: فإذا لم يبين) أي الفرع.

(وقوله: جهة التحمل) هي الامور الثلاثة المار بيانها آنفا.

(قوله: ووثق الحاكم بعلمه) أي علم الفرع بشروط التحمل: أي ووثق القاضي بأن الفرع عالم بشروط التحمل.

(قوله: لم يجب البيان) جواب إذ.

قال في التحفة: إذ لا محذور: نعم: يسن له إستفصاله.

اه.

(قوله: فيكفي الخ) تفريع على عدم وجوب تبيين جهة التحمل.

(قوله: لحصول الغرض) أي بهذه الشهادة المجردة عن البيان، وذلك الغرض هو إثبات الحق.

(قوله: بتسميته) معطوف على تعسر أيضا، فالاولى حذف الباء كما مر، والإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله، وإياه مفعوله.

وعبارة الروض وشرحه: فصل: يشترط تسمية الاصول وتعريفهم من الفروع إذ لا بد من معرفة عدالتهم، ولا تعرف عدالتهم ما لم يعرفوا وليتمكن الخصم من جرحهم إذا عرفوا، فلا يكفي قول الفرع: أشهدني عدل أو نحوه، لان الحاكم قد يعرف جرحه لو سماه، ولانه يسد باب الجرح على الخصم: أي لو لم يسمه.

اه.

(قوله: تسمية) مفعول مطلق لتسميته.

(وقوله: تميزه) أي تميز تلك التسمية الاصل عن غيره.

(قوله: وإن كان) أي الأصل، وهو غاية لاشتراط التسمية.

(قوله: لتعرف عدالته) أي

الأصل، وهو تعليل لاشتراط تسميته: أي وإنما اشترطت ليعرف القاضي عدالته: أي أو ضدها.

وعبارة التحفة ليعرف القاضي حالهم ويتمكن الخصم من القدح فيهم.

اه.

(قوله: فإن لم يسمه) أي لم يسم الفرع الاصل.

(قوله: لم يكف) أي في التحمل، فلا يقبل الحاكم منه ذلك.

(قوله: لان الحاكم إلخ) علة لعدم الاكتفاء به.

(وقوله: قد يعرف جرحه) أي جرح الاصل.

(وقوله: لو سماه) أي سمى الفرع الاصل للحاكم.

(قوله: وفي وجوب تسمية قاض) الإضافة من إضافة المصدر إلى مفعوله بعد حذف الفاعل: أي وفي وجوب تسمية الفرع أصلا قاضيا عند قاض آخر أو محكم.

وعبارة المغني.

تنبيه: شمل إطلاق المصنف ما لو كان الاصل قاضيا، كما لو قال: أشهدني قاض من قضاة مصر، أو القاضي الذي بها، ولم يسمه إلخ.

اه.

(وقوله: شهد) أي الفرع.

(وقوله: عليه) أي القاضي، والمراد على شهادته كما هو الفرض.

(قوله: وجهان) مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله، وفيه أنه لا معنى لكون الوجهين في الوجوب، فلا بد من تقدير الواو مع ما عطفت: أي وفي وجوبها وعدمه وجهان.

قال سم: عبارة القوت بخلاف ما لو قال: أشهدني قاض من قضاة بغداد، أو القاضي الذي ببغداد، ولم يسمه وليس بها قاض سواه، على نفسه في مجلس حكمه بكذا، فهل تسمع فيه؟ وجهان، والفرق أن القاضي عدل بالنسبة إلى كل أحد، بخلاف شاهد الاصل فإنه قد يكون عند فرعه عدلا والحاكم يعرفه بالفسق، فلا بد من تعيينه لينظر في أمره وعدالته، والصواب في وقتنا تعيين القاضي لما لا يخفى.

اه.

(قوله: وصوب الاذرعي الوجوب) أي وجوب التسمية.

(قوله: ولو حدث الخ) مرتب على شرط مقدر، وهو أن لا يخرج الاصل عن صحة شهادته فإن حدث الخ، والمراد حدوث ما ذكر قبل الحكم، فإن كان بعده لم يؤثر.

(قوله: عداوة) أي بينه وبين المشهود عليه.

(وقوله: أو فسق) أي أو تكذيب الاصل للفرع، كأن قال لا أعلم أني تحملت الشهادة أو نسيت ذلك.

(قوله: لم يشهد

ص: 349

فرع: لا يصح تحمل النسوة ولو على مثلهن في نحو ولادة لان الشهادة مما يطلع عليه الرجال غالبا (ويكفي فرعان لاصلين) أي لكل منهما فلا يشترط لكل منهما فرعان، ولا تكفي شهادة واحد على هذا وواحد على آخر، ولا واحد على واحد في هلال رمضان.

فرع: لو رجعوا عن الشهادة قبل الحكم منع الحكم أو بعده لم ينقض ولو شهدوا بطلاق بائن أو رضاع

ــ

الفرع) أي لم تقبل شهادته.

(قوله: فلو زالت هذه الموانع) أي من الأصل.

(قوله: احتيج إلى تحمل جديد) أي بعد مضي مدة الاستبراء التي هي سنة لتحقق زوالها.

اه.

ع ش.

(قوله: فرع لا يصح تحمل النسوة الخ) عبارة الروض وشرحه: ولا يتحمل نساء شهادة مطلقا - أي سواء كانت الاصول، أو بعضهم نساء أم لا، وسواء كانت الشهادة بالولادة والرضاع أم لا - لأن شهادة الفرع تثبت شهادة الاصل لا ما

شهد به الاصل، ونفس الشهادة ليست بمال، ويطلع عليها الرجال غالبا.

اه.

(قوله: ولو على مثلهن) أي شهادة مثلهن.

(وقوله: في نحو ولادة) متعلق بالمضاف المقدر.

ونحو الولادة كل ما لا يطلع عليه الرجال غالبا كحيض وبكارة.

(قوله: لان الشهادة) أي على الشهادة.

(وقوله: مما يطلع عليه الرجال) أي وما يطلع عليه الرجال لا تقبل فيه النسوة.

(قوله: ويكفي فرعان لاصلين) أي يكفي شهادة فرعين على شهادة أصلين معا بأن يقولا: نشهد أن زيدا وعمرا شهدا بكذا وأشهدانا على شهادتهما، وذلك لانهما شهدا على قول اثنين، فهو كما لو شهدا على مقرين.

(قوله: أي لكل منهما) دفع بهذا التفسير ما يوهمه ظاهر المتن من أن الفرعين يوزعان على الاصلين، فيشهد واحد لهذا وواحد لهذا، مع أنه لا يكفي ذلك، بل لا بد من شهادة مجموع الفرعين لكل واحد من الاصلين.

(قوله: فلا يشترط لكل منهما فرعان) أي فلا يشترط أن يكون لكل أصل فرعان غير فرعي الآخر يتحملان شهادته، بل يكفي فرعان فقط يتحملان عنهما معا.

(قوله: ولا تكفي شهادة واحد إلخ) أي وإن أوهمه المتن، لولا تفسير الشارح بقوله: أي لكل منهما كما علمت.

(قوله: ولا واحد على واحد في هلال رمضان) أي ولا يكفي تحمل واحد شهادة واحد في هلال رمضان وإن كان الهلال يثبت بواحد، لان الفرع لا يثبت بشهادته الحق، بل يثبت بها شهادة الحق، وهي لا بد فيها من رجلين، كما تقدم.

(قوله: فرع) أي في رجوع الشهود عن شهادتهم.

(قوله: لو رجعوا) أي الشهود كلهم، أي أو من يكمل النصاب به، والمراد بالرجوع التصريح به فيقول: رجعت عن شهادتي، ومثله: شهادتي باطلة، أو لا شهادة لي فيه.

فلو قال: أبطلت شهادتي، أو فسختها، أو رددتها، هل يكون رجوعا؟ فيه وجهان: قال في التحفة: ويتجه أنه غير رجوع، إذ لا قدرة له على إنشاء إبطالها.

اه.

(قوله: عن الشهادة) أي التي أدوها بين يدي الحكم.

(قوله: قبل الحكم) أي بشهادتهم ولو بعد ثبوتها، بناء على الأصح أنه ليس بحكم مطلقا.

(قوله: منع الحكم) جواب لو، والفعل مبني للمعلوم، والفاعل ضمير مستتر يعود على الرجوع المأخوذ من رجعوا، والحكم مفعوله: أي منع رجوعهم الحكم بهذه الشهادة، والمراد أن الحاكم يمتنع عليه أن يحكم بهذه الشهادة.

قال في المغني: وإن أعادوها، سواء كانت في عقوبة أو في غيرها، لان الحاكم لا يدري أصدقوا في الاول أو في الثاني، فينتفي ظن الصدق، وأيضا فإن كذبهم ثابت لا محالة إما في الشهادة، أو في الرجوع، ولا يجوز الحكم بشهادة الكذاب ولا يفسقون برجوعهم إلا إن قالوا تعمدنا شهادة الزور، ولو رجعوا عن شهادتهم في زنا حدوا حد القذف، وإن قالوا غلطنا لما فيه من التعيير وكان حقهما التثبت، وكما لو رجعوا عنها بعد الحكم.

اه.

(قوله: أو بعده) معطوف على قبله: أي أو رجعوا بعد الحكم.

(وقوله: لم ينقض) أي ذلك الحكم

لجواز كذبهم في الرجوع، ويجب إستيفاء ما ترتب على الحكم إن كان غير عقوبة، فإن كان عقوبة ولو آدمي كزنا، وقود، وحد قذف، لم تستوف لانها تسقط بالشبهة والرجوع شبهة، هذا إن رجعوا قبل استيفائها، فإن رجعوا بعد استيفائها بقتل أو رجم، أو جلد مات منه، أو قطع بجناية أو سرقة، وقالوا تعمدنا شهادة الزور، اقتص منهم مماثلة، أو أخذت منهم دية مغلظة موزعة على عدد رؤوسهم، فإن قالوا أخطأنا في شهادتنا، فدية مخففة موزعة على عدد رؤوسهم تكون في مالهم لا

ص: 350

محرم.

وفرق القاضي بين الزوجين فرجعوا عن شهادتهم دام الفراق لان قولهما في الرجوع محتمل والقضاء لا يرد بمحتمل ويجب على الشهود حيث لم يصدقهم الزوج مهر مثل ولو قبل وطئ أو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر لانه بدل البضع الذي فوتوه عليه بالشهادة إلا أن ثبت أن لا نكاح بينهما بنحو رضاع فلا غرم إذ لم يفوتوا شيئا ولو رجع شهود مال غرموا للمحكوم عليه البدل بعد غرمه لا قبله وإن قالوا أخطأنا موزعا عليهم بالسوية.

ــ

على عاقلة، لان إقرارهم لا يلزم العاقلة ما لم تصدقهم.

(قوله: ولو شهدوا) قال في التحفة: إعادة ضمير الخ على الاثنين سائغ.

اه.

(قوله: بطلاق بائن) أي بخلع أو ثلاث، وخرج به الرجعي فلا غرم فيه عليهم، إذ لم يفوتوا شيئا، فإن لم يراجع حتى انقضت العدة غرموا كما في البائن.

(قوله: أو رضاع محرم) بكسر الراء المشددة، وهو - كما تقدم في بابه - خمس رضهات متفرقات.

(قوله: وفرق القاضي إلخ) قال في النهاية: وما بحثه البلقيني من عدم الاكتفاء بالتفريق، بل لا بد من القضاء بالتحريم، ويترتب عليه التفريق، لانه قد يقضي به من غير حكم كما في النكاح الفاسد: رد بأن تصرف الحاكم في أمر رفع إليه وطلب منه فصله حكم منه.

اه.

(قوله: فرجعوا عن شهادتهم) أي بعد التفريق.

(قوله: دام الفراق) أي في الظاهر إن لم يكن باطن الامر فيه كظاهره كما هو واضح فليراجع.

اه.

رشيدي.

قال في المغني: تنبيه: قوله دام الفراق لا يأتي في الطلاق البائن ونحوه بخلافه في الرضاع واللعان، فلو عبر بدل دام بنفذ، أو بقول الروضة لم يرتفع الفراق كان أولى.

اه.

(قوله: لان قولهما) أي الشاهدين، وهو علة دوام الفراق.

(قوله: محتمل) أي صدقه وكذبه.

(قوله: والقضاء) أي قضاء القاضي.

(وقوله: لا يرد بمحتمل) أي بقول محتمل صدقا وكذبا.

(قوله: ويجب على الشهود) أي الذين رجعوا عن شهادتهم.

(قوله: حيث لم يصدقهم الزوج) أي في شهادتهم بما ذكر من الطلاق والرضاع، فإن صدقهم بأن قال إنهم محقون في شهادتهم بما ذكر، فلا يجب عليهم له شئ.

ومحله أيضا حيث لم يكن الزوج قنا كله، فإن كان كذلك فلا يجب عليهم له شئ لأنه لا يملك شيئا، ولا يجب عليهم شئ أيضا لمالكه لانه لا تعلق له بزوجة عبده، فلو كان مبعضا وجب له عليهم قسط الحرية.

كذلك في التحفة، واستظهر في المغني إلحاق ذلك بالاكساب فيكون لسيده كله فيما إذا كان قنا، وبعضه فيما إذا كان مبعضا.

(قوله: مهر مثل) أي ساوى المسمى في العقد أو لا.

(قوله: ولو قبل وطئ) أي ولو وقع الفراق قبل الوطئ، والغاية للرد على القائل بوجوب نصفه فقط حينئذ لانه الذي فوتاه.

(قوله: أو بعد إبراء

الخ) معطوف على قبل وطئ: أي يجب عليهم ذلك ولو بعد إبراء الزوجة زوجها عن المهر.

(قوله: لأنه) أي مهر المثل، وهو علة لوجوب مهر المثل مطلقا ولو قبل الوطئ أو بعد الابراء.

(وقوله: الذي فوتوه عليه) إسم الموصول صفة للبضع، وضمير فوتوه المنصوب يعود عليه: وضمير عليه يعود على الزوج: أي لان مهر المثل بدل البضع الذي فوته الشهود على الزوج.

(وقوله: بالشهادة) أي بسببها، فالباء سببية متعلقة بفوتوه.

(قوله: إلا أن ثبت) أي ببينة أو إقرار أو علم قاض.

وعبارة المنهاج مع التحفة: ولو شهدا بطلاق وفرق بينهما فرجع فقامت بينة أو ثبت بحجة أخرى أنه لا نكاح بينهما كأن ثبت أنه كان بينهما رضاع محرم، أو أنها بانت من قبل، فلا غرم عليهما إذ لم يفوتا عليه شيئا، فإن غرما قبل البينة إستردا.

اه.

(قوله: بنحو رضاع) أي بسبب نحو رضاع، وهو متعلق بما تعلق به خبر لا.

(قوله: فلا غرم) أي عليهما للزوج، والملائم لما قبله أن يقول فلا يجب عليهم مهر المثل.

(قوله: إذ لم يفوتوا إلخ) علة لعدم الغرم.

(قوله: ولو رجع) أي بعد الحكم.

(وقوله: شهود مال) أي عين ولو أم ولد شهدا بعتقها، أو دين.

(قوله: غرموا الخ) أي لانهم حالوا بينه وبين ماله، ومن ثم لو فوتوه ببدله كبيع بثمن يعادل المبيع، لم يغرموا كما قاله الماوردي واعتمده البلقيني.

اه.

تحفة.

(وقوله: البدل) أي وهو القيمة في المتقوم، والمثل في المثلي، واختلف في القيمة فقيل: تعتبر وقت الحكم لانه المفوت حقيقة، وقيل: وقت الشهادة لانها السبب، وقيل: أكثر ما كانت من وقت الحكم إلى وقت الرجوع، واعتمد في التحفة بالنسبة للشاهد الثاني، وبالنسبة للحاكم فيما إذا رجع عن حكمه الاول.

(قوله: بعد غرمه) أي بعد دفع المحكوم

ص: 351

تتمة: قال شيخ مشايخنا زكريا كالغزي في تلفيق الشهادة لو شهد واحد بإقراره بأنه وكله في كذا وآخر بأنه أذن له في التصرف فيه أو فوضه إليه لفقت الشهادتان لان النقل بالمعنى كالنقل باللفظ، وبخلاف ما لو شهد

واحد بأنه قال وكلتك في كذا وآخر قال بأنه قال فوضته إليك أو شهد واحد باستيفاء الدين والآخر بالابراء منه فلا يلفقان.

انتهى.

قال شيخ مشايخنا أحمد المزجد: لو شهد واحد ببيع والآخر بإقرار به أو واحد بملك ما ادعاه وآخر بإقرار الداخل به لم تلفق شهادتهما، فلو رجع أحدهما وشهد كالآخر قبل لانه يجوز أن يحضر الامرين.

ومن ادعى ألفين وأطلق فشهد له واحد وأطلق وآخر أنه من قرض ثبت أو فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وآخر

ــ

عليه المال للمدعي، والظرف متعلق بغرموا، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله، وحذف مفعوله، ويصح العكس، وعليه يكون الضمير عائدا على المال.

(قوله: لا قبله) أي لا يغرمون له قبل أن يغرم هو للمدعي.

(قوله: وإن قالوا أخطأنا) أي غلطنا في شهادتنا، وهو غاية لغرمهم للمحكوم عليه البدل.

(قوله: موزعا الخ) حال من مفعول غرموا وهو البدل: أي غرموه حال كونه موزعا عليهم، أو من فاعله وهو الواو: أي غرموا حال كونهم موزعا عليهم البدل بالسوية، ولا فرق في ذلك بين أن يرجعوا معا أو مرتبين.

تنبيه: محل ما تقدم فيما إذا رجعوا كلهم، فإن رجع بعضهم، فإن كان الباقي نصابا فلا غرم على الراجع لقيام الحجة بمن بقي، وإن كان دون نصاب فعلى الراجع نصف البدل يغرمه للمحكوم عليه.

وحمله أيضا فيما إذا اتحد نوع الشهود، فإن اختلف كأن شهد رجل وامرأتان فيما يثبت بهم ثم رجعوا فعليه نصف وعليهما نصف لانهما كرجل واحد، أو

شهد رجل وأربع نسوة فيما يثبت بمحضهن كرضاع ونحوه فعليه ثلث وعليهن ثلثان لما تقرر أن كل ثنتين برجل.

(قوله: تتمة الخ) المناسب ذكر حاصل ما فيها عند قوله فيما تقدم.

قال شيخنا: ومن ثم لا تجوز الشهادة بالمعنى.

اه.

(قوله: لو شهد واحد بإقراره إلخ) أي بأن قال أشهد أن زيدا مثلا أقر عندي بأنه وكل عمرا في كذا وكذا.

(قوله: وآخر بأنه إلخ) عبارة التحفة: وآخر بإقراره بأنه أذن الخ، بزيادة لفظ إقراره.

ومثله في النهاية، فلعله ساقط من النساخ.

(قوله: لفقت الشهادتان) أي جمع بينهما وعمل بهما، والمراد بالشهادتين قوله: شهد بأنه وكله في كذا بلفظ الوكالة.

وقوله: شهد آخر بأنه أذن له الخ.

بمعناها.

(قوله: لان النقل بالمعنى) أي نقل الشهادة بمعنى اللفظ الصادر من المشهود عليه كنقلها باللفظ، والمراد بالنقل التعبير بذلك.

قال في التحفة: ويتعين حمله على ما ذكرته من أنه يجوز التعبير عن المسموع بمرادفه المساوي له من كل وجه لا غير.

اه.

ومثله في النهاية.

(قوله: بخلاف ما لو شهد واحد بأنه قال إلخ) عبارة التحفة: أو قال واحد قال وكلت، وقال الآخر قال فوضت إليه، لم يقبلا.

لان كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر، وكأن الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه، وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة.

ثم قال: ويؤيد قولي: وكان الفرض إلى آخره قولهم: لو شهد له واحد ببيع وآخر بالاقرار به لم يلفقا.

فلو رجع أحدهما وشهد بما شهد به الآخر قبل، لأنه يجوز أن يحضر الامرين، فتعليلهم هذا صريح فيما ذكرته.

فتأمله.

اه.

(قوله: أو شهد واحد باستيفاء الدين) أي بأن قال أشهد أن فلانا أوفى فلانا دينه.

(قوله: والآخر بالابراء منه) أي بأن قال: أشهد أن فلانا أبرأه فلان من الدين.

(قوله: فلا يلفقان) أي الشهادتان لما علمته في المثال الأول، ولعدم التساوي في كل وجه في المثال الثاني، إذ استيفاء الدين أعم من الابراء.

(قوله: لو شهد واحد ببيع) أي بأن قال: أشهد أن فلانا باع عبده مثلا على فلان.

(قوله: والآخر بإقرار به) أي وشهد الآخر بالاقرار بالبيع بأن قال: أشهد أن فلانا أقر بأنه باع عبده على فلان.

(قوله: أو واحد بملك ما ادعاه) أي أو شهد واحد بأن هذا العبد مثلا ملك فلان المدعى به.

(قوله: وآخر بإقرار الداخل به) أي وشهد آخر بإقرار الداخل: أي من هو تحت يده بالملك للمدعي.

(قوله: لم تلفق شهادتهما) أي لعدم تساويهما في الصورتين.

(قوله: فلو رجع أحدهما) أي عن شهادته التي تخالف شهادة الآخر.

(قوله: قبل) جواب لو.

(قوله: لأنه يجوز أن يحضر الامرين) أي الامر الذي شهد به أولا ورجع عنه، والامر الثاني الذي رجع إليه.

(قوله: ومن ادعى ألفين)

ص: 352

بألف قرضا لم تلفق وله الحلف مع كل منهما.

ولو شهد واحد بالاقرار وآخر بالاستفاضة حيث تقبل لفقا.

انتهى.

(وسئل) الشيخ عطية المكي نفعنا الله به عن رجلين سمع أحدهما تطليق شخص ثلاثا والآخر الاقرار به فهل يلفقان أو لا؟.

(فأجاب) بأنه يجب على سامعي الطلاق والاقرار به أن يشهدا عليه بالطلاق الثلاث بتا ولا يتعرضا لانشاء ولا إقرار وليس هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه، بل صورة إنشاء الطلاق والاقرار به واحدة في الجملة والحكم يثبت بذلك كيف كان وللقاضي بل عليه سماعها.

انتهى.

ــ

أي على آخر.

(وقوله: وأطلق) أي لم يبين السبب.

(قوله: فشهد له واحد) أي.

بما ادعاه من الالفين.

(وقوله: وأطلق)

أي كالمدعي.

(قوله: وآخر أنه من قرض) أي وشهد آخر أن ما ادعاه من الالفين ثبت عليه قرضا: أي ونحوه، والمراد أنه بين السبب لم يطلق.

(قوله: ثبت) أي ما ادعاه بهذه الشهادة، لان شهادة الثاني المقيدة لا تنافي شهادة الاول المطلقة، فلم يحصل تخالف.

(قوله: أو فشهد له إلخ) أي أو ادعى ألفين وأطلق، فشهد له واحد بألف ثمن مبيع وشهد له الآخر بألف قرضا، لم تلفق الشهادتان لتنافيهما من جهة السبب.

(قوله: وله) أي للمدعي بالالفين.

(وقوله: الحلف مع كل منهما) أي من الشاهدين، وتثبت له الالفان حينئذ.

(قوله: ولو شهد واحد بالاقرار) أي إقرار المدعى عليه بالملك مثلا للمدعي.

(قوله وآخر بالاستفاضة) أي وشهد آخر بالملك بالاستفاضة، أي بالشيوع.

(وقوله: حيث تقبل) أي الاستفاضة بأن كانت من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب وكانت في ملك مطلق، أو وقف، أو عتق، إلى آخر ما مر.

(قوله: لفقا) أي الشهادتان وثبت بهما الحق للمدعي.

(قوله: عن رجلين) متعلق بسئل.

(قوله: سمع أحدهما) أي أحد الرجلين.

(وقوله: تطليق شخص ثلاثا) أي تطليق شخص زوجته بالثلاث.

(قوله: والآخر الاقرار به) أي وسمع الرجل الآخر الاقرار به: أي بالطلاق ثلاثا.

(قوله: فهل يلفقان) أي الشهادتان ويقع الطلاق.

(قوله: أو لا) أي أو لا يلفقان فلا يقع الطلاق.

(قوله: فأجاب) أي الشيخ عطية.

(وقوله: بأنه) أي الحال والشأن.

(قوله: يجب على سامعي) بصيغة التثنية، وحذفت منه النون لإضافته إلى ما بعده.

(قوله: أن يشهدا عليه) أي على المسموع منه ذلك.

(وقوله: بتا) أي جزما.

(قوله: ولا يتعرضا إلخ) بيان لمعنى قوله بتا.

(قوله: وليس هذا) أي قبول شهادتهما.

(وقوله: من تلفيق الشهادة من كل وجه) أي لفظا ومعنى.

(قوله: بل صورة الخ) لو أتى به على صورة العلة وقال: لان صورة الخ لكان أولى.

(وقوله: واحدة) أي وهي قوله طلقتها ثلاثا.

والفرق بينهما معنى، لأن الإقرار إخبار عما مضى، والانشاء حصول في الحال.

(وقوله: في الجملة) أي في غالب الأحوال، وقد تختلف الصورة كما لو قال لوليها زوجها، فهذا إقرار بالطلاق كما مر في بابه، وليست صورته كصورة إنشائه.

(قوله: والحكم) أي على المدعى عليه بالطلاق، وهذا من تتمة الدليل على أن هذا من تلفيق الشهادة من كل وجه.

(وقوله: يثبت بذلك) أي بصدور صورة الطلاق منه.

(وقوله: كيف كان) أي على أي حالة وجد ذلك، سواء كان بقصد الانشاء أو بقصد الاقرار.

(قوله: وللقاضي عليه) أي بل يجب.

(وقوله: سماعها) أي الشهادة الصادرة منهما وإن اختلفت معنى والله سبحانه وتعالى أعلم.

ص: 353

خاتمة في الايمان

ــ

(قوله: خاتمة في الإيمان) أي في بيان أحكامها.

وإنما ذكرها عقب الدعوى والبينات لان الايمان قد تحتاج لتقدم

دعوى، والفقهاء يذكرونها قبل القضاء، لان القاضي قد يحتاج إلى اليمين من الخصوم فلا يقضي إلا بعدها.

فلكل وجهة.

والايمان - بفتح الهمزة - جمع يمين، وهي في اللغة اليد اليمنى.

وأطلقت على الحلف لانهم كانوا إذا حلفوا وضع أحدهم يمينه في يمين صاحبه.

وقيل القوة، ومنه قوله تعالى: * (لاخذنا منه باليمين) *.

أي بالقوة.

وعليه فتسمية الحلف به لانه يقوي على الحنث أو عدمه، وعلى الاول جرى م ر في النهاية، وعلى الثاني جرى ابن حجر في التحفة.

وفي الشرع تحقيق أمر محتمل باسم من اسمائه تعالى، أو صفة من صفاته، ماضيا كان أو مستقبلا، نفيا أو إثباتا، ممكنا في العادة كحلفه ليدخلن الدار، أو ممتنعا فيها كحلفه ليقتلن الميت، أو ليقتلن زيدا بعد موته.

والمراد بتحقيق ذلك، إلتزام تحقيقه وإيجابه على نفسه، والتصميم على تحصيلة، وإثبات أنه لا بد منه وأنه لا سعة في تركه.

وليس المراد به جعله محققا حاصلا، لان ذلك غير لازم.

والمراد بالامر النسبة الكلامية: كما إذا قلت: زيد قائم، فعورضت فيه فقلت: والله إنه قائم تحقيقا لذلك، والمراد بالمحتمل، المحتمل عقلا، فيدخل فيه المحال العادي.

وخرج بتحقيق أمر: لغو اليمين الآتي، وبالمحتمل المراد به هنا غيره وهو الواجب فقط: كقوله والله لاموتن، فليس بيمين لامتناع الحنث فيه: أي مخالفة المحلوف عليه، فلا إخلال فيه بتعظيم اسمه تعالى والأصل فيها قبل الإجماع آيات كقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان) *.

أي قصدتموها بدليل آية أخرى وهي: * (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) *.

وقوله تعالى: * (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *.

الآية.

وأخبار منها أنه صلى الله عليه وسلم كان يحلف: لا، ومقلب القلوب.

رواه البخاري، ومنها قوله عليه السلام: والله لاغزون قريشا - ثلاث مرات ثم قال في الثالثة: إن شاء الله.

رواه أبو داود.

وقد أمره الله بالحلف على تصديق ما أمر به في ثلاثة مواضع من القران: في يونس في قوله تعالى: * (قل إي وربي إنه لحق) *.

وفي سبأ في قوله تعالى: * (وقال الذين كفروا لا تأتينا الساعة، قل بلى وربي لتأتينكم) *.

وفي التغابن في قوله تعالى: * (زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا.

قل بلى وربي لتبعثن) *.

وأركانها: حالف، ومحلوف به، ومحلوف عليه.

وشرط في الأول التكليف والاختيار والنطق والقصد، فلا تنعقد يمين الصبي والمجنون والمكره ويمين اللغو.

وفي الثاني أن يكون إسما من اسمائه تعالى، أو صفة من صفاته على ما سيأتي.

وفي الثالث أن لا يكون واجبا بأن يكون محتملا عقلا ولو كان مستحيلا عادة كما علمت.

واعلم: أن الايمان نوعان: واقعة في خصومة، وواقعة في غيرها.

فالتي تقع فيها إما أن تكون لدفع وهي يمين المنكر للحق بأن قال: لي عليك كذا، فأنكر وحلف لدفع مطالبة المدعي بالحق، وإما أن تكون للاستحقاق وهي

خمسة: اللعان: فالحالف يستحق بحلفه حد زوجته لزناها إن لم تحلف هي.

والقسامة: فالمستحق يحلف ويستحق الدية.

واليمين مع الشاهد في الاموال: أي ما يؤول إليها.

واليمين المردودة على المدعي بعد النكول.

واليمين مع

(1) سورة الحاقة، الاية:45.

(2)

سورة المائدة، الاية:89.

(3)

سورة البقرة، الاية:225.

(4)

سورة آل عمران، الاية:77.

(5)

سورة يونس، الاية:53.

(6)

سورة سبإ، الاية:3.

(7)

سورة التغابن، الاية:7.

ص: 354

لا ينعقد اليمن إلا باسم خاص بالله تعالى أو صفة من صفاته: كوالله والرحمن والاله ورب العالمين

ــ

الشاهدين.

والتي تقع في غير الخصومة ثلاثة أقسام: إثنان لا ينعقدان وهما: لغو اليمين، ويمين المكره - بفتح الراء - وواحد ينعقد، وهو يمين المكلف المختار القاصد في غير واجب.

واعلم: أيضا أن الفقهاء يجمعون النذر مع الايمان في كتاب واحد لما بينهما من المناسبة، وهي أن بعض أقسام النذر فيه كفارة يمين، والمؤلف رحمه الله تعالى خالفهم، وذكره في أواخر باب الحج عقب مبحث الاضحية، وله وجه أيضا كما نبهنا عليه هناك، وهو أن بعض أقسام الحج قد يكون منذورا وكذلك الأضحية، فناسب أن يستوفي الكلام على النذر هناك.

(قوله: لا ينعقد اليمين إلا الخ) إنعقادها بهذين النوعين من حيث الحنث المرتب عليه الكفارة، أما من حيث وقوع المحلوف عليه فلا ينحصر فيهما بل يحصل بغيرهما أيضا، كالحلف بالعتق والطلاق المعلقين على شئ كقوله: إن دخلت الدار فأنت طالق، أو فعبدي حر.

وأما قولهم الطلاق والعتق لا يحلف بهما، فمعناه أنهما لا يكونان مقسما بهما كقوله: والطلاق، أو والعتق لا أفعل كذا.

(وقوله: بإسم) المراد بالاسم ما دل على الذات فقط كالله، أو على الذات والمعنى كالخالق، وبالصفة ما دلت على المعنى فقط كعظمته.

(وقوله: خاص بالله تعالى) أي بأن لا يطلق على غيره كالله، وكرب العالمين، ومالك يوم الدين، وكالحي الذي لا يموت، وكمن نفسي بيده - أي بقدرته يصرفها كيف يشاء - والذي أعبده أو أسجد له.

فلا فرق بين المشتق وغيره، ولا بين أن يكون من الاسماء الحسنى أو لا، ولا بين أن يكون من الاسماء المضافة أو لا.

واعلم: أن أسماءه تعالى ثلاثة أنواع، كما يعلم من عبارة المنهاج: ما لا يحتمل غير الله تعالى وهو ما ذكر، وما يحتمل غيره والغالب إطلاقه عليه تعالى كالرحيم والخالق والرازق، وما يستعمل فيه وفي غيره على حد سواء كالموجود

والعالم والقسم الاول لا تقبل فيه إرادة غير الله تعالى لأنه لا يحتمل غيره، إذ الفرض أنه مختص بالله تعالى، وأما إذا قال أردت به غير اليمين كأن قال: بالله لا أفعل كذا، وقال: أردت أتبرك بالله تعالى أو أستعين بالله، فإنه يقبل منه لان التورية نافعة كما سيصرح به ما لم تكن بحضرة القاضي المستحلف له، وإلا فلا تنفعه.

قال في فتح الجواد خلافا لما توهمه عبارة المنهاج: أي من عدم قبول ذلك منه على أنه قيل إنها سبق قلم.

اه.

ونص عبارة المنهاج: لا تنعقد اليمين إلا بذات الله تعالى أو صفة له كقوله: والله ورب العالمين، والحي الذي لا يموت، ومن نفسي بيده، وكل إسم مختص به.

ولا يقبل قوله: لم أرد به اليمين.

اه.

والقسم الثاني: تنعقد به اليمين ما لم يرد به غير الله بأن أراده، أو أطلق لانصرافه عند الاطلاق إليه تعالى لكونه غالبا فيه، فإن أراد به غيره لم تنعقد اليمين لانه يطلق على غيره: كرحيم القلب، وخالق الافك، ورازق الجيش، ورب الابل، فيقبل هنا إرادة غيره تعالى كما يقبل إرادة غير اليمين.

والقسم الثالث: تنعقد به اليمين إن أراده تعالى بخلاف ما إذا أراد به غيره، أو أطلق لانه لما أطلق عليه وعلى غيره سواء أشبه الكنايات فلا يكون يمينا إلا بالنية.

(قوله: أو صفة من صفاته) أي الذاتية كما في التحفة والنهاية وشرح التحرير، وكتب الرشيدي ما نصه: قوله: الذاتية.

أخرج الفعلية كالخلق والرزق فلا تنعقد بها - كما صرح به الرافعي - وأخرج السلبية ككونه ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، لكن بحث الزركشي الانعقاد بهذه لانها قديمة متعلقة به تعالى.

اه.

وكتب ش ق ما نصه: ليس المراد بها - أي بالذاتية - خصوص صفات المعاني السبعة المذكورة في الكلام، بل المراد ما يشملها وغيرها من كل ما قام بالذات كالعظمة.

ومثلها الصفات السلبية على المعتمد كعدم الجسمية، وكالقدم، والبقاء، وكذا الاضافية كالازلية، والقبلية للعالم، بخلاف الصفات الفعلية كالخلق والرزق والاحياء والاماتة، فلا ينعقد بها اليمين وإن نوى، خلافا للحنفية.

اه.

قال في شرح الروض: والفرق بين صفتي الذات والفعل أن الاولى ما استحقه في الازل، والثانية ما استحقه فيما لا يزال دون الازل يقال علم في الازل، ولا يقال رزق في الازل إلا توسعا.

اه.

(قوله: كوالله) هو وما بعده

ص: 355

وخالق الخلق.

ولو قال وكلام الله أو وكتاب الله أو وقرآن الله أو والتوارة أو والانجيل فيمين.

وكذا والمصحف إن لم ينو بالمصحف الورق والجلد.

وإن قال وربي وكان عرفهم تسمية السيد ربا فكناية، وإلا فيمين ظاهرا إن لم يرد غير الله ولا ينعقد بمخلوق كالنبي والكعبة للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء وللامر بالحلف بالله وروى الحاكم خبرا: من حلف بغير الله فقد كفر وحملوه على ما إذا قصد تعظيمه كتعظيم الله تعالى، فإن لم يقصد ذلك أثم عند أكثر العلماء - أي تبعا لنص الشافعي الصريح فيه - كذا قاله بعض شراح المنهاج.

والذي في

ــ

إلى قوله وخالق الخلق أمثلة للاسم.

(وقوله: ولو قال وكلام الخ) أمثلة للصفة، ولو حذف لفظ لو وعطف ما بعدها على ما قبلها لكان أولى.

تنبيه: اللحن هنا لا يؤثر في الانعقاد، فلو رفع الاسم الداخل عليه واو القسم، أو نصبه، أو سكنه، انعقد به

اليمين.

كما في المغنى وشرح المنهج.

(قوله: وكلام الله) أي أو مشيئته وعلمه وقدرته وعزته وعظمته وكبريائه وحقه ان لم يرد بالحق العبادات - وبالعلم والقدرة المعلوم والمقدور - وبالبقية ظهور آثارها الظاهرة وهي قهر الجبابرة في العظمة والكبرياء، وعجز المخلوقات عن إيصال مكروه إليه تعالى في العزة، فإن أراد ذلك فليس بيمين.

(قوله: فيمين) خبر لمبتدأ محذوف: أي فهو يمين ومحله إن أراد بذلك كله الصفة القديمة، فإن أراد غيرها بأن أراد بالكلام الالفاظ التي نقرؤها، وبكتاب الله المكتوب من النقوش، وبالقرآن المقروء من الالفاظ التي نقرؤها أو الخطبة، وبالتوراة والانجيل الالفاظ التي تقرأ، فليس ذلك بيمين.

(قوله: وكذا والمصحف) أي وكذلك يكون يمينا إذا حلف بالمصحف.

(قوله: إن لم ينو الخ) فإن نوى ذلك فليس بيمين.

(قوله: وإن قال وربي) أي بالاضافة، فإن قال والرب بالالف واللام فهو يمين صريحا، لانه لا يستعمل في غير الله تعالى.

(قوله: وكان عرفهم) أي عرف أهل بلدة الحالف.

(قوله: فكناية) أي فإن نوى به اليمين انعقد، وإلا فلا.

(قوله: وإلا) أي بأن لم يكن في عرفهم ذلك.

(وقوله: فيمين ظاهرا) أي صريحا فينعقد به اليمين من غير نية.

(قوله: إن لم يرد غير الله) قيد في كون الحلف بوربي ينعقد به اليمين.

وخرج به ما إذا أراد به غير الله فإنه لا يكون يمينا لانه يصح إطلاقه على غير الله تعالى ولو لم يكن في عرف بلده ذلك الاطلاق.

(قوله: ولا ينعقد) أي اليمين بمعنى الحلف والاولى، فلا ينعقد بفاء التفريع، لأن المقام له، إذ هو مفهوم حصر انعقاد اليمين في القسمين السابقين.

والمعنى: إذا حلف بغير الله لا تنعقد يمينه، ولو شرك في حلفه بين ما يصح الحلف به وغيره كوالله والكعبة فالوجه انعقاد اليمين إن قصد الحلف بكل أو أطلق.

وكذا لو قصد الحلف بالمجموع، لان جزء هذا المجموع يصح الحلف به، فالمجموع الذي جزؤه كذلك يصح الحلف به.

كذا في سم (قوله: كالنبي) أي بأن يقول والنبي، أو وحق النبي لافعلن كذا.

وينبغي للحالف أن لا يتساهل في الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم لكونه غير موجب للكفارة، سيما إذا حلف على نية أن لا يفعل، فإن ذلك قد يجر إلى الكفر لعدم تعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم والاستخفاف به.

(قوله: للنهي الصحيح إلخ) أي في خبر: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليلحف بالله أو ليصمت.

(وقوله: وللامر بالحلف بالله) أي في الخبر السابق في قوله: فمن كان حالفا الخ، وهو محل الدلالة على النهي عن الحلف بالكعبة، أو النبي، أو نحوهما.

ولا يرد على ذلك أنه ورد في القرآن الحلف بغير الله تعالى كقوله تعالى: والشمس، والضحى، لانه على حذف مضاف: أي ورب الشمس مثلا.

أو أن ذلك خاص به تعالى، فإذا أراد تعظيم شئ من مخلوقاته أقسم به، وليس لغيره ذلك.

(قوله: فقد كفر) في

رواية فقد أشرك.

(قوله: وحملوه) أي خبر الحاكم المذكور.

(قوله: على ما إذا قصد) أي الحالف.

(وقوله: تعظيمه) أي غير الله.

(قوله: فإن لم يقصد ذلك) أي تعظيمه كتعظيم الله تعالى.

(قوله: أثم الخ) أي فهو حرام، ولا يكفر به.

(قوله: أي تبعا لنص الشافعي) قال في النهاية: وأخشى أن يكون الحلف بغير الله معصية.

اه.

(قوله: كذا قاله إلخ) أي قال أنه يأثم بذلك عند أكثر العلماء تبعا للنص.

(قوله: والذي إلخ) مبتدأ خبره الكراهة: أي كراهة الحلف بغير الله مع

ص: 356

شرح مسلم عن أكثر الاصحاب الكراهة، وهو المعتد، وإن كان الدليل ظاهرا في الاثم.

قال بعضهم وهو الذي ينبغي العمل به في غالب الاعصار لقصد غالبهم به إعظام المخلوق به ومضاهاته لله - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا - وإذا حلف بما ينعقد به اليمين ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل، ولو قال بعد يمينه إن شاء الله وقصد اللفظ والاستثناء قبل فراغ اليمين واتصل الاستثناء بها لم تنعقد اليمين فلا حنث ولا كفارة.

وإن لم يتلفظ بالاستثناء بل نواه لم يندفع الحنث ولا الكفارة ظاهرا بل يدين.

ولو قال لغيره أقسمت عليك بالله

ــ

عدم قصد ما مر.

(قوله: وهو المعتمد) أي القول بالكراهة المعتمد.

وفي التحفة قال ابن الصلاح، يكره بما له حرمة شرعا كالنبي، ويحرم بما لا حرمة له كالطلاق.

وذكر الماوردي أن للمحتسب التحليف بالطلاق دون القاضي، بل يعزله الامام إن فعله.

وفي خبر ضعيف: ما حلف بالطلاق مؤمن، ولا استحلف به إلا منافق.

اه.

(قوله: وان كان إلخ) غاية في كون القول بالكراهة هو المعتمد.

(قوله: قال بعضهم وهو) أي القول بالاثم.

(قوله: لقصد غالبهم) أي الحالفين بغير الله (وقوله: إعظام المخلوق به) أي باليمين.

(وقوله: ومضاهاته) أي المخلوق: أي مشابهته لله.

وفيه أنهم إن قصدوا المضاهاة يكفرون لاثباتهم الشركة ولا يأثمون فقط.

فتأمل.

(قوله: تعالى الله) أي تنزه الله وتباعد.

(وقوله: عن ذلك) أي عن كون أحد يضاهيه، أو يعظم كتعظيمه.

(وقوله: علوا) أي تعاليا، فوضع إسم المصدر في موضع المصدر مثل: * (والله أنبتكم من الارض نباتا) *.

(وقوله: كبيرا) صفة لعلوا، وفيها تمام المبالغة في النزاهة.

(قوله: وإذا حلف بما ينعقد به اليمين) أي مما مر في كلامه من اسم خاص به تعالى أو صفة من صفاته.

(وقوله: ثم قال لم أرد به اليمين لم يقبل) وهذه العبارة مساوية لعبارة المنهاج، وقد علمت عن فتح الجواد أنه قيل إنها سبق قلم، وكذلك قاله شيخ الاسلام ونص عبارة المنهج مع شرحه له: إلا أن يريد به غير اليمين فليس بيمين، فيقبل منه ذلك - كما في الروضة وأصلها - ثم قال: فقول الاصل ولا يقبل قوله، لم أرد به اليمين مؤول أو سبق قلم.

اه.

(قوله: ولو قال بعد يمينه إن شاء الله) مثل الإثبات النفي، كإن لم يشأ الله، ومثل مشيئة الله مشيئة الملائكة لا مشيئة الآدميين كما مر في باب الطلاق.

(قوله: وقصد اللفظ الخ) فيه أنه لا يشترط قصد اللفظ قبل فراغ اليمين، بل الشرط قبله قصد الاستثناء.

أي التعليق.

وعبارة الروض وشرحه: ويشترط التلفظ بالاستثناء وقصده قبل فراغ اليمين واتصاله بها.

اه.

(قوله: واتصل الاستثناء بها) أي باليمين اتصالا عرفيا لا حقيقيا، لأنه لا يضر الفصل بسكتة التنفس والعي وانقطاع الصوت.

(قوله: لم تنعقد اليمين) جواب لو، وإنما لم تنعقد لعدم العلم بوقوع المعلق عليه، لان مشيئته تعالى وما ألحق بها غير معلومة لنا،

وقيل تنعقد لكن مع عدم المؤاخذة بها.

(قوله: فلا حنث ولا كفارة) تفريع على عدم انعقاد اليمين.

(قوله: وإن لم يتلفظ بالاستثناء) أي أو تلفظ به ولكن لم يقصد الاستثناء بأن سبق لسانه إليه، أو قصد التبرك، أو أن كل شئ بمشيئة الله، أو لم يعلم هل قصد التعليق أم لا، أو أطلق.

(قوله: لم يندفع إلخ) جواب أن.

(وقوله: الحنث) بكسر الحاء: أي إثم حلف اليمين بفعل المحلوف عليه كأن قال والله لا أكلم زيدا فكلمه.

قال في القاموس: الحنث - بالكسر - الاثم والحلف في اليمين، والميل من باطل إلى حق وعكسه.

اه.

وقال في المصباح: حنث في يمينه يحنث حنثا إذا لم يف بموجبها فهو حانث، وحنثته - بالتشديد - جعلته حانثا، والحنث الذنب، وتحنث إذا فعل ما يخرج به عن الحنث.

قال ابن فارس: والتحنث التعبد.

ومنه: كان صلى الله عليه وسلم يتحنث في غار حرام.

اه.

(قوله: بل يدين) - بضم ياء المضارعة وفتح الدال وتشديد الياء المفتوحة -: أي يعمل باطنا بما نواه وقصده، فإن قصد قبل فراغ اليمين الاستثناء لم تنعقد باطنا وإن لم يقصد ذلك انعقدت.

(قوله: ولو قال لغيره أقسمت عليك) أي أو أقسم عليك.

وفي البجيرمي: لو حذف لفظ عليك فيمين لا يجري فيها تفصيل.

اه.

(قوله: أو أسألك بالله) قال ع ش: وكذا لو قال بالله لا تفعلن كذا من غير ذكر

(1) سورة نوح، الاية:17.

ص: 357

أو أسألك بالله لتفعلن كذا وأراد يمين نفسه فيمين ومتى لم يقصد يمين نفسه بل الشفاعة أو يمين المخاطب أو أطلق فلا تنعقد لانه لم يحلف هو ولا المخاطب ويكره رد السائل بالله تعالى أو بوجهه في غير المكروه وكذا السؤال بذلك ولو

ــ

المتعلق.

اه.

(قوله: وأراد يمين نفسه) أي فقط بأن أراد تحقيق هذا الامر المحتمل، فإذا حلف شخص على آخر أنه يأكل فالاكل أمر محتمل، فإذا أراد تحقيقه وأنه لا بد من الاكل كان يمينا، وإن أراد أتشفع عندك بالله أنك تأكل، أو أراد يمين المخاطب كأن قصد جعله حالفا بالله، فلا يكون يمينا لأنه لم يحلف هو ولا المخاطب.

اه.

بجيرمي.

(قوله: ومتى لم يقصد يمين نفسه) إظهار في مقام الإضمار، فلو قال ومتى لم يردها لكان أولى.

(قوله: بل الشفاعة) أي بل قصد الشفاعة بالله أن يفعل المخاطب كذا.

(وقوله: أو يمين المخاطب) أي جعل المخاطب حالفا بالله تعالى.

(وقوله: أو أطلق) أي لم يقصد يمين نفسه ولا يمين المخاطب، ويحمل في هذه الحالة على الشفاعة: أي جعلت الله شفيعا عندك في فعل كذا.

(قوله: فلا تنعقد) أي اليمين.

(قوله: لأنه لم يحلف هو) أي القائل ذلك ولا المخاطب.

واعلم أن اللفظ الذي ينعقد به اليمين إما أن يكون صريحا - والمراد به هنا ما يحصل الانعقاد عند الاطلاق - وذلك كما في القسمين الاولين المارين: أعني ما كان بمختص بالله من اسم، أو صفة له، وما كان إطلاقه عليه غالبا، وإما أن يكون كناية وهي ما ليس كذلك، فلا ينعقد بها اليمين إلا بالنية، وذلك كأن يأتي بالجلالة مع حذف حرف القسم نحو: الله

- بتثليب الهاء أو تسكينها - لافعلن كذا.

ونحو لعمر الله، أو على عهد الله، أو ميثاقه، أو ذمته، أو أمانته، أو كفالته لافعلن كذا.

ونحو أشهد، أو شهدت بالله لقد كان الامر كذا.

ونحو عزمت، أو أعزم بالله لافعلن كذا.

أو عليك لتفعلن كذا، ونحو ذلك كالالفاظ التي تطلق على المولى وعلى غيره على حد سواء كالموجود والعالم والحكيم.

واختلف في بله - بتشديد اللام وحذف الالف - فقال في التحفة هي لغو وإن نوى بها اليمين، لان هذه كلمة غير الجلالة إذ هي الرطوبة.

وقال في النهاية هي يمين إن نواها - خلافا لجمع ذهبوا إلى أنها لغو -.

وفي البجيرمي: وبقي ما لو قال: والله بحذف الالف بعد اللام هل يتوقف الانعقاد على نيتها أو لا؟ ويظهر الآن الثاني لعدم الاشتراك في اللفظ بين الاسم الكريم وغيره، بخلاف البله فإنها مشتركة بين الحلف بالله وبلة الرطوبة، وبقي أيضا ما لو حذف الهاء من لفظ الجلالة وقال باللا، أو واللا هل هي يمين أو لا؟ فيه نظر.

والأقرب الثاني لانها بدون الهاء ليست من أسمائه ولا صفاته، ويحتمل الانعقاد عند نية اليمين، ويحتمل على أنه حذف الهاء ترخيما والترخيم جائز في غير المنادى على قلة.

اه.

(قوله: ويكره رد السائل بالله تعالى) لخبر من سأل بالله تعالى فأعطوه.

وفي الزواجر: أخرج الطبراني وغيره: ألا أحدثكم عن الخضر؟ قالوا: بلى يا رسول الله.

قال: بينما هو يمشي ذات يوم في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال: تصدق علي بارك الله فيك.

فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شئ أعطيكه.

فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي فإني نظرت السماحة في وجهك ورجوت البركة عندك.

فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي شئ أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني.

فقال المسكين: وهل يستقيم هذا؟ قال: نعم.

أقول: لقد سألتني بأمر عظيم.

إما أني لا أخيبك بوجه ربي، بعني.

قال: فقدمه إلى السوق فباعة بأربعمائة درهم، فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شئ.

فقال: إنما اشتريتني التماس خير عندي فأوصني بعمل.

قال: أكره أن أشق عليك، إنك شيخ كبير ضعيف.

قال: ليس يشق علي.

قال: قم فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم - فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة.

قال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه.

ثم عرض للرجل سفر، فقال: إني أحسبك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة.

قال: أوصني بعمل.

قال: إني أكره أن أشق عليك.

قال: ليس يشق علي.

قال: فاضرب من اللبن لبيتي حق أقدم عليك.

قال: فمر الرجل لسفره.

قال: فرجع وقد شيد بناءه.

قال: أسألك بوجه الله ما سببك وما أمرك؟ قال: سألتني بوجه الله، ووجه الله أوقعني في هذه العبودية.

فقال الخضر: سأحدثك من أنا: أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة، فلم يكن عندي شئ أعطيه، فسألني بوجه الله فأمكنته من رقبتي

فباعني، وأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلده ولا لحم له يتقعقع.

فقال الرجل: آمنت

ص: 358

قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني فليس بيمين لانتفاء إسم الله أو صفته ولا كفارة وإن حنث نعم يحرم ذلك كغيره ولا يكفر بل إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف أو أطلق حرم ويلزمه التوبة فإن علق أو أراد الرضا بذلك إن فعل كفر حالا وحيث لم يكفر سن له أن يستغفر الله تعالى ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله وأوجب صاحب الاستقصاء ذلك ومن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد كلا والله وبلا والله في نحو غضب أو صلة

ــ

بالله.

شققت عليك يا نبي اللهلم أعلم.

قال: لا بأس.

أحسنت وأتقنت.

فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، أحكم في أهله ومالي بما شئت، أو اختر فأخلي سبيلك.

قال: أحب أن تخلي سبيلي فأعبد ربي.

فخلى سبيله.

فقال الخضر: الحمد لله الذي أوثقني في العبودية ثم نجاني منها.

اه.

(قوله: أو بوجهه) أي وجه الله: كأن يقول أسألك بوجه الله لتفعلن كذا.

(قوله: في غير المكروه) متعلق برد، وهو على حذف مضاف: أي في سؤال غير المكروه، أما سؤال المكروه فلا يكره رده، ومثله المحرم بالاولى، وذلك لما أخرجه الطبراني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ملعون من سأل بوجه الله، وملعون من سئل بوجه الله ثم منع سائله ما لم يسأل هجرا بضم فسكون - قال في الزواجر: أي ما لم يسأل أمرا قبيحا لا يليق، ويحتمل أنه أراد ما لم يسأل سؤالا قبيحا بكلام قبيح.

اه.

(قوله: وكذا السؤال بذلك) أي وكذا يكره السؤال بالله أو بوجهه لحديث: لا يسئل بوجه الله إلا الجنة.

(قوله: ولو قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني) أي أو مستحل الخمر، أو الزنا، أو أنا برئ من الإسلام، أو من الله، أو من رسوله، ونحو ذلك.

(قوله: فليس) أي قوله المذكور بيمين، وهو جواب لو.

(قوله: لانتفاء إلخ) علة عدم انعقاد قوله المذكور يمينا.

(قوله: ولا كفارة) أي عليه.

(قوله: وإن حنث) أي بأن فعل المحلوف عليه.

(قوله: نعم يحرم ذلك) أي قوله ما ذكر لأنه معصية، والتلفظ بها حرام.

(قوله: بل أن قصد الخ) الصواب حذف لفظ بل ولفظ حرم، لانه قيد لقوله ولا يكفر.

(وقوله: أو أطلق) أي لم يقصد شيئا.

(قوله: ويلزمه التوبة) أي لانه حرام، والتوبة واجبة من كل معصية.

ولا ينافي ذلك قوله بعد: سن له أن يستغفر الله، لان ذلك باللسان وهو ليس بواجب.

(قوله: فإن علق) أي قصد تعليق التهود ونحوه مما مر على فعل ذلك (وقوله: أو أراد الرضا بذلك) أي بالتهود ونحوه.

(وقوله: أن فعل) أي المعلق عليه.

(وقوله: كفر حالا) أي لأن فيه رضا بالكفر وهو كفر كما مر في باب الردة.

قال في المغني: فإن لم يعرف قصده لموت أو لغيبة وتعذرت مراجعته، ففي المهمات القياس تكفيره إذا عرى عن القرائن الحاملة على غيره، لان اللفظ بوضعه يقتضيه، وكلام الاذكار يقتضي خلافه.

اه.

والاوجه ما في الاذكار.

اه.

وقوله: والأوجه الخ.

قال في التحفة هو الصواب.

(قوله: وحيث لم يكفر) أي بأن قصد تبعيد نفسه أو أطلق.

(قوله: سن له أن يستغفر الله) أي باللفظ، وإلا فالتوبة واجبة كما صرح به آنفا بقوله ويلزمه التوبة، وذلك كأن يقول أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم

وأتوب إليه، وهي أكمل من غيرها.

(قوله: ويقول إلخ) أي وسن له أن يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله.

قال في التحفة: وحذفهم أشهد هنا لا يدل على عدم وجوبه في الاسلام الحقيقي لانه يغتفر فيما هو للاحتياط، ما لا يغتفر في غيره، على أنه لو قيل الأولى أن يأتي هنا بلفظ أشهد فيهما، لم يبعد لانه إسلام إجماعا، بخلافه مع حذفه.

اه.

(قوله: وأوجب صاحب الاستقصاء ذلك) أي قوله لا إله إلا الله إلخ.

أي لخبر الصحيحين: من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله.

ورده الجمهور بأن الامر فيه محمول على الندب.

(قوله: ومن سبق لسانه الخ) عبارة الروض وشرحه: ومن حلف بلا قصد، بأن سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد، كقوله في حالة غضب، أو لجاج، أو صلة كلام، لا والله تارة، وبلى والله تارة أخرى، أو سبق لسانه بأن حلف على شئ فسبق لسانه إلى غيره فلغو: أي فهو لغو يمين، إذ لا يقصد بذلك تحقيق اليمين ولقوله تعالى: * (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) * ولخبر: لغو اليمين: لا والله، وبلى والله.

رواه أبو داود وابن حبان وصححه.

فلو جمع بين لا والله وبلى والله في كلام واحد، قال الماوردي الاولى لغو، والثانية

(1) سورة البقرة، الاية:225.

ص: 359

كلام لم ينعقد والحلف مكروه إلا في بيعة الجهاد والحث على الخير والصادق في الدعوى ولو حلف في ترك واجب أو فعل حرام عصى ولزمه حنث وكفارة أو ترك مستحب أو فعل مكروه سن حنثه وعليه كفارة أو على ترك

ــ

منعقدة لانها استدراك مقصود منه.

اه.

وقوله: قال الماوردي إلخ.

قال في التحفة: هو ظاهر إن علم أنه قصدها.

وكذا إن شك، لأن الظاهر أنه قصدها، أما إذا علم أنه لم يقصدها فواضح أنه لغو.

اه.

وقال في المغني: وجعل صاحب الكافي من لغو اليمين ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال: والله لا تقوم، وهو مما تعم به البلوى.

اه.

وهو ظاهر إن لم يقصد اليمين فإن قصدهم كانت يمينا كما نبه عليه في التحفة والنهاية.

(قوله: بلا قصد) لا حاجة إليه بعد قوله سبق لسانه كما نبه عليه في المغنى وعبارته: تنبيه: لا حاجة لقوله بلا قصد بعد قوله ومن سبق لسانه.

اه.

(قوله: كلا والله وبلى والله) أي كقوله ذلك.

(وقوله: في نحو غضب) متعلق بقوله المقدر.

(قوله: لم ينعقد) أي اليمين بذلك، وهو جواب من.

(قوله: والحلف مكروه) أي لقوله تعالى: * (ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم) * أي نصبا لها بأن تكثروا منها لتصدقوا، ولخبر: إنما الحلف حنث أو ندم، رواه ابن حبان في صحيحه، ولانه ربما يعجز عن الوفاء فيما حلف عليه.

قال حرملة: سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول: ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا قط.

تنبيه: كان الأولى للمؤلف أن يزيد بعد قوله مكروه لفظ في الجملة، وذلك لأن من اليمين ما هو معصية كما سيأتي

في كلامه، ومنها ما هو مباح، ومنها ما هو مستحب.

كأن توقف عليها فعل مندوب أو ترك مكروه، ومنها ما هو واجب فيما إذا توقف عليها فعل واجب، أو ترك حرام.

(قوله: إلا في بيعة الجهاد الخ) لو قال كغيره إلا في طاعة كبيعة الجهاد الخ.

لكان أولى، إذ عبارته تفيد الحصر في هذه الثلاثة مع أنه ليس كذلك، بل مثلها كل طاعة من فعل واجب، أو ترك حرام، أو فعل مندوب، فلا كراهة في الحلف في جميع ذلك.

ومثل في شرح الروض للبيعة على الجهاد بقوله عليه الصلاة والسلام: والله لاغزون قريشا الحديث المار.

وقوله والحث على الخير: أي كقوله والله إن لم تثبت لتندم.

(قوله: والصادق في الدعوى) الملائم لما قبله أن يقول: وفي الدعوى الصادقة: أي عند حاكم.

ولا تكره اليمين أيضا فيما إذا دعت حاجة إليها كتوكيد كلام كقوله صلى الله عليه وسلم: فوالله لا يمل الله حتى تملوا أي لا يترك ثوابكم حتى تتركوا العمل، أو تعظيم أمر كقوله عليه السلام: والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا.

(قوله: ولو حلف الخ) هذا إشارة إلى استثناء رابع، فكأنه قال: وتكره إلا إن حلف على الاتكاب معصية فتحرم.

(وقوله: ولزمه حنث الخ) تلخص من كلامه أن الحنث تارة يجب كما في هذه الصورة، وتارة يندب كما ذكره بقوله: أو ترك مستحب، أو فعل مكروه.

وتارة يكون خلاف الأولى كما ذكره بقوله: أو على ترك مباح أو فعله.

وبقي عليه الكراهة، وذلك كما إذا حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، والتحريم كما إذا حلف على فعل واجب، أو ترك حرام، فيحرم عليه الحنث بترك واجب أو فعل حرام.

فتحصل أن الحنث تعتريه أحكام خمسة ولا تعتريه الإباحة، لانه في صورة المباح يكون خلاف الاولى، وبضد ما قيل في الحنث يقال في البر، فحيث وجب الحنث حرم البر، وحيث حرم الحنث وجب البر، وحيث ندب الحنث كره البر، وحيث كره الحنث ندب البر.

اه.

بجيرمي.

بتصرف (وقوله: عصى) أي بالحلف، واستثنى بالبلقيني من الصورة الأولى: أعني ترك الواجب مسألتين، الاولى: الواجب الذي يمكن سقوطه كالقصاص بعد الحكم به، فإنه يمكن سقوطه بالعفو.

الثانية: الواجب على الكفاية، كما لو حلف لا يصلي على فلان الميت حيث لم تتعين عليه، فإنه لا يعصي بهذا الحلف.

اه.

مغني.

(وقوله: ولزمه حنث وكفارة) أي لان الاقامة على هذه الحالة معصية، ولخبر الصحيحين: من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير.

ولكيفر عن يمينه.

وإنما يلزمه الحنث إذا لم يكن له طريق سواه، وإلا فلا، كما لو حلف لا ينفق على زوجته فإن له طريقا

(1) سورة البقرة، الاية:224.

ص: 360

مباح أو فعله كدخول دار وأكل طعام كلا آكله أنا فالافضل ترك الحنث إبقاءا لتعظيم الاسم.

ــ

بأن يعطيها من صداقها، أو يقرضها ثم يبرئها، لان الغرض حاصل مع بقاء التعظيم.

اه.

شرح المنهج: وقوله: بأن يعطيها من صداقها: أي مع كون النفقة باقية في ذمته، والاولى ويمثل بنفقة القريب لانها تسقط بمضي الزمان.

اه.

بجيرمي.

(قوله: أو ترك إلخ) بالجر عطف على ترك واجب أن قوله مستحب: أي كسنة الظهر.

(وقوله: أو فعل الخ) عطف على ترك أيضا.

(وقوله: مكروه) أي كالتفات في الصلاة.

(قوله: سن حنثه وعليه كفارة) أي لان اليمين والاقامة عليه مكروهان، ولآية: * (ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم) *.

وسبب نزولها أن الصديق رضي الله عنه حلف أن لا ينفق على مسطح بعدما قال لعائشة: ما هي بريئة منه فأنزل الله: * (ولا يأتل أولو الفضل) * الآية، فقال: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجريه عليه من النفقة.

ظريفة: يحكى أن ابن المقري منع النفقة عن ولده لما رآه غير مستقيم فكتب إليه ولده: تقطعن عادة بر ولا تجعل عقاب المرء في رزقه فإن أمر الافك من مسطح يحط قدر النجم من أفقه وقد جرى منه الذي قد جرى وعوتب الصديق في حقه فأجابه بقوله: قد يمنع المضطر من ميتة إذا عصى بالسير في طرقه لانه يقوى على توبة توجب إيصالا إلى رزقه لو لم يتب مسطح من ذنبه ما عوتب الصديق في حقه (قوله: أو علي ترك مباح أو فعله) معطوفان على في ترك واجب، أي أو حلف على ذلك.

(وقوله: كدخول دار الخ) مثال للمباح.

تنبيه: أختلف فيما لو حلف لا يأكل طيبا، ولا يلبس ناعما، فقيل مكروه لقوله تعالى: * (قل من حرم زينة الله) * الآية، وقيل طاعة لما عرف من اختيار السلف خشونة العيش، وقيل يختلف ذلك باختلاف أحوال الناس، وقصودهم وفراغهم للعبادة، واشتغالهم بالضيق والسعة، وهذا كما قال الرافعي الصواب.

(قوله: فالافضل ترك الحنث) وقيل الافضل له الحنث ليستنفع الفقراء بالكفارة.

قال الأذرعي ويشبه أن محل الخلاف ما إذا لم يكن في ذلك أذى للغير، فإن كان بأن حلف لا يدخل دار أحد أبويه أو أقاربه أو صديقه، فالافضل

الحنث قطعا.

وعقد اليمين على ذلك مكروه بلا شك.

وكذا حكم الاكل واللبس.

اه.

مغني (قوله: إبقاء لتعظيم الاسم) أي المحلوف به، أي ولقوله تعالى: * (ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها) *.

تنبيهات: من حلف أن لا يفعل شيئا ككونه لا يزوج موليته، أو لا يطلق امرأته، أو لا يعتق عبده، أو لا يضرب غلامه، فأمر غيره بفعله ففعله وكيله ولو مع حضوره لم يحنث، لانه حلف على فعله ولم يفعل، إلا أن يريد الحالف استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، وهو أن لا يفعله هو ولا غيره فيحنث بفعل وكيله فيما ذكر عملا بإرادته، فإن فعل الشئ الذي حلف عليه بنفسه عامدا عالما مختارا حنث، بخلاف ما لو كان جاهلا أو ناسيا أو مكرها فلا يحنث حينئذ.

ومن الفعل جاهلا أن يدخل دار الا يعرف أنها المحلوف عليها، أو يسلم على زيد في ظلمة ولا يعرف أنه زيد وهو حالف

(1) سورة النور، الاية:22.

(2)

سورة الاعراف، الاية:32.

(3)

سورة النحل، الاية:91.

ص: 361

فرع: يسن تغليظ يمين من المدعي والمدعى عليه وإن لم يطلبه الخصم في نكاح وطلاق ورجعة وعتق

ــ

أنه لا يسلم عليه.

ومن حلف لا يبيع هذا العبد، أو لا يشتري هذا الثوب، فوهبه في الأولى، أو وهب له في الثانية، لم يحنث لانه لم يفعل المحلوف عليه.

ومن حلف لا يبيع ولا يوكل وكان قد وكل قبل ذلك ببيع ماله، فباع الوكيل بعد الحلف بالوكالة السابقة، ففي فتاوي القاضي حسين: أنه لا يحنث، لانه بعد اليمين لم يباشر ولم يوكل.

وقياسه أنه لو حلف على زوجته أن لا تخرج إلا بإذنه، وكان قد أذن لها قبل ذلك في الخروج إلى موضع معين، فخرجت إليه بعد اليمين لم يحنث.

ومن حلف لا يعتق عبده فكاتبه وعتق بالاداء لم يحنث، كما نقله الشيخان عن ابن القطان وأقراه.

ومن حلف لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ حنث، لانه يسمى أكلا عرفا، والايمان مبنية على العرف.

بخلاف ما لو حلف بالطلاق أنه لا يأكل الحشيشة فبلعها من غير مضغ فإنه لا يحنث، لأنه لا يسمى أكلا لغة، والطلاق مبني على اللغة.

ولو حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير الخنصر لم يحنث.

ومن حلف لا يكتب بهذا القلم فكسر بريته وبراه برية جديدة وكتب به لم يحنث.

ومن حلف لا يتغدى، أو لا يتعشى، أو لا يتسحر، فلا يحنث في الاول إلا بأكله قبل الزوال، لان وقت الغداء من طلوع الفجر إلى الزوال.

ولا يحنث في الثاني إلا بأكله بعد الزوال، لأن وقت العشاء من الزوال إلى نصف الليل.

ولا يحنث في الثالث إلا بأكله بعد نصف الليل، لان وقت السحور من نصف الليل إلى طلوع الفجر.

ومن حلف لا يفارق غريمه حتى يوفيه حقه، فهرب غريمه منه لم يحنث ولو تمكن من إتباعه، بل ولو أذن له في الهرب، لانه لم

يفارقه هو.

ومن حلف لا يدخل الدار، حنث بدخوله داخل بابها حتى دهليزها، ولو برجل واحدة معتمدا عليها فقط، لا بصعوف سطح من خارج الدار، ولو محوطا بأن يكون له درج يصعد عليها له من خارجها.

وإذا حلف الامير مثلا لا يضرب زيدا فأمر الجلاد فضربه لم يحنث، أو حلف لا يبني بيته فأمر البناء ببنائه فبناه فكذلك لا يحنث، أو حلف أن لا يحلق رأسه فأمر حلاقا فحلقه لم يحنث - كما جرى عليه ابن المقري - لعدم فعله، وقيل يحنث للعرف.

ومطلق الحلف على العقود ينزل على الصحيح منها فلا يحنث بالفاسد، ولو أضاف العقد إلى ما لا يقبله: كأن حلف لا يبيع الخمر، ولا المستولدة، ثم أتى بصورة البيع، فإن قصد التلفظ بلفظ العقد مضافا إلى ما ذكره حنث، وإن أطلق فلا.

وكذلك الحلف على العبادات كالصلاة والصوم ينزل على الصحيح منهما، فلا يحنث بالفاسد منهما إلا الحج، فإنه يحنث بالفاسد.

ولو حلف لا يصلي لم يحنث بصلاة الجنازة، لأنها لا تسمى صلاة عرفا.

ومن حلف ليثنين على الله أحسن الثناء، أو أعظمه، أو أجله، فليقل: لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، أو بأجل التحاميد فليقل: الحمد لله حمدا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده.

أو حلف ليصلين على النبي صلى الله عليه وسلم بأفضل الصلاة عليه، فليصل بالصلاة الابراهيمية التي في التشهد.

وهنا فروع كثيرة تركناها خوف الاطالة.

(قوله: فرع إلخ) الأولى فروع، لأنه ذكر أربعة الاول: قوله يسن تغليظ الخ، الثاني: قوله ويعتبر في الحلف الخ، الثالث: قوله واليمين يقطع الخصومة الخ، الرابع: قوله واليمين المردودة إلخ.

واعلم أن ما ذكر يذكره الفقهاء في باب الدعوى، وهو الانسب وإن كان لذكره هنا وجه أيضا، وهو أن الكلام في الايمان وأنها قد تقع في خصومة كما مر.

(وقوله: تغليظ يمين الخ) إنما سن ذلك لان اليمين إنما وضعت للزجر عن التعدي، فغلظت مبالغة وتأكيدا للردع فيما هو متأكد في نظر الشرع، وهو ما سيذكره من النكاح إلخ.

(وقوله: من المدعي) أي صادرة منه فيما إذا كان المدعى به يثبت بيمين وشاهد، أو في يمين الرد.

(وقوله: والمدعى عليه) أي وتغليظ يمين صادرة من المدعى عليه فيما إذا لم يكن عند المدعي بينة.

(قوله: وإن لم يطلبه) أي التغليظ، وهو غاية في سنية التغليظ: أي يسن وإن لم يطلبه الخصم.

قال في التحفة: بل وإن أسقطه كما قاله القاضي.

اه.

(قوله: في نكاح الخ) أي في دعوى ذلك، والجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة ليمين: أي يمين واقعة في دعوى الخ.

ويحتمل أن في بمعنى على، والجار والمجرور متعلق

ص: 362

ووكالة وفي مال بلغ عشرين دينارا لا فيما دون ذلك لانه حقير في نظر الشرع نعم لو رآه الحاكم لنحو جراءة

الحالف فعله.

والتغليظ يكون بالزمان وهو بعد العصر وعصر الجمعة أولى وبالمكان وهو للمسلمين عند المنبر وصعودهما عليه أولى وبزيادة الاسماء والصفات ويسن أن يقرأ على الحالف آية آل عمران: * (إن الذين يشترون

ــ

بيمين، ولا حاجة إلى تقدير مضاف: أي يمين على نكاح وطلاق الخ.

(وقوله: ووكالة) أي ولو في درهم.

اه.

تحفة.

(قوله: وفي مال) معطوف على نكاح.

(وقوله: بلغ عشرين دينارا) أي أو ما قيمته ذلك.

تنبيه: كان حقه أن يزيد ولعان كما في التحفة، لان قوله الآتي وصعودهما عليه أولى لا يظهر إلا في الزوجين المتلاعنين، لانهما هما اللذان يصعدان على المنبر.

(قوله: لا فيما دون ذلك) أي لا يسن تغليظ اليمين فيما دون عشرين دينارا.

(قوله: لأنه) أي ما دون ذلك.

(وقوله: حقير في نظر الشرع) أي فلم يعتن فيه بتغليظ اليمين.

(قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم سنية التغليظ فيما دون ذلك.

(وقوله: لو رآه الحاكم) المفعول الثاني محذوف: أي رأى التغليظ أصلح فيما دون ذلك.

(وقوله: لنحو جراءة الحالف) أي على اليمين، واللام للتعليل، وهي متعلقة برأى، أو بمفعوله الثاني المحذوف.

(وقوله: فعله) أي فعل الحاكم التغليظ في اليمين.

(قوله: وهو) أي الزمان الذي يحصل به التغليظ.

(وقوله: بعد العصر) أي لان اليمين الفاجرة بعد العصر أغلظ عقوبة لخبر الصحيحين: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم - وعد منهم رجلا حلف على يمين كاذبة بعد العصر يقتطع بها مال امرئ مسلم.

(قوله: وعصر الجمعة أولى) أي من عصر غير الجمعة، لان يومها أشرف الاسبوع، وساعة الاجابة فيها بعد عصرها.

(قوله: وبالمكان) معطوف على بالزمان: أي والتغليظ يكون بالمكان أيضا.

(قوله: وهو) أي المكان الذي يحصل التغليظ به.

(وقوله: للمسلمين عند المنبر) الظرف متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، والجار والمجرور قبله متعلق بما تعلق به هذا الخبر: أي وذلك المكان كائن عند المنبر بالنسبة للمسلمين: أي أما بالنسبة لغيرهم إذا ترافعوا إلينا فبيعة - بكسر الباء - وهي معبد النصارى، أو كنيسة وهي معبد اليهود، أو بيت نار مجوس لا بيت أصنام وثني دخل دارنا بهدنة أو أمان وترافعوا إلينا، فلا يحلف فيه، لأنه لا أصل له في الحرمة والتعظيم، بل في مجلس الحكم.

وعبارة الخطيب في باب اللعان: فإن كان في غير المساجد الثلاثة فيكون في الجامع على المنبر كما صححه صاحب الكافي، لان الجامع هو المعظم من تلك البلدة والمنبر أولى، فإن كان في المسجد الحرام فبين الركن الذي فيه الحجر الاسود وبين مقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويسمى ما بينهما بالحطيم.

فإن قيل: لا شئ في مكة أشرف من البيت.

أجيب: بأن عدولهم عنه صيانة له عن ذلك.

وإن كان في مسجد المدينة فعلى المنبر - كما في الام والمختصر - لقوله صلى الله عليه وسلم: ومن حلف على منبري هذا يمينا آثما تبوأ مقعده من النار.

وإن كان في بيت المقدس فعند الصخرة لانها أشرف بقاعه لانها قبلة الانبياء عليهم الصلاة

والسلام.

وفي ابن حنبل أنها من الجنة.

اه.

ومحل ذلك في غير المرأة الحائض، أو النفساء، أو المتحيرة، أما هي فعند باب الجامع لتحريم مكثها فيه.

(قوله: وصعودهما) أي الزوجين عند اللعان - كما علمت - وعبارة فتح الجواد مع الاصل: ورقي كل منهما عند لعانه عليه - أي المنبر - بطيبة شرفها الله، وبغيرها أيضا أولى - وإن قل القوم.

اه.

(وقوله: عليه) أي على المنبر.

(قوله: وبزيادة الخ) معطوف على بالزمان: أي ويكون التغليظ بزيادة الاسماء والصفات، كأن يقول والله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم الذي يعلم السر والعلانية، هذا إن كان الحالف مسلما، فإن كان يهوديا حلفه القاضي بالله الذي أنزل التوراة على موسى ونجاه من الغرق، أو نصرانيا حلفه بالله الذي أنزل الانجيل على عيسى، أو مجوسيا أو وثنيا حلفه بالله الذي خلقه وصوره.

ولا يجوز للقاضي أن يحلف أحدا بطلاق أو عتق أو نذر.

ومتى بلغ الامام أن القاضي يستحلف الناس بذلك عزله، كما قاله الشافعي رضي الله عنه.

وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدا من أهل العلم يرى الاستحلاف بذلك.

اه.

(قوله: ويسن أن يقرأ الخ) عبارة غيره: ومن

ص: 363

بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) *.

وأن يوضع المصحف في حجره ولو اقتصر على قوله والله كفى.

ويعتبر في الحلف نية الحاكم المستحلف فلا يدفع إثم اليمين الفاجرة بنحو تورية كاستثناء لا يسمعه الحاكم إن لم يظلمه خصمه كما بحثه البلقيني أما من ظلمه خصمه في نفس الامر كأن ادعى على معسر فيحلف لا تستحق علي شيئا أي تسليمه الآن فتنفعه التورية والتأويل لان خصمه ظالم إن علم أو مخطئ إن جهل فلو حلف إنسان ابتداء أو

ــ

التغليظ أن يوضع المصحف في حجره ويطلع له سورة براءة، ويقال له ضع يدك على ذلك ويقرأ قوله تعالى: * (إن الذين يشترون) * الآية.

اه.

(قوله: ولو اقتصر) أي الحالف.

(وقوله: كفى) أي في الحلف.

(قوله: ويعتبر) أي يعتمد.

(وقوله: في الحلف) أي بالله تعالى لأنه المراد عند الاطلاق.

(قوله: نية الحاكم) أي وعقيدته.

ومثل الحاكم نائبه، أو المحكم، أو المنصوب للمظالم، وغيرهم من كل من له ولاية التحليف، وإنما اعتبرت نيته دون نية الحالف لخبر مسلم: اليمين على نية المستحلف.

وحمل على الحاكم لانه الذي له ولاية الاستحلاف، ولانه لو اعتبرت نية الحالف لضاعت الحقوق.

(وقوله: المستحلف) أي لمن توجه عليه الحلف.

(قوله: فلا يدفع إثم اليمين إلخ) مفرع على اعتبار نية الحاكم: أي وإذا كان المعتبر نية الحاكم لا نية الحالف، فلو حلف وورى في حلفه، أو تأول، أو استثنى، فلا ينفعه ذلك ولا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة، لكن بشروط أربعة تستفاد من كلامه، وهي أن يكون ذلك الحلف عند القاضي أو المحكم، فلو حلف عند المدعي فقط نفعه ذلك، وأن يطلب منه القاضي أو المحكم الحلف، فلو حلف قبل طلبه منه نفعه ذلك.

وأن لا يكون التحليف بالطلاق أو العتق، فإن كان بهما نفعه أيضا ذلك، وأن لا يكون الحالف محقا وإلا نفعه.

(وقوله: بنحو تورية) هي قصد مجاز اللفظ لا حقيقته، كأن أدعى عليه ثوبا وأنكر فحلفه القاضي فقال: والله لا يستحق علي وثوبا، وأراد بالثوب الرجوع لانه من ثاب إذا رجع، وهذا مجاز مهجور.

أو كأن أدعى عليه درهما فأنكر

فحلفه القاضي فقال: والله لا يستحق علي درهما، ونوى الحديقة لانه - كما في القاموس - يطلق عليها.

(وقوله: كاستثناء) تمثيل لنحو التورية.

قال البجيرمي: كأن كان له عليه خمسة فادعى عليه عشرة وأقام شاهدا واحدا على العشرة وحلف مع الشاهد أن له عليه عشرة وقال إلا خمسة سرا.

اه.

أي فقوله إلا خمسة لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة.

ومثل الاستثناء التأويل، وهو اعتقاد خلاف نية القاضي بأن ادعى عليه دينارا قيمة متلف فأنكر فقال له القاضي: قل والله لا يستحق علي دينارا، فقال له ذلك ونوى ثمن مبيع ونوى القاضي قيمة المتلف، أو قصد بالدينار اسم رجل.

(وقوله: لا يسمعه الحاكم) الجملة صفة لاستثناء، وضمير يسمعه يعود عليه.

وهذا القيد زاده لأجل أن يكون الاستثناء من نحو التورية لا للاحتراز، لانه لو أسمعه للحاكم لا يدفع عنه إثم اليمين الفاجرة أيضا، بل يعزره الحاكم كما في النهاية ونصها: وخرج بحيث لا يسمعه ما لو سمعه فيعزره ويعيد اليمين: اه.

(قوله: أن لم يظلمه خصمه) قيد في عدم دفع إثم اليمين الفاجرة بذلك.

(وقوله: أما من ظلمه خصمه الخ) محترز القيد المذكور.

(قوله: كأن ادعى على معسر الخ) وكأن يدعي على شخص أنه أخذ من ماله كذا بغير إذنه وسأله رده وهو إنما أخذه في دين له عليه، فأجابه بنفي الاستحقاق، فقال المدعي للقاضي: حلفه أنه ما أخذ من مالي شيئا بغير إذني، وكان القاضي يرى إجابته لذلك، فحلف المدعى عليه أنه ما أخذ شيئا من ماله بغير إذنه، ونوى بغير استحقاق فإنه ينفعه ذلك ولا إثم عليه.

(قوله: أي تسليمه الآن) أي ونوى تسليمه الآن لكونه معسرا.

(قوله: فتنفعه التورية والتأويل) أي ولا يأثم بهما، والملائم لما قبله في الجواب أن يقول فلا إثم عليه بهما.

(قوله: لان خصمه ظالم) علة لكونه تنفعه التورية والتأويل حين إذ كان مظلوما.

(وقوله: إن علم) أي أن المدين معسر.

(وقوله: أو مخطئ) معطوف على ظالم: أي أو إن خصمه مخطئ إن جهل ذلك.

(قوله: فلو حلف إنسان الخ) مرتب على ما يستفاد من قوله المار المستحلف، وهو اشتراط طلب الحاكم الحلف.

إذ السين والتاء فيه للطلب كما في

(1) سورة آل عمران، الاية:77.

(2)

سورة آل عمران، الاية:77.

ص: 364

حلفه غير الحاكم اعتبر نية الحالف ونفعته التورية وإن كانت حراما حيث يبطل بها حق المستحق واليمين يقطع الخصومة حالا لا الحق فلا تبرأ ذمته إن كان كاذبا فلو حلفه ثم أقام بينة بما ادعاه حكم بها كما لو أقر الخصم بعد حلفه والنكول أن يقول أنا ناكل أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف.

واليمين المردودة وهي يمين المدعي بعد النكول كإقرار المدعى عليه لا كالبينة فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء لم تسمع لتكذيبه لها بإقراره وقال الشيخان في محل تسمع وصحح الاسنوي الاول والبلقيني الثاني وقال شيخنا والمتحه الاول.

فرع: يتخير في كفارة اليمين بين عتق رقبة كاملة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل أو الكسب ولو نحو

ــ

التحفة.

(وقوله: ابتداء) أي من غير أن يطلب منه أحد الحلف.

(وقوله: أو حلفه غير الحاكم) أي كالمدعي.

(قوله: اعتبر نية الحالف) أي اعتمدت نيته فيعمل بها.

(قوله: ونفعته التورية) أي فيتخلص بيمينه الموري فيها من استمرار الخصومة.

(قوله: وإن كانت) أي التورية حراما.

(وقوله: حيث الخ) قيد في الحرمة.

(قوله: واليمين يقطع الخصومة الخ) أي يفيد قطع ذلك: أي قطع المطالبة بالحق.

(وقوله: لا الحق) أي لا يقطع الحق: أي لا يفيد قطع الحق المدعى

به، وذلك للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم: أمر حالفا بالخروج من حق صاحبه.

أي كأنه علم كذبه - كما رواه الإمام أحمد.

(قوله: فلا تبرأ إلخ) مفرع على قوله إلا الحق.

(وقوله: إن كان) أي الحالف كاذبا.

(قوله: فلو حلفه) أي حلف الحاكم المدعى عليه عند عدم البينة.

(قوله: ثم أقام) أي ثم بعد حلفه أقام المدعى بينة: أي أو شاهدا واحدا ليحلف معه.

(قوله: حكم بها) أي بالبينة، ولغت يمين المدعى عليه لما علمت أنها لا تفيد البراءة من حق، وإنما تفيد قطع الخصومة فقط.

(قوله: كما لو أقر الخصم) أي بالحق للمدعي، فإنه يثبت بإقراره.

(وقوله: بعد حلفه) أي بعدم الحق في ذمته مثلا.

(قوله: والنكول إلخ) لا يخفى أنه غير مرتبط بما قبله، فكان الصواب أن يؤخره عنه قوله: بعد النكول إلخ.

وعبارة المنهاج: وإذا نكل حلف المدعي وقضى له، ولا يقضي له بنكوله، والنكول أن يقول أنا ناكل، أو يقول له القاضي إحلف فيقول لا أحلف.

اه.

(قوله: واليمين) مبتدأ خبره قوله كإقرار الخ.

(وقوله: المردودة) أي من المدعى عليه، أو القاضي على المدعي.

(قوله: وهي) أي اليمين المردودة.

(وقوله: بعد النكول) أي نكول المدعى عليه من اليمين.

(قوله: كإقرار المدعى عليه) ينبني على ذلك أنه لا يحتاج لحكم حاكم بعدها بالحق، ولا تسمع بعدها دعوى بمسقط كأداء أو إبراء، لان الإقرار من المدعى عليه لا يفتقر إلى حكم حاكم، ولا يقبل الرجوع عنه، بخلاف ما لو جعلت كالبينة فإنه يحتاج لذلك لاحتمال التزوير.

وتسمع الدعوى بما ذكر لعدم إقرار المدعى عليه.

اه ش ق.

(قوله: فلو أقام المدعى عليه) هو بصيغة اسم المفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور.

(وقوله: بعدها) أي اليمين المردودة.

(وقوله: بينة) مفعول أقام.

(وقوله: بأداء أو إبراء) أي أو نحوهما من المسقطات.

(وقوله: لم تسمع) أي البينة.

(وقوله: لتكذيبه) أي المدعى عليه، والإضافة من إضافة المصدر لفاعله.

(وقوله: لها) أي للبينة، والاولى إياها، لان المصدر متعد بنفسه.

(وقوله: بإقراره) أي التنزيل لأنه لم يحصل إقرار بالفعل، وإنما حلف المدعي بعد النكول وهو كالاقرار.

(قوله: وقال الشيخان في محل) أي في موضع آخر من كتبهما غير ما ذكراه هنا: أي في باب الدعوى.

(قوله: وصحح الاسنوي الأول) أي عدم السماع.

(قوله: والبلقيني الثاني) أي وصحح البلقيني الثاني، أي السماع.

(قوله: وقال شيخنا إلخ) عبارة التحفة: وصحح الاسنوي الاول، والبلقيني الثاني وبسط الكلام عليه، وتبعه الزركشي فصوبه لانه إقرار تقديري لا تحقيقي فلا تكذيب فيه.

واعترض بأن ظاهر كلام الشيخين تفريع السماع على الضعيف أنها كالبينة: وهو متجه، فالمعتمد ما في المتن إلخ.

اه.

(وقوله: وهو) أي الاعتراض متجه.

(وقوله: فالمعتمد ما في المتن) أي من عدم سماعها.

(قوله: فرع) أي في بيان صفة كفارة اليمين واختصت من بين الكفارات بأنها مخيرة ابتداء مرتبة إنتهاء.

ومعنى كونها مخيرة ابتداء أنه يخبر المكفر فيها بين الاعتاق والاطعام والكسوة في ابتدائها، كما قال المؤلف: يتخير في كفارة

ص: 365

غائب علمت حياته.

أو إطعام عشرة مساكين كل مسكين مد حب من غالب قوت البلد.

أو كسوتهم بما يسمى كسوة

ــ

اليمين بين الخ، ومعنى كونها مرتبة انتهاء أنه لا ينتقل إلى الخصلة الرابعة التي هي الصوم إلا إذا عجز عن الخصال الثلاثة كما قال، فان عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام، والراجح في سبب وجوبها عند الجمهور اليمين والحنث معا، وللمكفر في غير صوم تقديمها على أحد سببيها كالزكاة، وليس له ذلك في الصوم لأنه عبادة بدنية، وهي لا تقدم على وقت وجوبها بلا حاجة، بخلاف ما إذا كان ب حاجة كما في الجمع بين الصلاتين تقديما.

(قوله: يتخير) أي المكفر، ويشترط فيه أن يكون حرا رشيدا، فإن كان رقيقا ولو مكاتبا فلا يتخير بين الثلاثة المذكورة، بل عليه الصوم فقط، لأنه لا يملك، أو يملك ملكا ضعيفا.

فلو كفر عنه سيده بغير إذنه لم يجز، وكذا بالصوم أيضا، ويجزئ بعد موته بالاطعام والكسوة لانه لا رق بعد الموت: وله في المكاتب أن يكفر عنه بهما بإذنه، كما أن للمكاتب أن يكفر بهما بإذن سيده.

وإن كان سفيها أو مفلسا فليس له التكفير إلا بالصوم.

والكافر يخير بين الثلاثة ولا ينتقل عنها إلى الصوم إلا إذا عجز عنها.

وحينئذ يستقر الصوم في ذمته، ولا يصوم بالفعل إلا إذا أسلم.

فلو أيسر بعد ذلك لم يلزمه الرجوع إلى غير الصوم من الخصال الثلاث.

(قوله: في كفارة اليمين) قد نظمها ابن رسلان في زبده بقوله: كفارة اليمين عتق رقبة مؤمنة سليمة من معيبه أو عشرة تمسكنوا قد أدى من غالب الاقوات مدا مدا أو كسوة بما يسمى كسوه ثوبا قباء أو ردا أو فروة وعاجز صام ثلاثا كالرقيق والافضل الولاء وجاز التفريق (قوله: بين عتق رقبة) هو عندنا أفضل من الاطعام ولو في زمن الغلاء، والمراد بالعتق الاعتاق، ولو عبر به لكان أولى ليخرج ما لو اشترى من يعتق عليه بقصد العتق عن الكفارة كأصله وفرعه، فإنه لا يجزئه عنها لانه مستحق العتق بجهة القرابة، فلا ينصرف عنها إلى الكفارة.

وعلم من ذلك أنه يشترط أن لا تكون الرقبة مستحقة للعتق بجهة أخرى غير الكفارة فتخرج أم الولد، فلا يجوز إعتاقها عن الكفارة لانها مستحقة للعتق بجهة أخرى.

(وقوله: كاملة) أي فلا يجزئ عتق نصف رقبة وإطعام خمسة أو كسوتهم، وكذلك لا يجزئ إطعام خمسة وكسوة خمسة.

(وقوله: مؤمنة) أي قبل

العتق فلا تجزئ الكفارة ولا المؤمنة مع العتق.

والمراد بالايمان فيها الاسلام، إذ المدار في إجراء الاحكام إنما هو الاسلام، وأما الايمان بمعنى التصديق فأمر باطني لا اطلاع لنا عليه.

(قوله: بلا عيب الخ) أي ويشترط أن تكون سليمة من العيوب، لأن المقصود من العتق تكميل حال الرقيق ليترفع لوظائف الاحرار، ولا يتفرغ لها إلا أن استقل بكفاية نفسه، وإلا صار كلا، أي ثقلا على نفسه وعلى غيره، ولا يستقل بكفاية نفسه إلا السليم ولو بحسب الاصل، والظاهر، فيجزئ صغير ولو ابن يوم، لان الاصل والظاهر من حاله السلامة، ومريض يرجى برؤه، فإن لم يبرأ تبين عدم الاجزاء على الاصح.

ولا يجزئ زمن، ولا هرم عاجز، ولا فاقد رجل أو خنصر وبنصر من يد، أو فاقد أنملتين من غيرهما، ولا فاقد أنملة إبهام لتعطل منفعة اليد بذلك، بخلاف فاقد أنملة غير إبهام، أو أنملتين من الخنصر أو البنصر.

وأما من كل منهما فيضر، ويجزئ مقطوع الخنصر من يد والبنصر من يد أخرى.

(قوله: يخل بالعمل) أي يضر بالعمل إضرارا بينا لكونه عظيما بخلاف غير البين لكونه يسيرا، فيجزئ فاقد الانف، أو الاذنين، أو أصابع الرجلين، بخلاف فاقد أصابع اليدين.

ويجزئ الاخرس إذا كان له إشارة مفهمة، وفهم إشارة غيره، والاصم وهو فاقد السمع، والاعور الذي لم يضعف عورة بصر عينه السليمة، والاعرج الذي يمكنه تتابع المشي بأن يكون عرجه يسيرا، والاقرع وهو الذي لا نبات برأسه.

(وقوله: أو الكسب) أو بمعنى الواو، والعطف للتفسير أو مرادف.

(قوله: ولو نحو غائب) أي ولو كانت الرقبة غائبة، أو نحوها كمرهونة ومغصوبة فإنه يجزئ إعتاقها.

(وقوله: علمت حياته) أي نحو الغائب ولو بعد الاعتاق.

(قوله: أو إطعام) الأولى التعبير بالواو، لان مدخولها معطوف على مدخول بين وهي لا تدخل إلا على متعدد، والمراد بالاطعام التمليك،

ص: 366

كقميص أو إزار أو مقنعة أو منديل يحمل في اليد أو الكم لا خف فإن عجز عن الثلاثة لزمه صوم ثلاثة أيام ولا يجب تتابعها خلافا لكثيرين.

ــ

وإنما عبر به اقتداء بالآية الشريفة وهي: * (فكفارته إطعام عشرة مساكين) * الآية، فلا يكفي أن يصنع لهم طعاما يغديهم به أو يعشيهم.

(وقوله: عشرة مساكين) لو ملكهم جملة الامداد كفى، كما لو ملكهم عشرة أثواب جملة فإنه يكفي، بخلاف ما لو ملكهم ثوبا كبيرا يكفي العشرة، فلا يكفي وإن اقتسموه بعد ذلك، نعم لو قطعه عشرة قطع وأعطاه لهم كفى بشرط أن تسمى كل قطعة كسوة.

(قوله: كل مسكين مد) أي كل مسكين يعطى مدا، فلا يكفي دون مد لواحد منهم.

ولو أعطى العشرة أمداد لاحد عشر مسكينا لم يكف، لأن كل واحد أخذ دون مد.

(وقوله: حب) ليس بقيد، بل الضابط أن يكون من جنس الفطرة بأن يكون من غالب قوت البلد من الاقوات المفصلة هناك.

(وقوله: من غالب قوت البلد) أي بلد المكفر إن كفر عن نفسه، فإن كفر عنه غيره فالعبرة بغالب قوت بلد المكفر عنه.

(قوله: أو كسوتهم) يقال فيه ما تقدم،

والضمير يعود على العشرة مساكين، والمراد يدفع المكفر لكل واحد منهم ما يطلق عليه كسوة، وقد علمت أنه يجزئ أن يدفع للعشرة مساكين عشرة أثواب جملة، ثم يقتسموها بينهم، بخلاف ما لو دفع ثوبا كبيرا وإن اقتسموه بعد ذلك، إلا إن قطعه عشرة قطع بالشرط المتقدم.

(وقوله: بما يسمى كسوة) أي بشئ يسمى كسوة مما يعتاد لبسه.

(وقوله: كقميص) لا يشترط فيه أن يكون صالحا للمدفوع إليه، فيجزئ أن يدفع للرجل ثوب صغير، أو ثوب امرأة، ولا يشترط كونه جديدا.

فيجوز دفعه ملبوسا لم تذهب قوته ولو كان مغسولا أو متنجسا، لكن يجب عليه أن يعلمهم بنجاسته، بخلاف نجس العين فلا يجزئ، وبخلاف ما ذهبت قوته وهو الثوب البالي فلا يجزئ لضعف النفع به.

(قوله: أو إزار) أو رداء أو عمامة، وإن قلت كذراع.

(قوله: لا خف) أي ونحوه من كل ما لا يسمى كسوة كقفازين ومنطقة - وهي ما يشد به الوسط - وخاتم وتكة وتبان: وهو سروال صغير بقدر شبر لا يبلغ الركبة بل يغطي السوأتين كما يلبسه الملاحون، ودرع من نحو حديد، ونعل وجورب وقلنسوة - وهي ما يغطى بها الرأس - وعرقية - وهي الطاقية المعروفة.

وقول شيخ الإسلام في شرح منهجه بأجزائها، محمول على أن المراد بها شئ آخر كالعراقة التي تجعل تحت البرذعة أو السرج، وهذا الحمل وإن كان بعيدا أولى من إبقائه على ظاهره المخالف لكلام الاصحاب.

ومما يبعد هذا الحمل المذكور كون العراقة المذكورة لا تسمى كسوة للآدميين بل للدواب وقد قال تعالى: * (أو كسوتهم) * ولم يقل أو كسوة دوابهم.

(قوله: فإن عجز عن الثلاثة) أي عن كل واحد من الثلاثة، والمراد بالعجز ما يشمل الحسي، كأن لم يجد شيئا من الثلاثة رأسا، والشرعي بأن وجد ذلك ولكن لم يملك ثمنه، أو ملكه ولكن يحتاج إليه لمؤنة نفسه أو ممونه، وليس من العجز الشرعي وجود شئ من الثلاثة بأكثر من ثمن مثله كما في التيمم، بل يصبر إلى أن يجده بثمن مثله، وكذلك ليس منه ما لو غاب ماله إلى مسافة القصر فيصير إلى أن يحضر ماله ويكفر به.

(قوله: لزمه صوم ثلاثة أيام) أي بنية الكفارة، ويشترط تبييتها.

(قوله: ولا يجب تتابعها) أي لاطلاق الآية وهي: * (فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) *.

(قوله: خلافا لكثيرين) أي قالوا بوجوب التتابع، واحتجوا بذلك بقراءة ابن مسعود ثلاثة أيام متتابعات، والقرائة الشاذة كخبر الواحد في وجوب العمل بها، ولذلك أوجبوا قطع يد السارق اليمنى في السرقة الاولى بقراءة: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما) * مع كونها قرائة شاذة، وأجاب الاولون بأن قراءة متتابعات نسخت تلاوة وحكما فلا يستدل بها، بخلاف آية السرقة فإنها نسخت تلاوة لا حكما، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(1) سورة المائدة، الاية:89.

(2)

سورة المائدة، الاية:89.

(3)

سورة البقرة، الاية:196.

(4)

سورة المائدة، الاية:38.

ص: 367