المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌باب القضاء بالمد: أي الحكم بين الناس. والاصل فيه قبل الاجماع - إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين - جـ ٤

[البكري الدمياطي]

الفصل: ‌ ‌باب القضاء بالمد: أي الحكم بين الناس. والاصل فيه قبل الاجماع

‌باب القضاء

بالمد: أي الحكم بين الناس.

والاصل فيه قبل الاجماع قوله تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * وقوله: * (فاحكم بينهم بالقسط) * وأخبار كخبر الصحيحين: إذا حكم حاكم - أي أراد الحكم - فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر.

وفي رواية بدل الاولى: فله عشرة أجور قال في شرح مسلم: أجمع المسلمون على أن هذا في حاكم عالم مجتهد.

أما غيره فآثم بجميع أحكامه،

وإن وافق الصواب لان إصابته إتفاقية.

وصح خبر: القضاة ثلاثة: قاض في الجنة، وقاضيان في النار وفسر

ــ

باب القضاء

أي في بيان أحكام القضاء: من كونه فرض كفاية، أو فرض عين، أو مندوبا، أو مكروها، أو حراما.

وما يتعلق بذلك من شروط القاضي.

وإنما أخر إلى هنا لأنه لا يجري في جميع ما قبله.

من معاملات وغيرها.

(قوله: أي الحكم بين الناس) أي المترتب على الولاية، وهذا معنى القضاء شرعا: أما لغة: فهو إحكام الشئ بكسر الهمزة: أي إتقانه وإمضاؤه، أي تنفيذه، وله معنى أيضا عند المتكلمين وهو إيجاد الله الاشياء مع زيادة الاحكام والاتقان عند الماتريدية منهم، أو إرادة الله الاشياء في الازل على ما هي عليه فيما لا يزال عند الاشاعرة منهم.

(قوله: والأصل فيه) أي والدليل عليه قبل الإجماع.

(قوله: قوله تعالى) أي وقوله تعالى: * (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس) *.

(قوله: وأن احكم بينهم) أي اقض بينهم.

(قوله: وأخبار) أي والأصل فيه أخبار.

(قوله: وفي رواية بدل الأولى) أي قوله فله أجران.

(وقوله: فله عشرة أجور) لا ينافي هذا الرواية الاولى لان الإخبار بالقليل لا ينفي الكثير، ولجواز أنه أعلم أولا بالاجرين فأخبر بهما، ثم بالعشرة فأخبر بها.

(قوله: أجمع المسلمون على أن هذا) أي ما في خبر الصحيحين من كون المصيب له أجران، أو عشرة أجور، والمخطئ له أجر واحد.

(قوله: في حاكم الخ) أي مفروض في حاكم عالم مجتهد.

(قوله: أما غيره) أي أما حاكم غير العالم المجتهد.

(قوله: فآثم بجميع أحكامه) أي لأنه لا يجوز له الحكم حينئذ.

(قوله: وإن وافق الصواب) غاية في إثمه بذلك.

قال في التحفة بعد الغاية: وأحكامه كلها مردودة لان إصابته اتفاقية.

اه.

وعبارة المغني مثلها ونصها: ولا ينفذ حكمه سواء وافق الحق أم لا، لأن إصابته اتفاقية ليست عن أصل شرعي.

اه.

وإذا علمت ما ذكر تعلم أن في عبارته سقطا من النساخ، وهو المعلل بالعلة التي ذكرها: أعني لان إصابته إتفاقية.

وقوله في التحفة وأحكامه كلها مردودة: محله كما سيأتي، وكما في الرشيدي.

ما لم يولد ذو شوكة، وإلا فلا تكون مردودة.

(قوله: وصح خبر القضاة ثلاثة الخ).

يحكى أنه كانت القضاة في بني إسرائيل ثلاثة، فمات أحدهم، فولي مكانه غيره، ثم قضوا ما شاء الله أن يقضوا، ثم بعث الله لهم ملكا يمتحنهم، فوجد رجلا يسقي بقرة على ماء، وخلفها عجلة، فدعاها الملك وهو راكب فرسا، فتبعتها العجلة فتخاصما، فقالا: بيننا القاضي، فجاءا إلى القاضي الاول فدفع إليه الملك درة كانت معه، وقال له احكم

(1) سورة المائدة، الاية:49.

(2)

سورة المائدة، الاية:42.

(3)

سورة النساء، الاية:105.

ص: 239

الاول بأنه عرف الحق وقضى به، والاخيران بمن عرف وجار في الحكم ومن قضى على جهل.

وما جاء في التحذير عنه كخبر: من جعل قاضيا فقد ذبح بغير سكين محمول على عظم الخطر فيه، أو على من يكره له القضاء، أو يحرم (هو) أي قبوله من متعددين صالحين له (فرض كفاية) في الناحية بل أسنى فروض الكفايات

ــ

بأن العجلة لي.

قال بماذا أحكم؟ قال: أرسل الفرس والبقرة والعجلة، فإن تبعت الفرس فهي لي.

فأرسلها فتبعت الفرس فحكم بها له، وأتبا القاضي الثاني فحكم كذلك، وأخذ درة.

وأما القاضي الثالث فدفع له الملك درة وقال له: احكم بيننا.

فقال له: إني حائض.

فقال الملك: سبحان الله: أيحيض الذكر؟ فقال له القاضي: سبحان الله أتلد الفرس بقرة؟ وحكم بها لصاحبها.

اه.

فشني على الاربعين.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من ولي قضاء المسلمين ثم غلب عدله جوره فله الجنة، وإن غلب جوره عدله فله النار أخرجه أبو داود.

وقال عليه السلام: عج حجر إلى الله تعالى وقال: إلهي وسيدي عبدتك كذا وكذا سنة ثم جعلتني في أس كنيف، فقال أما ترضى إن عدلت بك عن مجالس القضاة؟ رواه ابن عساكر.

ولذلك امتنع الاكابر من قبول القضاء لما عرض عليهم: كابن عمر رضي الله عنهما، فإنه امتنع منه لما سأله عثمان رضي الله عنه القضاء، وعرض على الحسين بن منصور النيسابوري قضاء نيسابور، فاختفى ثلاثة أيام، ودعا الله فمات في اليوم الثالث، وامتنع منه الإمام الشافعي رضي الله عنه لما استدعاه المأمون لقضاء الشرق والغرب، وامتنع منه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه لما استدعاه المنصور فحبسه وضربه.

وحكى القاضي الطبري وغيره أن الوزير ابن الفرات طلب أبا علي بن خيران لتولية القضاء، فهرب منه، فختم على دوره نحوا من عشرين كما قيل فيه: وطينوا الباب على أبي علي عشرين يوما ليلي فما ولي وقال بعض القضاة: وليت القضاء وليت القضالم يك شيئا توليته فأوقعني في القضاء القضاوما كنت قدما تمنيته وقال آخر: فيا ليتني لم أكن قاضياويا ليتها كانت القاضية (قوله: وفسر الاول) أي فسر النبي صلى الله عليه وسلم الاول، فالمفسر هو النبي، كما تدل عليه عبارة الخطيب ونصها: وقد روى

الاربعة والبيهقي والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاض في الجنة.

فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق وقضى به، واللذان في النار: رجل عرف الحق فجار في الحكم، ورجل قضى للناس على جهل.

(قوله: والاخيران) بكسر الخاء: أي وفسر الاخيران: أي فسرهما النبي صلى الله عليه وسلم - كما علمت -.

(قوله: وما جاء في التحذير عنه) أي وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير عن القضاء.

(قوله: فقد ذبح بغير سكين) هو كناية عن هلاكه بسبب القضاء.

(قوله: محمول) خبر ما جاء الخ.

(وقوله: على عظم الخطر فيه) أي في القضاء: أي فينبغي ترك الدخول فيه.

(قوله: أو على من يكره له القضاء) فيه أن الكراهة لا توجب هذا الوعيد الشديد.

اه.

بجيرمي.

وفي المغني ما نصه: وورد من الترغيب والتحذير أحاديث كثيرة، ولا شك أنه - أي القضاء - منصب عظيم إذا قام العبد بحقه، ولكنه خطر والسلامة فيه بعيدة، إلا إن عصمه الله تعالى.

وقد كتب سلمان الفارسي إلى أبي الدرداء رضي الله تعالى عنهما لما كان قاضيا ببيت المقدس: أن الارض لا تقدس أحدا، وإنما يقدس المرء عمله، وقد بلغني أنك جعلت طبيبا تداوي، فإن كنت تبرئ فنعما لك، وإن كنت مطببا فاحذر أن تقتل أحدا فتدخل النار.

فما بالك بمن ليس بطبيب ولا مطبب؟.

اه.

(قوله: وهو) مبتدأ خبره فرض كفاية.

(قوله: أي قبول الخ) تفسير للضمير الواقع مبتدأ.

(وقوله: من متعددين صالحين له) أي

ص: 240

حتى قال الغزالي: أنه أفضل من الجهاد، فإن امتنع الصالحون له منه أثموا.

أما تولية الامام أو نائبه لاحدهم في إقليم ففرض عين عليه، ثم على ذي شوكة.

ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض.

فرع: لا بد من تولية من الامام أو مأذونه ولو لمن تعين للقضاء، فإن فقد الامام فتولية أهل الحل والعقد في البلد أو بعضهم مع رضا الباقين ولو ولاه أهل جانب من البلد صح فيه دون الآخر.

ومن صريح التولية وليتك

ــ

القضاء.

(قوله: فرض كفاية) أما كونه فرضا فلقوله تعالى: * (كونوا قوامين بالقسط) *.

وأما كونه على الكفاية، فلانه أمر بمعروف أو نهي عن منكر.

وهما على الكفاية.

وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن قاضيا، فقال: يا رسول الله بعثتني أقضي بينهم وأنا شاب لا أدري ما القضاء؟ فضرب النبي صلى الله عليه وسلم صدره وقال: اللهم اهده وثبت لسانه.

قال: فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما شككت في قضاء بين اثنين.

واستخلف النبي صلى الله عليه وسلم عتاب بن أسيد على مكة واليا وقاضيا، وقلد معاذا قضاء اليمن، وبعث عمر رضي الله عنه أبا موسى الأشعري إلى البصرة، فلو كان القضاء فرض عين لم يكف واحد.

أفاده في المغني.

(قوله: في الناحية) هي مسافة العدوى دون ما زاد.

(قوله: بل أسنى الخ) أي بل القضاء أسنى: أي أفضل فروض الكفايات، وذلك للاجماع مع الاضطرار إليه، لان طباع البشر مجبولة على التظالم، وقل من ينصف من نفسه.

والامام الاعظم مشتغل بما هو أهم منه، فوجب من يقوم به، وكان أسنى فروض الكفاية.

(قوله: فإن امتنع الصالحون له) أي للقضاء.

(وقوله: منه) متعلق بامتنع، فالضمير يعود على القضاء أيضا.

(وقوله: أثموا) أي وأجبر الامام أحدهم.

(قوله: أما تولية الخ) مقابل قوله هو: أي قبوله.

وعبارة المغني: وخرج بقبول التولية إيقاعها للقاضي من

الامام فإنها فرض عين عليه.

اه.

(قوله: في إقليم) أي كالهند وجاوى والحجاز.

(قوله: ففرض عين عليه) أي على الامام، ويتعين على قاضي الاقليم أن يولي تحته فيما عجز عنه.

(قوله: ثم على ذي شوكة) أي ثم هو فرض عين على ذي شوكة إن لم يوجود الإمام.

(قوله: ولا يجوز إخلاء الخ) والمخاطب بذلك الامام أو من فوض إليه الامام الاستخلاف: كقاضي الاقليم.

(وقوله: مسافة العدوى) هي التي خرج منها بكرة - أي من طلوع الفجر - لبلد الحاكم رجع إليها يومه بعد فراغ زمن المخاصمة المعتدلة من دعوى وجواب وإقامة بينة حاضرة وتعديلها.

والعبرة بسير الاثقال لانه منضبط.

(وقوله: عن قاض) أي أو خليفته.

(قوله: فرع لا بد من تولية من الإمام أو مأذونه إلخ) فيه أن هذا عين قوله أولا أما تولية الإمام أو نائبه ففرض عين الخ، فكان الاسبك والأخصر أن يقول بعد قوله ثم على ذي شوكة، ثم على أهل الحل والعقد الخ.

وبعد قوله معارضا للباقين يأتي بقوله أولا، ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض، ثم يأتي بقوله ومن صريح التولية الخ.

واعلم أنه يشترط في التولية أن تكون للصالح للقضاء، فإن لم يكن صالحا له لم تصح توليته، ويأثم المولي - بكسر اللام - والمولى - بفتحها - ولا ينفذ حكمه، وإن أصاب فيه إلا للضرورة، بأن ولي سلطان ذو شوكة مسلما فاسقا، فينفذ قضاؤه للضرورة لئلا تتعطل مصالح الناس - كما سيذكره - روى البيهقي والحاكم: من استعمل عاملا على المسلمين، وهو يعلم أن غيره أفضل منه - وفي رواية رجلا على عصابة، وفي تلك العصابة من هو أرضى لله منه - فقد خان الله ورسوله والمؤمنين.

(قوله: فإن فقد الامام فتولية) يقرأ بالجر: أي فلا بد من تولية.

(وقوله: أهل الحل والعقد) أي حل الامور وعقدها من العلماء ووجوه الناس المتيسر اجتماعهم.

(قوله: أو بعضهم) أي بعض أهل الحل والعقد، ولو كان واحدا لكن مع رضا الباقين.

(قوله: ولو ولاه) أي الصالح للقضاء.

(وقوله: أهل جانب من البلد) أي من أهل الحل والعقد.

(قوله: صح) أي ما ذكر من التولية، ولو قال صحت بتاء التأنيث لكان أولى.

(وقوله: فيه) أي في ذلك الجانب.

(وقوله: دون

(1) سورة النساء، الاية:135.

حاشية إعانة الطالبين ج 4 م 16

ص: 241

أو قلدتك القضاء.

ومن كفايتها عولت واعتمدت عليك فيه.

ويشترط القبول لفظا وكذا فورا في الحاضر.

وعند بلوغ الخبر في غيره.

وقال جمع محققون: الشرط عدم الرد ومن تعين في ناحية لزمه قبوله وكذا طلبه ولو ببذل مال وإن خاف من نفسه الميل فإن لم يتعين فيها كره للمفضول القبول والطلب إن لم يمتنع الافضل، ويحرم طلبه بعزل صالح له ولو مفضولا (وشرط قاض كونه أهلا للشهادات) كلها بأن يكون مسلما مكلفا حرا ذكرا

ــ

الآخر) أي دون الجانب الآخر من البلد، فلا تصح التولية بالنسبة إليه، لكن محله إن لم يرض به أهله إلا صحت.

(قوله:

ومن صريح التولية إلخ) مرتبط بمحذوف، أي ويشترط في صحة التولية الصيغة من إيجاب وقبول، ومن صريح التولية أي إيجابا بتوليتك، أو قلدتك القضاء.

(قوله: ومن كنايتها) أي التولية.

(قوله: عليك فيه) متعلقان بكل من عولت واعتمدت.

(قوله: ويشترط القبول) أي من المولى بفتح اللام.

(وقوله: لفظا) أي بأن يقول قبلت ذلك أو توليته.

(قوله: وكذا فورا إلخ) أي وكذا يشترط أن يكون فورا فيما إذا كان المولى - بفتح اللام - حاضرا.

(قوله: وعند بلوغ الخبر في غيره) أي ويشترط أن يكون القبول عند بلوغ خبر التولية بكتاب أو برسول فيما إذا كان غير حاضر.

(قوله: وقال جمع محققون الخ) معتمد.

قال سم: لا يعتبر القبول لفظا، بل يكفي فيه الشروع بالفعل كالوكيل - كما أفتى بذلك شيخنا الشهاب الرملي - نعم: يرتد بالرد.

اه.

(قوله: ومن تعين في ناحية) أي للقضاء بأن لم يوجد في ناحيته أي بلده، ومن على دون مسافة العدوى صالح له غيره.

(قوله: لزمه قبوله) أي القضاء للحاجة إليه.

(قوله: وكذا طلبه) أي وكذا يلزمه طلبه القضاء إن تعين له.

وفي المغني ما نصه: تنبيه: محل وجوب الطلب إذا ظن الاجابة - كما بحثه الأذرعي - فإن تحقق أو غلب على ظنه عدمها لما علم من فساد الزمان وأئمته لم يلزمه، فإن عرض عليه لزمه القبول، فإن امتنع عصى، وللامام إجباره على الأصح، لأن الناس مضطرون إلى علمه ونظره، فأشبه صاحب الطعام إذا منعه المضطر، فإن قيل إنه بامتناعه حينئذ يصير فاسقا، ويحمل قولهم يجبر على أنه يؤمر بالتوبة أولا، فإذا تاب أجبر: أجيب بأنه لا يفسق بذلك، لانه لا يمتنع غالبا إلا متأولا للتحذيرات الواردة في الباب، واستشعاره من نفسه العجز، وعدم اعتماده على نفسه الامارة بالسوء، وكيف يفسق من امتنع متأولا تأويلا سائغا أداه اجتهاده إليه؟ وأن المنجي له من عذاب الله وسخطه له، عدم التلبس بهذا الأمر.

اه.

(قوله: ولو ببذل مال) أي إن قدر عليه فاضلا عما يعتبر في الفطرة.

(قوله: وإن خاف من نفسه الميل) أي يلزمه القبول والطلب وإن خاف من نفسه الجور والظلم، وإذا تولاه احترز عنه كسائر فروض الاعيان.

(قوله: فإن لم يتعين فيها) أي في ناحيته بأن وجد من يصلح له غيره.

(قوله: كره للمفضول القبول والطلب) وذلك لما روي، عن عبد الرحمن بن سمرة أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسأل الامارة.

ومحل كراهة ما ذكر حيث لم يتميز المفضول بكونه أطوع في الناس، أو أقرب إلى القلوب، أو أقوى في القيام في الحق، أو ألزم لمجلس الحكم، وإلا جاز له القبول والطلب من غير كراهة.

(قوله: إن لم يمتنع الافضل) فإن امتنع فهو كالمعدوم، ولا يكره للمفضول ذلك.

(قوله: ويحرم طلبه) أي القضاء، قال في الروض وشرحه: وإن كان هناك قاض، فإن كان غير مستحق للقضاء فكالمعدوم، وإن كان مستحقا له، فطلب عزله، حرام وإن

كان مفضولا، فإن فعل - أي عزل وولى غيره - نفذ للضرورة: أي عندها وأما عند تمهد الاصول الشرعية فلا ينفذ، صرح به الأصل فيما إذا بذل مال لذلك، والظاهر أنه بدونه كذلك.

اه.

(قوله: بعزل صالح له) أي للقضاء، فإن كان غير صالح له فلا يحرم طلبه بعزله، بل يسن ولو ببذل المال.

واعلم أن الذي تحصل من كلامه أن قبول القضاء تعتريه الاحكام الخمس - ما عدا الإباحة - فيجب إذا تعين في الناحية، ويندب إن لم يتعين، وكان أفضل من غير، ويكره إن كان مفضولا ولم يمتنع الافضل، ويحرم بعزل صالح ولو مفضولا.

(قوله: وشرط قاض) هو مفرد مضاف فيعم (قوله: كونه أهلا الخ) فيه إحالة على مجهول، إلا أن يقال إتكل في ذلك على شهرته.

(وقوله: للشهادات كلها) أي لسائر أنواعها، إذ هي تتنوع بحسب المشهود به إلى سبعة أنواع، كما

ص: 242

عدلا سميعا ولو بالصياح بصيرا، فلا يولي من ليس كذلك ولا أعمى وهو من يرى الشبح ولا يميز الصورة وإن قربت - بخلاف من يميزها إذا قربت بحيث يعرفها ولو بتكلف ومزيد تأمل، وإن عجز عن قراءة المكتوب.

واختير صحة ولاية الاعمى (كافيا) للقيام بمنصب القضاء، فلا يولى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض (مجتهدا) فلا يصح تولية جاهل ومقلد وإن حفظ مذهب إمامه لعجزه عن إدراك غوامضه.

والمجتهد من يعرف بأحكام

ــ

سيأتي بيانيا في بابها.

(قوله: بأن يكون مسلما) قال الماوردي: وما جرت به عادة الولاة من نصب رجل من أهل الذمة فتقليد رياسة وزعامة: أي سيادة لا تقليد حكم وقضاء.

اه.

(قوله: مكلفا) أي بالغا عاقلا.

(قوله: حرا) أي كله.

(قوله: ذكرا) أي يقينا.

(قوله: عدلا) العدالة لغة التوسط، وشرعا ملكة في النفس، تمنع من اقتراف الكبائر والرذائل المباحة - كما تقدم.

(قوله: سميعا) إنما اشترط السمع فيه، لان الاصم لا يفرق بين إقرار، وإنكار، وإنشاء، وإخبار.

(وقوله: ولو بالصياح) غاية في كونه سميعا: أي ولو كان لا يسمع إلا بالصياح في أذنيه فإنه يكفي ولا يضر إلا الصمم الشديد، بحيث لا يسمع أصلا.

(قوله: بصيرا) أي ولو بإحدى عينيه، ولو كان يبصر نهارا فقط دون من يبصر ليلا فقط.

قاله الاذرعي.

وخالفه الرملي ومن تبعه فيمن يبصر ليلا فقط، فقال يكفي كونه يبصر ليلا فقط، كما يكفي كونه يبصر نهارا فقط.

فائدة: البصر قوة في العين تدرك به المحسوسات، كما أن البصيرة قوة في القلب تدرك بها المعقولات، فالبصيرة للقلب بمنزلة البصر للعين.

(قوله: فلا يولى من ليس كذلك) أي من ليس مستكملا للشروط المذكورة، بأن يكون كافرا، أو صبيا، أو مجنونا أطبق جنونه أولا، أو رقيقا كله أو بعضه، أو أنثى، أو خنثى، أو فاسقا، أو أصم، أو أعمى، فلا يصح توليتهم لنقصهم.

(قوله: ولا أعمى) فيه أنه مندرج في قوله من ليس كذلك فلاي شئ أفرده.

(قوله: وهو من يرى إلخ) عبارة التحفة: فلا يولى أعمى ومن يرى الشبح الخ.

اه.

فلعل لفظة هو: زائدة من النساخ.

(قوله: الشبح) أي الجسم.

(وقوله: ولا يميز الصورة) أي ولا يميز صورة ذلك الشبح، هل هي صورة زيد أو عمرو، أو غير ذلك؟ (قوله: وإن

قربت) أي لا يميزها مطلقا مع القرب ومع البعد.

(قوله: بخلاف من يميزها إذا قربت) أي الصورة فإنه يصح توليته.

(قوله: بحيث يعرفها) تصوير لتمييزه إياها.

والمراد بحيث يعرف أنها صورة زيد مثلا.

(قوله: ولو بتكلف إلخ) أي ولو كانت معرفتها بتكلف ومزيد تأمل، فإنه يصح توليته.

(قوله: وإن عجز عن قراءة المكتوب) أي فإنه يصح توليته.

(قوله: واختير صحة ولاية الاعمى) أي واختار بعضهم صحة ولاية الاعمى مستدلا بأنه صلى الله عليه وسلم: استخلف ابن أم مكتوم على الصلاة وغيرها من أمور المدينة رواه الطبراني.

وأجاب المانعون ولايته باحتمال أنه استخلفه في الامور العامة من الحراسة وما يتعلق بها، لا في خصوص الحكم الذي الكلام فيه.

(قوله: كافيا للقيام بمنصب القضاء) أي بأن يكون ذا يقظة تامة، وقوة على تنفيذ الحق بحيث لا يؤتى من غفلة: أي لا يصاب في الحكم، بأن يحكم بخلاف الحق من أجل غفلته، ولا يخدع من غرة: أي لا يخدع عن الحق بسبب غرور شخص له.

قال في المغني: وفسر بعضهم الكفاية اللائقة بالقضاء، بأن يكون فيه قوة على تنفيذ الحق بنفسه، فلا يكون ضعيف النفس جبانا.

فإن كثيرا من الناس يكون عالما دينا، ونفسه ضعيفة عن التنفيذ والالزام والسطوة، فيطمع في جانبه بسبب ذلك.

اه.

(قوله: فلا يولى مغفل) هو الذي لا يضبط الامور بأن يكون مختل النظر والفكر، لكبر أو مرض أو غير ذلك.

(قوله: ومختل نظر) أي فكر، وعطفه على ما قبله من عطف التفسير.

(وقوله: بكبر أو مرض) الباء سببية متعلق بكل من مغفل ومختل نظر.

(قوله: مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا لأنه المنصرف إليه اللفظ عند الاطلاق، وبدليل بيانه الآتي، والاجتهاد في الاصل بدل المجهود في طلب المقصود، ويرادفه التحري والتوخي، ثم استعمل في استنباط الاحكام من الكتاب والسنة.

وخرج به مجتهد المذهب، وهو من يستنبط الاحكام من قواعد إمامه كالمزني، ومجتهد الفتوى، وهو من يقدر على الترجيح في الاقوال كالرافعي والنووي، والمقلد الصرف وهو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه والترجيح بين الاقوال.

(قوله: فلا يصح تولية جاهل) أي بالاحكام الشرعية.

(قوله: ومقلد) أي ولا يصح تولية مقلد لامام من الأئمة الأربعة.

(قوله: وإن حفظ إلخ)

ص: 243

القرآن من العام والخاص والمجمل والمبين والمطلق والمقيد والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ والمحكم

والمتشابه وبأحكام السنة من المتواتر - وهو ما تعددت طرقه - والآحاد - وهو بخلافه - والمتصل باتصال رواته إليه صلى الله عليه وسلم ويسمى المرفوع، أو إلى الصحابي فقط ويسمى الموقوف.

والمرسل وهو قول التابعي

ــ

غاية في عدم صحة تولية المقلد.

(قوله: لعجزه عن إدراك غوامضه) أي مسائل مذهب إمامه الصعبة.

قال في التحفة بعده: وتقرير أدلته إذ لا يحيط بهما إلا مجتهد مطلق.

اه.

وقال في النهاية: المقلد هو من حفظ مذهب إمامه، لكنه غير عارف بغوامضه، وقاصر عن تقرير أدلته، لأنه لا يصلح للفتوى، فالقضاء أولى.

اه.

(قوله: والمجتهد) أي المطلق.

(قوله: من يعرف بأحكام القرآن) الباء زائدة.

وفي الكلام حذف مضافين: أي من يعرف أنواع محال الاحكام، ليتمكن

من استنباطها منها، ويقدر على الترجيح فيها عند تعارض الادلة.

(قوله: من العام الخ) بيان للمضاف الاول من المضافين اللذين قدرتهما، وليس بيانا للاحكام في كلامه، كما يفيده صنيعه: إذ العام ليس حكما، وإنما هو محل له، والعام لفظ يستغرق الصالح له من غير حصر كقوله تعالى: * (ولا تبطلوا أعمالكم) *.

والخاص بخلافه كقوله عليه الصلاة والسلام: الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام، وإن شاء أفطر.

والمجمل ما لم تتضح دلالته كقوله تعالى: * (وآتوا الزكاة) *.

وقوله: * (خذ من أموالهم صدقة) *.

لأنه لم يعلم منها قدر الواجب، والمبين هو ما اتضحت دلالته، والمطلق ما دل على الماهية بلا قيد كآية الظهار.

والمقيد ما دل على الماهية بقيد كآية القتل.

والنص ما دل دلالة قطعية، والظاهر ما دل دلالة ظنية.

قال في جمع الجوامع: المنطوق ما دل عليه اللفظ في محل النطق، وهو نص إن أفاد معنى لا يحتمل غيره كزيد، وظاهر إن احتمل غيره مرجوحا كأسد.

اه.

والناسخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا) *.

والمنسوخ كآية: * (والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول) *.

والمحكم كقوله تعالى: * (ليس كمثله شئ وهو السميع البصير) * فهذه نص في أنه لا يماثله شئ في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، والمتشابه كقوله تعالى: * (الرحمن على العرش استوى) *.

(قوله: وبأحكام السنة) معطوف على بأحكام القرآن.

والمراد أن يعرف أنواع محال الاحكام من السنة أيضا - كما تقدم - والسنة هي الاحاديث الشريفة، وهي كل ما نسب للنبي صلى الله عليه وسلم من الاقوال والافعال والهم والتقرير، كأن فعل بعض الصحابة شيئا أو قال شيئا بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه.

(قوله: من المتواتر إلخ) بيان لما قدرته أيضا وليس بيانا لنفس الاحكام - كما مر -.

(قوله: وهو) أي المتواتر ما تعددت طرقه، بأن رواه جمع عن جمع يؤمن من تواطؤهم على الكذب.

قال البجيرمي: المتواتر ما ترويه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب عن جماعة كذلك في جميع الطبقات، والآحاد ما يرويه واحد عن واحد أو أكثر ولم يبلغوا عدد التواتر.

اه.

(قوله: والآحاد) بالجر عطف على المتواتر، (قوله: وهو) أي الآحاد: أي حديثهم.

(وقوله: باتصال رواته) أي المصور باتصال رواته، فالباء للتصوير، وكان الملائم لما قبله، أي يأتي به في صورة التعريف بأن يقول وهو ما اتصلت رواته الخ.

(قوله: ويسمى) أي المتصل باتصال الخ المرفوع (قوله: أو إلى الصحابي) معطوف على قوله إليه: أي أو باتصال رواته إلى الصحابي ولم يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(قوله: ويسمى) أي المتصل إلى الصحابي الموقوف.

(قوله: والمرسل) بالجر أيضا عطف على المتواتر.

(وقوله: وهو قول التابعي الخ) أي فهو ما سقط منه الصحابي، كما قال في البيقونية:

ومرسل منه الصحابي سقط

(1) سورة محمد، الاية:33.

(2)

سورة النور، الاية:56.

(3)

سورة التوبة، الاية:103.

(4)

سورة البقرة، الاية:234.

(5)

سورة البقرة، الاية:240.

(6)

سورة الشورى، الاية:11.

(7)

سورة طه، الاية:5.

ص: 244

قال رسول الله (ص) كذا، أو فعل كذا، أو بحال الرواة قوة وضعفا وما تواتر ناقلوه.

وأجمع السلف على قبوله.

لا يبحث عن عدالة ناقليه وله الاكتفاء بتعديل إمام عرف صحة مذهبه في الجرح والتعديل ويقدم عند التعارض الخاص على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر، والمحكم على المتشابه، والناسخ والمتصل والقوي على مقابلها.

ولا تنحصر الاحكام في خمسمائة آية ولا خمسمائة حديث خلافا لزاعمهما وبالقياس بأنواعه الثلاثة من الجلي وهو ما يقطع فيه بنفي الفارق كقياس ضرب الولد على تأفيفه، أو المساوي وهو ما يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس إحراق مال اليتيم على أكله، أو الادون وهو ما لا يبعد فيه إنتفاء الفارق كقياس الذرة

ــ

وهذا اصطلاح المحدثين.

وأما اصطلاح الفقهاء والاصوليين، فهو ما سقط من سنده راو أو أكثر، سواء كان من أوله أو من آخره أم بينهما.

وعبارة ق ل في حاشية شرح الورقات، وأما اصطلاح المحدثين: فالمرسل ما سقط منه الصحابي، وما وقف على الصحابي موقوف، وما وقف على التابعي مقطوع، وما سقط منه راو منقطع، أو راويان فمنقطع من موضعين إن كان بغير اتصال، وإلا فمعضل، وما سقط أوله معلق، وما أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم مرفوع.

اه.

(قوله: أو بحال الرواة) معطوف على بأحكام القرآن، وأو بمعنى الواو: أي ويعرف بحال الرواة لانه يتوصل به إلى تقرير الاحكام.

(قوله: قوة وضعفا) منصوبان على التمييز: أي من جهة القوة ومن جهة الضعف.

(قوله: وما تواتر ناقلوه) أي بلغوا عدد التواتر، وهو مستأنف.

(قوله: وأجمع السلف) عبارة التحفة: نعم ما تواتر ناقلوه، أو أجمع السلف على قبوله لا يبحث عن عدالة ناقليه.

اه.

فعليه تكون الواو بمعنى أو.

(قوله: وله الخ) أي للمجتهد الاكتفاء بتعديل إمام لراوي الحديث: أي قوله أنه عدل.

(وقوله: عرف) أي المجتهد.

(وقوله: صحة مذهبه) أي الإمام.

(قوله: في الجرح والتعديل) أي جرح الرواة وتعديلهم: أي بيان أنهم عدول أو غير عدول.

(قوله: ويقدم عند التعارض إلخ) بيان لكيفية الترجيح عند تعارض الادلة.

(قوله: والناسخ والمتصل والقوي) أي وتقدم هذه الثلاثة على مقابلها، وهو المنسوخ والمنقطع والضعيف.

(قوله: ولا تنحصر الاحكام إلخ) قال في النهاية: ولا ينحصر ذلك في خمسمائة آية، ولا خمسمائة حديث، للاستنباط في الأولى من القصص والمواعظ وغيرهما أيضا، ولان المشاهدة قاضية ببطلانه في الثاني.

فإن أراد القائل بالحصر في ذلك بالنسبة للاحاديث الصحيحة السالمة من الطعن في سند أو نحوه، أو الاحكام الخفية الاجتهادية، كان له نوع قرب على أن قول ابن الجوزي أنها ثلاثة آلاف ونحوه، مردود بأن غالب الاحاديث لا تكاد تخلو عن حكم، أو أدب شرعي، أو سياسة دينية، ويكفي اعتماده فيها على أصل مصحح عنده يجمع غالب أحاديث الاحكام

كسنن أبي داود: أي مع معرفة اصطلاحه، وما للناس فيه من نقل ورد.

اه.

(قوله: خلافا لزاعمهما) أي زاعم انحصار الاحكام في خمسمائة آية وخمسمائة حديث.

(قوله: وبالقياس) معطوف على بأحكام القرآن: أي وبأن يعرف بالقياس.

(وقوله: بأنواعه) أي القياس، والجار والمجرور بدل من الجار والمجرور قبله.

(قوله: من الجلي الخ) بيان للانواع الثلاثة.

(قوله: وهو) أي الجلي.

(قوله: ما يقطع فيه بنفي الفارق) أي بين المقيس والمقيس عليه.

(قوله: كقياس ضرب الولد على تأفيفه) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) *.

ومثله قياس من فوق الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) *.

(قوله: أو المساوي) معطوف على الجلي.

(قوله: وهو) أي المساوي.

(وقوله: ما يبعد فيه انتفاء الفارق) الصواب وجود الفارق.

وعبارة التحفة: وهو ما يبعد فيه الفارق.

اه.

وهي ظاهرة.

(قوله: كقياس إحراق مال اليتيم على أكله) أي في التحريم الثابت بقوله تعالى: * (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا) *.

(قوله: أو الادون) معطوف على الجلي أيضا.

(قوله: وهو ما لا يبعد فيه انتفاء

(1) سورة الاسراء، الاية:23.

(2)

سورة الزلزلة، الاية:7.

(3)

سورة النساء، الاية:10.

ص: 245

على البر في الربا بجامع الطعم وبلسان العرب لغة ونحوا وصرفا وبلاغة وبأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولو فيما يتكلم فيه فقط لئلا يخالفهم.

قال ابن الصلاح: إجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الفقه، أما مقيد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع، ومن ثم لم يكن له عدول عن نص إمامه كما لا يجوز الاجتهاد مع النص.

انتهى.

(فإن ولى سلطان) ولو كافرا أو (ذو شوكة) غيره في بلد بأن انحصرت قوتها فيه (غير أهل) للقضاء كمقلد وجاهل وفاسق، أي مع علمه بنحو فسقه

ــ

الفارق) عبارة التحفة: وهو مالا يبعد فيه ذلك: أي وجود الفارق، وهي الصواب.

(قوله: كقياس الذرة على البر) الذي في التحفة والنهاية: كقياس التفاح على البر بجامع الطعم، وهو أولى: إذ قياس الذرة على البر من القياس المساوي، لانه يبعد فيه وجود الفارق بينهما، إذ القصد منهما واحد، وهو الاقتيات، بخلاف قياس التفاح على البر، فإنه لا يبعد فيه وجود الفارق، بل هو قريب، إذ القصد من التفاح التفكه والتلذذ - بخلاف البر فالقصد منه الاقتيات -.

(قوله: وبلسان العرب) معطوف على بأحكام القرآن أيضا: أي وبأن يعرف بلسان العرب: أي كلامهم لغة ونحوا وصرفا وغيرها، لأنه لا بد منها في فهم الكتاب والسنة.

إذ بها يعرف عموم اللفظ وخصوصه، وإطلاقه وتقييده، وإجماله وبيانه، وصيغ الامر والنهي، والخبر والاستفهام والاسماء والافعال والحروف.

(قوله: وبأقوال العلماء) معطوف على بأحكام القرآن: أي وبأن يعرف بأقوال العلماء إجتماعا واختلافا، لئلا يخالفهم في اجتهاده.

(قوله: ولو فيما يتكلم فيه فقط) أي يكفي معرفة الاقوال ولو في المسألة التي يتكلم فيها، فلا يشترط أن يعرف أقوال العلماء في كل مسألة، بل في المسألة التي يريد النظر فيها، بأن يعلم أن قوله فيها لا يخالف إجماعا.

(قوله: اجتماع ذلك كله) أي معرفته أحكام القرآن والسنة والقياس ولسان

العرب وأقوال العلماء.

(قوله: إنما شرط للمجتهد المطلق) أي وقد فقد من بعد الخمسمائة بحسب ما يظهر لنا، فلا ينافي أنه في نفس الأمر يوجد، وأقله قطب الغوث، فإنه لا يكون إلا مجتهدا.

اه.

بجيرمي.

وفي المغني ما نصه: قال ابن دقيق العيد: ولا يخلو العصر عن مجتهد، إلا إذا تداعى الزمان وقربت الساعة، وأما قول الغزالي والقفال إن العصر خلا عن المجتهد المستقل، فالظاهر أن المراد مجتهد قائم بالقضاء، فإن العلماء يرغبون عنه.

وهذا ظاهر لا شك فيه.

اه.

(قوله: أما مقيد) هو صادق بمجتهد المذهب، وبمجتهد الفتوى، وبالمقلد الصرف.

(قوله: لا يعدو مذهب إمام خاص) أي لا يتجاوزه.

(وقوله: فليس عليه الخ) جواب أما.

(قوله: وليراع فيها) أي في قواعد إمامه: أي بأن يقدم الخاص منها على العام، والمقيد على المطلق، والنص على الظاهر وهكذا.

(قوله: في قوانين الشرع) أي قواعده.

(قوله: فإنه مع المجتهد إلخ) أي فإن المقيد الذي لا يعدو قواعد إمامه بالنسبة لامامه المجتهد، كالمجتهد بالنسبة لنصوص الشرع، فقواعد إمامه في حقه كنصوص الشرع في حق إمامه.

(قوله: ومن ثم) أي ومن أجل أنه مع المجتهد إلخ.

(وقوله: لم يكن له عدول عن نص إمامه) أي لا يجوز له أن يعدل عن نص إمامه، كما لا يسوغ للمجتهد أن يعدل عن نص الشرع.

(قوله: فإن ولى سلطان) أي مطلقا ذا شوكة كان أم لا: بأن حبس أو أسر ولم يخلع، فإن أحكامه تنفذ.

(قوله: ولو كافرا) لم يذكر هذه الغاية في التحفة، ولا في النهاية، ولاغيرهما، وهي مشكلة.

إذ السلطان يشترط فيه أن يكون مسلما، وأما الكافر فلا تصح سلطنته، ولا تنعقد إمامته.

ولو تغلب، ولو أخرها عن قوله أو ذو شوكة، وجعلها غاية له، لانه ممكن أن يكون كافرا، أو عن قوله غير أهل، وجعلها غاية له، وتكون بالنسبة للثاني للرد على الاذرعي القائل بعدم نفوذ تولية الكافر القضاء، لكان أولى.

تأمل.

(قوله: أو ذو شوكة غيره) أي غير السلطان.

(قوله: في بلد) متعلق بمحذوف حال: أي حال كون ذي الشوكة في بلد، أي ناحية.

(وقوله: بأن انحصرت قوتها) أي البلدة فيه، أي ذي الشوكة، والباء لتصوير كونه له شوكة في بلده.

وعبارة التحفة والنهاية: بأن يكون بناحية انقطع غوث السلطان عنها، ولم يرجعوا إلا إليه.

اه.

(قوله: غير أهل) مفعول ولى.

(قوله: كمقلد إلخ) تمثيل لغير الاهل.

(قوله: أي مع علمه) أي

ص: 246

وإلا بأن ظن عدالته مثلا، ولو علم فسقه لم يوله فالظاهر - كما جزم به شيخنا - لا ينفذ حكمه وكذا لو زاد فسقه أو ارتكب مفسقا آخر على تردد فيه.

انتهى.

وجزم بعضهم بنفوذ توليته وإن ولاه غير عالم بفسقه وكعبد وامرأة وأعمى (نفذ) ما فعله من التولية وإن كان هناك مجتهد عدل على المعتمد فينفذ قضاء من ولاه للضروة ولئلا تتعطل مصالح الناس وإن نازع كثيرون فيما ذكر في الفاسق وأطالوا وصوبه الزركشي.

قال شيخنا: وما ذكر في المقلد محله إن كان ثم مجتهد وإلا نفذت تولية المقلد ولو من غير ذي شوكة، وكذا الفاسق.

فإن كان هناك عدل

أشترطت شوكة وإلا فلا - كما يفيد ذلك قول ابن الرفعة - الحق أنه إذا لم يكن ثم من يصلح للقضاء نفذت تولية

ــ

المولي - بكسر اللام - سلطانا أو ذا شوكة.

(وقوله: بنحو فسقه) أي المولى - بفتح اللام -.

(قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يعلم به.

(وقوله: ولو علم فسقه لم يوله) الواو للحال: أي والحال أنه لو كان يعلم بفسقه لم يوله.

(وقوله: فالظاهر إلخ) جواب أن الشرطية المدغمة في لا النافية (وقوله: كما جزم به شيخنا) أي في فتح الجواد.

(قوله: وكذا لو زاد إلخ) أي

وكذا لا ينفذ حكمه لو زاد فسقه، بأن كان يشرب الخمر في الجمعة مرة، فصار يشرب على خلاف العادة.

(قوله: أو ارتكب مفسقا آخر) أي بأن كان يزني فصار يزني ويشرب الخمر.

(قوله: على تردد فيه) أي فيما بعد كذا ممن زاد فسقه، أو ارتكب مفسقا آخر.

(قوله: وجزم بعضهم بنفوذ توليته) أي الفاسق مطلقا.

(وقوله: وإن ولاه غير عالم بفسقه) هذا هو الفارق بين ما جزم به بعضهم وبين ما ذكره قبل.

(قوله: وكعبد الخ) معطوف على قوله كمقلد.

(قوله: نفذ ما فعله) أي المولى سلطانا، أو ذا شوكة.

(قوله: من التولية) بيان لما.

(قوله: وإن كان إلخ) غاية في نفوذ التولية: أي تنفذ التولية وإن كان هناك: أي في الناحية المولى عليها غير الاهل مجتهد عدل.

(قوله: على المعتمد) متعلق بنفذ.

(قوله: فينفذ قضاء) مفرع على نفوذ التولية.

(قوله: للضرورة) قال البلقيني يستفاد من ذلك، أنه لو زالت شوكة من ولاه بموت أو نحوه، انعزل لزوال الضرورة، وأنه لو أخذ شيئا من بيت المال على ولاية القضاء، أو جوامك في نظر الاوقاف، استرد منه، لان قضاءه إنما نفذ للضرورة، ولا كذلك المال.

اه.

بجيرمي.

(قوله: وإن نازع كثيرون فيما ذكر) أي في نفوذ قضاء من ولاه للضرورة إذا كان فاسقا.

(وقوله: وأطالوا) أي في النزاع.

(وقوله: وصوبه الزركشي) أي وقال إنه لا ضرورة إليه، بخلاف المقلد.

قال في التحفة بعده وهو عجيب، فإن الفرض أن الامام أو ذو الشوكة هو الذي ولاه عالما بفسقه، بل أو غير عالم به على ما جزم به بعضهم، فكيف حينئذ يفرع إلى عدم تنفيذ أحكامه المترتب عليه من الفتن ما لا يتدارك خرقه، وقد أجمعت الامة - كما قاله الأذرعي - على تنفيذ أحكام الخلفاء الظلمة، وأحكام من ولوه؟ اه.

(قوله: وما ذكر في المقلد إلخ) أي ما ذكر في المقلد من أنه إذا ولاه سلطان، أو ذو شوكة، تنفذ توليته محله إن كان ثم مجتهد، وإلا نفذت ولو من غير ذي شوكة.

ولا يخفى ما في عبارة شيخه المذكورة.

إذ قوله سلطان صادق بذي الشوكة وغيره - كما صرح به هو -.

وإذا كان كذلك فلا معنى للتقييد الذي ذكره بل لا يتأتى.

نعم، يصير للتقييد المذكور معنى لو أبقى عبارة المنهاج على حالها، وهي فإن تعذر جمع هذه الشروط، فولى سلطان له شوكة فاسقا، أو مقلدا، نفذ قضاؤه للضرورة.

ففيها تخصيص التولية بذي الشوكة، وحينئذ فيصح قوله، وما ذكر محله الخ.

ثم رأيت الرشيدي اعترض على قول النهاية المضاهي لقول شيخه المذكور بما نصه: قوله: وما ذكر في المقلد محله إلخ، هذا إنما يتأتى لو أبقي المتن على ظاهره الموافق لكلام غيره، وأما بعد أن حوله إلى ما مر، فلا موقع لهذا هناك.

وحاصل المراد - كما يؤخذ من كلامهم - أن السلطان إذا ولى قاضيا بالشوكة، نفذت توليته مطلقا - سواء كان هناك أهل للقضاء أم لا - وإن ولاه لا بالشركة، أو ولاه قاضي القضاة كذلك، فيشترط في صحة توليته فقد أهل للقضاء.

انتهى.

(قوله: وإلا إلخ) أي وإن لم يكن هناك مجتهد

نفذت تولية المقلد، ولو صدرت من غير ذي شوكة، كسلطان محبوس أو مأسور ولم يخلع كما مر.

(قوله: وكذا الفاسق) أي ومثل المقلد فيما ذكر من التفصيل الفاسق.

(قوله: فإن كان هناك عدل الخ) تصريح بما علم من التشبيه.

(قوله: اشترطت شوكة) أي في المولي صلى الله عليه وسلم بكسر اللام -.

(قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يكن هناك عدل، فلا تشترط الشوكة.

ص: 247

غير الصالح قطعا، والاوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه ويحفظ مال اليتيم ويكتب لقاض آخر خلافا للحضرمي وصرح جمع متأخرون بأن قاضي الضرورة يلزمه بيان مستنده في سائر أحكامه ولا يقبل قول حكمت بكذا من غير بيان مستنده فيه ولو طلب الخصم من القاضي الفاسق تبيين الشهود التي ثبت فيها الامر لزم القاضي بيانهم وإلا لم ينفذ حكمه.

فرع: يندب للامام إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الاستخلاف وإن أطلق التولية إستخلف فيما لا يقدر عليه لا غيره في الاصح.

(مهمة) يحكم القاضي باجتهاده إن كان مجتهدا أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا.

وقضية كلام الشيخين أن المقلد لا يحكم بغير مذهب مقلده.

وقال الماوردي وغيره: يجوز.

وجمع ابن عبد السلام

ــ

(قوله: كما يفيد ذلك) أي التفصيل المذكور.

(قوله: الحق إلخ) مقول قول ابن الرفعة.

(قوله: والاوجه أن قاضي الضرورة يقضي بعلمه) أي يحكم بما علمه إن شاء: كأن يدعي شخص على شخص بمال، وقد رآه القاضي أقرضه إياه أو سمعه يقر به، فله أن يحكم عليه بما علمه ويثبت المال عنده.

(قوله: ويحفظ مال اليتيم) أي وله أن يحفظ مال اليتيم.

(قوله: ويكتب لقاض آخر) أي وله أن يكتب لقاض آخر، فيما إذا ادعى عنده على غائب بمال مثلا، وثبت عنده بالبينة، فله أن يكتب إلى قاضي بلد الغائب ليستوفي له من مال الغائب الحاضر عنده.

(قوله: خلافا للحضرمي) أي الشيخ إسماعيل الحضرمي في قوله ليس لقاضي الضرورة أن يحكم بعلمه الخ.

(قوله: يلزمه بيان مستنده) أي إذا سئل عنه كما أفصح به في التحفة، وسيأتي أيضا، والمراد بمستند ما استنده إليه من بينة، أو نكول، أو نحو ذلك.

اه.

رشيدي.

وذلك كأن يقول مثلا، ثبت عندي بالبينة أن المال المدعى به عندك، وحكمت عليك به.

(قوله: ولا يقبل قوله حكمت بكذا إلخ) قال في التحفة: وكأنه لضعف ولايته، ثم قال: ومحله إن لم يمنع موليه من طلب بيان مستنده اه.

(وقوله: من غير بيان مستنده فيه) أي فيما حكم به.

(قوله: ولو طلب الخصم) أي المدعى عليه.

(قوله: تبيين الشهود) أي عينهم كزيد وعمرو مثلا.

(قوله: لزم القاضي) أي الفاسق، والمقام للإضمار.

فلو قال لزمه لكان أولى.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يبينهم لم ينفذ حكمه.

(قوله: يندب للامام) أي أو نائبه.

(قوله: أن يأذن إلخ) أن وما بعدها في تأويل مصدر نائب فاعل يندب: أي يندب له إذنه للقاضي المولى - بفتح اللام - في الاستخلاف ليكون أسهل له، وأقرب لفصل الخصومات، ويتأكد ذلك عند اتساع الخطة، فبان نهاه الامام عنه لم يستخلف استخلافا عاما لعدم رضاه بنظر غيره، فإن كان ما فوض له أكثر مما يمكنه القيام به، اقتصر على المتمكن وترك الاستخلاف.

أما الاستخلاف الخاص كتحليف وسماع بينة، فقطع القفال بجوازه للضرورة إلا أن ينص على المنع منه.

أفاده م ر.

(قوله: وإن أطلق التولية) أي بأن لم يأذن له في الاستخلاف ولم ينهه عنه.

(وقوله: استخلف فيما لا يقدر عليه) أي فيما عجز عنه لحاجته إليه.

(وقوله: لا غيره) أي لا يستخلف في غيره ما لا يقدر عليه، وهو المقدور عليه، لان قرينة الحال تقتضي عدم الاستخلاف فيه.

(وقوله: في الأصح) مقابله يقول يستخلف مطلقا فيما عجز عنه وغيره.

تنبيه: يشترط في الخليفة ما شرط في القاضي من كونه أهلا للشهادات كلها ومجتهدا، إلا إن استخلف في أمر خاص كسماع بينة وتحليف، فيكفي علمه بما يتعلق به من شروط البينة والتحليف، ويحكم الخليفة باجتهاده أو باجتهاد مقلده - بفتح اللام - إن كان مقلدا، ولا يجوز أن يشرط عليه أن يحكم بخلاف اجتهاده أو اجتهاد مقلده - بفتح اللام - لانه يعتقد بطلانه، والله تعالى إنما أمر بالحكم بالحق.

(قوله: مهمة) أي في بيان كون القاضي يحكم باجتهاده إن كان مجتهدا، أو باجتهاد مقلده إن كان مقلدا.

(قوله: يحكم القاضي) أي أو خليفته كما مر.

(قوله: باجتهاده) أي بما أداه إليه اجتهاده من المسائل.

(قوله: إن كان مجتهدا) أي اجتهادا مطلقا.

(قوله: أو اجتهاد مقلده) أي أو يحكم باجتهاد مقلده، أي إمامه فهو بفتح اللام.

(وقوله: إن كان) أي القاضي.

(وقوله: مقلدا) بكسر اللام (قوله: وقضية كلام الشيخين الخ) أقره سم (قوله: وقال الماوردي وغيره يجوز) أي الحكم بغير مذهب مقلده - بفتح اللام - (قوله: وجمع ابن عبد السلام

ص: 248

والاذرعي وغيرهما بحمل الاول على من لم ينته لرتبة الاجتهاد في مذهب إمامه وهو المقلد الصرف الذي لم يتأهل للنظر ولا للترجيح والثاني على من له أهلية.

لذلك.

ونقل ابن الرفعة عن الاصحاب أن الحاكم المقلد إذا بان حكمه على خلاف نص مقلده نقض حكمه ووافقه النووي في الروضة والسبكي، وقال الغزالي: لا ينقض، وتبعه الرافعي بحثا في موضع.

وشيخنا في بعض كتبه.

فائدة: إذا تمسك العامي بمذهب لزمه موافقته، وإلا لزمه التمذهب بمذهب معين من الاربعة لا غيرها ثم

ــ

والاذرعي) أي بين قضية كلام الشيخين وقول الماوردي.

(وقوله: بحمل الأول) أي قضية كلام الشيخين.

(قوله: وهو) أي من لم ينته لما ذكر.

(قوله: المقلد الصرف) أي المحض، وبينه بقوله بعد الذي لم يتأهل للنظر: أي أن المقلد الصرف هو الذي لم يتأهل للنظر في قواعد إمامه، والترجيح بين الاقوال.

(قوله: والثاني الخ) أي وحمل الثاني، وهو قول الماوردي.

(وقوله: على من له أهلية لذلك) أي للنظر والترجيح.

قال في التحفة بعده: ومنع ذلك الحسباني من جهة أن العرف جرى بأن تولية المقلد مشروطة بأن يحكم بمذهب مقلده، وهو متجه - سواء الاهل لما ذكر وغيره - لاسيما إن قال له في عقد التولية على عادة من تقدمك، لانه لم يعتد لمقلد حكم بغير مذهب إمامه.

اه.

(قوله: ونقل ابن الرفعة الخ) مؤيد لكلام الشيخين.

(قوله: وقال الغزالي لا ينقض) عبارة التحفة: وما أفهمه كلام الرافعي عن الغزالي من عدم النقض، بناء على أن للمقلد تقليد من شاء، وجزم به في جمع الجوامع.

قال الاذرعي: بعيد، والوجه - بل الصواب - سد هذا الباب من أصله، لما يلزم عليه من المفاسد التي لا تحصى.

اه.

وقال غيره المفتي على مذهب الشافعي: لا يجوز له الافتاء بمذهب غيره ولا ينفذ منه: أي لو قضى به لتحكيم أو تولية لما تقرر عن ابن الصلاح.

نعم، إن انتقل لمذهب آخر بشرطه وتبحر فيه، جاز له الافتاء به.

اه.

(قوله: وتبعه الرافعي) أي تبع الغزالي الرافعي في قوله لا ينقض.

(وقوله: بحثا) أي أنه بحث ذلك من غير نص.

(قوله: وشيخنا في بعض كتبه) أي وتبعه شيخنا في بعض كتبه.

(قوله: فائدة) أي في بيان التقليد.

وحاصل الكلام عليه أن التقليد هو الاخذ والعمل بقول المجتهد من غير معرفة دليله، ولا يحتاج إلى التلفظ به، بل متى استشعر العامل أن عمله موافق لقول إمام فقد قلده، وله شروط ستة: الأول: أن يكون مذهب المقلد - بفتح اللام - مدونا.

الثاني: حفظ المقلد - بكسر اللام - شروط المقلد - بفتح اللام - في تلك المسألة.

الثالث: أن لا يكون التقليد مما ينقض فيه قضاء القاضي.

الرابع: أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالاسهل، وإلا فتنحل ربقة التكليف من عنقه.

قال ابن حجر: ومن ثم كان الاوجه أن يفسق به، وقال الرملي الاوجه أنه لا يفسق وإن أثم به.

الخامس: أن لا يعمل بقول في مسألة ثم يعمل بضده في عينها، كأن أخذ نحو دار بشفعة الجوار تقليدا لابي حنيفة، ثم باعها ثم اشتراها فاستحق واحد مثله بشفعة الجوار، فأراد أن يقلد الامام الشافعي ليدفعها، فإنه لا يجوز.

السادس: أن لا يلفق بين قولين تتولد منهما حقيقة واحدة مركبة، لا يقول كل من الامامين بها، وزاد بعضهم شرطا سابعا: وهو أنه يلزم المقلد اعتقاد أرجحية أو مساواة مقلده للغير.

وقال في التحفة: الذي رجحه الشيخان جواز تقليد المفضول مع وجوه الفاضل، وزاد بعضهم أيضا شرطا ثامنا: وهو أنه لا بد في صحة التقليد أن يكون صاحب المذهب حيا، وهو مردود بما اتفق عليه الشيخان وغيرهما من جواز تقليد الميت وقالا - وهو الصحيح - قال في التحفة: ومن أدى عبادة اختلف في صحتها من غير تقليد للقائل بالصحة، لزمه إعادتها إذا علم بفسادها حال تلبسه بها، لكونه عابثا حينئذ، أما من لم يعلم بفسادها حال تلبسه بها، كمن مس فرجه مثلا، فنسيه أو جهل التحريم وقد عذر به، فله تقليد الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في إسقاط القضاء إن كان مذهبه صحة صلاته، مع عدم تقليده له عند الصلاة.

اه.

بالمعنى.

(وقوله: فله تقليد الإمام أبي حنيفة) قال سم وهو صريح في جواز التقليد بعد الفعل.

اه.

(قوله: إذا تمسك العامي) مثله غيره من العلماء الذين لم يبلغوا رتبة الاجتهاد كما ذكره سم عند قول التحفة قال الهروي: مذهب أصحابنا أن العامي لا مذهب له الخ.

فانظره إن شئت.

(قوله: لزمه التمذهب) أي المشي والجري على مذهب معين من المذاهب الاربعة.

ص: 249

له وإن عمل بالاول الانتقال إلى غيره بالكلية، أو في المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالاسهل منه فيفسق به على الاوجه.

وفي الخادم عن بعض المحتاطين.

الاولى لمن ابتلي بوسواس الاخذ بالاخف والرخص لئلا يزداد فيخرج عن الشرع، ولضده الاخذ بالاثقل لئلا يخرج عن الاباحة.

وأن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما.

وفي فتاوي شيخنا: من قلد إماما في مسألة لزمه أن يجري على قضية مذهبه في تلك المسألة وجميع ما يتعلق بها، فيلزم من انحرف عن عين الكعبة وصلى إلى

ــ

(قوله: لا غيرها) أي غير المذاهب الاربعة، وهذا إن لم يدون مذهبه، فإن دون جاز كما في التحفة ونصها: يجوز تقليد كل من الأئمة الاربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودون حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته، فالاجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد الصحابة، يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك.

اه.

(قوله: ثم له) أي ثم يجوز له إلخ.

قال ابن الجمال: (إعلم) أن الأصح من كلام المتأخرين - كالشيخ ابن حجر وغيره - أنه يجوز الانتقال من مذهب إلى مذهب من المذاهب المدونة ولو بمجرد التشهي، سواء انتقل دواما أو في بعض الحادثة، وإن أفتى أو حكم وعمل بخلافه ما لم يلزم منه التلفيق.

اه.

(قوله: وان عمل بالاول) أي بالمذهب الاول كمذهب الشافعي.

(قوله: الانتقال إلى غيره) أي غير الاول بالكلية: كأن ينتقل من مذهب الشافعي إلى مذهب أبي حنيفة رضي الله عنهما.

(قوله: أو في المسائل) أي أو الانتقال في بعض مسائل لغير مذهبه.

(وقوله: بشرط إلخ) مرتبط به: أي يجوز له أن يقلد في بعض المسائل بشرط أن لا يتتبع الرخص.

(قوله: بأن يأخذ الخ) تصوير لتتبع الرخص.

(قوله: فيفسق به) أي بتتبع الرخص، وهذا ما جرى عليه ابن حجر.

أما ما جرى عليه الرملي فلا يفسق به، ولكنه يأثم، كما مر.

(قوله: وفي الخادم إلخ) هذا كالتقييد لما قبله، فكأنه قال محل اشتراط عدم تتبع الرخص فيمن لم يبتل بالوسواس، أما هو فيجوز له ذلك.

(وقوله: عن بعض المحتاطين) أي الذين يأخذون بالاحوط في أعمالهم.

(قوله: لئلا يزداد) أي الوسواس، وهو علة الأولوية، (وقوله: فيخرج) بالنصب عطف على يزداد: أي فيخرج بسبب زيادة الوسواس عن الشرع مثلا، وابتلى بالوسواس في النية في الوضوء، أو بقراءة الفاتحة خلف الامام، وصار يصرف أكثر الوقت في الوضوء أو في الصلاة، فله أن يترك النية ويقلد الإمام أبا حنيفة فيه فإنها سنة عنده، أو يقلده في ترك الفاتحة خلف الامام، حتى يذهب عنه الوسواس.

(قوله: ولضده) أي والاولى لضد من ابتلي بالوسواس، وهو الذي لم يبتل به.

(قوله: الاخذ بالاثقل) أي بالاشد.

(قوله: لئلا يخرج عن الاباحة) أي عن لمباح لو لم يأخذ بالاثقل.

(قوله: وإن لا يلفق الخ) معطوف على قوله أن لا يتتبع الرخص: أي وبشرط أن لا يلفق: أي يجمع بين قولين.

(قوله: يتولد الخ) أي ينشأ من القولين اللذين لفق بينهما حقيقة واحدة متركبة، كتقليد الشافعي في مسح بعض الرأس، ومالك في طهارة الكلب، في صلاة واحدة، فلا يصح تقليده المذكور، لانه لفق فيه بين قولين نشأ منهما حقيقة واحدة، وهي الصلاة لا يقول بصحتها كلا الامامين.

(قوله: وفي فتاوي شيخنا الخ) مؤيد لاشتراط عدم التلفيق.

(قوله: لزمه أن يجري على قضية مذهبه) أي على ما يقتضيه مذهب ذلك الامام الذي قلده في تلك المسألة.

(وقوله: وجميع ما يتعلق بها) أي بتلك المسألة: أي من استكمال شروطها، ومراعاة مصححاتها، واجتناب مبطلاتها.

(قوله: فيلزم من انحرف الخ) تعبيره بالماضي فيه وفيما بعده لا يلائم قوله بعد أن يمسح الخ، فإنه للاستقبال وانحرف وصلى للمضي، فلا بد من ارتكاب تأويل في الاول، بأن يجعل بمعنى المضارع، أو في الثاني بأن يجعل بمعنى الماضي: أي فيلزم الشافعي الذي قصده أن ينحرف عن عين القبلة، ويصلي إلى جهتها

مقلدا للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أن تكون طهارته على مذهبه، بأن يكون يمسح في الوضوء قدر الناصية، وأن لا يسيل منه دم بعد الوضوء، فإنه ناقض له عنده، أو فيلزم الشافعي الذي انحرف وصلى إلى الجهة مقلدا للإمام أبي حنيفة

ص: 250

جهتها مقلدا لابي حنيفة مثلا أن يمسح في وضوئه من الرأس قدر الناصية وأن لا يسيل من بدنه بعد الوضوء دم وما أشبه ذلك، وإلا كانت صلاته باطلة باتفاق المذهبين فليتفطن لذلك.

انتهى.

ووافقه العلامة عبد الله أبو مخرمة العدني وزاد فقال: قد صرح بهذا الشرط الذي ذكرناه غير واحد من المحققين من أهل الاصول والفقه: منهم ابن دقيق العيد والسبكي، ونقله الاسنوي في التمهيد عن العراقي.

قلت: بل نقله الرافعي في العزيز عن القاضي حسين.

انتهى.

وقال شيخنا المحقق ابن زياد رحمه الله تعالى في فتاويه: إن الذي فهمناه من أمثلتهم أن التركيب القادح إنما يمتنع إذا كان في قضية واحدة.

فمن أمثلتهم.

إذا توضأ ولمس تقليدا لابي حنيفة واقتصد تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الامامين على بطلان ذلك.

وكذلك إذا توضأ ومس بلا شهوة تقليدا للامام مالك ولم يدلك تقليدا للشافعي ثم صلى فصلاته باطلة لاتفاق الامامين على بطلان طهارته - بخلاف ما إذا كان التركيب من قضيتين، فالذي يظهر أن ذلك غير قادح في التقليد، كما إذا توضأ ومسح بعض رأسه ثم صلى إلى الجهة تقليدا لابي حنيفة فالذي يظهر صحة صلاته لان الامامين لم يتفقا على بطلان طهارته، فإن الخلاف فيها بحاله، لا يقال اتفقا على بطلان صلاته لانا نقول هذا الاتفاق ينشأ من التركيب في قضيتين.

ــ

في ذلك أنه كان قد مسح إلخ.

(وقوله: وإن لا يسيل الخ) معطوف على أن يمسح، (قوله: وما أشبه ذلك) أي ما ذكر من مسح قدر الناصية وعدم سيلان الدم، والمشبه لذلك فعل كل ما هو شرط لصحة الصلاة عند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وترك كل ما هو مبطل لها عنده.

(قوله: وإلا) أي بأن لم يمسح قدر الناصية، أو سال منه دم بعد الوضوء، كانت صلاته باطلة.

(قوله: فليتفطن لذلك) أي للشرط المذكور.

(قوله: ووافقه) أي الشيخ ابن حجر.

(قوله: وزاد) أي العلامة عبد الله أبو مخرمة.

(قوله: قد صرح بهذا الشرط) أي وهو أن من قلد إماما في مسألة لزمه الجريان على قضية مذهبه فيها.

(قوله: وقال شيخنا المحقق ابن زياد الخ) فيه مخالفة لابن حجر ومن وافقه فيما إذا كان التركيب من قضيتين.

(قوله: إن الذي فهمناه من أمثلتهم) أي التي يجوز فيها التقليد والتي لا يجوز.

(قوله: إن التركيب القادح) أي المضر في التقليد.

(قوله: إنما يمتنع) صوابه إنما يوجد.

(قوله: إذا كان) أي التركيب وقع في قضية واحدة، كالطهارة أو الصلاة.

(قوله: فمن أمثلتهم) أي للتقليد المضر (قوله: إذا توضأ ولمس) أي الاجنبية.

(قوله: تقليدا لأبي حنيفة) أي في عدم نقض الوضوء باللمس.

(قوله: واقتصد تقليدا للشافعي) أي في عدم نقض الوضوء بذلك.

(قوله: ثم صلى) أي بذلك الوضوء.

(قوله: لاتفاق الامامين) أي الشافعي وأبي حنيفة.

(وقوله: على بطلان ذلك) أي الوضوء لانتقاضه باللمس عند الشافعي، وبخروج الدم عند أبي حنيفة.

(قوله: وكذلك) أي مثل هذا المثال في البطلان.

(وقوله: إذا توضأ ومس) أي فرجه.

(وقوله: تقليدا للامام مالك) أي في عدم نقض الوضوء.

(وقوله: ولم يدلك) أي لم يتبع الإمام مالكا في الدلك، بل تبع الامام الشافعي في عدمه.

(قوله: ثم صلى) أي بذلك الوضوء المجرد عن الدلك.

(قوله: لاتفاق الامامين) أي الشافعي ومالك.

(وقوله: على بطلان طهارته) أي لانه مس وهو مبطل عند الشافعي، ولم يدلك وهو مبطل عند الإمام مالك.

(قوله: بخلاف ما إذا كان التركيب) أي الناشئ من التلفيق بين قولين.

(وقوله: من قضيتين) أي حاصلا من قضيتين: أي كالطهارة والصلاة مثلا.

(قوله: فالذي يظهر أن ذلك) أي التركيب من قضيتين.

(قوله: غير قادح في التقليد) أي غير مضر له.

(قوله: كما إذا توضأ إلخ) تمثيل لما إذا كان التركيب حاصلا من قضيتين (قوله: ومسح بعض رأسه) أي أقل من الناصية تقليدا للامام الشافعي فيه.

(قوله: ثم صلى إلى الجهة) أي لا إلى عين الكعبة.

(وقوله:

تقليدا لأبي حنيفة) أي في قوله بصحة الصلاة إلى جهة الكعبة.

(قوله: فالذي يظهر الخ) الجملة جواب إذا.

(وقوله: صحة صلاته) خبر الذي (قوله: لان الامامين) أي الشافعي وأبا حنيفة رضي الله عنهما.

(وقوله: لم يتفقا على بطلان طهارته) إذ هي صحيحة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه.

(قوله: فإن الخلاف فيها بحاله) أي فإن الخلاف بين

ص: 251

والذي فهمناه أنه غير قادح في التقليد ومثله ما إذا قلد الامام أحمد في أن العورة السوأتان وكأن ترك المضمضة والاستنشاق أو التسمية الذي يقول الامام أحمد بوجوب ذلك، فالذي يظهر صحة صلاته إذا قلده في قدر العورة لانهما لم يتفقا على بطلان طهارته التي هي قضية واحدة، ولا يقدح في ذلك إتفاقهما على بطلان صلاته فإنه تركيب من قضيتين وهو غير قادح في التقليد كما يفهمه تمثيلهم.

وقد رأيت في فتاوي البلقيني ما يقتضي أن التركيب بين القضيتين غير قادح.

انتهى.

ملخصا.

تتمة: يلزم محتاجا إستفتاء عالم عدل عرف أهليته ثم إن وجد مفتيين فإن اعتقد أحدهما أعلم تعين تقديمه.

قال في الروضة: ليس لمفت وعامل على مذهبنا في مسألة ذات وجهين أو قولين أن يعتمد أحدهما بلا

ــ

الامامين باق بحاله في تلك الطهارة، فهي صحيحة على مذهب الشافعي، وباطلة على مذهب أبي حنيفة.

(قوله: لا يقال إتفقا على بطلان صلاته) أي لفقد شرطها عند الشافعي، وهو استقبال العين وفقد شرطها عند أبي حنيفة وهو مسح قدر ربع الرأس.

(قوله: لانا نقول إلخ) علة النفي.

(قوله: من التركيب في قضيتين) أي الحاصل في قضيتين، وهما الطهارة والصلاة، كما مر.

(قوله: والذي فهمناه) أي من أمثلتهم.

(وقوله: أنه) أي التركيب الواقع في قضيتين.

(وقوله: غير قادح في التقليد) أي غير مضر ومؤثر فيه.

(قوله: ومثله) أي مثل هذا المثال في التركيب من قضيتين.

(قوله: في إن العورة السوأتان) أي القبل والدبر، فالواجب عند الإمام أحمد سترهما فقط.

(قوله: وكان) فعل ماض، واسمها يعود على المقلد للامام أحمد: أي وكان المقلد للامام أحمد في قدر العورة ترك المضمضة مقلدا للامام الشافعي.

(قوله: والاستنشاق) الواو بمعنى أو (قوله: الذي يقول إلخ) الأولى في التعبير أن يقول التي يقول الامام أحمد بوجوبها: أي الثلاثة وهو المضمضة، والاستنشاق، والبسملة.

(قوله: فالذي يظهر إلخ) جواب إذا (قوله: إذا قلده) أي قلد الامام أحمد.

(قوله: لأنهما) أي الامام أحمد والامام الشافعي، وهو تعليل لظهور صحة صلاته فيما ذكر.

(وقوله: لم يتفقا على بطلان طهارته) أي لان الشافعي يقول بصحتها، والامام أحمد يقول ببطلانها.

(وقوله: التي هي) أي الطهارة.

(وقوله: قضية واحدة) أي هي التي يضر فيها التركيب.

(قوله: ولا يقدح في ذلك) أي في التقليد المذكور.

(قوله: فإنه) أي فإن البطلان المتفق عليه.

(وقوله: تركيب من قضيتين) هما ستر العورة والطهارة.

(قوله: وهو) أي التركيب من قضيتين غير قادح في التقليد.

(قوله: وقد رأيت في فتاوي البلقيني الخ) مؤيدا لما تقدم.

(قوله: تتمة) أي في بيان حكم الاستفتاء.

(قوله: يلزم محتاجا) أي إلى معرفة حكم من الاحكام الشرعية.

(وقوله: إستفتاء عالم عرف أهليته) عبارة الروض وشرحه: يجب على المستفتي عند حدوث مسألة، أن يستفتي من عرف علمه وعدالته، ولو بإخبار ثقة عارف، أو بإستفاضة لذلك، وإلا بأن لم يعرفهما بحث عن ذلك - يعني عن علمه - بسؤال الناس، فلا يجوز له إستفتاء من انتسب إلى ذلك وانتصب للتدريس وغيره من مناصب العلماء بمجرد إنتسابه وانتصابه.

وقضية كلامه أنه يبحث عن عدالته أيضا، والمشهور كما في الأصل خلافه، وبه يشعر قوله فلو خفيت عليه عدالته الباطنة اكتفى بالعدالة الظاهرة، لان الباطنة تعسر معرفتها على غير القضاة.

اه (قوله: ثم إن وجد) أي المحتاج.

(وقوله: مفتيين) مفعول وجد، وهو هنا بمعنى أصاب، فلا يطلب إلا مفعولا واحدا.

(قوله: فإن اعتقد أحدهما أعلم إلخ) قال في الروض: ويعمل - أي المستفتي - بفتوى عالم مع وجود أعلم منه جهله.

قال في شرحه: بخلاف ما إذا علمه بأن اعتقده أعلم - كما صرح به بعد - فلا يلزمه البحث عن الاعلم إذا جهل اختصاص أحدهما بزيادة علم، ثم قال في الروض: فإن اختلفا - أي المفتيان - جوابا وصفة ولا نص قدم الاعلم، وكذا إذا اعتقد أحدهما أعلم أو أورع، قدم من اعتقده أعلم أو أورع، ويقدم الاعلم على الاورع.

اه.

بزيادة من شرحه.

(قوله: قال في الروضة ليس لمفت وعامل إلخ) قال في التحفة بعد أن نقل ما ذكر: ونقل ابن الصلاح الاجماع فيه، لكن حمله بعضهم على المفتي والقاضي، لما مر من جواز

ص: 252

نظر فيه فلا خلاف، بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره وإن كانا لواحد.

انتهى.

(ويجوز تحكيم اثنين) ولو من غير خصومة كما في النكاح (رجلا أهلا لقضاء) أي من له أهلية القضاء المطلقة لا في خصوص تلك الواقعة

فقط.

خلافا لجمع متأخرين ولو مع وجود قاض أهل خلافا للروضة.

أما غير الاهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع وجود الاهل - وإلا جاز، ولو في النكاح، وإن كان ثم مجتهد، كما جزم به شيخنا في شرح المنهاج تبعا لشيخه

ــ

تقليد غير الائمة الاربعة بشرطه، وفيه نظر.

لأنه صرح بمساواة العامل للمفتي في ذلك، فالوجه حمله على عامل متأهل للنظر في الدليل وعلم الراجح من غيره.

اه.

وقال في الفوائد وابن الجمال في فتح المجيد.

(اعلم) أن القولين أو الوجهين أو الطريقين إذا كانا لواحد ولم يرجح أحدهما، فللمقلد أن يعمل لنفسه بأيهما شاء إذا لم يكن أهلا للترجيح، فإن كان أهلا له، فلا يجوز له العمل إلا بالتتبع والترجيح، فإن رجح أحدهما فالفتوى والحكم بالراجح مطلقا، والمرجوح منهما إذا رجحه بعض أهل الترجيح يجوز تقليده للعمل فقط، سواء كان المقلد أهلا للنظر والترجيح أم لا.

وإن لم يرجح فيمتنع تقليده على الاهل لا على غيره، وإذا كان الوجهان والطريقان لاثنين، ولم يرجح أحدهما ثالث يجوز تقليد كل منهما في الافتاء والقضاء أيضا إذا لم يكن المقلد أهلا، ويجوز لعمل نفسه فقط إذا كان التقليد من المتأهل، لتضمن ذلك ترجيح كل منهما من قائله الاهل، وإن رجح أحدهما ثالث، فالفتوى بالراجح لتقويته بالترجيحين - سواء كان المفتي أهلا أم لا - والمرجوح منهما يجوز تقليده لعمل النفس فقط، ولو من المتأهل للتضمن المذكور.

هذا هو الحق الصريح الذي لا محيد عنه، لانه المنقول والمعتمد عند جمهور المتأخرين.

اه.

من تذكرة الاخوان المشتملة على مصطلحات التحفة وغيرها.

(قوله: أن يعتمد أحدهما) أي الوجهين أو القولين، وأن وما بعدها في تأويل مصدر اسم ليس.

(قوله: بلا نظر فيه) أي بلا تأمل وتفكر في ذلك الأحد الذي يريد أن يعتمده.

(قوله: بلا خلاف) أي ليس له ذلك بلا خلاف، وقد علمت أن

محله إذا كان أهلا للنظر والترجيح.

(قوله: بل يبحث عن أرجحهما) أي الوجهين أو القولين.

(قوله: بنحو تأخره) متعلق بأرجحهما، وهو بيان المقتضي للارجحية، فتأخر أحد القولين أو الوجهين أو قوة دليله أو نحو ذلك يقتضي الارجحية.

(قوله: وإن كانا) أي القولان أو الوجهان لمتبحر واحد، وهو غاية لكونه يبحث عن الارجح بما ذكر (قوله: ويجوز تحكيم اثنين) أي غير حد وتعزير لله تعالى، أما هما فلا يجوز فيهما التحكيم.

إذ لا طالب لهما معين.

(قوله: ولو من غير خصومة) غاية في جواز التحكيم: أي يجوز مطلقا سواء كان في خصومة، كأن حكم خصمان ثالثا، أو في غير خصومة، كأن حكم اثنان في نكاح ثالثا.

(قوله: كما في النكاح) أي لفاقدة ولي خاص بنسب أو معتق، وهو تمثيل للتحكيم في غير الخصومة.

(قوله: رجلا) مفعول تحكيم المضاف إلى فاعله.

(قوله: أهلا لقضاء) صفة لرجلا.

(قوله: أي من له أهلية القضاء المختلفة) تفسير للمراد من الاهل للقضاء، وتقدم ضابط من له أهلية ما ذكر، وهو من له قدرة على استنباط الاحكام من الكتاب والسنة والقياس والاجماع.

(قوله: لا في خصوص تلك الواقعة) أي ليس المراد به من كان أهلا للقضاء في تلك المسألة الحادثة فقط (قوله: خلافا لجمع) أي قالوا بأن الشرط وجود الاهلية في خصوص تلك الواقعة لا مطلقا.

(قوله: ولو مع وجود قاض أهل) غاية في جواز تحكيم رجل أهل: أي يجوز تحكيم الاهل، ولو مع وجود قاض أهل في تلك البلدة.

(قوله: خلافا للروضة) أي القائلة بعدم جواز التحكيم مع وجوده.

(قوله: أما غير الاهل) مفهوم قوله أهلا.

(قوله: أي مع وجود الاهل) أنظر ما المراد بالاهل: هل هو خصوص القاضي، أو ما يعمه وغيره؟ والظاهر أن المراد الاول، وإلا بأن كان المراد الثاني نافته الغاية بعد: أعني قوله وإن كان ثم مجتهد.

(قوله: وإلا مجاز) أي وإن لم يوجد قاض أهل على ما مر، بأن لم يوجد قاض أصلا، أو وجد لكنه غير أهل، جاز تحكيم غير الاهل، وهو ضعيف، كما يفيده الاستدراك بعد.

(قوله: ولو في النكاح) أي ولو كان التحكيم في النكاح فإنه يجوز.

(قوله: وإن كان ثم مجتهد) أي غير قاض.

(قوله: كما جزم به) أي بما ذكر من عدم جواز تحكيم غير الاهل مع وجود الاهل، وجواز تحكيمه مع عدم

ص: 253

زكريا.

لكن الذي أفتاه أن المحكم العدل لا يزوج إلا مع فقد القاضي ولو غير أهل.

ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا ولا يفيد حكم المحكم إلا برضاهما به لفظا لا سكوتا فيعتبر رضا الزوجين معا في النكاح، نعم: يكفي سكوت البكر إذا استؤذنت في التحكيم ولا يجوز التحكيم مع غيبة الولي ولو إلى مسافة القصر إن كان ثم قاض - خلافا لابن العماد - لانه ينوب عن الغائب بخلاف المحكم: ويجوز له أن يحكم بعلمه على الاوجه.

(وينعزل القاضي) أي يحكم بانعزاله ببلوغ خبر العزل له ولو من عدل (و) ينعزل (نائبه) في عام أو خاص بأن

ــ

وجوده، وفيه أنه لم يجزم بهذا شيخه، وإنما ذكره وأحاله على ما مر منه في النكاح، من أنه لا يجوز مع وجود الحاكم، ونض عبارته هنا وأما غير الاهل فلا يجوز تحكيمه - أي مع وجود الاهل - وإلا جاز، ولو في النكاح على ما مر فيه.

اه.

وقوله: على ما مر: أي في باب النكاح.

ونص عبارته هناك: نعم لو لم يكن لها ولي، جاز لها أن تفوض مع خاطبها أمرها إلى مجتهد عدل، فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد، أو إلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض،

فيزوجها لا مع وجود حاكم ولو غير أهل، كما حررته في شرح الإرشاد.

اه.

(قوله: لكن الذي أفتاه) أي أفتى به شيخه ابن حجر، وعبارته تفيد إن هذا هو ما جزم به في فتاويه مع أنه جزم به في غيرها - كما يعلم من عبارته في باب النكاح - ثم إن هذا هو الذي جزم به في النهاية أيضا ونصها: نعم لا يجوز تحكيم غير مجتهد مع وجود قاض، ولو قاضي ضرورة.

اه.

ونقله سم وأقره فهو المعتمد.

(وقوله: ولو غير أهل) أي ولو كان القاضي غير أهل.

قال البجيرمي: فيمتنع التحكيم الآن لوجود القضاة ولو قضاة ضرورة، كما نقله زي عن م ر، إلا إذا كان القاضي يأخذ مالا له وقع، فيجوز التحكيم حينئذ كما قاله ح ل.

اه.

(قوله: ولا يجوز تحكيم غير العدل مطلقا) أي سواء فقد القاضي أم لا.

(قوله: ولا يفيد حكم المحكم) أي لا ينفع ويؤثر.

(وقوله: إلا برضاهما) أي الخصمين من قبل الحكم، ويشترط استمراره إلى انتهائه.

قال في التحفة: نعم إن كان أحد الخصمين القاضي الذي له الاستخلاف واستمر رضاه، لم يؤثر عدم رضا خصمه، لان المحكم نائبه.

(وقوله: به) أي بالحكم الذي يستحكم به.

(وقوله: لفظا) أي بأن يقولا له حكمناك لتحكم بيننا، ورضينا بحكمك.

(وقوله: لا سكوتا) أي فلا يكفي (قوله: فيعتبر رضا الزوجين معا) قال ع ش أي فلا يكتفي بالرضا من ولي المرأة والزوج، بل الرضا إنما يكون بين الزوجين حيث كانت الولاية للقاضي.

اه.

(قوله: نعم إلخ) استدراك من اعتبار رضا الزوجين: أي باللفظ.

(قوله: ولايجوز التحكيم مع غيبة الولي) هذا كالتقييد لما تقدم، فكأنه قال محل جواز التحكيم في النكاح إذا لم يكن الولي غائبا بأن كان مفقودا بالكلية.

(قوله: ولو إلى مسافة القصر) أي لا يجوز التحكيم مع غيبة الولي، ولو كانت غيبته إلى مسافة القصر (قوله: إن كان ثم) أي في البلدة التي يراد التحكيم فيها.

(قوله: خلافا لابن العماد) أي القائل بجوازه عند غيبته ولو كان هناك قاض (قوله: لأنه) أي القاضي وهي علة لعدم جواز التحكيم حين إذ غاب الولي.

(قوله: بخلاف المحكم) أي فإنه لا ينوب عن الغائب، فلا يجوز تحكيمه مع وجود الغائب.

(قوله: ويجوز له) أي للمحكم أن يحكم بعلمه كقاضي الضرورة كما مر.

(وقوله: على الأوجه) أي عند ابن حجر، وأما عند م ر فالاوجه عدم الجواز قال: لانحطاط رتبته عن القاضي.

(قوله: وينعزل القاضي إلخ) شروع فيما يقتضي انعزال القاضي وما يذكر معه.

وقد أفرده الفقهاء بفصل مستقل.

(قوله: ببلوغ خبر العزل) أي الصادر من الامام بأخذ الاسباب الآتية.

(قوله: ولو من عدل) أي ولو كان بلغه الخبر، أي وصل إليه من عدل واحد فإنه ينعزل به.

وعبارة التحفة وبحث الأذرعي الاكتفاء في العزل بخبر واحد مقبول الرواية، والقياس ما قاله الزركشي أنه لا بد من عدلي الشهادة أو الاستفاضة كالتولية، لا يقال يتعين على من علم عزله أو ظنه أن يعمل باطنا بمقتضى علمه أو ظنه كما هو قياس نظائره،

لأنا نقول إنما يتجه ذلك إن قلنا بعزله باطنا قبل أن يبلغه خبره، وقد تقرر أن الوجه خلافه.

اه.

وإذا علمتها تعلم أن المؤلف وافق الاذرعي في الاكتفاء بالواحد، وخالف شيخه.

(قوله: وينعزل نائبه) أي نائب القاضي الذي عزل، ولو قاضي الاقليم، لان القصد بالاستنابة المعاونة، وقد زالت ولايته فطلبت المعاونة.

(قوله: في عام) متعلق بنائبه، أي نائبه في أمر عام، كأن أنابه في كل الاحكام.

(وقوله: أو خاص) أي أمر خاص كسماع شهادة في حادثة معينة على ميت أو

ص: 254

يبلغه خبر عزل مستخلفه له أو الامام لمستخلفه إن أذن له أن يستخلف عن نفسه أو أطلق (لا) حال كون النائب نائبا (عن إمام) في عام أو خاص بأن قال للقاضي إستخلف عني فلا ينعزل بذلك وإنما انعزل القاضي ونائبه (بخبره) أي ببلوغ خبر العزل المفهوم من ينعزل لا قبل بلوغه ذلك لعظم الضرر في نقض أقضيته لو انعزل، بخلاف الوكيل فإنه ينعزل من حين العزل ولو قبل بلوغ خبره.

ومن علم عزله لم ينفذ حكمه له إلا أن يرضى بحكمه فيما يجوز التحكيم فيه (و) ينعزل أيضا كل منهما بأحد أمور (عزل نفسه) كالوكيل (وجنون) وإغماء وإن قل زمنهما (وفسق) أي ينعزل بفسق من لم يعلم موليه بفسقه الاصلي أو الزائد على ما كان حال توليته وإذا زالت

ــ

غائب.

(قوله: بأن يبلغه) أي النائب، والجار والمجرور متعلق بينعزل، أي ينعزل النائب ببلوغه خبر عزل مستخلفه له، وإضافة عزل إلى ما بعده من إضافة المصدر لفاعله.

(قوله: أو الامام إلخ) بالجر عطف على مستخلفه: أي أو يبلغه خبر عزل الامام لمستخلفه.

قال في شرح الروض: قال البلقيني: ولو بلغه الخبر ولم يبلغه نوابه لا ينعزلون حتى يبلغهم الخبر، وتبقى ولاية أصلهم مستمرة حكما، وإن لم ينفذ حكمه، ويستحق ما رتب له على سد الوظيفة.

قال: ولو بلغ النائب قبل أصله فالقياس أنه لا ينعزل وينفذ حكمه حتى يبلغ الأصل.

اه.

(قوله: إن أذن إلخ) أي ومحل انعزاله ببلوغه خبر عزل الامام لمستخلفه إن كان الإمام أذن له أن يستخلف عن نفسه، بأن قال الامام له: وليتك القضاء واستخلف عن نفسك، أو أطلق بأن قال له: استخلف، ولم يقل له عن نفسك ولا عني.

ومثل ذلك ما إذا لم يأذن له في الاستخلاف.

(قوله: لا حال كون النائب إلخ) أي ولا إن كان قيما ليتيم، أو وقف، فلا ينعزل بانعزال القاضي لئلا تختل مصالحهما.

(قوله: بأن قال) أي الإمام (قوله: فلا ينعزل) أي النائب بذلك: أي بانعزال القاضي، وذلك لانه خليفة الامام، والقاضي إنما هو سفير في التولية.

(قوله: وإنما انعزل إلخ) دخول على المتن.

(قوله: لا قبل بلوغه ذلك) أي لا ينعزل كل من القاضي ونائبه قبل بلوغ خبر العزل.

(قوله: لعظم الخ) تعليل لكون العزل إنما يثبت بعد بلوغ الخبر لا قبله.

(وقوله: في نقض أقضيته) أي في رد أقضيته الصادرة منه بعد العزل في الواقع وقبل أن يعلم به.

(وقوله: لو انعزل) أي لو حكم عليه بالانعزال قبل بلوغ الخبر.

(قوله: بخلاف الوكيل الخ) أي لأن من شأنه عدم عظم الضرر في نقض تصرفاته.

(قوله: فإنه) أي الوكيل، سواء كان وكيلا عن صاحب المال مثلا، أو عن وكيل صاحب المال، بأن إذن له في أن يوكل عن نفسه أو أطلق.

(وقوله: من حين العزل) أي عزل الموكل صاحب المال له، أو عزل صاحب المال لموكله.

(قوله: ومن علم عزله الخ) كالإستثناء من عدم انعزاله قبل بلوغ خبره، فكأنه قال: ومحل عدم ثبوت انعزاله بالنسبة لمن لم يعلم به.

أما بالنسبة له فيثبت، ولا ينفذ حكمه لعلمه أنه غير حاكم باطنا.

قال في التحفة بعد نقله ما ذكر عن الماوردي: وإنما يتجه إن

صح ما قاله أنه غير حاكم باطنا على ما اقتضاه إطلاقهم أنه قبل أن يبلغه خبر عزله باق على ولايته ظاهرا وباطنا، فلا يصح ما قاله.

ألا ترى أنه لو تصرف بعد العزل وقبل بلوغ الخبر بتزويج من لا ولي لها مثلا، لم يلزم الزوج باطنا ولا ظاهرا انعزالها؟.

اه.

(قوله: إلا أن يرضى الخ) أي فينفذ حكمه فيه.

(وقوله: فيما يجوز التحكيم فيه) أي وهو ما كان غير حد وتعزير لله تعالى، كما مر.

(قوله: وينعزل أيضا) أي كما أنه ينعزل ببلوغه خبر العزل.

(قوله: كل منهما) أي القاضي ونائبه.

(قوله: بأحد أمور) متعلق بينعزل.

(قوله: عزل نفسه) بدل من أحد أمور بالنسبة للشرح، ومعطوف على خبره بالنسبة للمتن، ومحله ما لم يتعين، وإلا فلا ينفذ عزله لنفسه كما سيذكره.

(قوله: وجنون وإغماء) معطوفان على عزل نفسه.

(قوله: وإن قل زمنهما) أي الجنون والاغماء.

قال في فتح الجواد: كما اقتضاه إطلاقهم، لكن مر في نحو الشركة أنه لا انعزال به، إلا إن كان زمنه بقدر ما بين صلاتين، فيحتمل أن يقال هنا بذلك، ويحتمل الفرق بأنه يحتاط هنا ما لا يحتاط به، ثم ولعل هذا أقرب اه.

وقوله: ولعل إلخ: جرى عليه في التحفة، وعبارتها: ولو لحظة - خلافا للشارح -.

اه.

(قوله: وفسق) إنما لم ينعزل الامام الاعظم به، لما فيه من اضطراب الامور وحدوث الفتن.

(قوله: أي ينعزل بفسق) يقرأ بالتنوين، وفاعل للفعل من لم يعلم.

(قوله: حال توليته) ظرف متعلق بيعلم المنفي: أي لم يعلم موليه

ص: 255

هذه الاحوال لم تعد ولايته إلا بتولية جديدة في الاصح.

ويجوز للامام عزل قاض لم يتعين بظهور خلل لا يقتضي إنعزاله ككثرة الشكاوي فيه وبأفضل منه وبمصلحة كتسكين فتنة سواء أعزله بمثله أو بدونه وإن لم يكن شئ من ذلك لم يجز عزله لانه عبث ولكن ينفذ العزل.

أما إذا تعين بأن لم يكن ثم من يصلح غيره فيحرم على موليه عزله ولا ينفذ، وكذا عزله لنفسه حينئذ بخلافه في غير هذه الحالة فينفذ عزله لنفسه وإن لم يعلم موليه (ولا ينعزل قاض بموت إمام) أعظم ولا بانعزاله لعظم شدة الضرر بتعطيل الحوادث وخرج بالامام القاضي

ــ

حال توليته إياه بفسقه الاصلي، أو علم به لكنه لم يعلم بما زاد عليه حال التولية أيضا، فإن علم موليه بذلك حالها، فلا ينعزل به، لما تقدم أنه إذا ولى سلطان أو ذو شوكة غير أهل، نفذ قضاؤه للضرورة، وكلامه صريح في أن فسقه أو ما زاد عليه لم يطرأ بعد التولية، بل هو موجود حال التولية، إلا أنه لم يعلم موليه به، وكلام غيره صريح في أنه طارئ بعد التولية.

ولو أبقي المتن على ظاهره لكان يمكن حمله عليه، بخلافه بعد أن فصل فيه بين علم موليه به وعدم علمه به حال التولية، فلا يمكن حمله عليه لأنه لم يكن موجودا إذ ذاك حتى يفصل فيه بما ذكر.

(قوله: وإذا زالت هذه الاحوال) أي الجنون والاغماء والفسق.

(وقوله: لم تعد ولايته) أي لم ترجع له إلا بتولية جديدة من الامام، لان ما بطل لا يعود إلا بتجديد عقده.

(وقوله: في الأصح) مقابله يقول تعود من غير تولية جديدة، قياسا على الاب إذا جن ثم أفاق، أو فسق ثم تاب، فإنه تعود له الولاية على موليه بعد ذلك.

(قوله: ويجوز للامام عزل قاض) أي لما روى أبو داود أنه صلى الله عليه وسلم: عزل إماما صلى بقوم بصق في القبلة، وقال: لا يصلي بهم بعدها أبدا.

وإذا جاز هذا في إمام الصلاة، جاز في القاضي بل أولى، إلا أن يكون متعينا فلا يجوز له عزله.

ولو عزل لم ينعزل.

اه.

شرح الروض.

(قوله: لم يتعين) أي للقضاء بأن

وجد من يصلح للقضاء غيره.

(قوله: بظهور خلل) متعلق بعزل (وقوله: لا يقتضي انعزاله) الجملة صفة لخلل: أي خلل موصوف بكونه غير مقتض لانعزاله، فإن اقتضاه لم يحتج إلى عزل الامام له، لانعزاله بنفس ذلك الخلل المقتضي له، وهو كالفسق والجنون إلى آخر ما تقدم (قوله: ككثرة الخ) تمثيل للخلل الذي لا يقتضي انعزاله.

(وقوله: الشكاوي) أي من الرعية بسبب تضررها منه.

(وقوله: فيه) أي في القاضي.

(قوله: وبأفضل منه) معطوف على بظهور خلل، أي ويجوز عزله بوجود أفضل منه، وإن لم يظهر فيه خلل، رعاية للاصلح للمسلمين، ولا يجب العزل لذلك، وإن قلنا إن ولاية المفضول لا تنعقد مع وجود الفاضل، لان الغرض حدوث الافضل بعد الولاية، فلم يقدح فيها أفاده في التحفة.

(قوله: وبمصلحة) معطوف أيضا على بظهور خلل: أي ويجوز عزله بسبب وجود مصلحة في العزل، كتسكين فتنة، ولو لم يعزل يخاف من حدوثها.

(وقوله: سواء أعزله بمثله أم بدونه) أي سواء عزله بذلك مع وجود مثله يوليه في مكانه أم دونه، فالباء بمعنى مع، وهي مضافة لمحذوف (قوله: وإن لم يكن شئ من ذلك) أي من المذكور من ظهور خلل، ووجود أفضل منه، وظهور مصلحة.

(وقوله: لم يجز عزله لانه عبث) أي وتصرف الامام يصان عنه.

(وقوله: ولكن ينفذ العزل) أي مع إثم المولى والمتولي بذلا لطاعة السلطان.

قال في النهاية: وهذا في الامر العام، أما الوظائف الخاصة كإمامة وأذان وتصوف وتدريس وطب ونحوها، فلا تنعزل أربابها بالعزل من غير سبب - كما أفتى به جمع متأخرون - وهو المعتمد.

ومحل ذلك حيث لم يكن في شرط الواقف ما يقتضي خلاف ذلك.

اه.

وقوله: خلاف ذلك) أي وهو العزل من غير سبب بأن قال الواقف، وللناظر عزله وتولية آخر من غير سبب.

(قوله: أما إذا تعين إلخ) مفهوم قوله لم يتعين.

(قوله: بأن لم يكن ثم) أي في تلك الناحية من يصلح للقضاء غيره.

(قوله: فيحرم الخ) جواب أما.

(قوله: ولا ينفذ) أي عزله.

(قوله: وكذا عزله لنفسه حينئذ) أي وكذا يحرم عزله لنفسه مع عدم نفوذه حين إذ تعين للقضاء.

(قوله: بخلافه في غير هذه الحالة) أي بخلاف عزله لنفسه في غير حالة التعيين.

(قوله: فينفذ عزله لنفسه) أي ولا يحرم، وهو تفريع على قوله بخلافه إلخ.

(وقوله: وإن لم يعلم موليه) غاية في النفوذ.

(قوله: ولا ينعزل قاض) أي ولو قاضي ضرورة إذا لم يوجد مجتهد صالح، أما مع وجوده، فإن رجى توليه انعزل، وإلا فلا فائدة في انعزاله.

ع ن.

اه.

بجيرمي.

ومثل القاضي - في عدم انعزاله - الامير، والمحتسب، وناظر الجيش، ووكيل بيت المال، وما أشبه ذلك.

(قوله: ولا بانعزاله)

ص: 256

فينعزل نوابه بموته (ولا يقبل قول متول في غير محل ولايته) وهو خارج عمله (حكمت بكذا) لانه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا ينفذ إقراره به وأخذ الزركشي من ظاهر كلامهم أنه إذا ولي ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها فلو زوج وهو بأحدهما من هي بالبلد أو عكسه لم يصح، قيل، وفيه نظر قال شيخنا والنظر واضح بل الذي يتجه أنه إن علمت عادة بتبعية أو عدمها فذلك وإلا اتجه ما ذكره اقتصارا على ما نص له عليه وأفهم قول المنهاج أنه في غير محل ولايته كمعزول أن لا ينفذ منه فيه تصرف استباحه بالولاية كإيجار وقف نظره للقاضي وبيع مال يتيم وتقرير في وظيفة.

قال شيخنا وهو ظاهر (ك) - ما لا يقبل قول (معزول) بعد انعزاله ومحكم بعد

ــ

أي الامام الاعظم بسبب كفره، أو عزله لنفسه.

(قوله: لعظم شدة الخ) إضافة عظم إلى ما بعده للبيان: أي لعظم، هو

شدة الضرر.

وفي التحفة والنهاية: لعظم الضرر فقط، بدون زيادة شدة، وهو الأولى.

(وقوله: بتعطيل الحوادث) الباء سببية متعلقة بعظم: أي إن عظم الضرر حاصل بسبب تعطيل الحوادث: أي الاحكام لو انعزل القاضي بانعزال الامام أو بموته.

(قوله: فينعزل نوابه) أي القاضي.

(وقوله: بموته) أي القاضي: أي أو بانعزاله بما مر، كما مر.

(قوله: ولا يقبل) أي إلا ببينة.

(وقوله: قول متول في غير محل ولايته) أي ولو على أهل محل ولايته.

زي.

(قوله: وهو) أي غير محل ولايته.

(وقوله: خارج عمله) أي تصرفه.

قال في التحفة: لا خارج مجلسه - خلافا لمن وهم فيه - إلا أن يريد أن موليه قيد ولايته بذلك المجلس.

اه.

(قوله: حكمت بكذا) مقول القول، سواء أقالها على وجه الاقرار، أو على وجه الانشاء.

(قوله: لأنه) أي المتولي في غير محل ولايته.

(وقوله: لا يملك إنشاء الحكم حينئذ) أي حين إذ كان في غير محل ولايته.

(قوله: فلا ينفذ إقراره به) أي بالحكم في غير محل ولايته.

(قوله: من ظاهر كلامهم) أي الفقهاء.

(قوله: أنه الخ) المصدر المنسبك مفعول أخذ.

(قوله: لم يتناول) أي توليه المفهوم من ولى، أو حكمه المعلوم من المقام (وقوله: مزارعها) أي البلد.

(وقوله: وبساتينها) عطف خاص على عام.

(قوله: فلو زوج) أي القاضي، وهو تفريع على قوله لم يتناول الخ.

(وقوله: وهو) أي القاضي.

(وقوله: بأحدهما) أي المزارع، أو البساتين.

(قوله: من هي بالبلد) مفعول زوج.

(قوله: أو عكسه) أي بأن زوج من هو في البلد من كانت في أحدهما.

(قوله: لم يصح) أي التزوج، وهو جواب لو.

(قوله: قيل وفيه نظر) أي وفيما أخذه الزركشي من ظاهر كلامهم: أي في إطلاقه نظر.

(قوله: والنظر واضح) وجهه أنه قد يقتضي العرف تبعية المزارع أو البساتين للبلد، فلا يصح إطلاق القول بعد نفوذ حكمه فيهما حينئذ.

(قوله: بل الذي يتجه الخ) حاصله أنه إن اطرد عرف بالتبعية نفذ حكمه فيهما، وإلا فلا ينفذ، وإن لم يطرد عرف لا بتبعية ولا غيرها اقتصر على ما نص عليه فلا يتجاوزه.

(قوله: بتبعية) أي تبعية المزارع والبساتين للبلد.

(وقوله: أو عدمها) أي التبعية (قوله: فذلك) أي واضح: أي فيعمل بما جرت به العادة.

(قوله: وإلا) أي وهن لم تعلم عادة لا بتبعية ولا غيرها.

(وقوله: اتجه ما ذكره) أي الزركشي من أنه إذا ولى ببلد لم يتناول مزارعها وبساتينها.

(قوله: اقتصارا الخ) علة لاتجه ما ذكره: أي وإنما اتجه ما ذكره إن علمت عادة بتبعية أو عدمها، اقتصارا على المحل الذي نص الامام عليه في الولاية، وهو هنا البلد فيقتصر عليها، ولا يتجاوز حكمه غيرها من البساتين والمزارع.

(قوله: أنه الخ) الجملة مقول قول المنهاج: أي أن القاضي بالنسبة لغير محل ولايته كائن كمعزول.

(قوله: أنه لا ينفذ الخ) المصدر المنسبك مفعول افهم.

(وقوله: فيه) أي في غير محل ولايته.

(وقوله: تصرف) فاعل ينفذ (وقوله: استباحه بالولاية) الجملة صلة لتصرف

أي تصرف موصوف بكونه استباحة بسبب الولاية.

(قوله: كإيجار وقف) مثال للتصرف الذي يستبيحه بالولاية، ولا ينفذ فيه إن كان في غير محل ولايته.

(وقوله: نظره للقاضي) أي النظر على ذلك الوقف كائن للقاضي.

(قوله: وبيع مال الخ) معطوف على إيجار وقف: أي وكبيع مال يتيم وتقرير أحد في وظيفة، وهما مثالان أيضا للتصرف الذي يستبيحه بالولاية، ولا ينفذ منه إن كان في غير محل ولايته.

(قوله: قال شيخنا وهو) أي ما أفهمه قول المنهاج ظاهر.

وقال بعده: كتزويج من ليست بولايته، وظاهر هطا إنه لا يصح استخلافه قبل وصوله لمحل ولايته من يحكم بها، فإفتاء بعضهم بصحته

ص: 257

مفارقة مجلس حكمه حكمت بكذا لانه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا يقبل إقراره به ولا يقبل أيضا شهادة كل منهما بحكمه لانه يشهد بفعل نفسه إلا إن شهد بحكم حاكم ولا يعلم القاضي أنه حكمه فتقبل شهادته إن لم يكن فاسقا، فإن علم القاضي أنه حكمه لم تقبل شهادته كما لو صرح به ويقبل قوله بمحل حكمه قبل عزله حكمت بكذا، وإن قال بعلمي لقدرته على الانشاء حينئذ حتى لو قال على سبيل الحكم نساء هذه القرية: أي المحصورات طوالق من أزواجهن قبل إن كان مجتهدا ولو في مذهب إمامه ولا يجوز لقاض أن يتبع حكم قاض

ــ

بعيد.

اه.

(قوله: كما لا يقبل قول معزول) أي قاض معزول، والكاف للتنظير.

(قوله: بعد انعزاله) متعلق بقول.

(قوله: ومحكم) معطوف على معزول: أي وكما لا يقبل قول محكم بعد مفارقة المجلس الذي وقع الحكم فيه.

(قوله: حكمت بكذا) مقول لقول كل من المعزول والمحكم.

(قوله: لأنه) أي المذكور من المعزول والمحكم، ولو قال لانهما لكان أولى.

(قوله: حينئذ) أي حين إذ صدر القول المذكور بعد الانعزال وبعد مفارقة مجلس الحكم.

(قوله: فلا يقبل إقراره) أي بعد الانعزال وبعد المفارقة المذكورة.

(وقوله: به) أي بالحكم.

(قوله: ولا يقبل أيضا) أي كما لا يقبل حكمهما حينئذ.

(قوله: شهادة كل منهما) أي من المعزول والمحكم، ومثلهما المتولي في غير محل ولايته.

ولو قال شهادة من ذكر ليشمل الجميع لكان أولى.

(وقوله: بحكمه) خرج به ما لو شهد أن فلانا أقر في مجلسه بكذا فيقبل.

(قوله: لأنه) أي كلا منهما.

(وقوله: يشهد بفعل نفسه) أي فعل نفسه: أي والشهادة على ذلك غير صحيحة.

قال في التحفة: وفارق المرضعة بأن فعلها غير مقصود بالاثبات، مع أن شهادتها لا تتضمن تزكية نفسها، بخلاف الحاكم فيهما.

اه.

(قوله: إلا إن شهد إلخ) استثناء من عدم قبول شهادته على فعل نفسه: أي لا يقبل ذلك إلا إن شهد كل منهما بحكم حاكم، ولم يضفه لنفسه بأن قال أشهد أنه حاكم حكم بهذا، أو ثبت هذا عند حاكم ولا يعلم القاضي الذي حصلت الدعوى عنده أن هذا الحكم حكم الشاهد الذي شهد به فتقبل شهادته، لانه لم يشهد على فعل نفسه ظاهرا، واحتمال المبطل لا أثر له.

(وقوله: إن لم يكن فاسقا) قيد في قبول الشهادة من المذكور.

وخرج به ما إذا كان فاسقا فلا تقبل شهادته، لانتفاء شرط الشهادة.

(قوله: فإن علم القاضي) أي المشهود عنده، وهو مفهوم قوله ولا يعلم إلخ.

(وقوله: أنه) أي الحكم الذي شهد به.

(وقوله: حكمه) أي الشاهد.

(قوله: لم تقبل شهادته) جواب إن.

قال في التحفة: وقد يشكل عليه ما في فتاوي البغوي، إشترى شيئا فغصبه منه غاصب فادعى عليه به وشهد له البائع بالملك

مطلقا قبلت شهادته، وإن علم القاضي أنه البائع له، كمن رأى عينا في يد شخص يتصرف فيها تصرف الملاك، له أن يشهد له بالملك مطلقا، وإن علم القاضي أنه يشهد بظاهر اليد فيقبله، وإن كان لو صرح به لم يقبل.

ثم رأيت الغزي نظر في مسألة البيع، وقد يجاب بأن التهمة في مسألة الحكم أقوى، لان الانسان مجبول على ترويج حكمه ما أمكنه، بخلاف المسألتين الاخيرتين اه.

(قوله: كما لو صرح به) أي بأنه حكمه عند أداء الشهادة، فلا تقبل شهادته.

(قوله: ويقبل قوله) أي القاضي.

(وقوله: بمحل حكمه) أي ولايته، وهو وما بعده متعلقان بلفظ قوله: ويحتمل أن يكونا متعلقين بمحذوف حال من ضمير قوله: أي ويقبل قول القاضي حال كونه كائنا في محل ولايته، وحال كونه قبل عزله.

(وقوله: حكمت بكذا) مقول القول.

(قوله: وإن قال بعلمي) غاية في القبول: أي يقبل قوله ما ذكر وإن قال حكمت بعلمي: أي لا ببينة ولا إقرار.

(قوله: لقدرته على الانشاء حينئذ) أي حين إذ كان في محل ولايته وقبل العزل.

(قوله: حتى لو قال) حتى تفريعية، أي فلو قال القاضي.

(وقوله: على سبيل الحكم) أي لا على سبيل الاخبار.

(وقوله: نساء هذه القرية) مبتدأ خبره طوالق.

(قوله: أي المحصورات) عبارة التحفة: وبحث الأذرعي أن محله - أي قبول قوله المذكور - في المحصورات، وإلا فهو كاذب مجازف، وفي قاض مجتهد ولو في مذهب إمامه.

قال: ولا ريب عندي في عدم نفوذه من جاهل أو فاسق.

اه.

(قوله: قبل) جواب لو.

(قوله: إن كان إلخ) قيد في القبول، أي محل قبول قول القاضي ما ذكر أن كان مجتهدا.

(وقوله: ولو في مذهب إمامه) أي ولو كان مجتهدا في مذهب إمامه فإنه يكفي، ولا يشترط أن يكون مجتهدا مطلقا.

(قوله: ولا يجوز لقاض أن يتبع) يقرأ بتشديد التاء، وأصله يتتبع بتاءين فأدغم أحدهما في الآخر.

وعبارة

ص: 258

قبله صالح للقضاء (وليسو القاضي بين الخصمين) وجوبا في إكرامهما وإن اختلفا شرفا وجواب سلامهما والنظر إليهما والاستماع للكلام وطلاقة الوجه والقيام فلا يخص أحدهما بشئ مما ذكر.

ولو سلم أحدهما انتظر الآخر ويغتفر طول الفصل للضرورة أو قال له سلم ليجيبهما معا ولا يمزح معه وإن شرف بعلم أو حرية والاولى أن يجلسهما بين يديه.

ــ

الفتح: أن يتتبع بالفك من غير إدغام، وقد عقد في الروض وشرحه لهذه المسألة فصلا فقال: فصل في جواز تتبع القاضي حكم من قبله من القضاة الصالحين.

للقضاء وجهان: أحدهما نعم، واختاره الشيخ أبو حامد، وثانيهما المنع، لان الظاهر منه السداد، وبه جزم المحاملي، وصححه الفارقي، وعزاه الماوردي إلى جمهور البصريين، واقتضاه كلام الاصل في الباب الآتي، فإن تظلم شخص من معزول أو نائبه، سأله عما يريد منه، ولا يسارع إلى إحضاره فقد يقصد إبتذاله، فإن ادعى بأن ذكر أنه يدعي معاملة، أو إتلاف مال، أو عينا أخذها بغصب أو نحوه، أحضره وفصل خصومته منه كغيره.

وكذا لو ادعى عليه رشوة بتثليث الراء.

أو حكما بعبدين مثلا، أي بشهادة عبدين أو غيرهما ممن لا تقبل شهادته، وإن لم يتعرض للاخذ، أي أخذ المال المحكوم به منه، فإن أقام على المعزول بعد الدعوى عليه بينة، أو أقر المعزول

حكم عليه، وإلا صدق بيمينه، كسائر الامناء إذا ادعى عليهم خيانة، ولعموم خبر: البينة على المدعي واليمين على من أنكر إلخ.

اه.

(قوله: وليسو القاضي إلخ) لما فرغ من شروط القاضي، شرع في الامر المطلوب منه وفي المحرم عليه، وبدأ بالاول فقال: وليسو الخ.

(قوله: بين الخصمين) أي وإن وكلا، فلا يرفع الموكل على الخصم لان الدعوى متعلقة به أيضا، بدليل أنه إذا وجبت يمين وجب تحليفه، وكثير يوكل خلاصا من ورطة التسوية بينه وبين خصمه، وهو جهل قبيح (قوله: في إكرامهما) متعلق بيسو: أي وليسو في إكرام الخصمين: أي بسائر وجوه الاكرام، وفي الكلام اكتفاء، أي وفي عدم إكرامهما، كطلاقة وجه وضدها، وقيام وضده ونظر إليهما وضده، وهكذا.

(قوله: وإن اختلفا شرفا) أي فضيلة، وهو غاية للتسوية، ومحله ما لم يختلفا بالاسلام والكفر، وإلا فيجب أن يميز المسلم على الكافر في سائر وجوه الاكرام: كأن يجلس المسلم أقرب إليه، كما جلس سيدنا علي رضي الله عنه بجنب شريح في خصومة له مع يهودي، وقال له لو كان خصمي مسلما لجلست معه بين يديك، لكني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تساووهم في المجالس.

رواه البيهقي.

(قوله: وجواب سلامهما) معطوف هو وما بعده على إكرامهما، من عطف الخاص على العام.

وعبارة المنهج: وليسو بين الخصمين في الاكرام، كقيام، ودخول، واستماع، وطلاقة وجه إلخ.

اه.

وهي أولى من عبارة المؤلف.

(قوله: والنظر إليهما) أي وليسو في النظر إلى الخصمين، فلا ينظر لاحدهما دون الآخر، لئلا ينكسر قلب الآخر.

(قوله: والاستماع للكلام) أي وليسو في استماع كلامهما، فلا يسمع كلام أحدهما دون الآخر لما مر.

(قوله: وطلاقة الوجه) أي وليسو في طلاقة الوجه، أي إظهار الفرح لهما، فلا يخص أحدهما بطلاقة الوجه لما مر.

(قوله: والقيام) أي وليسو بينهما في القيام لهما، فلا يقوم لاحدهما دون الآخر لما مر، فلو قام لاحدهما ولم يعلم أنه في خصومة، ينبغي أن يقوم للآخر، أو يعتذر بأنه لم يعلم أنه جاء في خصومة.

(قوله: فلا يخص أحدهما) أي الخصمين، وهو تفريع على قوله وليسو الخ.

(وقوله: بشئ مما ذكر) أي من جواب السلام، والنظر والاستماع للكلام، وطلاقة الوجه، والقيام.

(قوله: ولو سلم إلخ) الأولى التفريع بالفاء.

(وقوله: أحدهما) أي الخصمين.

(وقوله: انتظر) أي القاضي الآخر: أي سلامه، فيجيبهما معا.

وفي البجيرمي: قال بعضهم إن ما ذكر هنا يخالف ما سبق في السير من أن ابتداء السلام سنة كفاية من جمع، فإذا حضر جمع وسلم أحدهم كفى عن الباقين.

اه.

(قوله: ويغتفر طول الفصل) أي بين الرد وسلام الاول.

(وقوله: للضرورة) أي وهي المحافظة على التسوية.

(قوله: أو قال له سلم) واغتفر هذا التكلم بأجنبي ولم يكن قاطعا للرد لضرورة التسوية أيضا.

قال زي: فلو لم يسلم ترك جواب الاول محافظة على

التسوية.

اه.

قال البجيرمي.

وفيه أنه يلزم عليه ترك واجب لتحصيل واجب، فما المرجح إلا أن يقال المرجح الاحتياط للمحافظة على التسوية.

اه.

(قوله: ولا يمزح الخ) معطوف على (قوله: فلا يخص أحدهما) أي ولا يمزح القاضي مع

ص: 259

فرع: لو ازدحم مدعون قدم الاسبق فالاسبق وجوبا كمفت ومدرس فيقدمان وجوبا بسبق، فإن استووا أو جهل سابق أقرع وقال شيخنا، وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر.

ويستحب كون مجلسه الذي يقضي فيه فسيحا بارزا ويكره أن يتخذ المسجد مجلسا للحكم صونا له عن اللغط وارتفاع

ــ

أحد الخصمين، لئلا ينكسر قلب الآخر ويتضرر به.

وتخصيص المزح بكونه مع أحد الخصمين ليس بقيد، بل مثله بالأولى، ما إذا كان مع الخصمين، كما صرح به في الروض وشرحه ونصهما: وليقبل عليهما بقلبه، وعليه السكينة بلا مزح معهما أو مع أحدهما، ولا نهر، ولا صياح عليهما ما لم يتركا أدبا، فإن تركا أدبا نهرهما وصاح عليهما.

ويندب أن يجلسا بين يديه ليتميزا.

وليكون إستماعه لك منهما أسهل، وإذا جلسا تقاربا، إلا أن يكونا رجلا وامرأة غير محرم فيتباعدان.

اه.

(قوله: وان شرف الخ) غاية لقوله لا يخص إلخ: أي لا يخص أحدهما بذلك، وإن شرف بعلم أو حرية أو نحوهما، وكان الأولى تقديمه على قوله ولو سلم أحدهما الخ.

(قوله: والاولى أن يجلسهما) أي الخصمين بين يديه لما مر آنفا.

ولو أجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره جاز، لكنه خلاف الأولى.

(قوله: فرع) الأولى فروع (قوله: لو ازدحم مدعون) أي في مجلس الحكم وقد جاءوا مترتبين، وعرف السابق بدليل قوله بعد، فإن استووا أو جهل سابق.

(قوله: قدم الاسبق فالاسبق) أي المسلم، أما الكافر فيقدم عليه المسلم المسبوق.

قال في التحفة: والعبرة بسبق المدعي، لانه ذو الحق، وبحث البلقيني أنه لو جاء مدع وحده ثم مدع مع خصمه ثم خصم الاول قدم من جاء مع خصمه.

(قوله: كمفت ومدرس) أي في فرض العين أو الكفاية، أما في غير الفرض كالعروض، وزيادة التبحر، على ما يشترط في الاجتهاد المطلق، فالتقدم بالمشيئة والاختيار.

(قوله: فيقدمان) أي المفتي والمدرس.

ومفعول الفعل محذوف: أي يقدمان من جاء يستفتي أو يتعلم.

(وقوله: بسبق) متعلقان بيقدمان، وهذا إن كان ثم سبق، وعرف السابق بدليل ما بعد.

(قوله: فإن استووا) أي في مجيئهم عند القاضي، أو المفتي، أو المدرس، فهو مرتبط بالجميع ولو تمم الكلام على ما يتعلق بالقاضي ثم قال كمفت ومدرس لكان أولى.

(وقوله: أو جهل سابق) أي جهل من جاء أولا إليهم.

(وقوله: أقرع) أي بينهم، إذ لا مرجح لاحدهم على الآخر، وحينئذ يقدم من خرجت قرعته.

قال في الروض وشرحه: فإن كثروا وعسر الاقراع، كتب الرقاع أو كتب فيها أسماءهم وصبت بين يدي القاضي، ليأخذها واحدة واحدة، ويدعى من خرج إسمه في كل مرة، ويستحب أن يرتب ثقة يكتب أسماءهم يوم قضائه ليعرف ترتبهم، ولو قدم الاسبق غيره على نفسه جاز، ولا يقدم سابق وقارع: أي من خرجت قرعته إلا بدعوى واحدة، وإن اتحد المدعى عليه دفعا للضرر عن

الباقين، فإن كان له دعوى أخرى، إنتظر فراغهم، أو حضر في مجلس آخر.

ويستحب له عند إجتماع الخصوم عند تقديم مسافرين مستوفزين، أي متهيئين للسفر وخائفين من انقطاعهم عن رفقتهم إن تأخروا عن المقيمين، لئلا يتضرروا بالتخلف.

وتقديم نساء طلبا لسترهن.

ولو كان المسافرون والنساء مدعى عليهم، فإنه يستحب تقديمهم بدعاويهم إن كانت خفيفة، بحيث لا تضر بالمقيمين في الاولى، وبالرجال في الثانية إضطرارا بينا، ويقدم المسافر على المرأة المقيمة صرح به في الانوار.

اه.

بحذف.

(قوله: وقال شيخنا) أي في فتح الجواد ونص عبارته مع الأصل: كمفت ومدرس في فرض عين أو كفاية، فيقدمان وجوبا بسبق إلى مجلسهما ولو قبل حضورهما قياسا على ما مر في القاضي، فإن استووا، أو جهل سابق فبقرعة بفتوى أو درس واحد، نعم: إن ظهر له جواب المسبوق فقط، قدمه.

بحثه الاذرعي ويأتي في تقديم سفر: أي مسافرين ونساء ما مر، أما في غير الفرض، قال بعضهم كالعروض، فالتقديم بمشيئة المفتي أو المدرس، وظاهر أن طالب فرض العين مع ضيق الوقت يقدم كالمسافر بل أولى.

اه.

وإذا تأملتها تعلم أن عبارة شارحنا مختصرة منها، إلا أنه أخل في الاختصار من حيث إنه لم يستوف الكلام على القاضي أولا، ومن حيث أنه أطلق في المفتي والمدرس، ومن حيث إن قوله وظاهر أن طالب فرض الخ، يوهم إرتباطه بالقاضي كالمفتي والمدرس مع أنه مرتبط بالاخيرين فقط.

(قوله: ويستحب كون مجلسه الخ) ويستحب أيضا له أن يأتي المجلس راكبا ويسلم على الناس يمينا وشمالا، وأن يجلس على مرتفع كدكة وكرسي، ليسهل عليه النظر إلى الناس، ويسهل عليهم المطالبة بين يديه، وأن

ص: 260

الاصوات.

نعم إن اتفق عند جلوسه فيه قضية أو قضيتان فلا بأس بفصلها (وحرم قبوله) أي القاضي (هدية من لا

ــ

يتميز عن غيره بفرش كمرتبة ووسادة وطيلسان وعمامة، وإن كان زاهدا متواضعا ليعرفه الناس، وليكون أهيب للخصوم وأرفق به، وأن يستقبل القبلة في جلوسه، لأنها أشرف الجهات، وأن يدعو عقب جلوسه بالتوفيق والسداد، والأولى أن يقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته أم سلمة: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي.

وكان الشعبي يقوله إذا خرج إلى مجلس القضاء ويزيد فيه: أو أعتدي أو يعتدى علي.

اللهم أغنني بالعلم، وزيني بالحلم، وألزمني التقوى حتى لا أنطق إلا بالحق، ولا أقضي إلا بالعدل.

وأن يشاور الامناء والفقهاء عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (وشاورهم في الامر) * قال الحسن البصري كان صلى الله عليه وسلم مستغنيا عن المشاورة، ولكن أراد الله أن تكون سنة للحكام.

وخرج بقولنا عند اختلاف وجوه النظر وتعارض الادلة الحكم المعلوم بنص أو إجماع أو قياس جلي، فلا حاجة للمشاورة فيه.

وأن ينظر أولا في حال أهل الحبس، لانه

عذاب عليهم، فمن أقر بحق منهم فعل به مقتضاه، ومن ادعى منهم أنه مظلوم بالحبس طلب من خصمه حجة إن كان حاضرا، فإن لم يقمها صدق المحبوس بيمينه وأطلقه.

وإن كان غائبا كتب إليه ليحضر عاجلا هو أو وكيله، فإن لم يحضر صدقه بيمينه وأطلقه أيضا، لكن يحسن أن يأخذ منه كفيلا.

ثم بعد فراغه من النظر في حال المحبوسين، ينظر في حال الاوصياء، فمن ادعى منهم وصاية أثبتها عنده ببينة ثم يبحث عن حاله وتصرفه فيها، فمن وجده عدلا قويا أقره، ومن وجده فاسقا أو شك في عدالته، نزع المال منه ووضعه عند عدل.

ومن وجده عدلا ضعيفا قواه بمعين يضمه إليه.

ثم بعد ذلك ينظر في أمناء القاضي المنصوبين على المحاجير.

ثم في الوقف العام والمال والضال واللقطة، ويستحب أيضا أن يتخذ كاتبا للحاجة إليه، فإن القاضي قد لا يحسن الكتابة، وإن أحسنها فلا يتفرغ لها غالبا، ويشترط في الكاتب أن يكون عدلا لئلا يخون فيما يكتبه، حرا ذكرا عارفا بكتابة محاضر وسجلات وكتب حكمية، ليعلم كيفية ما يكتبه.

والمحاضر جمع محضر، وهو ما يكتب فيه حضر فلان وادعى على فلان بكذا، إلى آخر ما يقع من الخصمين من غير حكم، والسجلات جمع سجل، وهو ما يسجل فيه الحكم بعد الدعوى، ويحفظ في بيت القاضي، والكتب الحكمية هي المعروفة الآن بالحجج، وهو ما يكتب فيه ذلك ويكتب القاضي عليه خطه، ثم يعطى للخصم، وأن يتخذ له مترجمين يترجمان له كلام من لا يعرف لغته من خصم أو شاهد، وإن كان ثقيل السمع إتخذ مسمعين أيضا، بشرط أن يكون كل من المترجمين والمسمعين من أهل الشهادة، وأن يتخذ سجنا واسعا للتعزيز وأداء الحق، وأجرته على المسجون لشغله له، وأجرة السجان على صاحب الحق.

ودرة - بكسر الدال وفتح الراء المشددة - للتأديب بها، وأول من اتخذها سيدنا عمر رضي الله عنه، وكانت من نعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أهيب من سيف الحجاج، وما ضرب بها أحدا على ذنب وعاد إليه، بل يتوب منه.

(قوله: ويكره أن يتخذ المسجد إلخ) أي بلا عذر، فإن وجد عذر كشدة حر، أو برد، أو ريح، أو مطر، فلا يكره.

(قوله: صونا له) أي حفظا للمسجد.

(وقوله: من اللغط وارتفاع الاصوات) أي الواقعين بمجلس القضاء عادة وعطف إرتفاع الاصوات على اللغط من عطف التفسير.

(قوله: نعم إن اتفق عند جلوسه فيه) أي في المسجد لصلاة أو غيرها.

(وقوله: قضية الخ) فاعل اتفق.

(قوله: فلا بأس بفصلها) أي القضية: أي أو فصلهما - أي القضيتين - أي فلا يكره ذلك في المسجد، وعلى ذلك يحمل ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم وعن خلفائه من القضاء في المسجد.

ثم إن جلس في المسجد مع الكراهة أو دونها، منع الخصوم من الخوض فيه بالمخاصمة والمشاتمة ونحوهما.

ولا يدخلونه جميعا بل يقعدون خارجه، وينصب من يدخل عليه خصمين خصمين.

(قوله: وحرم قبوله إلخ) شروع فيما يحرم على

القاضي، وهو الهدية وما في معناها كالضيافة، والهبة، والعارية، إن كانت المنفعة تقابل بأجرة، كسكنى دار، وركوب دابة، بخلاف التي لا تقابل بأجرة كقطع بسكين، وغربلة بغربال، وكالصدقة، والزكاة على ما سيأتي فيهما.

(قوله: أي القاضي) خرج به المفتي والواعظ ومعلم القرآن، فلا يحرم عليهم قبول الهدية.

إذ ليس لهم رتبة الالزام، لكن ينبغي لهم

(1) سورة آل عمران، الاية:159.

ص: 261

عادة له بها قبل ولاية) أو كان له عادة بها لكنه زاد في القدر أو الوصف (إن كان في محله) أي محل ولايته (و) هدية (من له خصومة) عنده أو من أحس منه بأنه سيخاصم وإن اعتادها قبل ولايته لانها في الاخيرة تدعو إلى الميل إليه وفي الاولى سببها الولاية وقد صحت الاخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال (وإلا) بأن كان من عادته أنه يهدى إليه قبل الولاية ولو مرة فقط أو كان في غير محل ولايته أو لم يزد المهدي على عادته ولا خصومة

ــ

التنزه عن ذلك.

(قوله: هدية) يقرأ يغير تنوين، لانه مضاف إلى ما بعده، وهو مفعول المصدر المضاف إلى فاعله.

(وقوله: من لا عادة له بها) أي بالهدية: أي بإهدائها للقاضي.

والجار والمجرور متعلق بعادة ومثله الظرف بعده.

(قوله: أو كان الخ) الجملة معطوفة على جملة لا عادة له بها: أي وحرم قبول هدية من له عادة بها الخ.

(قوله: لكنه) أي من له عادة الهدية.

(وقوله: زاد في القدر) أي قدر الهدية، كأن كانت عادته قبل الولاية إهداء عشرة مثلا، فزاد عليها بعدها.

(وقوله: أي الوصف) أي كأن كانت عادته قبلها إهداء ثوب كتاب، فأهدى له بعدها ثوب حرير.

واختلف هل يحرم في صورة الزيادة قبول الجميع أو الشئ الزائد فقط، وينبغي أن يقال - كما في الذخائر - إن لم تتميز الزيادة بجنس أو قدر، حرم قبول الجميع إن كان للزيادة وقع، فإن لم يكن لها وقع، فلا عبرة بها.

وإن تميزت بجنس أو قدر حرم قبول الزيادة فقط، ولا يحرم قبول الاصل.

(قوله: إن كان إلخ) قيد في حرمة قبوله هدية من ذكر: أي محل حرمة ذلك إن كان القاضي حالا في محل ولايته، سواء كان المهدي من أهل محل ولايته أم لم يكن من محل ولايته ودخل بها في محلها، وكذا لو أرسلها مع رسول ولم يدخل بها، فيحرم قبولها على الراجح عند بعضهم كما سيذكره.

(قوله: وهدية) بالنصب معطوف على هدية: أي وحرم قبوله هدية من له خصومة عنده حاضرة.

(قوله: أو من أحس منه) معطوف على من له خصومة: أي وحرم قبوله هدية من ليس له عنده خصومة حاضرة، ولكنه أحس واستشعر منه بأنه يسخاصم.

(قوله: وإن اعتادها إلخ) غاية في الصورتين: أي يحرم قبوله هدية من له خصومة أو من سيخاصم، وإن اعتاد القاضي الهدية منه قبل ولايته: أي وإن كان في غير محل ولايته، فيحرم عليه أيضا قبولها.

(قوله: لأنها الخ) علة لحرمة القبول في جميع الصور.

(وقوله: في الأخيرة) مراده بها من له خصومة وما عطف عليه.

(وقوله: تدعو إلى الميل إليه) أي إلى المهدي المذكور، فيقدمه على خصمه وربما يحكم له بغير الحق.

(وقوله: وفي الأولى) مراده بها من لا عادة له بها وما عطف عليه.

(وقوله: سببها) أي الهدية والولاية.

روى الشيخان، عن أبي حميد الساعدي: ما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول: هذا من

عملكم وهذا أهدي إلي؟ أفلا قعد في بيت أبيه أو أمه فنظر هل يهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئا، إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه.

إن كان بعيرا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر.

فقد بلغت: أي حكم الله الذي أرسلت به في هذا إليكم.

(قوله: وقد صحت الاخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال) منها قوله عليه السلام: هدايا العمال - وفي رواية الامراء - غلول بضم الغين واللام - وهو الخيانة، والمراد أنه إذا أهدى العامل للإمام أو نائبه شيئا فقبله فهو خيانة منه للمسلمين، فلا يختص به دونهم.

ومنها ما رواه أبو يعلى: هدايا العمال حرام كلها، وإنما حل له صلى الله عليه وسلم قبول الهدية لانه معصوم، فهو من خصوصياته.

روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها: كان يقبل الهدية ويثيب عليها بخلاف غيره من الحكام وولاة الامور، فإنه رشوة، فيحرم عليهم خوفا من الزيغ عن الشرع والميل مع الهوى.

أفاده البجيرمي.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يكن لا عادة له، بأن كان له عادة، لأن نفي النفي إثبات.

(وقوله: أنه يهدى) بالبناء للمعلوم، وضميره مع الذي قبله يرجع للمهدي، وضمير إليه يرجع للقاضي.

(قوله: ولو مرة) أي ولو كان الاهداء إليه مرة واحدة، فإنه لا يحرم.

(قوله: أو كان في غير محل ولايته) معطوف على مدخول لو المقدر، أي ولو كان القاضي في غير محل ولايته فإنه لا يحرم، والأولى أن يأتي في الغاية بما هو مستبعد، بأن يقول أو كان في محل ولايته.

(قوله: أو لم يزد) الأولى التعبير بالواو، لانه مع ما بعده قيد فيمن كان له عادة، يعني وإن كانت له عادة ولم يزد عليها، ولم تكن له خصومة الخ جاز قبولها، سواء كان للقاضي في محل ولايته أم لا.

ص: 262

له حاضرة ولا مترقبة جاز قبوله ولو جهزها له مع رسوله وليس له محاكمة ففي جواز قبوله وجهان: رجح بعض شراح المنهاج الحرمة وعلم مما مر أنه لا يحرم عليه قبولها في غير عمله وإن كان المهدي من أهل عمله ما لم يستشعر بأنها مقدمة لخصومة.

ولو أهدى له بعد الحكم حرم القبول أيضا إن كان مجازاة له وإلا فلا.

كذا أطلقه بعض شراح المنهاج.

قال شيخنا: ويتعين حمله على مهد معتاد أهدى إليه بعد الحكم وحيث حرم القبول أو الاخذ لم يملك ما أخذه فيرده لمالكه إن وجد وإلا فلبيت المال وكالهدية الهبة والضيافة وكذا الصدقة على

ــ

والحاصل أن من له خصومة في الحال.

أو مترقبة، يحرم قبول هديته، ولو كان القاضي في غير محل ولايته، وإن اعتادها قبل ولايته، وأما غير من له خصومة، فإن لم يكن للمهدي عادة بالهدية، أو له عادة وزاد عليها قدرا وصفة، حرم قبول هديته أيضا إذا كان القاضي في محل ولايته، فإن كان للمهدي عادة بالهدية، ولم يزد عليها قدرا وصفة، لم يحرم عليه قبولها، سواء كان القاضي في محل ولايته أو غيرها.

(قوله: جاز قبوله) جواب إن المدغمة في لا النافية.

(قوله: ولو جهزها إلخ) يعني لو أرسل المهدي هدية مع رسوله إلى القاضي، والحال أنه ليس له محاكمة، أي خصومة، ففي جواز القبول وجهان، وفيه أن هذه الصورة داخلة تحت قوله وحرم قبوله هدية من لا عادة الخ.

إذ هو صادق بما إذا جاء بها إلى القاضي أو أرسلها إليه ولم يجئ بنفسه،

ففي كلامه تدافع، إذ ما سبق يقتضي الحرمة بالاتفاق، وهذا يقتضيها مع وجود الخلاف.

ويمكن أن يجاب بأن ما سبق محمول على ما إذا جاء صاحبها بها فلا تدافع.

وعبارة التحفة في شرح قول المصنف حرم عليه قبولها، وسواء كان المهدي من أهل عمله أم من غيره، وقد حملها إليه لأنه صار في عمله، فلو جهزها له مع رسول وليس له محاكمة فوجهان إلخ.

اه.

وهي ظاهرة.

فلو صنع كصنيع شيخه لكان أولى.

(قوله: رجح بعض شراح المنهاج الحرمة) أي حرمة قبول القاضي للهدية في الصورة المذكورة.

(قوله: وعلم مما مر) أي من قوله إن كان في محله المجعول، قيد الحرمة قبول هدية من لا عادة له، أو من له عادة لكن زاد عليها.

(قوله: أنه) أي القاضي لا يحرم عليه قبولها: أي الهدية ممن لا عادة له بها، أو زاد عليها.

(قوله: في غير عمله) أي حال كون القاضي في غير محل ولايته، فالجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من ضمير أنه.

(قوله: وإن كان المهدى إلخ) غاية في عدم حرمة قبوله إذا كان في غير محل ولايته.

(قوله: ما لم يستشعر إلخ) قيد في عدم الحرمة: أي محل عدم الحرمة إذا لم يستشعر القاضي بأن الهدية مقدمة لخصومة ستقع من المهدي، فإن استشعر ذلك حرم قبولها.

(قوله: ولو أهدى له) أي للقاضي.

(وقوله: بعد الحكم) أي للمهدي.

(قوله: حرم القبول أيضا) أي كما يحرم قبل الحكم.

(قوله: إن كان) أي ما أهدي له، وهو قيد في الحرمة.

(وقوله: مجازاة له) أي بقصد أنه مجازاة: أي في مقابلة الحكم (قوله: وإلا فلا) أي وإن لم يقصد أنه مجازاة له، فلا يحرم قبوله.

(قوله: كذا أطلقه) أي ما ذكر من التفصيل بين الحرمة إن قصدت المجازاة وعدمها إن لم تقصد.

(قوله: ويتعين حمله) أي ما أطلقه بعض الشراح.

(وقوله: على مهد معتاد إلخ) أي فإن لم يكن معتادا حرم القبول مطلقا، سواء قصدت المجازاة أو لا.

(قوله: حيث حرم القبول أو الاخذ) عبارة فتح الجواد: والاخذ بالواو وهي أولى، ولو اقتصر على الأول لكان أولى.

(قوله: لم يملك) أي القاضي.

(وقوله: ما أخذه) أي من المهدي.

(قوله: فيرده) أي يرد القاضي ما أخذه.

(وقوله: لمالكه) أي المال المأخوذ.

(قوله: إن وجد) أي المالك.

(قوله: وإلا) أي وإن لم يوجد المالك.

(وقوله: فلبيت المال) أي فيرده في بيت المال.

(قوله: وكالهدية الهبة) أي في الحرمة بقيودها المارة، من كونه ليس له عادة قبل الولاية، أو له عادة وزادت، مع كون القاضي فيهما في محل ولايته، ووجود خصومة مطلقا، وجدت عادة أم لا، كأن في محل ولايته أم لا.

وفي عدم الحرمة إن انتفت قيودها.

(قوله: والضيافة) أي كالهدية، هذا يفيد أن الضيافة غير الوليمة، وهو كذلك.

إذ الضيافة تختص بالطعام الذي يصنع للنازل عنده، والوليمة مختصة بالطعام الذي ينادى عليه، لكن رأيت في المصباح عرف الوليمة بتعريف شامل للضيافة.

وعبارته: الوليمة اسم لكل طعام يتخذ لجمع.

اه.

وعليه فتكون الضيافة من أفراد

ص: 263

الاوجه وجوز له السبكي في حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة وخصه في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أنه القاضي، وبحث غيره القطع بحل أخذه الزكاة.

قال شيخنا: وينبغي تقييده بما ذكر.

وتردد السبكي في الوقف عليه من أهل عمله والذي يتجه فيه، وفي النذر أنه إن عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية له.

ويصح إبراؤه عن دينه إذ لا يشترط فيه قبول.

ويكره للقاضي حضور الوليمة التي خص بها وحده وقال جمع: يحرم أو مع جماعة آخرين ولم يعتد ذلك قبل الولاية بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا كما لو اتخذت للجيران أو العلماء وهو منهم أو لعموم الناس.

قال في العباب: يجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح إن

ــ

الوليمة، ويكون بينه وبين قوله الآتي، ويكره حضور الوليمة تدافع.

إذ هو هنا أطلق أن الضيافة كالهدية، وفيما سيأتي فصل تفصيلا غير التفصيل المذكور في الهدية.

(قوله: وكذا الصدقة) أي ومثل الهدية في التفصيل المذكور بين الحرمة بالقيود المارة وعدمها بانتفائها الصدقة.

(قوله: وجوز له السبكي الخ) الفرق بين ما قاله السبكي وبين ما مر، أن السبكي أطلق الجواز فيما إذا لم يكن له عادة، ولم يقيده بما إذا لم يكن في محل ولايته، بخلاف ما مر فإنه مقيد بذلك.

(وقوله: ولا عادة) بالأولى ما إذا كان له عادة.

(قوله: وخصه) أي خص السبكي جواز القبول ممن لا خصومة له ولا عادة في تفسيره بما إذا لم يعرف المتصدق أن هذا المتصدق عليه هو القاضي: أي ولم يعرف القاضي عين المتصدق، كما يدل لذلك عبارة تفسيره ونصها - كما في الرشيدي - إن لم يكن المتصدق عارفا بأنه القاضي، ولا القاضي عارفا بعينه فلا شك في الجواز.

انتهت.

وكما صرح به الشارح في باب الوقف (قوله: وبحث غيره) أي غير السبكي.

(وقوله: القطع) أي الجزم بحل أخذه: أي القاضي الزكاة.

(قوله: وينبغي تقييده) أي الحل.

(وقوله: بما ذكر) أي بما إذا لم تكن هناك خصومة ولا عادة ولم يكن المزكي ممن يعرف القاضي: أي ولا القاضي يعرفه.

(قوله: وتردد السبكي في الوقف عليه) أي على القاضي.

(وقوله: من أهل عمله) الجار والمجرور حال من الوقف: أي حال كونه صادرا من أهل عمله.

(قوله: والذي يتجه فيه) أي في الوقف على القاضي.

(وقوله: في النذر) أي على القاضي (قوله: أنه) يصح عود الضمير على القاضي، ويصح عوده على الواقف أو الناذر المأخوذين من الوقف والنذر.

(وقوله: إن عينه) الضمير المستتر يعود على الواقف أو الناذر، والبارز يعود على القاضي.

(وقوله: باسمه متعلق بعينه) أي عينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على فلان القاضي، أو نذرت هذا عليه.

وخرج به ما إذا لم يعينه بإسمه بأن قال: وقفت هذا على من يتولى القضاء في هذه البلدة، أو نذرت عليه أو على السادة، وكان القاضي منهم، فإنه يصح لأنه لم يقصده بعينه حال الوقف.

(قوله: وشرطنا القبول) أي قلنا إن القبول من الموقوف عليه والمنذر له شرط.

قال ع ش: وهو معتمد في الوقف دون النذور.

اه.

فإن لم نقل إنه شرط فلا يكونان كالهدية.

(قوله: كان) أي المذكور من الموقوف والمنذور.

(وقوله: كالهدية له) أي للقاضي فيحرم عليه قبوله، وعليه حينئذ يكون الوقف من منقطع الاول، فيكون باطلا.

(قوله: ويصح إبراؤه) أي القاضي.

(وقوله: عن دينه) أي الدين الذي عليه.

(قوله: إذ لا يشترط فيه) أي في الابراء قبول، وهو تعليل لصحة إبراء القاضي من الدين الذي عليه.

(قوله: ويكره للقاضي حضور الوليمة) المراد بها ما يشمل وليمة العرس وغيرها، ولا ينافي هذا أن وليمة العرس

إجابتها واجبة، لأن محله في غير القاضي، أما هو فلا تجب عليه كما تقدم في بابها.

(قوله: التي خص بها) أي بالوليمة وحده.

(قوله: وقال جمع يحرم) أي فيما إذا خص بها وحده.

قال في شرح الروض: قال الأذرعي، وما ذكر من كراهة حضوره لها فيما إذا اتخذت له، أخذه الرافعي من التهذيب، والذي اقتضاه كلام الجمهور أن ذلك كالهدية، وهو ما أورده الفوراني والامام والغزالي.

اه.

(قوله: أو مع جماعة آخرين) معطوف على قوله وحده: أي خص بها مع جماعة آخرين غيره.

(قوله: ولم يعتد ذلك) أي تخصيصه بها وحده أو مع آخرين قبل الولاية، فإن اعتيد ذلك قبلها فله حضوره، ولا يكره.

(قوله: بخلاف ما إذا لم يقصد بها خصوصا) أي ولو يقصد بها أيضا في عموم الاغنياء، كما في فتح الجواد فإنه لا يكره ولا يحرم، بل تسن الإجابة حينئذ.

(قوله: كما لو اتخذت) أي الوليمة وهو تمثيل لما إذا لم يقصد بها القاضي خصوصا.

(قوله: وهو منهم) الجملة حالية: أي والحال أن القاضي من جملة الجيران أو العلماء.

ص: 264

لم يشترط، وكذا القاضي حيث جاز له الحضور ولم يشترط ولا طلب.

اه.

وفيه نظر.

تنبيه: يجوز لمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء وكان عمله مما يقابل بأجرة

أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق على ما قاله جمع وقال آخرون يحرم وهو الاحوط لكن الاول أقرب

ــ

واعلم أن محل هذا التفصيل إن كانت الوليمة لغير خصم، فإن كانت له حرم عليه الحضور مطلقا، سواء كانت خاصة له أو عامة، كما في الروض وشرحه، وعبارتهما: وليس له حضور وليمة أحد الخصمين حال الخصومة، ولا حضور وليمتهما ولو في غير محل ولايته، لخوف الميل، ويجيب غيرهما استحبابا إن عم المولم النداء لها.

ولم يقطعه كثرة الولائم عن الحكم، بخلاف ما إذا قطعته عنه، فيتركها في حق الجميع، وله تخصيص إجابة من اعتاد تخصيصه بها قبل الولاية، ويكره له حضور وليمة اتخذت له خاصة أو للاغنياء ودعي فيهم، بخلاف ما لو اتخذت للجيران أو العلماء.

اه.

(قوله: ويجوز لغير القاضي أخذ هدية بسبب النكاح) يعني إذا أهدى الزوج لغير القاضي من ولي المرأة المخطوبة، أو وكيلها، أو هي نفسها لاجل تزوجه عليها، جاز قبول الهدية منه، وتقدم للشارح في باب الهبة وباب الصداق أن من دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها، فرد قبل العقد رجع على من أقبضه، وعلله ابن حجر بأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم الخطبة، ولم تتم إذ يفهم منه جواز قبولها، وعدم رجوعه بعد العقد.

(قوله: إن لم يشترط) أي غير القاضي على الزوج بأنه لا يزوجه بنته مثلا إلا بمال، فإن اشترط ذلك حرم قبوله.

قال في التحفة في أواخر باب الهبة.

وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الاخذ، ولم يملكه، قال الغزالي إجماعا.

وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال، كتزويج بنته.

اه.

(قوله: وكذا القاضي) أي وكذلك يجوز له ما أهدي إليه بسبب النكاح، بأن كان هو ولي المخطوبة.

(قوله: حيث جاز له الحضور)

انظره فإن الكلام فيما يدفع إليه على سبيل الهدية، وليس في ذلك حضور وليمة حتى يشترط ذلك.

تأمل.

(قوله: ولم يشترط) أي القاضي على الزوج أنه لا يزوج مثلا إلا بمال أو نحوه.

(وقوله: ولا طلب) أي القاضي منه ذلك، فإن اشترط أو طلب، حرم عليه القبول.

إذ لا يقابل ذلك بمال.

(قوله: وفيه نظر) أي في قوله بجواز أخذ القاضي الهدية مطلقا نظر.

ووجهه أن القاضي لا يجوز له أخذ الهدية إلا إذا اعتيد ذلك، ولم يزد على العادة، ولم تكن خصومة، كما تقدم لا مطلقا، فالنظر بالنسبة للقاضي فقط من جهة إطلاقه فيه جواز الاخذ.

(قوله: ويجوز لمن لا رزق) أي لقاض لا رزق له، وهو بفتح الراء اسم للفعل، وبكسرها اسم للاثر، وهو ما سيق إليك.

والمراد هنا الثاني.

(قوله: ولا في غيره) أي غير بيت المال كمن مياسير المسلمين.

(قوله: وهو غير متعين للقضاء) أي والحال أن هذا القاضي الذي لا رزق له فيما ذكر غير متعين للقضاء، بأن وجد من يصلح للقضاء غيره، وما ذكر قيد في جواز أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة.

وخرج به ما إذا تعين للقضاء، فيحرم عليه ذلك، وهذا مبني على الضعيف أن الواجب العيني لا يقابل بأجرة، والاصح أنه يقابل بأجرة، فالمتعين كتعليم الفاتحة له أن يمتنع منه إلا بأجرة، وكذلك المتعين للقضاء له أن يمتنع من الحكم إلا بأجرة، لكن إن كان مما يقابل بأجرة كما نبه على ذلك في فتح الجواد، وعبارته: ولمن لا رزق له في بيت المال ولا في غيره وهو غير متعين للقضاء، وكان عمله مما يقابل بأجرة أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة أو رزق، على ما قاله جمع، وهو أقرب للمنقول، لكن في استثناء المتعين والعمل يقابل بأجرة مخالفة لقولهم لا يلزم المتعين تعليم الفاتحة إلا بأجرة، لان الاصح جواز أخذها على الواجب العيني، كما لا يجب بذل طعام للمضطر إلا بالتزام البدل، فلعل ذلك التقييد على مقابل الأصح.

اه.

(قوله: وكان عمله) أي عمل من لا رزق له مما يقابل بأجرة، فإن كان مما لا يقابل بأجرة، فليس له أن يقول لا أحكم بينكما إلا بأجرة، ويحرم عليه قبولها ولا يملكها، وتقدم للشارح في باب الاجارة أنه نقل عن شيخه ابن زياد حرمة أخذ القاضي الأجرة على مجرد تلقين الايجاب.

إذ لا كلفة في ذلك.

(قوله: وقال آخرون يحرم) أي قوله ما ذكر، وإذا حرم ذلك حرم قبولها ولا يملكها لو أعطيت له.

(قوله: وهو) أي القول بالحرمة الاحوط.

(قوله: لكن الأول) هو القول بالجواز أقرب: أي إلى المنقول.

ص: 265

(ونقض) القاضي وجوبا (حكما) لنفسه أو غيره إن كان ذلك الحكم (بخلاف نص) كتاب أو سنة أو نص مقلده أو قياس جلي وهو ما قطع فيه بإلحاق الفرع للاصل (أو إجماع) ومنه ما خالف شرط الواقف.

قال السبكي:

ــ

تنبيه: قال في المغني: قبول الرشوة حرام، وهو ما يبذل له ليحكم بغير الحق، أو ليمتنع من الحكم بالحق، وذلك لخبر: لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم رواه ابن حبان وغيره وصححوه.

لان الحكم الذي يأخذ عليه المال إن

كان بغير حق، فأخذ المال في مقابلته حرام.

أو بحق فلا يجوز توقيفه على المال إن كان له رزق في بيت المال، وروي: أن القاضي إذا أخذ الهدية فقد أكل السحت، وإذا أخذ الرشوة بلغت به الكفر واختلف في تأويله فقيل: إذا أخذها مستحلا، وقيل أراد أن ذلك طريق وسبب موصل إليه، كما قال بعض السلف، المعاصي بريد الكفر.

اه.

(قوله: ونقض القاضي لخ) شروع فيما ينقض حكم الحاكم، وقد ترجم له في الروض بفصل مستقل، وعبارته مع شرحه: فصل: فيما ينقض من قضائه أي القاضي.

ولنقدم عليه قواعد فنقول: المعتمد فيما يقضي به القاضي، ويفتي به المفتي الكتاب والسنة والإجماع، وقد يقتصر على الكتاب والسنة، ويقال الاجماع يصدر عن أحدهما، والقياس يرد إلى أحدهما، وليس قول الصحابي إن لم ينتشر في الصحابة حجة، لانه غير معصوم عن الخطأ، فأشبه التابعي، ولان غيره يساويه في أدلة الاجتهاد فلا يكون قوله حجة على غيره، لكن يرجح به أحد القياسين على الآخر.

وإذا تقرر أنه ليس بحجة فاختلاف الصحابة في شئ كاختلاف سائر المجتهدين، فلا يكون قول واحد منهم حجة.

نعم: إن لم يكن للقياس فيه مجال فهو حجة، كما نص عليه الشافعي في اختلاف الحديث فقال: روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى في ليلة ست ركعات، في كل ركعة ست سجدات، وقال: لو ثبت ذلك عن علي لقلت به، فإنه لا مجال للقياس فيه.

فالظاهر أنه فعله توقيفا اه.

فإن انتشر قول الصحابي في الصحابة ووافقوه، فإجماع خفي في حقه، فلا يجوز له كغيره مخالفة الاجماع، فإن خالفوه فليس بإجماع ولا حجة، فإن سكتوا بأن لم يصرحوا بموافقته ولا بمخالفته، أو لم ينقل سكوت ولا قول، فحجة سواء كان القول مجرد فتوى أم حكما من إمام أو قاض، لانهم لو خالفوه لاعترضوا عليه، هذا إن انقرضوا، وإلا فلا يكون حجة لاحتمال أن يخالفوه لامر يبدو لهم.

والقياس جلي وهو ما قطع فيه بنفي تأثير الفارق بين الاصل والفرع، أو بعد تأثيره.

وغير جلي وهو ما لا يقطع فيه بذلك، والحق كائن مع أحد المجتهدين في الفروع.

قال صاحب الانوار: وفي الاصول والآخر مخطئ مأجور لقصده الصواب.

ولخبر الصحيحين: إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر اه.

بحذف.

(قوله: حكما لنفسه أو غيره) أي حكما صدر من نفسه أو صدر من غيره، لكن إذا صدر من غيره ونقضه، سئل عن مستنده.

وقولهم لا يسأل القاضي عن مستنده، محله إذا لم يكن حكمه نقضا، ومحله أيضا كما مر إذا لم يكن فاسقا أو جاهلا.

(قوله: إن كان إلخ) قيد في النقض: أي محل كون الحكم ينقض إن بان مخالفا للنص.

(وقوله: كتاب أو سنة) بدل من قوله نص أو عطف بيان له، وهذا إن كان القاضي مجتهدا.

(قوله: أو نص مقلده).

أي أو كان بخلاف نص مقلده - بفتح اللام - وهذا إن كان مقلدا، لما تقدم أن نص المقلد بالنسبة

للمقلد كنص الشارع بالنسبة للمجتهد المطلق.

(قوله: أو قياس جلي) عطف على نص: أي أو كان بخلاف قياس جلي، والمرد به غير الخفي فيشمل المساوي.

وخرج به ما إذا كان بخلاف قياس خفي، فلا ينقض الحكم به.

وعبارة الروض وشرحه.

فإن بان له الخطأ بقياس خفي رجحه: أي رآه أرجح مما حكم به، إعتمده مستقبلا: أي فيما يستقبل من أخوات الحادثة، ولا ينقض به حكما، لان الظنون المتقاربة لا استقرار لها، فلو نقض ببعض لما استمر حكم ولشق الأمر على الناس، وعن عمر رضي الله عنه أنه شرك الشقيق في المشركة بعد حكمه بحرمانه، ولم ينقض الاول وقال: ذاك على ما قضينا وهذا على ما نقضي.

اه.

(قوله: وهو) أي القياس الجلي.

(قوله: ما قطع فيه بإلحاق الفرع) أي المقيس للاصل: أي المقيس عليه، وذلك كإلحاق الضرب بالتفيف في قوله تعالى: * (فلا تقل لهما أف) * وكإلحاق ما فوق الذرة بها في قوله تعالى: * (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) * كما تقدم أول الباب.

(قوله: أو إجماع) عطف على نص،

(1) سورة الاسراء، الاية:23.

(2)

سورة الزلزلة، الاية:7.

ص: 266

وما خالف المذاهب الاربعة كالمخالف للاجماع (أو بمرجوح) من مذهبه فيظهر القاضي بطلان ما خالف ما ذكر وإن لم يرفع إليه بنحو نقضته أو أبطلته.

تنبيه: نقل العراقي وابن الصلاح الاجماع على أنه لا يجوز الحكم، بخلاف الراجح في المذهب، وصرح السبكي بذلك في مواضع من فتاويه وأطال وجعل ذلك من الحكم - بخلاف ما أنزل الله - لان الله تعالى أوجب على المجتهدين أن يأخذوا بالراجح وأوجب على غيرهم تقليدهم فيما يجب عليهم العمل به.

ونقل الجلال البلقيني عن والده أنه كان يفتي أن الحاكم إذا حكم بغير الصحيح من مذهبه نقض.

وقال البرهان بن ظهيرة: وقضيته والحالة هذه أنه لا فرق بين أن يعضده اختيار لبعض المتأخرين أو بحث.

تنبيه ثان: إعلم أن المعتمد في المذهب للحكم والفتوى ما اتفق عليه الشيخان، كما جزم به النووي

ــ

أي أو كان ذلك الحكم بخلاف الاجماع.

(قوله: ومنه) أي ومن خلاف الاجماع ما خالف شرط الواقف، فمن حكم بخلافه نقض.

(قوله: وما خالف الخ) أي والحكم الذي خالف المذاهب الاربعة فهو كالمخالف للاجماع: أي فينقض.

(قوله: أو بمرجوح) عطف على قوله بخلاف نص: أي أو كان ذلك الحكم بقول مرجوح من مذهب إمامه.

(قوله: فيظهر إلخ) مرتبط بقوله ونقض، وهو كالتفسير له: أي فالمراد من نقضه إظهار بطلانه، لانه باطل من أصله.

وليس المراد به بطلان نفسه، لايهامه أنه كان صحيحا ثم بطل.

(وقوله: ما ذكر) أي من النص والقياس والاجماع.

(قوله: وإن لم يرفع إليه) غاية في إظهار البطلان والفعل مبني للمجهول، ونائب فاعله يعود على الامر المخالف لما ذكر، وضمير إليه يعود علي القاضي: أي يظهر القاضي البطلان مطلقا سواء رفع الخصمان الامر المخالف لما ذكر إليه أم لا.

قال في المغني: وعلى القاضي إعلام الخصمين بصورة الحال.

قال الماوردي: ويجب على القاضي أن يسجل بالنقض كما يسجل بالحكم، ليكون التسجيل الثاني مبطلا للاول، كما صار الثاني ناقضا للحكم الاول، فإن لم يكن قد سجل بالحكم لم يلزمه الاسجال بالنقض، وإن كان الاسجال به أولى.

اه.

(قوله: بنحو نقضته) متعلق بيظهر: أي يظهر البطلان بصيغة تدل عليه كنقضته وأبطلته وفسخته.

قال في التحفة: إجماعا في مخالف الاجماع وقياسا في غيره.

(قوله: تنبيه) أي في بيان عدم جواز الحكم بخلاف الراجح.

(قوله: بالاجماع) مفعول نقل.

(قوله: على أنه)

ضميره للحال والشأن.

والجار والمجرور متعلق بالاجماع.

(وقوله: بخلاف الراجح) متعلق بالحكم.

(وقوله: في المذهب) متعلق بالراجح: أي لا يجوز للقاضي أن يحكم بخلاف الراجح في مذهبه، وهو المرجوح.

(قوله: وصرح السبكي بذلك) أي بعدم الجواز.

(قوله: وأطال) أي السبكي الكلام على ذلك.

(قوله: وجعل ذلك) أي الحكم بخلاف الراجح في المذهب.

(وقوله: من الحكم) بخلاف ما أنزل الله تعالى.

قال في التحفة: وبه يعلم أن مراد الاولين بعدم الجواز عدم الاعتداد به فيجب نقضه، وقال فيها أيضا: قال ابن الصلاح وتبعوه، وينفذ حكم من له أهلية الترجيح إذا رجح قولا ولو مرجوحا في مذهبه بدليل جيد، وليس له أن يحكم بشاذ أو غريب في مذهبه، إلا إن ترجح عنده، ولم يشرط عليه إلتزام مذهب باللفظ أو العرف، كقوله على قاعدة من تقدمه.

اه.

(قوله: لأن الله تعالى إلخ) تعليل لجعل الحكم بخلاف الراجح من الحكم بغير ما أنزل الله تعالى.

(قوله: أنه) أي والد الجلال.

(وقوله: نقض) أي حكمه.

(قوله: وقضيته) أي الافتاء بنقض الحكم.

(قوله: والحالة هذه) أي حالة كون الحكم كائنا بغير الصحيح من مذهبه.

(وقوله: أنه) أي الحال والشأن.

(وقوله: لا فرق) أي في نقض الحكم بغير الصحيح.

(وقوله: بين أن يعضده) أي يقويه، وضميره يعود على غير الصحيح، والمقابل محذوف: أي أولا.

(قوله: تنبيه ثان) أي في بيان المعتمد في المذهب.

(قوله: ما اتفق عليه الشيخان) أي النووي والرافعي، ومحله

ص: 267

فالرافعي فما رجحه الاكثر فالاعلم فالاورع.

قال شيخنا: هذا ما أطلق عليه محققو المتأخرين والذي أوصى باعتماده مشايخنا، وقال السمهودي: ما زال مشايخنا يوصوننا بالافتاء بما عليه الشيخان وأن نعرض عن أكثر ما خولفا به.

وقال شيخنا ابن زياد: يجب علينا في الغالب ما رجحه الشيخان وإن نقل عن الاكثرين خلافه (ولا يقضي) القاضي أي لا يجوز له القضاء (بخلاف علمه) وإن قامت به بينة كما إذا شهدت برق أو نكاح أو ملك من يعلم حريته أو بينونتها أو عدم ملكه لانه قاطع ببطلان الحكم به حينئذ والحكم بالباطل محرم (ويقضي) أي

ــ

ما لم يتفق المتأخرون على أن ما اتفقا عليه سهو أو غلط.

(قوله: فما جزم به النووي) يعني إذا اختلف كلام النووي والرافعي، فالمعتمد ما جزم به النووي.

وأعلم أنه إذا اختلفت كتب النووي، فالمتبحر لا يتقيد بشئ منها في الاعتماد عليه، وأما غيره فيعتمد منها المتأخر الذي يكون تتبعه فيه لكلام الاصحاب أكثر، فالمجموع فالتحقيق فالتنقيح فالروضة فالمنهاج، وما اتفق عليه الاكثر من كتبه مقدم على ما اتفق عليه الاقل منها، وما ذكر في بابه مقدم على ما ذكر في غيره غالبا فيهما.

قاله ابن حجر وتبعه ابن علان وغيره.

(قوله: فالرافعي) أي فما جزم به الرافعي إن لم يجزم النووي بشئ.

(قوله: فما رجحه إلخ) أي فإن اختلفا ولم يجزما بشئ، فالمعتمد من كلامهما ما رجحه أكثر الفقهاء، ثم ما رجحه أعلمهم، ثم ما رجحه أورعهم.

(قوله: قال شيخنا هذا) أي ما ذكر من كون المعتمد فيما ذكر ما اتفق عليه الشيخان الخ.

(وقوله:

ما أطبق) أي أجمع واتفق.

(قوله: والذي أوصى الخ) أي وهذا هو الذي أوصى به الخ.

فاسم الموصول معطوف على ما قبله.

وأعلم أنه إذا اختلف كلام المتأخرين عن الشيخين - كشيخ الاسلام وتلامذته - فقد ذهب علماء مصر إلى اعتماد ما قاله الشيخ محمد الرملي، خصوصا في نهايته، لانها قرئت على المؤلف إلى آخرها في أربعمائة من العلماء فنقدوها وصححوها.

وذهب علماء حضرموت وأكثر اليمن والحجاز إلى أن المعتمد ما قاله الشيخ أحمد بن حجر في كتبه، بل في تحفته لما فيها من الاحاطة بنصوص الامام مع مزيد تتبع المؤلف فيها، ولقراءة المحققين لها عليه الذين لا يحصون، ثم إذا لم يتعرضا بشئ فيفتي بكلام شيخ الاسلام، ثم بكلام الخطيب، ثم بكلام الزيادي، ثم بكلام ابن قاسم، ثم بكلام عميرة، ثم بكلام ع ش، ثم بكلام الحلبي، ثم بكلام الشوبري، ثم بكلام العناني، ما لم يخالفوا أصول المذهب.

كقولهم لو نقلت صخرة من أرض عرفات إلى غيرها يصح الوقوف عليها، وقد تقدم في خطبة الكتاب ما هو أبسط مما هنا، فارجع إليه إن شئت.

(قوله: وقال السمهودي الخ) تأييد لما قبله.

(قوله: ولا يقضي القاضي) أي أو نائبه.

(قوله: أي لا يجوز الخ) تفسير للمراد من نفي القضاء بخلاف العلم.

(قوله: بخلاف علمه) أي بالشئ المخالف لعلمه.

قال بعضهم: الصواب التعبير بما يعلم خلافه، فإن من يقضي بشهادة من لا يعلم صدقهما ولا كذبهما قاض بخلاف علمه وهو نافذ إتفاقا.

اه.

ورده في التحفة بقوله: وهو عجيب فإنه فرضه فيمن لا يعلم صدقا ولا كذبا فكيف يصح أن يقال إن هذا قضى بخلاف علمه حتى يرد على المتن؟ فالصواب صحة عبارته.

اه.

قال في المغني: وقوله ولا يقضي بخلاف علمه يندرج فيه حكمه بخلاف عقيدته.

قال البلقيني: وهذا يمكن أن يدعي فيه إتفاق العلماء، لان الحكم إنما يبرم من حاكم بما يعتقده.

اه.

(قوله: وان قامت به) أي بخلاف علمه بينة، وفي هذه الحالة لا يقضي بعلمه، كما لا يقضي بالبينة، للتعارض بينهما، فيعرض عن القضية بالكلية.

(قوله: كما إذا شهدت) أي البينة.

(وقوله: برق الخ) الالفاظ الثلاثة تقرأ من غير تنوين لاضافتها إلى لفظ من الواقعة إسما موصولا.

(وقوله: يعلم) أي القاضي.

(وقوله: حريته) راجع لما إذا شهدت البينة برقه.

(وقوله: أو بينونتها) أي أو يعلم بينونتها، وهو راجع لما إذا شهدت بالنكاح، أي ببقائه ولم تبن منه.

ص: 268

القاضي ولو قاضي ضرورة على الاوجه (بعلمه) إن شاء: أي بظنه المؤكد الذي يجوز له الشهادة مستندا إليه وإن استفاد قبل ولايته.

نعم لا يقضي به في حدود أو تعزير لله تعالى كحد الزنا أو سرقة أو شرب لندب الستر في

أسبابها.

أما حدود الآدميين فيقضي فيها به سواء المال والقود وحد القذف.

وإذا حكم بعلمه لا بد أن يصرح بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي.

فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه كما قاله الماوردي وتبعوه.

(ولا) يقضي لنفسه ولا (لبعض) من أصله وفرعه ولا لشريكه في المشترك

ــ

(وقوله: أو عدم ملكه) أي أو يعلم عدم ملكه لهذا العبد مثلا، وهو راجع لما إذا شهدت بملكه له، فالكلام على التوزيع مع اللف والنشر المرتب.

(قوله: لانه قاطع) أي جازم وهو علة لعدم جواز قضائه، بخلاف علمه فيما إذا قامت به بينة.

(وقوله: به) أي بما شهدت به البينة.

(وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان مخالفا لعلمه.

(وقوله: والحكم بالباطل محرم) من تتمة العلة.

(قوله: ويقضي أي القاضي الخ) أي يجوز له ذلك.

(وقوله: ولو قاضي ضرورة) هكذا في التحفة وقيده في النهاية بما إذا كان مجتهدا.

(قوله: بعلمه) متعلق بيقضي.

قال في شرح الروض: لانه يقضي بالبينة، وهي إنما تفيده ظنا، فبالعلم أولى، لكنه مكروه كما أشار إليه الشافعي في الأم، فلو رام البينة نفيا للريبة كان أحسن.

قاله الغزالي في خلاصته.

اه.

(قوله: أن شاء) أي القضاء بعلمه.

(قوله: أي بظنه المؤكد) تفسير للعلم، والأوجه كما في سم تفسيره بما يشمل العلم والظن.

إذ قد يحصل له حقيقة العلم أو الظن لا تفسيره بخصوص الظن لخروج العلم به.

(قوله: الذي إلخ) صفة لظنه.

(وقوله: يجوز) - بضم الياء وفتح الجيم وتشديد الواو المكسورة -.

(وقوله: له) أي للقاضي.

(وقوله: له الشهادة) مفعول يجوز.

(قوله: مستندا) أي معتمدا، وهو حال من ضمير له.

(وقوله: إليه) أي إلى ظنه المؤكد.

(قوله: وإن استفاده) أي العلم، وهو غاية للقضاء بعلمه.

يعني أنه يقضي بعلمه مطلقا، سواء استفاده قبل الولاية أم بعدها، وسواء أيضا أكان في الواقعة بينة أم لا.

(قوله: نعم لا يقضي به) أي بعلمه، إستدراك من جواز قضاء القاضي بعلمه: أي يجوز له ذلك إلا في الحدود والتعازير.

(قوله: لندب الستر) أي مع سقوطها بالشبهة.

(وقوله: في أسبابها) أي الحدود والتعزير، وتلك الاسباب هي الزنا وشرب الخمر والسرقة.

قال في التحفة: نعم من ظهر منه في مجلس حكمه ما يوجب تعزيرا عزره، وإن كان قضاء بالعلم.

قال جمع متأخرون: وقد يحكم بعلمه في حد الله تعالى، كما إذا علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة.

فيقضي عليه بموجب ذلك.

قال البلقيني: وكما إذا اعترف في مجلس الحكم بموجب حد ولم يرجع عنه، فيقضي فيه بعلمه، وإن كان إقراره سرا لخبر: فإن اعترفت فارجمها ولم يقيد بحضرة الناس، وكما إذا ظهر منه في مجلس الحكم على رؤوس الأشهاد، نحو ردة وشرب خمر.

اه.

(قوله: أما حدود الآدميين) أي الحدود المتعلقة بحقوق الآدميين.

(قوله: فيقضي فيها) أي في حدود الآدميين.

(وقوله: به) أي بعلمه.

(قوله: سواء المال الخ) لا يصلح أن يكون تعميما للحدود.

إذ هي عقوبات مقدرة كما مر، والمال ليس منها، ولو قال فيما تقدم أما حقوق الآدميين فيقضي الخ لكان أولى.

إذ هي شاملة للمال وللحدود (قوله: وإذا حكم) أي القاضي.

(قوله: لا بد أن يصرح بمستنده) أي بما استند إليه، وهو هنا علمه.

(قوله: فيقول الخ) تمثيل للحكم بالعلم مع التصريح بمستنده.

(قوله: فإن ترك أحد هذين اللفظين) أي التركيبين وهما قوله علمت الخ.

وقوله وقضيت أو حكمت إلخ.

(وقوله: لم ينفذ حكمه) جواب إن.

(قوله: ولا يقضي لنفسه) أي لا يجوز له أن يقضي لنفسه من غيره للتهمة، فلو قضى

لم ينفذ، كما لا ينفذ سماعه شهادة لنفسه، وإنما جاز له تعزير من أساء أدبه عليه في حكمه، كحكمت علي بالجور، لئلا يستخف ويستهان فلا يسمع حكمه.

وخرج بقوله لنفسه القضاء عليها فيجوز، وهل هو إقرار أو حكم؟ وجهان المعتمد عند ابن حجر الثاني، وعند م ر الاول.

قال الخطيب في مغنيه: واستثنى البلقيني صورا تتضمن حكمه فيها لنفسه وتنفذ.

الاولى: أن يحكم لمحجوره بالوصية، وإن تضمن حكمه إستيلاءه على المال المحكوم به وتصرفه فيه.

الثانية: الاوقاف التي شرط النظر فيها للحاكم، أو صار فيها النظر إليه بطريق العموم، لانقراض ناظرها الخاص له الحكم بصحتها، وإن تضمن الحكم إستيلاءه عليه وتصرفه فيه.

الثالثة: للامام الحكم بانتقال ملك إلى بيت المال، وإن كان فيه استيلاؤه عليه

ص: 269

ويقضي لكل منهم غيره من إمام وقاض آخر ولو نائبا عنه دفعا للتهمة (ولو رأى) قاض وكذا شاهد (ورقة فيها حكمه) أو شهادته (لم يعمل به) في إمضاء حكم ولا أداء شهادة (حتى يتذكر) ما حكم أو شهد به لامكان التزوير ومشابهة الخط ولا يكفي تذكره أن هذا خطه فقط.

وفيهما وجه إن كان الحكم والشهادة مكتوبين في ورقة مصونة عندهما ووثق بأنه خطه ولم يداخله فيه ريبة أنه يعمل به (وله) أي الشخص (حلف على استحقاق) حق له على

ــ

بجهة الامامة، وللقاضي الحكم به أيضا، وإن كان يصرف إليه في جامكية ونحوها.

اه.

بتصرف، ومثله في التحفة والنهاية.

(قوله: ولا لبعض) أي ولا يقضي لبعض من أصله أو فرعه للتهمة أيضا.

(قوله: ولا لشريكه في المشترك) أي ولا يقضي لشريكه في المال المشترك للتهمة أيضا.

قال البلقيني: ويستثنى من ذلك ما إذا حكم بشاهد وبيمين الشريك، فإنه يجوز لان المنصوص أنه لا يشاركه في هذه الصورة قال: ولم أر من تعرض لذلك.

ولا يقضي أيضا لرقيقه للتهمة ولو مكاتبا، واستثنى البلقيني منه أيضا الحكم بجناية عليه قبل رقه، بأن جنى ملتزم على ذمي، ثم حارب وأرق فإنه يجوز، قال: ويوقف ما ثبت له حينئذ إلى عتقه، فإن مات قنا صار فيئا.

وفي المغني ما نصه: قد يوهم إقتصار المصنف على منع الحكم لمن ذكر جوازه على العدو، وهو وجه إختاره الماوردي.

والمشهور في المذهب أنه لا يجوز حكمه عليه ويجوز أن يحكم له.

اه.

(قوله: ويقضي لكل منهم) أي من القاضي نفسه والبعض والشريك.

(وقوله: غيره) أي غير القاضي الذي أراد الحكم لنفسه أو لهؤلاء.

(وقوله: من إمام إلخ) بيان لذلك الغير.

(قوله: قاض آخر) أي غير هذا القاضي الذي أراد القضاء لنفسه أو لهؤلاء.

(قوله: ولو نائبا عنه) أي ولو كان القاضي الآخر نائبا عن القاضي المذكور.

(قوله: دفعا للتهمة) علة لكونه يقضي له من ذكر.

(قوله: ولو رأى قاض إلخ) أي أو شهد شاهدان أنك حكمت أو شهدت بما في هذه الورقة.

(قوله: وكذا شاهد) أي وكذلك مثل القاضي الشاهد: أي رأى ورقة فيها شهادته.

(قوله: ورقة) مفعول رأى.

(وقوله: فيها حكمه) أي في تلك الورقة مكتوب فيها حكمه، وهذا بالنسبة للقاضي.

(وقوله: أو شهادته) أي أو فيها شهادته، وهذا بالنسبة للشاهد.

(قوله: لم يعمل) أي من ذكر من الحاكم أو الشاهد.

(وقوله: به) أي بمضمون ما في الورقة من الحكم أو الشهادة.

وفي البجيرمي: وأشعر كلامه بجواز العمل به لغيره وهو كذلك، فلو شهدا عند غيره بأن

فلانا حكم بكذا، لزمه تنفيذه، إلا إن قامت بينة بأن الاول أنكر حكمه، وكذبهما زي وكلامه قاصر على ما إذا شهد بالحكم.

اه.

(قوله: في إمضاء إلخ) فيه أن هذا هو معنى العمل به المنفي، فلو قال بأن يمضيه ويكون تصويرا للعمل لكان أولى وأخصر.

وفي التحفة والنهاية إسقاطه وهو أولى.

(قوله: حتى يتذكر ما حكم أو شهد به) أي تفصيلا، كما في التحفة، ونصها: حتى يتذكر الواقعة بتفصيلها.

اه.

وبدليل قوله بعد، ولا يكفي الخ.

(قوله: لامكان التزوير) هذا يناسب جعله علة لما زدته، وهو عدم العمل بشهادة شاهدين عليه بما ذكر.

(وقوله: ومشابهة الخط) أي ولامكان مشابهة الخط، وهذا يناسب جعله علة لما ذكره، وهو عدم العمل بالورقة المكتوب فيها الحكم أو الشهادة.

وقولي أو لا يناسب إلخ، يعلم منه أنه يصح جعله علة أيضا لما ذكره، ويكون المراد بالتزوير، التزوير في الخط.

فتنبه.

(قوله: ولا يكفي تذكره) أي القاضي أو الشاهد.

(وقوله: إن هذا) أي المكتوب خطه.

(وقوله: فقط) أي من غير أن يتذكر الواقعة تفصيلا، وهذا مقابل لما زدته أولا بقولي: أي تفصيلا.

(قوله: وفيهما وجه) انظر ما مرجع الضمير؟ فإن كان الحكم والشهادة بمضمون ما في الورقة فغير مناسب لما بعده، لانه ينحل المعنى، وفي الحكم والشهادة وجه إن كان الحكم والشهادة الخ، وفي ذلك ركاكة لا تخفى، وإن كان الورقة المكتوب فيها الحكم، والورقة المكتوب فيها الشهادة فلا معنى له أصلا، ثم ظهر الاول، وأنه ارتكب الإظهار في مقام الإضمار في قوله بعد أن كان الحكم والشهادة، فكان عليه أن يقول إن كانا بألف التثنية.

تأمل.

(قوله: مصونة عندهما) أي محفوظة عند القاضي وعند الشاهد.

(قوله: ووثق بأنه) أي ووثق كل من القاضي والشاهدين بأن ما في الورقة خطه.

(قوله: ولم يداخله فيه) أي في كونه خطه.

(قوله: ريبة) أي شك.

(قوله: أنه يعمل) بدل من قوله وجه، أو عطف بيان له.

قال في التحفة والنهاية: والاصح عدم الفرق لاحتمال الريبة.

اه.

(وقوله: به) أي بمضمون ما في الورقة.

(قوله: وله الخ) الجار والمجرور خبر مقدم.

(وقوله: حلف) مبتدأ مؤخر،

ص: 270

غيره أو أدائه لغيره (إعتمادا) على إخبار عدل و (على خط) نفسه على المتعمد وعلى خط مأذونه ووكيله وشريكه و (مورثه إن وثق بأمانته) بأن علم منه أنه لا يتساهل في شئ من حقوق الناس إعتضادا بالقرينة.

تنبيه: والقضاء الحاصل على أصل كاذب ينفذ ظاهرا لا باطنا فلا يحل حراما ولا عكسه.

فلو حكم

ــ

وهو مستأنف.

(قوله: حلف) يشمل اليمين المردودة واليمين التي معها شاهد.

اه.

بجيرمي.

(قوله: على استحقاق) لو قال كما في المنهج على ما له به تعلق كاستحقاق الخ، لكان أولى.

(قوله: أو أدائه لغيره) عطف على استحقاق: أي ولو حلف على أداء الحق الذي عليه لغيره.

(قوله: اعتمادا الخ) هو منصوب على الحال على تأويله باسم الفاعل: أي له أن يحلف على ذلك حال كونه معتمدا على ما ذكر.

قال في التحفة: ودليل حل الحلف بالظن حلف عمر رضي الله عنه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال، ولم ينكر عليه مع أنه غيره عند الاكثرين، وإنما قال إن يكنه فلن تسلط عليه.

اه.

(وقوله: على إخبار عدل) متعلق بإعتمادا: أي إخباره باستحقاق الحق أو أدائه.

(قوله: وعلى خط نفسه) معطوف على إخبار عدل.

(وقوله: على المعتمد) مرتبط بالمعطوف.

أي وله الحلف اعتمادا على خط نفسه على المعتمد، وفارق القضاء والشهادة السابقين، حيث لا يجوز فيهما الاعتماد على الخط بأن اليمين تتعلق به، والحكم والشهادة يتعلقان بغيره.

(قوله: وعلى خط مأذونه) أي واعتمادا على خط مأذونه: أي رقيقه المأذون له في التجارة مثلا، فإذا وجد سيده ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان دينا كذا ثمن كذا، أو إني أديت عنك ما عليك من الدين، جاز له أن يحلف اعتمادا على خطه.

(وقوله: ووكيله) معطوف على مأذونه، أي واعتمادا على خط وكيله: أي في بيع ماله، ولو في الذمة، أو قضاء الديون التي عليه، فإذا وجد موكله ورقة مكتوبا فيها بخطه إن لك عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط.

(قوله: وشريكه) معطوف على مأذونه أيضا: أي واعتمادا على خط شريكه: أي المأذون له في بيع المال المشترك، ولو في الذمة، وأداء الديون، فإذا وجد شريكه ورقة مكتوبا فيها إن لك عند فلان ثمن كذا، أو أني أديت الدين عنك، جاز له أن يحلف اعتمادا على ذلك الخط.

(قوله: ومورثه) معطوف أيضا على مأذونه، أي واعتمادا على خط مورثه، فإذا وجد الوارث ورقة مكتوبا فيها بخط مورثه، أن لي عند فلان كذا، أو أني أديت الدين الذي كان علي، جاز له أن يحلف اعتمادا على الخط المذكور.

(قوله: أن وثق) أي الشخص.

(وقوله: بأمانته) أي من ذكر من مأذونه، وما بعده باعتبار الشرح، أو مورثه فقط باعتبار المتن.

(قوله: بأن علم) أي الحالف وهو تصوير للوثوق بأمانته.

(وقوله: أنه) أي من ذكر من مأذونه وما بعده، أو المورث فقط على نسق ما قبله.

(وقوله: لا يتساهل في شئ من حقوق الناس) ضابط ذلك أنه لو وجد في التذكرة لفلان على كذا سمحت نفسه بدفعه، ولم يحلف على نفيه.

(قوله: إعتضادا بالقرينة) علة للحلف، أي له أن يحلف إعتضادا، أي اعتمادا على القرينة، وهي خط مأذونه وما بعده، وفيه أن هذه العلة هي عين قوله اعتمادا على خط الخ.

تتمة: له رواية الحديث اعتمادا على خط كتبه هو أو غيره، محفوظ عنده أو عند غيره، متضمن ذلك الخط أنه قرأ البخاري مثلا على الشيخ الفلاني أو أنه سمعه منه أو أنه أجازه عليه، وإن لم يتذكر قراءة ولا سماعا ولا إجازة، لان باب الرواية أوسع، وعلى ذلك عمل السلف والخلف، ولو رأى خط شيخه بالاذن له في الرواية وعرفه، جاز له الاعتماد عليه أيضا.

(قوله: تنبيه) أي في بيان ما إذا خالف الظاهر الباطن: أي حقيقة الامر.

(قوله: والقضاء) أي الحكم الذي يستفيده

القاضي بالولاية فيما باطن الامر فيه، بخلاف ظاهره.

(وقوله: الحاصل على أصل كاذب) أي المرتب على أصل كاذب، مثل شهادة الزور.

(قوله: ينفذ طاهرا) أي بحسب ظاهر الشرع.

(وقوله: لا باطنا) أي لا ينفذ في الباطن: أي فيما بينه وبين الله، لقوله صلى الله عليه وسلم: إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من حق أخيه بشئ فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار.

وقوله ألحن: قال ع ش: أي أقدر

ص: 271

بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا سواء المال والنكاح.

أما المرتب على أصل صادق فينفذ القضاء فيه باطنا أيضا قطعا.

وجاء في الخبر: أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.

وفي شرح المنهاج لشيخنا: ويلزم المرأة المحكوم عليها بنكاح كاذب الهرب بل والقتل وإن قدرت عليه كالصائل على البضع ولا نظر لكونه يعتقد الاباحة، فإن أكرهت فلا إثم (والقضاء على غائب) عن البلد وإن كان في غير عمله

ــ

وقال الرشيدي: أي أبلغ وأعلم، والاول أنسب.

(قوله: فلا يحل) أي ذلك الحكم حراما، كأن أثبت بشاهدي زور نكاحه بامرأة.

(وقوله: ولا عكسه) أي ولا يحرم حلالا، كأن أدعى عليه بأنه طلق زوجته بذلك، فلا تحرم عليه باطنا، ويحل له وطؤها إن أمكن، لكنه يكره للتهمة، ويبقى التوارث بينهما لا النفقة للحيلولة، ولو نكحها آخر فوطئها جاهلا بالحال فشبهة، وتحرم على الاول حتى تنقضي العدة، أو عالما أو نكحها أحد الشاهدين فكذا في الاشبه عند الشيخين.

اه.

(قوله: فلو حكم الخ) تفريع على الاول: أعني فلا يحل حراما.

(قوله: بظاهر العدالة) بدل من بشاهدي زور.

ولو قال كما في شرح الرملي ظاهرهما العدالة لكان أولى.

(قوله: لم يحصل إلخ) جواب لو.

(قوله: سواء المال والنكاح) تعميم في عدم حصول الحل باطنا فيما حكم به بشاهدي زور.

(قوله: أما المرتب) أي أما القضاء المرتب، وهو مقابل قوله والقضاء الحاصل الخ.

(وقوله: على أصل صادق) وهو ما لم يكن بشهادة الزور.

(قوله: فينفذ القضاء فيه) أي في المرتب على أصل صادق.

(وقوله: باطنا أيضا) أي كما ينفذ ظاهرا.

(وقوله: قطعا) هذا إن كان في محل إتفاق المجتهدين، مثل وجوب صوم رمضان بشاهدين، وإلا بأن كان في محل اختلافهم فينفذ على الاصح، مثل وجوب صومه بواحد، ومثل شفعة الجوار.

(قوله: وجاء في الخبر) أي ورد فيه، وساقه دليلا على قوله ينفذ ظاهرا لا باطنا.

(وقوله: أمرت أن أحكم الخ) أي أمرني الله أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر.

قال في التحفة جزم الحافظ العراقي بأن هذا الخبر لا أصل له، وكذا أنكره المزي وغيره، ولعله من حيث نسبة هذا اللفظ بخصوصه إليه صلى الله عليه وسلم، أما معناه فهو صحيح منسوب إليه صلى الله عليه وسلم أخذا من قول المصنف في شرح مسلم في خبر: إني أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم.

معناه أني أمرت أن أحكم بالظاهر والله يتولى السرائر كما قال صلى الله عليه وسلم.

اه.

(قوله: ويلزم المرأة إلخ) أي يجب عليها ما ذكر، فلو سلمت نفسها مع القدرة على ما ذكر أثمت به.

(قوله: الهرب) أي من المدعى عليها بما ذكر.

(وقوله: بل والقتل) أي بل يلزمها أن تقتله ولو بسم.

ومحله إن لم يندفع بغيره.

(وقوله: إن قدرت عليه) أي على المذكور من الهرب

والقتل.

(قوله: كالصائل على البضع) أي فإنها يلزمها دفعه ولو بالقتل.

(قوله: ولا نظر لكونه) أي الواطئ: أي يلزمها ما ذكر ولا تنظر لكونه يعتقد الاباحة.

(قوله: يعتقد الاباحة) أي إباحة الوطئ بالحكم كأن يكون حنيفا.

وعبارة المغني.

فإن قيل: فلعله ممن يرى الاباحة فكيف يسوغ دفعه وقتله؟ أجيب: بأن المسوغ للدفع والموجب له إنتهاج الفرج المحرم بغير طريق شرعي، وإن كان الطالب لا إثم عليه، كما لو صال صبي أو مجنون على بضع امرأة، فإنه يجوز لها دفعه بل يجب.

اه.

(قوله: فإن أكرهت) أي على الوطئ، بأن لم تقدر على الهرب ولا على قتله فلا إثم عليها بوطئه إياها.

قال في التحفة: ولا يخالف هذا قولهم الاكراه لا يبيح الزنا لشبهة، سبق الحكم على أن بعضهم قيد عدم الاثم بما إذا ربطت، حتى لم يبق لها حركة، لكن فيه نظر: إذ لو كان هذا مرادا لم يفرقوا بين ما هنا والاكراه على الزنا، لان محل حرمته حيث لم تربط كذلك.

اه.

(قوله: والقضاء على غائب) شروع في بيان جواز القضاء لحاضر على غائب.

والأصل فيه قوله صلى الله عليه وسلم لهند: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف وهو قضاء منه على زوجها وهو غائب، ولو كان فتوى لقال لها لك أن تأخذي، أو لا بأس عليك، أو نحوه ولم يقل خذي.

وقول عمر رضي الله عنه في خطبته: من كان له على الاسيفع - بالفاء المكسورة - دين فليأتنا غدا، فإنا بايعوا ماله وقاسموه بين غرمائه - وكان غائبا.

(قوله: عن البلد) أي فوق مسافة العدوى.

اه.

بجيرمي.

(قوله: وإن كان) أي ذلك الغائب المدعى عليه.

(وقوله: في غير عمله) أي في غير محل ولاية القاضي.

ص: 272

أو عن المجلس بتوار أو تعزز (جائز) في غير عقوبة الله تعالى (إن كان لمدع حجة ولم يقل هو) أي الغائب (مقر) بالحق بل ادعى جحوده وأنه يلزمه تسليمه له الآن وأنه مطالبه بذلك فإن قال هو مقر وأنا أقيم الحجة استظهارا مخافة أن ينكر أو ليكتب بها القاضي إلى قاضي بلد الغائب لم تسمع حجته لتصريحه بالمنافي لسماعها، إذ لا فائدة فيها مع الاقرار نعم لو كان للغائب مال حضر وأقام البينة على دينه لا ليكتب القاضي به إلى

حاكم بلد الغائب، بل ليوفيه منه فتسمع وإن قال هو مقر وتسمع أيضا إن أطلق (ووجب) إن كانت الدعوى بدين

ــ

(قوله: أو عن المجلس) أي أو غائب عن مجلس الحكم.

(وقوله: بتوار) متعلق بغائب المقدر: أي أو غائب عن المجلس بتوار: أي اختفاء خوفا.

(وقوله: أو تعزز) أي امتناع من الحضور لا خوفا بل تغلبا.

(قوله: جائز) أي لما تقدم، ولاتفاقهم على سماع البينة عليه، فالحكم مثلها، ولان الغيبة ليست بأعظم من الصغر، والموت في العجز عن الدفع عن الغائب، فإذا جاز الحكم على الصغير والميت، فليجز على الغائب أيضا.

(قوله: في غير عقوبة الله تعالى) أي في كل شئ سوى عقوبة الله تعالى، أما هي فلا يقضى عليه بها لبنائها على المساهلة.

(قوله: إن كان لمدع حجة) قيد في جواز القضاء على الغائب: أي يجوز القضاء عليه بشرط أن يكون لمدع حجة: أي وقد علمها الحاكم وقت الدعوى، على ما دل عليه كلامهم، وإن اعترضه البلقيني، وجوز سماعها إذا حدث بعدها علم البينة أو تحملها، كذا في التحفة.

والمراد بالحجة هنا ما يشمل الشاهد واليمين فيما يقضي فيه بهما، وعلم الحاكم، وظاهر كلامه أنه إذا لم تكن حجة

سمعت دعواه، ولكن لا يحكم القاضي بها على غائب، وليس كذلك فلا تسمع له دعوى أصلا حينئذ، فكان الأولى للشارح أن يدخل على المتن بقوله: وإنما تسمع دعواه، ويقضي بها على الغائب أن كان لمدع حجة.

(قوله: ولم يقل هو الخ) سيأتي محترزه.

(قوله: بل ادعى) أي طالب الحق على المدعى عليه الغائب.

(وقوله: جحوده) أي للحق المدعى به.

وفي المغني ما نصه: تنبيه: يقوم مقام الجحود ما في معناه، كما لو اشترى عينا.

وخرجت مستحقة فادعى الثمن على البائع الغائب، فلا خلاف أنها تسمع وإن لم يذكر الجحود، وإقدامه على البيع كاف في الدلالة على جحوده.

قاله الامام والغزالي.

اه.

(قوله: وأنه يلزمه الخ) أي وادعى أن الغائب على المدعى عليه يلزمه تسليمه المدعى به الآن، وأنه مطالبه به، فلو لم يذكر في الدعوى ما ذكر، بأن قال لي عليه كذا فقط، فلا تسمع دعواه، إذ من شروطها أن يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال.

ويشترط أيضا لها بيان المدعى به وقدره ونوعه ووصفه كما سيأتي.

(قوله: فإن قال) أي المدعي هو: أي الغالب مقر، وهذا محترز قوله ولم يقل هو مقر.

(قوله: وأنا أقيم الحجة الخ) أي فيكون قد ثبت الحق عليه بالحجة.

قال في التحفة: ولا أثر لقوله مخافة أن ينكر خلافا للبلقيني: أي حيث قال إن مخافة إنكاره مبتوعة لسماع الدعوى.

(وقوله: استظهارا) أي طلبا لظهور الحق.

(قوله: أو ليكتب) معطوف على استظهارا، أي أن إقامة الحجة إما لاجل استظهار الحق، أو لأجل أن يكتب الخ.

ويصح عطفه على مخافة: أي لاجل المخافة، أو لأجل أن يكتب الخ.

(وقوله: بها) أي بالحجة: أي بثبوت الحق بها.

(قوله: لم تسمع حجته) جواب إن، قال في التحفة إلا أن يقول وهو ممتنع فإنها تسمع.

وقال في النهاية: لا تسمع ولو قال قال.

اه.

(قوله: لتصريحه) أي المدعي.

(وقوله: بالمنافي لسماعها) أي وهو الاقرار، وذلك لأنها لا تقام على مقر.

(قوله: إذ لا فائدة فيها) أي الحجة، وهو علة المنافاة.

(قوله: نعم إلخ) استدراك على عدم سماع الدعوى من المقر.

(قوله: لا ليكتب القاضي به) أي بثبوت الدين بالبينة.

(قوله: بل ليوفيه منه) أي أقام البينة ليوفي القاضي دينه من ماله الحاضر.

(قوله: فتسمع) أي البينة وهو جواب لو.

(قوله: وإن قال هو مقر) الاولى حذفه إذ الاستدراك مرتب على قوله هو مقر.

(قوله: وتسمع أيضا) أي كما تسمع إذا ادعى جحوده.

(وقوله: إن أطلق) أي لم يدع جحودا ولا إقرارا، وإنما سمعت في هذه الحالة لأنه قد لا يعلم جحوده في غيبته، ويحتاج إلى إثبات الحق، فيجعل غيبته كسكوته.

(قوله: ووجب إن كانت الخ) أي ولم يكن للغائب وكيل حاضر.

(وقوله: بدين) أي له على

ص: 273

أو عين أو بصحة عقد أو إبراء كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فادعى إبراءه (تحليفه) أي المدعي يمين الاستظهار إن لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا (بعد) إقامة (بنية أن الحق) في الصورة الاولى ثابت (في ذمته) إلى الآن احتياطا للمحكوم عليه لانه لو حضر لربما ادعى بما يبرئه.

ويشترط مع ذلك أن يقول أنه يلزمه تسليمه إلي وأنه لا يعلم في شهوده قادحا كفسق وعداوة.

قال شيخنا في شرح المنهاج، وظاهر كما قال البلقيني أن هذا لا يأتي في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها وكذا نحو الابراء، أما لو كان الغائب متواريا أو متعززا فيقضي عليهما بلا يمين لتقصيرهما قال بعضهم: لو كان للغائب وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم يجب

ــ

الغائب.

(وقوله: أو عين) أي أودعها عنده، أو أعاره إياها، أو نحو ذلك.

(وقوله: أو بصحة عقد) معطوف على بدين، أي أو كانت الدعوى عليه بصحة عقد، كأن ادعى على الغائب أنه اشترى هذا العبد منه بشراء صحيح، وأنكر هو ذلك.

(وقوله: أو إبراء) أي أو كانت الدعوى عليه بإبراء، أي بأن الغائب أبرأ الحاضر من الدين الذي له عليه وأنكره.

(قوله: كأن أحال الخ) تمثيل للابراء، ولا يتصور بغير ما ذكر، لأن الدعوى على الغائب بإسقاط حق لا تسمع، وعبارة المغني: ولا تسمع الدعوى والبينة على الغائب بإسقاط حق له، لان الدعوى بذلك والبينة لا تسمع إلا بعد المطالبة بالحق.

قال ابن الصلاح وطريقه في ذلك أن يدعي على إنسان أن رب الدين أحاله به، فيعترف المدعى عليه بالدين لربه وبالحوالة، ويدعي أنه أبرأه منه أو أقبضه، فتسمع الدعوى بذلك والبينة.

اه.

(قوله: فادعى) أي المدين الحاضر.

(وقوله: أبرأه) أي أبرأه الغائب إياه، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله مع حذف المفعول.

ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.

(قوله: تحليفه) فاعل وجب.

(وقوله: أي المدعي) تفسير للضمير، وأفاد به أن الإضافة من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل: أي تحليف الحاكم إياه، وهو غير متعين، بل يصح أن تكون من إضافة المصدر لفاعله وحذف المفعول.

(قوله: يمين الاستظهار) هي التي لم يثبت بها حق، وإنما وجبت احتياطا.

قال في التحفة: ولا يبطل الحق بتأخير هذه اليمين ولا ترتد بالرد، لانها ليست مكملة للحجة، وإنما هي شرط للحكم.

اه.

(قوله: وان لم يكن الغائب متواريا ولا متعززا) قيد به في شرح المنهج أيضا، ونقل البجيرمي عن ز ي أن المعتمد أنه يجب تحليفه، وإن كان متواريا أو متعززا.

(قوله: بعد إقامة الخ) متعلق بتحليفه: أي تحليفه بعد إقامة البينة: أي وبعد تعديلها.

(قوله: أن الحق) أي على أن الحق، وهو متعلق بكل من بينة ومن تحليفه.

(قوله: في الصورة الأولى) هي ما إذا كانت الدعوى بدين.

(وقوله: ثابت في ذمته) أي الغائب.

(وقوله: إلى الآن) أي إلى وقت الدعوى عليه.

(قوله: احتياطا الخ) علة لوجوب التحليف: أي وجب تحليفه بذلك احتياطا للغائب المحكوم عليه.

(قوله: لأنه الخ) علة للعلة.

(وقوله: لربما ادعى) أي الغائب بشئ يبرئه كأداء وإبراء.

(قوله: ويشترط مع ذلك) أي مع قوله في الحلف أن الحق ثابت في ذمته.

(وقوله: أن يقول أنه الخ) أي لأنه قد يكون عليه ولا يلزمه أداؤه لتأجيل أو نحوه.

(قوله: وأنه لا يعلم الخ) أي ويلزمه أيضا أن يقول أنه إلخ.

قال في التحفة: بناء على الأصح أن المدعى عليه لو كان حاضرا وطلب تحليف المدعي على ذلك أجيب.

اه.

(وقوله: قادحا) أي في الشهادة مطلقا، أو بالنسبة للغائب.

(وقوله: كفسق وعداوة) تمثيل للقادح في الشهادة.

(قوله: قال شيخنا في شرح المنهاج وظاهر إلخ) فيه أن هذا لا يظهر بعد تقييده فيما

سبق بقوله في الصورة الأولى، إذ يعلم منه أنه في غيرها لا يحلف بما ذكر.

(وقوله: إن هذا) أي ما في المتن فقط، وهو أن الحق ثابت في ذمته، وأما ما زاده عليه وهو أنه يلزمه الخ، فيأتي في جميع الصور.

(وقوله: في الدعوى بعين) أي ادعى أنه جعلها وديعة عنده، أو استعارها منه، أو نحو ذلك كما تقدم.

(قوله: على ما يليق بها) أي كأن يقول ادعى عليه بالثوب مثلا وهو باق تحت يده، ويلزمه تسليمه إلي، والعين باقية.

(قوله: وكذا نحو الابراء) أي وكذلك لا يأتي ما ذكر في الدعوى بنحو إبراء كعتق وطلاق وبيع، بل يحلف فيه على ما يليق به، كان يقول في الابراء أنه أبرأني، وأنه لا يستحق في ذمتي شيئا، وكأن يقول في العتق إن سيده أعتقه، وفي الطلاق أن زوجها طلقها، وفي البيع أنه باعني إياه بيعا صحيحا.

(قوله: أما لو كان الغائب إلخ) مفهوم قوله إن لم يكن الغائب الخ.

(قوله: فيقضي) أي القاضي.

(وقوله:

ص: 274

يمين (كما لو ادعى) شخص (على) نحو (صبي) لا ولي له (وميت) ليس له وارث خاص حاضر فإنه يحلف لما مر.

أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص أو للميت وارث خاص حاضر كامل إعتبر في وجوب التحليف طلبه، فإن سكت عن طلبها لجهل عرفه الحاكم ثم إن لم يطلبها قضى عليه بدونها.

فرع: لو ادعى وكيل الغائب على غائب أو نحو صبي أو ميت فلا تحليف بل يحكم بالبينة لان الوكيل لا

ــ

عليهما) أي على المتواري والمتعزز.

(وقوله: لتقصيرهما) أي بسبب التواري والتعزز.

(قوله: قال بعضهم إلخ) عبارة التحفة: أما إذا كان له وكيل حاضر، فهل يتوقف التحليف إلى طلبه؟ وجهان، وقضية كلامهما توقفه عليه، واعتمده ابن الرفعة واستشكله في التوشيح بأنه إذا كان له وكيل حاضر لم يكن قضاء على غائب ولم تجب يمين جزما، وفيه نظر، لأن العبرة في الخصومات في نحو اليمين بالموكل لا الوكيل، فهو قضاء على غائب بالنسبة لليمين، ويؤيد ذلك قول البلقيني للقاضي سماع الدعوى على غائب وإن حضر وكيله، لوجود الغيبة المسوغة للحكم عليه، والقضاء إنما يقع عليه، أي في الحقيقة، أو بالنسبة لليمين.

فالحاصل أن الدعوى إن سمعت على الوكيل توجه الحكم إليه دون موكله لا بالنسبة لليمين، احتياطا لحق الموكل، وإن لم تسمع عليه توجه الحكم إلى الغائب من كل وجه في اليمين وغيرها.

اه.

(قوله: كما لو ادعى شخص على نحو صبي) أي كمجنون، والكاف للتنظير في وجوب الحلف على المدعي.

وفي المغني ما نصه: لا تنافي بين ما ذكر هنا وما ذكر في كتاب الدعوى والقسامة، من أن شرط المدعى عليه أن يكون مكلفا ملتزما للاحكام، فلا تصح الدعوى على صبي ومجنون، لأن محل ذلك عند حضور وليهما، فتكون الدعوى على الولي، أما عند غيبته فالدعوى عليهما كالدعوى على الغائب، فلا تسمع إلا أن تكون هناك بينة ويحتاج معها إلى اليمين.

اه.

(وقوله: لا ولي له) قال في التحفة أو له ولي ولم يطلب، فلا تتوقف اليمين على طلبه.

اه.

ومثله في النهاية.

(قوله: وميت) معطوف على صبي، أي وكما لو ادعى على ميت.

(قوله: ليس له وارث خاص حاضر) أي بأن كان له وارث غير خاص، أو له وارث خاص، لكنه غير حاضر في البلد.

(قوله: فإنه) أي المدعي على نحو الصبي والميت.

(وقوله: يحلف) أي بعد

إقامة البينة بما ادعاه وتعديلها، وإلا فلا تسمع دعواه.

(قوله: لما مر) أي احتياطا للمحكوم عليه الصبي أو الميت.

(قوله: أما لو كان لنحو الصبي ولي خاص إلخ) هذا خلاف ما جرى عليه شيخه من أن وجوب الحلف لا يتوقف على طلب الولي إذا وجد بالنسبة للدعوى على الصبي والمجنون، كما يعلم من عبارته المارة، ويتوقف على طلب الوارث الخاص إذا وجد بالنسبة للميت، وقال: الفرق بينه وبين الولي واضح.

وجرى أيضا على ذلك في النهاية، وكتب ع ش على قول النهاية، والفرق واحض ما نصه: وهو - أي الفرق - أن الحق في هذه يتعلق بالتركة التي هي للوارث، فتركه لطلب اليمين إسقاط لحقه، بخلاف الولي فإنه إنما يتصرف على الصبي بالمصلحة.

اه.

والمؤلف تبع شيخ الاسلام فيما ذكر كما يعلم من عبارة شرح المنهج والاسنى، ونص الثاني: فإن كان للميت وارث خاص، اعتبر في الحلف طلب الوارث، لأن الحق له في التركة، ومثله ما لو كان للصبي نائب خاص.

إلخ.

اه.

(قوله: اعتبر في وجوب التحليف) أي على المدعي.

(وقوله: طلبه) أي طلب من ذكر من الولي والوارث التحليف من المدعي، فالإضافة من إضافة المصدر لفاعله، وحذف مفعوله، ويحتمل أن تكون من إضافة المصدر لمفعوله بعد حذف الفاعل.

(قوله: فإن سكت) أي من ذكر من الوارث الخاص والولي.

(وقوله: عن طلبها) أي اليمين المعلومة من السياق.

(وقوله: لجهل) أي بأنه يعتبر في وجوب اليمين طلبها.

(وقوله: عرفه الحاكم) أي بين له آن لك أن تحلفه (وقوله: ثم إن إلخ) أي ثم بعد التعريف إن لم يطلب منه اليمين، حكم عليه الحاكم بدون يمين.

(قوله: لو ادعى وكيل الغائب) أي إلى مسافة يجوز القضاء فيها على الغائب، بأن كان فوق مسافة العدوى، أو في غير ولاية الحاكم وإن قربت.

أفاده في التحفة.

(وقوله: على غائب) أي إلى ما ذكر أيضا.

(قوله: أو نحو صبي) بالجر معطوف على غائب: أي أو ادعى وكيل الغائب على نحو صبي كمجنون.

(قوله: أو ميت) أي أو ادعى على ميت: أي وإن لم يرثه إلا بيت المال.

اه.

تحفة.

(قوله: فلا تحليف) أي واجب على الوكيل.

(قوله: بل يحكم) أي الحاكم.

(وقوله: بالبينة) أي التي أقامها الوكيل المدعي، ويعطى حينئذ المال المدعى به

ص: 275

يتصور حلفه على استحقاقه ولا على أن موكله يستحقه ولو وقف الامر إلى حضور الموكل لتعذر استيفاء الحقوق بالوكلاء.

ولو حضر الغائب وقال للوكيل أبرأني موكلك أو وفيته فأخر الطلب إلى حضوره ليحلف لي أنه ما أبرأني لم يجب.

وأمر بالتسليم له ثم يثبت الابراء بعد إن كان له به حجة لانه لو وقف لتعذر الاستيفاء بالوكلاء.

نعم.

له تحليف الوكيل إذا ادعى عليه علمه بنحو الابراء أنه لا يعلم أن موكله أبرأه مثلا لصحة هذه الدعوى عليه (وإذا ثبت) عند حاكم (مال على الغائب) أو الميت وحكم به (وله مال) حاضر في عمله أو دين ثابت على حاضر

ــ

إن كان للمدعى عليه هناك مال.

(قوله: لان الوكيل إلخ) تعليل لعدم تحليف الوكيل.

(وقوله: لا يتصور حلفه على استحقاقه) أي لا يمكن أن يحلف الوكيل على استحقاقه للحق الذي ادعى به، لأنه ليس له وإنما هو للموكل.

(قوله: ولا على أن موكله يستحقه) أي ولا يتصور أن يحلف على أن موكله يستحقه: إذ يحتمل أن موكله أبرأه، ولو حلف فلا يستحق الموكل شيئا، إذ لا يثبت للشخص الحق بيمين غيره.

(قوله: ولو وقف الامر إلخ) من تتمة التعليل: أي ولانه لو وقف

الامر إلخ.

(وقوله: إلى حضور الموكل) أي من المحل الذي هو فيه وكان بعيدا أو قريبا، وكان في غير ولاية الحاكم، وإلا بأن كان في محل قريب وهو بولاية القاضي، فلا بد من حضوره وتحليفه يمين الاستظهار، إذ لا مشقة عليه في الحضور حينئذ، بخلاف ما لو بعد، أو كان بغير ولاية الحاكم كذا في التحفة.

ومثل حضور الموكل في عدم وقوف الامر إليه بلوغ الصبي، وإفاقة المجنون، وقيام نائب عن الميت، فلا يوقف الامر إلى ذلك.

(قوله: ولو حضر الغائب) أي المدعى عليه (وقوله: وقال) أي بعد الدعوى عليه من وكيل الغائب بدين له عليه.

(وقوله: أبرأني موكلك) مقول القول.

(وقوله: أو وفيته) أي أو قال وفيته.

(وقوله: فأخر) فعل أمر، والمخالف الوكيل (وقوله: إلى حضوره) أي الموكل.

(وقوله: ليحلف) أي لأجل أن يحلف لي بأنه ما أبرأني: أي ما وفيته.

(قوله: لم يجب) جواب لو: أي لم يجب ذلك الغائب الذي حضر إلى ما طلبه من التأخير.

(قوله: وأمر بالتسليم له) أي أمر القاضي ذلك الغائب الذي حضر بتسليم الحق للوكيل.

(قوله: ثم يثبت الابراء) أي ثم بعد تسليم الحق يمكن من إثبات الابراء، أو التوفية ويأخذ حقه.

(وقوله: بعد) مبني على الضم: أي بعد حضور الموكل.

(وقوله: أن كان إلخ) قيد في الاثبات.

(وقوله: له) أي للغائب الذي قد حضر.

(وقوله: به) أي بالابراء، وكذا التوفية.

(وقوله: حجة) أي بينة.

(قوله: لانه لو وقف الخ) علة لعدم إجابته.

(قوله: نعم له) أي للغائب الذي قد حضر وادعى عليه بالدين، وهو استدراك على كونه لم يجب فيما يطلبه.

(وقوله: إذا ادعى عليه) أي الوكيل.

(وقوله: علمه) أي الوكيل وهو مفعول ادعى.

(وقوله: بنحو الابراء) متعلق بعلمه، ونحو الابراء التوفية.

(وقوله: أنه لا يعلم الخ) المصدر المؤول منصوب بنزع الخافض، وهو متعلق بتحليف، أي له تحليفه بعدم علمه بأن الموكل أبرأه.

(وقوله: مثلا) أي أو وفاه الدين.

(قوله: لصحة هذه الدعوى) علة لكونه له تحليف الوكيل بما ذكر، أي وإنما كان له ذلك لصحة هذه الدعوى، وهي علمه بنحو إبراء، لانه لو أقر بمضمونها بطلت وكالته.

قال في المغني.

فإن قيل: هذا يخالف ما سبق من أن الوكيل لا يحلف.

وأجيب: بأنه لا يلزم من تحليفه هنا تحليفه ثم لان تحليفه هنا إنما جاء من جهة دعوى صحيحة يقتضي اعترافه بمضمونها سقوط مطالبته، لخروجه باعترافه بها من الوكالة في الخصومة - بخلاف يمين الاستظهار - فإن حاصله أن المال ثابت في ذمة الغائب أو الميت، وثبوته في ذمة من ذكر لا يتأتى من الوكيل.

اه.

تنبيه: قال في التحفة: يكفي في دعوى الوكيل مصادقة الخصم له على الوكالة إن كان القصد إثبات الحق لا

تسلمه، لانه وإن ثبت عليه لا يلزمه الدفع إلا على وجه مبرر، ولا يبرأ إلا بعد ثبوت الوكالة.

اه.

(قوله: وإذا ثبت عند حاكم مال) أي بأن أقام المدعي الحجة عليه وحلف يمين الاستظهار كما تقدم.

(قوله:

ص: 276

في عمله (قضاه) الحاكم (منه إذا طلبه المدعي) لان الحاكم يقوم مقامه ولو باع قاض مال غائب في دينه فقدم وأبطل الدين بإثبات إيفائه أو بنحو فسق شاهد إسترد من الخصم ما أخذه وبطل البيع للدين على الاوجه خلافا

للروياني (وإلا) يكن له مال في عمله ولم يحكم (فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب أجابه) وجوبا وإن كان المكتوب إليه قاضي ضرورة مسارعة بقضاء حقه (فينهي إليه سماع بينته) ثم إن عدلها لم يحتج المكتوب إليه إلى تعديلها وإلا احتاج إليه ليحكم بها ثم يستوفي الحق وخرج بها علمه فلا يكتب به لانه شاهد

ــ

وحكم به) أي بثبوت المال عنده على ذلك الغائب، وهو قيد خرج به ما إذا ثبت عنده ولكنه لم يحكم به، فلا يقضيه منه.

(قوله: وله) أي للغائب أو الميت.

(وقوله: مال حاضر في عمله) أي في محل عمل القاضي وولايته.

(قوله: أو دين الخ) معطوف على له مال حاضر: أي أو كان له دين ثابت على حاضر في محل عمله.

قال في النهاية: ولا يعارضه قولهم لا تسمع الدعوى بالدين على غريم الغريم، إذ هو محمول على ما إذا كان الغريم حاضرا أو غائبا ولم يكن دينه ثابتا على غريم الغريم، فليس له الدعوى لاثباته.

اه.

ومثله في التحفة.

(قوله: قضاه) أي الدين.

(وقوله: منه) أي من المال الحاضر أو الدين.

(قوله: إذا طلبه المدعي) أي إذا طلب المدعى قضاء حقه من الحاكم.

وخرج به ما إذا لم يطلبه، فلا يقضيه الحاكم منه.

(قوله: لان الحاكم يقوم مقامه) أي الغائب، وهو تعليل لكون الحاكم يقضيه من مال الغائب الحاضر.

وعبارة المغني: لانه حق وجب عليه تعذر وفاؤه من جهة من هو عليه، فقام الحاكم مقامه، كما لو كان حاضرا فامتنع.

اه.

(قوله: ولو باع قاض) أي أو نائبه (قوله: في دينه) أي في قضاء الدين الذي عليه.

(قوله: فقدم) أي وصل ذلك الغائب إلى بلد البيع.

(قوله: وأبطل الدين) أي أبطل إثباته في ذمته.

(وقوله: بإثبات إيفائه) أي أدائه لدائنه، والجار والمجرور متعلق بأبطل.

(قوله: أو بنحو فسق شاهد) أي أو أبطله بدعواه فسق الشاهد، ونحوه من كل ما يبطل الشهادة.

(قوله: استرد) أي القاضي.

(وقوله: ما أخذه) أي الخصم من القاضي.

(قوله: وبطل البيع) أي بيع القاضي مال الغائب (وقوله: للدين) أي لاجله، والجار والمجرور متعلق بالبيع.

(قوله: خلافا للروياني) أي القائل بعدم بطلان البيع، وعدم استرداد ما أخذه الخصم (قوله: وإلا يكن الخ) الأولى أن يقول وإلا بأن لم يكن له مال.

(وقوله: في عمله) أي محل عمل القاضي.

(قوله: ولم يحكم) الواو بمعنى أو، ولو في عبر بها كما في التحفة لكان أولى، وهو مفهوم قوله وحكم به.

(قوله: فإن إلخ) جواب أن المدغمة في لا النافية.

(وقوله: سأل المدعي) أي طلب من قاضي بلد الحاضر.

(قوله: إنهاء الحال) أي تبليغ الامر الواقع عند قاضي بلد الحاضر من سماع بينة أو حكم.

(قوله: إلى قاضي) متعلق بإنهاء.

(قوله: أجابه) أي أجاب القاضي المدعي لما سأله إياه.

(قوله: وإن كان المكتوب إليه) الأولى وإن كان المنهي إليه سواء كتب إليه أم لا: إذ الكتابة غير شرط، وهذا يجري في جمع ما يأتي (قوله: مسارعة إلخ) تعليل لوجوب الاجابة.

(وقوله: بقضاء حقه) أي حق المدعي من ذلك الغائب.

(قوله: فينهي) أي قاضي بلد الحاضر.

وهو تفريع على قوله أجابه.

(وقوله: إليه) أي قاضي بلد الغائب.

(قوله: سماع بينته) أي أنه سمع بينته المدعي.

(قوله: ثم إن عدلها) أي عدل قاضي بلد الحاضر البينة: أي أثبت عدالتها.

(وقوله: لم يحتج المكتوب إليه) أي القاضي المكتوب إليه.

(وقوله: إلى تعديلها) أي إثبات عدالتها عنده.

(قوله: وإلا احتاج إليه) أي وإن لم يعدلها قاضي بلد الحاضر، احتاج القاضي المنهي إليه إلى تعديلها (قوله: ليحكم) أي قاضي بلد الغائب، والجار والمجرو متعلق بينهي.

(وقوله: بها) أي بالبينة التي سمعها قاضي بلد الحاضر.

(قوله: ثم يستوفي) أي قاضي بلد الغائب المنهي إليه من المدعى عليه الكائن في بلدته الحق.

(قوله: وخرج بها) أي بالبينة.

(وقوله: علمه) أي القاضي بما ادعى به المدعي.

(قوله: فلا يكتب به) أي بعلمه ليحكم به المكتوب إليه.

(قوله: لأنه) أي القاضي إذا كتب بعلمه، يكون شاهدا لا قاضيا، وعبارة شرح الروض: لانه ما لم يحكم به هو كالشاهد، والشهادة لا تتأدى بالكتابة.

اه.

وكتب السيد عمر البصري على قول التحفة وخرج بها علمه ما نصه: قد يقال إن حكم بعلمه فظاهر إنهاء الحكم المستند إلى العلم، وإلا فهو شاهد حينئذ.

ولعل ما في العدة محمول على الثاني، وكلام السرخسي على الاول.

وأما قول البلقيني لان علمه الخ.

فإطلاقه محل تأمل، لانه إنما يكون كالبينة

ص: 277

الآن لا قاض.

ذكره في العدة وخالفه السرخسي واعتمده البلقيني لان علمه كقيام البينة وله على الاوجه أن يكتب سماع شاهد واحد ليسمع المكتوب إليه شاهدا آخر أو يحلفه ويحكم له (أو) ينهي إليه (حكما) إن حكم (ليستوفي) الحق لان الحاجة تدعو إلى ذلك (والانهاء أن يشهد) ذكرين (عدلين بذلك) أي بما جرى عنده من ثبوت أو حكم ولا يكفي غير رجلين ولو في مال أو هلال رمضان.

ويستحب كتاب به يذكر فيه ما يتميز به

ــ

بالنسبة إليه، لا بالنسبة لقاض.

ألا ترى أنه لو كان القاضي الآخر حاضرا فقال له قاض: أنا أعلم هذا الامر يجوز له الحكم بمجرد قوله؟ فليتأمل.

اه.

(قوله: ذكره) أي ما ذكر من عدم كتابة علمه إلى قاضي بلد الغائب.

(وقوله: في العدة) بضم العين، اسم كتاب للقاضي شريح.

(قوله: وخالفه السرخسي) أي خالف صاحب العدة السرخسي، فأحاز الكتابة بالعلم.

وعبارة شرح الروض.

وفي أمالي السرخسي جوازه، ويقضي به المكتوب إليه إذا جوزنا القضاء بالعلم، لان إخباره عن علمه كإخباره عن قيام البينة.

اه.

والسرخسي وجدته مضبوطا بالقلم - بفتح السين والراء وسكون الخاء وكسر السين بعدها -.

(قوله: لان علمه) أي القاضي.

(وقوله: كقيام البينة) أي عنده: أي والاخبار به جائز، فليكن الاخبار بعلمه كذلك.

(قوله: وله) أي لقاضي بلد الحاضر.

(قوله: أن يكتب) أي إلى قاضي بلد الغائب.

(وقوله: سماع شاهد واحد) أي أنه يسمع شهادة شاهد واحد.

(وقوله: ليسمع الخ) اللام تعليلية متعلقة بيجوز مقدرا قبل قوله له الخ أن: أي ويجوز له أن يكتب بذلك لاجل أن يسمع القاضي المكتوب إليه شاهدا آخر غير هذا الشاهد.

(قوله: أو يحلفه) بالنصب معطوف على ليسمع: أي أو يحلفه فيما إذا كانت الدعوى على شئ يثبت بشاهد ويمين.

(قوله:

ويحكم) بالنصب معطوف على ليسمع أو يحلف، والفاعل يعود على المكتوب إليه.

(وقوله: له) أي للمدعي.

(قوله: أو ينهى إليه) معطوف على فينهى إليه سماع بينته.

(وقوله: حكما) أي ينهى إليه أنى حكمت لفلان على فلان بكذا وكذا.

(وقوله: إن حكم) قيد في إنهاء الحكم.

(قوله: ليستوفي) أي قاضي بلد الغائب الحق من المدعى عليه، وهو علة لانهاء الحكم.

(قوله: لأن الحاجة الخ) تعليل للانهاء بسماع البينة أو بالحكم.

(وقوله: إلى ذلك) أي الانهاء.

(قوله: والانهاء أن يشهد الخ) أي والانهاء فسروه بأن يشهد قاضي بلد الحاضر ذكرين عدلين بما جرى عنده من سماع بينة أو حكم، ليؤدياه عند قاضي بلد الغائب، وهذان الشاهدان غير الشاهدين على إثبات الحق، ولو لم يشهدهما القاضي، ولكن أنشأ الحكم بحضورهما فلهما أن يشهدا عليه، وإن لم يشهدهما.

(قوله: ولا يكفي) أي في الانهاء غير رجلين.

(قوله: ولو في مال) أي ولو كان الانهاء في إثبات مال، أو هلال رمضان، لما علمت أن شهود الانهاء غير شهود الاثبات.

(قوله: ويستحب كتاب) أي مع الإشهاد.

(وقوله: به) أي بما جرى عنده من ثبوت للحق أو حكم.

وحاصل صورة الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم.

حضر عندنا عافاني الله وإياك فلان، وادعى لفلان الغائب المقيم في بلدك بالشئ الفلاني، وأقام عليه شاهدين، وحلفت المدعي يمين الاستظهار وحكمت له بالمال، فاستوفه أنت منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا.

هذا إذا حكم عليه.

فإن لم يحكم عليه، قال بعد قوله وحلفت المدعي يمين الاستظهار، فاحكم عليه واستوف الحق منه، وأشهدت بالكتاب فلانا وفلانا.

ويسن ختمه بعد قراءته على الشاهدين بحضرته ويقول: أشهدكما أني كتبت إلى فلان بما سمعتما، ويضعان خطهما فيه.

ولا يكفيه أن يقول أشهدكما أن هذا خطي، أو أن ما فيه حكمي، ويندب أن يدفع للشاهدين نسخة أخرى بلا ختم ليطالعاها ويتذاكرا عند الحاجة، فإن أنكر الغائب بعد إحضاره إن المال المذكور فيه عليه، شهد عليه الشاهد أن عند قاضي بلده بحكم القاضي الكاتب، فإن قال ليس المكتوب اسمي صدق بيمينه، لانه أخبر بنفسه والأصل براءة ذمته.

هذا إن لم يعرف به، فإن عرف به لم يصدق.

فإن قال لست الخصل حكم قاضي بلده عليه إن ثبت أن المكتوب اسمه بإقرار أو بينة، ولا يلتفت إلى إنكاره أنه اسمه حينئذ إذا لم يكن ثم من يشاركه فيه، وهو معاصر للمدعي يمكن معاملته له، بأن لم يكن ثم من يشاركه فيه أصلا، أو كان ولم يعاصر المدعي، أو لم تمكن معاملته، لأن الظاهر أنه المحكوم عليه حينئذ، فإن كان هناك من يشاركه فيه وعاصر المدعي وأمكنت معاملته له، بعث المكتوب إليه للكاتب إنه يطلب من الشهود زيادة تمييز للمشهود عليه، ويكتبها وينهيها

ص: 278

المحكوم عليه من إسم أو نسب وأسماء الشهود وتاريخه والانهاء بالحكم من الحاكم يمضي مع قرب المسافة وبعدها وسماع البينة لا يقبل إلا فوق مسافة العدوى.

إذ يسهل إحضارها مع القرب وهي التي يرجع منها مبكرا إلى محله ليلا فلو تعسر إحضار البينة مع القرب بنحو مرض قبل الانهاء.

فرع: قال القاضي وأقره لو حضر الغريم وامتنع من بيع ماله الغائب لوفاء دينه به عند الطلب ساغ للقاضي

ــ

ثانيا، فإن لم يجد زيادة تمييز وقف الامر حتى ينكشف الحال.

فعلم من ذلك أنه يعتبر مع المعاصرة إمكان المعاملة كما صرح به الجرجاني والبندنيجي وغيرهما أفاد ذلك كله في الاقناع وحواشيه.

(قوله: يذكر) أي القاضي فيه، أي الكتاب (وقوله: ما يتميز به المحكوم عليه) أي الغائب المحكوم عليه، أي أو المشهود عليه.

وعبارة المنهج وشرحه: ما يميز الخصمين الغائب وذا الحق.

اه.

(قوله: من اسم) بيان لما.

(وقوله: أو نسب) أي أو صفة أو حلية.

(قوله: وأسماء الشهود) أي على ما في الكتاب، وأما شهود الحق فلا يحتاج إلى ذكر أسمائهم إن كان قد حكم، فإن لم يحكم احتيج إلى ذكرهم إن لم يعدلهم قاضي بلد الحاضر، وإلا فله ترك ذلك.

كذا في المنهج وشرحه.

(قوله: وتاريخه) أي يذكر تاريخ الكتاب.

تتمة: لو شافه القاضي وهو في محل عمله قاضي بلد الغائب بحكمه، بأن حضر قاضي بلد الغائب إلى بلد الحاكم وشافهه بذلك، أمضاه ونفذه إذا رجع إلى محل ولايته، بخلاف ما لو شافه القاضي، وهو في غير محل عمله قاضي بلد الغائب، فلا يمضيه كمال، قاله الامام والغزالي.

ولو قال قاضي بلد الحاضر وهو في طرف محل ولايته، حكمت بكذا لفلان على فلان الذي ببلدك، أمضاه ونفذه أيضا، لانه أبلغ من الشهادة والكتاب، وهو حينئذ قضاء بعلمه.

(قوله: والانهاء بالحكم) العبارة فيها قلب، والاصل والحكم المنهي ولو بلا كتاب.

(قوله: يمضي) أي ينفذ.

(قوله: وسماع البينة) بالجر معطوف على بالحكم: أي والانهاء بسماع البينة.

وفي العبارة قلب أيضا: أي وسماع البينة المنهي.

(قوله: لا يقبل إلا فوق مسافة العدوى) أي لا يقيل الانهاء بالسماع إلا إذا كان بين القاضيين فوق مسافة العدوى.

والفرق بينه وبين الانهاء بالحكم أنه لم يتم الامر في سماع البينة مع سهولة إحضارها في القرب دون البعد، فلذلك قبل في البعد دون القرب، وفي إنهاء الحكم قد تم الامر فلم يبق إلا الاستيفاء، فلذلك قبل مطلقا.

(قوله: إذ يسهل) أي على قاضي بلد الغائب.

(وقوله: إحضارها) أي البينة.

(وقوله: مع القرب) أي بأن تكون المسافة مسافة العدوي فما دونها.

(قوله: وهي) أي مسافة العدوى.

(وقوله: التي يرجع منها) الجار والمجرور متعلق بما بعده.

(وقوله: مبكر) أي خارج من محله قبيل طلوع الشمس، وقيل عقب طلوع الفجر.

(وقوله: إلى محله) متعلق بيرجع، وهو إظهار في مقام الاضمار.

(وقوله: ليلا) أي أوائله.

والمعنى أن مسافة العدوى هي التي يرجع أول الليل إلى محله من خرج منه إلى بلد الحاكم قبيل طلوع الشمس، وتعبيره بقوله ليلا لا ينافي تعبيرهم بقولهم يومه، لان أوائل الليل كالنهار كما في النهاية.

وعبارة الخطيب.

ومسافة العدوى ما يرجع منها مبكر إلى محله يومه المعتدل.

اه.

قال البجيرمي عليه:

والمعنى أن يذهب إليها ويرجع يومه المعتدل.

اه.

وسميت بذلك لان القاضي يعدي من طلب إحضار خصمه منها: أي يعينه على إحضاره.

(قوله: فلو تعسر الخ) تفريع على التعليل، أعني إذ يسهل إلخ.

وعبارة التحفة: وأخذ في المطلب من التعليل المذكور أنه لو تعسر الخ.

اه.

ولو صنع المؤلف كصنيعه لكان أولى.

(وقوله: مع القرب) أي قرب المسافة بين القاضيين.

(وقوله: بنحو مرض) متعلق بتعسر: أي تعسر إحضار البينة له بسبب مرض أو نحوه، كخوف الطريق.

(وقوله: قبل الانهاء) جملة فعلية واقعة جوابا للو.

(قوله: قال القاضي) مقول القول جملة لو حضر الغريم.

(وقوله: وأقروه) أي الفقهاء في قوله المذكور.

(قوله: لو حضر الغريم) أي غريم المدعي في البلد التي هو فيها.

(قوله: وامتنع) أي الغريم.

(قوله: من بيع ماله الغائب) أي عن البلد التي حضر فيها.

(وقوله: لوفاء دينه) متعلق ببيع: أي امتنع من البيع لاجل وفاء الدين الذي عليه.

(وقوله: به) أي بماله الغائب: أي بثمنه إذا بيع، وهو متعلق بوفاء.

(قوله: عند

ص: 279

بيعه لقضاء الدين وإن لم يكن المال بمحل ولايته، وكذا إن غاب بمحل ولايته كما ذكره التاج السبكي والغزي وقالا بخلاف ما لو كان بغير محل ولايته لانه لا يمكن نيابته عنه في وفاء الدين حينئذ وحاصل كلامهما جواز البيع إذا كان هو أو ماله في محل ولايته ومنعه إذا خرجا عنها.

مهمة: لو غاب إنسان من غير وكيل وله مال حاضر فأنهى إلى الحاكم أنه إن لم يبعه اختل معظمه لزمه بيعه إن تعين طريقا لسلامته وقد صرح الاصحاب بأن القاضي إنما يتسلط على أموال الغائبين إذا أشرفت على

ــ

الطلب) أي طلب المدعي حقه منه، والظرف متعلق بامتنع.

(قوله: ساغ للقاضي) أي جاز لقاضي بلد المدعي بيعه، وهو جواب لو.

(وقوله: لقضاء الدين) أي لأجل قضاء الدين من ثمنه.

(قوله: وإن لم يكن المال بمحل ولايته) أي القاضي، وهو غاية في جواز البيع.

ويتصور بيعه حينئذ بما إذا كان المشتري من أهل بلد القاضي، وقدر أي المال الغائب، وبما إذا حضر مشتر من بلد المال الغائب واشتراه منه، أو له وكيل في الشراء عنه.

(قوله: وكذا إن غاب بمحل ولايته) أي وكذلك يسوغ للقاضي بيع المال الغائب إن غاب الغريم الذي هو مالكه، لكن في محل ولايته.

(قوله: كما ذكره) أي ما بعد وكذا.

(قوله: وقالا) أي السبكي والغزي (قوله: بخلاف ما لو كان) أي الغريم الذي هو المالك في غير محل ولايته، أي فإنه لا يسوغ للقاضي بيع ماله الغائب.

ويؤخذ من قوله بعد ومنعه إذا خرجا عنها تقييد عدم جواز البيع بما إذا كان المال أيضا في غير محل ولايته.

(قوله: لأنه الخ) تعليل لما تضمنه قوله بخلاف ما لو الخ.

(قوله: لا يمكن نيابته) أي القاضي.

(وقوله: عنه) أي عن الغريم الغائب.

(وقوله: حينئذ) أي حين إذ كان في غير محل ولايته.

قال في التحفة بعد ما ذكر: ونوزعا بتصريح الغزالي كإمامه واقتضاه كلام الرافعي وغيره بأنه لا فرق في العقار المقضي به بين كونه بمحل ولاية القاضي الكاتب وغيرها قال الامام.

فإن قيل: كيف يقضي ببقعة ليست في محل ولايته؟ قلنا هذا غفلة عن حقيقة القضاء على الغائب، فكما أنه يقضي على من ليس بمحل ولايته ففيما ليس فيه كذلك،

وعن هذا قال العلماء بحقائق القضاء، قاض في قرية ينقذ قضاؤه في دائرة الآفاق، ويقضي على أهل الدنيا، ثم إذا ساغ القضاء على غائب فالقضاء بالدار الغائبة قضاء على غالب، والدار مقضي بها.

اه.

ثم قال: وقد اعتمد بعضهم كلام السبكي والغزي فارقا بين إنهاء القاضي إلى قاضي بلد المال، فيجوز مطلقا، وبين بيعه للمال فلا يجوز إلا إن كان أحدهما في محل عمله، فقال ما حاصله.

قال ابن قاضي شهبة: وإنما يمتنع البيع إذا غاب هو وماله عن محل ولايته: أي فينهيه إلى حاكم بلد هو فيها أو ماله كما ذكره الائمة، ولا يجوز أن يبيع إذا خرجا عنها وقول بعضهم يجوز سهو.

اه.

(قوله وحاصل كلامهما) أي السبكي والغزي.

(قوله: جواز البيع) أي بيع القاضي مال الغائب بمحل ولايته.

(قوله: إذا كان هو) أي الغريم.

(قوله: ومنعه) أي البيع.

(وقوله: إذا خرجا) أي الغريم وماله معا.

(وقوله: عنها) أي عن محل ولاية القاضي.

(قوله: لو غاب إنسان الخ) أي غاب إنسان عن بلده من غير أن يجعل له وكيلا فيها.

(وقوله: وله) أي للانسان الغائب.

(وقوله: مال حاضر) أي في البلد.

(قوله: فأنهى) بالبناء للمجهول، والجار والمجرور بعده نائب فاعله، والاصل فأنهى شخص من أهل محلته ما ذكر.

قال ع ش: وينبغي وجوب ذلك على سبيل الكفاية في حق أهل محلته.

اه.

(قوله: أنه) أي المال الحاضر أو الحاكم، فالضمير يصلح عوده على كل منهما.

(وقوله: إن لم يبعه) الضمير المستتر يعود على الحاكم، والبارز يعود على المال.

(قوله: اختل معظمه) أي فسد معظم المال.

(قوله: لزمه بيعه) أي لزم الحاكم بيع المال: أي وحفظ ثمنه عنده.

(قوله: إن تعين) أي البيع طريقا: أي سببا لسلامته، فإن لم يتعين لم يلزمه بيعه، بل يبقيه أو يقرضه أو يؤجره.

قال في الروض وشرحه: وللقاضي إقراض مال الغائب من ثقة ليحفظه بالذمة: أي فيها، وله بيع حيوان لخوف هلاكه، ونحوه كغصبه، سواء فيه مال اليتيم الغائب وغيره، وله تأجيره - أي إجارته - إن أمن عليه، لان المنافع تفوت بمضي الوقت.

ومال من لا يرجى معرفته له بيعه وصرفه، أي صرف ثمنه في

ص: 280

الضياع أو مست الحاجة إليها في استيفاء حقوق ثبتت على الغائب وقالوا ثم في الضياع تفصيل فإن امتدت الغيبة وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع ساغ التصرف وليس من الضياع اختلال لا يؤدي لتلف المعظم ولم

يكن ساريا لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة والاختلال المؤدي لتلف المعظم ضياع، نعم الحيوان يباع لمجرد تطرق اختلال إليه.

لحرمة الروح ولانه يباع على مالكه بحضرته إذا لم ينفق عليه ولو نهي عن التصرف في ماله امتنع إلا في الحيوان.

فرع: يحبس الحاكم الآبق إذا وجده انتظارا لسيده فإن أبطأ سيده باعه الحاكم وحفظ ثمنه فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن.

ــ

المصالح، وله حفظه.

اه.

بحذف: وقوله: وللقاضي قضيته جواز ما ذكر عليه لا وجوبه، فهو خلاف ما ذكره الشارح.

وفي فتاوي القفال ما يقتضي الجواز أيضا، ونصه: للقاضي بيع مال الغائب بنفسه، أو قيمه، إذا احتاج إلى نفقة، وكذا إذا خاف فوته، أو كان الصلاح في بيعه، ولا يأخذ له بالشفعة، وإذا قدم لم ينقض بيع الحاكم ولا إيجاره.

اه.

(قوله: وقد صرح الاصحاب الخ) الغرض من سياقه تقوية ما ذكره وإفادة أن فيه تفصيلا.

(قوله: إنما يتسلط على أموال الغائبين) أي إنما يتصرف فيها ببيع ونحوه.

(قوله: إذا أشرفت على الضياع) أي قربت من الفساد.

(قوله: أو مست الحاجة إليها) أي

ألجأت الحاجة إلى أموالهم.

(وقوله: في استيفاء حقوق) متعلق بالحاجة، وفي بمعنى اللام: أي ألجأت الحاجة إلى أموالهم لقضاء الحقوق التي ثبتت عليهم منها.

(قوله: وقالوا) أي الاصحاب (قوله: ثم في الضياع) أي فيما يؤول إلى الضياع لو لم يتصرف فيه، إذ التفصيل ليس في الضياع نفسه، وإلا لما صح قوله بعد وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع (قوله: فإن امتدت) أي طالت.

(وقوله: الغيبة) أي غيبة مالك المال.

(قوله: وعسرت المراجعة) أي مراجعة الحاكم لصاحب المال في شأنه.

(قوله: قبل وقوع الضياع) متعلق بالمراجعة.

(قوله: ساغ التصرف) أي جاز للحاكم التصرف فيه ببيع ونحوه.

وقضيته عدم الوجوب إلا أن يقال المراد به ما قابل الإمتناع، فيصدق بالوجوب وهو المراد.

(قوله: وليس من الضياع) أي المسوغ للتصرف فيه.

(وقوله: اختلال) أي فساد في المال.

(وقوله: لتلف المعظم) أي معظم المال.

(وقوله: ولم يكن) أي الاختلال ساريا، وعطف هذه الجملة على ما قبلها من عطف أحد المتلازمين على الآخر.

إذ يلزم من عدم سريانه عدم تأديته لتلف المعظم وبالعكس.

(قوله: لامتناع الخ) علة لمقدر مرتب على قوله وليس من الضياع إلخ: أي وإذا كان ليس من الضياع الاختلال المذكور، فلا يبيعه الحاكم لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة، وهذا ما يخالف ما مر عن فتاوي القفال من أنه إذا كان الصلاح في بيعه فله ذلك.

(قوله: والاختلال المؤدي الخ) هو مفهوم قوله لا يؤدي الخ.

وفي أخذه مفهومه، ولم يؤخذ مفهوم ما بعده، أعني ولم يكن ساريا الخ يؤيد ما قررته عليه، والمعنى أن الاختلال المقتضي لتلف معظم المال يعد ضياعا فيسوغ للامام التصرف فيه قبله.

(قوله: نعم إلخ) إستدراك على التفصيل في الضياع: أي أن التفصيل المذكور محله في غير الحيوان، أما هو فمتى ما حصل اختلال فيه تصرف فيه مطلقا، ولو لم يؤد اختلاله إلى تلفه.

(وقوله: لحرمة الروح) أي حفظا لحرمة الروح، وهو علة البيع.

(وقوله: ولانه) أي الحيوان، وهو معطوف على العلة قبله.

(وقوله: يباع) أي يبيعه الحاكم عليه.

ومحله إن تعين البيع، وإلا بأن أمكن تدارك الضياع بالاجارة اكتفي بها، ويقتصر على أقل زمن يحتاج إليه كما مر.

(وقوله: على مالكه) أي قهرا عن مالكه، أو نيابة عنه، فعلى بمعنى عن، وهي متعلقة بمحذوف.

(قوله: بحضرته) متعلق بيباع: أي يباع بحضرة مالكه.

(وقوله: إذا لم ينفق عليه) أي إذا لم ينفق المالك على الحيوان.

(قوله: ولو نهى الخ) معطوف على العلة قبله أيضا، فهو علة لبيع الحيوان.

أي ولانه لو نهى المالك عن التصرف فيه، امتنع التصرف فيه إلا في الحيوان، فلا يمتنع حفظا للروح.

(قوله: يحبس الحاكم) أي أو نائبه.

(وقوله: الآبق) أي الرقيق الهارب من سيده، وهو مفعول يحبس.

(قوله: إذا وجده) أي وجد الحاكم الآبق.

(قوله: انتظارا لسيده) حال على تأويله باسم الفاعل: أي يحبسه حال كونه منتظرا لسيده.

أو مفعول

ص: 281

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مطلق لفعل محذوف: أي وينتظر سيده انتظارا.

(قوله: فإن أبطأ سيده) أي تراخى في طلب عبده.

(قوله: باعه الحاكم) أي أو يؤجره إن أمن عليه.

(قوله: فإذا جاء سيده فليس له غير الثمن) أي وليس له فسخ البيع، لان ما صدر من الامام كان نيابة شرعية عنه.

تتمة: في القسمة وهي تمييز بعض الانصباء من بعض.

والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى: * (وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه) *.

فكان يجب إعطاء المذكورين شيئا من التركات في صدر الإسلام، ثم نسخ الوجوب وبقي الندب، وأخبار كخبر الصحيحين: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم الغنائم بين أربابها.

والحاجة داعية إليها ليتمكن كل واحد من الشريكين أو الشركاء من التصرف في نصيبه استقلالا، ويتخلص من سوء المشاركة، واختلاف الايدي.

وأركانها ثلاثة: قاسم ومقسوم ومقسوم له، ويشترط في القاسم المنصوب من جهة الإمام أهلية الشهادات، وعلمه بالقسمة وكونه عفيفا عن الطمع، حتى لا يرتشي ولا يخون، فإن لم يكن منصوبا من جهة الإمام بل تراضى عليه الشريكان أو الشركاء ولم يحكموه في القسمة، لم يشترط فيه إلا التكليف، فإن حكموه، إشترط فيه ما اشترط في منصوب الإمام.

واعلم أن القسمة على ثلاثة أنواع: أحدها: القسمة بالنظر للاجزاء المتساوية، كقسمة المثليات من حبوب وغيرها، فتجزأ الانصباء كيلا في مكيل ووزنا في موزون، وتسمى هذه القسمة قسمة المتشابهات، لان الاجزاء فيها متشابهة قيمة وصورة وقسمة الافراز، لكونها أفرزت لكل من الشركاء نصيبه.

ثانيها: القسمة بالتعديل: أي التقويم بأن تعدل السهام بالقيمة، كقسمة أرض تختلف قيمة أجزائها بقوة إنبات أو قرب ماء، أو بسبب ما فيها.

كبستان بعضه نخل وبعضه عنب، وتكون الارض بينهما نصفين، ويساوي قيمة ثلث الارض مثلا قيمة ثلثيها.

وثالثا: القسمة بالرد وهي التي يحتاج فيها الرد أحد الشريكين للآخر مالا أجنبيا، كأن يكون في أحد جانبي الارض المشتركة بئر، أو شجر مثلا لا يمكن قسمته، فيرد من يأخذه بالقسمة قسط قيمة البئر أو الشجر.

فلو كانت قيمة كل من البئر أو الشجر مثلا ألفا رد الاخذ لذلك الجانب الذي فيه البئر أو الشجر خمسمائة، لانها نصف الالف.

والنوع الاول من أنواع القسمة الثلاثة إقرار للحق: أي يتبين به إن ما خرج لكل هو الذي ملكه لا يبيع، والنوعان الآخران بيع لكن لا يفتقر للفظ نحو بيع أو تمليك وقبول، بل يقوم الرضا مقامهما.

ويشترط للقسمة الواقعة بالتراضي في الانواع الثلاثة رضا بها بعد خروج القرعة إن حكموا بالقرعة، كأن يقولوا رضينا بهذه القسمة، أو بما أخرجته القرعة بخلاف القسمة بالاجبار، وهو لا يكون إلا في قسمة الافراز والتعديل دون الرد، فلا يدخلها إجبار فلا يعتبر فيها الرضا لا قبل القرعة ولا بعدها.

فإن لم يحكموا بالقرعة كأن اتفقوا على أن يأخذ أحدهم هذا القسم والآخر ذاك القسم، وهكذا بتراضيهم كما يقع كثيرا، فلا حاجة إلى رضا آخر، والله سبحانه تعالى أعلم.

(1) سورة النساء، الاية:8.

ص: 282