المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرابع في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر - إعلام السائلين عن كتب سيد المرسلين لابن طولون

[ابن طولون]

فهرس الكتاب

- ‌الأوَّلُ فِي كتَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلى النَّجَاشِيِّ مَلِكِ الْحَبَشَةِ

- ‌الثَاني فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى المنذِر بْن سَاوى العبدي

- ‌الثَالِث فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى كِسْرَى

- ‌الرابعُ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَيْصَر

- ‌الخَامسِ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الُمقَوْقِسِ

- ‌السَادِسُ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جُهَيُنَة

- ‌السَّابِعُ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ

- ‌الثَّامِنُ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَيْرِ ذي مَران وَإِلَى من أسْلَمَ من همدان

- ‌التَاسِعُ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أهْلِ خَيْبَرَ

- ‌الْعَاشِرُ فِي كِتَابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى جيفر وَعَبْد ابني الجلندِي

- ‌الحَادِي عَشَرَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رِعْيَةَ السُّحَيْمِيِّ

- ‌الثَاني عَشَر فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الحَارثِ بْن أَبِي شمر الغسَّاني

- ‌الَثالِثَ عَشَرَ فِي كَتابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلَى هوذَة بنّ عَلِي الحَنَفيّ

- ‌الرابعُ عَشَر فِي كتابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِلى مُسَيلمَة الكَذَّاب

- ‌الخَامِسُ عَشَر فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الحَارِثِ بْنُ عَبْدِ كُلالٍ الْحِمْيَرِيِّ

- ‌السَّادِسُ عَشَر فِي كتابِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لِرفَاعَةَ إِلَى قَومِه

- ‌السَّابعَ عَشَرَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِوَفْدِ هَمْدَانَ

- ‌الثَامنَ عَشَرَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ

- ‌التَاسعَ عَشَرَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مُطَرِّفِ بْنِ بُهْصُلٍ

- ‌العشرُونَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانِ

- ‌الحَادِي وَالْعِشُرُونَ فِي كَتابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ

- ‌الثَانِي وَالعَشرُونَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ

- ‌الثَالِثُ وَالْعِشُرُونَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَالدِ بْنِ الْوَلِيدِ

- ‌الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الأَنْصَارِيِّ

- ‌الخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى ثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ

- ‌السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى أَبِي بَصِيرٍ وَأبي جَنْدَلٍ

الفصل: ‌الرابع في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر

‌الرابعُ فِي كِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَيْصَر

أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي عُمَرَ بِقَرَاءَتِي عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُرْوَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو زَكَرِيَّا الرُّحْبِيُّ.

ح وَأَخْبَرَتْنَا عَالِيًا أُمُّ عَبْدِ الرَّزَّاقِ خَدِيجَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الأَرْمَوِيَّةُ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهَا، قَالَتْ: أَخْبَرَتْنَا أُمُّ مُحَمَّدِ بِنْتُ عَبْدُ الْهَادِي ، قَالَتْ: وَأَبُو زَكَرِيَّا، أَنْبَأَنَا الشِّهَابُ بْنُ الشَّحْنَةِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِِ بْنُ الزُّبَيْدِيُّ، أَنْبَأَنَا السِّجْزِيُّ، أَنْبَأَنَا الدَّوُدِيُّ، أَنْبَأَنَا السَّرْخَسِيُّ، أَنْبَأَنَا الْفِرْبَرِيُّ، أَنْبَأَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ، أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَا سُفيْانَ بْنَ حَرْبٍ ، أَخْبَرَهُ " أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَكَانُوا تُجَّارًا بِالشَّامِ فِي

ص: 67

الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَادَ فِيهَا أَبَا سُفْيَانَ وَكُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَتَوهُ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ، فَدَعَاهُمْ فِي مَجْلِسِهِ وَحَوْلهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ وَدَعَا بِتُرْجُمَانِهِ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنُّهُ نَبِيٌّ؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ: أَنَا أَقْرَبُهُمْ نَسَبًا، فَقَالَ: أَدْنُوهُ مِنِّي، وَقَرِّبُوا أَصْحَابَهُ فَاجْعَلُوهُمْ عِنْدَ ظَهْرِهِ، ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: قُل لَهُمْ: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ، فَإِنْ كَذِّبَنِي فَكَذِّبُوهُ.

فَواللَّهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يَأْثِرُوا عَلَيَّ كَذِبًا لكَذَبْتُ عَنْهُ، أَوْ قَالَ عَلَيْهِ، ثُمَّ كَانَ أَوَّلُ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: كَيْفَ نسُبُهُ فِيكُمْ؟ فَقُلْتُ: هُوَ فِينَا ذُو نَسَبٍ، قَالَ: فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَطُّ قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آَبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ؟ قُلْتُ: لا ، قَالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَائُهُمْ؟ قُلْت: بَل ضُعَفَائُهُمْ، قَالَ: أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ، قَالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْكُمْ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُل فِيهِ؟ قُلْت: لا، قَالَ: فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قُلْتُ: لا، قَالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قَلْتُ: لا، وَنَحْنُ مِنْهُ فِي مُدَّةٍ لا نَدْرِي مَا هُوَ فَاعِلٌ فِيهَا، قَالَ: لَمْ يُمْكِنِّي كَلِمَةً أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، قَالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ؟ قُلْتُ: الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالٌ، يَنَالُ مِنَّا، وَنَنَالُ مِنْهُ،

ص: 68

قَالَ: مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ قُلْتُ: يَقُولُ: اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آَبَاؤُكُمْ، وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلاةِ، وَالصِّدْقِ، َالْعَفَافِ، وَالصِّلَةِ، فَقَالَ لِلتُرْجُمَانِ قُلْ لَهُ: سَأَلْتُكَ عَنْ نَسَبِهِ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو نَسَبٍ، فَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذَا الْقَوْلَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، فَقُلُتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ، قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ، لَقُلْتُ: رَجُلٌ يَأْتَسِي بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ مِنْ آَبَائِهِ مَنْ مَلَكَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، قُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آَبَائِهِ مَنْ مَلِكِ، قُلْتُ: رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ أَبِيِهِ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، فَقَدْ أَعْرَفَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَذَرُ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ، وَيَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ أَشْرَافَ النَّاسِ اتَّبَعُوهُ أَمْ ضُعَفَاؤَهُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ أَيَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ، فَذَكَرْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ أَمْرُ الإِيمَانِ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدَّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْد أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ، فَذَكَرْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ، وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدُرُ؟ فَذَكَرْتَ أَنْ لا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا تَغْدُرُ، وَسَأَلْتُكَ بِمَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَذَكَرْتَ أَنَّهُ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ، وَيَأْمُرُكُمْ بِالصَّلاةِ، وَالصِّدْقِ، وَالْعَفَافِ ، وَالصِّلَةِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَمْ أَكُنْ أَظُنُّ أَنَّهُ مِنْكُمْ، فَلَوْ أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ، لَتَجَشَّمْتُ لِقَاءَهُ، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ، عَنْ قَدَمَيْهِ، ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، الَّذِي بَعَثَ بِهِ مَعَ دِحْيَةَ إِلَى عَظِيمِ

ص: 69

بُصْرَى، فَدَفَعَهُ إِلَى هِرَقلَ فَقَرَأَهُ، فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحَمْنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِِ وَرَسُولِهِ، إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى.

أمَا بْعدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكِ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِن تَوَلَّيْتَ، فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ اليَرِيسِيِّينَ، {يَأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا

ص: 70

فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا قَالَ مَا قَالَ، وَفَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ، كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ، وَأُخْرِجْنَا، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا: لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ، فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلامُ "

ص: 71

وَكَانَ ابْنُ النَّاطُورِ ، صَاحِبَ إِيلِيَاءَ وَهِرَقْلَ ، أَسْقُفًا عَلَى نَصَارَى الشَّامِ يُحَدِّثُ أَنَّ هِرَقلَ حِينَ قَدِمَ إِيلِيَاءَ، أَصْبَحَ يَوْمًا خَبِيثَ النَّفْسِ، فَقَالَ بَعْضُ بَطَارِقَتِهِ قَدِ اسْتَنْكَرْنَا هَيْئَتَكَ، قَالَ ابْنُ النَّاطُورِ: وَكَانَ هِرَقْلُ حَزَّاءً يَنْظُرُ فِي النِّجُومِ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ سَأَلُوهُ: إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ حِينَ نَظَرْتُ فِي النِّجُومِ مَلِكَ الْخِتَانِ قَدْ ظَهَرَ، فَمَنْ يَخْتَتِنْ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ؟ قَالُوا، لَيْسَ يَخْتَتِنُ إِلا الْيَهُودُ، فَلا يَهُمَّنَّكَ شَأْنَهُمْ، وَاكْتُبْ إِلَى مَدَائِنَ مُلْكِكَ فَلْيَقْتُلُوا مَنْ فِيهِمْ مِنَ الْيَهُودِ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى أَمْرِهِمْ أُتِيَ هِرَقْلُ بِرَجُلٍ أَرْسَلَ بِهِ مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عَنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرَقْلُ، قَالَ: اذْهَبُوا فَانْظُرُوا أَمُخْتَتَنٌ هُوَ أَمْ لا؟ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَحَدَّثُوهُ أَنَّهُ مُخْتَتَنٌ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْعَرَبِ، فَقَالَ: هُمْ يَخْتَتِنُونَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَذَا مَلِكُ هَذِهِ الأُمَّةِ قَدْ ظَهَرَ، ثُمَّ كَتَبَ هِرَقْلُ إِلَى صَاحِبٍ لَهُ بِرُومِيَّةَ وَكَانَ نَظِيرَهُ فِي

ص: 72

الْعِلْمِ ، وَصَارَ هِرَقْلُ إِلَى حِمْصَ فَلَمْ يَرُمْ حِمْصَ حَتَّى أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ صَاحِبِهِ يُوَافِقُ رَأْيَ هِرَقْلَ عَلَى خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَذِنَ هِرَقْلُ لِعُظَمَاءِ الرُّومِ فِي دَسْكَرَةَ لَهُ بِحِمْصَ، ثُمَّ أَمَرَ بِأَبْوَابِهِ فَغُلِّقَتْ، ثُمَّ اطَّلَعَ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلاحِ وَالرُّشْدِ، وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ فَتُبَايِعُوا هَذَا النَّبِيَّ؟ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ، فَلَمَّا رَأَى هِرَقْلُ نَفْرَتَهُمْ وَأَيِسَ مِنَ الإِيمَانِ، قَالَ: رُدُّوهُمْ عَلَيَّ، وَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ مَقَالَتِي آَنِفًا أَخْتَبِرُ بِهَا شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ، فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ، فَكَانَ ذَلِكَ آَخِرِ شَأْنِ هِرَقْلَ

وَأَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِِ بْنِ أَبِي عُمَرَ سَمَاعًا عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَاصِرِ الدِّينِ حُضُورًا فِي آَخِرِ الْخَامِسَةِ، أَنْبَأَنَا التَّاجُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ بَرْدَسٍ بِقَرِاءَتِي عَلَيْهِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْفِدَاءَ بْنِ الْخَبَّازِ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِِ الأَرْبَلِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِِ الْفَرَاوِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ الْفَارِسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ الْجَلُودِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْفَقِيهُ، حَدَّثَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُشَيْرِيُّ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَاللَّفْظُ لابْنِ رَافِعٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا ، وَقَالَ الأَخَرَانِ أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ مِنْ فِيِهِ إِلَى فِيهِ، قَالَ: " انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَنَا بِالشَّامِ إِذْ جِيءَ

ص: 73

بِكِتَابٍ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ، وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ، فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ، فَقَالَ هِرَقْلُ: هَلْ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ أَنَا، فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ، فَدَعَا بِتُرْجُمَانِهِ ، فَقَالَ: قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا، عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَّبَنِي فَكَذِّبُوهُ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَايْمُ اللَّهِ لَوْلا مَخَافَةُ أَنْ يُؤْثَرَ عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذِبْتُ "، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ مَا قَدَّمْنَا إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الإِسْلامَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ

وَأَخْبَرَنَا الْمَحْيَوِيُّ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ الْحَنَفِيُّ، أَخْبَرَتْنَا أُمُّ مُحَمَّدٍ عَائِشَةُ ابْنَةُ مُحَمَّدِ بْنِ الزَّيْنِ، عَنْ أُمِّ مُحَمَّدِ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَقِيٍّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ بَشْكُوَالٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْقُرْطُبِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو عُمَرَ الإِشْبِيلِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبِي أَبُو مُحَمَّدٍ، أَنْبَأَنَا ابْنُ يُونُسَ، أَنْبَأَنَا بَقِيُ بْنُ مَخْلَدٍ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: " كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَيْصَرَ فَقَرَأَهُ، فَقَالَ: هَذَا كِتَابٌ لَمْ أَسْمَعْ بِهِ بَعْدَ سُلَيْمَانَ النَّبِيِّ عليه السلام، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحَمْنِ الرَّحِيمِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَكَانَا

ص: 74

تَاجِرَيْنِ بِأَرْضِهِ فَسَأَلَهُمَا، عَنْ بَعْضِ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَسَأَلَهُمَا مَنِ اتَّبَعَهُ فَقَالا: تَبِعَهُ النِّسَاءُ وَضَعْفَةُ النَّاسِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتُمَا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مَعَهُ يَرْجِعُونَ، قَالَا: لا، قَالَ: هُوَ نَبِيٌ، لَيَمْلِكَنَّ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ، لَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَقَبَّلْتُ قَدَمَيْهِ "

أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَزْرَجِيُّ، أَخْبَرَتْنَا أُمُّ عَبْدِ اللَّهِِ ابْنَةُ الشَّمْسِ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَجَّاجِ الْمُزِّيُّ، أَنْبَأَنَا ابْنُ الدَّرَجِيِّ، وَابْنُ الْحَدَّادِ، قَالَا:، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الصَّيْدَلانِيُّ، أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِِ، قَالَتْ: أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ رَيْدَةَ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِِ الْحَضْرَمِيُّ، وَالْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْجُمَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كَهِيلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، قَالَ: " بَعَثَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرُّومِ بِكِتَابٍ، فَقُلْتُ: اسْتَأْذِنُوا لِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَى قَيْصَرَ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ عَلَى الْبَابِ رَجُلًا يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَفَزِعُوا لِذَلِكَ ، فَقَالَ:

ص: 75

أَدْخِلْهُ، فَأَدْخَلَنِي عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ بَطَارِقَتُهُ فَأَعْطَيْتُهُ الْكِتَابَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحَمْنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى قَيْصَرِ الرُّومِ، قَالَ: فَقُرِئَ الْكِتَابُ حَتَّى فَرَغَ مِنْهُ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيَّ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ، فَبَعَثَ إِلَى الأَسْقُفِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِهِمْ، يُصْدِرُونَ عَنْ قَوْلِهِ، وَعَنْ رَأْيِهِ، فَلَمَّا قَرَأَ الْكِتَابَ، قَالَ الأَسْقُفُ: هُوَ وَاللَّهِ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ مُوسَى وَعِيسَى الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُ، قَالَ قَيْصَرُ: فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ الأَسْقُفُ: أَمَّا أَنَا فَإِنِّي مُصَدِّقُهُ وَمُتَّبِعُهُ، فَقَالَ قَيْصَرُ: أَعْرِفُ أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلَكِنْ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَفْعَلَ، إِنْ فَعَلْتَ ذَهَبَ مُلْكِي، وَقَتَلَنِي الرُّومُ "

وَأَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ يُوسُفُ بْنُ حَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي، أَنْبَأَنَا جَدِّي، أَنْبَأَنَا الصَّلاحُ بْنُ أَبِي عُمَرَ، أَنْبَأَنَا الْفَخْرُ بْنُ الْبُخَارِيِّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْيَمَانِ الِكِنْدِيُّ، وَأَبُو حَفْصِ بْنُ طَبَرْزَدَ، قَالَ الْكِنْدِي أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْحَرِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ الْعِشَارِيُّ، قَالَ ابْنُ طَبَرْزَدَ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الأَنْصَارِيُّ، وَالْكَرْخِيُّ، قَالا: أَخْبَرَتْنَا خَدِيجَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، قَالَتْ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَالِبٍ الْعَشْرِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ بْنُ سَمْعُونٍ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْخَتلِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا نَجِيحٌ أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ دِحْيَةَ بْنِ خليْفَةَ، قَالَ: " وَجَّهَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَلِكِ الرَّومِ بِكِتَابِهِ وَهُوَ بِدِمَشْقَ، فَنَاوَلْتُهُ

ص: 76

كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَبَّلَ خَاتَمَهُ، وَوَضَعَهُ تَحْتَ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ قَاعِدًا، ثُمَّ نَادَى فَاجْتَمَعَ الْبَطَارِقَةُ وَقَوْمُهُ، فَقَامَ عَلَى وَسَائِدَ ثُنِيَتْ لَهُ، كَذَلِكَ كَانَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهَا مَنَابِرُ، ثُمَّ خَطَبَ أَصْحَابَهُ ، فَقَالَ: هَذَا كِتَابُ النَّبِيِّ الَّذِي بَشَّرَنَا بِهِ الْمَسِيحُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَنَخَرُوا نَخْرَةً فَأَوْمَأ بِيَدِهِ أَنِ اسْكُتُوا، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا اخْتَبَرْتُكُمْ كَيْفَ نُصْرَتُكُمْ لِلنَّصْرَانِيَّةِ، قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيَّ مِنَ الْغَدِّ سِرًا فَأَدْخَلَنِي بَيْتًا عَظِيمًا فِيهِ ثَلاثِ مِائَةٌ وَثَلاثَةَ عَشْرَ صُورَةٍ، فَإِذَا هِيَ صُوَرُ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، قَالَ: انْظُرْ مَنْ صَاحِبُكَ مِنْ هَؤُلاءِ؟ ، قَالَ: فَرَأَيْتُ صُورَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ يَنْظُرُ فَقُلْتُ هَذَا، قَالَ: صَدَقْتَ، فَقَالَ صُوْرَةُ مَنْ هَذَا، عَنْ يَمِينِهِ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: فَمَنْ ذَا عَنْ يَسَارِهِ؟ قُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: أَمَّا إِنَّا نَجِدُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ بِصَاحِبَيْهِ هَذَيْنِ يُتِمُّ اللَّهُ هَذَا الدِّينَ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرْتُهُ ، فَقَالَ: صَدَقَ ، بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَتِمُّ هَذَا الدِّينِ، وَيُفْتَحُ بَعْدِي " وَرَأَيْتُ فِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ أَدْخَلَهُ بَيْتًا فِيهِ صِوَرٌ ، فَقَالَ: انْظُرْ صَاحِبَكُمْ فِي هَذَهِ، فَنَظَرْتُ فَمَا رَأَيْتُ شَيْئًا، فَقُلْتُ: لا، فَقَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ أَدْخَلَنِي بَيْتًا آَخَرَ، فَقَالَ: انْظُرْ هَلْ هُوَ فِي هَذِهِ؟ فَنَظَرْتُ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا، أَدْخَلَنِي بَيْتًا آَخَرَ ، فَقَالَ: انْظُرْ فِي هَذِهِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا صُورَةٌ كَأَنَّهَا صُورَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: هَذِهِ، فَقَالَ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ هَذَا، عَنْ يَمِينِهِ ، فَإِذَا صُورَةٌ كَأَنَّهَا صُورَةُ أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ: هَذَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ، فَأَرَانِي صُورَةً، عَنْ يَسَارِهِ،

ص: 77

فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: إِنَّا نَجِدُ فِي الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا قَرْنًا مِنْ حَدِيدٍ

وَفِي كِتَابِ مَعَالِمَ الإِسْلامِ لأَبِي يُوسُفَ يُوسُفَ الإِسْفَرَايِينِيِّ فِي حَدِيثِ هِرَقْلَ مَعَ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ، حِينَ بَعَثَهُ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ لَيْلًا فَاسْتَعَادَ قَوْلَهُمْ وَأَنَّه دَعَا بِشَيْءٍ كَهَيْئَةِ الْبَرْعَةِ الْعَظِيمَةِ فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ عَلَيْهَا أَبْوَابُ فَفَتَحَ بَيْتًا وَقِفْلا فَاسْتَخْرَجَ حَرِيرَةً فِيهَا صُورَةٌ، ثُمَّ صَارَ يُخْرِجُ مِنْ كُلِّ بَيْتٍ صُورَةٍ مِنْ صِوَرِ الأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ فَتَحَ بَابًا فِيهِ صُورَةٌ بَيْضَاءُ فَإِذَا وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قُلْنَا: نَعَمْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: فَبَكَيْنَا، قَالَ: فَقَامَ قائِمًا ثُمَّ جَلَسَ، قَالَ: بِدِينِكُمْ إِنَّهُ لَهُوَ قُلْنَا: نَعَمْ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَهُوَ، فَأَمْسَكَ سَاعَةً يَنْظُرُ إِلَيْنَا ، ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ فِي آَخِرِ الْبُيُوتِ، وَلَكِنِّي عَجَلْتُهُ إِلَيْكُمْ لأَنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ، قُلْنَا مَنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذِّهِ الصُّورَةُ؟ ، قَالَ: إِنَّ آَدَمَ سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ الأَنْبِيَاءَ مِنْ وَلَدِهِ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ صُوَرَهُمْ، وَكَانَتْ فِي خِزَانَةِ آَدَمَ عِنْدَ مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَاسْتَخْرَجِهَا ذُو اْلَقْرَنَيْنِ، فدُفِعَتْ إِلَى دَانْيَالَ فَصَوَّرَهَا دَانْيَالَ، ثُمَّ قَالَ لَنَا: أَمَا وَاللَّهِ لَوَدَدْتُ أَنَّ نَفْسِي طَابَتْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مُلْكِيِ وَإِنْ كُنْتُ عبدًا لِشَرِّكُمْ حَتَّى أَمُوتَ، ثُمَّ أَجَازَنَا وَسَرَّحَنَا.

انْتَهَى وَقَالَ: أَبُو الْفَتْحِ بْنِ سَيِّدِ النَّاسِ: ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ،

ص: 78

وَمِنْ حَدِيثِهِ خَرَجَ فِي الصَّحِيحِ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إِلَى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إِلَى الإِسْلامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى، لَيَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ مَشَى مِنْ حِمْصَ إِلَى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِلَّهِ عز وجل فِيمَا أَبْلاهُ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: الْتَمِسُوا لَنَا هَاهُنَا مِنْ قَوْمِهِ أَحَدًا نَسْأَلُهُمْ عَنْهُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، قَدِمُوا تُجَّارًا وَذَلِكَ فِي الْهُدْنَةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ: فَأَتَانَا رَسُولُ قَيْصَرَ فَانْطَلَقَ بِنَا حَتَّى قَدِمْنَا إِيلِيَاءَ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، عَلَيْهِ التَّاجُ وَحَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرَّومِ ، فَقَالَ لِتُرْجُمَانِهِ: سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا بِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ؟ ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ مَا قَدَّمْنَا مِمَّا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَزَادَ فِيهِ: وَيُرْوَى فِي خَبَرِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَالَ لِقَيْصَرَ لَمَّا سَأَلَهُ، عَنِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَلا أُخْبِرُكَ عَنْهُ خَبَرًا يُعْرَفُ بِهِ أَنَّهُ قَدْ كَذِبَ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْت لَهُ: زَعَمَ لَنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ أَرْضِنَا أَرْضِ الْحَرَمِ فِي لَيْلَةٍ فَجَاءَ مَسْجِدَكُمْ هَذَا مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ وَرَجَعَ إِلَيْنَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ الصَّبَاحِ، قَالَ: وَبَطْرِيقُ إِيلِيَاءَ عِنْدَ رَأْسِ قَيْصَرَ، فَقَالَ: هَذَا صَحِيحٌ، قَالَ: وَمَا عِلْمُكَ بِهَذَا؟ ، قَالَ: إِنِّي كُنْتُ لا أَنَامُ لَيْلَةً حَتَّى أُغْلِقَ أَبْوَابَ الْمَسْجِدِ، فَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةُ أَغْلَقْتُ الأَبْوَابَ غَيْرَ بَابٍ وَاحِدٍ غَلَبَنِي فَاسْتَعَنْتُ عَلَيْهِ عُمَّالِي وَمَنْ يَحْضُرْنِي فَلَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُحَرِّكَهُ، كَأَنَّمَا نُزَاوِلُ

ص: 79

جَبَلًا، فَدَعَوْتُ النَّجَّارِينَ فَنَظَرُوا إِلَيْهِ ، فَقَالُوا: هَذَا بَابٌ سَقَطَ عَلَيْهِ النِّجَافُ وَالْبُنْيَانُ، فَلا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُحَرِّكَهُ حَتَّى نُصْبِحَ، فَنَنْظُرَ مِنْ أَيْنَ أَتَى ، فَرَجَعْتُ وَتَرَكْتُ الْبَابَيْنِ مَفْتُوحَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَيْهِمَا فَإِذَا الْحَجَرُ الَّذِي فِي زَاوِيَةِ الْمَسْجِدِ مَثْقُوبٌ، وَإِذَا فِيهِ أَثَرُ مَرْبَطِ الدَّابَّةِ، فَقُلْتُ لأَصْحَابِي، مَا حُبِسَ هَذَا الْبَابُ اللَّيْلَةَ إِلا عَنْ نَبِيٍّ، وَقَدْ صَلَّى اللَّيْلَةَ فِي مَسْجِدِنَا هَذَا، فَقَالَ قَيْصَرُ لِقَوْمِهِ: يَا مَعْشَرَ الرَّومِ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ بَيْنَ عِيسَى وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيًا بَشَّرَكُمْ بِهِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، تَرْجُونَ أَنْ يَجْعَلَهُ اللَّهُ فِيكُمْ، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِكُم، فِي أَقَلِّ مِنْكُمْ عَدَدًا، وَأَضْيَقَ مِنْكُمْ بَلَدًا، وَهِيَ رَحْمَةُ اللَّهِ عز وجل يَضَعُهَا حَيْثُ شَاءَ ".

ص: 80