المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ترجمة الإمام ابن القيم - إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان - ت الحفيان

[ابن القيم]

الفصل: ‌ترجمة الإمام ابن القيم

‌ترجمة الإمام ابن القيم

(1)

هو الإمامُ العالم، العارفُ العابد، المحقِّقُ المتقنُ ذو الفنون، أبو عبد الله، شمس الدين، محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز بن مكي، الزُّرَعيُّ، ثم الدمشقي.

وُلد في بيت عِلم وصلاح في السابع مِن صفر سنة (691 هـ).

بدأ منذ نعومة أظفاره بطلب العِلم، والقراءة على الشيوخ، فسمع الكثيرَ مِن علماء دمشق، ودمشقُ - حينذاك - حاضرةُ العِلم والعلماء، ثم رحل إلى مصر في طلب العلم.

بعد عودة شيخ الإسلام ابن تيمية من مصر عام (712 هـ) لازمه ملازمةً تامةً، حَتَّى إنه دخل معه السجن في قلعة دمشق، وبقي إلى حين وفاة ابن تيمية حيث خُلِّي سبيله.

(1)

من أراد التوسع في ترجمته فلينظر:

«البداية والنهاية» لابن كثير (18/ 523).

«ذيل طبقات الحنابلة» لابن رجب (2/ 447).

«الوافي بالوفيات» للصَّفدي (2/ 271).

«شذرات الذهب» لابن العماد (6/ 168).

«الدرر الكامنة» لابن حجر (3/ 400).

«ابن القيم حياته وآثاره» للشيخ بكر أبو زيد.

ص: 24

سار بعد وفاة شيخه على طريقته في الدعوة إلى الكتاب والسُّنَّة، والذَّبِّ عن مذهب السَّلف الصالح، ومحاربةِ البِدَعِ، فصنَّف المصنفاتِ النافعة، وناظر المبتدعة، وبقي على هذه الحالة حَتَّى توفّاه الله سنة (751 هـ)

رحمه الله تعالى.

وقد أفادني الشيخ زهير الشاويش حفظه الله بما يلي:

«ودُفن ابن القيم رحمه الله في مقبرة الباب الصغير، بجوار الباب الغربي، تجاه المدرسة الصابونية على الطريق العام.

ومنذ أكثر من ثلاثين سنة أُبعد القبر إلى شرقي المدخل لمسافة أربعة أمتار؛ لتوسعة الطريق -رحمه الله تعالى-».

ص: 25

صورة الصفحة الأولى من المخطوط

(الظَّهريَّة)

ص: 26

نموذج من المخطوط

وتظهر تعليقات القاسمي بخطه

ص: 27

صورة الصفحة الأخيرة من المخطوط

(الغاشية)

ص: 28

صورة صفحة العنوان من

مطبوعة القاسمي

ص: 29

صورة من مطبوعة القاسمي

وتظهر تعليقات ابن مانع بخطه

ص: 30

إغاثة اللَّهفان

في

حكم طلاق الغضبان

تأليف

الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

المتوفى سنة (751 هـ)

تحقيق

عمر سليمان الحفيان

ص: 31

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الحكيمِ الكريم، العَليِّ العظيم، السَّميعِ العليم، الرَّؤوفِ الرَّحيم، الذي أسبغَ على عِبادِه النِّعمة، وكَتَبَ على نفسِهِ الرَّحمة، وضمَّنَ الكتابَ الذي كَتَبَه، أنَّ رحمتَه تغلبُ غضبَه، فهو أرحمُ بعبادِه مِن الوالدةِ بولدِها، كما هو أشدُّ فَرَحاً بتوبة التائبِ مِن الفاقدِ لراحلته التي عليها طعامُهُ وشرابُهُ في الأرض المَهْلِكَةِ إذا وجَدَها.

وأشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له رَبُّ العالمين، وأرحمُ الرَّاحمين، الذي تعرَّف إلى خَلْقِهِ بصفاتِهِ وأسمائِه، وتحبَّبَ إليهم بإحسانِهِ وآلائِه، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُه؛ الذي خَتَمَ به النَّبيين، وأرسلَهُ رحمةً للعالمين، وبعثَه بالحنيفية السَّمحةِ والدِّين المهيمن على كلِّ دِين، فوَضَعَ به الآصارَ والأغلال، وأغنى بشريعتِه عن طُرُقِ المكرِ والاحتيال، وفَتَحَ لمن اعْتصمَ بها طريقاً واضحاً ومَنْهجاً، وجعلَ لمن تمسَّك بها مِن كلِّ ما ضاق عليه فَرَجاً ومَخرجاً، فعندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم السَّعَةُ والرَّحمة، وعند غيرِه الشِّدةُ والنِّقمة. فما جاءَه مكروبٌ إلا وَجَدَ عنده تفريجَ كُرْبته، ولا لهفانُ إلا وَجَدَ عنده إغاثةَ لَهْفتِه.

فما فَرَّقَ بين زوجين إلا عن وَطَرٍ واختيار، ولا شتَّتَ شَمْلَ مُحبَّين إلا عن إرادةٍ منهما وإيثار، ولم يخرِّب ديار المحبين بِغَلَطِ اللسانِ، ولم يُفرِّقْ بينهم بما جرى عليه مِن غير قَصْدِ الإنسان،

ص: 33

بل رَفَعَ المؤاخذةَ بالكلامِ الذي لم يقصدْهُ المتكلِّمُ، بل جرى على لسانِهِ بحكم الخطأ والنسيان، أو الإكراهِ والسَّبْقِ على طريق الاتِّفاق، فقال فيما رواه عنه أهلُ السُّنن مِن حديث عائشةَ أُمِّ المؤمنين:«لا طَلاقَ ولا عَتَاقَ في إغلاق»

(1)

(2)

؛ رواه الإمامُ أحمدُ، وأبو داودَ،

(1)

رواه أحمد (6/ 276)، وأبو بكر بن أبي شيبة (5/ 49)، وأبو داود (2193)، وابن ماجه (2046)، وأبو يعلى (4444)، والطحاوي في «بيان المشكل» (655)، والدارقطني (4/ 36)، والحاكم (2/ 198)، والبيهقي (7/ 257) كلهم من طريق محمد بن إسحاق، حَدَّثَني ثور بن يزيد الكِلاعي، عن محمد بن عبيد بن أبي صالح، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة رضي الله عنها به، مرفوعاً.

قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم.

تعقبه الذهبيُّ: محمد بن عبيد لم يحتجَّ به مسلم، وقال أبو حاتم: ضعيف.

قلتُ: إلا أنه قد تُوبع؛ فرواه الدارقطني (4/ 36)، والبيهقي (7/ 357) من طريق قَزَعة بن سُوَيد، عن زكريا بن إسحاق ومحمد بن عثمان، كلاهما عن صفية بنت شيبة، به.

قزعة بن سُويد -على ضعفه- يصلح للمتابعة؛ قال أبو حاتم: ليس بذاك القوي، محله الصدق، وليس بالمتين، يُكتب حديثه ولا يحتجُّ به. وقال ابن عَدي: له - غير ما ذكرتُ - أحاديثُ مستقيمة، وأرجو أنه لا بأس به. «تهذيب الكمال» (23/ 595).

فهو يصلح للمتابعة على كل حال.

والحديث حسَّنه العلامة الألباني رحمه الله في «الإرواء» (2047).

وانظر كلام القاسمي في الحاشية التالية؛ فإنه مهمٌّ.

(2)

هذا الحديث -وإنْ لم يخرجه البخاريُّ لعدم مجيئه على شرطه- إلا أنه أشار إليه في كتاب الطلاق تحت ترجمة: «باب الطلاق في الإغلاق والكُرْه والسكران والمجنون وأمرهما، والغلط والنسيان في الطلاق، والشرك وغيره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأعمال بالنية، ولكلِّ امرئ ما نوى» . اهـ. وكلُّ ما علَّقه البخاريُّ أو أشار إليه يدلُّ عَلَى أن له أصلاً عنده، ينبغي للفقيه إعارته النظر الدقيق، وليس كالذي لم يعلقه ولم يشرْ إليه كما لا يخفى، وقد اشتُهر عن البخاري كمالُ فقهه ودِقة نظره وقوة استنباطه وعلمه، كما ترى في ترجمته هذه، فإنه عَدَل عن الاستدلال على عدم وقوع طلاق الغضبان بحديث الإغلاق - لنظرٍ ما فيه عنده - إلى الاستدلال بحديث النية على عدم وقوعه؛ لأن هذا الحديث هو الكلي الأعظم في أبواب مِن الشريعة، ولذا قال الحافظ ابنُ حجر تحت ترجمة البخاري المذكورة (9/ 389) ما مثاله:«اشتملت هذه الترجمة على أحكام يجمعها: أن الحكم إنما يتوجَّه على العاقل المختار العامد الذاكر، وشمل ذلك الاستدلال بالحديث؛ لأن غير العاقل المختار لا نية له فيما يقول أو يفعل، وكذلك الغالط والناسي، والذي يُكره على الشيء» . اهـ.

وعليه؛ فإنَّ مذهب البخاري يتفق مع مذهب مَن قال بعدم وقوع طلاق الغضبان مآلاً، وإن اختلفا مأخذاً واستدلالاً - سُنةَ المجتهدين الاجتهاد المطلق - على أنَّ حديث الإغلاق بما قام على كون معناه معقولاً مِن الوجوه الآتية في هذا الكتاب - التي كادت تقرب من الثلاثين - صار من الصحيح لغيره، وهو قسيم الصحيح لذاته. والصحيح لغيره ما صُحِّح لأمرٍ أجنبي عن السند، قال ابن الحصَّار: قد يعلم الفقيه المجتهد

صحَّة الحديث إذا لم يكن في سنده كذَّاب بموافقة آية مِن كتاب الله أو بعض أصول الشريعة، فيحمله ذلك على قَبوله والعمل به. (القاسمي).

ص: 34

وابنُ ماجهْ، والحاكمُ في «صحيحه» وقال:«هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ مسلمٍ، ولم يخرِّجاه» .

ص: 35

قَال أبو داودَ: «في غِلاق

(1)

» ثم قال: والغِلاقُ أظنُّه الغضب.

وقال حنبلٌ: سمعتُ أبا عبد الله - يعني: أحمدَ بنَ حنبلٍ - يقول: هو الغضبُ. ذَكَرَه الخلَاّلُ

(2)

[و]

(3)

أبو بكر عبد العزيز

(4)

.

(1)

بغير ألف في أوله، قال ابنُ حجر (9/ 389):«وحكى البيهقي أنه رُوي على الوجهين» ، والغلاق رأيته في نسخةٍ جيدةٍ من سُنن أبي داود مضبوطاً بكسر الغين المعجمة، ولعله مصدر غالقه لما فيه مِن المغالبة، فإن الغضب يغالبه. وانظر: هل يصح فتحها على أن الأصل «غَلَق» بفتحتين وهو الضجر والغضب، كما قاله المُطَرِّزي [«المُغْرِب» (2/ 109)]، ثم زيدت الألف إشباعاً كما في «منتزاح» وقوله:«أعوذ بالله من العقراب» وقرأ الحسن وابن هُرمز {وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَاء} [يُوسُف: 31] على وزن «مُفْتَعال» كما نقله شُرَّاح الشافية في بحث استكان من أوائلها، فلتحرر الرواية (القاسمي).

(2)

هو أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر، المعروف بـ «الخلّال» سمع جماعة من أصحاب الإمام أحمد، منهم: ابناه عبد الله وصالح، وحنبل ابن عم الإمام أحمد، وأبو بكر المرُّوْذي وغيرهم. رَحَل إلى أقاصي البلاد في جمع مسائل أحمد، فصنف «الجامع» و «العلل» و «السُّنة» وغيرها. تُوفِّي سنة (311 هـ). انظر:«طبقات الحنابلة» (3/ 23).

(3)

ساقطة من الأصل، واستُدركت من «زاد المعاد» (5/ 214) حيث نقل ابن القيم المسألة بعينها.

(4)

هو عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر، المعروف بـ «غلام الخلال» حدَّث عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وجعفر الفريابي، وأبي القاسم البغوي، وعبد الله بن أحمد، وغيرهم. صنَّف:«الشافي» و «المقنع» و «تفسير القرآن» و «زاد المسافر» وغير ذلك. توفِّي سنة (363 هـ).

انظر: «طبقات الحنابلة» (3/ 213).

وهذه المسألة رواها أبو بكر غلام الخلال في كتابيه: «الشافي» و «زاد المسافر» كما في «زاد المعاد» (5/ 214).

ص: 36

ولفظ أحمدَ: يعني الغضبَ.

قال أبو بكر: «سألتُ أبا محمد، وابنَ دُريد

(1)

، وأبا عبد الله، وأبا طاهر

(2)

النحويين عن قوله: «لا طَلاقَ ولا عَتَاقَ في إغلاق» ؟ قالوا: يريدُ الإكراه؛ لأنه إذا أُكرِهَ انغلقَ عليه رأيُهُ، ويدخلُ في هذا المعنى: المُبرسَمُ

(3)

والمجنون.

فقلت لبعضهم: والغضبُ أيضا؟

(1)

هو محمد بن الحسن بن عَتاهية الأزدي، البصري، أبو بكر، العلامة، شيخ الأدب، صاحب التصانيف، كان آية من الآيات في قوة الحفظ، تُوفِّي سنة (321 هـ) انظر:«سير أعلام النبلاء» (15/ 96)، «بغية الوعاة» ص (30).

(2)

هو عبد الله بن عمر بن محمد بن أبي هاشم، أبو طاهر المقرئ، لم يُر بعد ابن مجاهد مثله، كان يقرئ في سكة عبد الصمد بن علي ببغداد، وكان كوفي المذهب، تُوفِّي سنة (344 هـ) انظر:«طبقات النحويين واللغويين» للزبيدي ص (120، 121).

(3)

المُبَرسم مَن أصابه البِرْسَام: وهو مرضٌ يسبب الهَذَيان. «القاموس المحيط» مادة (برسم).

ص: 37

فقال: ويدخل فيه الغضبُ»

(1)

.

لأنَّ الإغلاقَ له وجهان:

أحدهما: الإكراه.

والآخر: ما دخل عليه مما ينغلق به رأيُهُ عليه

(2)

.

وهذا مقتضى تبويب البخاريِّ؛ فإنَّه قال في «صحيحه» : «باب الطَّلاقِ في [الإغلاقِ، والكُرْهِ]

(3)

والسَّكْرَان والمجنون))

(4)

؛ يفرِّقُ بين الطَّلاقِ في الإغلاق وبين هذه الوجوه.

وهو -أيضاً- مقتضى كلامِ الشافعيِّ؛ فإنه يُسمِّي نَذْرَ اللَّجَاجِ والغضبِ: يمينَ الغَلَقَ؛ ونذرَ الغَلَق

(5)

. هذا اللفظ يريد به نَذْرَ الغضبِ.

(1)

نقل هذه المسألة ابن قدامة في «المغني» (10/ 351)، وشمس الدين عبد الرحمن بن قدامة في «الشرح الكبير» (22/ 150) ووقع عندهم: «سألت ابن دُريد وأبا طاهر النحويين فقالا

» ولم يرد عندهم ذِكْر لأبي محمد وأبي عبد الله، ولم أتبيَّن مَن هما.

(2)

انظر: «تهذيب السنن» (3/ 117).

(3)

في الأصل: «إغلاق والمكره» والمثبت من الصحيح.

و «الكُرْه» . قال القاسمي: «قال ابن حجر: هو في النُّسخ بضم الكاف وسكون الراء، وفي عطفه على الإغلاق تصريح بأنه يذهب إلى أنَّ الإغلاق هو الغضب» .

(4)

«صحيح البخاري» ترجمة حديث (5269)، (9/ 389) مع الفتح.

(5)

«الأم» (7/ 69)، «الوسيط» للغزالي (7/ 264)، «روضة الطالبين» للنووي (3/ 294).

ص: 38

وهو قولُ غيرِ واحدٍ مِن أئمة اللُّغة

(1)

(2)

.

والقولُ بموجَبِهِ هو مقتضى: الكتابِ، والسُّنَّةِ، وأقوالِ الصَّحابة والتابعين وأئمةِ الفقهاء، ومقتضى: القياسِ الصَّحيح والاعتبارِ وأصولِ الشَّريعة.

أما الكتابُ، فمِن وجوه:

أحدها: قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البَقَرَة: 225]؛ قال ابنُ جَرير في «تفسيره»

(3)

: حَدَّثَنَا ابنُ وكيع، ثنا مالك بن إسماعيل، عن خالد،

(1)

منهم -إضافة لمن تقدم ذكرهم- الليث بن المظفر، والجوهري، وأبو بكرٍ الأنباري. انظر:«العين» ص (718)، «الصحاح» (4/ 1538)، و «لسان العرب» (6/ 3284) مادة (غلق). وانظر كلام القاسمي في الحاشية التالية.

(2)

اعلمْ أنَّ مَن فسَّره بالغضب فسَّره بلازمه أو بمساويه، كقول ابن الأثير: الغلق ضيق الصدر وقلة الصبر. رجل غَلِقَ ككتف: سيء الخلق. وقال أبو بكر: كثير الغضب، وقيل: ضيق الخلق العسر الرضا، وقد أغلق فلان إذا أغضب فغلق غضب واحتدَّ. وقال الليث يقال: احتدَّ فلان فغلق في حِدَّته، أي: نشِب، وهو مجاز، نقله الزبيدي في «شرح القاموس» (7/ 39). وفي «أساس البلاغة» (2/ 170) للزمخشري: غلق: احتد [فلان] فنشِب في حدّته

وأغلق عليه: إذا ضيق وأكره، ومنه: لا طلاق في إغلاق. (قاسمي).

(3)

(2/ 409) ط/البابي الحلبي والإسناد فيها مصحف، (4/ 438) ط/شاكر، والإسناد فيها منضبط.

ص: 39

عن عطاء، [عن وَسِيم]

(1)

، عن ابن عباسٍ قال:«لغوُ اليمين: أنْ تحلِفَ وأنت غضبانُ»

(2)

.

حَدَّثَنَا ابن حُميد، ثَنَا يحيى بن واضح، حَدَّثَنَا أبو حمزة، عن عطاء، عن طاوُس قال:«كلُّ يمينٍ حَلَفَ عليها رَجُلٌ وهو غضبان فلا كفَّارة عليه فيها؛ قوله: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البَقَرَة: 225]»

(3)

.

(1)

في الأصل: «بن رستم» والتصويب من «تفسير الطبري» ط/شاكر ومصادر التخريج.

(2)

إسناده ضعيف جداً، عطاء: هو ابن السائب، ثقة اختلط، والراوي عنه: خالد؛ وهو ابن عبد الله الطحَّان الواسطي، ممن روى عنه بعد الاختلاط.

انظر: «الكواكب النيرات» ص (330).

ووَسِيم، ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 181) وسكت عنه. وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/ 566) فمثلُه يعدُّ مجهولاً.

كما أنه قد اختُلف في إسناده:

فرواه الطبري - كما تقدم -: وَسِيم عن ابن عباس. دون ذِكْر طاوُس.

ورواه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2161) من طريق مسدد، عن خالد، عن عطاء، عن طاوُس، عن ابن عباس، به. دون ذكر وَسِيم.

ورواه سعيد بن منصور (782) ومن طريقه البيهقي (10/ 45) وعلَّقه البخاري في «التاريخ الكبير» (8/ 181) عن خالد، عن عطاء، عن وَسيم، عن طاوُس، عن ابن عباس، به. بذكر وَسيم وطاوُس معاً.

(3)

إسناده ضعيف جداً؛ لأجل شيخ الطَّبري، محمد بن حُميد الرازي: حافظ كبير؛ إلا أنَّه اتُهم بالكذب؛ لأنه كان يُركِّب الأسانيد على المتون.

قال الذهبي: آفتُه هذا الفِعل؛ وإلا فما أعتقدُ فيه أنه يضع متناً. «السِّير» (11/ 504)، وانظر:«تهذيب الكمال» (25/ 97).

ص: 40

وهذا أحدُ الأقوالِ في مذهب مالك

(1)

؛ أنَّ لغوَ اليمين هو

(1)

قال ابنُ خويز منداد - حاكياً عن أصحاب مالك ومذهبه:

وصفة اللغو: أن يحلف الرجل على الماضي أو الحال في الشيء يظن أنه صادق، ثم ينكشف له بخلاف ذلك، فلا كفارة عليه. «التمهيد» (21/ 249).

قلت: هذا هو المذهب، ولم يُحْكَ فيه قولٌ آخَرُ عندهم.

انظر: «عقد الجواهر» (1/ 515)، «مواهب الجليل» (3/ 266)، «التاج والإكليل» (3/ 267)، «الخَزَشي على خليل» (3/ 54).

وقال إسماعيل القاضي من المالكية: هو أن يحلف الرَّجلُ وهو غضبان.

«بداية المجتهد» (1/ 501)، «فتح الباري» (11/ 548) شرح حديث رقم (6663)، تعقَّبه ابن العربي بقوله: وأما مَن قال: إنه يمين الغضب، فإنه يردُّه حَلِفُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم غاضباً ألا يحمل الأشعريين، وحَمَلَهم، وكفّر عن يمينه. «تفسير القرطبي» (3/ 101).

قلت: وحديث حَلِفِ النبي صلى الله عليه وسلم ألَاّ يحمل الأشعريين غاضباً رواه البخاري (4415 و 6678)، ومسلم (1649) من حديث أبي موسى الأشعري.

وقال القاسمي: قال صدر الدين في «رحمة الأمة» ص (232): وقال الشافعي: لغو اليمين ما لم يعقده. وإنما يتصور ذلك عنده في قوله: لا والله، وبلى والله، عند المحاورة والغضب واللَّجَاج، من غير قصد، سواء كانت على ماضٍ أو مستقبل، وهي رواية عن أحمد. اهـ.

ص: 41

اليمينُ في الغضب. وهذا اختيارُ أجَلِّ المالكيةِ وأفضلِهم على الإطلاق، وهو القاضي إسماعيل بن إسحاق

(1)

، فإنه ذهب إلى أنَّ الغضبان لا تنعقدُ يمينُه

(2)

.

(1)

هو الإمام، العلامة، الحافظ، شيخ الإسلام، إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد، المالكي. قال الخطيب: كان عالماً متقناً فقيهاً، شَرَحَ المذهب واحتجَّ له، وصنَّف المسند، وصنَّف علوم القرآن

توفي سنة اثنتين وثمانين ومئتين «السير» (13/ 341).

(2)

قال المؤلف في «إعلام الموقعين» (3/ 64): «قال الإمام أحمد في رواية حنبل: الإغلاق هو الغضب. وكذلك فسَّره أبو داود، وهو قول القاضي إسماعيل بن إسحاق، أحد أئمة المالكية، ومُقدَّم فقهاء أهل العراق منهم، وهي عنده مِن لغو اليمين أيضاً، فأدخل يمين الغضبان في لغو اليمين وفي يمين الإغلاق، وحكاه شارح أحكام عبد الحق عنه، وهو ابن بزيزة الأندلسي، قال: وهذا قول علي وابن مسعود وغيرهما مِن الصحابة أن الأيمان المنعقدة كلها في حال الغضب لا تلزم. وفي «سنن الدارقطني» (4/ 159) بإسناد فيه لين مِن حديث ابن عباس يرفعه: «لا يمين في غَضَب ولا عَتَاق فيما لا يملك» وهو وإنْ لم يثبت رفعُه فهو قول ابن عباس، وقد فسَّر الشافعي «لا طلاق في إغلاق» بالغضب، وفسَّره به مسروق، فهذا مسروق والشافعي وأحمد وأبو داود والقاضي إسماعيل كلهم فسَّروا الإغلاق بالغضب، وهو مِن أحسن التفسير؛ لأن الغضبان قد أُغلق عليه باب القصد بشدَّة غضبه». اهـ. وله تتمة تفصيلها ما حوته هذه الرسالة الغراء. (القاسمي).

قلت: انظر تخريج حديث ابن عباس ص (51).

ص: 42

ولا تنافي بين هذا القول وبين قولِ ابنِ عبَّاسٍ وعائشة: «إنَّ لَغْوَ اليمين هو قولُ الرَّجُلِ: لا والله، وبلى والله»

(1)

، وقول عائشة وغيرها أيضاً:«إنَّه يمينُ الرَّجُل على الشيء يعتقدُه كما حَلَفَ عليه، فيتبيَّنُ بخلافِهِ»

(2)

؛ فإنَّ الجميعَ مِن لَغْوِ اليمين، والذي فسَّرَ لَغْوَ

(1)

أما أثر عائشة، فرواه البخاري رقم (6663) وغيره.

وأما أثر ابن عباس، فرواه سعيد بن منصور (783)، والطبري في «تفسيره» (2/ 404)، والبيهقي (10/ 49) من طريق عتَّاب بن بَشير، عن خُصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس، به.

عتَّاب: صدوق يخطئ. وخُصيف: صدوق سيء الحفظ. كما في «التقريب» .

قال أحمد بن حنبل: أحاديث عتَّاب عن خُصيف منكرة. «تهذيب الكمال» (19/ 287).

(2)

أثر عائشة، رواه ابن أبي حاتم في «تفسيره» (2154)، والبيهقي (10/ 49) عن ابن وهب، حَدَّثَني الثقة، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، نحوه.

وفيه جهالة شيخ ابن وهب.

قال ابن أبي حاتم: ورُويَ عن أبي هريرة، وابن عباس - في أحد قوليه - وسليمان بن يسار، وسعيد بن جبير، ومجاهد - في أحد قوليه - والحسن، وإبراهيم، وزُرارة بن أوفى، وأبي مالك، وعطاء الخراساني، وبكر بن عبد الله، وأحد قولي عكرمة، وحبيب ابن أبي ثابت، والسُّدي، ومكحول، ومقاتل، وطاوُس، وقتادة، والربيع بن أنس، ويحيى بن سعيد، وربيعة، نحو ذلك.

ص: 43

اليمين بأنَّها يمينُ الغضب يقول بأنَّ النوعين الأخيرين مِن اللَّغوِ.

وهذا هو الصُّحيح؛ فإنَّ الله سبحانه جَعَلَ لَغْوَ اليمين مقابلاً لكسْبِ القلب، ومعلومٌ أنَّ الغضبان، والحالفَ على الشيءِ يظنُّه كما حَلَفَ عليه، والقائلَ: لا والله، وبلى والله، مِن غير عَقْدِ اليمين -لم يكسِبْ قلبُه عَقْدَ اليمين، ولا قصدَها، والله سبحانه قد رَفَعَ المؤاخذةَ بلفظٍ جرى على اللسانِ لم يكسِبْهُ القلبُ ولم يقصِدْهُ، فلا تجوز المؤاخذة بما رَفَعَ الله المؤاخذةَ به، بل قد يُقال: لَغْوُ الغضبان أظهرُ مِن لَغْوِ القِسمين الأخيرين؛ لما سيأتي بيانُه، إنْ شاء الله تعالى.

ص: 44

فصل

الوجه الثاني مِن دلالة الكتاب: قوله سبحانه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [يُونس: 11]، وفي «تفسير ابنِ أبي نَجيح»

(1)

، عن مجاهدٍ:«هو قولُ الإنسانِ لولدِه ومالِه إذا غَضِبَ عليهم: اللَّهُمَّ لا تباركْ فيه؛ والْعَنْهُ» ؛ فلو يُعجِّلُ لهم الاستجابةَ في ذلك كما يُستجاب في الخير لأهلكهم.

انتهضَ الغضبُ مانعاً مِن انعقادِ سبب الدُّعاء؛ الذي تأثيرُهُ في

(1)

(ص/292) ورواه -أيضاً- ابن جرير الطبري في «تفسيره» (11/ 92)، وابن أبي حاتم في «تفسيره» (10255).

وابن أبي نجيح هو: عبد الله بن أبي نجيح يَسار المكي، قال ابن حجر في «التقريب»: ثقة، ورُمي بالقدر، وربما دلَّس ا. هـ. ولكن لم يسمع التفسير من مجاهد، قال سفيان بن عيينة: تفسير مجاهد لم يسمعه من إنسان إلا من القاسم بن أبي بزّة. «تاريخ الدوري» (426). قال ابن حبان: ابن أبي نَجيح نظير ابن جريج في كتاب القاسم بن أبي بزّة عن مجاهد في التفسير، رويا عن مجاهد من غير سماع. «تهذيب التهذيب» (6/ 54).

إذاً؛ الواسطة بينهما: ابن أبي بزّة، وهو ثقة روى له الجماعة؛ لذلك صحّح سفيان الثوري، وابن تيمية وغيرهم من الأئمة تفسيره عن مجاهد، وعدّوه من أصح التفاسير. انظر:«تهذيب التهذيب» ، و «مجموع الفتاوى» (17/ 408، 409).

ص: 45

الإجابة أسرعُ مِن تأثير الأسبابِ في أحكامِها؛ فإنَّ الله سبحانه يُجيبُ دعاءَ الصَّبيِّ، والسَّفيه، والمُبَرْسَم، ومَن لا يصِحُّ طلاقُه ولا عقودُه، فإذا كان الغضبُ قد مَنَعَ كون الدُّعاء سبباً؛ لأن الغضبان لم يقصدْهُ بقلبه؛ فإنَّ عاقلاً لا يختار إهلاكَ نفسِه وأهلِه، وذهابَ مالِه، وقَطْعَ يدِه ورِجْلِه، وغيرَ ذلك بما يدعو به، فاقتضتْ رحمةُ العزيزِ العليم ألَاّ يؤاخذه بذلك، ولا يجيبَ دعاءه؛ لأنَّه عن غير قَصْدٍ منه، بل الحاملُ له عليه الغضبُ الذي هو من الشيطان

(1)

.

فإن قيل: إنَّ هذا ينتقِضُ عليكم بالحديث الذي رواه أبو داودَ، عن جابر بن عبد الله، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:«لا تَدْعُوا على أنفسكم، ولا تَدْعُوا على أولادِكم، ولا على أموالِكم، ولا تَدْعُوا على خدمِكم، لا توافِقُوا مِن الله ساعةً لا يُسْألُ فيها شيئاً إلا أعطاهُ»

(2)

.

قيل: لا تنافيَ بين الآية والحديث؛ فإنَّ الآيةَ اقتضتِ الفرقَ بين دُعاءِ المختار ودُعاءِ الغضبان الذي لا يختارُ ما دعا به، والحديثُ دَلَّ على

أنَّ لله - سبحانه - أوقاتاً لا يردُّ فيها داعياً، ولا يُسألُ فيها شيئاً إلا أعطاه، فنهى الأمةَ أنْ يدعو أحدُهم عَلَى نفسِه، أو أهلِه،

(1)

انظر: «شفاء العليل» (1/ 410).

(2)

رواه مسلم (3006)، وأبو داود (1532)، من حديث جابر بن عبد الله.

ص: 46