المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌القراآت: حم وما بعده بالإمالة: حمزة وعلي وخلف ويحيى وحماد وابن - تفسير النيسابوري = غرائب القرآن ورغائب الفرقان - جـ ٦

[النيسابوري، نظام الدين القمي]

فهرس الكتاب

- ‌[المجلد السادس]

- ‌[تتمة سورة الزمر]

- ‌[سورة الزمر (39) : الآيات 32 الى 75]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة المؤمن

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 1 الى 22]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 23 الى 50]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة غافر (40) : الآيات 51 الى 85]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة فصلت)

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 1 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة فصلت (41) : الآيات 25 الى 54]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة حمعسق

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 1 الى 23]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الشورى (42) : الآيات 24 الى 53]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الزخرف)

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 31 الى 56]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الزخرف (43) : الآيات 57 الى 89]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الدخان)

- ‌[سورة الدخان (44) : الآيات 1 الى 59]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الجاثية)

- ‌[سورة الجاثية (45) : الآيات 1 الى 37]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الأحقاف)

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة الأحقاف (46) : الآيات 21 الى 35]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة محمد صلى الله عليه وآله)

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 1 الى 18]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌[سورة محمد (47) : الآيات 19 الى 38]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الفتح)

- ‌[سورة الفتح (48) : الآيات 1 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الحجرات)

- ‌[سورة الحجرات (49) : الآيات 1 الى 18]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة ق)

- ‌[سورة ق (50) : الآيات 1 الى 45]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الذاريات)

- ‌[سورة الذاريات (51) : الآيات 1 الى 60]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الطور)

- ‌[سورة الطور (52) : الآيات 1 الى 49]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة النجم)

- ‌[سورة النجم (53) : الآيات 1 الى 62]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة القمر)

- ‌[سورة القمر (54) : الآيات 1 الى 55]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الرحمن)

- ‌[سورة الرحمن (55) : الآيات 1 الى 78]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الواقعة)

- ‌[سورة الواقعة (56) : الآيات 1 الى 96]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الحديد)

- ‌[سورة الحديد (57) : الآيات 1 الى 29]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة المجادلة

- ‌[سورة المجادلة (58) : الآيات 1 الى 22]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الحشر)

- ‌[سورة الحشر (59) : الآيات 1 الى 24]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الممتحنة)

- ‌[سورة الممتحنة (60) : الآيات 1 الى 13]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الصف)

- ‌[سورة الصف (61) : الآيات 1 الى 14]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الجمعة)

- ‌[سورة الجمعة (62) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة المنافقين)

- ‌[سورة المنافقون (63) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة التغابن)

- ‌[سورة التغابن (64) : الآيات 1 الى 18]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الطلاق)

- ‌[سورة الطلاق (65) : الآيات 1 الى 12]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة التحريم)

- ‌[سورة التحريم (66) : الآيات 1 الى 12]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الملك)

- ‌[سورة الملك (67) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة نون)

- ‌[سورة القلم (68) : الآيات 1 الى 52]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الحاقة)

- ‌[سورة الحاقة (69) : الآيات 1 الى 52]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة المعارج)

- ‌[سورة المعارج (70) : الآيات 1 الى 44]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة نوح عليه السلام

- ‌[سورة نوح (71) : الآيات 1 الى 28]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الجن)

- ‌[سورة الجن (72) : الآيات 1 الى 28]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة المزمل)

- ‌[سورة المزمل (73) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة المدثر)

- ‌[سورة المدثر (74) : الآيات 1 الى 56]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة القيامة)

- ‌[سورة القيامة (75) : الآيات 1 الى 40]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الدهر)

- ‌[سورة الإنسان (76) : الآيات 1 الى 31]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌ التفسير

- ‌(سورة المرسلات)

- ‌[سورة المرسلات (77) : الآيات 1 الى 50]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة النبأ)

- ‌[سورة النبإ (78) : الآيات 1 الى 40]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌ التفسير

- ‌(سورة النازعات)

- ‌[سورة النازعات (79) : الآيات 1 الى 46]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير

- ‌(سورة عبس)

- ‌[سورة عبس (80) : الآيات 1 الى 42]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة التكوير)

- ‌[سورة التكوير (81) : الآيات 1 الى 29]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة انفطرت)

- ‌[سورة الانفطار (82) : الآيات 1 الى 19]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة المطففين)

- ‌[سورة المطففين (83) : الآيات 1 الى 36]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الانشقاق)

- ‌[سورة الانشقاق (84) : الآيات 1 الى 25]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة البروج)

- ‌[سورة البروج (85) : الآيات 1 الى 22]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الطارق)

- ‌[سورة الطارق (86) : الآيات 1 الى 17]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الأعلى)

- ‌[سورة الأعلى (87) : الآيات 1 الى 19]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الغاشية)

- ‌[سورة الغاشية (88) : الآيات 1 الى 26]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الفجر)

- ‌[سورة الفجر (89) : الآيات 1 الى 30]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة البلد)

- ‌[سورة البلد (90) : الآيات 1 الى 20]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة والشمس)

- ‌[سورة الشمس (91) : الآيات 1 الى 15]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة والليل)

- ‌[سورة الليل (92) : الآيات 1 الى 21]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة والضحى)

- ‌[سورة الضحى (93) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة ألم نشرح)

- ‌[سورة الشرح (94) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة التين)

- ‌[سورة التين (95) : الآيات 1 الى 8]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة العلق)

- ‌[سورة العلق (96) : الآيات 1 الى 19]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة القدر)

- ‌[سورة القدر (97) : الآيات 1 الى 5]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة لم يكن)

- ‌[سورة البينة (98) : الآيات 1 الى 8]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة إذا زلزلت)

- ‌[سورة الزلزلة (99) : الآيات 1 الى 8]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة العاديات)

- ‌[سورة العاديات (100) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة القارعة)

- ‌[سورة القارعة (101) : الآيات 1 الى 11]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة التكاثر)

- ‌[سورة التكاثر (102) : الآيات 1 الى 8]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة العصر)

- ‌[سورة العصر (103) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الهمزة)

- ‌[سورة الهمزة (104) : الآيات 1 الى 9]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌(سورة الفيل)

- ‌[سورة الفيل (105) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الإيلاف)

- ‌[سورة قريش (106) : الآيات 1 الى 4]

- ‌القراآت:

- ‌الوقف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الماعون)

- ‌[سورة الماعون (107) : الآيات 1 الى 7]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الكوثر)

- ‌[سورة الكوثر (108) : الآيات 1 الى 3]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الكافرون)

- ‌[سورة الكافرون (109) : الآيات 1 الى 6]

- ‌القراآت

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة النصر)

- ‌[سورة النصر (110) : الآيات 1 الى 3]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة تبت)

- ‌[سورة المسد (111) : الآيات 1 الى 5]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الإخلاص)

- ‌[سورة الإخلاص (112) : الآيات 1 الى 4]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الفلق)

- ‌[سورة الفلق (113) : الآيات 1 الى 5]

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌(سورة الناس)

- ‌[سورة الناس (114) : الآيات 1 الى 6]

- ‌القراآت:

- ‌الوقوف:

- ‌التفسير:

- ‌التأويل:

- ‌الفهرس

الفصل: ‌ ‌القراآت: حم وما بعده بالإمالة: حمزة وعلي وخلف ويحيى وحماد وابن

‌القراآت:

حم وما بعده بالإمالة: حمزة وعلي وخلف ويحيى وحماد وابن مجاهد والنقاش عن ابن ذكوان. وقرأ أبو جعفر ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب وذلك طبعا لا اختلافا لمعان مذكورة في «ص» . كلمات ربك على الجمع: أبو جعفر ونافع وابن عامر لتنذر بالتاء الفوقانية على أن الضمير للروح، وقد تؤنث، أو على خطاب الرسول: يعقوب غير رويس التلاقي بالياء في الحالين: ابن كثير ويعقوب وأفق يزيد وورش وسهل وعباس في الوصل. والذين تدعون على الخطاب: نافع وهشام غير الرازي وابن مجاهد والنقاش وابن ذكوان أشد منكم ابن عامر. الباقون مِنْهُمْ.

‌الوقوف:

حم ط كوفي الْعَلِيمِ هـ لا الطَّوْلِ ط إِلَّا هُوَ ط الْمَصِيرُ هـ الْبِلادِ هـ مِنْ بَعْدِهِمْ ص لعطف الجملتين المتفقتين فَأَخَذْتُهُمْ ط للإبتداء بالتهديد عِقابِ هـ النَّارِ م لئلا يتوهم أن ما بعده صفة أصحاب النار آمَنُوا ج لحق القول المحذوف الْجَحِيمِ هـ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ط الْحَكِيمُ هـ وقد يوصل للعطف السَّيِّئاتِ ط رَحِمْتَهُ ط الْعَظِيمُ هـ فَتَكْفُرُونَ هـ سَبِيلٍ هـ كَفَرْتُمْ ج للابتداء بالشرط مع العطف تُؤْمِنُوا ط الْكَبِيرِ هـ رِزْقاً ط يُنِيبُ هـ الْكافِرُونَ هـ ذُو الْعَرْشِ ج لاحتمال ما بعده الاستئناف والحال التَّلاقِ هـ لا بارِزُونَ ج لاحتمال الاستئناف وتعلقه بالظرف شَيْءٌ ط الْيَوْمَ ط فصلا بين السؤال والجواب الْقَهَّارِ هـ كَسَبَتْ ط الْيَوْمَ ط الْحِسابِ هـ كاظِمِينَ ط يُطاعُ هـ ط الصُّدُورُ هـ بِالْحَقِّ ط بِشَيْءٍ ط الْبَصِيرُ هـ مِنْ قَبْلِهِمْ ط واقٍ هـ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ ط الْعِقابِ هـ.

‌التفسير:

حم اسم الله الأعظم. وقيل: حم ما هو كائن أي قدّر.

وروي أن أعرابيا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما حم؟ فقال: أسماء وفواتح سور.

وقد تقدم القول في حواميم في مقدمات الكتاب وفي أول «البقرة» . ومن جملة تلك التقادير أن يقال: السورة المسماة بحم. تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وقد مر نظيره في أول «الزمر» . ثم وصف نفسه بما يجمع الوعد والوعيد فقال غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ قالت المعتزلة: معناه أنه غافر الذنب إذا استحق غفرانه إما بالتوبة إن كان كبيرا، أو طاعة

ص: 20

أعظم منه ثوابا إن كان صغيرا. وقال الأشعري: إنه قد يعفو عن الكبائر بدون التوبة لئلا يلزم التكرار بقوله قابِلِ التَّوْبِ وليفيد المدح المطلق ويؤيده إدخال الواو بين هذين الوصفين فقط كأنه قيل: الجامع بين المغفرة إن كانت بدون توبة وبين القبول إن كانت بتوبة فقد جمع للمذنب بين رحمتين بحسب الحالتين. وقيل: غافر الذنب الصغير وقابل التوب عن الكبير، أو غافر الذنب بإسقاط العقاب وقابل التوب بإيجاب الثواب. ثم إن قبول التوبة واجب على الله أم لا؟ فيه بحث أيضا للفريقين. فالمعتزلة أوجبوه، والأشعري يقول: إنه على سبيل التفضيل وإلا لم بتمدّح به. والظاهر أن التوب مصدر. وقيل: جمع توبة أي ما ذنب تاب منه العبد إلا قبل توبته. وقد ذكر أهل الإعراب هاهنا سؤالا وهو أن غافر الذنب وقابل التوب يمكن بوجيههما بأنهما معرفتان كما سبق في مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 3] وهو أنهما بمعنى الماضي أو الاستمرار فيصح وقوعهما صفتين لله إلا أن قوله شَدِيدِ الْعِقابِ لا يمكن فيه هذا الوجه لأنه في معنى شديد عقابه. فإن قلنا إنه صفة لزم وقوع النكرة صفة للمعرفة، وإن قلنا إنه بدل لزم نبوّ ظاهر للزوم بدل واحد فيما بين صفات كثيرة. وأجيب على تقدير أن لا يكون الكل أبدالا بأن الألف واللام من شديد محذوف لمناسبة ما قبله مع الأمن من اللبس ومن جهالة الموصوف، أو تعمد تنكيره من بين الصفات للإبهام والدلالة على فرط الشدة. وجوزوا أن تكون هذه النكتة سببا لجعله بدلا من بين سائر أخواته. هذا ما قاله صاحب الكشاف. وعندي أنه لا مانع من جعل شَدِيدِ الْعِقابِ أيضا للاستمرار والدوام حتى يصير إضافة حقيقة. قوله ذِي الطَّوْلِ أي ذي الفضل بسبب ترك العقاب وقد مر في قوله وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:

25] وإنما أورد هذا الوصف بعد وصفه نفسه بشدة العقاب ليعلم أن خاتمة أمره مبنية على التفضل كما أن فاتحته مبنية على الغفران وقبول التوبة وقد تقع عقوبة في الوسط أعاذنا الله منها، إلا أنه لا يبقى مؤمن في النار خالدا ببركة قوله لا إله إلا الله وهو المبدأ وسبب علمه أنه إليه المصير وهو المعاد. وفيه أن من آمن بالمبدأ والمعاد فإن أخل في الوسط ببعض التكاليف كان مرجوا أن يغفر الله له ويقبل توبته. ثم بين أحوال من لا يقبل هذه التقريرات ولا يخضع لها فقال ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا والجدال في آياته نسبتها إلى الشعر تارة وإلى السحر أخرى إلى غير ذلك من المطاعن وفضول الكلام. فأما البحث عنها لاستنباط حقائقها والوقوف على دقائقها وحل مشكلاتها فنوع من الجهاد في سبيل الله، ولمكان الفرق بين هذين الجدالين

قال صلى الله عليه وسلم «إن جدالا في القرآن كفر» «1»

فنكر الجدال

(1) رواه أحمد في مسنده (2/ 258، 478، 494)

ص: 21

ليشمل أحد نوعيه فقط وهو الجدال بالباطل كما يجيء في قوله وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ ثم عقب الكلام بقوله فَلا يَغْرُرْكَ ليعلم أن جدالهم الصادر عن البطر والأشر والجاه والخدم لا اعتبار به وكذا تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ للتجارات والمكاسب فإن قريشا كانت أصحاب أموال متجرين إلى الشام واليمن مترفين بأموالهم مستكبرين عن قبول الحق لذلك. ثم مثل حالهم بحال الأمم السالفة الذين تحزبوا على الرسل وكادوا يقتلونهم فأهلكهم الله ودمرهم ونجى الرسل. ثم بين بقوله وَكَذلِكَ حَقَّتْ أنهم في الآخرة أيضا معذبون. وقوله أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ بدل من كَلِمَةُ رَبِّكَ أي مثل ذلك الوجوب وجب على الكفرة كونهم في الآخرة من أصحاب النار. وجوّز جار الله أن يكون أَنَّهُمْ في محل النصب بحذف لام التعليل وإيصال الفعل. وقوله الَّذِينَ كَفَرُوا قريش أي كما وجب إهلاك أولئك الأمم كذلك وجب إهلاك هؤلاء لأن العلة الجامعة وهي أنهم أصحاب النار واحدة في الفريقين. ومن قرأ كلمات على الجمع أراد بها علم الله السابق أو معلوماته التي لا نهاية لها، أو الآيات الواردة في وعيد الكفار.

وحين بين أن الكفار بالغوا في إظهار عداوة المؤمنين حكى أن أشرف طبقات أكثر المخلوقات وهم حملة العرش، والحافون حوله يبالغون في محبتهم ونصرتهم كأنه قيل:

إن كان هؤلاء الأراذل يعادونهم فلا تبال بهم ولا تقم لهم وزنا فإن الأشراف يحابونهم.

روى صاحب الكشاف أن حملة العرش أرجلهم في الأرض السفلى ورؤوسهم قد خرقت العرش وهم خشوع لا يرفعون طرفهم.

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم «لا تتفكروا في عظم ربكم ولكن تفكروا فيما خلق من الملائكة فإن خلقا من الملائكة يقال له إسرافيل زاوية من زوايا العرش على كاهله وقدماه في الأرض السفلى وقد مرق رأسه من سبع سموات وإنه ليتضاءل من عظمة الله حتى يصير كأنه الوصع وهو طائر صغير شبه العصفور»

وروى أن الله تعالى أمر جميع الملائكة أن يغدوا ويروحوا بالسلام على حملة العرش تفضيلا لهم على سائر الملائكة.

وقيل: خلق الله العرش من جوهرة خضراء وبين القائمتين من قوائمه خفقان الطير المسرع ثمانين ألف عام، وعدد حملة العرش يوم القيامة ثمانية لقوله عز وجل وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ [الحاقّة: 17] أما في غير ذلك الوقت فلا يعلم به إلا الله. أما الذين حول العرش فقيل: سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون مهللين مكبرين ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام قد وضعوا أيديهم على عواتقهم رافعين أصواتهم بالتهليل والتكبير، ومن ورائهم مائة ألف صف قد وضعوا الأيمان على الشمائل ما منهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبح به الآخر. وهذه الآثار كلها منقولة من كتاب

ص: 22

الكشاف. سؤال: ما فائدة قوله وَيُؤْمِنُونَ بِهِ ولا يخفى أن حملة العرش ومن حوله مؤمنون؟ أجاب في الكشاف بأن فائدته التنبيه على شرف الإيمان والترغيب فيه. وأيضا فيه تكذيب المجسمة فإن الأمر لو كان على زعمهم لكانت الملائكة يشاهدونه فلا يوصفون بالإيمان به لأنه لا يوصف بالإيمان إلا الغائب، فعلم أن إيمانهم كإيمان أهل الأرض والكل سواء في أن إيمانهم بطريق النظر والاستدلال. واستحسن هذا الكلام الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير حتى ترحم عليه وقال: لو لم يكن في كتابه إلا هذه النكتة لكفى به فخرا وشرفا. وأنا أقول: لا نسلم أن الإيمان لا يكون إلا بالغائب وإلا لم يكن الإيمان بالنبي وقت تحديه بالقرآن. وإن شئت فتأمل قوله تعالى الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فلو لم يكن إيمان بالشهادة لم يكن لقوله بِالْغَيْبِ فائدة. على أنه يحتمل أن يشاهد الرب وينكر كونه إلها، ويمكن أن يكون محمول الشيء محجوبا عن ذلك الشيء فمن أين يلزم تكذيب المجسمة؟ وقال بعضهم في الجواب: أراد أنهم يسبحون تسبيح تلفظ لا تسبيح دلالة.

وزعم فخر الدين أن في الآية دلالة أخرى على إبطال قول أهل التجسيم إن الإله على العرش فإنه لو كان كما زعموا وحامل الشيء حامل لكل ما على ذلك الشيء لزم أن تكون الملائكة حاملين لإله العالم حافظين له، والحافظ أولى بالإلهية من المحفوظ. قلت: لا شك أن هذه مغالطة فإن جاز الحمل لأجل العظمة وإظهار الكبرياء على ما يزعم الخصم في المسألة كيف يلزم منه ذلك؟ وهل يزعم عاقل أن الحمار أشرف من الإنسان الراكب عليه من جهة الركوب عليه؟ وإنما ذكرت ما ذكرت لكونه واردا على كلام الإمامين مع وفور فضلهما وبعد غورهما، لا لأني مائل في المسألة على ما يزعم الخصم إلى غير معتقدهما. قال جار الله: وقد روعي التناسب في قوله وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا كأنه قيل: ويؤمنون ويستغفرون لمن في مثل حالهم، وفيه أنهم بعد التعظيم لأمر الله يقبلون على الشفقة على خلق الله ولا سيما المؤمنين لأن الإيمان جامع لا أجمع منه يجذب السماوي إلى الأرضي، والروحاني إلى العنصري. احتج كثير من العلماء بالآية على أفضلية الملك قالوا: لأنها تدل على أنه لا معصية للملائكة وإلا لزم بحكم «ابدأ بنفسك» أن يستغفروا أوّلا لأنفسهم قال الله تعالى وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [محمد: 19] وقال نوح رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً [نوح: 28] قلت: لا نزاع بالنسبة إليهم وإلى غير المعصومين من البشر وإنما النزاع بينهم وبين المعصومين فلا دليل في الآية، ولا يلزم من طلب الاستغفار لأحد. لو سلم أن قوله لِلَّذِينَ آمَنُوا عام أن يكون المستغفر له عاصيا على أنه قد خص الاستغفار في قوله

ص: 23

فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وهذا فيه بحث يجيء. وفي قولهم رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً ولو بإعطاء الوجود وَعِلْماً وقد مر في «الأنعام» إشارة إلى أن الحمد والثناء ينبغي أن يكون مقدما على الدعاء. وفي لفظ رَبَّنا خاصية قوية في تقديم الدعاء كما ذكرنا في آخر «آل عمران» كأن الداعي يقول: كنت نفيا صرفا وعدما محض فأخرجتني إلى الوجود وربيتني فاجعل تربيتك لي شفيعا إليك، ولا ريب أن ذكر الله أول كل شيء بمنزلة الإكسير الأعظم للنحاس من حيث إنه يقوّي جوهر الروح ويكسبه إشراقا وصفاء. وفي تقديم الرحمة على العلم فائدة هي أن مطلوب الملائكة في هذا المقام هو أن يرحم المؤمنين فكأنهم قالوا: ارحم من علمت منه التوبة واتباع الدين. قالت علماء المعتزلة: الفائدة في استغفارهم لهم وهم تائبون صالحون، طلب مزيد الكرامة والثواب فهو بمنزلة الشفاعة، وإذا ثبت شفاعة الملائكة لأهل الطاعة فكذلك شفاعة الأنبياء ضرورة أنه لا قائل بالفرق.

وقال علماء السنة: إن مراد الملائكة فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا عن الكفر وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ الإيمان وهذا لا ينافي كون المستغفر لهم مذنبين ومما يؤيد ما قلنا أن الاستغفار طلب المغفرة والمغفرة لا تذكر إلا في إسقاط العذاب، أما طلب النفع الزائد فإنه لا يسمى استغفارا. قال أهل التحقيق: هذا الاستغفار من الملائكة يجري مجرى الاعتذار من قولهم أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها [البقرة: 30] أما قوله وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ فتصريح بالمطلوب بعد الرمز لأن دلالة المغفرة على الوقاية من العذاب كالضمنية.

وحين طلبوا لأجلهم إسقاط العذاب ضمنا وصريحا طلبوا إيصال الثواب إليهم بقولهم رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ قال علماء السنة: كل أهل الإيمان موعودون بالجنة وإن كانوا من أهل الكبائر غاية ذلك أنهم يعذبون بالنار مدّة إن لم يكن عفوا وشفاعة ثم يخرجون إلى الجنة. قال الفراء والزجاج: قوله وَمَنْ صَلَحَ يجوز أن يكون معطوفا على الضمير في وَأَدْخِلْهُمْ فيكون دعاء من الملائكة بإدخال هؤلاء الأصناف الجنة تكميلا لأنس الأولين وتتميما لابتهاجهم وإشفاقا على هؤلاء أيضا. ويجوز أن يكون عطفا على الضمير في وَعَدْتَهُمْ لأنه تعالى قال في سورة الرعد أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الآية: 23] وعلى هذا لا يشمل دعاء الملائكة هؤلاء الأصناف اللهم إلا ضمنا. قال أهل السنة: المراد بمن صلح أهل الإيمان منهم وإن كانوا ذوي كبائر. ثم ختم الآية بقوله إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لأنه إن لم يكن غالبا على الكل لم يصح منه وقوع المطلوب كما يراد، وإن لم يكن حكيما أمكن منه وضع الشيء في غير موضعه. ثم قالوا وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ فقيل:

ص: 24

يعني العقوبات أو عذاب السيئات على حذف المضاف. واعترض بأنهم قالوا مرة وقهم عذاب الجحيم فيلزم التكرار. وأجيب بأن الأوّل دعاء للأصول وهذه لفروعهم وهم الأصناف الثلاثة، أو الأول مخصوص بعذاب النار وهذا شامل لعذاب الموقف وعذاب الحساب وعذاب السؤال، أو المراد بالسيئات العقائد الفاسدة والأعمال الضارة، وعلى هذا يكون يَوْمَئِذٍ في قوله وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ إشارة إلى الدنيا. وقوله فَقَدْ رَحِمْتَهُ يجوز أن يكون في الدنيا وفي الآخرة. قال في الكشاف: السيئات هى الصغائر والكبائر المتوب عنها، والوقاية منها التكفير أو قبول التوبة. ثم إنه تعالى عاد إلى شرح أحوال الكفرة المجالدين في آياته وأنهم سيعترفون يوم القيامة بما كانوا ينكرونه في الدنيا من البعث، وذلك إذا عاينوا النشأة وتذكروا النشأة الأولى فقال إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ أي يوم القيامة.

وفي الآية حذف وفيها تقديم وتأخير. أما الحذف فالتقدير لمقت الله أنفسكم أكبر من مقتكم أنفسكم، فاستغنى بذكرها مرة. وأما التقديم والتأخير فهو أن قوله إِذْ تُدْعَوْنَ منصوب بالمقت الأول. وفي المقت وجوه: الأول كان الله يمقت أنفسكم الأمارة بالسوء والكفر حين كان الأنبياء يدعونكم إلى الإيمان فتأبون، وذلك أشد من مقتكم أنفسكم اليوم في النار إذ أوقعتكم فيها باتباعكم هواهنّ وفيه توبيخ. ولا ريب أن سخط الله وبغضه الشديد لا نسبة له إلى سخط غيره ولهذا أوردهم النار. الثاني عن الحسن: لما رأوا أعمالهم الخبيثة مقتوا أنفسهم فنودوا بلسان خزنة جهنم لمقت الله وهو قريب من الأول.

الثالث قال محمد بن كعب: إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إلى قوله وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ [إبراهيم: 22] وفي هذه الحالة مقتوا أنفسهم. فلعل المعنى. لمقت الله إياكم الآن أكبر من مقت بعضكم لبعض ومن لعنه إياه. وأما قول الكفرة في الجواب رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ أي إماتتين اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا إحياءتين اثْنَتَيْنِ فللعلماء في تعيين كل من الاثنتين خلاف. أما في الكشاف فذهب إلى أن الإماتتين إحداهما خلقهم أوّلا أمواتا ثم نطفة ثم علقة إلخ كما في الآية الأخرى كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً [البقرة: 28] ونسب هذا القول إلى ابن عباس ووجهه بأنه كقولك للحفار:

ضيق فم الركية ووسع أسفلها وليس ثم نقل من كبر إلى صغر أو بالعكس، وإنما أردت الإنشاء على هذه الصفة. والسبب في صحته أن كلا النعتين جائز على المصنوع الواحد وللصانع أن يختار أحدهما. قلت: ومما يؤيد قوله أنه بدأ بالإماتة وإلا كان الأظهر أن يبدأ بالإحياء. قال: والإماتة الثانية هي التي في الدنيا والإحياءة الأولى هي التي في الدنيا، والثانية هي التي بعد البعث. وأورد على هذا القول أنه يلزم أن لا تكون الإحياءة في القبر

ص: 25

والإماتة فيه مذكورتين في القرآن بل تكونان منفيتين مع ورودهما في الحديث. أجاب بعضهم بأن حياة القبر والإماتة ممنوعة لأنه تعالى لم يذكرها، والأحاديث الواردة فيها آحاد، ولأن الذي افترسه السبع لو أعيد حيا لزم نقصان شيء من السبع وليس بمحسوس، ولأن الذي مات لو تركناه ظاهره بحيث يراه كل أحد لم يحس منه حياة وتجويز ذلك مع عدم الرؤية سفسطة وفتح لباب الجهالات. وزيف هذا الجواب أهل الاعتبار بأن عدم ذكر الشيء لا يدل على عدمه، والأحاديث في ذلك الباب صحيحة مقبولة. وإذا كان الإنسان جوهرا نورانيا مشرقا مدبرا للبدن في كل طور على حد معلوم كما ورد في الشريعة الحقة زالت سائر الإشكالات، ولا يلزم قياس ما بعد الموت على ما قبله وللشرع في إخفاء هذه الأمور عن نظر المكلفين حكم ظاهرة حققناها لك مرات. وقال بعضهم: في الجواب هذا كلام الكفار فلا يكون حجة. وضعف بأنه لو لم يكن صادقا لأنكر الله عليهم. وقيل: إن مقصودهم تعديد أوقات البلاء والمحنة وهي أربعة: الموتة الأولى، والحياة في القبر، والموتة الثانية، والحياة في القيامة. فأما الحياة في الدنيا فإنها وقت ترفههم وتنعمهم فلهذا السبب لم يذكروها. وقيل: أهملوا ذكر حياة القبر لقصر مدتها أو لأنهم لم يموتوا بعد ذلك بل يبقون أحياء في الشقاوة حتى اتصل بها حياة القيامة وكانوا من جملة المستثنين في قوله فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزمر: 68] ولا يخفى أن أكثر هذه الأقوال متكلفة ولا سيما الأخير فإن قوله الَّذِينَ كَفَرُوا عام. ولو فرض أنه مخصوص بكفار معهودين فتخصيصهم بالحياة في القبر حتى يكونوا من المستثنين بعيد جدا. وقد يدور في الخلد أن هذا النداء يحتمل أن يكون في القبر، وعلى هذا لا يبقى إشكال لأن الإماتة والإحياء التي بعد ذلك تخرج من غير تكلف وثبت سؤال القبر كما جاء في الحديث والله تعالى أعلم بمراده. وقوله فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ أي إلى نوع من الخروج والرد من القبر إلى الدنيا خروج سريع أو بطيء من سبيل قط أم اليأس الكلي واقع، وهذا كلام من غلب عليه اليأس والقنوط. وكان الجواب الصريح أن يقال: لا أو نعم إلا أنه سبحانه رمز إلى عدم الخروج بقوله ذلِكُمْ أي ذلكم اليأس وأن لا سبيل لكم إلى خروج قط بسبب كفركم في وقت التمكن من التوحيد أوان التكليف فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ حيث حكم عليكم بالعذاب السرمدي وكما يناسب عظمته وكبرياءه. قيل: إن تحكيم الحرورية وهو قولهم «لا حكم إلا لله» مأخوذ من هذه الآية. ثم أراد أن يذكر طرفا من دلائل وحدانيته وكماله فقال هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ من الريح والسحاب والرعد والبرق وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماء هو سبب الرزق وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ أي ما يعتبر إلا الذي أناب إلى الله وأعرض

ص: 26

عن الشرك لينفتح عليه أبواب الأنوار والمكاشفات. ثم قال للمنيبين فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ قال جار الله: قوله رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ ثلاثة أخبار لقوله هو مترتبة على الأول وهو قوله الَّذِي يُرِيكُمْ أو أخبار مبتدأ محذوف وهي مختلفة تعريفا وتنكيرا أوسطها معرفة. ثم إن الرفيع إما أن يكون بمعنى الرافع أو بمعنى المرتفع، وعلى الأول فإما أن يراد رافع درجات الخلق في العلم والأخلاق الفاضلة كما قال يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة: 11] وكذا في الرزق والأجل بل جعل للملائكة مقامات معينة وللأجسام البسيطة العلوية والسفلية درجات معينة كما يشهد به علم الهيئة، وقد أشرنا إلى ذلك في أثناء هذا الكتاب. أو يراد رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة. وأما على الثاني

فلا ريب أنه سبحانه أشرف الموجودات وأجلها رتبة من جهة استغنائه في وجوده وفي جميع صفات وجوده عن كل ما سواه، وافتقار كل ما سواه إليه في الوجود وفي توابع الوجود.

واعلم أن كمال كبرياء الله لا يصل إليه عقول البشر فالطريق في تعريفه أن يؤيد المعقول بنحو من المحسوس، فلهذا عقب الله تعالى هذه الصفة بصفتين أخريين، وذلك أن ما سوى الله إما جسمانيات وإما روحانيات. أما الجسمانيات فأعظمها العرش فأشار بقوله ذُو الْعَرْشِ إلى استيلائه على كلية عالم الأجسام، وأما الروحانيات فأشار إلى كونها تحت تسخيره بقوله يُلْقِي الرُّوحَ أي الوحي مِنْ أَمْرِهِ أي من عالم أمره عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وقد مر نظيره في الآية في أول سورة النحل. وقيل: من أمره حال ثم بين الغرض من الإلقاء بقوله لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ ووجه التسمية ظاهر لتلاقي الأجساد والأرواح فيه، أو لتلاقي أهل السماء والأرض كما قال عز من قائل وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان: 25] ولأن كل واحد يلاقي جزاء عمله. وقال ميمون بن مهران: يوم يلتقي فيه الظالم والمظلوم، فربما ظلم رجل رجلا وانفصل عنه ولم يمكن التلاقي أو استضعف المظلوم ففي يوم القيامة لا بد أن يتلاقيا. وقوله يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ بدل من الأول. ومعنى البروز ما مر في آخر سورة إبراهيم في قوله وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [الآية: 48] وقوله لا يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ تأكيد لذلك وهذا، وإن كان عاما في جميع الأحوال وشاملا للدنيا والآخرة إلا أنه خصص بالآخرة لأنهم في الدنيا كانوا يظنون أن بعض الأعمال تخفى على الله عند الاستتار بالحجب كما قال وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ فهو نظير قوله مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 3] ثم أكد تفرّده في ذلك اليوم بالحكم والقضاء بقوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ ولا ريب

ص: 27

أن الكلام مشتمل على جواب وسؤال وليس في لفظ الآية ما يدل على تعيين السائل ولا المجيب. فقال جم من المفسرين ومن أرباب القلوب: إذا هلك كل من في السموات ومن في الأرض يقول الرب تعالى: لمن الملك اليوم؟ فلا يجيبه أحد. فهو سبحانه يجيب عن نفسه فيقول: لله الواحد القهار. وأما الذين ألغوا صرف المعقول من أهل الأصول فقد أنكروا هذا القول إنكارا شديدا لأنه تعالى بين أن هذا النداء في يوم التلاقي والبروز يوم تجزى كل نفس بما كسبت، وكل هذا ينافي في كون الخلق هالكين وقتئذ، ولأن التكلم من غير سامع ولا مجيب عبث إلا أن يكون هناك ملائكة يسمعون ذلك النداء لكن المفروض فناء كل المخلوقين، فأما أن يكون حكاية لما يسأل عنه في ذلك اليوم ولما يجاب به وذلك أن ينادي مناد فيقول: لمن الملك اليوم؟ فيجيبه أهل المحشر لله الواحد القهار، يقوله المؤمن تلذذا والكافر هوانا وتحسرا على أن فاتتهم هذه المعرفة في الدنيا فإن الملك كان له من الأزل إلى الأبد. وفائدة تخصيص هذا النداء يوم القيامة كما عرفت في مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة: 3] يحكى أن نصر بن أحمد لما دخل نيسابور وضع التاج على رأسه ودخل عليه الناس فخطر بباله شيء فقال: هل فيكم من يقرأ آية؟ فقرأ رجل روّاس رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ فلما بلغ قوله لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ نزل الأمير عن سريره ورفع التاج عن رأسه وسجد لله تعالى وقال: لك الملك لا لي. فلما توفي الروّاس رؤي في المنام فقيل له ما فعل الله بك؟ فقال: غفر لي وقال لي إنك عظمت ملكي في عين عبدي فلان يوم قرأت تلك الآية فغفرت لك وله. ومما يدل على تفرده سبحانه قوله لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ فإن كل واحد من الأسماء الثلاثة ينبىء عن غاية الجلال والعظمة كما مر مرارا، وباقي الآية أيضا مما سلف تفسيره مرات. ثم وصف يوم القيامة بأنواع أخر من الصفات الهائلة فقال وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ وهي فاعلة من أزف الأمر أزوفا إذا دنا، ولا ريب أن القيامة قريبة وإن استبعد الناس مداها لأن كل ما هو كائن فهو قريب. قال جار الله: يجوز أن يريد بيوم الآزفة وقت لحظة الآزفة وهي مشارفتهم دخول النار فعند ذلك ترتفع قلوبهم عن مقارّها فتلصق بحناجرهم فلا هي تخرج فيموتوا ولا ترجع إلى مواضعها فيتنفسوا.

وقال أبو مسلم: يوم الآزفة يوم المنية وحضور الأجل لأنه تعالى ذكر يوم القيامة في قوله يَوْمَ التَّلاقِ يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ فناسب أن يكون هذا اليوم غير ذلك اليوم، ولأنه تعالى وصف يوم الموت بنحو هذه الصفة في مواضع أخر قال فَلَوْلا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ [الواقعة: 83] كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ [القيامة: 26] ولا ريب أن الرجل عند معاينة

ص: 28

أمارات الموت يعظم خوفه، فلو جعلنا كون القلوب لدى الحناجر كناية عن شدّة الخوف جاز، ولو حملناه على ظاهره فلا بأس. وقوله كاظِمِينَ أي مكروبين. والكاظم الساكت حال امتلائه غما وغيظا قال عز من قائل وَالْكاظِمِينَ الْغَيْظَ [آل عمران: 134] وانتصابه على أنه حال عن أصحاب القلوب كأنه قيل: إذ قلوبهم لدى حناجرهم كاظمين عليها، أو عن القلوب. وجمع جمع السلامة بناء على أن الكظم من أفعال العقلاء كقوله فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ [الشعراء: 4] أو عن ضمير المفعول في وَأَنْذِرْهُمْ أي وأنذرهم مقدّرين أو مشارفين الكظم فيكون حالا مقدّره. وفي قوله ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ بحث بين الأشاعرة والمعتزلة حيث حمله الأوّلون على أهل الشرك، والآخرون على معنى أعم حتى يشمل أصحاب الكبائر. وقد مرّ مرارا ولا سيما في قوله وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ [آل عمران: 192] ومعنى قوله يُطاعُ يجاب أي لا شفاعة ولا إجابة كقوله:

ولا ترى الضب بها ينجحر وذلك أنه لا يشفع أحد في ذلك اليوم إلا بإذن الله، فإن أذن له أجيب وإلا فلا يوجد شيء من الأمرين. والفائدة في ذكر هذه الصفة أن يعلم أن الغرض من الشفيع منتف في حقهم وإن فرض شفيع على ما يزعم أهل الشرك من أن الأصنام يشفعون لهم. وقوله يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ خبر آخر لقوله هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ إلا أنه فصل بالتعليل وهو قوله لِيُنْذِرَ وذكر وصف القيامة استطرادا، قال جار الله: هي صفة للنظرة أو مصدر بمعنى الخيانة كالعافية، والمراد استراق النظر إلى ما لا يحل كما يفعل أهل الريب. قال:

ولا يحسن أن تكون الخائنة صفة للأعين مضافة إليها نحو «جرد قطيفة» أي يعلم العين الخائنة لأن قوله وَما تُخْفِي الصُّدُورُ لا يساعد عليه. قلت: يعني أن عطف العرض على الجوهر والمعنى على العين غير مناسب. وقيل: هي قول الإنسان رأيت ولم ير وما رأيت ورأى. ومضمرات الصدور أي القلوب فيها لأنها فيها. قيل: هي ما يستره الإنسان من أمانة وخيانة. وقيل: الوسوسة. وقال ابن عباس: ما تخفي الصدور بعد النظر إليها أيزني بها أم لا. أقول: والحاصل أنه تعالى أراد أن يصف نفسه بكمال العلم فإن المجازاة تتوقف على ذلك. ففي قوله يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ إشارة إلى أنه عالم بجميع أفعال الجوارح، وفي قوله وَما تُخْفِي الصُّدُورُ دلالة على أنه عالم بجميع أفعال القلوب. وإذا علمت هذه الصفة وقد عرفت من الأصناف السابقة كمال قدرته واستغنائه لم يبق شك فى حقيّة قضائه فلذلك قال وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ثم وبخهم على عبادة من لا قضاء له ولا سمع ولا بصر

ص: 29