الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد أشار إلى هذا ابن القيم في شفاء العليل وقال إنه لم يدفع بالقدر حقاً ولا ذكره حجة له على باطل ولا محذور في الاحتجاج به، وأما الموضوع الذي يضر الاحتجاج به ففي الحال والمستقبل بأن يرتكب فعلاً محرماً، أو يترك واجباً فيلومه عليه لائم فيحتج بالقدر على إقامته عليه وإصراره، فيبطل بالاحتجاج به حقاً ويرتكب باطلاً، كما احتج به المصرون على شركهم وعبادتهم غير الله فقالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا} [الأنعام: 148] . {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20] . فاحتجوا به مصوبين لما هم عليه وأنهم لم يندموا على فعله ولم يعزموا على تركه ولم يقروا بفساده، فهذا ضد احتجاج من تبين له خطأ نفسه، وندم وعزم كل العز على أن لا يعود
…
ونكتة المسألة: أن اللوم إذا ارتفع صح الاحتجاج بالقدر، وإذا كان اللوم واقعاً فالاحتجاج بالقدر باطل، ثم ذكر حديث علي رضي الله عنه حين طرقه النبي صلى الله عليه وسلم وفاطمة ليلاً فقال:"ألا تصليان". الحديث. وأجاب عنه بأن احتجاج علي صحيح [ولذلك لم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم] 1 وصاحبه يعذر فيه؛ فالنائم غير مفرط، واحتجاج غير المفرط بالقدر صحيح.
1 مابين القوسين مني.
فصل: في ضرورة الإيمان بالقدر والشرع
* لابد للإنسان من الإيمان بالقدر لأنه أحد أركان الإيمان الستة، ولأنه من تمام توحيد الربوبية، ولأن به تحقيق التوكل على الله تعالى وتفويض الأمر إليه مع القيام بالأسباب الصحيحة النافعة، ولأن به اطمئنان الإنسان في
حياته حيث يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، ولأن به ينتفي الإعجاب بالنفس عند حصول المراد، لأنه يعلم أن حصوله بقدر الله، وأن عمله الذي حصل به مراده ليس إلا مجرد سبب يسره الله له، ولأن به يزول القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه، لأنه يعلم أن الأمر كله لله فيرضى ويسلم. وإلى هذين الأمرين يشير قوله تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد:22-23] .
* ولابد للإنسان أيضاً من الإيمان بالشرع وهو ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام من أمر الله ونهيه، وما يترتب عليهما من الجزاء ثواباً أو عقاباً، فيقوم بما يلزمه نحو الأمر والنهي، ويؤمن بما يترتب عليهما من الجزاء.
وذلك لأن الإنسان مريد فلابد له من فعل يدرك به ما يريد، ويدفع به ما لا يريد، ولابد له من ضابط يضبط تصرفه لئلا يقع فيما يضره، أو يفوته ما ينفعه من حيث لا يشعر.
والشرع الإلهي الذي جاءت به الرسل هو الذي يضبط ذلك، ويصدر الحكم به، ويكون به التمييز بين النافع والضار، والصالح والفاسد، لأنه من عند الله العليم، الرحيم، الحكيم.
والعقول وإن كانت تدرك النافع والضار في الجملة، لكن تفصيل ذلك والإحاطة به إحاطة تامة إنما يكون من جهة الشرع.
ولهذا نقول: النفع أو الضرر قد يكون معلوماً بالفطرة، وقد يكون معلوماً بالعقل، وقد يكون معلوماً بالتجارب، وقد يكون معلوماً بالشرع. فالشرع يأتي