الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله وحده. وهؤلاء هم أهل التجهيل المفوضة، وتناقض بعضهم فقال: الله أعلم بما أراد، لكنه لم يرد إثبات صفة خارجية له تعالى.
القسم الخامس: من قالوا: يجوز أن يكون المراد بهذه النصوص إثبات صفة تليق بالله تعالى وأن لا يكون المراد ذلك. وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم.
القسم السادس: من أعرضوا بقلوبهم وأمسكوا بألسنتهم عن هذا كله واقتصروا على قراءة النصوص ولم يقولوا فيها بشيء1.
وهذه الأقسام سوى الأولى باطلة كما قد تبين في غير هذا الموضع.
1 ذكر هذه الأقسام في "الفتوى الحموية".
فصل: غلط عامة المتكلمين في مسمى التوحيد
…
فصل
* وبهذا التقرير عن أقسام التوحيد يتبين غلط عامة المتكلمين في مسمى التوحيد حيث جعلوه ثلاثة أنواع:
الأول: أن الله واحد في ذاته لا قسيم له، أو لا جزء له، أو لا بعض له.
الثاني: أنه واحد في صفاته لا شبيه له.
الثالث: أنه واحد في أفعاله لا شريك له.
* وبيان غلطهم في وجوه:
أحدها: أنهم لم يدخلوا فيه توحيد الألوهية، وهو أن الله تعالى واحد في ألوهيته لا شريك له فيفرد وحده بالعبادة.
- مع أن هذا النوع من التوحيد هو الذي من أجله خلق الجن والإنس؛
لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
- ومن أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] . وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت} [النحل: 36] . وقد قام الرسل عليهم الصلاة والسلام بذلك يدعون قومهم {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 89] . أي: ما لكم من معبود حق غير الله، فجميع الآلهة سواه باطلة كما قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: 30] .
- ومن أجله قامت المعارك الكلامية والقتالية بين الرسل وأقوامهم المكذبين لهم كما قال الله تعالى عن قوم نوح: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [هود: 32] . وقال عن قوم هود: {قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ، إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} [هود: 53- 54] . وقال في إبراهيم وقومه: {قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئاً وَلا يَضُرُّكُمْ، أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ، قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ، قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 66 - 69] . وقال عن المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} [الأنبياء:36] وقال: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ، وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى
آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} [ص: 4 - 6] . وقال في أعدائه: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ} [الممتحنة: 2] .
والمهم أن هذا التوحيد الذي هذا شأنه قد أغفله عامة المتكلمين الذين يتكلمون في أنواع التوحيد، وهو أحد وجوه غلطهم في مسمى التوحيد.
الوجه الثاني: قولهم: "إن الله واحد في ذاته لا قسيم له
…
" الخ فيه إجمال:
- فإن أرادوا به أن الله تعال لا يتجزأ ولا يتفرق ولا يكون مركباً من أجزاء فهذا حق، فإن الله تعالى أحد صمد، لم يلد ولم يكن له كفواً أحد.
- وإن أرادوا به مع ذلك نفي ما وصف به نفسه كعلوه واستوائه على عرشه، ووجهه، ويديه ونحو ذلك – وهذا مرادهم – فهو باطل، لأن الله تعالى قد أثبت لنفسه من صفات الكمال من هذا وغيره ما هو أهل له. وتوحيده فيها إثباتها له على الوجه اللائق به بدون تمثيل لا أن تنفى عنه بنوع من التحريف والتعطيل.
الوجه الثالث: قولهم: "واحد في صفاته لا شبيه له" فيه إجمال:
فإن أرادوا به إثبات صفات الله تعالى على الوجه اللائق به من غير أن يماثله أحد فيما يختص به فهذا حق، وهو مذهب السلف لكن عامة المتكلمين لا يريدون ذلك.
وإن أرادوا به نفي أن يكون شيء من المخلوقات مماثلاً له من كل وجه، لهذا لغو لا حاجة إليه فهو كقول القائل: السماء فوقنا والأرض تحتنا، لأن مماثلة الخالق للمخلوق من كل وجه معلوم الانتفاء، - بل الامتناع - بضرورة
العقل، والسمع، وإجماع العقلاء؛ ولهذا لم يثبت أحد من الأمم أحداً مماثلاً لله تعالى من كل وجه، وغاية من شبه به شيئاً أن يشبهه به في بعض الأمور.
- وإن أرادوا به نفي أن يكون بين صفات الخالق والمخلوق قدر مشترك مع تميز كل منهما بما يختص به – وهذا مرادهم – فهو باطل، لأنه قد علم بضرورة العقل أن كل موجودين قائمين بأنفسهما لابد من قدر مشترك بينهما مع تميز كل واحد منهما بما يختص به، كاتفاقهما في مسمى الوجود والذات والقيام بالنفس
…
ونحو ذلك، ونفي هذا القدر تعطيل محض.
والقول بهذا المراد لا يمنع نفي ما يجب لله تعالى من صفات الكمال عند من يرى أن إثبات ذلك يستلزم التشبيه، فقد سبق أن أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة وغيرهم أدخلوا نفي الصفات في مسمى التوحيد وقالوا: من أثبت لله علماً أو قدرة ونحو ذلك فهو مشبه غير موحد، وزاد عليهم غلاة الفلاسفة والقرامطة فأدخلوا فيه نفي الأسماء وقالوا: من قال إن الله عليم قدير
…
ونحو ذلك فهو مشبه غير موحد، وزاد عليهم غلاة الغلاة فقالوا: إن الله لا يوصف بما يتضمن إثباتاً أو نفياً، فمن نفى عنه صفة، أو أثبت له صفة فهو مشبه غير موحد!
وقد سبق الرد على هؤلاء الطوائف في أول الرسالة ولله الحمد.
الوجه الرابع: قولهم: "واجد في أفعاله لا شريك له" وهذا أشهر أنواع التوحيد عندهم، ويعنون به أن خالق العالم واحد، ويظنون أن هذا هو التوحيد المطلوب وأن هذا معنى "لا إله إلا الله" فيجعلون معناها: لا قار على الاختراع إلا الله.
ومعلوم أن هذا خطأ من وجهين:
الأول: أن هذا الذي قرروه قد أقر به المشركون الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم لم يجعلوا لله شريكاً في أفعاله كما قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت: 61] . {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] . ومع هذا لم يكونوا موحدين بل هم مشركون بدلالة الكتاب والسنة والإجماع المعلوم بالضرورة من دين الإسلام لكونهم أنكروا توحيد الألوهية وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [صّ: 5] ولهذا قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم مستبيحاً دماءهم وأموالهم، وسبى ذراريهم ونساءهم.
الثاني: أن تفسيرهم "لا إله إلا الله" بهذا التفسير الذي ذكروه أي أنه لا قادر على الاختراع إلا الله، يقتضي أن من أقر بأن الله وحده هو القادر على الاختراع دون غيره فقد شهد أن لا إله إلا الله وعصم دمه وماله.
ومعلوم أن تفسيرها بهذا المعنى باطل مخالف لما عرفه المسلمون منها فإن تفسيرها الصحيح: أن لا معبود حق إلا الله، هذا هو الذي يعرفه المسلمون من معناها، بل والمشركون، ألا ترى إلى قول الله تعالى فيهم:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ، وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} [الصافات: 35 - 36] . وكانوا لا يستكبرون عن الإقرار بقلوبهم وألسنتهم بأن الله هو الخالق وحده، ولا يدعون أن آلهتهم تخلق شيئاً، فتبين بذلك أن المشركين أعلم وأفقه بمعنى لا إله إلا الله من هؤلاء المتكلمين، وأن غاية ما يقرره هؤلاء المتكلمون من التوحيد توحيد الربوبية الذي لا يخلص الإنسان من الشرك، ولا يعصم به دمه وماله، ولا يسلم به من الخلود في النار.
وقد سلك هذا المسلك طوائف من أهل التصوف المنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد، فكان غاية ما عندهم من التوحيد: أن يشهد المرء أن الله