الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل: الطائفة الرابعة: غلاة الغلاة من الفلاسفة، والجهمية، والقرامطة، والباطنية وغيرهم
.
* وطريقتهم: أنهم أنكروا في حق الله تعالى الإثبات والنفي، فنفوا عنه الوجود، والعدم، والحياة، والموت، والعلم، والجهل
…
ونحوها، وقالوا: إنه لا موجود ولا معدوم، ولا حي ولا ميت، ولا عالم، ولا جاهل
…
ونحو ذلك.
* وشبهتهم: أنهم اعتقدوا أنهم: إن وصفوه بالإثبات شبهوه بالموجودات، وإن وصفوه بالنفي شبهوه بالمعدومات.
* والرد عليهم من وجوه:
الأول: أن تسمية الله ووصفه بما سمى ووصف به نفسه ليس تشبيهاً ولا يستلزم التشبيه، فإن الاشتراك في الاسم والصفة لا يستلزم تماثل المسميات والموصوفات، وتسميتكم ذلك تشبيهاً ليس تمويهاً وتلبيساً على العامة والجهال، ولو قبلنا مثل هذه الدعوى الباطلة لأمكن كل مبطل أن يسمي الشيء الحق بأسماء ينفر بها الناس عن قبوله.
الثاني: أنه قد علم بضرورة العقل والحس أن الموجود الممكن لابد له من موجد واجب الوجود، فإننا نعلم حدوث المحدثات ونشاهدها، ولا يمكن أن تحدث بدون محدث، ولا أن تحدث نفسها بنفسها لقوله تعالى:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] . فتعين أن يكون لها خالق واجب الوجود وهو الله تعالى.
ففي الوجود إذن موجودان: أحدهما: أزلي واجب الوجود نفسه.
الثاني: محدث ممكن الوجود، موجود بغيره.
ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود أن يتفقا في خصائصه، فإن وجود الواجب يخصه، ووجود المحدث يخصه:
وجود الخالق: واجب أزلي ممتنع الحدوث، أبدي ممتنع الزوال.
ووجود المخلوق: ممكن حادث بعد العدم قابل للزوال.
فمن لم يثبت ما بينهما من الاتفاق والافتراق لزمه أن تكون الموجودات كلها إما أزلية واجبة الوجود بنفسها أو محدثة ممكنة الوجود بغيرها، وكلاهما معلوم الفساد بالاضطرار1.
الثالث: أن إنكارهم الإثبات والنفي يستلزم نفي النقيضين معاً وهذا ممتنع، لأن النقيضين لا يمكن اجتماعهما ولا ارتفاعهما، بل لابد من وجود أحدهما وحده، فيلزم – على قياس قولهم – تشبيه الله بالممتنعات لأنه يمتنع أن يكون الشيء لا موجوداً ولا معدوماً، ولا حياً ولا ميتاً، إلا أمراً يقدره الذهن ولا حقيقة له، ووصف الله سبحانه بهذا - مع كونه مخالفاً لبداهة العقول - كفر صريح بما جاء به الرسول.
فإن قالوا: نفي النقيضين ممتنع عما كان قابلاً لهما، أما ما كان غير قابل لهما - كالجماد الذي لا يقبل الاتصاف بالسمع والصمم - فإنه يمكن نفيهما عنه فيقال: ليس بسميع ولا أصم.
قلنا: فالجواب من أربعة أوجه:
الوجه الأول: أن هذا لا يصح فيما قالوه من نفي الوجود والعدم؛ فإن
1 راجع مجموع الفتاوى 6/43.