الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
مدخل
…
المبحث الرابع: جمع القرآن الكريم في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
لما تولى أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عيه وسلم ارتدت بعض القبائل العربية ممن دخلت في الإسلام حديثاً، وامتنع بعضها عن دفع الزكاة، فجهز الجيوش لمحاربة المرتدين، ووجه خالد بن الوليد – رضي الله عنه – في جيش كبير إلى اليمامة – قوم مسيلمة الكذاب – وذلك سنة اثنتي عشرة للهجرة، فدارت معركة حامية الوطيس، انتهت بقتل مسيلمة، وهزيمة قومه، وعودة من سلم منهم إلى الإسلام. كما استشهد فيها عدد كبير من الصحابة قدروا بخمسمائة1، وقيل ستمائة وستون2 وقيل سبعمائة3 وكان من بين هؤلاء سبعون قارئاً، منهم سالم مولى أبي حذيفة – أحد الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ القرآن عنهم – وقد هال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه واستشعر خطورة الأمر بذهاب شيء من القرآن بموت بعض القراء والحفظة من الصحابة، ففزع إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأشار عليه بجمع القرآن الكريم وكتابته في مصحف واحد بدلاً من وجوده متفرقاً في صحف متعددة4. وفي هذا الأمر يروي لنا البخاري عن زيد بن ثابت رضي الله عنه
1 ذكر ذلك ابن كثير في فضائل القرآن. انظر تفسير ابن كثير تحقيق سامي سلامة ج1 – ص26.
2 ذكر ذلك ابن الأثير في الكامل ج2 – ص247.
3 ذكر ذلك ابن حجر في فتح الباري ج9 – ص9.
4 انظر: أضواء على سلامة المصحف الشريف من النقص والتحريف ص 39 وانظر تفصيل وقعة اليمامة في البداية والنهاية لابن كثير ج6 – ص323.
أنه قال: "أرسل إليَّ أبو بكر الصديق، مقتل أهل اليمامة1، فإذا عمرُ بن الخطاب عنده، قال أبو بكرٍ: إنَّ عمر أتاني فقال: إنَّ القتل قد اسْتَحَرّ2 يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وإني أخشى أن يَسْتَحرّ القتلُ بالقراء بالمواطن، فيذهبَ كثيرٌ من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن
قلت لعمر3: كيف تفعلُ شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خيرٌ، فلم يزل عمرُ يراجعُني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيتُ في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: إنَّك رجلٌ شابٌّ عاقلٌ لا نتهمُكَ، وقد كنتَ تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، فو الله4 لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كانَ أثْقَلَ عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلتُ: كيف تفعلونَ شيئاً لم يفعلْهُ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير، فلم يزلْ أبو بكر يراجعُني حتى شرح الله صدري للذي شرح لهُ صدر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
فتتبعتُ القرآن أجمعه من العسب واللِّخاف، وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحدٍ غيرِه {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} 5 حتى خاتمة براءة، فكانت الصُّحُفُ عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عُمَرَ حياته، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها"6.
1 أي:عقب مقتل أهل اليمامة، والمراد بهم هنا من قتل بها من الصحابة في الوقعة المشهورة.
2 أي: اشتد وكثر.
3 أي: قال أبو بكر لعمر، حكاه ثانياً لزيد.
4 أي: قال زيد.
5 سورة التوبة 128.
6 الحديث أخرجه البخاري في كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن صحيح البخاري ج6 – ص98، وانظر فتح الباري ج9 – ص9-13.