الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في المصاحف عن سويد بن غفلة أنه قال: "والله لا أحدثكم إلاّ شيئاً سمعته من علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – سمعته يقول: "يا أيها الناس لا تغلوا في عثمان، ولا تقولوا له إلاّ خيراً في المصاحف وإحراق المصاحف، فو الله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملأ منا جميعاً." ثم قال: قال علي: والله لو وليت لفعلت مثل الذي فعل1
ونقل أبو شامة عن البيهقي في جمع عثمان: "وذلك كله بمشورة من حضرة من علماء الصحابة – رضي الله عنهم، وارتضاه علي بن أبي طالب – رضي الله عنه، وحمد أثره فيه"2
وهكذا استطاع عثمان بن عفان – رضي الله عنه – بهذا العمل الجبار أن يزيل جذور الخلاف، ويجمع الأمة عبر كل العصور – منذ عهد الصحابة رضي الله عنهم وحتى عصرنا الحاضر – على التزام المصحف الذي أجمعوا عليه، وحمد له المسلمون ذلك العمل. قال الزركشي:"ولقد وفق لأمر عظيم، ورفع الاختلاف، وجمع الكلمة، وأراح الأمة"3.
1المصاحف لابن أبي داود ص 22، 23، وانظر: الجامع لأحكام القرآن ج1/ص54، وفتح ج9 –ص 18
2المرشد الوجيز ص 62، وانظر السنن الكبرى للبيهقي ج2 –ص41،42.
3البرهان في علوم القرآن ج1 –ص239.
المطلب السادس: خبر هذه المصاحف
اعتنت الأمة الإسلامية بهذه المصاحف العثمانية فاتخذتها أصولاً يؤخذ منها، وأئمة يقتدى بها في كتابة المصاحف جيلاً بعد جيل.
أما عن هذه المصاحف بذاتها فقد ذكر بعض الرحالة والمؤرخين عن رؤيتهم لبعض منها.
فيحدثنا ابن جبير المتوفى سنة 614هـ في رحلته إلى الشام عندما زار جامع دمشق حيث ذكر أنه رأى في الركن الشرقي من المقصورة الحديثة في المحراب خزانة كبيرة فيها مصحف من مصاحف عثمان، وهو الذي أرسله إلى الشام1.
كما أشار ابن بطوطة المتوفى سنة 779هـ إلى رؤيته له في رحلته إلى الشام2.
كما رأى النسخة نفسها ابن كثير الدمشقي المتوفى سنة 774هـ حيث قال: "وأما المصاحف العثمانية الأئمة، فأشهرها اليوم الذي في الشام بجامع دمشق – عند الركن، شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله – وقد كان قديماً في "طبريَّة"، ثم نقل منها إلى دمشق في حدود ثمان عشرة وخمسمائة 518هـ، وقد رأيته كتاباً عزيزاً جليلاً عظيماً ضخماً، بخط حسن مبين، قوي، بحبر محكم، في رق أظنه من جلود الإبل، والله أعلم"3
واستمر هذا المصحف محفوظاً في الجامع الأموي إلى أوائل القرن الرابع عشر الهجري، ثم فقد هذا المصحف:
فبعضهم يرى أنه احترق عندما احترق الجامع الأموي. يقول محمد كرد علي في حديثه عن الجامع الأموي: "حتى إذا كانت سنة 1310هـ سرت النار إلى جذوع سقفه، فالتهمتها في أقل من ثلاث ساعات، فدثر آخر ما بقي من آثاره ورياشه، وحرق فيه مصحف كبير بالخط الكوفي، كان جيء
1رحلة ابن جبير ص 242.
2رحلة ابن بطوطة ج1 – ص54.
3فضائل القرآن لابن كثير من تفسير القرآن العظيم ج1 – ص34.
به من مسجد عتيق في بصرى، وكان الناس يقولون: إنه المصحف العثماني1، وبعضهم يرى أنه نقل إلى إنجلترا2
وفي مصر الآن مصاحف أثرية، يقال إنها مصاحف عثمانية – في المسجد الحسيني، ودار الكتب المصرية – ولكن يستبعد ذلك لوجود زركشة وزينة ونقوش فاصلة بين السور، وعلامات لبيان أعشار القرآن، ولا شك أن المصاحف العثمانية كانت خالية من كل هذا، ومن النقط والشكل30
وعلى أي حال فإن فقد هذه المصاحف لا يقلل من ثقتنا بما تواتر واستفاض نقله من المصاحف، ثقة عن ثقة وإماماً عن إمام، وسواء أوجدت هذه المصاحف أم لم توجد فإنا على يقين بسلامة القرآن الكريم من الزيادة أو النقصان4.
وهكذا سجلت الأمة الإسلامية بحفظها القرآن الكريم في الصدور والسطور منذ نزول القرآن الكريم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بصنيع أبي بكر، ثم بصنيع عثمان بن عفان رضي الله عنهم، مزية ليس لأمة غيرها، نقلوه عن الأصل المكتوب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومقابلة ذلك بما حفظوه في صدورهم، وبذلوا فيه كل عوامل الدقة والاستيثاق، فجاء كاملاً، محفوظاً، عزيزاً، تحقيقاً لقوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر: 9) . وقوله {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت:41- 42)
1خطط الشام لمحمد كرد علي ج5 – ص262.
2انظر: مباحث في علوم القرآن لصبحي الصالح ص88.
3انظر: مناهل العرفان ج1 – ص404.
4انظر: مدخل إلى القرآن لدراز ص40.