الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: المخطوطات الحديثية في الخزائن الروسية
المبحث الأول: أهم أماكن حفظ المخطوطات الحديثية
.
…
الفصل الثاني: المخطوطات الحديثية في الخزائن الروسية
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: أهم أماكن حفظ المخطوطات الحديثية.
المبحث الثاني: نماذج من المخطوطات الحديثية المحفوظة في الخزائن المذكورة.
المبحث الأول: أهم أماكن حفظ المخطوطات الحديثية.
كان من أهم عوامل تنامي العناية الروسية بالشرق الإسلامي وحضارته وشعوبه موقع روسيا الجغرافي وحدودها المباشرة مع العالم الإسلامي، بل وخضوع عدد من شعوبه للسيطرة الروسية منذ النصف الثاني من القرن السادس عشر، وتوسع تلك السيطرة خلال القرن التاسع عشر الميلادي إلى عمق آسيا الوسطى. وكان من لوازم تلك العناية تنامي الاهتمام بالمخطوطات الإسلامية والتي كان قسم كبير منها مكتوباً باللغة العربية حيث هي لغة العلم والدين في تلك الأصقاع، وكانت المناطق الأساسية لتزويد الخزائن الروسية بالمخطوطات الشرقية بما فيها المخطوطات العربية جمهوريات آسيا الوسطى التي كانت ضمن حدود روسيا القيصرية والاتحاد السوفيتي لاحقاً، والمناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية، وبالأخص حوض الفولغا والقوقاز، وغني عن الإشارة إلى أسماء العلماء الكبار والأئمة العظام في مختلف العلوم الذين هم من أهل تلك الديار.
يمكن إرجاع البداية الرسمية في جمع المخطوطات واقتنائها إلى قرار بطرس الأول في نهاية الربع الأول من القرن التاسع عشر الميلادي بتأسيس دار التحف الذي صاحب إنشاء مؤسسة أكاديمية تعنى بالعلم ومجالاته المتعددة، كان هذا التأسيس يمثل البداية الجادة للاهتمام بجمع المخطوطات
الشرقية المكتوبة بمختلف اللغات الشرقية (1) ، وكانت المخطوطات تصل إلى دار التحف في بداية الأمر على سبيل الإهداء إلى القيصر، ثم صارت تصله هدايا ووصايا من مختلف الأشخاص، وقد كانت هناك محاولة مبكرة لفهرسة محتويات المتحف بما فيها المخطوطات على يد المستشرق المشهور ج. ي. كهير الذي استدعي للعمل في روسيا (2) .
وفي عام 1818م تأسس المتحف الآسيوي التابع لأكاديمية العلوم، وانتقلت مواد دار التحف من مخطوطات ونقود شرقية وغيرها، لتكون من ضمن محتويات المتحف الآسيوي (3) ، وكان تأسيس المتحف يعد مرحلة مهمة وأساسية في تاريخ الاستشراق الروسي، وصار هو الخزانة الرئيسة لحفظ المخطوطات، ترد إليه من جهات عدة وبطرق مختلفة، ونمت تلك الخزانة وكبرت بحيث صارت تضاهي الخزانات العالمية في المخطوطات الشرقية عموماً والعربية على وجه الخصوص، وكان لجهود مؤسسه الأول فرين في إدارة المتحف، وفهرسة تلك المخطوطات والتعريف بها دور بارز في تاريخه وتاريخ العلم الروسي، وإرساء تقاليد علمية تبعه عليها آخرون.
(1) ينظر: تاريخ الاستشراق والدراسات العربية والكردية في المتحف الآسيوي ومعهد الدراسات الشرقية في لينينغراد ص18-19.
(2)
المصدر السابق ص21-22.
(3)
المصدر السابق ص29.
لا يخلو مركز من مراكز المخطوطات الأساسية في روسيا من وجود للمخطوطات الحديثية فيه، وقد حظيت مدينة سان بطرسبرج بأهم مراكز حفظ المخطوطات؛ فمنذ أن كانت عاصمة لروسيا القيصرية كانت مأرزاً للمخطوطات، تأتيها من جميع الجهات، وقد نشأت في العهد السوفيتي مراكز أخرى في جمهورياته كان لها دور في حفظ المخطوطات واقتنائها، بما في ذلك المناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية، وبالأخص في قازان وداغستان.
أشار د. أنس خالدوف المستعرب الروسي المختص في المخطوطات وفهرستها، والمشرف على "فهرس المخطوطات العربية في معهد الاستشراق" المطبوع في مجلدين، وناشر عدد من الدراسات والأبحاث في مجال المخطوطات العربية، في دراسته المعنونة بـ"المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي" إلى المرحلة المبكرة للعناية العلمية بجمع المخطوطات، والمؤسسات المعنيّة بذلك، والدور الأساس للمتحف الآسيوي الذي تحوَّل إلى معهد الاسشراق في العهد السوفيتي.
يقول أنس خالدوف في استعراضه: "تعزى المرحلة المبكرة لجمع المخطوطات العربية ودراستها لأغراض علمية في روسيا إلى القرن التاسع عشر، وهي ترتبط في المقام الأول بنشاط أربع مؤسسات في بطرسبرج هي: المتحف الآسيوي لأكاديمية العلوم، والمكتبة العامة، والقسم الدراسي بوزارة الخارجية، وكلية اللغات الشرقية بجامعة بطرسبرج. وكان يصب في هذه المؤسسات الأربع معظم المخطوطات التي جمعها المستشرقون
والدبلوماسيون والرحالة والهواة والعسكريون والموظفون المدنيون الروس..
إن مجموعات المخطوطات الشرقية لدى هذه المؤسسات الأربع هي التي أصبحت القاعدة الأساسية لعلم الإسلاميات والاستعراب الروسي قبل الثورة. وقد كرس الأكاديميون فرين ودورن وروزن وزاليمان وبارتولد وكراتشكوفسكي وعدد آخر من كبار المستشرقين لتسليط الأضواء على هذه المخطوطات عشرات المقالات وعدداً من الفهارس والشروح الموجزة، ويرتكز الكثير من الأبحاث الأدبية التاريخية والنصية والمرجعية على مخطوطات من مجموعة بطرسبرج ـ لينينغراد" (1) .
ثم يوضح د. خالدوف الدور المركزي للمتحف الآسيوي في مجال المخطوطات، فيقول:"لقد اضطلع المتحف الآسيوي لأكاديمية العلوم الذي أسس في العام (1818م) بدور المؤسسة المركزية في روسيا لجمع المخطوطات الشرقية وحفظها ودراستها على مدى القرن التاسع عشر بأسره، والنصف الأول من القرن العشرين"(2) .
ابتدأ المتحف الآسيوي عند تأسيسه بعدد قليل من المخطوطات الشرقية، وكان من ضمنها مخطوطات عربية كانت في حوزة أكاديمية العلوم في سانت بطرسبرج في حينه، ولعل أول مجموعة مهمة دخلت في
(1) المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي، في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت"، الكتاب الأول ص9-10.
(2)
المصدر السابق ص10-11.
حوزة المتحف الآسيوي هي مجموعة القنصل الفرنسي السابق في حلب ج. روسو، التي اشترتها الحكومة الروسية على دفعتين، خمسمائة مجلد في عام 1819م، و200مجلد في عام 1825م، وهي زهاء 470مخطوطة من مجموعة وارسو تحتوي إما بشكل كامل أو جزئي على مؤلفات باللغة العربية، وكانت تلك المجموعة بداية لقسم المخطوطات الإسلامية في المتحف، وهي المخطوطات المكتوبة بلغات مختلفة باستخدام الحروف العربية بما في ذلك المخطوطات النصرانية العربية، خلال التسعين سنة اللاحقة لم يتحصل المتحف إلا على مجموعات صغيرة، وفي عام 1915-1916م اقتنى ف. إيفانوف من بخارى في رحلتين إلى هناك 1057 مجلد معظمها مخطوطات عربية لصالح المتحف، وهي المجموعة التي تسمى (مجموعة بخارى) ، وفي عام 1916ـ1917م دخل في خزانة المتحف ما يزيد على 1000مجلد من المخطوطات العربية جمعت من حوالي بحيرة وان، وهي المجموعة التي تسمى (مجموعة وان) . في عام 1919م تم نقل عدد من مجاميع المخطوطات الشرقية المحفوظة في مكتبات أخرى في سانت بطرسبرج، وهي مكتبة القصر الشتوي، ومكتبة القسم التعليمي لوزارة الشؤون الخارجية إلى المتحف الآسيوي.
ثم بواسطة البعثات الأثرية التي نظمها معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم في الاتحاد السوفيتي خلال الأعوام 1934-1936م، تم تزويد خزانة المخطوطات في المعهد ـ الذي أُسس سنة1930م، وحلَّ محل المتحف الآسيوي ـ وفيه أكثر من (1500) مخطوطة عربية، وبعد
ذلك وصل لخزانة المعهد مجاميع صغيرة من المخطوطات سواءً من مؤسسات وجهات علمية أو عن طريق الشراء من الافراد (1) .
تحتوي خزانة معهد الاستشراق على أكبر وأهم المخطوطات الحديثية في الخزائن الروسية، ويصل عدد المخطوطات الحديثية في تلك الخزانة إلى أربعمائة وستين مخطوطة (460) ، وذلك حسب تصنيف فهرس المخطوطات العربية في المعهد الصادر عام1986م، حيث تم تصنيف المخطوطات فيه على حسب موضوعاتها، بحيث يفرد كل موضوع بقسم يخصه، وقد تم تخصيص القسم الثالث في الفهرس للحديث.
المكتبة الوطنية في سانت بطرسبرج، المسماة مكتبة سالطيكوف شيدرين العامة، تلي خزانة معهد الاستشراق في الأهمية من حيث وجود المخطوطات، وحسب إحصاء أنس خالدوف في حينه "بلغ مجموع الرصيد زهاء (1500) من المخطوطات والوثائق العربية"، وقد كانت المخطوطات تصل إليها من مصادر عدة منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي، ولم يكن في حوزة المكتبة عام 1813م إلا ثنتان وأربعون (42) مخطوطة عربية (2) . أعدّت المكتبة للنشر فهرساً لمخطوطاتها العربية،
(1) ينظر في هذا الاستعراض التاريخي لجمع المخطوطات واقتنائها في المتحف الآسيوي الذي تحول إلى معهد الاستشراق إلى: مقدمة فهرس "المخطوطات العربية لمعهد الاستشراق"، وكذلك إلى الملخص باللغة الإنجليزية في آخر الفهرس ص523، وأيضاً: المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي في "أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت"، الكتاب الأول، ص11-14.
(2)
ينظر المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي، ص12-14.
تبلغ المخطوطات الحديثية فيه ستاً وتسعين (96) مخطوطة، وهي تفوق في الأهمية من حيث العدد والمحتوى المجموعة المحفوظة في مكتبة اللغات الشرقية في جامعة بطرسبرج.
جامعة بطرسبرج، الجهة الثالثة في الأهمية في سانت بطرسبرج من حيث عدد المخطوطات العربية، حيث تبلغ محفوظات مكتبة كلية اللغات الشرقية من المخطوطات العربية (1040) مخطوطة (1) ، وقد كان أهم المجموعات التي أسست لمخطوطات مكتبة الكلية في الجامعة المخطوطات التي تم نقلها إليها من قازان، سواء "مجموعة مكتبة ثانوية قازان التي نقلت عام1846م" أو مجموعة جامعة قازان التي نقلت عام 1855م، وذلك بعد إغلاق الدراسات الشرقية في الجامعة، ثم بعد ذلك تعززت مجموعة المكتبة، مما يصلها بالأخص من المخطوطات التي في حوزة أساتذتها (2) . يصل عدد المخطوطات الحديثية في خزانة تلك المكتبة إلى إحدى وأربعين مخطوطة (41) حسب تصنيف الفهرس المختصر الصادر عام 1996م للمخطوطات العربية في تلك المكتبة.
كانت المناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية مصدراً مهماً لخزائن المخطوطات في سانت بطرسبرج، وقد كانت تلك الخزائن هي المورد الرئيس للمخطوطات، تأتيها من داخل روسيا ومن خارجها، ولا سيما خلال العهد القيصري منذ البداية الجادة بجمع المخطوطات في بداية القرن
(1) المنتقى من مخطوطات جامعة بطرسبرج ـ كلية الدراسات الشرقية ص5.
(2)
ينظر المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي ص13.
التاسع عشر، ولكن في العهد السوفيتي وذلك خلال القرن العشرين، بدأت تتكون خزائن مهمة لحفظ المخطوطات في عموم جمهوريات الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك المناطق الإسلامية في روسيا الفدرالية، وبالأخص في قازان التي أعادت تأسيس نفسها في هذا المجال حيث نُقلت مجموعاتها إلى جامعة سانت بطرسبرج في منتصف القرن التاسع عشر، وداغستان (1) . وبالتأكيد للمخطوطات الحديثية نصيب من بين مجموعات المخطوطات العربية المحفوظة في خزائن تلك المناطق، يشير كاتبا مقالة "المخطوطات العربية في داغستان" إلى نصيب الحديث في خزانة المخطوطات المحفوظة في معهد التاريخ واللغة والأدب لفرع أكاديمية العلوم السوفيتية في داغستان، والتي أنشئت عام1945م، وتضم قرابة (2500) مجلد مخطوط: "وكان الحديث أيضاً معروفاً في داغستان على نطاق واسع، وبين المخطوطات نسخ قديمة من مصابيح الدجى للإمام الشافعي المعروف أبي محمد الحسن الفراء البغوي، المتوفى عا 1117هـ أو عام 1122هـ. ويمكن الحكم على قدم هذه المخطوطات من تواريخ نسخها، وهي:632/1234-1235،760/1258-831،
(1) ينظر في خزائن المخطوطات في قازان وداغستان، الأبحاث التالية: المخطوطات العربية ودراستها في الاتحاد السوفيتي لأنس خالدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الأول ص22-24. المخطوطات العربية في داغستان لحاجي حمزتوف، عمري شيخ سعيدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الثاني ص62. آثار الكتابة العربية في داغستان لناتاليا طاهروفا ص177، ومجموعة كتب محمد سيد سعيدوف لعمري شيخ سعيدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الرابع ص194.
1259/1427-868، 1428/1463- 895، 1464/1490، 1015/1616 إلخ. ومن المؤلفات المكرسة للحديث كذلك "افهام" لجلال الدين عبد الرحمن البلقيني المتوفى عام 824?/1421م، كبير قضاة المذهب الشافعي في القاهرة، وقد كتب المؤلف عام 811?/1409م، أما مخطوطاتنا فمؤرخة بعام 820?/1417م. وقد نسخها إبراهيم بن أحمد بن علي بن عمر المليحي، وهكذا توافر تحت تصرفنا نسخة من مؤلف البلقيني، نسخت وهو لا يزال على قيد الحياة (1) .
وفي ختام الحديث عن أماكن حفظ المخطوطات في روسيا، تجدر الإشارة إلى أن هناك عدداً من الجهات والمؤسسات في موسكو، والتي لديها مخطوطات عربية، ولكنها تبقى مجموعات صغيرة، وليست بأهمية خزائن سانت بطرسبرج، فمثلاً هناك المخطوطات المحفوظة في دار الوثائق الأثرية لدولة روسيا، وقد ظهر فهرس للمخطوطات والوثائق العربية فيها، بعنوان: فهرس المخطوطات والوثائق العربية في دار الوثائق الأثرية لدولة روسيا، من تأليف: ديمتري موروزوف، وتحت عنوان: الأحاديث ورد الإشارة إلى مخطوطة واحدة فقط برقم54، بعنوان: مجموعة أربعين حديثاً مع تعليق بالتركية، تم تجليدها مع مؤلفات في النحو والصرف (2) .
(1) المخطوطات العربية في داغستان، لحاجي حمزتوف، عمري شيخ سعيدوف، في أبحاث جديدة للمستعربين السوفيت، الكتاب الثاني ص69.
(2)
فهرس المخطوطات والوثائق العربية في دار الوثائق الأثرية لدولة روسيا ص30.
فيما يلي سيتم التعريف بفهارس المخطوطات العربية في الخزائن الثلاث الرئيسة في سانت بطرسبرج والمخطوطات الحديثية فيها، حيث كانت تلك الخزائن هي الأساس لجمع المخطوطات منذ البداية العلمية المبكرة لهذا المجال، وأغلب جهود الاستشراق الروسي الأكاديمي كانت منصبة على الاهتمام بها والاشتغال عليها، وقد حظيت تلك الخزائن في العقدين الأخيرين بفهارس شاملة لمخطوطاتها العربية، مما ييسر استخدامها والاستفادة منها.