الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
المبحث الأول: تعريف العلل لغة واصطلاحا
…
المبحثُ الأوَّلُ: تعريفُ العلل لغةً واصطلاحاً
تعريف العلل لغةً:
قَالَ ابنُ فارس: "عَلَّ: العين واللام أصولٌ ثلاثةٌ صحيحة: أحدها: تكرّر أو تكرير، والآخر: عائق يعوق، والثالث: ضعف في الشيء، فالأوَّل: العلل، وهي الشربة الثانية،
…
والأصل الآخر: العائق يعوق، قال الخليل: العلة حدث يشغل صاحبه عن وجهه
…
، والأصل الثالث: العِلةُ: المرض، وصاحبها معتل..)) (1) .
واسم المفعول من أعل"مُعَلّ"، واستعمل المحدثون في كلامهم لفظة معلول، قَالَ العراقي: “والتعبير بالمعلول موجود في كلام كثير من أهل الحديث في كلام الترمذي في جامعه، وفي كلام الدارقطني، وأبي أحمد بن عدي، وأبي عبد الله الحاكم، وأبي يعلى الخليلي، ورواه الحاكم في التاريخ، وفي علوم الحديث عن البخاري)) (2) ، واستعمال البخاري نقله الترمذيُّ في العلل الكبير عن البخاريّ (3) .
غير أنَّ كثيراً من أهل اللغة، وبعض المحدثين انتقدوا هذا الاستعمال، قال ابن الصلاح:((ويسميه أهل الحديث المعلول، وذلك منهم ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس: العلة والمعلول مرذول عند أهل العربية واللغة)) (4) .
(1) معجم مقاييس اللغة (4/12-14) .
(2)
التقييد والإيضاح (ص97) .
(3)
العلل الكبير للترمذي (ص206) .
(4)
علوم الحديث (ص81) .
وقال ابنُ منظور: ((واستعمل أَبوإسحاق لفظة المَعْلول في المُتقارِب من العَروض.... والمتكلمون يستعملون لفظة المَعْلول في مثل هذا كثيراً؛ قَالَ ابنُ سِيده: وبالجملة فَلَسْتُ منها على ثِقَةٍ ولا على ثَلَجٍ؛ لأَن المعروف إِنَّما هو أَعَلَّه الله فهو مُعَلٌّ)) (1) .
إلَاّ أنّ أهل اللغة أنفسهم ليسوا متفقين على تخطئة هذا الاستعمال، قَالَ العراقيُّ-بعد نقله كلام ابن الصلاح المتقدم-:((وقد تبعه عليه الشيخ محيي الدين النوويّ فقال في مختصره: إنه لحن، واعترض عليه بأنه قد حكاه جماعة من أهل اللغة منهم قطرب فيما حكاه اللبلي، والجوهري في الصحاح، والمطرزي في المغرب)) (2)، واستعمل هذه اللفظة كبار أهل اللغة منهم:
أبو إسحاق الزجاج كما تقدم في كلام ابن منظور (3)، وقال الفيوميُّ:((والعلة المرض الشاغل، والجمع علل مثل سدرة وسدر، وأعله الله فهو معلول قيل من النوادر التي جاءت على غير قياس وليس كذلك، فإنه من تداخل اللغتين، والأصل أعله الله فَعُلَّ فهو مَعْلُول)) (4) .
فمما تقدم من عدم اتفاق أهل اللغة على تخطئة استعمال هذه الكلمة، واستعمال كثير من الأئمة المحدثين لها نستفيد أنّها كلمة صحيحة لغوياً، وإنْ كان الأفصح استعمال كلمة مُعَلّ.
(1) لسان العرب (11/471) مادة (علّ) .
(2)
التقييد والإيضاح (ص96) .
(3)
انظر: التقييد والإيضاح (ص96) ، فتح المغيث للسخاوي (1/259) ، توضيح الأفكار (2/25) .
(4)
المصباح المنير (ص426) مادة (علّ) .
العلة والحديث المُعل في الاصطلاح:
ترد كلمة عِلة، ومعلول في لسان المحدثين على معنيين:
المعنى الأوَّل: معنى عام ويراد به الأسباب التي تقدح في صحة الحديث، المانعة من العمل به، قَالَ ابن الصلاح:"اعلم أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف المانعة من العمل به على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل، ولذلك نجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ ونحو ذلك من أنواع الجرح، وسمّى الترمذيُّ النسخَ علةً من علل الحديث"(1) .
وما قاله ابنُ الصلاح ظاهر ففي كتابِ العلل لابن أبي حاتم، وكتاب العلل للدارقطني أمثلةٌ كثيرةٌ تدلُ على ما قَالَ، وكذلك في تطبيقات الأئمة المتقدمين، فالعلة عندهم لها معنى واسع وشامل، بحيث تشمل ما قاله ابن الصلاح، والمعنى الخاص الآتي الذكر.
المعنى الثاني: معنى خاص، وعرّفه ابنُ الصلاح بقوله:"هو الحديث الذي اطلع فيه على علةٍ تقدحُ في صحته مع أنّ ظاهره السلامة منها"(2)، وعرّفه ابنُ حجر بقوله:"هو حديثٌ ظاهرهُ السلامة، اطُّلِعَ فيه بعد التفتيش على قادح"(3) .
(1) علوم الحديث (ص84)، وانظر: ألفية السيوطي شرح أحمد شاكر (ص59-60) .
(2)
علوم الحديث (ص81) .
(3)
فتح الباقي على ألفية العراقي (1/226) .
وهذا المعنى هو مرادُ من تكلم على أهمية العلل ودقته وقلة من برز فيه، وهو المعنى الذي يتكلم عليه من كتب في علوم الحديث، وقد أشار الحاكم في كتابه"معرفة علو م الحديث"(1) إلى هذا المعنى.
وهو نوعان:
النوع الأوّل: الاختلافُ في إسنادِ الحديثِ كرَفْعهِ ووقفهِ، ووصلهِ وإرسالهِ، ونحو ذلك، أو الاختلافُ في متنِ حديثٍ كاختصار المتن، أو الإدراجِ فيه، أو تغيير المعنى ونحو ذلك، وهذا النوعُ هو الغالبُ على"علل الدارقطني".
النوع الثاني: العلةُ الغامضةُ في إسنادٍ فَرْدٍ ظاهرهُ الصحة، وهذه العلةُ الغامضةُ لا يمكن أن يوضع لها ضابط محدد؛ لأنّ لها صوراً كثيرةً ومتعددةً، وفي بعضها دقة وغموض، لا يعلمها إلاّ حذاق هذا الفن، وهذا النوع يكثر في كلام النقاد المتقدمين، وهم العمدة في الكلام عليه إذْ إنهم-في الغالب- قد باشروا مكمن العلة والخطأ بأنفسهم: تارةً بسؤال الراوي ونقده مباشرةً، وتارةً بالرحلة لجمع طرق الحديث والنظر في موضع الخطأ وغير ذلك.
وسيأتي في الفصلِ الثاني - إنْ شاءَ الله - أمثلةٌ دقيقةٌ على هذين النوعين.
(1)(ص107) .