الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استرداد السلطان الكسروي عن طريق الحرب فلجئوا إلى الدسائس و (إذاعة المفاسد ومحاولة تشويه الفكر الإسلامي بنشر الأفكار الدخيلة التي زلزلت قواعد المجتمع كله!.
وقد كثر الكلام عن الدوافع التي أدت إلى نكبة البرامكة، ولعل أقربها إلى الواقع بعد أن تكون نتيجة انتفاضةٍ في ضمير الرشيد كشفت له أعماق تلك المؤامرة فلجأ إلى حسمها بالسيف بعد أن وصل خطرها إلى عرشه ولكن.. هل وقفت الانتفاضةُ زحف ذلك الخطر عن الدولة والأمة؟.. هيهات. وأنى لها ذلك بعد أن وصل الداء إلى القلب، فأصبح كل شيء مهيئا للدمار الذي نسف الكيان العام من أساسا وذهب بمليون وثمانمئة ألف مسلم على أيدي هولاكو والعلقمي وبقية المتآمرين من أعداء الإِسلام!.
وماهي سوى لحظات من عمر الزمن حتى تتابعت الكوارث الماحقة فذهبت بإشبيلية وغرناطة وقرطبة وأخواتها، وعبدت الطريق للزحف الصليبي القديم والحديث على بقية العالم الإسلامي الغارق في غفلاته وشهواته وخلافاته.. وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون..
التناقضات المهلكات:
وبعد فإن المشكلات التي يثيرها كتاب الأصفهاني أكبر من أن يستوعبها فكر أو يرصدها قلم، وقد اجتزأنا منها بالقدر الذي يتسع له عرض في مجلة فصلية، واضطررنا للإِعراض عن الكثرة الكاثرة من محتوياته، التي لا يغني منها القليل عن الكثير، وفي النفس منها أشياء تغرى بالمتابعة فنمسك عنها معتذرين بضيق الوقت والوهن الذي نعانيه في أواخر الثمانينات.. على أن مشكلة واحدة لم نستطع دفعها عن الذهن، ففسحنا لها السبيل إلى البروز والمناقشة.
من التساؤلات الطفولية المثيرة أن تسمع صغيرا يهمس في أذن أمه: هذه القروش التي ينفحنا بها البابا كل يوم.. من أين يأتي بها؟ أليس لها من نهاية؟!.
ولعلك توقفت أمام هذه التساؤلات ذات يوم كما توقفت أنا ومضيت كما وجدتني أمضي معها طويلا محاولا الوصول إلى أجوبة شافية.. وها أنا ذا اليوم أراني مشدودا إلى
ذلك الهاجس الطفولي أسأل نفسي: هذه القناطير المقنطرة من الدراهم والدنانير التي تتطاير أمام أتُنحَت لهم من الجبال أم تسيل بها الأودية؟! أم تقذف بها المصانع من بواتق المعادن الخسيسة، التي أعيننا بين أيدي الخلفاء والوزراء والندماء فلا تكاد تهتدي إلى مستقر لها.. من أين يأتي بها هؤلاء؟! يحاولن كيميائيو ذلك العصر تحويلها إلى المعادن النفيسة؟.. أسئلة محيرة لا نملك لها جوابا.. ولكنها تشق لنا الطريق إلى البحث عن مصادر هاتيك الأموال!، وعن المجاري التي تسلكها، والنتائج التي تصير إليها! ذلك التبذير الرهيب..
مرقب واحد فقط يقف بنا عنده ذلك البحث لنكتشف من خلاله أهم أسرار ذلك اللغز، فإذا هي كلها متشابكة حول العُرف العام الذي يطلق يد المسئول الأعلى في حياة الناس ودمائهم وأموالهم.. فبكلمة من شفتيه يسوق من يشاء إلى السجن المنسيِّ أو الموت المقضيِّ، وبأخرى مثلها يصادر حصائل أعمار الناس فيمسخ يسرهم فقرا ورياضهم قفرا.. وبكلمةٍ تُحَول أموال الدولة إلى أيدي العابثين يموهون بها جدرانهم بالذهب، وينصبون التماثيل في قصورهم الأسطورية، ويحشون بها أفواه السكارى لتحيل أصواتهم أغاريد تتموج فيها أنغام الطيور الشادية بمختلف الألحان!!.
أما الجماهير البائسة فعليها وحدها الصبر على الفاقة والحرمان، حتى يصير بها الأمر إلى مستقره من اليأس الذي يدمر الحدود ويحطم السدود، ويدفعها بقوة لا مرد لها إلى الهدم بعد البناء والاضطراب العام بعد السلام الذي طالما نعمت به في ظلالا الإيمان، حتى لَيجتاحُ الغوغاءُ البلدَ الذي كان حتى الأمس قبة الإسلام فإذا هو بين ليلة وضحاها مضرب المثل في الخراب، وإذا بالمئات الثلاث من ألوف أهلها الغافلين طعام سائغ للموت يتقاسمهم دجلة والحرائق الكاسحة فلا نرى لهم أثرا إلا من خلال رثاء ابن الرومي في مثل قوله:
لهف نفسي عليك أيتها البصر
…
ة لهفا يطول فيه هيامي
لهف نفسي عليك يا قبة الأس
…
لام لهفا يزيد منه ضرامي
ثم تتتابع حبات العقد حتى يتوقف قليلا عند اجتياح هولاكو بغداد فتزول بذلك جنة الدنيا.