المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌ضابط الرقية المشروعة:

الرابع: ما كان بما لا يُعقل معناه، كالرقى التي كانت في الجاهلية، فهذه يجب اجتنابها؛ لئلا يكون فيها شرك أو ما يؤدي إلى الشرك.

‌ضابط الرقية المشروعة:

[أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:

1-

أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.

2-

أن تكون باللسان العربي، أو بأي لغة أخرى يفهمها المَرقِيُّ.

3-

أن يعتقد - كلٌّ من الراقي والمَرْقِيِّ - أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بذات الله تعالى] (18) .

(18) أفاده الحافظ ابن حجر رحمه الله، انظر:"الفتح"(10/206) .

ص: 22

أما الشروط التي ينبغي توافرها في كلٍّ من الراقي والمرقي؛ ليكون الانتفاع بالرقية تامًّا، بإذن الله عز وجل؛ فمنها:

1-

أهليَّة الراقي؛ بأن يكون من أهل الخير والصلاح والاستقامة.

2-

معرفة الرقى المناسبة من الآيات القرآنية.

3-

أن يكون المريض من أهل الإيمان والصلاح والخير والتقوى والاستقامة على الدين، والبعدِ عن المحرمات والمعاصي والمظالم؛ لقول الله تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَاّ خَسَارًا *} [الإسرَاء: 82] . فالرقى لا تؤثر - غالبًا - في أهل المعاصي والمنكرات.

ص: 23

4-

الإيمان يقينًا بأن القرآن شفاء ورحمة وعلاج نافع، فلا يُرقى بالآيات على سبيل التجربة، إن نفعت وإلا عُمِد إلى غيرها!!.

فمتى تمت هذه الشروط كان الانتفاع بالرقية تامًّا بإذن الله تعالى، والله أعلم (19) .

(19) مختصر من نصّ فتوى لفضيلة العلاّمة ابن جبرين حفظه الله ونفع بعلمه، عليها توقيعه. انظر: سلسلة الفتاوى الشرعية، فتاوى الرقى والتمائم، إعداد المؤلف، ص:8.

ص: 24

وثمة أسباب مهمة، لو التزم بها المُبتلى لساعدت في تعجيل معافاته بإذن الله تعالى؛ منها:

1-

الحرص التام على تأدية العبادات في أوقاتها، ومن أهمها الصلاة في جماعة، وبخاصة صلاة الفجر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ

(20)، وقوله عليه الصلاة والسلام:

مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ (21) .

2-

أن يشرع ابتداءً برَقْي نفسه؛ فإن رقية المرء لنفسه هي أَوْلى من رقية سواه، ذلك أن الرقية هي من جنس الدعاء، ودعاء المرء لنفسه - بتحقيق تمام

(20) جزء من حديث أخرجه مسلم، كتاب: المساجد، باب: فضل صلاة العشاء والصبح في جماعة، برقم (657) ، عن جُنْدَبَ بن عبد الله القَسْرِيِّ رضي الله عنه.

(21)

جزء من حديث أخرجه مسلم، بالتخريج السابق، برقم (656) ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه.

ص: 25

التوكل - هو أرجى للقبول من دعاء غيره له، بخاصةٍ في زمنٍ عزَّ فيه الرقاة المخلصون!

3-

إن لم يتمكن من رقية نفسه لاشتداد وطأة المرض عليه، أو رقى نفسه ثمَّ رغب في الاستزادة برقية غيره له، فليحرص كل الحرص على الاسترقاء لدى رقاة مخلصين ممن حَسُنت عقيدتهم، وشاع بين الناس صلاحُهم وحُسْنُ ذِكْرِهم، وليحذرْ كلَّ الحذر من الانسياق خلف السحرة والمشعوذين؛ فهذا مما عُلمت بالضرورة حرمتُه، كما ليحذر المؤمن من التسهُّل في التداوي بمحرَّمٍ، فإن الله تعالى لمَّا شرع التداوي لعباده، لم يجعل

ص: 26

سبحانه شفاءهم فيما حرمه عليهم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ (22) .

4-

أن تصدر الرقية المشروعة عمَّن حَسُنت سريرته، واستقامت طريقته، وقد طهَّر نفسه عن الحرام، واستيقن بأن الشفاء من الله وحده، وأنه سبحانه هو الشافي المعافي؛ ذلك أن الرقية - كما سبق - هي من جنس الدعاء، فإذا قرأ الراقي على نفسه أو على غيره كان لا بد من اعتقاده عند الرَّقْي حصولَ الشفاء من الله يقينًا لا على سبيل التجربة، فلو رقى الراقي مجرِّبًا نفعَ الرقيةِ فإنه يكون بذلك قد فوَّت على نفسه النفع المرجوَّ بها.

(22) أخرجه ابن حِبّان، برقم (1391) ، عن أم سلمة رضي الله عنها.

ص: 27

5-

أن يدعو دعاء المُضْطرِّ المِلْحاح؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم (23) ، مُتَيَقِّنًا الاستجابة، كما وعد سبحانه بقوله:[النَّمل: 62]{أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ *} . كما ينبغي للراقي تلمُّس ساعات الإجابة؛ ومنها: الثلث الأخير من الليل (24) ، والساعة الأخيرة من يوم الجمعة (25)(قُبَيل المغرب) ، وكذلك في السجود (26) ، وغير ذلك من الأوقات والأحوال الفاضلة.

6-

الحرص على طِيب المَطْعَم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: أَطِبْ مَطْعَمَكَ تَكُنْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ (27)، وقوله صلى الله عليه وسلم:

(23) قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: (حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا

) . أخرجه البخاري؛ كتاب: الدعوات، باب: تكرير الدعاء، برقم (6391)، ومسلم - بلفظه - كتاب: السلام، باب: السحر، برقم (2189) .

(24)

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، حِيْنَ يَبْقى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآْخِرِ، يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ» . متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: التهجُّد، باب: الدعاء والصلاة من آخر الليل، برقم (1145)، ومسلم؛ كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرها، باب: الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه، برقم (758) .

(25)

لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فِيهِ - أي: يوم الجمعة - سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى شَيْئًا إِلَاّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» ، متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أخرجه البخاري، كتاب: الجمعة، باب: الساعة التي في يوم الجمعة، برقم (935) . ومسلم، كتاب: الجمعة، باب: في الساعة التي في يوم الجمعة، برقم (852) . أما تعيين الساعة المخصوصة بآخر ساعة من بعد العصر، فهذا أرجح الأقوال في ذلك، وهو قول أكثر السلف، وعليه أكثر الأحاديث. انظر: زاد المعاد لابن القيم، (1/131) .

(26)

لقول الله تعالى: [العَلق: 19]{كَلَاّ لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ *} . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» ، أخرجه مسلم، كتاب: الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، برقم (482) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(27)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/255) ، برقم (6491) ، ويشهد له الحديث الذي يليه، وهو عند مسلم.

ص: 28

أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَاّ طَيِّبًا

ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟! (28) .

7-

الحرص على تلاوة سورة البقرة في البيت، فهي - ولا ريب - حصن حصين ورقية عظيمة لأهل ذلك البيت، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: اقْرَؤُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ (29) .

ومن عظيم بركة هذه السورة ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ

(28) أخرجه مسلم، كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيِّب وتربيتها، برقم (1015) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(29)

جزء من حديث أخرجه مسلم، كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرها، باب: فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، برقم (804)، عن أبي أُمامة الباهليِّ رضي الله عنه. والمراد بالبَطَلة: السَّحَرة؛ على ما بيَّنَه معاويةُ بن سلام (أحد رجال إسناد هذا الحديث) .

ص: 29

الْبَقَرَةِ (30) . ويمكن أن يقرأها المريض بنفسه، أو أن تُقرأ عليه، كما أنها لو كرِّرت تلاوتها تامة بجهاز تسجيل كل يوم أو كل ليلة، كان ذلك - بإذن الله - سببًا عظيمًا لمعافاة أهل ذلك البيت من أذى الشياطين، كما أفتاني بذلك فضيلة الشيخ العلَاّمة ابنُ جبرين حفظه الله (31) .

8-

الحرص على كثرة ذكر الله عز وجل، والمداومة على قراءة القرآن، وملازمة الاستغفار، والتحصُّن بالأذكار المشروعة، وقد أوردتُ جملةً منها في الملحق الثاني من هذا الكتاب.

9-

الحرص على شرب الماء الطَّهور المقروء عليه، والاغتسال به،

(30) جزء من حديث أخرجه مسلم، كتاب: صلاة المسافرين وقَصْرِها، باب: استحباب صلاة النافلة، برقم (780) ، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(31)

ونص استفتاء فضيلة الشيخ ابن جبرين كما يلي:

س: أنقل لفضيلتكم حالَ أسرةٍ ابتليت بالمسِّ وإيذاء الشياطين، وقد نصحهم أحد المشايخ بأن يداوموا على قراءة سورة البقرة بأنفسهم، وأن يجعلوها كذلك على جهاز تسجيل يعمل في البيت بشكل متواصل طوال اليوم والليلة، فما حكم ذلك يحفظكم الله؟

فأجاب حفظه الله: لا شك أن هذا الابتلاء من شياطين الجن، والصَّرْعُ والمسُّ عقوبة من الله تعالى، أو ابتلاء وامتحان، فننصح هذه الأسرة بالتوبة إلى الله وكثرةِ الذكر والاستغفار، والدعاء وقراءة القرآن والأعمال الصالحة، والتنفُّلِ بالصلوات والصيام والصدقات، وتطهيرِ المساكن من آلات اللهو وأجهزة الأغاني والصور والأفلام الخليعة، والقنوات الفضائية التي توقع في الفتنة وتدعو إلى الحرام، ولهم أن يداوموا على قراءة سورة البقرة، فهي التي لا يستطيعها البطلة (أي السحرة) ، ويهرب الشيطان من البيت الذي تُقرأ فيه سورةُ البقرة، والأفضل أن يقرأها أحد أهل البيت رجل أو امرأة، ويواصل قراءتها في أول الليل قراءة متوسطة، وهكذا أيضًا يقرؤوها في جهاز تسجيل بشكل متواصل كل يوم أو كل ليلة، ولعلهم بذلك أن يتعافَوا من هذا البلاء، والله أعلم.

ص: 30

وبخاصة ماء زمزم؛ فهو شفاءُ سُقْمٍ (32) ، فلو قرئ عليه كان ذلك أولى وأرجى لحصول الشفاء إن شاء الله (33) . ولو أضيف إليه ورق السدر، أو إلى أي ماء طهور مقروء عليه، أو نُقِعَت فيه أوراقٌ كُتب عليها آياتٌ قرآنية بمِداد طاهر - من زعفرانٍ ونحوه - كان ذلك سببًا للشفاء أيضًا بإذن الله (34) .

10-

الحرص على أكل زيت الزيتون والادِّهان به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ (35) ، وكذلك الحبة السوداء، وزيتها، يؤكل منها ويُدَّهن بزيتها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ

(32) لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ؛ إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ [وَشِفَاءُ سُقْمٍ] » ، أخرجه مسلم، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي ذر رضي الله عنه، برقم (2473)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«وَشِفَاءُ سُقْم» : زيادة عند الإمام الطيالسي من الوجه الذي أخرَجه منه مسلم. كما أفاد بذلك الحافظ ابن حجر في الفتح (3/493) .

(33)

لأن الراقي يجمع بذلك بين شفاءين: القرآن وماء زمزم.

(34)

انظر: المنتقى من فتاوى الفوزان (2/145) .

(35)

أخرجه الترمذي، كتاب: الأطعمة، باب: ما جاء في أكل الزيت، برقم (1851) ، عن عمر رضي الله عنه. وبرقم (1852) ، عن أبي أَسِيدٍ الساعدي رضي الله عنه.

ص: 31

مِنْ كُلِّ دَاءٍ، إِلَاّ السَّامَ (36)، ولو قرئ عليهما - أي: زيت الزيتون، وزيت الحبة السوداء - من آيات القرآن كان ذلك أفضل إن شاء الله.

11-

الحرص على شرب العسل؛ فإن فيه شفاءً للناس؛ كما أخبر الله عز وجل، ولو قرئ عليه بعض آيات القرآن لكان ذلك أولى؛ ليُجمع بذلك بين فضل الاستشفاء بالقرآن الكريم، ومشروعية الاستشفاء بالعسل (37) .

12-

الحرص على الاحتجام كلما احتيج إليه؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثَةٍ: فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ، أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ، أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ، وَأَنَا أَنْهى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ» (38) .

(36) متفق عليه؛ أخرجه البخاري، كتاب: الطب، باب: الحبة السوداء، برقم (5688) . ومسلم، كتاب: السلام، باب: التداوي بالحبة السوداء، برقم (2215) . قال ابن شهاب الزهري رحمه الله: والسامُ (بتخفيف الميم) : الموت، والحبة السوداء: الشُّونِيزُ. اهـ. و «الشُّونِيزُ» لفظ فارسي معرَّب، اشتهرت تسمية الحبة السوداء به في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويسميها الناس اليوم: حبة البركة. وانظر - للتفصيل في التداوي بالحبة السوداء - كتابَنا: التحصين من كيد الشياطين ص231 وما بعدها.

(37)

راجع تفصيل العلاج بالماء والزيت والسِّدر والعسل في الملحق الأول من هذا الكتاب.

(38)

متفق عليه من حديث جابرٍ رضي الله عنه: أخرجه البخاري؛ كتاب: الطب، باب: الدواء بالعسل، برقم (5683)، ومسلم؛ كتاب: السلام، باب لكل داء دواء، واستحباب التداوي، برقم (2205) .

ص: 32

13-

التَصَبُّحُ بسبع تَمَرات عجوةً؛ وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَبَّحَ - كُلَّ يَوْمٍ - سَبْعَ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً لَمْ يَضُرَّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سُمٌّ وَلَا سِحْرٌ» (39) .

(39) أخرجه البخاري، كتاب: الأطعمة، باب: العجوة، برقم (5445) . عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. ومسلم، كتاب: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، برقم (2047) ، عنه أيضًا. واللفظ للبخاري.

ص: 33

وهاك - أخي القارئ - ملخصًا لأسبابٍ عشرة، ذكرها ابنُ القيم رحمه الله، يندفع بها شر الحاسد والعائن والساحر بإذن الله (40) :

1-

التعوُّذ بالله من شرِّ هؤلاء والتحصُّن به سبحانه واللجوء إليه (41) .

2-

تحقيق تقوى الله عز وجل بفعل أوامره واجتناب نواهيه؛ فمن اتقى الله تولَّى اللهُ حِفْظَه ولم يكِلْه إلى غيره طَرْفة عين.

3-

التحلِّي بالصبر على العَدوِّ الحاسد؛ فما نُصِرَ محسودٌ على حاسده بمثل الصبر عليه، ولا يحيق المكر السيِّئ إلا بأهله.

4-

التوكل على الله تعالى؛ فمن يتوكل على الله فهو حَسْبُه، وهذا التوكل هو

(40) انظر: بدائع الفوائد لابن القيم، (2/238- 246) .

(41)

أوردت في الملحق الثاني من هذا الكتاب بعض الأذكار والتحصينات فخذها بقوة، فإنها جِدُّ نافعة.

ص: 34

من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبدُ ما لا يطيق من أذى الخلق.

5-

تفريغ القلب من الاشتغال بالحاسد، والفكرِ فيه، وأن يقصد المحسودُ أن يمحوه من باله كلما خطر له، فلا يلتفت إليه، ولا يخافه.

6-

الإقبال على الله والإخلاص له، وهذا حصن حصين لا خوف على مَن تحصَّن به، ولا ضَيْعَةَ لمن أوى إليه.

7-

تجريد التوبة إلى الله من الذنوب؛ فما سُلِّط على العبد ما يؤذيه إلا بذنب، عَلِمه أو لم يَعلمْه.

8-

التصدُّق والإحسان ما أمكن؛ فإن لذلك تأثيرًا عجيبًا في دفع البلاء ودفع العين وشرِّ الحاسد؛ فقد جاء في

ص: 35

الأثر: «داوُوا مرضاكم بالصدقة» (42) .

9-

إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه؛ فالإحسان إلى الخلق يورث المودة، ويخفِّف من وطأة الشحناء أو يزيلُها؛ كما قال الله تعالى:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ *} [فُصّلَت: 34] .

10-

تجريد التوحيد لله جل وعلا؛ ذلك أن التوحيد هو حصن الله الأعظم، فمن دخله كان من الآمنين، وكذلك الترحُّل بالفكر في الأسباب إلى المسبِّب العزيز الحكيم، واليقين بأن كل شيء لم يكن ليضر أو ينفع إلا بإذنه سبحانه.

(42) جزء من حديث مرسل، ذكره أبو داود في (المراسيل) ، (ص127- 128) ، عن الحسن البصري، رحمه الله. ونصه:«حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَاسْتَقْبِلُوا أمْوَاجَ الْبَلَاءِ بِالدُّعَاءِ» ، وقال البيهقي في السنن الكبرى (3/382)، بعد أن ساق طريقًا مرفوعًا له بنحوه - عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: وإنما يُعْرَف هذا المتن عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.

وقد روي مرفوعًا أيضًا عن ابن عمر، وعن أبي أمامة، وعن سَمُرة بن جُنْدُب، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم. والحديث بكل طرقه المرفوعة لا يصح؛ إمَّا لوجود متروكٍ في السند، أو لانقطاع فيه، أو لجهالة في أحد رجاله؛ لكنْ أحسن ما روي فيه - كما سبق - المرسلُ عن الحسن البصري رحمه الله.

ص: 36

وهذه أمور مهمة لو أيقن بها المصاب لهانت عنده مصيبته:

- أن يؤمن بالقدر خيرِه وشرِّه؛ كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ؛ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ (43) .

-

أنْ يعلم أنّ ما أصابَ العبدَ المؤمن إنما هو تمحيص له من الله تعالى، وأن يرجو أن يكون ذلك من علامة محبة الله عز وجل له، لأن البلاء مظنة للتطهر من الخطايا، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا،

(43) أخرجه الترمذي، كتاب: القدر، باب: ما جاء أن الإيمان بالقدر خيره وشره، برقم (2144) ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

ص: 37

وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ (44) .

-

أن يصبر ويحتسبَ أجر ذلك عند الله، ويجعلَ تعلُّقه بالله وحده، وأن ينتظر الفَرَج منه سبحانه؛ فإن ذلك من أفضل العبادة، وأن يسأل الله العافية؛ كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: سَلُوا اللهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ (45) .

(44) أخرجه الترمذي، - وحسّنه - كتاب: الزهد، باب: ما جاء في الصبر على البلاء، برقم (2396) ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

(45)

جزء من حديث أخرجه الترمذي - وحسّنه - كتاب: الدعوات، باب: في العفو والعافية، برقم (3594) ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

ص: 38

إرشادات عامة تُراعى عند الرقية:

1-

كون الراقي والمرقي على طهارة تامة من الحدثَيْن الأكبر والأصغر.

2-

استقبال الراقي القبلة.

3-

لزوم تدبُّرِ الراقي والمرقي لنصوص الرقية، أثناء القراءة؛ فلا يقولها الراقي دون تفكُّرٍ بمعانيها، ولا يستمعها المرقيُّ إلا وقد اجتهد في تدبُّرها، واستحضر كلاهما تعلق القلب بعظيم قدرة الله تعالى، وحسن الاستعانة به سبحانه.

4-

النَّفْث في أثناء القراءة وبعدها، ولا بأس بتركه.

5-

استحسان وضع اليد اليمنى - في أثناء القراءة - على الناصية أو على موضع

ص: 39

الألم، إن تيسر ذلك. مع ملاحظة عدم جواز مسِّ النساء من غير المحارم.

6-

يُستحسن كذلك القراءة بصوت معتدل في الأذن اليُمنى أو اليُسرى للمريض من وقت لآخر في أثناء الرقية.

7-

إذا لاحظت تأثر المريض ببعض الآيات في أثناء الرقية، فلا بأس بتكرارها ثلاثاً، أو خمسًا، أو سبع مِرارٍ، حَسَب الحاجة وملاحظة درجة الاستجابة.

8-

أن ينوي الراقي برقيته نفع أخيه، ومحبة أن يشفيه الله ويخفف عنه البلاء، وكذلك توخِّي هدايته، بل إن تيقَّن الراقي وجود جنِّيٍّ متلبِّسٍ، حَرَص كذلك على دعوته إلى التقوى والاستقامة، وهذا مطلب مهم جداً،

ص: 40

ينبغي للراقي ملاحظته؛ ذلك أن رسالة المسلم الأساسية هي الدعوة إلى الله تعالى، لقول المولى عز وجل:[يُوسُف: 108]{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} ، فالمسلم داعية في المقام الأول؛ لذا كان الأَولى به أن يبدأ رقيته وهو يحمل في صدره هاتين النيتين (الشفاء والهداية) ، فلا ينبغي له أن يسعى إلى أذية الجني ابتداء إلا إذا استعصت عليه سبل هدايته.

9-

مراعاة لفظ الرقية المناسب للمقام عند القراءة فيقول: (أرقي نفسي) ، (أرقيكَ أو (أرقيكِ) ، أو (أرقيكم) ، وذلك بحسب الحال.

ص: 41

10-

قد تستمر الرقية لمدة أسبوع كامل، وربما كانت أقل من ذلك أو أكثر، وذلك بحسب حال المريض ومدى استجابته للعلاج، حتى يتم الشفاء بإذن الله.

11-

بإمكان الراقي أن يختصر الرقية، بحيث يختار آياتٍ معينة بما يناسب حالَ المَرْقِيِّ، وبخاصَّةٍ في القسم الثالث الذي هو أكثر أقسام الرقية إسهابًا، وهو يحتاج إلى مزيد وقت، فمن لم يكن لديه متسع من الوقت فليختر أيًّا من القسمين الأول أو الثاني. وله كذلك أن يختار من القسم الثالث ما يناسب وقتَه، والحالةَ المَرَضِيّة التي بين يديه،

ص: 42

أو أن يقرأه على مراحل؛ بحيث يستريح المريض بينها.

12-

كذلك بإمكان الراقي الاقتصار في الرقية على الآيات القرآنية أو التعوذات النبوية، لكن الأكمل في ذلك أن يجمع بينها.

13-

وبإمكانه أيضًا القراءة جهرًا أو سرًا، والجهر أولى؛ ليتمكن المَرْقِيُّ من سماعه؛ فيزداد بذلك تأثُّرُه بالرقية وانتفاعُه بها.

ص: 43