الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال المفسرين
تفسير الإمام ابن كثير:
قال رحمه الله عند قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَلَاّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى} أي كل نفس ظلمت نفسها بكفر أو شيء من الذنوب فإنما عليها وزرها لا يحمله عنها أحد كما قال: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ، {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى} أي كما لا يحمل عليه وزر غيره كذلك لا يحصل له من الأجر إلا مما كسب هو لنفسه.
قال: "ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء، ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيرا لسبقونا إليه. وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والآراء. فأما الدعاء والصدقة1. فذلك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما. وأما الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي
1 وذلك بشرط أن تكون من أحد فروعه كما سبق ذكره.
هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية من بعده أو علم ينتفع به "1. فهذه الثلاثة في الحقيقة من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه " 2 والصدقة الجارية كالوقف ونحوه هى من آثار عمله ووقفه، وقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس هو أيضا من سعيه وعمله، وثبت في الصحيح "من دعا إلى هدى كان له من الأجرمثل أجورمن تبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيئا" 3.
تفسير الإمام الشوكاني:
قال رحمه الله عند قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلَاّ مَا سَعَى} والمعنى ليس له إلا أجر سعيه وجزاء عمله ولا ينفع أحدنا عمل أحد. وهذا العموم مخصص بمثل قوله سبحانه: {أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} وبمثل ما ورد في شفاعة الأنبياء والملائكة للعباد، ومشروعية دعاء الأحياء للأموات ونحو ذلك. ولم يصب من قال إن هذه الآية منسوخة بمثل هذه الأمور، فإن الخاص لا ينسخ العام بل يخصه، فكل ما قام الدليل على أن الإنسان ينتفع به وهو من غير سعيه كان مخصصه لما في هذه الآية من العموم اهـ.
1 رواه مسلم.
2 وسنده صحيح (مم) .
3 رواه مسلم وتمامه: "ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا".
تفسير صاحب المنار:
قال رحمه الله في تفسيره عند آية: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} في آخر سورة الأنعام بعد بحث طويل، قال ما حصله:
"إن كل ما جرت به العادة من قراءة القرآن والأذكار وإهداء ثوابها إلى الأموات واستئجار القراء1 وحبس الأوقاف على ذلك، بدع غير مشروعة، ومثلها ما يسمونه إسقاط الصلاة ولو كان لها أصل في الدين لما جهلها السلف، ولو علموها لما أهملوا العمل بها".
وقال أيضا: "وإن حديث قراءة سورة يس على الموتى غير صحيح، وإن أريد به من حضرهم الموت. وأنه لم يصح في هذا الباب حديث قط كما قال بذلك المحدث الدارقطني.
وأعلم أن ما اشتهر وعم البدو والحضر من قراءة الفاتحة للموتى لم يرد فيه حديث صحيح ولا ضعيف، فهو من البدع المخالفة لما تقدم من النصوص القطعية، ولكنه صار بسكوت اللابسين لباس العلماء وبإقرارهم له، ثم بمجاراة العامة عليه، من قبيل السنن المؤكدة أو الفرائض المحتمة".
1 صحت أحاديث كثيرة في النهى عن التكسب بالقرآن وقد أجمعت الأئمة الأربعة على عدم وصول ثواب القراءة للأموات إذا كانت بالأجرة، والمال المأخوذ على ذلك حرام، ويأئم الآخذ والمعطى فتأمل!!
قال:"وخلاصة القول إن المسألة من الأمور التعبدية التي يجب فيها الوقوف عند نصوص الكتاب والسنة وعمل الصدر الأول من السلف الصالح.
قد علمنا أن القاعدة المقررة في نصوص القرآن الصريحة والأحاديث الصحيحة أن الناس لا يجزون في الآخرة إلا بأعمالهم {يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً} وقال تعالى: {وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} وأن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ أقرب أهل عشيرته إليه بأمر ربه: "أن اعملوا لا أغني عنكم من الله شيئا" 1 وأن مدار النجاة في الآخرة على تزكية النفس بالإيمان والعمل الصالح"اهـ.
ونقل رشيد رضا عن الحافظ ابن حجر أنه سئل عمن قرأ شيئا من القرآن وقال في دعائه: "اللهم اجعل ثواب ما قرأته زيادة في شرف سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم". قال: فأجاب بقوله: "هذا مخترع من متأخري القراء لا أعرف لهم سلفا"اهـ.
] نقول [: "إن كثيرا من المتمشيخين الذين لم يفهموا معنى آية من الكتاب العزيز ولم يفهموا معنى آية {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} ولا معنى الحديث الصحيح: "من عمل
1 جزء من حديث رواه البخاري ومسلم.