الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتسوِيَةُ العنان أصل في الإحسان والإتقان، ثم يُخرجُ فرسه من الوقوف إلى المشي، بغمز خَفيف يَغْمزه بعقِبَيهِ برفق، ثم يسير به العَنَق برفق، ثم يتوسع في العَنَق قليلاً؛ ويكون في خلال ذلك يَتَعهَّدُ نفْسه في الجلوس على الهيئة المذكورة، وفي أخْذ العِنان وتَسْويته، حتى يعلم أنه قد ثبت، وصار ذلك له عادَةً وطَبْعاً. ثم ينتقل فرسه من العنَقَ إلى الخبِّ بزيادة الغمز بعقبيه زيادة خفيفة؛ فيخُبُّ خباً ليِّناً؛ وليخطف نفسه، فأن الخبَّ يكاد يَقْلع الفارس مَنْ سَرجه، لا سيما عند ابتدائه وعند جذبه وانتهائه، فيحذر ذلك في الحالين؛ ثم ليزد بعدُ بتدريج حتى يقارب التقريب. فإذا ثبت على ذلك انتقل إلى التقريب بسكون واستواء، حتى يسير سيراً كدبيب الراجل، ولْيستَعنْ بساقيه ويلزم بهما الفَرس. أو يدخل قديمه تحت إبطي الفرس أو بين يديه إن كان من يلحق ذلك في الخبِّ والتقريب. فإذا ثبت على ذلك واستغنى عن الاستعانة بساقيه، وسكن في ظَهْر الفَرس، وسكن الفَرسُ تحته سكوناً تامّاً، فليُجْر عند ذلك فَرَسَه بين الجريتين. فإن ثبت وخفَّ عليه أمره فليُجْرِ فرسَه ملءَ فروجه؛ وليحذر عند ذلك عن نفسه في الحالين عند الوثب وعند الجذب. وليكن جذبُه قصْداً، ولا يطول في الطّلقِ، فأن الطول فيه يُفسد الخيل. ولا سيما التي يعمل عليها بالرمح. فإن كان الفرس ليَّناً ويعلم أنه ينحبس في جذبه واحدة فلا يحبسه إلا ثلاث جَذباتٍ، ويحبسه في الرابعة بوقفة منها. وتكون كل جذبة ألين من التي قبلها؛ ولا يقبض رأسه عند جذبه، وليكن حبساً رفيقاً متدانياً مرة بعد أخرى. ولا يرسل العِنان بين الجذبتين لئلا يعود الفَرسُ إلى الجري. وليعدل يده بالعِنان عند ذلك، ويكون حبسه له باستواء. وليَحْذرْ طُولَه من جانب وقِصرَهُ من جانب، فأن اعتدال العِنان الفارس والفرس كالميزان. وحُسْنُ التقدير في ذلك عُنوان العقل وشاهد النُّبل. وتعديله بمقدم الفرس ومؤخره آكَدُ ما تعْتَنَي به أولا وآخراً. فليحْذر الميل من أحدهما عن الاستواء. وكثيرٌ من الخيل إذا حبسه غير العارف خَلَعَهُ عند ذلك من سرجه.
وليتحفظ أيضاً عند الجذب من إدْماء فَمِ الفرس باللجام؛ فقلَّ ما يُدميه إلا من لا معرفة له بإمساكه، ولا تقدير عنده في عِنانه. وليكن اللجام نَازِكياً وهو المعروف الآن باللّزمة وما أشبهه، فإنه من لُجُم الفرسان. ويكون ثقله وخفته بقدر احتمال الفرسَ. فلتجرَّبْ عليه اللُّجم، فأيُّها كان أخفَّ وأطيب في فمه وهو به أحسن حالا فذلك لجامُه. وعند النظر إليه يظهر) ما (يصلحه منْ ذلك. وأَن يكون الفرس يَعْلُكُ لجامه فيستطيبه أحسن من أن يخافه فيشبَّبه به أو يطاطئ رأسه؛ ولا يكون أيضاً من الخِفَّة بحيث يستهين به الفرس ولا يملك الفارسُ رأسه. فالاعتدال بين ذلك هو المقصود.
وليكن عِذارُه إلى القِصرِ، فأن طوله ينقُص من جَرْى الفَرسَ، لا سيما الضعيف اللَّحْيَين. وبالضرورة يعلم أنه إذا ضَرَب اللجامُ أسنانه آذاه وقطع به عن كثير من الجري وشَغَلَهُ. وذا قصر العنان أخذ اللجام بأنيابه واعتمد عليه وتروَّح إليه. وليكن العنان أيضاً إلى القَصَرِ بحيث لا يتجاوز القَرَبُوس إلا باليسير، فأن طُولَه مشغلة للفارس، مَحيَّر للفَرَس. فإذا أتقن ذلك كله، وتعودَّ الركوب على العُرى، وصار له ذلك كالطبع، فقد ملَكَ من الركوب أَصْلَه وحاز جُلَّه؛ فلينقل بعدُ نفسه إلى السرج، بعون الله تعالى.
فصل
ومن أراد التفرس على السَّرج، فالمستحب له أن يتخيرَّ سَرْجاً متسعاً ليتقلب فيه كَيف شاء، لا سيما لمن أراد التعلم، فالمتسع أوفق له من الضيق. وليكن وثيق الخشَب، واسعَ المجلس، لاطِئَ القَرَبُوس والمؤخرة، ويكون لبَبُهُ وثيقاً من جلدٍ حسن الدباغ يدور بالسَّرج، وحزامٍ كذلك وثيق، قال ابن حِزاَم: وحزامان خير من حزام واحد، وهو أحب إليَّ، ورِكاَبَيْن معتدلي الوزن والتقدير والحًلقِ، لا بالواسعة ولا بالضيقة، وثقلهما خيرٌ من خفتهما. وبُوثَق من سَيْر الركابَيْنِ والأَبازم، ويتفقد مقدار طولها وقصرهما ليكونا سواءً؛ وبقدر الحاجة في الطول والقِصَر. وإن يكونا إلى الطول يسيراً أحسن من أن يكونا إلى القِصَر، فأنه إن قُصر الركابان ربما أنقطع الفارس من سَرْحه عند وَثْب الفَرس وعند جذبه في الجري، فلا يأمن السقوط، لا سيما أن راغ الفرس أو شَبَّ.
ولكل رِجْل فيهما حدُّ ينتهي إليه ويُقدُّ عليه كأثواب اللباس والخِفاف وغيرها، من تعدى حدَّه، وفارق قدًّه ثقل عليه ملبوسه، وتعذر قيامُه فيه وجلوسه.
فالذي يصلح من ذلك أن يعتمد على مقعدته في مقعد سرجه، مع انبساطه ساقيه، واعتماده على ركابيه حتى يكون كالقائم المالك لجميع جسده، المتصرف باعتدال في كل عُضوٍ من بدنه. وينبغي له أن يتخذ بدادين مُدوَّرين أو مربَّعين، ولا سيما لمن أراد السفر الطويل والجري الكثير، فإنه وقاية لحارك الفرس، أن انقطع شيء من معاليق السرج فيقيه البدَادُ وبحرس ظهر الفرس من القَرَبُوس والمؤخرة. ويتخذ مِرْشَحَةً من طاقتين وقاية تحت البِدادَين. والمرْشحة أيضاً تجفف العرق من البِدَادين.
فإذا أراد الركوب عليه شَدةَّ بيديه، وتولى أمره بنفسه؛ ولم يتَّكلُ فيه على غيره. فإن تولاّه غيرُه فليْمتحِنهُ عند ركوبه احتياطاً بحركته ونزوله.
ومتى كان الحزام رخْواً ماج السَّرجُ بفارسه، لا سيَّما أن أَمْسَكَ السلاح، وذلك غيرُ جيدَّ. وأيضاً فإن السلاح إذا أشتد لم يمَجْ في ظهر الفرس، ولم يكد يُدْبرُه ولا يَعْقرُ ظهره. ومع رخاوته وانحلاله كثيراً ما يفعل الدَّبَر والعَقْرَ. وليمسك سوطه أو قضيبه عند الركوب بيده اليسرى، ويشمر ثيابه، ويقف عن يسار فرسه بحذاء ركابه الأيسر وراءه قليلاً. ولا يتقدم في الوقوف فأنه عيب ولكن جانبه الأيسر يلي مَنْكِبَ الفَرَس. فيأخذ العنان بيده اليسرى مع طاق القربوس من داخله أو مع العُرف، أن رأى ذلك أَعْونَ له.
وليقصر عنانه في يده ليمتلئ رأس الفرس. ومتى لم يحس الفرس عند ذلك اللجام ربما اضطرب فلم يكن من ركوبه. ولا يفرط في كبحه فيدور عليه، ولكن على اعتدال فيه. ثم يفتل الركاب الأيسر إلى قدَّام فتلةً واحدة، ويضع صدر رجله اليسرى فيه ويمدها إلى كتف الفرس، ولا يدخلها تحت بطنه. ثم ليأخذ بيده اليمنى القَرَبُوسَ ومؤخر السَّرج، أي ذلك شاء، فكل ذلك صواب. وأخْذُ القَرَبوس باليمنى أحب إلى الفرسان. ثم ليَشِلْ نفسَه إلى فوق شَيْلاً رفيقاً باقتدار وسكون حتى يركب بسرعة. وإن أمسك له إنسان الركاب الأيمن عند ركوبه فذلك حَسَن.
فإذا استوى في سرجه جالساً، فليضع صدر رجله اليمنى في الركاب الأيمن، ويعتمد على الركابين قليلاً ليستوَّي ثيابه.
وإن أَحَبَّ أن يسوِّي ثيابه بيمينه قبل أن يجلس في السَّرج وبعد الاستقلال، فليفعل ذلك فقد فَعَله الفُرسَانُ. ولا أرى أنا ذلك، إذ قد يَعْتري الفرس حَركةٌ فلا يمكنُ استقلاله. ولكن يُمسك العِنان في خلال ذلك كلَّه، ثم يسوِّي العِنان بيده جميعاً، ويعدل به رأسَ الفرَس، ثم يخرج الفرس من حالة الوقوف إلى المشي، بان يغمزه بعقبيه غمزاً خفيفاً ولا يحركه بحركة بدنه، ولا بحركة ساقيه يضرب بهما بطن الفرس فذلك قبيح لا يفعله الفرسان.
ولينظر إلى ألذِّ مشية فرسه، وأحسنها عنده، وأخفِّها على نفسه وعلى الفَرَس، وأشدها سكوناً فيحمله عليها. وليتفقد ما يصْلُحُ بالفرس من ذلك بعناية.