المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌حرف الغين المعجمة - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - جـ ٣

[المحبي]

الفصل: ‌حرف الغين المعجمة

أعطَاهُ اياها من غير توقف وَأرْسل اليه الْوَزير حُسَيْن باشا يَطْلُبهُ للاجتماع بِهِ فَلم يجب فَأرْسل اليه بِثَلَاثِينَ قرشا فَأَعْطَاهَا للذى أرسلها مَعَه وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ بركَة الْوُجُود وَكَانَت وِلَادَته فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَمَات لَيْلَة الِاثْنَيْنِ لَا ربع لَيَال بَقينَ من شَوَّال سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف بالصالحية وَكَانَ أوصى أَن يدْفن لصيق شَيْخه العباسى بمقبرة الفراديس وهيأ لَهُ قبراً ثمَّة قبل مَوته بِمدَّة يسيرَة فَدفن بِهِ وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا وأسف النَّاس عَلَيْهِ كثيرا رَحمَه الله تَعَالَى

عِيسَى بن مُسلم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن خَلِيل الصمادى الشافعى القادرى تقدم ذكر أَخِيه ابراهيم وَكَانَ الشَّيْخ فى شبيبته مَشْغُولًا باللذات وَكَانَ مُسْرِفًا فى الْمصرف ثمَّ تقلبت بِهِ الايام حَتَّى مَاتَ جسده وَأَبوهُ فولى المشيخة الصمادية بعد أَبِيه وَلما وَليهَا ترك مَا كَانَ عَلَيْهِ وأقلع عَنهُ وَقَامَ بالمشيخة أحسن قيام وَكَانَ حكام الشَّام يكرمونه حَتَّى انتدبه أَحْمد باشا الْحَافِظ للذهاب الى السردار مُرَاد باشا الى ديار بكر فى التَّخْفِيف فى النُّزُول فَذهب اليه وَقضى الامر وَسَار قبل ذَلِك الى مُرَاد باشا وَهُوَ فى حلب فى الانتقام من الامير على بن جانبولاذ مَعَ من سَار اليه من عُلَمَاء دمشق وأعيانها ثمَّ تقدم ونبل بعد موت الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين على سَائِر الصُّوفِيَّة حَتَّى انتهبته الْمنية قَالَ النَّجْم وجد بِخَط جده أَبى مُسلم أَن وِلَادَته كَانَت فى الثَّامِن وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سادس ذى الْحجَّة سنة احدى وَعشْرين وَألف وَدفن الى جَانب أَبِيه براويتهم الْمَعْرُوفَة دَاخل بَاب الشاغور رَحمَه الله تَعَالَى

‌حرف الْغَيْن الْمُعْجَمَة

غازى باشا ابْن شاهسوار الجركسى الاصل أحد وزراء الدولة العثمانية كَانَ من مشاهير فضلاء الوزراء مطلعا على كثير من الْمسَائِل والنكات عَارِفًا باللغات الْعَرَبيَّة والفارسية والتركية حَافِظًا لكثير من أشعارها كَانَ وَالِده من الامراء واقتفى هُوَ اثره فى طَلِيعَة عمره ثمَّ صَار أَمِير الامراء بِمَدِينَة قونية وَلما ولى الْوَزير البشير الوزارة الْعُظْمَى توجه من حلب قَاصِدا بِلَاد الرّوم وَمر على قونية فاستبدعاه وَوجه اليه نَبَات الشَّام فَقدم اليها فى نَهَار الْخَمِيس خَامِس جُمَادَى الاولى سنة خمس وَسِتِّينَ وَألف وَكَانَ شَابًّا خَفِيف اللِّحْيَة جميل المنظر وَكَانَ مَعَ حَدَاثَة سنه ورقة طبعه معرضًا

ص: 244

عَمَّا يَقْتَضِيهِ الشَّبَاب من غلوائه مُقبلا على محبَّة الْعلمَاء لَا يعرف لَهُ صبوة وَرُبمَا انه مَا نظر الى وَجه أَمْرَد وَحكى عَنهُ انه طلع يَوْمًا للتنزه فى الوادى التحتانى فَالتقى مَعَ جمَاعَة من أَرْبَاب الصَّنَائِع خَرجُوا للسير فأرسلوا لَهُ قهوة مَعَ شَاب مِنْهُم خالى العذار فَلم يَتَنَاوَلهَا مِنْهُ وَأمر بعض أَتْبَاعه من الكهول بمناولتها ثمَّ صرف عَن دمشق فى ثَالِث ذى الْقعدَة سنة خمس وَسِتِّينَ وجاءته رُتْبَة الوزارة وَهُوَ مُقيم بهَا ثمَّ رَحل الى الرّوم وَولى بعد مُدَّة مُحَافظَة مصر وَورد دمشق وَهُوَ مُتَوَجّه اليها وَذَلِكَ نَهَار الاربعاء عشرى ذى الْقعدَة سنة سبع وَسِتِّينَ وَاسْتمرّ بهَا حَاكما ثَلَاث سِنِين وَسيرَته فِيهَا الى الْآن مَذْكُورَة مشكورة ثمَّ عزل عَنْهَا وَأسْندَ اليه بعض أُمُور هُوَ برِئ مِنْهَا فحبس أَيَّامًا ثمَّ قتل وَدفن بالقرافة تجاه شباك الامام الشافعى رَحمَه الله تَعَالَى وَكَانَ قَتله فى سنة احدى وَسبعين وَألف وَمن لطائفه انه كتب اليه الاستاذ مُحَمَّد بن زين العابدين البكرى وَهُوَ فى السجْن رِسَالَة فى شَأْن مَال أَخذه مِنْهُ تَعَديا فى زمن تَوليته من جُمْلَتهَا ان كَانَ الذى أَخذ منا من المَال عَاد عَلَيْكُم فَأنْتم فِي حل مِنْهُ وان كَانَ عَاد الى الْغَيْر فَلَا بَأْس بالاعلام بِهِ لنسترجعه فَكتب اليه الْجَواب بَيْتا وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَهُوَ

(شربنا وأهرقنا على الارض فضلَة

وللارض من كأس الْكِرَام نصيب)

وَحكى انه لما قتل وجد فى جيبه كاغد مَكْتُوب عَلَيْهِ هَذِه الابيات وَكَانَ فى السجْن كثيرا مَا ينشدها وهى

(تجنوا لى ذنوبا مَا جنتها

يداى وَلَا أمرن وَلَا نهيت)

(وَلَا وَالله مَا أضمرت غدرا

كَمَا قد أظهروه وَلَا نَوَيْت)

(وَيَوْم الْحَشْر موقفنا وتبدو

صحيفَة مَا جنوه وَمَا جنيت)

(وَيحكم بَيْننَا الْمولى بِعدْل

فويل للخصوم اذا ادعيت)

قلت وَقد تداولت النَّاس هَذِه الابيات كثيرا وخمسوها وأغلبهم يظنّ انها من نظمه وَلَيْسَ كَذَلِك فانها للامير اسامة بن منقذ ذكرهَا فى تَرْجَمته ابْن خلكان وَلها أَبْيَات أخر فى أَولهَا مثبتة فى ديوانه وَكَانَ كتبهَا لابيه جَوَابا عَن أَبْيَات كتبهَا أَبوهُ اليه وهى

(وَمَا أَشْكُو تلون أهل ودى

وَلَو أَجدت شكيتهم شَكَوْت)

(مللت عتابهم ويئست مِنْهُم

فَمَا أرجوهمو فِيمَن رَجَوْت)

(اذا أدمت قوارصهم فؤادى

كظمت على أذاهم وانطويت)

(ورحت عليهمو طلق الْمحيا

كانى مَا سَمِعت وَلَا رَأَيْت)

ص: 245

تجنوا الى آخر الابيات

غرس الدّين بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن غرس الدّين بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن غرس بن مُحَمَّد بن ابراهيم بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الله بن عبد الْوَهَّاب ابْن عبد الفتاح بن عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الرَّحْمَن بن ابى سعيد سعد بن مَالك بن سِنَان بن ثَعْلَبَة بن عبيد بن الابجر خدرة بن عَوْف بن الْحَرْث بن الْخَزْرَج ابْن حَارِثَة بن ثَعْلَبَة بن عَامر بن امْرِئ الْقَيْس بن ثَعْلَبَة بن مَازِن بن الازد الخليلى ثمَّ المدنى الانصارى الشافعى الْمُحدث الْفَقِيه الاديب الْمَشْهُور صَاحب كتاب كشف الالتباس فِيمَا خفى على كثير من النَّاس أَلفه فى الاحاديث الْمَوْضُوعَة وَهُوَ كتاب جم الْفَائِدَة رَأَيْته ونقلت مِنْهُ أَشْيَاء من جُمْلَتهَا انه كَانَ

يَأْمر الاغنياء باتخاذ الْغنم وَيَأْمُر الْفُقَرَاء باتخاذ الدَّجَاج فَقَالَ // (لَا أصل لَهُ) // وَقد سبقه الى هَذَا الْوَضع جمَاعَة مِنْهُم الزركشى والسيوطى وَألف فِيهِ النَّجْم الغزى الدمشقى كِتَابه اتقان مَا يحسن فى الاحاديث الْجَارِيَة على الالسن لَكِن تأليف صَاحب التَّرْجَمَة أسهل مأخذا من الْجَمِيع وَله من التآليف أَيْضا نظم الْكَنْز ونظم مَرَاتِب الوحود للامام عبد الْقَادِر الجيلى فى رجز فى غَايَة الرقة والانسجام وَقد تولى شَرحه الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الله البوسنوى الرومى شَارِح الفصوص الْمَار ذكره لما كَانَ بَينهمَا من الْمَوَدَّة أَخذ بالقدس عَن الشَّيْخ مُحَمَّد الدجانى وَالشَّيْخ يحبى بن قاضى الصَّلْت امام الْمَسْجِد الاقصى وقارىء الْحَدث بِهِ ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة فى سنة سبع بعد الالف وَحضر بهَا دروس أَبى النجاسالم السنهورى فى البخارى والشفاء وَأخذ عَن الاستاذ زين العابدين البكرى والحافظ مُحَمَّد حجازى الْوَاعِظ وَرَأى فى مَنَامه وَهُوَ بِمصْر كَانَ النبى

أعطَاهُ رغيفا فَقص الرُّؤْيَا على سيدى ابى الاسعاد يُوسُف الوفائى فَأَشَارَ اليه بالذهاب الى الرّوم فَذهب اليها اذ ذَاك وَاجْتمعَ بالوزير الاعظم بِوَاسِطَة كتاب سيدى أَبى الاسعاد وَكَانَ تقدم لَهُ ولَايَة بِمصْر وَأَظنهُ بيرام باشا فَوجه لَهُ خطابة الْمَدِينَة وَعين لَهُ مَا يَكْفِيهِ فَهَاجَرَ الى الْمَدِينَة وسكنها وَتزَوج بهَا وَصَارَ بهَا منهلا للواردين لَا سِيمَا أهالى الْقُدس والخليل وأحبه أهل الْمَدِينَة وَعظم شَأْنه فِيمَا بَينهم وَوَقع لَهُم أَمر خطير فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف احتاجوا الى عرضه للسلطنة فَأَرْسلُوهُ الى السُّلْطَان وَمَعَهُ الشَّيْخ الْفَاضِل مُحَمَّد ميرزا السروجى الدمشقى نزيل الْمَدِينَة فوصلا الى دمشق صُحْبَة الركب الشامى وَكَانَ

ص: 246

السُّلْطَان اذ ذَاك قد رَجَعَ من فتح بَغْدَاد وَوصل الى حلب فَخَرَجَا من دمشق ووصلا اليه وتمت الامور الَّتِى أرسلا لاجلها وَاجْتمعَ صَاحب التَّرْجَمَة بوزير السُّلْطَان الْمَذْكُور مصطفى باشا وَكتب اليه قصيدة يحثه فِيهَا على ازالة العبيد الخصيان من الْمَسْجِد النبوى وَالْقَصِيدَة هَذِه

(يَا مصطفى بالمصطفى العدنان

وبآى قُرْآن عَظِيم الشان)

(لَا تجعلن على الْمَدِينَة أسودا

شَيخا على حرم النبى العدنان)

(وَكَذَلِكَ الحبشان أَيْضا منهمو

فهمو همو لَا خير فى الحبشان)

(بل جَاءَ فى خبر رَوَاهُ بَعضهم

هَا لَفظه لَا خير فى الحبشان)

(قوم لَهُم طمع شَدِيد زَائِد

لَا يشبعون من الحطام الفانى)

(لَوْلَا المخافة مِنْهُم لاتاكم

شاكون من هم وَمن أحزان)

(واذا أردتم أَنكُمْ تتيقنوا

أَحْوَالهم من غير مَا بهتان)

(فلتسألوا حنفى أفندى عَنْهُم

يُخْبِركُمْ عَن خلسة الْغرْبَان)

(مَا كل مَا يدرى يُقَال وَأَنْتُم

أدرى بطيش السَّادة الخصيان)

(يستنزلون لاخذ مَا قد جَاءَ من

صدقَات خير للْفَقِير العانى)

(فَيُصِيب أهل الْفضل من صَدقَاتكُمْ

مَا سَاءَ هم من أسْهم الحرمان)

(فَانْظُر لنا شَيخا تقيا صَالحا

مستنزها عَن ذَا الحطام الفانى)

(ان لم يجز الاخصيا اسودا

فاخصوا لنا شَيخا من البيضان)

(يَا وَيحكم ان لم تراعوا حَقنا

يَوْم الْحساب بِحَضْرَة الديَّان)

(يَوْمًا تَكُونُوا مثلنَا مَا ان لكم

فى النَّاس من أَمر وَمن سُلْطَان)

(هدى نصيحة غرسكم فى رَوْضَة الهادى الى الاسلام والايمان

)

(يَدْعُو لسلطان الورى ولمصطفى

سيف الاله وعاضد السُّلْطَان)

وَلما عَاد صَاحب التَّرْجَمَة أنزلهُ الْفَاضِل أَحْمد بن شاهين عِنْده وَأَقْبَلت عَلَيْهِ عُلَمَاء دمشق وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من أَهلهَا مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن على المكتبى وَذكره فى ثبته وَأثْنى عَلَيْهِ قَالَ وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه نظم لنا الشمايل فى لَيْلَة وَاحِدَة فِيمَا بَين الْمغرب وَالْعشَاء وَكتب عَنهُ أناشيد وأمالى لنَفسِهِ وَلغيره فَمن ذَلِك قَوْله

(انى لَا عجب مِمَّا

صَار الزَّمَان اليه)

(اذا مَا بَكَيْت لدهر

الا بَكَيْت عَلَيْهِ)

ص: 247

وَقَوله

(اذا رَأَيْت وليا

مغرى بحرص وبخل)

(فَلَيْسَ ذَاك وليا

للرب بل عبد جهل)

وَقَوله فى العقد

(لقد قَالَ النبى مقَال صدق

يرَاهُ بالبصيرة كل رائى)

(أَتَى مَعْنَاهُ منظوما بِشَطْر

وَشطر مِنْهُ بالنظم السوَاء)

(وبعدى مَا تركت هُنَاكَ فتْنَة

أضرّ على الرِّجَال من النِّسَاء)

وَكتب على كتاب من شعره

(هَذَا كتاب حَقه يشترى

بِالذَّهَب المحبوب بَين الورى)

(تقدم الْعَالم اخباره

ان أخر الْجَاهِل خلف الورى)

وَكتب الى بعض تلامذته من أهالى الْقُدس وَهُوَ الشَّيْخ يُوسُف العسيلى

(يَا من اليه تشوقى وتشوفى

قلبى يحدثنى بأنك متلفى)

(هَل قد عرفت باننى لَك مصطفى

روحى فدَاك عرفت ام لم تعرف)

(وَلَقَد أَقُول للائمى فى حبكم

أيلام من يهوى الْجمال اليوسفى)

(ان جئتنى مصرا فقد أسعفتنى

يَا خيبة الْمَسْعَى اذا لم تسعف)

(مَا حبنى بِالصّدقِ شخص غَيْركُمْ

حَقًا وَكَيف يحب من لم يعرف)

(أَوْفوا لما واعدتمونى سرعَة

كرما فانى ذَلِك الْخلّ الوفى)

(لَو قد وهبت مبشرى بقدومكم

روحى وَحقّ جمالكم لم أنصف)

(وَلَقَد كلفت بحب أصلكم لذا

كلفى بكم خلق بِغَيْر تكلّف)

وَله قصائد فى مدح الشريف زيد بن محسن شرِيف مَكَّة نظمها على حُرُوف المعجم من الالف الى الْيَاء كل قصيدة عشرَة أَبْيَات وقفت عَلَيْهَا وانتقيت مِنْهَا قصيدتين فَالْأولى مِنْهُمَا مطْلعهَا

(خليلى ان الْحبّ بالصب عابث

فَكيف التسلى وَهُوَ فى الْقلب لابث)

(رَأَيْت ظباء قد تراءين فى الضُّحَى

لعينى عني بالعيوب عوابث)

(وَلَو كَانَ رمحا وَاحِدًا لاتقيته

وَلكنه رمح وثان وثالث)

(فَمن منقذى من وقذهن فاننى

وقيذ فَهَل لى من وقيذيما غث)

(تطلبت غطريفاً عطوفا يجيرنى

يكون لَهُ فى الْملك قدما توارث)

(فنوديت هَذَا وصف زيد بن محسن

قمين بِهِ فَهُوَ الشجاع الشنابث)

(فطرت سُرُورًا وامتطيت طمرة

تبارى هبوب الرّيح وَالرِّيح عابث)

ص: 248

فَجئْت الى الْمولى الشريف أَبى الضَّعِيف لبّى ضَعِيفا وَهُوَ فى الْملك ماكث

(غَدَوْت عَلَيْهِ فاغتدوت بروحة

ورحت وروح الْقُدس فى الروع نافث)

وَالثَّانيَِة أَولهَا

(وادى الاباطح بالعبير تأرجا

أم عطر عزة فى الصَّباح توهجا)

(أم أشرقت شمس الْجَلالَة ضحية

أم وَجه عزة بالجمال تبلجا)

(أم زيد الْمولى الشريف أَتَى الى الْحرم الشريف فَمن سناه أبلجا

)

(لَا تعجبوا مِمَّا رَأَيْتُمْ انما

نور النُّبُوَّة فى الْبُنُوَّة أبهجا)

(أَو مَا علمْتُم أَن نور مُحَمَّد

فى نسل فَاطِمَة بدا متبلجا)

(فهم شموس للهدى وهم بحور للندى وهم بدور للدجا

)

(وهم اذا كشف الغطاء رَأَيْتهمْ

للْمُؤْمِنين بغبر مين زبرجا)

(مَاذَا يَقُول المادحون وربهم

أثنى عَلَيْهِم فى الْكتاب المرتجى)

(أبقاهم الْمولى وَأبقى زيدهم

فى ملكة كَيْمَا يؤم ويرتجى)

(مُتَمَتِّعا بمقامه ومقامه

وذمامه اذبابه مَا أرتجا)

وَمن شعره قَوْله فى القهوة

(دع الصَّهْبَاء واشرب صرف قشر

مشعشعة تَدور بكف بدر)

(وان شِئْت الشفا بَادر سَرِيعا

الى حَان لَهَا قد حَان بدرى)

(فَمَا الْيَاقُوت فى لون نضير

وَمَا لون النضار ولون تبر)

(دع الْفَارُوق ان رمت التداوى

وخذها فهى للاسقام تبرى)

(كَانَ حبابها المنظوم عقد

من الْيَاقُوت يجلى فَوق نحر)

(سأسعى نَحْو مروتها ألبى

ليصفو بالصفا صدرى ونحرى)

(نَدِمت ندامة الكسعى عَلَيْهَا

لما قد فَاتَ من أَيَّام عمرى)

(سأدمن شربهَا مَا دمت حَيا

وَلَا أصغي إِلَى زيد وَعَمْرو)

(وأجلو عين أغيارى وهمى

بصافيها سحيرا قبل فجر)

(فرأيى الْآن يَا من رام نصحى

اذا شاهدتها فى الحان فَاجر)

(وَلم لَا وهى مشروب العوالى

من السادات فى بَحر وبر)

(هى الراح المريح لكل روح

وَلم تمزج وَلم تُوجد بعصر)

(وكل مُخَالف فِيهَا فانى

أسفه قَوْله من أهل عصرى)

ص: 249

(فَقل ان قَالَ سَاقيهَا المفدى

جبا يَا مرْحَبًا واشكر بشكرى)

(وخذها من يَدَيْهِ فى حُضُور

مَعَ الساقى الْمليح بِغَيْر سكر)

(فَلَا غول وَلَا تأثيم فِيهَا

وَلَيْسَت مرّة بل طعم تمر)

(وان غالى الْمُحب وَقَالَ شهد

أُجِيب نعم اذا مَا كَانَ تمرى)

(وَلَوْلَا مد حَتَّى للبن قبلا

لعدت لَهُ بهجو ثمَّ هجر)

(لبئس طباعه وَسَوَاد قلب

لَهُ فَهُوَ الحرى بِكُل هجر)

ونقلت من تذكرة القاضى أَحْمد بن عِيسَى المرشدى قَالَ ورد علينا فى أثْنَاء عَام خمس وَأَرْبَعين وَألف الشَّيْخ الاوحد الاكمل غرس الدّين الازهرى المقدسى الْخَطِيب والامام بالروضة المشرفة على صَاحبهَا أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يؤانسه أهل مَكَّة فَقَالَ معرضًا

(عُلَمَاء مَكَّة جاوزوا الافلاكا

عزا وَحقّ لَهُم لعمرى ذَا كَا)

(لَوْلَا الرياسة فى رُؤْس نُفُوسهم

كَانُوا وحقك كلهم أملاكا)

وَقَالَ أَيْضا

(جيران مَكَّة جيران الاله لذا

لَا يعبأون بِمن قد غَابَ أَو حضرا)

(لَوْلَا الطبيعة عاقدتهم لَكَانَ لَهُم

اسراء روح بسر السِّرّ قد ظفرا)

فَقَالَ بعض السَّادة الاشراف الْمُتَّصِل محتدهم الزاكى بالمغيرة بن عبد منَاف فَخر الشَّجَرَة الَّتِى أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السما أكْرم بِهِ نسبا ومنتمى على طَرِيق الْجَواب عَن المكيين

(لله دَرك من أديب بارع

بذكائه مَا يعجزا الادراكا)

(أَحْسَنت اذ أتحفتنا ببدائع

بهرت وان جَادَتْ فدون نداكا)

(فجها بذا الْبَيْت الْحَرَام مذيعة

بأريج مدح من بديع ثناكا)

(وهم الحجاحج وَالَّذين سموا بِمن

خرم السما واستخدام الاملاكا)

(لَا غروان جازوا الاثير بفضلهم

وعلوا بِحَق جواره الافلاكا)

وَعَن الثانيين

(يَا مفلقا لم يزل فى كل غامضة

يبدى بهَا فلقا بِالْحَقِّ قد ظهرا)

(وبحر علم تحلى من فرائده

جيد البلاغة عقدا يفضح الدررا)

(أثنيت حَقًا وَعين الْفضل شاهدة

وَأَنت انسانها الرائى بِغَيْر مرا)

(لَكِن اليك اعتذار مِنْهُم فذوو الافضال يعْذر من قد جَاءَ معتذرا

)

(لم يتركوك لاهمال ومنقصة

لَكِن حجبتهم فالذنب مِنْك يرى)

وأجابه أَيْضا القاضى الْفَاضِل تَاج الدّين المالكى

ص: 250

(جيران مَكَّة غرس الدّين أينع فى

قُلُوبهم باسقا يهدى الْهدى ثمرا)

(سقوه من أنهر الاخلاص صافيها

فاخضل يطلع من أكمامها زهرا)

(وَمن يكن روض غرس الدّين مهجته

أسرى وفاز بسر السرحين سرا)

(بِهِ قد اتحدوا اذ كَانَ بَينهم

تواصل معنوى من أَلَسْت جرى)

(فَحَيْثُ دارت كؤس الِاتِّحَاد على الارواح مَا اعْتبر والاشباح والصورا

)

فَأجَاب الشَّيْخ غرس الدّين معتذرا

(يَا شهم مَكَّة يَا تَاج الرؤس بهَا

يَا شهم مَكَّة قد بَكت من عذرا)

(يَا حبر علم يُفِيد الطالبين بهَا

يَا بَحر فهم بِهِ نستخرج الدررا)

(يَا رب حذق غَدا رب الْبَيَان لَهُ

عبدا وَألقى عَصا التَّسْلِيم مفتقرا)

(يَا ألمعيا أَضَاءَت من لوامعه

مَشَارِق الذِّهْن بالذوق الذى بهرا)

(يَا لوذعيا بلاعى يمازجه

أعيا وأضخم كلا قَالَ أَو شعرًا)

(يَا رب ظرف ولطف كسرا خطأ

أَغْصَان غرسى على بعد وَمَا شعرًا)

(هَل ترفين الذى أخلقت من حللى

أَو تقبلن الذى يَأْتِيك معتذرا)

فَأَجَابَهُ القاضى بقوله

(كللت اكليل تاجى بالثنا دررا

لما بعثت بِعقد الْمَدْح معتذرا)

(مضمخا طيب شكر عرف نفحته

كروض غرسك حيته الصِّبَا سحرًا)

(غرس روى حِين روى الْفضل منبته

للسمع نواره عَن طيبه خَبرا)

(غرس من المبدأ الْفَيَّاض قد سقيت

أعراقه فسما يهدى الْهدى ثمرا)

(انى عقدت وَقد عرضت مُعْتَرضًا

لعرض قوم ثناهم لم يزل عطرا)

(هَذَا الى مَا هُوَ الاحرى بناوبه

اذا اقتفينا طَرِيق الْقَوْم والاثرا)

(فخرقة الْفقر ان لم يوف لَابسهَا

بشرطها نَبَذته كاسيا بعرا)

(عودا لبدء فمم الِاعْتِذَار وَلم

تقر اذ قلت بَكت الذى عذرا)

(وَقلت فى حق من جازى وَعرض لم

يشْعر وأغصان غرسى مخطئا كسرا)

(قد حصحص الْحق فَاعْلَم أَنما كسرت

أَغْصَان غرس الذى أخطا وَمَا شعرًا)

(أقرر بذنبك ثمَّ اطلب تجاوزهم

عَنهُ فجحدك ذَنْب غير مَا غبرا)

(قضى بِمَا جرت الاقلام مِنْك بِمَا

جرى بِهِ الْقَلَم المحتوم حِين جرى)

(يكبوا الْجواد وَمن يعثر يقل كرما

فنسأل الله غفرانا لمن عثرا)

ص: 251

ونقلت أَيْضا من التَّذْكِرَة الْمَذْكُورَة قَالَ القاضى أَحْمد كَانَ الشَّيْخ غرس الدّين كتب الى مَوْلَانَا القاضى تَاج الدّين أبياتا ذكرنى فِيهَا مُجَرّد داعن الناصب والجازم بِأَن قَالَ

(وَأحمد المرشدى فى ذَاك قد حضرا

)

ثمَّ اعتذر منى فَكتبت اليه سِتَّة أَبْيَات وَأَرَدْت أكملها فأكمل عَلَيْهَا مَوْلَانَا السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود سِتَّة أُخْرَى وبعثتها اليه وهى

(غرسنا لغرس الدّين فى قلبنا الودا

فَأطلع من أكمام أفواهنا الوردا)

(فعطر لما أَن جنته يَد الوفا

وَضاع فأذكى عرفه العنبر الوردا)

(سقيناه من عذب التصافى زلاله

وَمَا كدرت منا لَهُ جفوة ودا)

(رعى الله من يرْعَى أَخَاهُ اذا هفا

ويوسعه عَن أَن يُقَابله حمدا)

(وَذَلِكَ غرس الدّين لَا زَالَ باسقا

بروضة من يسقى غرائسه المبدا)

(وبذكر عهدا أحكمت فى قُلُوبنَا

أَو اخيه ايدى الود أكْرم بِهِ عهدا)

(امام سما فَوق السماك بأخمص

وجاوزه حَتَّى سما الابْن والحدا)

(وناظم أشتات الْعُلُوم بنثره

فينظمه فى جيد أهل الحجا عقدا)

(وَكَاشف ليل الْجَهْل من صبح علمه

بشمس فتكسوه أشعتها بردا)

(أتيت بِفضل فاستحقيت شَاهدا

لاحمد فاستوليت عَنى بن مجدا)

(وأظهرت بالافضال مَا كنت مضمرا

فَكنت بِهِ أَحْرَى وَكنت بِهِ أجدى)

(وَلَا عجب سبق الْجِيَاد لانها

معودة بِالسَّبقِ ان كلفت شدا)

فأجابهما بقوله

(أَقُول وَقد غلبت خير كَمَا جدا

وَقَاعِدَة التغليب مَعْرُوفَة جدا)

(حمدت الهى أَن غرست لنا الودا

أيا أَحْمد السامى سماك السما حمدا)

(فأينع غرسى بَعْدَمَا كَانَ ذاويا

وأطلع عَن أكمامه الزهر والوردا)

(وان دَامَت السقيا لَهُ من وصالكم

سيثمر فى روض الرَّسُول لكم ودا)

(هَنِيئًا لغرس صَار أَحْمد ساقيا

لَهُ من عُيُون الود كأس الصَّفَا وردا)

(فظل يُرَاعى عَهده فى مغيبه

ويبنى لَهُ فى بَيت مدحته عقدا)

(وَذكره عهدا أَو اخيه أحكمت

يَد الود فى أَرْوَاحنَا العقد والشدا)

(وعذرا لانى قادم وتراهم

يَقُولُونَ فى الامثال وَالْحق لَا يعدى)

(لكل غَرِيب قادم دهشة اللقا

بهَا يدأ الحذاق عَن رَبهَا الحدا)

(وهبنا تجاوزنا الْحُدُود ألستم

تقيلون من أخطا وَمن قد جنى عمدا)

ص: 252

(اذا لم تَكُونُوا هَكَذَا فتخلقوا

بأخلاق مولى يملك الغى والرشدا)

(لعمرى لَو كنت البليغ خطابة

وأخطبت من قس الايادى من عدا)

(ورمت بِأَن أحصى فَضَائِل أَحْمد

لما استوعبت نفسى فضائله عدا)

(هُوَ ابْن الرَّسُول الْمُصْطَفى وذوى الصَّفَا

بنى حسن الْحسنى الَّذين سموا مجدا)

(مُلُوك مُلُوك الارض رق ولائهم

وحبهم أنجى وبغضهم أردى)

(لَهُم حُرْمَة يعنوا لَهَا كل مُسلم

بهَا أخذا الْمولى علينا لَهُم عهدا)

(فَللَّه آدَاب بِغَيْر تطبع

وَلَكِن من سر الرَّسُول بهَا مدا)

(وأد بنى ربى لَهُ مِنْهُ قسْمَة

بِفَرْض وبالعصيب من ارثه مدا)

(وَللَّه شعر جَاوز الشّعْر رقة

وَجَاوَزَ للشعرى العبور بِمَا أبدى)

(وَلَا عجب من ذَاك عندى وربه

بعزته قد جَاوز الاين والحدا)

(وناظم عقد المكرمات بكفه

وينثره جودا فيحيى بِهِ فقدا)

(وَكَاشف ليل الكرب عَن عرش عزمه

بعزم كَانَ الْكَوْن من أيده مدا)

(وَقد كَانَ مِنْك الْفضل قدما مقدما

بسابقة تستوجب السعى والعودا)

(فأظهرت بالابيات مَا كَانَ مدغما

ويممت بالاخفاء بَيْتا حوى عودا)

(فشمت بِهِ تاجا على الرَّأْس مشرقا

فعانقته حبا وهمت بِهِ وجدا)

(وداخلنى مِنْهُ حَيَاء ودهشة

لما كَانَ من وهم فأورثنا حقدا)

(وقابلته بالرحب والبشر فرحة

وَلم نر مِنْهُ حِين حَان اللقا صدا)

(وَلَا عجب سبق الْجِيَاد فانها

معودة بِالسَّبقِ مَا كلفت شدا)

(وَلست بحمصى كَمَا قَالَ باهت

وَلَكِن خليلى تميمى استهدى)

(وجدى من الْآبَاء فِيمَا روى أَبُو

سعيد هُوَ الخدرى وَأكْرم بِهِ جدا)

(وَذَاكَ من الانصار أنصار جدكم

رَسُول بِهِ نلنا علا الْجد والجدا)

(عَلَيْهِ صَلَاة الله ثمَّ سَلَامه

وَآل وَصَحب والمحب لَهُم جدا)

(أجدك هَذَا الْقدح فِيمَن يحبكم

ويحمدكم مدحا ويمدحكم حمدا)

(وَمَا أصلتت كَفاك يَا مُطلقًا على الاعادى سَيْفا باترا مَاضِيا حدا

)

(فحسبى علم الله وَالله عدتى

وَذمَّة خير الرُّسُل تكفى من استعدى)

وَقد ذكره الفيومى فى المنتزه والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى تَارِيخه بِالْجُمْلَةِ ففضائله وآثاره كَثِيرَة معجبة وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَخمسين والف وَدفن الى جَانب

ص: 253