الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بظاهرها وَبنى بهَا قلعة عَظِيمَة وفى عشر الْحجَّة حصل مهادنة بَين قانصوه وَبَين الامام الى سنة أَرْبَعِينَ بعد الالف وَأرْسل اليه مُحَمَّد ولى وَجَمَاعَة من أعيانه فكساهم وأنعم عَلَيْهِم ثمَّ رجعُوا الى المخا وفى أَربع عشر الْحجَّة طلب قانصوه يُوسُف الكتخدا فَأمر بِضَرْب عُنُقه فى الدِّيوَان فَقَامَ عَلَيْهِ الْعَسْكَر وحصروه فى القلعة نَحْو خَمْسَة عشر يَوْمًا فَصَالحهُمْ بِزِيَادَة فى علائفهم وشرطوا عَلَيْهِ قبض سَبْعَة أَنْفَار من جماعته اثْنَان قتلوهما وَأَرْبَعَة أودعوهم كران وَالسَّابِع فر بِنَفسِهِ وَنَجَا ثمَّ حصل بَينه وَبَين الْعَسْكَر مُنَافَسَة فأحاطوا بِهِ ورسموا عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَيَّام وحبسوا أكَابِر الامراء بالمخا ثمَّ اتّفق الصُّلْح بَينهم على زِيَادَة فى علائفهم ثمَّ كَانَ فى كل شهر يحدث بَينه وَبَين الْعَسْكَر حوادث حَتَّى اسْتَحَالَ جمَاعَة مِنْهُم الى الزيدية وعزم من عزم مِنْهُم الى الشَّام وَلم تزل الشحناء بَينهم ثمَّ فى سنة خمس وَأَرْبَعين حصلت وقْعَة بَين قانصوه وَبَين الْحسن وَقتل جمَاعَة من الْفَرِيقَيْنِ ثمَّ فى شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة خرج قانصوه الى الْحسن وَدخل تَحت طَاعَته وَصَارَ من أَتْبَاعه ثمَّ جهزه الْحسن يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث جُمَادَى الاولى وَأَعْطَاهُ نَحْو خمسين حصانا بسلاحها وعددها وَنَحْو خمسين جملا باحمالها وَجُمْلَة من الاموال وجهز مَعَه جمَاعَة وَجعل صحبتهم السَّيِّد التقى بن ابراهيم الى مَكَّة فوصل اليها وَمكث بهَا أَيَّامًا ثمَّ توجه الى الرّوم وَمَات بهَا وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَسِتِّينَ وَألف
حرف الْكَاف
كَمَال بن مرعى العيثاوى الدمشقى الْفَقِيه الشافعى كَانَ من الْفُقَهَاء الاجلاء درس بِجَامِع دمشق وانتفع بِهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وَكَانَ متقشفا صلبا فى دينه كثير الصلف مخالطا للْعُلَمَاء منخرطا فى سلكهم يُرَاجِعهُ النَّاس فى مهامهم وَكَانَ وافر الْحُرْمَة مَقْبُول الْكَلِمَة عِنْد الْعَوام وَكَانَت وَفَاته سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف
كيوان بن عبد الله أحد كبراء أجناد الشَّام كَانَ فى الاصل مَمْلُوكا لرضوان باشا نَائِب غَزَّة ثمَّ صَار من الْجند الشامى وسرداراً عِنْد صوباشى الصالحية فَنزع الى التعدى وَأخذ النَّاس بالتهمة وتطاول الى أَخذ أملاكهم حَتَّى استولى على أَكثر بساتين الربوة والمزة وَضم بَعْضهَا الى بعض وَكَانَ اذا أَخذ حِصَّة فى مَكَان احتال على الشُّرَكَاء فِيهِ حَتَّى يَأْخُذ أشقاصهم طَوْعًا أَو كرها وَكَانَ يساعده على ذَلِك نواب محكمَة الْبَاب
وأعيان شهودها ويبالغون فى نصيحته فى كِتَابَة التمسكات يعلمونه الْحِيلَة وَهُوَ يُبَالغ فى اكرامهم وَمن غَرِيب خَبره أَنه كَانَ مُسْتَأْجرًا لبستان من بساتين وقف بنى العنبرى قرب المزة وَكَانَ ملاصقا لبساتين بِيَدِهِ فَطلب من نَاظر الْوَقْف أَن يَأْذَن لَهُ بِقطع الْغِرَاس ويحكره أَرض الْبُسْتَان فَلم يفعل وَوَقع بَينه وَبَينه مشاجرة فَأدى طغيان كيوان الى أَن جمع جمعا من الفلاحين وأتى بهم إِلَى الْبُسْتَان لَيْلًا وَأمرهمْ بِقطع جَمِيع غراسه الْكَبِير فَفَعَلُوا وغرسوا مَكَانَهُ غراسا لطيفا وحرثوا الارض وغيروا حُدُود الْبُسْتَان وبابه وأضافوه الى بساتينه ثمَّ استدعى قاضى الْقُضَاة بِالشَّام للكشف عَلَيْهِ وأحضر أَوْلَاد العنبرى فَادعوا أَن الْبُسْتَان دَاخل فى وقفهم وأبرزوا كتاب الْوَقْف فقرئ بالمحضر الْعَام فَلم توَافق الْحُدُود والغراسات فَمَنعهُمْ القاضى وسلط يَد كيوان على الْبُسْتَان وبقى كيوان يترقب لِابْنِ العنبرى النَّاظر فرْصَة ليوقعه فى هَلَاك حَتَّى قدم نَائِب الشَّام مُحَمَّد باشا فى سنة احدى بعد الالف فتقرب مِنْهُ كيوان وأطعمه بجريمة عَظِيمَة فى أَن يُوقع بِابْن العنبرى فعلا فَأمر مناديا يُنَادى على الخواجا مُحَمَّد بن العنبرى بِأَن من لَهُ عِنْده من جِهَة بُسْتَان أَو مُعَاملَة أَو ظلمه أَو زور عَلَيْهِ فليحضر فى غَد بعد صَلَاة الْجُمُعَة الى الحجاجية وَهُوَ بُسْتَان بِالْقربِ من القنوات كَانَ قد ادّعى الْمَذْكُور أَنه اشْترى نصفه من رجل وأبرز تمسكات تشهد بذلك فَلَمَّا كَانَ من الْغَد بعد صَلَاة الْجُمُعَة صلى الباشا فى السنانية وَأرْسل خلف الشَّيْخَيْنِ الشَّيْخ مُحَمَّد وأخيه الشَّيْخ ابراهيم ابنى سعد الدّين فَخَرَجَا من الْجَامِع بالفقراء وانضم اليهما من رعاع النَّاس من لَا يحصر وَأرْسل الباشا الى القاضى فَحَضَرَ وَأمر باحضار ابْن العنبرى فأحضر وَعقد لَهُ مجْلِس بالبستان وَادّعى عَلَيْهِ السَّيِّد مُحَمَّد الجعفرى بِأَن من الجارى فى وقف السَّبع النورى الْبُسْتَان الْمَعْرُوف بالحجاجية وان الخواجا مُحَمَّد الْمَذْكُور وضع عَلَيْهِ يَده بِغَيْر طَرِيق فَسئلَ عَن ذَلِك فَأجَاب بِأَن نصفه بِيَدِهِ بطرِيق الاجارة وَالنّصف الآخر بطرِيق الشِّرَاء من فلَان وأبرز من يَده تمسكات تشهد لَهُ بطبق جَوَابه فأبرز الجعفرى مَا يدل على أَن جَمِيع الْبُسْتَان وقف السَّبع النورى فَقَالَ لَهُ القاضى يَا رجل هَذَا ظهر بِهِ كتاب وقف يشْهد بوقفيته فَكيف تشترى مَا هُوَ وقف فَقَالَ لم أعلم بِكَوْنِهِ وَقفا وانما اشْتَرَيْته على كَونه ملكا كَمَا يشْهد لى بذلك هَذِه التمسكات على أَنى لما اطَّلَعت على كَونه وَقفا خرجت عَنهُ وأعدته وَقفا كَمَا كَانَ وَأظْهر تمسكا يشْهد باعادته وَقفا كَمَا كَانَ فَقَالَ لَهُ
القاضى يلزمك ريع مُدَّة وضع يدك عَلَيْهِ فَقَالَ ان لزمنى شئ دَفعته فَقَالَ لَهُ القاضى ألزمتك بِمِائَة قبرصى بدل ريعه الذى اسْتَوْفَيْته مِنْهُ فَقَالَ نعم أدفَع ذَلِك فَلَمَّا لم يظْهر فى هَذِه الدَّعْوَى نتيجة كَبِيرَة قَالَ الجعفرى لِلشَّيْخَيْنِ وَمن مَعَهُمَا يَا مَشَايِخنَا وَيَا سَادَاتنَا مَاذَا تَقولُونَ فى هَذَا الرجل وفى سيرته فَقَالَ الشَّيْخَانِ نشْهد أَنه رجل مزور مُفسد ورموه بِأُمُور وأجابهم النَّاس من كل جَانب هَذَا مزور مُفسد وَاجِب الْقَتْل وأمثال هَذَا حَتَّى صَار لِلْخلقِ ضجة عَظِيمَة فَأمر برده الى القلعة وَالنَّاس خَلفه يضجون عَلَيْهِ قيل كَانَ هيأ هم لذَلِك كيوان وَوَقع بعد ذَلِك ان الباشا أَمر بدمع الخواجا مُحَمَّد بن العنبرى فدمغ بالنَّار فى جَبهته وَأَنْفه وَوَجهه وأركب حمارا مقلوبا وكشف رَأسه وعرى حَتَّى صَار بالقميص وطيف بِهِ فى أسواق دمشق وشوارعها هَذَا جَزَاء من يزور على أوقاف نور الدّين الشَّهِيد ثمَّ بعد التطواف بِهِ أُعِيد الى القلعة وحزن النَّاس عَلَيْهِ حزنا عَظِيما وكل ذَلِك كَانَ بتدبير كيوان لعداوته لَهُ ثمَّ عظم أَمر كيوان وانتقل الى سردارية دمشق وَأخذ أكَابِر أَهلهَا بالحيلة وعوامهم بالرهبة وَكَانَ لَهُ كتخدا يُقَال لَهُ ابراهيم بن البيطار وَكَانَ من أَخبث النَّاس وأسعاهم فى الاذية وَكَانَ من جملَة خيانته أَنه يحتال بنسوة عِنْده بِأخذ الْمَرْأَة مِنْهُنَّ حليا أَو حَاجَة من نسَاء الاكابرا اما على سَبِيل الْعرض على البيع أَو على سَبِيل الْعَارِية وتأتيه بِهِ فَيَأْخذهُ فى كمه وَيذْهب الى ولى تِلْكَ الْمَرْأَة وَهُوَ مظهر لحزنه وهمه ثمَّ يطلعه على مَا يكون مَعَه سر اَوْ يَقُول لَهُ قد دفعت الْيَوْم عَنْك شرا فان صَاحِبَة هَذَا الْمَتَاع أَخذهَا البارحة جمَاعَة العسس فى جمعية فَخفت عَلَيْك من عائلة هَذِه الْقِصَّة فَقلت هَذَا الْمَتَاع لبنتى أَو لاختى خُذ هَذَا الْمَتَاع واكتم هَذَا السِّرّ وَقد وزنت عَنْك لكيوان كَذَا وَكَذَا فَمَا يسع الرجل الا أَن يدْفع اليه المَال ويتحمل منته وَلم يزل كيوان على تجريه حَتَّى وَقع بَينه وَبَين الْجند فتْنَة عَظِيمَة وصمموا على قَتله وَقتل كتخداه ابْن البيطار فاختفيا ثمَّ هرب ابْن البيطار فلحق بالدروز ثمَّ نزل فى الْبَحْر وسافر الى مصر وضبطت أَمْوَاله واصطلح كيوان مَعَ الْجند بعد أُمُور جرت وَبقيت الضغينة فى قلبه لَهُم وَلما كَانَت فتْنَة الامير على بن جانبولاذ تعين لمحاربته الامير يُوسُف بن سَيْفا كَمَا تقدم وَمَعَهُ أُمَرَاء الشَّام فبعثوا كيوان الى أَحْمد باشا أَمِير غَزَّة ليأتى بِهِ فَوَافَقَ وُصُوله موت أَمِير غَزَّة وَكَانَ ابْن سَيْفا والعساكر تلاقوا مَعَ ابْن جانبولاذ وكسروا فوصل خبر الكسرة الى غَزَّة فَرجع كيوان مِنْهَا الى ابْن معن وَحمله
على معاونة ابْن جانبولاذ واغتنم الفرصة وَمَا زَالَ بِابْن معن حَتَّى قوى رَأس ابْن جانبولاذ على الْمسير الى دمشق وانْتهى حرمتهَا وانتهبوا مَا أمكنهم نهبه من خَارِجهَا ثمَّ ان السُّلْطَان عين الْوَزير مُرَاد باشا لمقاتلة ابْن جانبولاذ فَلَمَّا وصل الى حلب قَاتله وفتك فِيهِ وفى أعوانه من السكبانية حَتَّى كَاد يَسْتَأْصِلهُمْ فَذهب أهل الشَّام اليه للشكاية على ابْن معن فَتوجه كيوان الى جَانب الْوَزير وخدعه بِمَال كثير كَانَ مَعَه من ابْن معن فَترك الْوَزير ابْن معن على حَاله ثمَّ رَجَعَ كيوان الى دمشق بالاموال السُّلْطَانِيَّة من عِنْد ابْن معن وَاسْتقر قَلِيلا ثمَّ عَاد الى الْفِتَن وَرجع ابْن معن الى التمرد على حكام الشَّام حَتَّى وَليهَا الْحَافِظ أَحْمد باشا الْوَزير فكاتب فى شَأْنه الى عتبَة السُّلْطَان فَجهز اليه العساكر من أول ولَايَة أَنا طولى الى أَرض دمشق ثمَّ خرج الى ابْن معن فَحصل لَهُ ولكيوان رعب شَدِيد وَاقْتضى رأيهما آخرا الى أَن نزلا الْبَحْر ولحقا بِبِلَاد الفرنج واستقرا هُنَاكَ الى ان عزل الْحَافِظ عَن ولَايَة الشَّام فَخرج كيوان من صيدا وَحده وَترك ابْن معن فى بِلَاد الفرنج ليكشف لَهُ الْحَال فَرَأى مُحَمَّد باشا الْوَزير قد صَار سرداراً على الْعَجم وَنزل حلب وَأَرَادَ تَصْحِيح أَمر الشَّام فَخرج اليه الامير يُونُس بن الحرفوش أَمِير بعلبك وكيوان وتوافقا مَعَه على أَن يهدما قلعة الشقيف وقلعة بانياس ويسلما اليه مَالا وتعطى الْبِلَاد لِابْنِهِ الامير على وطلبا الامان للامير فَخر الدّين فجَاء من بِلَاد الفرنج وَكَانَ كيوان قد اسْتَقر بِدِمَشْق فأظهر أَنه انْفَرد عَن ابْن معن واستقل بأَمْره فى الشَّام ثمَّ ذهب الى مَكَّة وَرجع وَقد أظهر كثيرا من عمل الْخَيْر وسمى نَفسه الْحَاج كيوان وَأمْسك عَن قبُول هَدِيَّة النَّاس وبقى فى انْفِرَاده وصدارته الى أَن تحرّك ابْن معن على الْبِقَاع وَخرج لمقاتلته الْوَزير مصطفى باشا الخناق نَائِب الشَّام وَكَانَ كيوان مِمَّن سارع الى ابْن معن لمعاونته وَلما انْكَسَرَ عَسْكَر الخناق وَقبض ابْن معن عَلَيْهِ وَقعت الْفِتْنَة بَين ابْن معن وكيوان بِسَبَب ذَلِك وَآل الامر بَينهمَا الى أَن ضرب ابْن معن كيوان بخنجره فى راسه فَقتله وَكَانَ قَتله فى صَبِيحَة يَوْم الْخَمِيس الثَّالِث وَالْعِشْرين من الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن عِنْد بَاب دمشق من أَبْوَاب بعلبك وَقيل فى تَارِيخ قَتله
(قَالَ لى صاحبى وَقد مَاتَ كيوان هلا كَا وَمن لَهُ الذّكر يُتْلَى
…
)
(كَيفَ رَاح الْخَبيث ناديت أرخ
…
علم الله رَاح كيوان قتلا)
وأرخه أَبُو بكر الْعُمْرَى شيخ الادب أَيْضا بقوله