المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الخيارى والى جانبهما الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الْمحلى نزيل دمشق غياث السَّيِّد - خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر - جـ ٣

[المحبي]

الفصل: الخيارى والى جانبهما الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الْمحلى نزيل دمشق غياث السَّيِّد

الخيارى والى جانبهما الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الْمحلى نزيل دمشق

غياث السَّيِّد الشريف الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبُو الْغَيْث الشجرى الْيُمْنَى نزيل مَكَّة كَانَ من خير خلق الله عز وجل وَله فى الْكَشْف وَالْولَايَة قدم راسخة وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعتقادا زَائِد ذكره النَّجْم الغزى فى الذيل وَقَالَ فى تَرْجَمته رَأَيْته بِمَكَّة وَوجدت مِنْهُ كشفا عَظِيما وَكَانَ يحب الطّيب وَيحيى بِهِ زوار فَكَانَ يتَصَرَّف فى سلاطين مَكَّة وَيَأْخُذ مِنْهُم مَا شَاءَ ثمَّ يصل بِمَا أَخذه الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَكَانَ تَارَة يلبس لِبَاس الْمُلُوك وَتارَة يَنْزعهُ ويبيعه ويطعمه للْفُقَرَاء ويلبس لِبَاس الْفُقَرَاء وَكَانَت تِجَارَة الْيمن وَغَيرهم يستغيثون بِهِ فى شَدَائِد الْبَحْر ومضايق الْبر فيجدون بركَة الاستغاثة بِهِ وينذرون لَهُ أَشْيَاء يرسلون بهَا اليه اذا تمّ غرضهم وَكَانَ يعْمل الموالد بِالْحرم أَيَّام الْمَوْسِم وَغَيرهَا على طَريقَة اليمنيين ويلحن الحانهم بِنَفسِهِ وَكَانَ لَهُ رياضة واجتهاد فى الْعِبَادَة وَكَانَت آثَار الصّلاح فِيهِ ظَاهِرَة وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى الْمحرم سنة أَربع عشرَة بعد الالف وَدفن بِالشعبِ الا علا من بَاب المعلاة بِالْقربِ من ضريح أم الْمُؤمنِينَ خَدِيجَة الْكُبْرَى رضى الله تَعَالَى عَنْهَا

‌حرف الْفَاء

فَايِد المصرى الولى الصَّالح العابد تقدم طرف من خَيره فى تَرْجَمَة الامام خير الدّين الرملى وَكَانَت اقامته بِبَاب جَامع الازهر وَكَانَت كبار الْعلمَاء تعتقده وتحترمه واذا جَاءَهُ أحد مِنْهُم يقف بَين يَدَيْهِ فان أَشَارَ اليه بِالْجُلُوسِ جلس والا وقف الى أَن يَقُول لَهُ انْصَرف أَو ينْصَرف هُوَ من ذَاته وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت الوزراء بِمصْر يأْتونَ لتقبيل يَده والتبرك بِهِ فَلَا يلْتَفت اليهم وَحكى الْخَيْر الرملى انه كَانَ يَوْمًا جَالِسا عِنْده فَجَاءَهُ الْوَزير قَالَ فَأَرَدْت الْقيام فمنعنى وَقَالَ اجْلِسْ فَجَلَست عِنْده الى أَن ذهب الْوَزير وَكَانَ مواخيا للنور الزيادى وَكَانَ كل مِنْهُمَا يعْتَقد الآخر وَكَانَت وَفَاة الشَّيْخ فَايِد فى حُدُود سنة سِتّ عشرَة بعد الالف

فتح الله بن مَحْمُود بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الْحسن الحلبى الْعُمْرَى الانصارى الْمَعْرُوف بالبيلونى الشافعى الْفَقِيه الاديب الْمَشْهُور كَانَ أوحد أهل عصره فى فنون الادب وعلو الْمنزلَة وشهرته تغنى عَن الاكثار فى تَعْرِيفه أخد عَن وَالِده الْبَدْر مَحْمُود الآتى ذكره وسافر عَن حلب الى الرّوم صُحْبَة الْوَزير نصوح وَكَانَ صَار معلما لَهُ فَحصل على

ص: 254

جاه عريض ثمَّ انحط عِنْده فولى افتاء الشَّافِعِيَّة بالقدس وَهُوَ من المكثرين فى الرحلة دخل بلادا كَثِيرَة مِنْهَا مَكَّة وَالْمَدينَة والقدس ودمشق وطرابلس وبلاد الرّوم وَألف تآليف فائقة مِنْهَا حَاشِيَة على تَفْسِير البيضاوى وَالْفَتْح المسوى شرح عقيدة الشَّيْخ علوان الحموى وَله الْكتاب الذى سَمَّاهُ خُلَاصَة مَا يعول عَلَيْهِ الساعون فى أدوية دفع الوبا والطاعون وَهُوَ مَشْهُور وَله مجاميع اشْتَمَلت على تعاليق غَرِيبَة وَأخذ عَنهُ خلق كثير وَله شعر كثير مِنْهُ مَا قرأته فى الْجَوَاهِر الثمينة للسَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الله الْمَعْرُوف بكبريت المدنى قَالَ أنشدنى اجازة لنَفسِهِ بحلب الشَّيْخ فتح الله البيلونى قَوْله

(السبت والاثنين والاربعا

تجنب المرضى بهَا أَن تزار)

(بِطيبَة يعرف هَذَا فَلَا

تغفل فان الْعرف عالى الْمنَار)

قلت هَذَا عرف مَشْهُور لَكِن ورد فى السّنة مَا يرد السبت مِنْهُ فقد روى أَن النبى

كَانَ يفقد أهل قبا يَوْم الْجُمُعَة فَيسْأَل عَن الْمَفْقُود فَيُقَال لَهُ انه مَرِيض فَيذْهب يَوْم السبت لزيارته وَمن كَلَام صَاحب التَّرْجَمَة فى صدر تأليف لَهُ وَلما كَانَت الْهَدَايَا تزرع الْحبّ وتضاعفه وتعضد الشُّكْر وتساعفه أَحْبَبْت أَن أهْدى اليه هَدِيَّة فائقة تكون فى سوق فضائله نافقه فَلم أجد الا الْعلم الذى شغفه حبا وَالْحكم الَّتِى لم يزل بهَا صبا والادب الذى اتَّخذهُ كسبا وَرَأَيْت فاذا التصانيف فى كل فن لَا تحصى والامالى من سطور الْعلمَاء وطروس الحكما أوسع دَائِرَة من أَن تستقصى الا أَن التأنق فى التحبير من قبيل ابراز الْحَقَائِق فى الصُّور وَمن هُنَا قيل لكل جَدِيد لَذَّة وَلَا خلاف فى ذَلِك عِنْد أهل النّظر وَذكر السَّيِّد مُحَمَّد كبريت الْمَذْكُور آنِفا فى كِتَابه نصر من الله وَفتح قريب انه أخبرهُ انه قَالَ لَهُ عَمه أَبُو الثَّنَاء مُحَمَّد بن مَحْمُود البيلونى لَا تباحث من هُوَ أَعلَى مِنْك مرتبَة لانه رُبمَا انجر الْكَلَام الى مسئلة مَعْلُومَة عنْدك لم يطلع عَلَيْهَا الشَّيْخ فيحمر وَجهه ثمَّ لَا تكَاد تفلح ان رَأَيْت فى نَفسك شَيْئا لذَلِك وَلَا من هُوَ مثلك فانه لَا يسلم لَك كَمَا انك لَا تسلم لَهُ فَيفْسد عَلَيْك عقلك وتفسد عَلَيْهِ عقله والمعاصر لَا يناصر وَعَلَيْك بِمن هُوَ دُونك فانه يَسْتَفِيد مِنْك بِغَيْر انكار وتستفيد أَنْت بافادته فقد روى عَن أَبى حنيفَة من أحب أَن يظْهر الخطا فى وَجه مباحثه فقد أَخطَأ هُوَ لرضاه بالخطا وانما يعرف حَال أهل الْعلم من جال فى ميدانهم بِنور الانصاف كَانَ السَّيِّد تلميذا لسعد يَسْتَفِيد مِنْهُ كل يَوْم

ص: 255

أَربع مسَائِل ويفيده ثَمَانِيَة مسَائِل وَكَانَ عمره عشْرين سنة وَعمر شَيْخه ثَمَانِينَ فَقيل لَهُ فى ذَلِك فَقَالَ أما الاربع فأضمها الى الثَّمَانِية فَتكون اثنى عشر وَأما الثَّمَانِية الَّتِى أفيدها فَعدم افادتها لَا يزِيد فِيمَا لَدَى وَمَا أحسن قَول من قَالَ

(أفدا الْعلم وَلَا تبخل بِهِ

والى علمك علما فاستزد)

(من يفده يجزه الله بِهِ

وسيغنى الله عَمَّن لم يفد)

وَقَالَ ابْن المعتز

(لَا تمنعن الْعلم طَالبه

فسواك أَيْضا عِنْده خبر)

(كم من رياض لَا أنيس بهَا

هجرت لَان طريقها وعر)

وَقد وقفت على أَرْبَعَة كراريس جمعهَا ابْن أَخِيه مُحَمَّد بن فضل الله من نتفه الَّتِى لم تصل الى حد القصيدة وغالبها فى النصائح وَالْحكم والاستغاثة فَمن ذَلِك قَوْله

(يَقُولُونَ دَار الْخصم تظفر بوده

فَذَلِك درياق من الغل فى الْقلب)

(فَمَا ازْدَادَ مذ داريته غير جفوة

لَان قديم الدَّاء مستصعب الطِّبّ)

وَقَوله

(بِبَاب الله لذفى كل قصد

وغض الطّرف عَن نفع الصحاب)

(فماء الارض لَا يرْوى ثراها

اذا لم ترو من مَاء السَّحَاب)

وَقَوله وينسبان لفتح الله بن النّحاس وَالصَّوَاب انهما لفتح الله هَذَا

(يَقُولُونَ وَافق أَو فَنَافَقَ مرافقا

على مثل ذَا فى الْعَصْر كل لقد درج)

(فَقلت وَأمر ثَالِث وَهُوَ قَول أَو

فَفَارَقَ وَهَذَا الامر أدفَع للْحَرج)

وَقَالَ مضمنا

(لَا تجزعن لحادث

وبصدق عزمك فانفذ)

(فالصبر أمنع جنَّة

وَالله أعظم منقذ)

(فالجأ لعز جنابه

وَمن الهموم تعوذ)

(واصرف تصاريف الامور الى ورائك وانبذ

)

(ان الْمُقدر كَائِن

وَلَك الامان من الذى)

وَمِمَّا قَالَه عَاقد الما روى عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا

(وَقَالَ ابْن عَبَّاس ثَلَاث جَزَاء من

حبانى بهَا لَا يُسْتَطَاع فيحصر)

(سَماع لتحدثى وقصدى لحَاجَة

وتوسيعه لى مَجْلِسا حِين أحضر)

وَلَقَد أَجَاد فى قَوْله

(الْمَرْء مَا دَامَ فى عز وفى جدة

فَكل خل لَهُ بِالصّدقِ متصف)

(لَا عرف الله عبدا صدق صَاحبه

فانه بانكشاف الْحَال ينْكَشف)

ص: 256

وَقَوله

(هَذَا مِثَال جرى فافطن لباطنه

فعارف الْوَقْت من للْوَقْت قد عرفا)

(اذا ابْتليت بسُلْطَان يرى حسنا

عبَادَة الْعجل قدم نَحوه العلفا)

وَقَوله

(توق من الْعَدَاوَة للادانى

فَكيف بِمن اذا مَا شَاءَ كادك)

(تبيت لرفعة تبغى وُجُوهًا

وَلَا تدرى بِمَاذَا قد أرادك)

وأصابه رمد وَهُوَ بِالْقَاهِرَةِ فَكتب لبَعض أحبابه

(أَيهَا الشهم قد ملكت فؤادى

بوداد مَا شيب قطّ بمينك)

(ان عينى شكت لبعدك عَنْهَا

لَا أَرَاك الا لَهُ سوأ بِعَيْنِك)

وَمن مجونه المستملح

(لَا أرتضى المرد وَلَا أبتغى

الا لقا الحسنا لسر بطن)

(فَقل لمن نَافق فى حبها

ان من الايمان حب الوطن)

وَمِمَّا يستجاد لَهُ قَوْله فى الْعُيُون ويعبر عَنْهَا بالنظارة الَّتِى تستعملها النَّاس لتقوية الْبَصَر

(رب صديق عَابَ نظارة

يقوى بهَا النَّاظر من ضعفه)

(وَعَن قَلِيل صَار فى أسرها

يحملهَا رغما على أَنفه)

وَقَالَ متوسلا قبل دُخُول مَكَّة فى ذى الْحجَّة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف

(أبقنا مِنْك بالعصيان جهلا

وَأَنت دَعوتنَا حلما وَمنا)

(فقابل بِالرِّضَا يَا رب واغفر

بمحض الْفضل مَا قد كَانَ منا)

وَهَذَا مَا وَقع اختيارى عَلَيْهِ من أشعاره وفيهَا كِفَايَة وَكَانَت وِلَادَته فى شهر رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف بحلب وَدفن بزاوية آبَائِهِ والبيلونى بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة ثمَّ مثناة تحيته وَلَام وواو وَنون نِسْبَة للبيلون وَهُوَ نوع من الطين يسْتَعْمل فى الْحمام وَأهل مصر تسميه طفْلا قَالَ الخفاجى وَكِلَاهُمَا لُغَة عامية لَا أعرف أَصْلهَا كَذَا ذكر وفى الصِّحَاح الطِّفْل بِالْفَتْح الناعم يُقَال جَارِيَة طفلة أى ناعمة انْتهى وَلَعَلَّه سمى بِهِ هَذَا النَّوْع من الطين لنعومته لانه كالصابون تغسل بِهِ الابدان سِيمَا فى الْحمام

فتح الله الْمَعْرُوف بِابْن النّحاس الحلبى الشَّاعِر الْمَشْهُور فَرد وقته فى رقة النّظم والنثر وانسجام الالفاظ لم يكن أحد يوازيه فى أسلوبه أَو يوازنه فى مقاصده وَكثير من أدباء الْعَصْر يناضل فى المفاضلة بَينه وَبَين الامير منجك ويدعى أرجحيته مُطلقًا وعندى ان أرجحيته انما هى من جِهَة حسن تراكيبه وحلاوة تعبيراته وَأما

ص: 257

ارجحية الامير فَمن جِهَة مَعَانِيه المبتكرة أَو المفرغة فى قالب الاجادة وَنحن لم نطلع لفتح الله على معنى يشبه قَول الامير من الرباعيات

(مَا مر تذكر الْكرَى فى بالى

الا دَفعته رَاحَة البلبال)

(أشفقت من الجفون لمسا يُؤْذى

أَقْدَام خيالك الْعَزِيز الغالى)

وَلَا قَوْله

(لَو لم يكن راعها فكر تصورها

من واله وثنتها مقلة الامل)

(مَا قابلت نصف بدر بِابْن ليلته

وَأَلْقَتْ الزهر فَوق الشَّمْس من خجل)

فهذان مِمَّا لَا قدرَة لمثل الْفَتْح على طرق بابهما وَبِالْجُمْلَةِ فهما شَاعِر الزَّمَان ولعمرى ان زَمَانا جاد بهما السنحى جدا وَكَانَ فتح الله فى حداثته من أحسن النَّاس منْظرًا وأبهاهم صباحة ورشاقة وَكَانَ أَبنَاء الغرام يَوْمئِذٍ يفدونه وَهُوَ يعرض عَنْهُم ويجافيهم حَتَّى تبدلت محاسنه فعطف عَلَيْهِم يستمد ودادهم وَكَانَت النُّفُوس قد أنفت مِنْهُ فرمته فى زَاوِيَة الهجران وفى ذَلِك يَقُول وَقد رأى اعراضا من صديق لَهُ كَانَ يألفه

(انى أَنا الْفَتْح سَمِعْتُمْ بِهِ

مَا همه حَرْب وَلَا صلح)

(من عدلى ذَنبا قلانى بِهِ

فانما ذنبى لَهُ النصح)

(قُولُوا لَهُ يغلق أبوابه

فانما حاربه الْفَتْح)

ثمَّ اندرج فى مقولة الكيف وتزيا بزى الزهاد وَاتخذ من الشّعْر صدارة حدادا على وَفَاة حسنه ووفاة جماله وَمَا زَالَ يرثى أَيَّام حسنه وينعى مَا يتعاطاه من الكيف وَله فى ذَلِك محَاسِن ونوادر مِنْهَا قَوْله فى قصيدته الَّتِى أَولهَا

(من يدْخل الافيون بَيت لهاته

فليلق بَين يَدَيْهِ نقد حَيَاته)

(لَو يابثين رَأَيْت صبك قبل مَا الافيون أنحله وَحل بِذَاتِهِ)

(فى مثل عمر الْبَدْر يرتع فى رياض الزهر مثل الظبى فى لفتاته

)

(من فَوق خُذ الدَّهْر يسحب ذيله

مناه أَنى شَاءَ وَهُوَ مواته)

(وتراه ان عَبث النسيم بقده

ينْقد سرُور الرَّوْض فى حركاته)

(واذا مَشى تيها على عشاقه

تتفطر الْآجَال من خطراته)

(يرنو فيفعل مَا يَشَاء كَأَنَّمَا

ملك الْمنية صَار من لحظاته)

(لرأيت شخص الْحسن فى مرآته

وَدفعت بدر التم عَن عتبانه)

وَقَالَ من قصيدة أُخْرَى

(يَا هَذِه ان أَنْت لم تدر الْهوى

لَا تجحديه فللهوى استحكام)

ص: 258

(وَأَبِيك كنت أحد مِنْك نواظرا

وَبِكُل قلب من جفاى كَلَام)

(وَالسحر الا فى لسانى منطق

وَالْحسن الا فى يدى ختام)

(لدن الْقَوْم مصونة أعطافه

عَن أَن تمد يدا لَهَا الاوهام)

(متمنعا لَا الْوَعْد يدنى وَصله

يَوْمًا وَلَا لخياله المام)

(حَتَّى خلفت السقم فِيهِ بنظرة

وَلَقَد يلاقى ظلمه الظلام)

(وتنوعت أدواؤه فبطرفه

شكل الرَّقِيب وفى الصماخ ملام)

(ألف التجنب فى هَوَاك فقربه

للنَّاس بعْدك خطْوَة وَسَلام)

ثمَّ مل الاقامة بَين عشيرته فَخرج من حلب وَطَاف الْبِلَاد وَكَانَ كثير التنقل لَا يسْتَقرّ بمَكَان الا جدد لآخر عزما وفى ذَلِك يَقُول وَقد أحسن كلا الاحسان

(أَنا التارك الاوطان والنازح الذى

تتبع ركب الْعِشْق فى زى قائف)

(وَمَا زلت أطوى نفنفا بعد نفنف

كأنى مَخْلُوق لطى النفانف)

(فَلَا تعذلونى ان رَأَيْتُمْ كتابتى

بِكُل مَكَان حلّه كل طائف)

(لَعَلَّ الذى باينت عيشى لبينه

وأفنيت فِيهِ تالدى ثمَّ طارفى)

(تكلفه الايام أَرضًا حللتها

أَلا انما الايام طرق التكالف)

(فيملى عَلَيْهِ الدَّهْر مَا قد كتبته

فيعطف نحوى غُصْن تِلْكَ المعاطف)

وَدخل دمشق مَرَّات وَأقَام بهَا مُدَّة وَاتفقَ عِنْد دُخُوله الاول جمَاعَة من الادباء المجيدين وَكَانَ لَهُم مجَالِس تجرى بَينهم فِيهَا مفاكهات ومحاورات يروق سماعهَا فاختلوا بِهِ وَعمِلُوا لَهُ دعوات وَكَانُوا يَجْتَمعُونَ على أرغد عَيْش وَجَرت لَهُم محافل سطرت عَنْهُم وَلَوْلَا خوف التَّطْوِيل لذكرت بَعْضهَا ثمَّ سَافر الى الْقَاهِرَة وَهَاجَر الى الْحَرَمَيْنِ وَاسْتقر آخر بِالْمَدِينَةِ وَله فى مطافه القصائد والرسائل الرائقة يمدح بهَا أَعْيَان عصره وَمن أرقها قَوْله يُعَاتب

(غرست لكم فى الْمَدْح مَا اخضر عوده

وَأَلْقَتْ اليه الزهر عقدا من الزهر)

(وَصَارَت عُيُون المنصفين قلائدا

عَلَيْهِ وَعين الحقد تنظر عَن شزر)

(وَقلت ستندى بالثمار أناملى

فَمَا كَانَ الا أَن قبضت على جمر)

(وعدت كَمَا عَاد المسئ مذمما

أغص بشكرى وَهُوَ يحْسب من وزرى)

(وَمَا سَاءَ حظا كالذى اجتلب الْهوى

وأسلمه مَحْض الوداد الى الهجر)

وَمن نثرها عهدى بالشيخ جبلا آوى اليه وَحمى أحوم حوله وعمادا اعْتمد بعد الله

ص: 259

عَلَيْهِ فَمَا بَال الْجَبَل لم يؤو والحمى لم يحم والعماد لم يحو وَمَا باله فى مسراته وَأَنا فى ليل الهموم أتوقع تنفس صبحها وأبتهل الى الله تَعَالَى فى طُلُوع شمسها فَعِنْدَ مَا حلت أكف الابتهال عرى الدجى ولاح من تنفس صبح الْوِصَال أشعة الشَّمْس المنى حَال بَين طرفى وسناها قذاة الْعين وأصبحت مصاباً بِعَين أعوذ بِاللَّه من أَن يلهى الشَّيْخ بزخرف المتمشدق أَو تستميله أقاويل المتملق والزخرف عتبَة التلاشى والتمشدق بَاب الهول والاقاويل مَطِيَّة الْكَذِب والدخيل قذال يَد الرَّد والتملق مزراب النِّفَاق ولى فى محبته الود الثَّابِت وَالْقلب الصابر وَاللِّسَان الرطب والفم الشاكر وَله منى الوداد الْمَحْض والقصائد الغر ولى مِنْهُ أنة المتوجع ولوعة الْمُصَاب وحرقة المهجور وخشية المرتاب وَمَا أرَاهُ من اقتفائه اثر المتلبس عَلَيْهِم الامر فى كسر زجاجة ودادى من زيد وَعَمْرو وَلَا غرو قد يدمي الجبين اكليله وتهجر الحسام قيونه وَكَثِيرًا مَا يضل المدلج دَلِيله وتخطى المؤمل ظنونه وَكَانَ مَعَ ظُهُوره بزى الْفُقَرَاء من الدراويش كثير الانفة زَائِد الْكِبْرِيَاء وَالْعجب وَمن هُنَا حرم لذات المعاشرة واستعرض أكدار المذمة وَهَذَا عندى من الْحمق الْعَظِيم مَعَ انه يُنَافِيهِ جودة تخيله فى الشّعْر وَقد يُقَال ان الشّعْر موهبة لَا يتَوَقَّف أمره على وجود الصِّفَات الْكَامِلَة بأسرها وَأما أَمر التَّنَاقُض فى الاحوال فكثير من يبتلى بهَا وهى وصمة لاراد لِلطَّعْنِ فِيهَا بِحَال وَمِمَّا يحسن ايراده فى هَذَا الشان مَا يرْوى عَن الاسكندر انه رأى رجلا عَلَيْهِ ثِيَاب حَسَنَة وَهُوَ يتَكَلَّم بِكَلَام وضيع قَبِيح فَقَالَ لَهُ يَا هَذَا اما ان تَتَكَلَّم بِمثل قدر ثبابك أَو تلبس ثيابًا على قدر كلامك وَقَوْلهمْ نَحن تشاكل بعضك أَصله أَن سكرانا مر وَهُوَ يهلل فَقيل لَهُ ذَلِك انْتهى واشعار فتح الله كَثِيرَة مطبوعة مرغوبة فَمن جيدها قصيدته للامية الَّتِى مطْلعهَا

(غير وَفَاء الحسان يحْتَمل

وفى سوى الصَّبْر يحسن الامل)

(فَخَل مَا الْقلب فِيهِ مطرب

لبعده والمزاج منفعل)

(وعد عَن نظرة رميت بهَا

فَغير جرح اللحاظ يندمل)

(سَمِعت بالوصل ثمَّ هَمت بِهِ

أكل صب قبل الْهوى غفل)

(دَنَوْت من منهل على ظمأ

ودونه الْبيض دونهَا الاسل)

(فَمن زلال الْوِصَال خُذ بَدَلا

فَمَا لمثلى اذا قضى بدل)

ص: 260

(هم الظباء الَّذين ان بعدوا

قتلت شوقا وان دنوا قتلوا)

(السالبون الْبَقَاء ان رحموا

السافكون الدِّمَاء ان عدلوا)

(لَا هون لَا يستخفهم حزن

عَلَيْك مستحسنون مَا فعلوا)

(وَلَا لقتلى لحاظهم عدد

وَلَا لاطراف بيضها فلل)

(هم حرمونا الخدود نلثمها

وكل وَقت يَمَسهَا الخجل)

(وحرموا الْعَطف قسوة وهم الغصون والغصن شَأْنه الْميل

)

(أولُوا الثنايا البرود سلسلها

والمقل المنتمى لَهَا النجل)

(من فرق السحر فيهم اجْتمعت

أَسمَاء مِنْهَا الرضاب والكحل)

(من جعلُوا الْورْد يستظل بِهِ الطّلع وَأَعلاهُ نرجس خضل

)

(هى الامانى المبيد موردها

وَرب ورد من دونهَا الاجل)

(ولى فؤاد أطَاع ناظره

كِلَاهُمَا بالمشيب مشتعل)

(فالطرف فِيمَا عناه مُتَّهم

وَذَا بِمَا لَا يعنيه مشتغل)

(وذبت عشقا لم أدر أم سقما

بل فى مَا أعظمى لَهُ سبل)

(لكل عُضْو اذا وضعت يدى

يصدها من صبابتى شعل)

(أود آها وَلَيْسَ تنفعنى

وكتمها فَوق علتى علل)

(لَا الرشد عندى وَلَا الْفُؤَاد وَلَا الْعقل وَلَا الصَّبْر لى وَلَا الْحول

)

(أَنا الذى فى الانام حيره الْحبّ فَمَا الاهتداء مَا الْحِيَل

)

(فَمن لطرفى أَو من لقلبى فى الْحبّ وَذَا هائم وَذَا ثمل

)

(خلقت صبا كَأَنَّمَا خلقت

لَهُ الْعُيُون الفواتك النَّحْل)

(يودع أحشاه من كنائنها

ودائعا مَا اهْتَدَى لَهَا ثقل)

(كمكرمات الاستاذ تودعه الْجُود وَلَا يهتدى لَهَا الْبُخْل

)

وهى قصيدة طَوِيلَة وفى هَذَا الْقدر مِنْهَا كِفَايَة وأرق مِنْهَا وأشهى قصيدته الدالية الَّتِى مدح بهَا ابا الاسعاد الوفائى وأخاه ومطلعها

(قد نفدت ذخائر الْفُؤَاد

فكم أر بى الدمع للسهاد)

(فؤاد من يحب مثل دمعه

ودمعة وظنة النَّفاذ)

(اذا هدا اللَّيْل فطفل مقلتى

يبيت بالنزيف غير هادى)

(وَمن بَكَى من النَّوَى فقد رأى

بِعَيْنِه تقطع الاكباد)

ص: 261

(تمايلوا على الْجمال مَيْلَة

فعلموها مشْيَة التهادى)

(وَمَا سَمِعت بالغصون قبلهم

مشت بهَا أكثبة البوادى)

(فان تَجِد يدى على ترائبى

فَلَا تقل لغيبة الْفُؤَاد)

(وانما رفعتها لانها

كَانَت لَهُم حمائل الاجياد)

(حمر الخدود ان تغب فشكلها

بناظرى دَاخل السوَاد)

(لاجل ذَا الدمع جرى بشوقها

فنظم الْيَاقُوت فى نجادى)

(لَا وأبى وَمن يقل لاوابى

فقد تلى ألية الامجاد)

(مَا عثر الغمض بذيل ناظرى

وَلَا انْثَنَتْ لطيفهم وسادى)

(وهب رشاش مقلتى حبائلا

فَأَيْنَ مِنْهَا زلق الرقاد)

(آه وآه ان تكن ملْء فمى

فانها مضمضة الصوادى)

(قد نفض السّمع كَلَام غَيرهم

كَمَا نفضت الصَّبْر من مزادى)

(أعاذ لى فللهوى غواية

بِعْت بهَا كَمَا ترى رشادى)

(ولعت بى وشعلتى كمينة

بقادح يعبث فى زنادى)

(دع الْهوى يعبث بى وان تشا

فعدنى من عذبات وَاد)

(مَا لحق اللوم غُبَار عاشق

حدابه من النسيب حاد)

(أما ترى الاقاح حول لمتى

حكى ابتسام الْبَرْق فى البوادى)

(بشرنى طلوعه بِأَن لى

صبح وصال لدجى بعادى)

(وَلم أقل مناصل تجردت

وأركزت بِجَانِب الاغماد)

(كَانَ شيب الشعرات ألسن

على ضيَاع ورنقى تنادى)

(لبست مَا أضاعنى فأسوتى

كأسوة الْجَمْرَة فى الرماد)

(وحاك فى الرَّأْس ضياه خيمة

ذَات طنا بَين الى الافواد)

(كَأَنَّهَا عِمَامَة لبستها

من يَد مولاى أَبى الاسعاد)

(مُجَرّد الْعَزْم فرنده التقى

وغمده تَبَسم الاجياد)

(مَا عَرك الجدب أَدِيم أرضه

وَمن يَدَيْهِ فَوْقهَا غواد)

(أما وَلَو بِبَابِهِ احتمى الدجا

لما اختشى خطب صباح عَاد)

(أَو دخل النَّهَار تَحت ذيله

مَا زحف اللَّيْل على الْعباد)

(لَقيته وَمن رأى بنى الوفا

فقد رأى أَهله الاعياد)

ص: 262

(الضار بَين رفرفا على العلى

الواضحين غرر الرشاد)

(هم البحور ان حبوا أَو احتبوا

قلت الحبى دارت على أطواد)

(تميزوا فى الاولياء مثل مَا

تميز الْمُلُوك فى الاجناد)

(هم الَّذين فرعوا خَصَائِص الْمُلُوك من خصَاصَة الزهاد)

(قد نقد الْمجد لَهُم صفاتهم

نقد فتاة الْحسن للجياد)

(وَقد رَأَيْت فرقدى بنى الوفا

كِلَاهُمَا لمن يضل هاد)

(كِلَاهُمَا منبع فضل وَهدى

يكرع فِيهِ حَاضر وباد)

(فيا مفيض البركات ذكره

ان نفدت راحلتى وزادى)

(أرسلنى الْحبّ اليك قَاصِدا

وأرتجى كَرَامَة القصاد)

(وفى يدى من المديح تحفة

قَليلَة لمثلهَا الايادى)

(وباثنتين مِنْك ان أجزتنى

غنيت عَن جوائز الانشاد)

(

بنظرة جالبة الوداد

ودعوة قامعة الْفساد)

(آه وَيَا رب عَسى عناية

وتستقال عَثْرَة الْجواد)

(وتستقر مقلتى بِمَائِهَا

وَاكْتفى من الورى جهادى)

(كم أزرع الشُّكْر وَمَا لزرعه

اذا أَتَى الا بَان من حصاد)

(وأتبع الْهوى بِكُل غادر

لَيْسَ هَوَاهُ فى سوى عنادى)

(فأنفث الرقى على مخبل

وأطلب الحراك من جماد)

(ولى حظوظ لَا تفِيد جملَة

كَمَا يخط الطِّفْل بالمداد)

(تشعبت من الصِّبَا وناصبت

على السرى مخارم الْبِلَاد)

(بَين هوى لخاتل ومدحة

لباخل وفرقه لعاد)

(نفرت من قصائدى لانها

الى الْكثير سلم التعادى)

(لَا أسفا على ذَوَات أسطر

فانها مراود الاحقاد)

(أليسة لَوْلَا هوى بنى الوفا

منزل منزلَة اعتقادى)

(وان تكون مِنْهُم التفاتة

تثبت فى شهرة السداد)

(لما نظمت قَوْله لقولة

من القوافى الصعبة القياد)

(لكننى ادخرتها وَسِيلَة

وَنعم مَا ادخرت من عباد)

وَمن عُقُود الزاهية سلسلته الَّتِى نظم بهَا قلائد الاجادة وهى فى مدح الاستاذ أَبى

ص: 263

الْمَوَاهِب البكرى ومستهلها

(يَا مُبْتَدع العذل ان عذلك اشراك

عذرا لعذار رميت مِنْهُ بأشراك)

(للنَّاس غرام يَا عاذلى وغرامى

من سرب ظبا النقا بألعس مضحاك)

(تسبيك بديباج خَدّه شَعرَات

قد نمنمها السحر وَالْجمال لَهَا حاك)

(تالله وَمَا الْحسن غير حسن عذار

فَانْظُرْهُ وسلنى فقد تريبك عَيْنَاك)

(مَا خطّ عذاره سوى حَسَنَات

يَا رب وأرجوا بذى الصَّحِيفَة أَلْقَاك)

(يَا بدر كَمَا جِئْت للحسان ختاما

الْمسك ختاما أَتَى لحسن محياك)

(أَقْسَمت بسطر كاللازورد بخد

كالعسجد حلته وجنتاك فحلاك)

(مَا فِيك سوى نقضك العهود معيب

وَافْعل ففؤادى على فعالك يهواتك)

(أَنْعَمت صباحا يَا من بدا كصباح

وَاللَّيْل بِخَير من الذوائب مساك)

(مَا شِئْت فزدنى أسى أزدك ودادا

مَا أَجْهَل من يدعى هَوَاك ويشناك)

(قد كنت وَكُنَّا وَأَنت بدر دجانا

وَالْيَوْم فَلم يَا هِلَال نحرم رُؤْيَاك)

(هَل كَانَ من الرشد أَن تقاطع مثلى

يَا حب وتنقاد مَعَ غواية نهاك)

(هَب ان رقيبى عَلَيْك مثلى مضنى

من صدرك عَنى أَنا وحثك فى ذَاك)

(بليت غليل الحسود فِيك وظنى

مَا كَانَ ليشفى من التنغص لولاك)

(أودعتك غرس الْهوى ليثمر ودا

مَا كَانَ رجائى ان العدواة مجناك)

(ان كَانَ عِقَاب الذى يحبك هَذَا

أفديك فَقل لى فَمَا تركت لاعداك)

(أجفى وَأَنا العندليب فِيك وعار

تصغى لصدى عاذلى وتطرب أذناك)

(لَا تصغ لدعوى السوى فَلَيْسَ سَوَاء

مغريك وتزوير مَا ادَّعَاهُ ومغراك)

(لَو انك أنصفت لاعتلمت بأنى

مضناك وَكلهمْ لكيدى مضناك)

(يَا غُصْن وان دمت لم تكن لعتابى

لَا غرو لى الْعذر فى اذاعة شكواك)

(أشكوك لمن تطلب الْمُلُوك رِضَاهُ

من فاق جَمِيع الورى بعنصره الزاك)

(من نسل أَبى بكر الامام امام

للسود ذُو الْفضل الْولَايَة ملاك)

(ذُو الرّفْعَة أعنى أَبَا الْمَوَاهِب من لى

بالبشر مدى الدَّهْر والسماحة يلقاك)

(يممه تَجِد من يَدَيْهِ فائض بَحر

لَا تنضب سحب البنان مِنْهُ بامساك)

(واستدر بِهِ واعتقد وخذه حساما

عَن كل حسام أَبُو الْمَوَاهِب أَغْنَاك)

(ان تأت لَهُ خَائفًا وَأَنت محب

لابد وَأسد العرين مَا تتوقاك)

ص: 264

(يَا بَحر لآل وَيَا غمام نوال

طُوبَى لموال دنا اليك ووالاك)

(مولاى أقل عثرتى فَلَيْسَ مقيل

وَالْحب جفانى وَقل صبرى الاك)

(من مثلك يَا ابْن الْكِرَام طبت نجارا

وازددت فخارا فزد يزيدك مَوْلَاك)

(قد أطلعك الله بَين قَوْمك بداراً

لَا زلت منيرا بهم وهم لَك أفلاك)

(يَهْتَز على الْحَالَتَيْنِ مِنْك حسام

بَدَلا وخصاما كسيف جدك فتاك)

(يَا عترة ذَاك الامام فاق وفقتم

ان قصر مدحى لكم فعجزى ادراك)

(مَا الْمَدْح بمجد سوى الْوُصُول اليكم

أَنْتُم دُرَر الْكَوْن والمدائح اسلاك)

(لَا زَالَ على سيد الورى وَعَلَيْكُم

أزكى صلوَات من السَّلَام باملاك)

(ماجاور سر الْهوى فؤاد محب

فى النَّاس وَمَا ذل فى الْمحبَّة املاك)

وَكتب الى الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى مفتى دمشق وَقد أَصَابَهُ رمد

(فدا لعينيك دون النَّاس عينائى

وكل عُضْو فدَاه كل أعضائى)

(نود لَو كَانَ مودوعا بِأَنْفُسِنَا

مَا تشتكيه بِعَين مِنْك رمداء)

(نظارة لكتاب الله قد ملئت

خوف الْمعَاد باشفاق واغضاء)

(وَأَنت لَا عَن حجاب كنت ناظرنا

فارفع حجابك وَانْظُر للاحباء)

وَكتب الى ابْنه ابراهيم يهنئه بمولود

(أَتَانَا بشير الْوَلِيد الْجَدِيد

فساق الينا حَيَاة وبشرى)

(فَلَا زلت مولاى حَتَّى ترى

هلالك مثلك قد صَار بَدْرًا)

وَقَالَ يُخَاطب بعض الصُّدُور وَكَانَ الْفَتْح قدم من الْحَج فأهداه تَمرا

(أحسن مَا يهديه أمثالنا

من طيبَة من عِنْد خير الانام)

(بعض تُمَيْرَات اذا أمكنت

اهداؤها ثمَّ الدعا وَالسَّلَام)

وَمن رباعياتة قَوْله

(لَا تبد لمن تحبه مَا أبدى

واصبر فَلَعَلَّ الصَّبْر يَوْمًا يجدى)

(اظهار محبتى لمن أعشقه

صَارَت سَببا لطول عمر الصد)

وَقَوله أَيْضا

(زروا جلّ لمسمعى كؤس اللَّفْظ

وَاجعَل كبدى غمدا لسيف الْحَظ)

(بل زروا هجر وَلَا تخف مظلمتى

مَا أوردنى الْبلَاء الاحظى)

وَقَوله

(من أرقى قد استلذ الارقا

ويلاه وَمن أعشقه قد عشقا)

(من ينقذنى مِنْهُ وَمن ينقذه

أفنى حرقا فِيهِ ويفنى حرقا)

ص: 265

وَمن نوادره قَوْله فى مدح الامير مُحَمَّد بن فروخ

(عجبا لسيف لحاظ من أحببته

يزْدَاد صقلا مَعَ طراوة حسنه)

(ويظل يفتك فى الاسود كَأَنَّهُ

سيف ابْن فروخ بدا من جفْنه)

وأنفس نفائسه تَضْمِينه الْمَشْهُور لمصراع الرئيس ابْن سينا

(لَا يدعى قمر لوجهك نِسْبَة

فَأَخَاف أَن يسود وَجه الْمُدعى)

(فالشمس لَو علمت بأنك دونهَا

هَبَطت اليك من الْمحل الارفع)

وَمن روائعه قَوْله

(أيا رب جعلت متاعى القريض

وَقد كَانَ قدما يعد السنينا)

(فَلم لَا وَقد درست سوقه

كاطلال أَصْحَابه الاقدمينا)

(ولابد للشعر من رزقه

فيا وَيْح من يقْصد الباخلينا)

(أأقطف من روض شعرى لَهُم

فأنثر وردا على نائمينا)

(فها أَنا ذَا شَاعِر وَاقِف

ببابك يَا أكرام الاكرمينا)

ومحاسنه كَثِيرَة وفى هَذَا الْقدر كِفَايَة وَكَانَت وَفَاته بِالْمَدِينَةِ المنورة لَيْلَة الْخَمِيس لثمان بَقينَ من صفر سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف وَدفن ببقيع الْغَرْقَد

فَخر الدّين بن زَكَرِيَّا بن ابراهيم بن عبد الْعَظِيم بن أَحْمد القدسى الْمَعْرُوف المعرى الحنفى تقدم أَبوهُ زَكَرِيَّا وَكَانَ فَخر الدّين هَذَا عَالما فَقِيها نبيلا رَحل الى الْقَاهِرَة وَأقَام بالجامع الازهر مُدَّة وتفقه بالشهاب الشوبرى وَأخذ الحَدِيث عَن أَبى الْحسن بن عبد الرَّحْمَن مُحَمَّد الْخَطِيب الشربينى الشَّافِعِي بعد قِرَاءَته عَلَيْهِ شرح النخبة فى المصطلح وَأخذ علم الاصول وَالْفُرُوع عَن أَبى الاخلاص حسن الشرنبلالى وَرجع الى الْقُدس وَانْقطع فى آخر أمره للتدريس والافادة بحجرة بِالْمَسْجِدِ الاقصى بِقرب رواق الشَّيْخ مَنْصُور فاشتهرت الْآن بخلوة المعرى وَصَارَ اماما بالسلطانية بِالْمَسْجِدِ الاقصى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبعين بعد الالف وَلم يعقب

(الامير فَخر الدّين بن قرقاس بن معن الدرزى الامير الْمَشْهُور من طَائِفَة كلهم أُمَرَاء ومسكنهم بِلَاد الشّرف وَلَهُم عراقة قديمَة ويزعمون ان نسبتهم الى معن بن زَائِدَة وَلم يثبت وَكَانَ بعض حفدة فَخر الدّين حكى لى عَنهُ أَنه كَانَ يَقُول أصل آبَائِنَا من الاكراد سكنوا هَذِه الْبِلَاد فَأطلق عَلَيْهِم الدروز بِاعْتِبَار الْمُجَاورَة لَا أَنهم مِنْهُم وَهَذَا أَيْضا غير ثَابت فانهم منشأ زندقة هَذِه الْفرْقَة وكثرتهم وفخر الدّين هَذَا ولى امارة

ص: 266

الشّرف من جَانب السلطنة بعد موت أَبِيه وَعلا شَأْنه وتدرج الى أَن جمع جمعا كَبِيرا من السكبان وَاسْتولى على بِلَاد كَثِيرَة مِنْهَا صيدا وصفد وبيروت ومافي تِلْكَ الدائرة من أقطاع كالشقيف وكسروان والمتن والغرب والجرد وَخرج عَن طَاعَة السلطنة وَلما وصل خَبره إِلَى مسامع الدولة بعثوا لمحاربته أَحْمد باشا الْحَافِظ نَائِب الشَّام وَكَثِيرًا من أُمَرَاء هَذِه النواحي فَلم يقابلهم وهرب إِلَى بِلَاد الفرنج وَأقَام بهَا سبع سِنِين إِلَى أَن عزل الْحَافِظ عَن نِيَابَة الشَّام فطلع إِلَى مستقره فِي شَوَّال سنة سبع وَعشْرين وَألف وَزَاد بعد ذَلِك فِي الطغيان والاستيلاء على الْبِلَاد بلغت أَتْبَاعه إِلَى نَحْو مائَة وَألف من الدروز والسكبان وَاسْتولى على عجلون والجولان وحوران وتدمر والحصن والمرقب وسليمة بِالْجُمْلَةِ فانه سرى حكمه من بِلَاد صفد الى انطاكية وتنبل وَلَده الامير على وَولى حُكُومَة صفد وَكَانَ وَقع بَين فَخر الدّين وَبَين بنى سَيْفا حكام طرابلس الشَّام حروب شَدِيدَة ودهمهم مرّة فنهب طرابلس وأباد كثيرا من ضواحيها وَكَانَ سَببا لخراب هاتيك الْبِلَاد ثمَّ صاهر بنى سَيْفا هُوَ وَابْنه وتزوجا مِنْهُم وَجَاء هما أَوْلَاد وَلما ولى نِيَابَة الشَّام الْوَزير مصطفى باشا بعد عَزله عَن مصر فى سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ قَصده بعسكر الشَّام وَكَانَ الشاميون قد خامروا عَلَيْهِ فَلَمَّا وَقع المصاف بَين الْفَرِيقَيْنِ بِالْقربِ من عنجر ولى الْعَسْكَر الشامى هربا فانكسر مصطفى باشا كسرة مُنكرَة وَقبض عَلَيْهِ ابْن معن وَأَخذه بعلبك مُقَيّدا فى الْبَاطِن مطلوقا فى الظَّاهِر وبقى عِنْده الى أَن وصل الْخَبَر الى دمشق فَاجْتمع علماؤها وكبراؤها وذهبوا الى ابْن معن ورجوا مِنْهُ فكاكه فَأطلق سَبيله وَقدم دمشق فانتقم مِمَّن كَانَ السَّبَب لَهُ فى الرّكُوب وَرجع فَخر الدّين الى بِلَاده وَلم يَزْدَدْ بعد ذَلِك الا عتوا وكبرا وَبَلغت شهرته الْآفَاق حَتَّى قَصده الشُّعَرَاء من كل نَاحيَة ومدحوه وَرَأَيْت مدائحه مدونة فى كتاب يبلغ مائَة ورقة وأكثرها قصائد مُطَوَّلَة وَأما المقاطيع فَلم أستحسن مِنْهَا الا هَذَا الْمَقْطُوع أنْشدهُ اياه عَطاء الله السلمونى المصرى يخاطبه بِهِ

(يراعك ان أبكيته ضحك الندى

وعضبك ان أضحكته بَكت العدا)

(فسيمة هذاك اعْتدى قطّ رَأسه

وسيمة هَذَا قطّ رَأس من اعْتدى)

وَلما تحقق السُّلْطَان مُرَاد مُخَالفَته وتعديه بعث لمقاتلته الْوَزير الْمَعْرُوف بالكوجك الْمُقدم ذكره وَعين مَعَه أُمَرَاء وعساكر كَثِيرَة فَركب عَلَيْهِ وَقتل أَولا

ص: 267

ابْنه الامير عليا ثمَّ قبض آخرا عَلَيْهِ وجهزه الى طرف السلطنة فَقتله السُّلْطَان وَقد تقدم تَفْصِيل ذَلِك فى تَرْجَمَة الكوجك وَكَانَ قَتله فى سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَألف وَأنْشد بعض الادباء فى ذَلِك

(ابْن معن مَا كَانَ الا خبالا

ضعضع الْكَوْن واستمال ومالا)

(مكن الله مِنْهُ أَحْمد باشا

وَكفى الله الْمُؤمنِينَ القتالا)

وَرَأَيْت فى الْمَجْمُوع الذى جمعت فِيهِ مدائحه أَن وِلَادَته كَانَت فى سنة ثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَقيل فى تَارِيخ وِلَادَته خطابا لوالده

(يَا أَمِير الْجُود هنئت بِمن

آنس الْكَوْن وَحيا الاهلا)

(قد غَدا الدّين بِهِ مفتخرا

أرخوه فَخر دين هلا)

والدرزية طَائِفَة كَبِيرَة ينتسبون الى رجل من مولدى الاتراك يعرف بالدرزى وَقد ظهر فى زمن الْحَاكِم بِأَمْر الله العبيدى هُوَ وَرجل أعجمى يُقَال لَهُ حَمْزَة وَكَانَ الْحَاكِم لَعنه الله يدعى الالهية وَيُصَرح بالحلول والتناسخ وَيحمل النَّاس على القَوْل بذلك وَكَانَ حَمْزَة والدرزى مِمَّن وافقوه وأظهروا الدعْوَة الى عِبَادَته وَالْقَوْل بِأَن الاله حل فِيهِ وَاجْتمعَ عَلَيْهِمَا جمَاعَة كَثِيرَة من غلاة الاسماعيلية فثار عَلَيْهِم عوام المصريين فَقتلُوا أَكْثَرهم وَفرقُوا جمعهم وَذكر صَاحب مرْآة الزَّمَان أَن الدرزى الْمَذْكُور كَانَ من الباطنية مصرا على ادِّعَاء الربوبية للْحَاكِم لعنهما الله تَعَالَى وصنف لَهُ كتابا ذكر فِيهِ أَن الاله حل فى على وان روح على انْتَقَلت الى أَوْلَاده وَاحِدًا بعد وَاحِد حَتَّى انْتَقَلت الى الْحَاكِم وَتقدم بذلك عِنْد الْحَاكِم وفوض اليه الامور بِمصْر ليطيعه النَّاس فى الدعْوَة وَأَنه أظهر الْكتاب فثار عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ وَقتلُوا جماعته وَأَرَادَ واقتله فهرب مِنْهُم واختفى عِنْد الْحَاكِم فَأعْطَاهُ مَالا عَظِيما وَقَالَ لَهُ اخْرُج الى الشَّام وانشر الدعْوَة هُنَاكَ وَفرق المَال على من أجَاب الدعْوَة فَخرج الى الشَّام وَنزل بوادى تيم الله بن ثَعْلَبَة غربى دمشق من أَعمال بانياس فَقَرَأَ الْكتاب على أَهله واستمالهم الى الْحَاكِم وَأَعْطَاهُمْ المَال وَقرر فى نُفُوسهم التناسخ وأباح لَهُم الْخمر وَالزِّنَا وَأخذ يُبِيح لَهُم الْمُحرمَات الى أَن هلك لَعنه الله تَعَالَى فَهَذَا أصل وجود الدروز والتيامنة فى هَذِه الْبِلَاد وَأما القَوْل فيهم من جِهَة الِاعْتِقَاد فهم والنصيرية والاسماعيلية على حد سَوَاء والجميع زنادقة وملاحدة وَقد صرح قاضى الْقُضَاة ابْن الْعِزّ وَالشَّيْخ برهَان الدّين بن عبد الْحق من الْحَنَفِيَّة

ص: 268

وَالشَّيْخ صدر الدّين بن الزملكانى وَالشَّيْخ البلاطنسى وَالشَّيْخ جمال الدّين الشربينى من الشَّافِعِيَّة وَالشَّيْخ صدر الدّين بن الْوَكِيل من الْمَالِكِيَّة وَالشَّيْخ تقى الدّين بن تَيْمِية من الْحَنَابِلَة فى فتاويهم وَغَيرهم ان كفر هَؤُلَاءِ الطوائف مِمَّا اتّفق عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ وان من شكّ فى كفرهم فَهُوَ كَافِر مثلهم وانهم أكفر من الْيَهُود وَالنَّصَارَى لانهم لَا تحل مناكحتهم وَلَا تُؤْكَل ذَبَائِحهم بِخِلَاف أهل الْكتاب وانهم لَا يجوز اقرارهم فى ديار الاسلام بجزية وَلَا بِغَيْر جِزْيَة وَلَا فى حصون الْمُسلمين وَجزم الشَّيْخ ابْن تَيْمِية بِأَنَّهُم زنادقة وانهم أَشد كفرا من الْمُرْتَدين لانهم يَعْتَقِدُونَ تناسخ الارواح وحلول الاله فى على وَالْحَاكِم وَمن طالع كتبهمْ عرف حقيقتهم الخبيثة فان فِيهَا مَا يستبشع جدا وَمن جملَة معتقداتهم ان الالهية لَا تزَال تظهر فى شخص بعد شخص كَمَا ظَهرت فى على وشمعون ويوسف وفى غَيرهم بِأَنَّهَا ظَهرت بعد ذَلِك فى الْحَاكِم وَأَن كل دور يظْهر فِيهِ اله وَيَقُولُونَ هُوَ الْآن ظَاهر فى مشايخهم الَّذين يسمونهم العقال ويجحدون وجوب الصَّلَاة وَصَوْم شهر رَمَضَان وَالْحج ويسمون الصَّلَوَات الْخمس بأسماء غَيرهَا ويوالون من تَركهَا ويجعلون أَيَّام شهر رَمَضَان أَسمَاء ثَلَاثِينَ رجلا ولياليه أَسمَاء ثَلَاثِينَ امْرَأَة وَهَكَذَا يَقُولُونَ فى سَائِر الشَّرِيعَة المطهرة وَيُنْكِرُونَ قيام السَّاعَة وَخُرُوج النَّاس من قُبُورهم وَأمر الْمعَاد وَيَقُولُونَ بتناسخ الاروح وانتقالها الى أبدان الْحَيَوَانَات وان من ولد فى تِلْكَ اللَّيْلَة انْتَقَلت روح من مَاتَ فِيهَا اليه وَيَقُولُونَ ان الْعَالم أَرْوَاح تدفع وَأَرْض تبلع وَبِالْجُمْلَةِ نعتقدهم ضلال كُله وانما ذكرت حَالهم وأطلت فِيهِ لِكَثْرَة تشعب الآراء فيهم فَهَذَا يُقرر مَا هم عَلَيْهِ فى الاذهان وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق والشقيف بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت ثمَّ فَاء وَيعرف بشقيف أرنون بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون الرَّاء الْمُهْملَة وَضم النُّون وَسُكُون الْوَاو ثمَّ نون فى الْآخِرَة قَالَ فى الْمُشْتَرك وَهُوَ اسْم رجل أضيف الشقيف اليه وَيعرف أَيْضا بالشقيف الْكَبِير وَهُوَ حصن بَين دمشق والساحل بعضه مغارة منحوتة فى الصخر وَبَعضه لَهُ سور وَهُوَ فى غَايَة الحصانة وعَلى الْقرب مِنْهُ شقيف آخر يعرف بشقيف تبرون بِكَسْر التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَسُكُون الْبَاء وَضم الرَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَنون فى الْآخِرَة وهى قلعة حَصِينَة من جِهَة الاردن على مسيرَة يَوْم من صفد فى سمت الشمَال قَالَ فى مسالك الابصار وَلَيْسَت من بِلَاد صفد وَأهل هَذَا الْعَمَل رافضة وَالله أعلم

ص: 269

فَخر الدّين بن مُحَمَّد الخاتونى المكى الْكَاتِب الشَّاعِر تَرْجمهُ الاخ الْفَاضِل مصطفى ابْن فتح الله فَقَالَ فى وَصفه كَاتب ماهر وشاعر قلد الطروس من نظمه عُقُود الْجَوَاهِر جرى فى ميدان القريض ملْء عنانة فاجتبى من زهرات رياضه واقتطف ورد جنانه ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ على طَريقَة حَسَنَة وَأخذ عَن شُيُوخ عصره علوما عديدة وبرع فى الادب وَبِه اشْتهر وَكَانَ عَظِيم الْهَيْئَة حسن الصُّورَة وضئ الْوَجْه نير اللِّحْيَة يغلب عَلَيْهِ صفاء الْقلب ورقة الطَّبْع والانطباع لعامة النَّاس والتغابى عَمَّا لَا يرضى من أَحْوَالهم وَمن شعره قَوْله فى مليحة اسْمهَا غربية

(رب سمراء كالمثقف لما

خطرت فى الغلائل السندسيه)

(غادة تسلب الْعُقُول وَلَا بدع وأعمال طرفها سحريه

)

(جبلت ذَاتهَا من المندل الرطب ففاقت على الرياض الذكيه

)

(مَالهَا فى الغصون ند وَلَيْسَ الند الا من ذَاتهَا المسكيه

)

مِنْهَا

(هى للقلب منيه وَلكم من

صدها الصعب ذاق طعم المنيه)

(ذَات لحظ وَسنَان يفعل مَا لم

يفعل السَّيْف فى قُلُوب الرعيه)

(ومحيا من دونه يخسف الْبَدْر اذا لَاحَ فى الليالى البهيه

)

(حوت الْحسن كُله فهى مِمَّا

أبدع الله صنعه فى البريه)

(شبهوها عِنْد التلفت بالظبى وهيهات مَا هما بالسويه

)

(كل شئ يخفى اذا مَا تبدت

وهى كَالشَّمْسِ لَا تزَال مضيه)

(لَيْت شعرى وأى شمس بشرق

لَك تبقى اذا بَدَت غربية)

وَقَوله يرثى السَّيِّد أَحْمد بن مَسْعُود

(على فقد بَدْرًا لتم أَحْمد فلتجد

لعظم الاسى من كل ندب شؤنه)

(والا فَمن يَا لَيْت شعرى بعده

اذا هى لم تسمح تسمح جفونه)

(فَتى كَانَ والايام للجدب كلح

اذا أمه العافى اضاء جَبينه)

(فتبصر بَدْرًا مِنْهُ قد تمّ حسنه

وتنشق روضا قد تناهت فنونه)

(تجود وان أودى الزَّمَان يسَاره

بِمَا قد حوت من كل وفر يَمِينه)

(فَقل للذى قد جد فى طلب الندى

رويدك ان الْجُود سَارَتْ ظعونه)

(وَقد غَابَ من أفق الْكَمَال منيره

كَمَا غَار من بَحر النوال معينه)

(وَأصْبح وَجه المزن للحزن كالحا

كَأَن لم تكن من قبل قرت عيونه)

ص: 270

(سأبكيه والآداب أجمعها معى

بدمع تود السحب يَوْمًا تكونه)

(وَلم لَا عَلَيْهِ الْفَخر يبكى تأسفا

وَقد حق مِنْهُ الْبَين وَهُوَ خدينه)

(فَذَاك الذى فى مثله يقبح العزا

وَيحسن الا من هَوَاهُ سكونه)

(عَلَيْهِ من الله التَّحِيَّة مَا وفت

بفرقته من كل حى منونه)

(وَرَحمته مَا حن أَو ناح واله

نأى عَنهُ من بعد الندانى قرينه)

وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَخمسين وَألف

الامير فروخ بن عبد الله أَمِير الْحَاج الجركسى البطل المتفوق الثَّابِت الْقلب هُوَ فى الاصل من مماليك الامير بهْرَام بن مصطفى باشا أخى الامير رضوَان حَاكم غَزَّة الْمَشْهُور ثمَّ بعد وَفَاة سَيّده تنبل وشاع أمره بالشجاعة والسخاء والمروءة حَتَّى ولى حُكُومَة نابلس وامارة الْحَاج وَتصرف فى هَذَا المنصب تَصرفا عجيبا وَصرف جهده فى حراسة الركب كَانَ من المعمرين الصَّالِحين شجاعا جوادا مُدبرا عَاقِلا حازما لَهُ خبْرَة بالامور معززا مكرما وَلم يزل فى هَذَا المنصب الى أَن مَاتَ بِمَكَّة المشرفة فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بجوار الله تَعَالَى

فضل بن عبد الله الطبرى المكى مفتى الشَّافِعِيَّة بِالْبَلَدِ الْحَرَام وامام مقَام ابراهيم عليه الصلاة والسلام ذكره السَّيِّد ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه خلف ذَلِك السّلف والمعيد من عهد مجدهم مَا سلف الْفضل اسْمه وسمته النافحة بأرجه نسمته رفع عماد ذَلِك الْبَيْت فَأقر عين الْحَيّ مِنْهُم وَالْمَيِّت وَهُوَ الان مفتي الشَّافِعِيَّة بِالْبَلَدِ الْحَرَام والملحوظ بِعَين الاجلال والاحترام يشنف السطور بفرائده ويفوق الطروس بفوائده مَعَ انافته فى الادب بمكانه شيد من ربعهَا المشيد أَرْكَانه فاجتلى بهَا نُجُوم لياليه واقتنى مِنْهَا منظوم لآليه ثمَّ قَالَ وَلَا يحضرنى من شعره غير قَوْله فى التَّفْضِيل بَين مسمعين يعرف أَحدهمَا بِرُكْن الآخر بالقصبى

(تخَالف النَّاس فى ركن فقدمه

قوم وَقوم عَلَيْهِ قدمُوا القصبى)

(وَقَائِل الْحق والانصاف قَالَ مَتى

أسمعهما ألق أستاذا وألق صبى)

وَذكره غَيره فَقَالَ ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَأخذ عَن أكَابِر الشُّيُوخ وَله شعر كثير مِنْهُ قَوْله

(لَا تضيع سَبَهْلَلا فرس الْعُمر بِلَا طَاعَة وَلَا تتعلم

)

(سَوف يدرى الجهول عِنْد انقضا الْعُمر سدى كَيفَ ضَاعَ مِنْهُ فيندم

)

وَقَوله مؤرخا للسيل الْوَاقِع بِمَكَّة فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف

ص: 271

(سُئِلت عَن سيل أَتَى

وَالْبَيْت مِنْهُ قد سقط)

(مَتى أَتَى قلت لَهُم

مَجِيئه كَانَ غلط)

وَمن مؤلفاته التبجيل لشان فَوَائِد التسهيل فى الْعرُوض وَله من قصيدة يمدح بهَا الشريف زيد بن محسن

(يَا مى حَيا الحيا أَحْيَا محياك

هلا باعتاب عتبى فَاه لى فَاك)

(من لى اليك وَقد أودى صدودك بى

وَلَا تزالين طوعى لى أفاك)

(يَا هَذِه لم أزل من بعْدهَا ودنو السقم من بعْدهَا موثوق أشراك

)

(تيهى أطيلى التجنى والجفاء وَمَا

أردْت فاقضيه بى فالحسن ولاك)

(رفقا رويدا كأنى بالعذول على

تطاول الصدفى ذَا الصب عزاك)

مِنْهَا

(حسبى دَلِيلا على شوقى المبرح بى

انى لثمت عذولى حِين سماك)

(والجفن فى أرق وَالْقلب فى حرق

وَالْعين فى غرق انسانها باك)

(يَا مهجة الصب غير الصَّبْر لَيْسَ وَقد

جنت عَلَيْك بِمَا لاقيت عَيْنَاك)

مِنْهَا

(وأجملى الود واخشى عدل ذى الشّرف الْمُؤَيد الْعِزّ مولائى ومولاك

)

(زيد بن محسن سُلْطَان الانام امام الحضرتين أَمَان الْخَائِف الباكى

)

مِنْهَا

(يَهْتَز للعفو من حلم وَلَا طرب الشُّمُول من شمس شماس وبتراك

)

(وَذكره أرج الارجاء شاسعة

فطيب عرف الصِّبَا من عرفه الذاكى)

(يَا نفس آمله بِشِرَاك بِشِرَاك

فَلَو قضيت باذن الله أحياك)

مِنْهَا

(لَو كَانَ فى عصره بعد النُّبُوَّة مَبْعُوث لَكَانَ بِلَا دفع واشراك

)

(لَو طرزت باسمه الرَّايَات مَا حذرت

أَصْحَابهَا غلبا أَو حطم دهاك)

مِنْهَا

(قد زَاد فى شرف الْبَطْحَاء انك فى

جِيرَانهَا خير فعال وتراك)

(مولى الْجَمِيل ومنجاة الدخيل ومنحاة الخذيل سرى عين املاك

)

قَوْله فى مطلع القصيدة فَاه لى فَاك جرى فِيهِ على اللُّغَة الضعيفة وَهُوَ لُزُوم الالف للاسماء الْخَمْسَة فى جَمِيع الْحَالَات كَقَوْلِه ان أَبَاهَا وَأَبا أَبَاهَا وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة المشرفة فى رَابِع عشرى شعْبَان سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالمعلاة

فضل الله بن شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن العمادى الدمشقى الحنفى تقدم جده وَأَبوهُ وعماه ابراهيم وعماد الدّين وَكَانَ فضل الله هَذَا من فضلاء الْوَقْت وبلغائه وَهُوَ من المتنبلين فى الاخذ باطراف الْفَضَائِل والاشتمال على كرم الشَّمَائِل وَيرجع

ص: 272

مَعَ ذَلِك الى شعر باهر ونثر معجب وَكَانَ من حِين نشاته الى مماته متفيئا ظلال النِّعْمَة آخِذا من التنعم حَظه وجاهه فى دولة آبَائِهِ يحل فرق الفراقد ويزاحم منَاط الثوابت وَكَانَ معتنيا بالاشتغال من طَلِيعَة عمره فَقَرَأَ فنون الادب على شَيخنَا الْمُحَقق ابراهيم الفتال وَالشَّيْخ مُحَمَّد العيثى وَتخرج بِأَبِيهِ وعميه حَتَّى تفوق وَبلغ من الْفضل مَا بلغ وَكَانَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى يفضله ويرجحه على كل من عداهُ من أقرانه وَيَقُول انه مِمَّا يهزنى الى الطَّرب حسن مَنْطِقه ولطف محادثته وأعهده ينشد فى حَقه هَذِه الابيات غير مرّة وهى

(صاحبته فَرَأَيْت الْبَدْر كلمنى

وجنته فَرَأَيْت الْبَحْر ينهمل)

(فيا رعى الله مخدوما نسامره

وَقد تناسب فِيهِ الْمَدْح والغزل)

(قد حَاز باكورة الافضال وَهُوَ لَدَى

باكورة السن لَا زَالَت لَهُ الدول)

وَكَانَ وَالِده فرغ لَهُ عَن الْمدرسَة الشبلية فدرس بهَا وَلما أَنَاخَ الدَّهْر على بَيتهمْ بكلكه ووجهت عَنْهُم الْفتيا انزوى مَعَ أَبِيه فى زَاوِيَة الْوحدَة مُدَّة الى أَن ولى الْمولى مُحَمَّد بن مَحْمُود الْمَعْرُوف بمفتش الاوقاف وَهُوَ الذى صَار آخرا مفتى التخت العثمانى قَضَاء الشَّام ظهر ظُهُور الْكَنْز المخفى وَكَانَ قاضى الْقُضَاة الْمَذْكُور أَقرَأ التَّفْسِير فَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يحضر درسه ويبدى أبحاثا فائقة فاشتهر فَضله وسما قدره ثمَّ بعد مُدَّة من عزل الْمولى الْمَذْكُور عَن قَضَاء الشَّام سَافر المترجم الى الرّوم وَاجْتمعَ بشيخ الاسلام يحيى المنقارى فَأقبل عَلَيْهِ وَوجه اليه رُتْبَة الدَّاخِل وَرجع الى دمشق وَلما توفى والدى أعْطى مَكَانَهُ قَضَاء بيروت على طَرِيق التَّأْبِيد وَلم تبْق عَلَيْهِ كثيرا وَكَانَ وَرَاء للزِّيَادَة مواعد ماطله الزَّمَان بهَا فَارْتَبَطَ فى دَاخل دَاره لادب يقتبسه أَو كتاب يطالعه وَكَانَ مُولَعا بالآداب الغضة يهصر أَغْصَانهَا ويفصد دنانها وَكنت لما رجعت من الرّوم أنست بمجلسه أَيَّامًا فَوَجَدته يرجع الى اتقان فى الادب وذكاء فى الخاطر وحذق فى البلاغة وَتوسع فى البضاعة وعثرت بنبذ من أشعاره البهية النقية فى بعض المجاميع فصرفت وَجه الهمة الى أَخَوَات لَهَا فَمن ذَلِك قَوْله

(مذ مَال خرت لَهُ الأقمار سَاجِدَة

خوط بِهِ من رحيق الثغر اسكار)

(حط اللثام فَغَاب الْبَدْر من خجل

وَقد بدا اللدجى فى الصُّبْح اسفار)

(أضحى كجسمى مِنْهُ الخصر لَيْسَ يرى

ومنطقته من العشاق أبصار)

(وشاحه مثل قلبى خافق أبدا

ولخطه الفاتن الفتاك سحار)

ص: 273

(كَأَنَّمَا شَعْرَة فى خَال وجنته

دُخان قِطْعَة ند تحتهَا نَار)

وَهَذَا // معنى لطيف // وَقد سبق اليه فَمِنْهُ قَول ابْن سناء الْملك

(سمراء قد أزرت بِكُل أسمر

بلونها ولينها وقدها)

(أنفاسها دُخان ندخالها

وريقها من مَاء ورد خدها)

وَقَول السَّيِّد مُحَمَّد العرضى الحلبى

(على وجناته خَال عَلَيْهِ

تبدت شَعْرَة زادته لطفا)

(كقطعة عنبر من فَوق نَار

بدا مِنْهَا دُخان طَابَ عرفا)

وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة

(ومدير لنا المدام بكاس

مثل عقد حبابه منظوم)

(هُوَ بدر وفى الْيَمين هِلَال

فِيهِ شمس وَقد علتها النُّجُوم)

(من دنادنه يشم عبيرا

من شذاه رحيقه مختوم)

(حى يَا صَاح بالفلاح عَلَيْهَا

واصطحبها تنفك عَنْك الهموم)

(ودع الْعُمر ينقضى بالتصابى

وكذاك الوشاة دعهم يلوموا)

قَوْله هُوَ بدر قد أحسن فى هَذَا الْجمع لَكِن تَشْبِيه الكاس بالهلال مَحل نظر والمتعارف تشبيهه بالبدر لتَمام استدارته كَمَا فى قَول الاستاذ ابْن الفارض

(لَهَا الْبَدْر كأس وهى شمس يديرها

هِلَال وَكم يَبْدُو اذا مزجت نجم)

الا أَن يكون قصد الزورق فانه شبه بِهِ الْهلَال كَمَا فى قَول ابْن المعتز

(وَانْظُر اليه كزورق من فضَّة

قد أثقلته حمولة من عنبر)

فعكس التَّشْبِيه وَقد وَقع لى فى حل بَيت فارسى سُئِلت تعريبه فَقلت

(وَلما أدَار الشَّمْس بدر لَا نجم

بأفق الهنا بَين الهلالين فى الغسق)

(عجبت لَهُ يبدى لنا الصُّبْح جيده

وَمَا غَابَ عَنَّا بعد فى كَفه الشَّفق)

فالهلالان هُنَا الباهم والمسبحة اذا قبضا على الكاس كَمَا يَفْعَله الاعاجم والاروام فى مناولة اناء المشروب وَقد اقتفى أَثَرهم فِيهِ أهل بِلَادنَا فينشأ مِنْهُ صُورَة هلالين من كل مِنْهُمَا هِلَال فَهُوَ تَشْبِيه بِلَا شَبيه وَلِصَاحِب التَّرْجَمَة

(اطار الْهوى من جمر خديه جذوة

فأصلى بهَا قلبى الذى ضم أضلعى)

(وَصعد من بعد مَا قد أذاقه

وقطره من مقلتى در أدمعى)

وَأحسن مِنْهُ قَول كَمَال الدّين بن النبيه

ص: 274

(تعلمت علم الكيمياء بحبه

غزال بجسمى مَا بِعَيْنيهِ من سقم)

(فَصَعدت أنفاسى وقطرت أدمعى

فصح من التقطير تصفيرة الْجِسْم)

وَله

(فديتك رابنى الاعراض عَنى

وَلم أعرف لَهُ سَببا وحقك)

(سوى انى الْمُقِيم على ودادى

وانى يَا حبيبى عبد رقك)

وَله

(بى ظبى أنس لَاحَ فى قرطق

قد فَضَح الدرسنى ثغره)

(مَا فِيهِ من عيب سوى أَنه

أشبه جسمى بالضنى خصره)

وَله

(دائى الْحبّ والامانى طبيبيى

والنوى والفراق من عوادى)

(ودوائى ذكر اللوا وسميرى

ضيف طيف مُوكل بسوادى)

وَله

(ودعنى من نَوَاه أودعنى

شوقا يزِيد الْفُؤَاد نيرانا)

(وَقَالَ لى والبكاء يغلبه

يَا لَيْت يَوْم الْفِرَاق لَا كَانَا)

وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف وَتوفى قبيل الظّهْر بِمِقْدَار سَاعَة من يَوْم الاربعاء خَامِس عشرى رَجَب سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر بالجامع الاموى وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَمن غَرِيب مَا اتّفق لى فى هَذَا التَّارِيخ اننى لما بيضت مِنْهُ التبييض الاول كنت وصلت فى تبييضه الى هَذَا الْمحل وشغلتنى الْعَوَائِق أَيَّامًا عَن تبييض شئ مِنْهُ مَعَ انه لم يعْهَد لى ذَلِك حَتَّى مَاتَ صَاحب التَّرْجَمَة فأدرجته فى مَحَله الذى يذكر فِيهِ وَأغْرب من ذَلِك توافقه مَعَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى أَشْيَاء كَثِيرَة يعرفهَا من طالع الترجمتين وَالثَّانيَِة تاتى قَرِيبا وَمن جملَة الموافقات موافقتهما فى الِاسْم والعمر وَالْفضل وَكَانَ ذَلِك هُوَ الْبَاعِث لى على رثائه بِهَذِهِ الابيات وهى

(لهفى على الْفضل وحيد دهره

قضى فَكل لاهج بِذكرِهِ)

(ندب بِهِ الايام قد تشرفت

عزفهان الدَّهْر عِنْد قدره)

(حكى أَبى فى كل وصف ناضر

مَا الْمسك الا شمة من عطره)

(بكيته حَتَّى استحالت عبرتى

دَمًا وهذى مهجتى فى اثره)

(وَكَيف لَا أبكى مُوَافقا أَبى

فى فَضله وفى اسْمه وعمره)

فضل الله بن على بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الاسطوانى الدمشقى الحنفى رَئِيس الْكتاب بمحكمة قاضى الْقُضَاة أحد أفاضل الكتبة الا كَامِل وَهُوَ ابْن خالتى وختنى وَكَانَ من أَفْرَاد الْعَصْر فى الْمعرفَة والصلف وافر التنعم سخيا متوددا معاشرا لزم فِيمَا عهدته

ص: 275

شَيخنَا الشَّيْخ عبد الحى بن الْعِمَاد العكرى الْمُقدم ذكره فَقَرَأَ عَلَيْهِ كثيرا واغتنمت فى صحبته مَعَه ليالى وأياما مَا زلت أذكرها ثمَّ بعد وَفَاة شَيخنَا الْمَذْكُور لزم شَيخنَا الشَّيْخ رَمَضَان العطيفي فَقَرَأَ عَلَيْهِ الدُّرَر وَالْغرر وَمَات شَيخنَا وَلم يكمله فشرع فى تتميمه على شَيخنَا الشَّيْخ ابراهيم الفتال ثمَّ بعد وَفَاة الفتال قَرَأَ دروسا مِنْهُ على شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْقَادِر بن عبد الهادى ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الخاتونية والمقدمية وهى مَشْرُوطَة لَهُم وسافر الى الرّوم وَحج وَجمع من نفائس الْكتب والذخائر مَا لم يجْتَمع عِنْد أحد من أَبنَاء عصره وَولى رياسة الْكتاب ثمَّ مرض وَطَالَ مَرضه مُدَّة الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى أَوَائِل ذى الْحجَّة سنة مائَة وَألف عَن سِتّ وَخمسين سنة وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بتربة الغرباء عِنْد أسلافه بنى الاسطوانى

فضل الله بن عِيسَى البوسنوى الحنفى نزيل دمشق الامام المفنن الاستاذ الشهير كَانَ أحد أَعْيَان الْعلمَاء معرفَة واتقانا وحفظا وضبطا للفقه وتفهما فى علله مُمَيّزا لصحيح الاقوال من سقيمها مستحضر الْكثير من الْفُرُوع على تشعبها وَكَانَ عَارِفًا بالاصلين والْحَدِيث وفنون الادب حق الْمعرفَة نظارا كثير الِاشْتِغَال حسن العقيدة فى الصلحاء قَرَأَ فى بلدته بوسنة الْكثير وَحصل ثمَّ ولى الافتاء ببلدة بلغراد وَتعين بهَا كل التعين ثمَّ خرج مِنْهَا بنية الْحَج وَدخل دمشق فى سنة عشْرين وَألف وَحج من طريقها فى تِلْكَ السّنة وَلما رَجَعَ الى دمشق توطنها واقتنى دَارا دَاخل بَاب الْجَابِيَة بمحلة الشَّيْخ عَمُود ودرس أَولا بِالْمَدْرَسَةِ الامينية ثمَّ أَخذ الْمدرسَة التقوية عَن الشهَاب العيثاوى فى شهر رَمَضَان سنة احدى وَعشْرين وَألف ووجهت اليه الْحُجْرَة الَّتِى فى المشهد الشرقى الْمَعْرُوف بمشهد الْمحيا بالجامع الاموى واتخذها محلا لدروسه الْخَاصَّة وَقَرَأَ عَلَيْهِ غَالب أَعْيَان الْفُضَلَاء فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَكَانَ يقررها أحسن تَقْرِير وَكَانَ اليه الْغَايَة فى الْقِرَاءَة والتفهيم وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة بِدِمَشْق وَكَانَت فَتَاوِيهِ مرغوبة مَقْبُولَة وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ أَحْمد العسالى الخلوتى الْمُقدم ذكره وَصَارَ خَليفَة وَكَانَ يلازم حَلقَة ميعاده وَيدخل مَعَه الْخلْوَة وَبنى مَسْجِدا بمحلة الحسودية خَارج دمشق بِالْقربِ من جَامع يلبغا ورتب فِيهِ مبرات ووقف عَلَيْهِ حوانيت بسوق الرصيف قرب الْمدرسَة الامينية احتكرها من وقف الْمدرسَة الْمَذْكُورَة وَكَانَ على مَا مكن لَهُ من الطول الطائل والتوسع فى الدُّنْيَا ممسكا جدا خَبِيرا بِأَمْر المعاش وَحكى عَنهُ انه كَانَ يَقُول

ص: 276

ينبغى أَن يكون حطب الْبَيْت قطعا كبار الئلا يحصل اسراف فى وقدها وَكَانَ مغرما بمعاملة الفلاحين وَاتفقَ لَهُ انه ادّعى عَلَيْهِ لَدَى قاضى الْقُضَاة الْمولى عبد الله بن مَحْمُود العباسى الْمُقدم ذكره بمبلغ أَخذه زَائِدا فأهانه قاضى الْقُضَاة اهانة بليغة وَلم يكن عهد لَهُ انه أهين مُدَّة عمره فانه كَانَ موقرا مُحْتَرما عِنْد كبار الوزراء والاعيان وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من صُدُور الْعلمَاء وَكَانَت وِلَادَته ببوسنة سراى فى صفر سنة تسع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى نَهَار الْخَمِيس ثانى عشرى صفر سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من حَضْرَة بِلَال الحبشى رضى الله عَنهُ

فضل الله بن محب الله بن مُحَمَّد محب الدّين بن أَبى بكر تقى الدّين والدى المرحوم الدمشقى المولد والوفاة أزكن فضلاء الْوَقْت البارعين وبلغائه المعروفين وَكَانَ حسن الْمعرفَة بفنون الادب يجمع تفاريق الكمالات وَيرجع مَعهَا الى خطّ مَنْسُوب وَلَفظ عذب وَمَعْرِفَة باللغتين الفارسية والتركية واستكثر فى أَوَائِله من الْقِرَاءَة على الشَّيْخ أَحْمد بن شمس الدّين الصفوري الْمُقدم ذكره فَأخذ عَنهُ الفصاحة وتفتحت لَهُ أَبْوَاب الشّعْر ثمَّ لزم الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى فَأخذ عَنهُ الْفِقْه وسما فى حَدَاثَة سنة الى مَرَاتِب أَعْيَان الادباء الَّتِى لَا تدْرك الا مَعَ الِانْتِهَاء وَكَانَ قوى البديهة حسن الْمُنَاسبَة حكى لى من لَفظه قَالَ كنت وانا فى سنّ ثَلَاث عشرَة سنة معتنيا بالقلم التَّعْلِيق فَحَضَرت مَجْلِسا للْمولى أَحْمد بن المنلا زين الدّين المنطقى وَهُوَ قاضى الْقُضَاة بِالشَّام وَمَعَهُ أَعْيَان عُلَمَاء دمشق فى دَعْوَة لوالدى فَطلب من والدى أَن يرى خطى فَكتبت لَهُ فى قرطاس هذَيْن الْبَيْتَيْنِ

(ألزمت شكرك منطقى وأناملى

وأقمت فكرى بِالْوَفَاءِ زعيما)

(وَمَتى أقوم بشكر نِعْمَتك الَّتِى

عقدت على من الخطوب تميما)

فَلَمَّا وقف على مَا كتبته أَعْجَبته مناسبته غَايَة الاعجاب فَوَقع تَحْتَهُ قَول الشَّيْخ الامام التقى السبكى فى ابْنه

(أرى ولدى قد زَاده الله بسطة

وكمله فى الْفضل وَالْعلم مذ نشا)

(سأحمد ربى حَيْثُ أُوتيت مثله

وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يشا)

وَحكى لى أَيْضا أَن وَالِده دعى الى وَلِيمَة وَكَانَ فصل القيظ قد اشْتَدَّ فَحَضَرَ وفى يَده مروحة وَكَانَ الاديب أَحْمد بن شاهين أحد من حضر فَقَالَ جَاءَنَا المحبى بمروحتين يعْنى المروحة الْحَقِيقِيَّة وَكبر اللِّحْيَة وَكَانَ الشاهينى أَحول فَلَمَّا بلغ والدى مقَالَته

ص: 277

قَالَ هُوَ رَآهَا ثِنْتَيْنِ وهى فى نفس الامر وَاحِدَة وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وَكَانَ يحب المداعبة ويستعملها اذا خلا مَعَ بعض خلانه وأذكر لَيْلَة خرج النَّاس بالجامع ينظرُونَ هِلَال شهر رَمَضَان فَرَآهُ رجل من جيراننا وَحده وَلم يزل يُومِئ اليه حَتَّى رَآهُ مَعَه غَيره وعاينوه ثمَّ جَاءَ الى الْوَالِد مهنيا وَهُوَ مفتخر بِرُؤْيَة الْهلَال وَحده فَقَالَ لَهُ أخْشَى على بَصرك من تحديقك فِيهِ ان لَا ترَاهُ لَيْلَة عيد الْفطر وَهَذَا سحر الْكَلَام وَمَات أَبوهُ وسنه سِتّ عشرَة سنة فاتصل بِخِدْمَة الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى الْمُفْتى وَتخرج بالاقتباس من نوره والاغتراف من بحره وراض طبعه على أَخذ نمطه فى الانشاء فَصَارَ منشئا بِحقِّهِ وَصدقه متجرا فى ترسله وشعره وان كَانَ جيدا الا أَن نثره أَجود وألطف موقعا وأبدع صَنْعَة وانا بِحَمْد الله تَعَالَى قد أخذت الانشاء عَنهُ وتلقيت أساليبه مِنْهُ كَمَا قلت فى تَرْجَمته فى كتابى النفحة حَتَّى خصنى بتعليم مَا تفرد بِهِ من الانشاء وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَكَانَ أَخذ الحَدِيث عَن النَّجْم الغزى وَأَجَازَهُ اجازة عَامَّة فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف ثمَّ قصد سلوك طَرِيق عُلَمَاء الرّوم فسعى على الْمُلَازمَة من شيخ الاسلام الْمولى يحيى بن زَكَرِيَّا وسافر لاجلها الى حلب لما قدم اليها الْمولى يحيى فى خدمَة السُّلْطَان مُرَاد فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَألف فى سفرته هَذِه رحلته الجلية وَفرغ لَهُ أَبوهُ عَن الْمدرسَة الدرويشية ودرس آخر بالامينية مُضَافَة اليها ثمَّ سَافر الى الرّوم فى سنة احدى وَخمسين وَألف رحلته الرومية وَأقَام بهَا مِقْدَار سنة وانفصل عَن مدرسة الاربعين ثمَّ رَجَعَ الى دمشق وَأقَام مشتغلا فِيهَا بالتأليف وَمن مؤلفاته شَرحه على الْآجر ومية أَطَالَ الْكَلَام فِيهِ وَذكر أَشْيَاء لَطِيفَة ثمَّ رَحل الى مصر فى سنة تسع وَخمسين فى خدمَة قاضيها الْمولى مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم البورسوى وناب عَنهُ فى محكمَة الصالحية وَكَانَ ممتعا بالتفاته وحظى عِنْده كثيرا ثمَّ ورد مورد الشهَاب الخفاجى للتلقى مِنْهُ وَكَانَ البورسوى يبغض الشهَاب فَوجدَ بعض حَاشِيَته مسلكا لذمه وَقَالُوا انما كَانَ اجتماعه مَعَه ليذمك عِنْده ويهجوك فانحرف عَلَيْهِ بِسَبَب ذَلِك وغض عَنهُ طرفَة فَلم يعد بعْدهَا الى مَجْلِسه وَلما عزل البورسرى اسْتَقر هُوَ بِالْقَاهِرَةِ وَلم يزل مُدَّة اقامته مشتغلا بِأخذ الْعلم على كبراء الْجَامِع الازهر مِنْهُم النوران على الاجهورى وعَلى الشبراملسى والشهاب الشوبرى وَغَيرهم مِمَّن ذكره فى رحلته المصرية ثمَّ قدم الى وَطنه وَهُوَ مَرِيض واسترسل بِهِ الْمَرَض حَتَّى استغرق عمره فتخلى للتأليف

ص: 278

وَجمع كتابا من مُفْرَدَات الابيات يحتاجها المنشئ فى ترسلاته ورتبها على أَبْوَاب وَكَانَ كثيرا المطالعة لكتب الطِّبّ والمراجعة للاطباء حَتَّى تمهر فى علم الطِّبّ جدا وَكَانَ ملازم الحمية وَسمعت من لَفظه قبيل مَوته بأشهر أَنه من مُنْذُ سبع عشرَة سنة لم يَأْكُل المشمش وَالْعِنَب وَكَانَ شَدِيد التَّوَهُّم فى أَمر المزاج يتَوَهَّم أَشْيَاء بعيدَة ويبنى عَلَيْهَا وَاسْتمرّ مُجَانب الِاخْتِلَاط مَعَ النَّاس مُدَّة الى أَن ولى أستاذى المرحوم شيخ مُحَمَّد العزتى قَضَاء الشَّام فنبه حَظه من سنة الْغَفْلَة وراسل شيخ الاسلام أَبَا سعيد فى الشَّفَاعَة لَهُ برتبة قَضَاء آمد فَأحْسن بهَا اليه ثمَّ بعد مُدَّة سَافر الى الرّوم وَذَلِكَ فى تَاسِع الْمحرم سنة ثَلَاث وَسبعين وَألف وَأقَام بهَا أَربع سنوات وَلما توجه تركني وَأَنا ابْن احدى عشر سنة وَكنت ختمت الْقُرْآن فابتدأت فى الِاشْتِغَال من ذَلِك الْعَهْد وتعانيت نظم الشّعْر وَأول شعر قلته هَذِه الابيات كتبت بهَا اليه فى صدر رِسَالَة

(أتراه يسرنى بتلاقى

ونواه قد لج فى احراقى)

(كَيفَ أسلو عهوده وغرامى

فِيهِ أضحى وَقفا على الاشواق)

(يَا لَك الله من فؤاد معنى

كم يلاقى من الجوى مَا يلاقى)

(قد تصبرت بِالضَّرُورَةِ حتما

وَأرى الصَّبْر عَنهُ مر المذاق)

(فَلَعَلَّ الزَّمَان يقْضى بِجمع

لى من بعد طول هَذَا الْفِرَاق)

فَكتب الى من جملَة رِسَالَة وَقد قَرَأت الابيات القافية الَّتِى هى باكورة شعرك وعنوان نجابتك ان شَاءَ الله تَعَالَى وعلو قدرك فاياك من الشّعْر فانه كاسد السّعر ويشغل الْفِكر وَعَلَيْك بالاشتغال لتبلغ دَرَجَة الفحول من الرِّجَال وَالله سُبْحَانَهُ يبقيك وَمن كل سوء يقيك ويقر عين أَبِيك فِيك وفى أَخِيك وَكَانَ لى أَخ أَصْغَر منى وَهُوَ الذى ذكره وَكَانَ اسْمه فيض الله مَاتَ فى غيبته فَلَمَّا بلغه مَوته كتب الى ولدى وواحدى أَطَالَ الله لَهُ الْبَقَاء وأدام لَهُ الْعِزّ والارتقاء يعرض عَلَيْهِ وَالِده بعد عرض السَّلَام انه لما قدم فلَان وَسَأَلته عَن أَحْوَال الشَّام

(وَمن يسْأَل الركْبَان عَن كل غَائِب

فلابد أَن يلقى بشيرا وناعيا)

فَأخْبر عَن فقد شقيقك من مُدَّة وشهور عدَّة فغدا الْقلب دهشا والبنان مرتعشا والجفن بدمعه غرق وَالْقلب محترق وَقد أظلمت فى وجهى ديار الرّوم وعمت على قلبى غيوم الغموم فياله من خبر فتت الاكباد وَمنع الْعين الرقاد كدر الْعَيْش وجلب الطيش

ص: 279

(وَكَانَ النَّوَى يكفى لتشتيت شملنا

فَكيف اذا كَانَ النَّوَى والنوائب)

وَكنت أَرْجُو بقاه لاحظى بعد طول هَذِه الْفرْقَة بلقاه وَهَذِه حسرة الى الابد وجمرة لَا تكَاد تخمد فَلَا حِيلَة الا التَّسْلِيم والرضى وانا لله وانا اليه رَاجِعُون بِمَا قدر بِهِ وَقضى فنسأله سُبْحَانَهُ أَن يلهمنا جميل الصَّبْر ويعظم لنا جزيل الاجر وَأَن يَجْعَل ذَلِك خَاتِمَة الكروب وقافية بَيت الخطوب وَمَا نقص من عمره وانكسف من بدره زِيَادَة فى عمر أَخِيه رَأس المَال ونتيجة جَمِيع الآمال ففى بَقَائِهِ عوض عَن كل ذَاهِب وَخلف عَن كل غارب واذا دَعَوْت الله أَن يمتعنى بسمعى وَبصرى عنيته واذا قلت اجعلهما الْوَارِث منى فَهُوَ الذى أردته لذَلِك وارتضيته وَوَقع لَهُ فى بِلَاد الرّوم مَا جريات وأشعار وترسلات أثبت مِنْهَا كثيرا فى رحلته الاخيرة وهى أحسن آثاره وَكَانَ لَهُ أَمَان من الدَّهْر ماطله بقضائها حَتَّى مل الاقامة ويئس من الطّلب فَأَشَارَ اليه بعض اخوانه بِعَمَل قصيدة للوزير أَحْمد باشا الْفَاضِل فنظم قصيدته الرائية الَّتِى مطْلعهَا

(طيف يمثله الغرام بفكره

وَرَجا يحار بطيه وبنشره)

حكى لى مرَارًا أَنه لما دخل بهَا عَلَيْهِ تنَاول قرطاسها من يَده وَشرع فى قرَاءَتهَا الى أَن وصل الى قَوْله فِيهَا

(وألفت صرف الدَّهْر حَتَّى انه

سيان عندى عسره مَعَ يسره)

فأعجبه الْبَيْت ثمَّ سَأَلَهُ عَن مطلبه فأنشده بَيت الطغرائى

(أُرِيد بسطة كف أستعين بهَا

على قَضَاء حُقُوق للعلى قبلى)

فَزَاد عجابا بمناسبته ووعده مواعيد أنجزت وَلكنهَا تخلفت أَيَّامًا فَأَخَذته شدَّة القلق وَالْغَم لتأخرها وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه كَانَ فى ذَلِك الاثناء مارا فى بعض أَزِقَّة دَار الْملك وَهُوَ فى غَايَة ضيق الصَّدْر فَسمع رجلا من الرّوم يَقُول بِلَفْظ عربى فصيح

(وَلَا بُد فى الاوقات وَقت مبارك

)

فَفرج عَنهُ وَأخذ فأله مِنْهُ فَلم يمض أَيَّام قَليلَة الا ونالته شَفَاعَة الْوَزير بِقَضَاء بيروت وَلم تطل مُدَّة مقَامه بعد ذَلِك بالروم فَتوجه تِلْقَاء الشَّام ودخلها فى يَوْم الاحد غرَّة الْمحرم سنة سبع وَسبعين وَألف وَأقَام بهَا ثَلَاثَة أشهر ثمَّ توجه الى بيروت وصحبنى مَعَه وأقمنا بهَا مِقْدَار سنة ثمَّ رَجعْنَا الى الوطن وعدنا اليها مرّة أُخْرَى وأقمنا بهَا مِقْدَار عشرَة أشهر ثمَّ رَجعْنَا أَيْضا الى الشَّام تفرغ للتاريخ الذى جمعه وذيل بِهِ على تَارِيخ الْحسن البورينى وَالْتزم فِيهِ التسجيع وَهُوَ أحد مَادَّة

ص: 280

تاريخى هَذَا وَجمع ديوَان شعره ومنشآته وَهَا أَنا مُجَرّد لَك قِطْعَة من شعره يبتهج بهَا الخاطر فَمن ذَلِك قَوْله من قصيدة مطْلعهَا

(رعى الله أَيَّام الشبيبة من عصر

وهز نسيم الْعَيْش رَيْحَانَة الْعُمر)

(وَحيا بقاعا تنْبت الْحسن تربها

وتبدى لنا الاقمار من فلك الخدر)

(حللت بهَا والدهر أَبيض مقبل

وعيشى مُقيم فى خمائله الْخضر)

(تحوط بى الغيد الحسان أوانسا

كَمَا اشتبكت زهر النُّجُوم على الْبَدْر)

وَقَوله من أُخْرَى

(عميد قلبه يجب

بوجد الْخلّ يضطرب)

(اذا عنت لَهُ الذكرى

بِنَار الشوق يلتهب)

(فَلَا وعد يعلله

وَلَا وصل فيرتقب)

(فليلى كُله فكر

ويومى كُله تَعب)

(فَحَيَّا ربع كاظمة

وَلَا زَالَت بِهِ السحب)

(وعيشا مر لى رغدا

عَلَيْهِ الصب ينتحب)

(بِبَيْت الطّرف فى دعة

بِمن يهواه يصطحب)

(هِلَال بالبها تعنو

لَهُ الاقمار والشهب)

(يروم الريم يحكيه

وَلَكِن فَاتَهُ الشنب)

(يمِيل بِغُصْن قامته

اذا مَا هزه الطَّرب)

(بدا والكاس فى يَده

زها باللؤلؤا الحبب)

(فمسكنه غَدا قلبى

وَعَن عينى يحتجب)

(فَمن أفتاه فى تلفى

ترى للهجر مَا السَّبَب)

(ولوم لوائمى لؤم

وعذل عواذلى عجب)

(لَعَلَّ لياليا تصفو

ودهرى للمنى يهب)

(فتسعدنى وتمنحنى

بمولى صَدره رحب)

وَقَوله من قصيدة أُخْرَى مطْلعهَا

(غزال با سياف اللحاظ يصول

لَهُ فرع حسن قد نما وأصول)

(يطول على اللَّيْل من فرط هجره

وَلَا غر وليل العاشقين يطول)

(أسائل من شوقى لَهُ نسمَة الصِّبَا

اذا ازاد وجدى والمحب سؤول)

ص: 281

(أرَاهُ بِعَين الْقلب فى كل سَاعَة

قَرِيبا وَلَكِن مَا اليه وُصُول)

(أكل محب بالجفاء معذب

وكل حبيب بِالْوَفَاءِ بخيل)

(فكم أندب الاطلال منى جَهَالَة

وهيهات أَن يسلى العميد طلول)

(فها مهجتى وتف عَلَيْهِ محبس

وقلبى رهين والفؤاد كَفِيل)

(عساه بِأَن يشفى فؤادى بزورة

فانى من دَاء الْفِرَاق عليل)

(وعل زمانى بالامانى يجود لى

فان جواد الْحَظ مِنْهُ جفول)

(فآها على أَوْقَات قرب تقدّمت

وساعات سعد مَا لَهُنَّ مثيل)

(زمَان بِهِ غُصْن الشبيبة يَانِع

وَوجه زمانى بالسرور جميل)

(سقى الله هاتيك الْمنَازل والربى

وربعا بِهِ أهل الحبيب نزُول)

(وَحيا على رغم النَّوَى كل لَيْلَة

تولت وطر فى بالرقاد كحيل)

(وَأَيَّام أنس لَا يكدر صفوها

بلوم وَلم يعذل هُنَاكَ عذول)

(فَمَا ملت يَوْمًا بعْدهَا لشمائل

وَلَا حركتنى للغرام شُمُول)

وَقَوله من أُخْرَى

(حَدِيث غرامى فى هَوَاك صَحِيح

وقلبى كأقوال الوشاة جريح)

(وشوقى الى لقياك شوق حمامة

لَهَا فَوق أفنان الغصول صدوح)

(فتندب اطلالا لَهَا ومعاهدا

وَتظهر أشجانا بهَا وتصيح)

(فَلَا مؤنس فى الدَّار لى غير صَوتهَا

اذا هاج وجدى والدموع تسيح)

(كِلَانَا غَرِيب يشتكى الهجر والنوى

فيبكى على الف لَهُ وينوح)

(فقلبى وجفنى ذَا يذوب صبَابَة

حَزينًا وَهَذَا بالدموع قريح)

(ومهجة صب مستهام متيم

بهَا صَار من دَاء الغرام قُرُوح)

(أهيم غراما حِين أذكر جلقا

ودمعى بسفح القاسيون سفوح)

(وَلَو كَانَ طرفى فى يدى عنانه

سعيت وَلَكِن عَن مناي جموح)

وَقَوله من أُخْرَى

(ومصون عَلَيْهِ عِبْرَة حسن

حَجَبته عَن أعين الاوهام)

(حبه فى الْقُلُوب سر خفى

كخفاء الارواح فى الاجسام)

(ملك لم يدع من الْحسن شَيْئا

لسواه يرَاهُ فى الاحلام)

وَمن مقاطيعه قَوْله

ص: 282

(وَقد كنت أخْشَى الْبعد والشمل جَامع

بأحبابنا وَالْقلب دَار وداد)

(فقد صرت فى ذَا الْآن أبعد طَالب

وأقنع من رؤياهم بمداد)

وَقَالَ من الرباعيات

(يَا قلب دنت خيام سعدى فلج

وانعم سحرًا بِطيب ذَاك الارج)

(واصبر جلدا وَلَا تكن فى حرج

فالصبر غَدا مِفْتَاح بَاب الْفرج)

وَله

(يَا قلب ان كنت قلبِي

فِي الْحبّ لَا تتقلب)

(لَعَلَّ من بعد بعد

يدنو الحبيب فتطرب)

وَله فى صدر مُكَاتبَة

(ان كتبى الى جنابك تبدى

بعض مَا بى من كَثْرَة الاشواق)

(وفؤادى أضحى عليل اشتياقى

لَيْسَ يشفيه مِنْك الا التلاقى)

لَهُ غير ذَلِك وَأما منشآته فكثيرة جدا وَلما كَانَت هى الْمَقْصُودَة بِالذَّاتِ من آثاره ذكرت فصولا مِنْهَا ليتم الْغَرَض فَمن ذَلِك قَوْله من فصل كتب بِهِ الى قَاض نقل اليه عَنهُ انه يزدريه مولاى حرس الله تَعَالَى مَجْلِسه وَشرح صَدره وأدام أنسه ان الاعداء مَا زَالُوا يترقبون فرْصَة ويرتادون وسيله ليتوصلوا بهَا فى الْقدح بى لَدَى هاتيك الحضرة الجليلة حَتَّى غفل البواب وَفتح لَهُم الْبَاب رتبوا شباك الْغدر ونصبوا حبائل الْمَكْر واستفرغوا فى السّعَايَة جهدهمْ وأخرجوا أقْصَى مَا عِنْدهم وسلكوا فى الافتراء طَرِيقا عجبا وَكَانُوا يتمنون لذَلِك سَببا

(وَأصْبح أَقوام يَقُولُونَ مَا اشتهوا

وَغَابَ أَبُو عَمْرو وَغَابَتْ رواحله)

وَلَو رَأَيْت مَا افتروه فى الْمَنَام لتحققت أَنه أضغاث أَحْلَام وتعوذت بِاللَّه من شَرّ منامى وَسَأَلته سُبْحَانَهُ الْعَافِيَة من طوارق أحلامى

(لَو كَانَت الاحلام ناجتنى بِمَا

أَلْقَاهُ يقظان لأصمانى الردى)

ولظننت ان تِلْكَ الرُّؤْيَا نتيجة فكر ردى وبخار خلط سوداوى وانما دفعت فى منامى الى هَذَا التَّخْلِيط لَا كل الباذنجان والقنبيط فَبِحَق حياتك العزيزة عندى وَشرف طبعك الذى اسْتَأْثر بِمَجْمُوع شكرى وحمدى ان مَا قيل من مَحْض الاباطيل وَدَعوى من غير دَلِيل وَالله على مَا نقُول وَكيل اللَّهُمَّ انا نَسْأَلك عقلا يعقلنا عَن مثل تِلْكَ الحماقات ورشدا يمنعنا عَن تِلْكَ الدَّعَاوَى الباطلات

ص: 283

(والدعاوى مَا لم يقيموا عَلَيْهَا

بَيِّنَات أبناؤها أدعياء)

فالباطل يصغر من حَيْثُ يكبر ويقل من حَيْثُ يكثر والسعاية سلَاح من لَا سلَاح لَهُ وَالْكذب كيد من لَا كيد لَهُ فَمن جبل على الكدر لَا يصفو أبدا والذى خبث لَا يخرج الا نكدا وَمن فصل آخر كتب بِهِ الى صديق لَهُ عزل عَن منصب وَبدل بشخص دنى يعز على أَن أنظر الى ذَلِك الصَّدْر وَقد جلس فِيهِ غير ذَلِك الْبَدْر وانى لاستحى لعينى ان أفتحها على الصَّغِير وقسد جلس مجْلِس الْكَبِير فانى لذَلِك ضيق ساحة الصَّدْر قريب غر وَالصَّبْر كثير المباراة قَلِيل المداراة فَمَا أسْرع الايام على الْكَرِيم فِيمَا يضرّهُ وعَلى اللَّئِيم فِيمَا يسره فَترفع كل وغد خسيس وتخفض كل حر نَفِيس فَمَا هى الا الْبَحْر تسفل فِيهِ الْجَوَاهِر النفيسة وتطفو فَوْقه الجيفة وكالميزان يرفع من الكفة مَا يمِيل الى الخفة ويخفض مَا يفى بالرجحان وَيبعد من النُّقْصَان وَلَا بدع فهى علامه على قيام القيامه وَهَذَا الْخُرُوج مُقَدّمَة يَأْجُوج وَمَأْجُوج

(يَا ضَيْعَة الاعمار فى طلب العلى

بِالْعلمِ وَالنّسب الذى بالشين)

على أَن المنصب يشرف بِصَاحِبِهِ والمركب يجل براكبه فالصغير مِنْهُ بالكبير كَبِير وَالْكَبِير مِنْهُ بالصغير صَغِير

(أَنْت الْكَبِير الذى لَا الْعَزْل ينقصهُ

قدرا وَلَا المنصب العالى بشرفه)

وهى جلْسَة خطيب وسحابة صيف تقشع عَن قريب وَمن فَرح النَّفس مَا يقتل وَقد تهافت تهافت الْفراش بالشهاب وولغ ولوغ الذُّبَاب فى الشَّرَاب وَلَو أَن الدَّهْر يُجيب من خاطبه وَيَعْتِبُ من عاتبه لاستدركت هَذِه الْغَفْلَة عَلَيْهِ وفوقت سِهَام الملام اليه لكنه أَصمّ عَن الْكَلَام صبور على وَقع سِهَام الملام فَمن عَمُود الى عَمُود فرج وَكم صَبر يشم مِنْهُ طيب الارج وَله من فصل آخر كتب بِهِ الى بعض أحبابه يعْتَذر عَن عدم الْمُكَاتبَة أُرِيد أَن أقدم على المعذرة فأحجم وأكاد أَن أعرب عَن الشوق فأعجم كَيفَ لَا وشوقى مَالا تسعه عباره وذنب تقصيرى لَيْسَ لَهُ غير الْعَفو كفاره

(وَمَا الْفضل الا خَاتم أَنْت فصه

وعفوك نقش الفص فاختم بِهِ عذرى)

وَله من فصل آخر فى توقع أُمْنِية لَا يعزب عَن علم الْمولى بلغه الله تَعَالَى أمله ان أفضل الصَّدَقَة أَن تعين بجاهك على من لَا جاه لَهُ وشفاعة اللِّسَان أفضل زَكَاة

ص: 284

الانسان وَلَا يخفى قَوْلهم زَكَاة الجاه رفد المستعين وَقد وَردت من أَنهَار فضلك كل معِين فَمن طلب الرى من الْفُرَات لم يخْش الظمأ فى ورده وَمن قصد الْكَرِيم برجائه لم يخب فى قَصده فَلَيْسَ يُنجى من هَذِه الآلام والشدائد الَّتِى تعجز عَن وصفهَا السّنة الاقلام الا لمحة من لمحات فضلك وَلَا يجْبر هَذَا الْكسر الا نفحة من نفحات عدلك وَمَا عسر وعد أَنْت مستنجزه وَلَا بعد أَمر أَنْت منتهزه وَمَا خَابَ من أَنْت رائش نبله وواصل حبله والثقة وَاقعَة بك على كل حَال والمثوبة مُحَققَة من الْكَرِيم المتعال وَمن آخر يُعَاتب فِيهِ على قطع المراسلة تَأَخّر عَنى كتاب سيدى متع الله الادب بطول بَقَائِهِ وَصرف السوء عَن شرِيف حوبائه حَتَّى كدت أنسى أَيَّام المراسلة وصرت أرى فى الْمَنَام أَوْقَات الْمُكَاتبَة والمواصلة ثمَّ انى راجعت ظنى فَوجدت الذَّنب مقسوما بَينه وبينى فتحملت حِصَّة مِنْهُ ثمَّ انْفَرَدت بِجَمِيعِهِ عَنهُ فها أَنا الْآن أبدى عَن ذَلِك عذرا مَعَ اعترافى بالتقصير كلما ضَاقَ الامر صَدرا أوسعته صبرا

(وَمَا كَانَ قطع الْكتب عَنى ملالة

وحاشا لمثلى أَن يُقَال ملول)

(وَلَكِن أُمُور قد عرت وحوادث

ألمت وَشرح الحادثات يطول)

فالمحجوج بِكُل شئ ينْطق والغريق بِكُل خبل مُتَعَلق وَلَقَد عققت الود وظلمت الْعَهْد وَكنت منتظرا لعساكر العتاب فَلم يرد على الى هَذَا الْيَوْم من ذَلِك الجناب خطاب وَلَا كتاب فَكتبت هَذِه الاحرف أَخطب بهَا مودتى الْقَدِيمَة وَصدق ولائى من تِلْكَ الحضرة الْكَرِيمَة وَأَنا الْآن بِكِتَاب سيدى اذا ورد على أَشد سُرُورًا من المشتاق الى التلاق بعد طول الْفِرَاق وَقد مددت الى الطَّرِيق عينى وَأخذت أعد الخطا بَينه وبينى أَحسب كل انسان رَسُولا وكل شخص كتابا الى مَحْمُولا وَمن رِسَالَة لَهُ أرسلها الى مَنْصُور الطَّبِيب العيسوى

(أَنا أَصبَحت لَا أُطِيق حراكا

كَيفَ أَصبَحت أَنْت يَا مَنْصُور)

قد طَالَتْ الْعلَّة وَطَابَتْ الْعُزْلَة فَلَيْسَ فى الْحَرَكَة هَذَا الْآن بركه والانقطاع أربح مَتَاع والاجتماع جالب للصداع والاختلاط محرك للاخلاط والوحشة استئناس وَأجْمع للحواس

(خلت الديار فَلَا كريم يرتجى

مِنْهُ النوال وَلَا مليح يعشق)

فَهُوَ زمَان السُّكُوت وملازمة الْبيُوت وَأَوَان القناعة بالقسوت وَذَلِكَ قوت من

ص: 285

لَا يَمُوت

(فالحرحر وان مَسّه الضّر فوطؤه خَفِيف وضالته رغيف

)

(لُزُوم الْبَيْت أروج فى زمَان

عد منافيه فَائِدَة البروز)

(فَلَا السُّلْطَان يرفع من محلى

وَلست على الرّعية بالعزيز)

(وَلست بواجد حرا كَرِيمًا

أكون لَدَيْهِ فى حرز حريز)

وَهَذَا مَا وَقع اختيارى عَلَيْهِ من منشآته لاثباته فى تَرْجَمته ووراءه أَشْيَاء أخر تمتّع كل مطالع أَعرَضت عَنْهَا حذرا من التَّطْوِيل وَبِالْجُمْلَةِ فنثره كَمَا ترَاهُ مفرغ فى قالب السلاسه خَال من وصمة التعقيد وَفِيه معَان عذبة وألفاظ رائعة وَكَانَت وِلَادَته لَيْلَة الاربعاء سَابِع عشر الْمحرم سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى نَهَار الثُّلَاثَاء قبيل الظّهْر بِمِقْدَار سَاعَة ثَالِث عشرى جُمَادَى الثَّانِيَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ بعد الْعَصْر بِجَامِع بنى أُميَّة وَدفن بمدفننا الْخَاص قبالة جَامع جراح فى قبر جده ووالده

الشَّيْخ فضل الله بن مُحَمَّد الرومى البركلى وَأَبوهُ الشَّيْخ الْعَالم الْعلم صَاحب كتاب الطَّرِيقَة المحمدية أَخذ الْعُلُوم عَن وَالِده وَقدم الى قسطنطينية فى حُدُود سنة عشْرين وَألف وَأقَام بهَا واشتهر صيت علمه وَأعْطى وظائف الْوَعْظ والتذكير من ذَلِك وعظ جَامع السُّلْطَان سليم وَكَانَ ينْقل فِيهِ التَّفْسِير ثمَّ أعْطى وعظ جَامع السُّلْطَان بايزيد وَكَانَ عَالما فصيح اللِّسَان حسن الْبَيَان باهر الشان وَكَانَ للنَّاس عَلَيْهِ اقبال تَامّ وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاثِينَ بعد الالف وَصَارَ مَكَانَهُ واعظ الْعَالم الشهير بقاضى زَاده الرومى صَاحب الطَّرِيقَة الْمَشْهُورَة فى التقشف والصلابة فى الدّين وَكَانَ صَار مَكَانَهُ أَيْضا واعظا بِجَامِع السُّلْطَان سليم وسيأتى ابْنه مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعصمتى ان شَاءَ الله تَعَالَى

فضل الله باشا الْوَزير نَائِب الْيمن وَليهَا بعد مُحَمَّد باشا فَكَانَ وُصُوله الى بندر الصليف فى ثانى شهر ربيع الاول سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف وَدخل صنعاء فى رَجَب من هَذِه السّنة وَكَانَ يغلب على ظَاهر أَحْوَاله الجذب من سرعَة حركاته وَهُوَ فى جَمِيع أَحْوَاله من أهل الحزم والدهاء وَكَانَ يخَاف من الله تَعَالَى ويلوذ بالصالحين وَكَانَ كثير الصَّدقَات للْعُلَمَاء والسادة والفقراء وَكَانَ يَدُور فى اللَّيْل بِنَفسِهِ على بيُوت الاشراف وَيحسن اليهم وَكَانَ مجدا فى الامر بالصلوات فى الْجَمَاعَات وَمن تَأَخّر عاقبه وبرزت أوامره الى سَائِر الْوُلَاة بِأَن يأمروا كَافَّة أهل الاسلام بِحُضُور

ص: 286

الْجَمَاعَات حَتَّى عمرت الْمَسَاجِد فى زَمَنه ونسى اسْم الْخمر وَكَانَ يسْعَى على قدمه الى الْجَوَامِع للصلوات وَكَانَ زَمَانه زمَان خصب وَخير رخصت فِيهِ الاسعار وَكَثُرت الامطار وَحصل الامن فى الطرقات وَلما وصل الْخَبَر اليه ان بِلَاد الْيمن قد وجهت للوزير حيدر باشا نَهَضَ قبل مَجِيئه بسبعة أشهر خوفًا أَن يَقع فى جَانِبه كَمَا وَقع على من تقدمه من الْحُكَّام وَخَافَ من عَاقِبَة هَذَا الامر أَن يكون سَببا لخراب الْبِلَاد فَلم يملك نَفسه فى التَّرَبُّص والتوقف مَعَ علو صيته وبطشه فى الحروب حِين كَانَ فى الْيمن بل شمر ونهض مُعْلنا انه يُرِيد أَن يطوف فى ولَايَة الْيمن وَقد فعل قبل ذَلِك ليَكُون سَبِيلا لمثل ذَلِك وان مُرَاده اظهار الْعدْل والانصاف ولاجل قمع شَوْكَة الفرنج الَّذين تسلطوا على المراكب فى الْبَحْر وَكَانَ خليقا بِهَذَا الامر لَوْلَا استعجاله بالنهوض وباطنه بِخِلَاف مَا أظهر فانه أضمر فى نَفسه الخلوص من الْيمن قبل أَن يحصل لَهُ فتْنَة فَكَانَ خُرُوجه من صنعاء فى حادى عشرى شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف فوصل الى أَبى عريس وهى انْتِهَاء حد ولَايَة الْيمن وَذَلِكَ فى شعْبَان من السّنة الْمَذْكُورَة فانتقل الى رَحْمَة الله تَعَالَى فَلَمَّا صَارَت الْبِلَاد خَالِيَة مِمَّن يدعى الْملك نَهَضَ الامير مُحَمَّد بن سِنَان باشا وَقد أدْركهُ الْعجب بحب الرياسة وَالْملك اعْتِمَادًا مِنْهُ على أَحْوَاله بِالْقُوَّةِ الظَّاهِرَة وَأظْهر أَنه يُرِيد حفظ الخزانة الَّتِى خلفهَا الْمَذْكُور وَقد رَجَعَ كتخدا الْوَزير فضلى باشا بالخزينة والعساكر حِين وصل اليه الْمقر الْكَرِيم الامير خضر لاجل ازعاجهم مِمَّن هُوَ قَائِم بالامر فحين الْتَقَوْا فى مرجعهم بالامير مُحَمَّد قبض على الخزائن وَنكل السكتخدا الْمَذْكُور وَسَائِر أَتبَاع الْوَزير بأشد النكال وصادرهم وَكَاد يبوح بالاستقلال فَلَمَّا ركب فى غير سَرْجه ودرج فى غير برجه أحاطت بِهِ النحوس من كل جَانب وَلما اسْتَقر فى مَدِينَة زبيد فى جمع عَظِيم وَقد اشْتهر من الاراجيف ان الْحَاكِم الْمُتَعَيّن لليمن حصل عَلَيْهِ أَمر فى الْبَحْر ووردت بعد ذَلِك اخبار وُصُوله الى بندر جدة مَعَ رجل من أَتْبَاعه فَحِينَئِذٍ ظن الامير أَن خُرُوج صَاحب الامر من بندر الْبقْعَة يقرب زبيد وتطايرت الاخبار الى الْوَزير بِبَعْض حركته فَعدل الى طَرِيق بندر المخا فَكَانَ خُرُوجه الى البنرد الْمَذْكُور يَوْم الْجُمُعَة غرَّة شهر ذى الْقعدَة سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَألف فحين خرج من الْبَحْر أرسل الى الامير أَن يصل اليه فَلَمَّا وصل قابله فِيمَا طلبه من الاسعاف فَلَمَّا تمكن أَمر بِقطع رَأسه فَقطع فى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَالِث ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف

ص: 287

الشريف فهيد بن الْحسن بن أَبى نمى أحد أَشْرَاف مَكَّة كَانَ من أمره أَنه شَارك أَخَاهُ الشريف ادريس وَابْن أَخِيه الشريف محسن بن حُسَيْن بِالربعِ فى جَمِيع أقطار الْحجاز الدَّاخِلَة تَحت حكم صَاحب مَكَّة فكثرت أَتْبَاعه من الاشراف وَغَيرهم بِحَيْثُ صَار موكبه يضاهى موكب الْملك وَكَانَ اذا جلس وقفت التّرْك عَن يَمِينه وشماله وَاتخذ رُمَاة للبندق نَحْو مِائَتَيْنِ أَو أَكثر وَلم يحفظ أَتْبَاعه وعبيده من النهب وَالسَّرِقَة فَكثر ضَرَره على النَّاس وَعجز عَن مداراته الشريف ادريس وَلما اشْتَدَّ أمره أَخذ بِجَانِب أكمل الدّين القطبى وَأَرَادَ أَن يصيره مفتيا فَلم يرض الشريف ادريس وَوَقع بَينهمَا فَأرْسل الشريف ادريس لِابْنِ أَخِيه الشريف محسن وَكَانَ اذ ذَاك فى الْيمن بِأَن يأتى بِجَمِيعِ من مَعَه من الاشراف والقواد وَالْعرب فَحَضَرَ وَمَعَهُ أَمِير حلى مُحَمَّد بن بَرَكَات الحرامى ونودى فى مَكَّة بِأَن الْبِلَاد لله وللسلطان وللشريف ادريس والشريف محسن وخلع الشريف فهيد من الذّكر وَمنع من الرّبع وَلم يخْطب لَهُ وَكَانَ يَوْمئِذٍ بِمَكَّة فى بَيته وجموعه وافرة فاستعد أَصْحَابه لِلْقِتَالِ وَأَشَارَ اليه أعيانهم بِالْحَرْبِ فَامْتنعَ من ذَلِك وَطلب من الشريف ادريس مِقْدَار شهر مهله ليتأهب لِلْخُرُوجِ من مَكَّة وَيتَوَجَّهُ الى حَيْثُ أَرَادَ فَخرج من مَكَّة فى سنة تسع عشرَة وَألف وَطلب من أَخِيه الشريف ادريس أَن يُمكنهُ من سُكْنى مَكَّة بِغَيْر ربع فَامْتنعَ فانضم الى بعض أكَابِر الْحَاج المصرى وسافر الى مصر وتاريخ قدومه مصر قدومكم خير ثمَّ توجه الى الديار الرومية وَاجْتمعَ بالسلطان أَحْمد فَيُقَال انه أنعم عَلَيْهِ بأماره مَكَّة فعاجلته الْمنية وَمَات هُنَاكَ فى سنة عشْرين بعد الالف وَقيل فى تَارِيخ مَوته مَاتَ بالروم فهيد بن الْحسن

فيض الله بن أَحْمد الْمَعْرُوف بِابْن الْقَاف الرومى قاضى الْعَسْكَر أحد مشاهير فضلاء الرّوم كَانَ فَاضلا أديبا فصيح اللهجة هدار الشقشقة طنان الصيت وَله تَقْرِير وتحرير وأشعار بِالْعَرَبِيَّةِ حَسَنَة التأدية ولى فى ابْتِدَائه قَضَاء حلب وَلما دَخلهَا أنْشد لنَفسِهِ قصيدة طَوِيلَة فى مدحها ومستهلها

(الْحَمد لله منجينا من الكرب

جِئْنَا الى حلب الشهبا بِلَا تَعب)

(مصر جَلِيلًا خَلِيل الله عمره

طُوبَى لساكن مصر قد بناه نبى)

(وَلَيْسَ قصدى سوى دفع الْمَظَالِم عَن

ذِي حَاجَة عَاجز يَدْعُو وَلم يجب)

ثمَّ بعد مُدَّة من عَزله عَن قَضَائهَا وَجه اليه قَضَاء الشَّام وَذَلِكَ فى سنة تسع وَتِسْعين

ص: 288

وَتِسْعمِائَة ومدحه الْجمال يُوسُف بن العلموى بقصيدة طَوِيلَة لم أَقف عَلَيْهَا وَكَانَ طلب من عُلَمَاء دمشق أَن يقرظوا لَهُ عَلَيْهَا فَكتب عَلَيْهَا مِنْهُم جمَاعَة مِنْهُم جدى القاضى وَالشَّمْس ابْن المنقار وَالْحسن البورينى وَلما وقف القاضى الْمَذْكُور على القصيدة والتقاريظ عمل أبياتا يمتدح بهَا أهل دمشق وَيُشِير الى أَسمَاء بعض من قرظ والابيات هى هَذِه

(عموا واسلموا يَا أهل جلق بالبشر

صباحا وفى عَيْش رغيد مدى الدَّهْر)

(وَلَا نالكم ضيم وَلَا مسكم أَذَى

من القاسطين الجائرين ذوى الْجَبْر)

(أَضَاءَت شموس الْعلم فاضت بحوره

فآضت دمشق الشَّام تعبق بالنشر)

(مشايخهم فى عَالم الْقُدس وجدهم

وأنفاسهم قدسية مجْلِس الذّكر)

(وكل مُرِيد الْخَيْر وَالْبر والتقى

وكل محب الدّين ذُو الْفضل وَالْقدر)

(هم حسنوا الاخلاق قد طَابَ شملهم

وأقوالهم أقوى لَهُم صدقهَا يجرى)

(وَكم قَارِئ بَاب الْفَضَائِل قارع

وَكم شَاعِر يسبى الْعُقُول من السحر)

(أتوى بقريض فى المديح كَأَنَّهُ

جَوَاهِر قدرا قد علت أنجم الزهر)

(فألفاظه قطر الندا مَوضِع الصدا

على انه قد فاض حَتَّى على الْبَحْر)

(أاشراق شمس أم سنا الْبَدْر قد بدا

وسمط لآل أم عُقُود من الثغر)

(أينثر من بَحر الْمعَانى لآلئا

فينظمها فى سلك جيد من الْفِكر)

(وَكم لاقط من درفيه جواهرا

فرائد تغنى النَّحْر عَن دُرَر الْبَحْر)

(وانى وان أبديت للْعلم بهجة

وأعليته حَتَّى سما رُتْبَة الْبَدْر)

(وانى وان جَاهد فى الله قَائِما

بنصر التقى فى الدّين خيرا من النَّضر)

(وانى وان أصلحت سرى مخلصا

لربى حَتَّى فزت بِالْحَقِّ فى السِّرّ)

(وَلَكِن ظُهُور الْحق صَعب واننى

على الذَّنب وَالتَّقْصِير مُسْتَوفى الْعذر)

(ونيتنا اجراء شرع نَبينَا

عَلَيْهِ سَلام الله فى السِّرّ والجهر)

(فَكُن عون فيض الله يَا سيد الورى

بامداد أهل الْعَجز والضعف والفقر)

وَلما عزل عَن دمشق رَحل الى الرّوم وَأقَام مُدَّة ثمَّ ولى قَضَاء الغلطة فى سنة اثْنَتَيْنِ بعد الالف ثمَّ لم يزل يتَوَلَّى بعد ذَلِك منصبا بعد منصب حَتَّى ولى قَضَاء العسكرين وانتقل بالوفاة وَمن مَشْهُور شعره قصيدته الَّتِى مدح بهَا السُّلْطَان مُرَاد بن السُّلْطَان سليم وَيذكر فتح عُثْمَان باشا لمدينة تبريز وَذَلِكَ فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة

ص: 289

ومطلعها

(لله درجيوش الرّوم اذ ظَهَرُوا

على الروافض قد صَارَت بهم عبر)

(كم أبدعوا بدعا سبا ومظلمة

لَهُم قُلُوب يحاكى لينها الْحجر)

(فَالنَّاس تجأر للرحمن من يدهم

وَالله يسمع مِنْهُم كلما جأروا)

(أَتَت اليهم جيوش الرّوم يقدمهَا

من بأسها المنذران الْخَوْف والحذر)

(وعندما اقْترب الْجَيْش العرمرم من

تبريز ثمَّ بدا فى ذاتهم خور)

(فشجعوا أنفسا مِنْهُم قد امتلئت

جبنا وَقد طاشت الاحلام والفكر)

(ظنُّوا بِأَن الليالى نحوهم نظرت

فَأَخْطَأَ الظَّن لما أَخطَأ النّظر)

(وأملوا سحرًا من ليل كربهم

فَلم يكن لدجى أوصابهم سحر)

(لما رأى بأسنا حمر الرؤس اذا

فروا كَمَا فر من أَسد الشرى الْحمر)

(قُلُوبهم خشيت أَبْصَارهم عميت

شَاهَت وُجُوههم خوفًا وَقد خسروا)

(سطوا بهم فتراهم ذَا يَغْزُو ذَا

عان أَسِير وَذَا فى الترب منعفر)

(وَالنَّقْع ليل بهيم لَا نُجُوم بِهِ

تلوح للعين الا الْبيض والسمر)

(فالبيض فى يدهم صَارَت صوالجة

والارؤس الْحمر فِيمَا بَينهم أكر)

(كَأَنَّمَا السمر مغناطيس أنفسهم

فَحَيْثُ مَالَتْ ترى الارواح تنتثر)

(ذوت رياض أمانيهم فَلَا ثَمَر

يلوح فِيهَا وَلَا فى دوحها ثَمَر)

(وللفرار الى الاقطار قد نفروا

وَمَا لَهُم معشر فِيهَا وَلَا نفر)

(فَأَصْبحُوا لَا ترى الا مساكنهم

وَقد خلت مَا بهَا عين وَلَا أثر)

(وتخت تبريز نَادَى وَهُوَ مبتهج

هَذَا الزَّمَان الذى قد كنت أنْتَظر)

(فيا مليكا لَهُ كل الْمُلُوك غَدَتْ

تدين طَوْعًا وتأتى وهى تعتذر)

(سروا ملك الارض وَالدُّنْيَا فَأَنت اذا

اسكندر الْعَصْر قد وافى بِهِ الْخضر)

(فيا لَهَا نعْمَة آثَار مفخرها

كَانَت لدولته الغراء تدخر)

(ظلّ الا لَهُ مُرَاد الله قد شرفت

بِهِ المنابر والتيجان والسرر)

(أجل من وطئ الغبراء من ملك

بأَمْره سَائِر الاملاك تأتمر)

(بداله فى سَمَاء الْمجد نور هدى

من دونه النيرَان وَالشَّمْس وَالْقَمَر)

(بعزمه ظهر الْفَتْح الذى عجزت

عَنهُ السلاطين قد أفنتهم الْعَصْر)

(وَأصْبح الْملك محروس الجناب وَقد

وافى بِهِ المسعدان الْقدر وَالْقدر)

(لوفاخرته مُلُوك الارض قاطبة

مَا نالهم من معانى فخره الْعشْر)

ص: 290

(هَل يستوى الشَّمْس والمصباح جنح دجى

ويستوى الجاريان الْبَحْر وَالنّهر)

(عطفا على العَبْد فيض الله ناظمه

وَقَلبه من صروف الدَّهْر منكسر)

(لَا زَالَ ملكك دورى السُّعُود فَلَا

يرى لَهُ آخر فى الدَّهْر ينْتَظر)

(بدولة تخلق الايام جدَّتهَا

مَا لَاحَ جنح الدياجى الانجم الزهر)

وَكَانَ أبوالمعالى الطالوى وَهُوَ بالروم أحد ندمائه وَله فى مدحه قصائد كَثِيرَة وَله مَعَه مداعبات فَمن ذَلِك مَا كتبه اليه فى لَيْلَة شَاتِيَة يطْلب مِنْهُ ولنسة وفيهَا لُزُوم مَا لَا يلْزم

(قل لفيض الله مَوْلَانَا أدام الله أنسه

)

(ان نوع الْبرد هَذَا

مَا رَأينَا قطّ جنسه)

(هجم الدَّار وفيهَا

عقل الظَّالِم عنسه)

(وجد الْمنزل خَال

قد أَجَاد العَبْد كنسه)

(فثوى بَين ضلوع

لقِيت مَا لَيْسَ أنسه)

(سَمِعت بالروم مِنْهُ

اننى أهل بلنسه)

(فأغثنى يَا غياثى

من يَدَيْهِ بولنسه)

وقرأت فى كتاب السانحات قَالَ كنت أغشى فى زمَان عَزله كل وَقت دَاره وحماه وَأَجْعَل سميرى فى ليل ذَلِك الْعَزْل قمر محياه وَهُوَ يعد ويمنى بِحُصُول بعض المطالب والمآرب اذا ولى منصبا من بعض المناصب فَلَمَّا ولى قَضَاء الغلطه صَارَت تِلْكَ المواعيد كَأَنَّهَا مغلطه وَأما تَوليته قَضَاء اسلامبول فقد خَابَ فِيهَا الامل وَخيَّب المأمول فَكتبت اليه وَلم أعول عَلَيْهِ

(لى صَاحب فى الْعَزْل يبصر دَائِما

مَا لَيْسَ فى الاجسام يدْرك بالبصر)

(فيكاد يحكم عِنْد رُؤْيَته على

طوق الْحَمَامَة ثمَّ ألوان أخر)

(ولربما نظر النُّجُوم لوامعا

وَقت الضُّحَى وَرَأى السهى مثل الْقَمَر)

(بصر حَدِيد فى الْحَدِيد نُفُوذه

كنفوذ أضواء الاشعة فى الاكر)

(فَكَانَ زرقاء الْيَمَامَة كحلت

جفنيه من كحل لَدَيْهَا مدخر)

(مَا زلت أنهله مياه مودتى

وأعل مِنْهُ الصفو خَال من كدر)

(لَا صَبر لى عَنهُ نَهَارا كَامِلا

وكذاك عَنى لَيْسَ فِيهِ مصطبر)

(واذا جرى ذكر لَهُ فى مجْلِس

جادلت عَنهُ بِالْخُصُومَةِ من حضر)

(أما الصداقة والعلاقة بَيْننَا

فحديثها بَين الانام قد اشْتهر)

ص: 291