الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حاكمها حُسَيْن باشا وأكابر الْبَلَد أَن يكون الشَّيْخ عمر المترجم مفتيا وانه ينْتَقل الى مَذْهَب الحنفى وألزموه بذلك لحاجتهم الى مفت حنفى فجَاء من غَزَّة الى الرملة هُوَ والرئيس مُحَمَّد بن الغصين وَمكث بهَا مُدَّة وَقَرَأَ على شيخ الحنفيه الشَّيْخ خير الدّين الرملى دروسا فى الْفِقْه من الْكَنْز وَغَيره وَأَجَازَهُ بالافتاء والتدريس وَمكث مفتيا حنفيا الى ان توفى وحمدت كِتَابَته على الْفَتَاوَى وَلم يعرف لَهُ هفوة لعلمه وتثبته فِيمَا يكْتب وَكَانَ من أهل الثروة مبجلا مُعظما وَله فصاحة كَامِلَة وَحسن انشاء حَتَّى انه كَانَ حَاكم غَزَّة اذا كَاتب أحد تكون مُكَاتبَته بِخَط المشرقى الْمَذْكُور وَبَينه وَبَين الْخَيْر الرملى وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الشَّام مكاتبات عديدة وَمن مخاطبات الْخَيْر لَهُ فصيح الدَّهْر وبليغ الْعَصْر الذى يتقهقر عِنْد مَنْطِقه كل منطيق واذا سئم بليغ من مجاراته أجَاب بِلَا أُطِيق لَا أُطِيق عمر الزَّمَان وزهر الاوان
(من طلعت على الورى ذكاؤه
…
فَقيل هَا أنوار شمس المشرقى)
(قلت وفى رَاحَة كفى رقمه
…
سُبْحَانَ من يهدى لهَذَا الْمنطق)
وهى قصيدة ثَلَاثَة عشر بَيْتا وَكتب اليه فى صدر كتاب
(الى ذى المعالى والمعارف من بِهِ
…
تتيه على الامصار غَزَّة هَاشم)
(وأعنى بِذَاكَ المشرقى الى سما
…
على من سواهُ بالسخا والمكارم)
وَكتب الى الْخَيْر يسْأَله عَن مسئلة الامى اذا تعلم مَا تصح بِهِ صلَاته فَكتب اليه
(سحر ترى مَا أرى أم نسمَة سحرًا
…
أم كَوْكَب غلبت أنواره القمرا)
(أم رَوْضَة أينعت أَغْصَانهَا فغدت
…
تُعْطى المنى كل من قدسا مها نظرا)
(بهَا الَّذِي تشتهيه النَّفس من نعم
…
يمِيل ميلًا لمن يجنى بهَا ثمرا)
(أم اللآلى ترى نورا اذا لمحت
…
كَذَا ترى اذ صفت ألوانها الدررا)
(أم تِلْكَ يَا عمر شمس المشرقى بَدَت
…
فجددت عهد فاروق القضا عمرا)
(نعم بِلَا شُبْهَة هَذَا الاخير هُوَ الذى وعيشك للانظار قد ظهرا
…
)
(تالله يَا عمر الْعَصْر الجدير بِأَن
…
نثنى عَلَيْك لقد فقت الذى غبرا)
(أَعْطَيْت خطا وحظا جَامعا بهما
…
علما وحلما يردان الذى افتخرا)
(فصرت مرجع أهل الْفضل لَا بَرحت
…
علومهم فى ازدياد تقتفى الاثرا)
(هَذَا وَقد جاءنى رق الْبَلَاغ فَمَا
…
أبقى محلا لما جَاءَت بِهِ الشعرا)
(ففى الفصاحة شان لَا نَظِير لَهُ
…
وفى البلاغة مَا ان مثله نظرا)
جَمِيع مَا تَركه لَهُ وَالِده من الاملاك ثمَّ تنْقَلب بِهِ الاحوال الى أَن صَار فى آخر عمره يقف فى بعض أسواق دمشق ويستجدى وَبلغ من الْفقر والخصاصة الى حَالَة فظيعة وفقد الملبوس وَمِمَّا يرْوى لَهُ من الشّعْر قَوْله وَبعث بهَا الى معشوقه ابراهيم بعد خصاصته
(بروحى الدى عَنى غَدا متمنعا
…
وَكنت بِهِ دون الورى مُتَمَتِّعا)
(وَكَانَت ليالى السعد تسعدنى بِهِ
…
وَكُنَّا كَمَا شَاءَ الْهوى دَائِما مَعًا)
(رعى الله هاتيك الليالى فانها
…
لَيَال بهَا غرس الْهوى لى أينعا)
(لَيَال كَانَ الدَّهْر طوع يدى بهَا
…
وَكَانَ الذى أهواه لى مِنْهُ أطوعا)
وَكتب الى صديق لَهُ يطْلب مِنْهُ حبرًا
(أيا من تضوع افكاره
…
كمسك فيخجل عطاره)
(تصدق على بمقلوب ضد تَصْحِيف قولى خبت ناره)
وقرأت بِخَط عبد الْكَرِيم الطارانى وَمِمَّا أنشدنى لطفى الْبَصِير من محفوظه بيتان من شعر الْعَلامَة الْعِمَاد الحنفى كَانَ نظمهما مؤرخا بهما قناة بناها وَالِد لطفى مُحَمَّد بِالْقربِ من دَاره بَاطِن دمشق بمحلة بَين الطوالع بِالْقربِ من مدرسة الْعَادِل بن أَيُّوب وَأتم بناءها فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَتِسْعمِائَة ونقشهما فى بلاطة من الرخام ركبهَا فى أَعلَى الْقَنَاة وهى يَوْمئِذٍ مَوْجُودَة وهما
(مُحَمَّد قد بنى سَبِيلا
…
للخير يَرْجُو بِهِ سَبِيلا)
(فجَاء تَارِيخه شرابى
…
حلا طهُورا وسلسبيلا)
وَكَانَت وَفَاة لطفى فى سنة خمس بعد الالف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير
حرف الْمِيم
ماجد بن هَاشم بن على بن المرتضى بن على بن ماجد أَبُو على الحسينى البحرانى من أجل فضلاء الْبَحْرين وأدبائها ذكره السَّيِّد بن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فى وَصفه هُوَ أكبر من أَن يفى بوصفه قَول وَأعظم من أَن يُقَاس بفضله طول نسب يؤل الى النبى وَحسب يذل لَهُ الابى وَشرف يَنْطَح النُّجُوم وكرم يفضح الْغَيْث السجوم بِهِ أَحْيَا الله الْفضل بعد اندراسه ورد غَرِيبه الى مسْقط راسه شفع شرف الْعلم بِطرف الادب وبادر الى حوز الْكَمَال وانتدب فَملك للْبَيَان عنانا وهصر من فنونه أفنانا فنظمه منظوم الْعُقُود ونثره منثور الرَّوْض الْمَعْهُود وَمِمَّا يسطر من
مناقبه الفاخرة الشاهدة بفضله فى الدُّنْيَا وَالْآخِرَة أَنه كَانَ قد أَصَابَته فى صغره عين ذهبت من حواسه الشَّرِيفَة بِعَين فَرَأى وَالِده النبى
فى مَنَامه فَقَالَ ان أَخذ بَصَره فقد أعْطى بصيرته ولد وَنَشَأ بِالْبَحْرَيْنِ فَكَانَ لَهما ثَالِثا وَأصْبح للفضل وَالْعلم حارثا وَارِثا وَولى بهَا القضا فشرف الحكم وأمضى ثمَّ انْتقل مِنْهَا الى شيراز فطالت بِهِ على الْعرَاق والحجاز وتقلد بهَا الامامة والخطابة فشرفت بِهِ المنابر وَنشر حبر فضائله المستطابة فتاهت بِهِ المحابر ثمَّ أنْشد من شعره قَوْله
(حسناء ساءت صنيعا فى متيمها
…
يَا ليتها سفعت حسنا باحسان)
(دنت اليه وَمَا أدنت مودتها
…
فَمَا انْتِفَاع امْرِئ بالباخل الدانى)
وَقَوله فى مليح قَارِئ
(وتال لآى الذّكر قد وقفت بِنَا
…
تِلَاوَته بَين الضَّلَالَة والرشد)
(بِلَفْظ يَسُوق الزاهدين الى الْخَنَا
…
وَمعنى يشوق العاشقين الى الزّهْد)
وَقَوله
(وذى هيف مَا الْورْد يَوْمًا ببالغ
…
صدى وجنتيه فى احمرار وَلَا نشر)
(يرينا من العلياء ان سيم وَصله
…
علينا بِمَا فَوق النُّفُوس وَلَا نشرى)
وَكَانَت وَفَاته بشيراز فى سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف
محب الله بن مُحَمَّد محب الدّين بن أَبى بكر تقى الدّين بن دَاوُد جدى وَالِد والدى صدر الشَّام فى زَمَنه ومرجع خاصتها وعامتها وَقد أوصله الله تَعَالَى بَين عُلَمَاء دمشق الى مرتبَة لم يصل اليها أحد فِيمَا تقدمه مِنْهُم وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا اقبالا عَظِيما وتوفرت لَهُ دواعى المعالى وَملك فَمن الذَّخَائِر والتحف مَالا يضْبط بالاحصاء ورزق الابناء الْكثير مَاتَ مِنْهُم عَن ثَمَانِيَة وَولى المناصب الْعَالِيَة والمدارس السامية وَاتفقَ لَهُ أَنه تصرف فى نِيَابَة الشَّام وقسمتها العسكرية جمعا بَينهمَا سِتّ عشرَة سنة لم يعْزل فِيهَا الا ثَلَاث مَرَّات أَو أَربع مَرَّات وَلما حج قاضى الشَّام الْمولى شعْبَان بن ولى الدّين كَانَ أرسل الى طرف الدولة يسْتَأْذن بِالْحَجِّ فَأذن لَهُ وفوضت النِّيَابَة بِأَمْر سلطانى لجدى المترجم وَلما مَاتَ وَالِده كَانَ عمره سِتّ عشرَة سنة فوجهت اليه عَن وَالِده الْمدرسَة الناصرية البرانية واشتغل بِطَلَب الْعلم فَقَرَأَ على أَكثر تلامذة وَالِده مِنْهُم الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن العمادى وَغَيره وسما من ذَلِك الْعَهْد فَطلب معالى الامور وسافر الى الرّوم ولازم من شيخ الاسلام يحيى زَكَرِيَّا
وَهُوَ قاضى الْعَسْكَر بروم ايلى وبوسيلته والتقرب مِنْهُ نَالَ مَا نَالَ وَصَارَ قاضى الْحَج وقاضى الْعَسْكَر فى صُحْبَة أَحْمد باشا الْوَزير الْمَعْرُوف بالكوجك لما سَافر على بن معن ودرس بالدرويشية برتبة الدَّاخِل الْمَعْرُوفَة الْآن ثمَّ أعْطى رُتْبَة قَضَاء الْقُدس وَعظم قدره جدا وأثرى وَبِالْجُمْلَةِ فقد نَالَ أمانيه من الزَّمَان على وفْق المقترح وَلم يخدشه الدَّهْر بخدشة الا أَنه لم يعمر كثيرا وَكَانَت وِلَادَته فى سنة احدى وَألف وأرخ العمادى الْمُفْتى وِلَادَته بقوله على لِسَان وَالِده ذَا ولدى طالعه أسعد وَتوفى لَيْلَة الْجُمُعَة سلخ شعْبَان سنة سبع وَأَرْبَعين وَألف وَدفن على أَبِيه بالمدفن الْخَاص بِنَا قرب جَامع جراح
الشريف محسن بن الْحُسَيْن بن الْحسن بن أَبى نمى سُلْطَان الْحَرَمَيْنِ كَانَ من أمره أَنه نَشأ فى كَفَالَة أَبِيه وجده وَكَانَ جده يُنَوّه بِقَدرِهِ ويقدمه لنباهته ونجابته وَظُهُور آثَار الرياسة عَلَيْهِ فى صغره وَكَانَ يقدمهُ فى الحروب فَيرجع مظفرا منصورا وعدوه مخذولا مقهورا جبل على مَكَارِم الاخلاق وطار صيته فى الْآفَاق وَلما تولى عَمه أَبُو طَالب امارة مَكَّة أحله مَحل وَلَده الى أَن مَاتَ أَبُو طَالب فشارك عَمه الشريف ادريس فى امارة مَكَّة وَلبس الخلعة الثَّانِيَة ودعى لَهُ فى الْخطْبَة وَعقد لَهُ لِوَاء الامارة وَضربت لَهُ النّوبَة الرومية فى بَيته ووردت الاوامر السُّلْطَانِيَّة برسمه وَأَتَتْ المراسيم اليه مَعَ عَمه وَاسْتمرّ شريكان بِالربعِ الى أَن أذن الله لَهُ بالاستقلال بِولَايَة الْحجاز فَجرى بَينه وَبَين عَمه حَال أدّى الى قِيَامه عَلَيْهِ وَبَايَعَهُ جَمِيع الاشراف على ذَلِك فَخلع عَمه الشريف ادريس واستقل بالامر يَوْم الْجُمُعَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وفى سادس شهور ربيع الاول من هَذِه السّنة وَردت اليه من صَاحب مصر الْخلْع وفى شعْبَان خرج الى الْمَبْعُوث وَأَقْبَلت اليه الْوُفُود من كل النواحى ثمَّ دخل مَكَّة فى شَوَّال فى موكب عَظِيم وَدخل الْمَسْجِد وَنصب لشيخ الاسلام عبد الرَّحْمَن بن عِيسَى المرشدى منبرا بِالْحَطِيمِ وَقَرَأَ المرسوم السلطانى وَبعد تَمام قِرَاءَته قلد الشريف محسن بِسيف مجوهر ثمَّ ألبس الخلعة السُّلْطَانِيَّة ثمَّ فتح لَهُ الْبَيْت الْعَتِيق فَطَافَ والخلعة عَلَيْهِ ثمَّ توجه الى منزله فجِئ لَهُ بخلعة صَاحب مصر فلبسها ثمَّ نشر الْعدْل وانتظم بِهِ الْحَال واطمأنت الرّعية وَكثر الدُّعَاء لَهُ وَدخل فى سلك طَاعَته سَائِر الْفرق العاصية ثمَّ توجه الى الْمَبْعُوث سائرا الى بجيلة ونواحيها وناصره فى جَيش جرار فَلَمَّا علمُوا بمجيئه جَاءَتْهُ مَشَايِخ بجيلة ووجوه أَهلهَا مُطِيعِينَ لامره
وطلبوا الْعَفو والمسامحة بِمَا صدر مِنْهُم من الْعِصْيَان فَعَفَا عَنْهُم ثمَّ توجه الى ناصرة وَنزل بمَكَان يُقَال لَهُ ميسَان من وادى مخرا وَأمر الْجند بخراب دِيَارهمْ لامتناعهم من الدُّخُول تَحت طَاعَته فأخربوا بعض الْقرى وَقتلُوا مِنْهُم نَحْو خَمْسَة وَأَرْبَعين رجلا ثمَّ رَجَعَ عَنْهُم وَلما فَارقه السَّيِّد مَسْعُود وَعبد الْكَرِيم ابْنا ادريس وَغَيرهمَا جمعُوا من أَعْرَاب نجد بعض الْقَبَائِل من سبيع ومطير وعدوان فَكَانَ سَبَب خُرُوج الشريف محسن اليهم فَالْتَقوا بِمحل مَعْرُوف فَطرح الشريف مَسْعُود ضربه الشريف محسن بِالسَّيْفِ فأطار السَّيْف من يَد مَسْعُود وَطَرحه فاستنخاه فَمن عَلَيْهِ الشريف محسن وَأطْلقهُ وَقيل ضرب مَسْعُود حَتَّى ملئ جِرَاحَة وتهبر وَلم يعرض عَنهُ الا بعد أَن لم يشك فى مَوته وَانْهَزَمَ من كَانَ مَعَه وبقى هُوَ وَتَفَرَّقَتْ جموعهم ثمَّ أَخذ الشريف مَسْعُود وعولج فقطبت جراحاته وجبر مَا تكسر مِنْهُ فعوفى وعاش الى أَن ولاه مَكَّة قانصوه باشا بعد قَتله للشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب وَلما كَانَ فى آخر صفر سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف وصل الْوَزير أَحْمد باشا مُتَوَلِّيًا الْجِهَات اليمنية فَلَمَّا وصل الى محاذاة جدة بِحَيْثُ يَرَاهَا انْكَسَرت سفينته وغرقت أَمْوَاله فَنزل الى جدة وَأرْسل اليه الشريف محسن بهدية ثمَّ نزل اليه الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدى بمكاتيب مِنْهُ وَأقَام عِنْده أَيَّامًا ثمَّ طلب الاعانة من الشريف محسن فشرع فى تَدْبِير مَال لَهُ فَلَمَّا أَن كَانَ فى أثْنَاء ذَلِك وصل الْخَبَر الى مَكَّة أَن أَحْمد باشا الْمَذْكُور سجن الْقَائِد رَاجِح بن ملحم الدويدار حَاكم جدة وَمُحَمّد بن بهْرَام الشريفى أحد خدام الشريف محسن وَكَانَ أرْسلهُ الشريف الى جدة بمكاتيب اليه فَأرْسل الشريف حِينَئِذٍ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن قره باش الْوَاعِظ الرومى الى جدة لينْظر فى هَذَا الامر فَلم ينْتج شَيْئا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَة غرَّة شهر ربيع الآخر من السّنة الْمَذْكُورَة وصل الْخَبَر بِأَنَّهُ صلب رَاجِح الْمَذْكُور وَأَنه ولى السَّيِّد أَحْمد بن عبد الْمطلب وَكَانَ فى هَذِه الْمدَّة يتَرَدَّد اليه فَحصل حِينَئِذٍ اضْطِرَاب وَقَالَ وَقيل فَبعد مُدَّة وصل خبر وَفَاة أَحْمد باشا وَأَنه نودى بجدة للشريف محسن ففرح النَّاس بذلك كثيرا ففى ثانى يَوْم ورد الْخَبَر بِأَن الامر عَاد الى مَا كَانَ وَأَنه نودى للشريف أَحْمد بجدة فَبعد مُدَّة برز الشريف محسن بعساكره وَجُنُوده وَنزل بومح اسْم مَاء بِقرب جدة وَوَقعت هُنَاكَ فتْنَة بِمُوجب أَن الاتراك خَرجُوا لاخذ غنم ترعى فى تِلْكَ الْجِهَات فوصل الْخَبَر للشريف محسن فَركب وَمَعَهُ الاشراف والاجناد فَوَقَعت ملحمة عَظِيمَة قتل
فِيهَا من الاتراك جَانب وَمن الاشراف السَّيِّد ظفر بن سرُور بن أَبى نمى وَالسَّيِّد أَبُو الْقَاسِم بن جازان وَغَيرهمَا ثمَّ بعد مُدَّة وصل الشريف محسن الى الْبَلَد وَأقَام بهَا وَجعل هُنَاكَ رُتْبَة وَأقَام عَلَيْهَا السيدة قايتباى بن سعيد بن بَرَكَات فَلَمَّا كَانَ آخر شعْبَان وصل الْخَبَر بِأَن الشريف أَحْمد برز هُوَ والعساكر الى جِهَة مَكَّة فَلم يزل يسير أَيَّام عديدة وَكَانَ وُصُوله على جِهَة وادى مر فَلَمَّا كَانَ يَوْم سادس عشر شهر رَمَضَان وصل الْخَبَر بِأَنَّهُم قاربوا مَكَّة فبرز الشريف محسن بِمن مَعَه من الاشراف والعساكر بعد صَلَاة عشَاء لَيْلَة السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان فَالْتَقوا بِالْقربِ من التَّنْعِيم فى صبيحتها فَوَقَعت معركة وَأطلق المكاحل وَضربت البنادق فَتوجه الشريف محسن والاشراف الى جِهَة الحسينية وَدخل الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب الى مَكَّة ضحى ذَلِك الْيَوْم وَهُوَ السَّابِع عشر من شهر رَمَضَان والمنادى بَين يَدَيْهِ وَكَانَ دُخُوله من الْحجُون فاضطربت الافكار وتعب النَّاس فَأول مَا بَدَأَ بِهِ دُخُول الْمَسْجِد من بَاب السَّلَام وَفتحت لَهُ الْكَعْبَة المشرفة فَدَخلَهَا ثمَّ عزم الى الْمحل الذى أَرَادَ السُّكْنَى بِهِ فَوَقع الْهَرج والمرج وتسلط الْعَسْكَر على بيُوت النَّاس وَحصل الْخَوْف وَذهب صَاحب التَّرْجَمَة الى بيشه بِكَسْر الْبَاء وَأقَام بهَا وَنزل وَلَده زيد على القنفده وَنهب مِنْهَا أَمْوَالًا جمة وَكَاتب الامام مُحَمَّد بن الْقَاسِم فعضده بِابْن لُقْمَان فَجهز اليهم ابْن عبد الْمطلب جَيْشًا من جدة الى القنفده فَالتقى الْجَمْعَانِ هُنَاكَ فكسرهم وشتت جموعهم مَرَّات ثمَّ أَقَامَ ابْن لُقْمَان فى عنود هُوَ وَزيد وَأَصْحَاب ابْن عبد الْمطلب فى القنفده وَتوجه الشريف محسن الى الامام فَلَمَّا ورد اليه أكْرمه أحسن اليه وَأقَام عِنْده أَيَّامًا ثمَّ توجه الى صنعاء يُرِيد التَّنَزُّه بهَا فاخترمته الْمنية بِمحل يُسمى غربان وَحمل الى صنعاء وَدفن بهَا وَكَانَت وَفَاته فى خَامِس شهر رَمَضَان سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَألف وَيُقَال انه مَاتَ مسموما وَكَانَت مُدَّة ولَايَته ثَلَاث سِنِين وَثَمَانِية أشهر وَنصف ولعلماء عصره وشعرائه فِيهِ مدائح كَثِيرَة يتناقلها أدباء مَكَّة
مُحَمَّد بن ابراهيم الْمَدْعُو ببديع الزَّمَان الفاسى كَانَ فَاضلا لسنا فصيحا وشاعرا عَرَبيا لَهُ نظم رائق ونثر فائق مُشْتَمل على الْمعَانى الْحَسَنَة والنكات البديعة وَكَانَ حسن الايراد مَقْبُول الانشاد مَعَ مَا فِيهِ من رقة الحضارة ودقة البداوه رَحل من الْمغرب الى الْمشرق وجال فى الْبِلَاد وَدخل قسطنطينية الرّوم فى سنة احدى وَألف وَاجْتمعَ بعلمائها وَقد ذكره أَبُو المعالى الطالوى فى ساعاته وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر
مراجعات وَقعت بَينه وَبَينه فَمن ذَلِك مَا كتبه اليه صَاحب التَّرْجَمَة
(لدمعى بعد بَينهم انهمال
…
فكم عَن حفظ عهد الصب مالوا)
(وحلوا الْقلب دَارا وَاسْتَحَلُّوا
…
دمى عمدا وَعَن ودى استحالوا)
(وَقَالَ الْقلب مَعَ صبرى وعقلى
…
وأفراحى لنا عَنْك ارتحال)
(وحان الْحِين حِين البان بَانَتْ
…
مطاياهم وأعلاها الرّحال)
(وأبقت لى النَّوَى جسما كأنى
…
لفرط السقم حَال أَو محَال)
(أفديهم بأموالى ونفسى
…
وَهل لى فى الْهوى نفس وَمَال)
(أأسلوهم مدى الدُّنْيَا سلوهم
…
وَلَو أصلوا فؤادى ثمَّ صالوا)
(شعارى حبهم والمدح دينى
…
لمولى الْفضل درويش بن طالو)
(هُوَ النحربر بَحر الْعلم مهما
…
أهم الامر أَو أعيا السُّؤَال)
(ذكى ألمعى لوذعى
…
سرى مَاله حَقًا مِثَال)
(لَهُ علم حنيفى مُحِيط
…
وحلم أحنفى وَاحْتِمَال)
(وفكر عِنْد ذى التَّحْقِيق ذكر
…
بشكر الله مغرى لَا يزَال)
(حوى كل الْمعَانى والمعالى
…
بعقل مَاله عَنهُ انعقال)
(لَهُ نظم كدر فى نحور الغوانى دونه السحر الْحَلَال
…
)
(فريد فى العلى من غير ند
…
فدع مَا قيل أَو مَا قد يُقَال)
(فيمم دَاره وَانْزِلْ حماه
…
اذا جَار الاعادى واستطالوا)
(وَقل للْمُدَّعى هَل حزت أصلا
…
لَهُ بالطالويين اتِّصَال)
(لقيناه باسلا مبول لما
…
عد منافيه حرا يستمال)
(فوالانا وأولانا بشاشا
…
وبشرا دونه العذب الزلَال)
(وأنسانا بايناس أُنَاسًا
…
لَهُم فى الْقلب حل وارتحال)
(أَلا يَا ابْن الالى قد خرت فخرا
…
لَهُ فى وجنة الْبَدْر انتعال)
(وسدت الْيَوْم أهل الارض فاهنأ
…
بعز مَاله عَنْك انْتِقَال)
(فَخذهَا مثل خلق مِنْك سهل
…
على الاعداء صَعب لَا ينَال)
(كساها مدحك الْمَحْمُود حسنا
…
لَهَا فِيهِ ازدهاء واختيال)
(فتبدى تَارَة دلا لديكم
…
ويعروها على الدُّنْيَا دلال)
(ترجى أَن تنيلوها قبولا
…
عَسى يَبْدُو لَهَا مِنْك احتفال)
(فان أَحْسَنت كَانَ الامر بدعا
…
والا مِنْكُم يُرْجَى الْكَمَال)
ثمَّ أعقب هَذَا النّظم بنثر وَهُوَ رضى الله عَنْك وأرضاك وأخصب فى مرابع المحامد مرعاك سَلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الله سَلاما يَتَّخِذهُ الْبَدْر برق محياه وَقَامَ لاجلاله سنا شمس الضُّحَى وحياه وافتك حَاسِرَة حسيره ونزهة يسيره يشرفها ذكرك ويكرمها شكرك والعذر وَاضح وتفسر الْوَاضِح فاضح فان لى خاطر امتى تفكر تفطر وان رَاجع وتدبر الْقدر تصبر وَالْحر خل عاذر واللئيم خب غادر وَمثلك يغض وَلَا يغضى وحلمك لاشك الى الرِّضَا يفضى وَكتب الْمُحب الاكبر وَالْفَقِير الاصغر النائى عَن الاخوان مُحَمَّد الْمَدْعُو ببديع بل بشنيع الزَّمَان وَحكى الطالوى انه حن يَوْمًا الى وَطنه حنين الْفَحْل الى عطنه والمهجور الى سكنه وَقد ذكر مسْقط راسه ومشتعل نبراسه وهى الْبَلدة الْبَيْضَاء أعنى فاس فتصاعدت مِنْهُ لغدقتها الانفاس حَتَّى ذرفت عَيناهُ بالدموع شوقا الى تِلْكَ الْمنَازل والربوع فَلَمَّا رأى الْحَاضِرُونَ حَاله رق كل لَهُ ورثى لَهُ قَالَ فَقلت على لِسَان حَاله وَقد توجه لمنزله ببلباله قِطْعَة سبقته الى النادى وَكَانَت عِنْده كبعض الايادي مَعَ لغز فى اسْم بَلْدَة مراكش وَكَانَ قد جرى شئ من ذكرهَا فنظم ذَلِك فى اثرها
(ربعت على تِلْكَ الربوع هتون
…
وطفاء فِيهَا للبروق حنين)
(مسفوحة العبرات سفح مدامعى
…
نَحْو الديار كأنهن عُيُون)
(فسقى معالم فاس حَيْثُ صبابتى
…
وصباى فِيهَا صَاحب وخدين)
(فارقتها وَأَنا الضنين وَرُبمَا
…
يسخو الْفَتى بِالروحِ وَهُوَ ضنين)
(فعلى معالمها تَحِيَّة مغرم
…
فى قلبه لهوى الديار شجون)
وَأما اللغز فَهُوَ
(وَمَا اسْم خماسى مُسَمَّاهُ بَلْدَة
…
تركب من شكين وَهُوَ يَقِين)
(فَشك ترَاهُ الْعين باد بِلَا مرا
…
وَشك بقلب لَا ترَاهُ عُيُون)
فَكتب اليه بسرعه لما وصلت اليه الرقعة وَمَا زَالَ العَبْد من حِين مفارقتكم لَا يقر لَهُ قَرَار الى ان ورد شذا انظمكم المعطار فَقَالَ طَالبا للقبول على استعجال من الرَّسُول
(مولاى لَا زلت فَردا فى المكارم يَا
…
أَبَا المعالى فى أرفع الدرج)
(ألبست فاسا وأهليها ثِيَاب على
…
قد نمقتها يدا تقريظك البهج)
(لما جرى ذكرهَا فى رحب خاطركم
…
أنشدتها قَول صب بالهوى لهج)
(لتهن يَا فاس واخلع مَا عَلَيْك فقد
…
ذكرت ثمَّ على مَا فِيك من عوج)
وَأما لغزكم السهل الْمُمْتَنع فَهُوَ فى بَلْدَة هى لقلب الصب الحبيب الْمُمْتَنع وعاجلنى الرَّسُول على نظم بعض الفضول وَلَكِن ان شَاءَ الله فى غَد يَقع الاتمام عَالما ومقرا ان لى بِسَاحَة اقتداركم المام فَكتب اليه ثَانِيًا
(مَا ذَات عود لَهَا لحن من الهزج
…
باتت تغنى بِهِ فى روضها البهج)
(لَهَا بدعوة نوح طوق غانية
…
على وشاح من الازهار منتسج)
(مخضوبة الْكَفّ لَا من عندم خضبت
…
ذَاك البنان وَلَكِن من دم المهج)
(مدت قوادم ليل فِيهِ لَاحَ لنا
…
بيض الخوافى كصبح مِنْهُ منبلج)
(يَوْمًا بِأَحْسَن من مرأى نظام فَتى
…
بِذكر فاس ومغنى ربعهَا لهج)
ثمَّ انه سَافر الى مصر وَبهَا توفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ بعد الالف
مُحَمَّد بن ابراهيم الفرضى الميدانى المنعوت شمس الدّين التنورى الشافعى أحد مشاهير مَشَايِخ دمشق فى علم الْفَرَائِض والحساب وَكَانَ اليه النِّهَايَة فى هذَيْن العلمين مَعَ مُشَاركَة فى غَيرهمَا وَكَانَ صَالحا ورعا حسن الِاعْتِقَاد وَبِالْجُمْلَةِ فانه بركَة من بَرَكَات عصره أَخذ الْفَرَائِض عَن الشَّيْخ مُحَمَّد النجدى نزيل الْمدرسَة العمرية بصالحية دمشق وَكَانَ يسكن محلّة ميدان الْحَصَا فَيذْهب مِنْهَا فى كل يَوْم الى الصالحية وَيقْرَأ عَلَيْهِ وخدمه كثيرا حَتَّى مهر وقصده الطّلبَة من الاطراف وانتفعوا بِهِ وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ الْحسن البورينى وَالشَّيْخ عمر القارى والبدر الموصلى وَغَيرهم وَسكن مُدَّة دَاخل دمشق فى سوق البزوريين وَصَاحب آخرا رجلا مصريا يُقَال لَهُ الشَّيْخ يحيى وَكَانَ يعرف الْعُلُوم الغريبة كالزايرجا والسيميا والكيميا وَكَانَ الشَّيْخ يحيى قد رَحل الى الْبِقَاع العزيزى فَكَانَ التنورى يَأْخُذ مَعَه نفائس المأكولات ويسافر الى الْبِقَاع بِقصد الشَّيْخ يحيى وَيطْلب مِنْهُ التَّعْلِيم فَمَا سمح لَهُ بشئ سوى بعض مبادى الكيميا فأتلف مَا كَانَ يملكهُ وَلم يحصل مِنْهَا على شئ وَعمر كثيرا وَمَات بمحلة ميدان الْحَصَا فى أَوَائِل شهر ربيع الاول سنة سبع بعد الالف قَالَ البورينى فى تَرْجَمته وأخبرنى وَلَده الشَّيْخ مُحَمَّد أَنه عَاشَ سِتا وَسبعين سنة وَدفن بتربة الجوزة بمحلة الميدان
مُحَمَّد بن ابراهيم بن عمر بن ابراهيم بن مُحَمَّد الاكمل بن عبد الله بن مُحَمَّد بن مُفْلِح
القاضى أكمل الدّين بن برهَان الدّين بن قاضى الْقُضَاة نجم الدّين بن مُفْلِح الرامينى الْمُحدث الرحلة المورخ أَخذ عَن مَشَايِخ عصره واستجاز لَهُ أَبوهُ من شيخ الاسلام السَّيِّد كَمَال الدّين مُحَمَّد بن حَمْزَة مفتى دَار الْعدْل وتعانى فى مبدا أمره الشَّهَادَة بالمحكمة ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة وَقَرَأَ على الْعَلامَة عز الدّين خَلِيل الحلبى الْمَعْرُوف بِابْن النَّقِيب نزيل قسطنطينية وَولى قَضَاء بعلبك وصيدا ثمَّ اسْتَقر بِدِمَشْق وَكَانَ أَكثر مقَامه بقصره الشامخ بصالحية دمشق قبالة دَار الحَدِيث الاشرفية الْمَعْرُوف الْآن بقصر بنى كريم الدّين وبقاعته قرب الْمدرسَة المقدمية بَاطِن دمشق وَكَانَ لَهُ يَد طولى فى علم التَّارِيخ وَكتب تَارِيخا ترْجم فِيهِ معاصريه وَكَانَ يكْتب الْخط الْحسن الْمَنْسُوب وَفِيه يَقُول الْحسن البورينى
(لَا كمل مَوْلَانَا خطوط كَأَنَّهَا
…
خطوط عذار زينت صفحة الخد)
(اذا مَا امتطى مِنْهُ اليراع أناملا
…
أَرَاك سطور الْمجد فى فلك السعد)
(فَهَذَا لعمرى مُفْلِح وَابْن مُفْلِح
…
فناهيك مولى فاق بالجد وَالْجد)
وَكَانَ مَعَ كَثْرَة أدبه واطلاعه لم ينظم شعرًا سوى مَا رَأَيْته فى بعض المجاميع انه روى لَهُ هَذَا الْبَيْت وَلم يتَّفق لَهُ غَيره وَهُوَ قَوْله
(أَلَيْسَ عجيبا ان حظى نَاقص
…
وغيرى لَهُ حَظّ وانى لَا كمل)
وَكَانَ كثير الْفَوَائِد وَرَأَيْت بِخَطِّهِ مجاميع كَثِيرَة ونقلت مِنْهَا أَشْيَاء مستظرفة فَمن ذَلِك هَذِه الْفَائِدَة فِيمَا تَقوله الْعَرَب انه أحد الشَّيْئَيْنِ حسن شعر الْمَرْأَة أحد الْوَجْهَيْنِ والقلم أحد اللسانين وَحسن المرافقة أحد النفقتين ونشيد الهجاء أحد الهجاءين والعزل عَن الْمَرْأَة أحد الوأدين والادب أحد الحسبين والجنوب أحد المطرين وَحسن الْمَنْع أحد البذلين وَالسُّؤَال عَن الصّديق أحد اللقاءين والتثبت أحد العزمين وَالْقَرْض أحد الهبتين والتلطف فى الْحَاجة أحد الشافعين واللطافة أحد الحضتين وَحسن الْخط أحد البلاغتين واليأس أحد الراحتين والطمع أحد المعرتين وَسُوء الْخلق أحد المصيبتين وَمن ذَلِك هَذِه العجيبة قَالَ أخبرنى شَيخنَا شيخ الاسلام أَبُو الْفَتْح المالكى ابْن عبد السَّلَام أَنه لما توجه فى سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة الى دَار السلطنة قسطنطينية نزل بِمَدِينَة قونيه فَرَأى بهَا رجلا بلحية كَبِيرَة سَائِلَة الى صَدره وَهُوَ يتعاطى المتجر فَتحَرَّر أمره أَنه امْرَأَة وَله فرج أُنْثَى وكشف عَلَيْهِ حَاكم تِلْكَ الْمَدِينَة فَوَجَدَهُ أُنْثَى بفرج فحلق لحيته وَأمره بالسترة
وبلغنى بعد ذَلِك انها تزوجت وَولدت من فرجهَا قلت وَمن هَذَا الْقَبِيل مَا نَقله المقريزى أَنه فى أول الْمحرم سنة سِتّ وَسبعين وَسَبْعمائة وَقع بِمصْر أَن الامير شرف الدّين بن عِيسَى بن بَاب جكر والى الاشمونين كَانَت لَهُ بنت فَلَمَّا بلغت من الْعُمر خمس عشرَة سنة استد فرجهَا وَنبت لَهَا ذكر وأنثيان واحتلمت كَمَا يَحْتَلِم الرِّجَال واشتهر ذَلِك بِالْقَاهِرَةِ حَتَّى بلغ الامير منجك فاستدعى بهَا ووقف على حَقِيقَة خَبَرهَا فَأمر بِنَزْع ثِيَاب النِّسَاء عَنْهَا وألبسها ثِيَاب الرِّجَال من الاجناد وسماها مُحَمَّدًا وَجعله فى جملَة خدمه وأنعم عَلَيْهِ باقطاع وَشَاهد ذَلِك كل أحد وَرَأَيْت فى الكشكول تأليف الْبَهَاء الحارثى نقلا عَن حَيَاة الْحَيَوَان عَن ابْن الاثير فى كَامِل التَّارِيخ فى حوادث سنة ثَلَاث وَعشْرين وسِتمِائَة قَالَ كَانَ لنا جَار لَهُ بنت اسْمهَا صَفِيَّة فَلَمَّا صَار عمرها خمس عشرَة سنة نبت لَهَا ذكر وَخرج لَهَا لحية قَالَ الْبَهَاء وَنَظِير هَذَا مَا أوردهُ حمد الله الْمُسْتَوْفى فى كتاب نزهة الْقُلُوب وَأوردهُ بعض المؤرخين أَيْضا أَن بِنْتا كَانَت فى قميشة وهى من ولايات اصفهان فزوجت فَحصل لَهَا لَيْلَة الزفاف حكة فى عانتها ثمَّ خرج لَهَا تِلْكَ اللَّيْلَة ذكر وأنثيان وَصَارَت رجلا وَكَانَ ذَلِك فى زمَان السُّلْطَان الجانبولاذ خدا بنده وَذكر الاكمل أَنه يعرف قصَّة وَقعت بِدِمَشْق فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَتِسْعمِائَة وَهُوَ أَنه كَانَ بمحلة القيمرية شَاب أَمْرَد أسمر اللَّوْن يُسمى على بن الرفاعى وَكَانَ يجلد الْكتب ويهواه شخص يُسمى عبد الرَّحْمَن بن الظنى فَوَقع لَهُ مَعَه وَاقعَة أفْضى أمرهَا للوقوف بَين يدى القاضى كَمَال الدّين الْعَدْوى الشافعى البقاعى الْحَاكِم خلَافَة بمحكمة الميدان فترجح عِنْده أَن عليا الْمَذْكُور خُنْثَى وانه للانوثة أميل فَأمر الاطباء بالكشف عَلَيْهِ فوجدوا لَهُ فرجا لَهُ حلمة صَغِيرَة فَوْقهَا ثَلَاثَة أبخاش صغَار فأزالوا ذَلِك بِالْقطعِ فَظهر تَحت الْمحل الْمَذْكُور فرج أُنْثَى فَعِنْدَ ذَلِك حكم الْحَاكِم الشافعى بأنوثته وسموه عليا وزوجوها بعاشقها عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور فَدخل عَلَيْهَا فَوَجَدَهَا بكرا وأزال بَكَارَتهَا وحملت مِنْهُ وضعت أَوْلَادًا مُتعَدِّدَة شَاهد ذَلِك وتحققه غَالب أهل دمشق انْتهى وَكَانَت ولادَة الاكمل فى يَوْم الْجُمُعَة ثانى عشر جُمَادَى الْآخِرَة سنة ثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الاربعاء وَقت الضحوة الْكُبْرَى سَابِع عشر ذى الْحجَّة سنة احدى عشرَة بعد الالف وَدفن بمقبرة سفح قاسيون فى قبر وَالِده
مُحَمَّد بن ابراهيم الملقب بسرى الدّين الدرورى المصرى الحنفى الْمَعْرُوف بِابْن
الصَّائِغ السرى وَمَا أَدْرَاك مَا السرى أنموذج المعارف ونكتة مَسْأَلَة التَّحْقِيق كَانَ من الْفضل وَالتَّحْقِيق فى أسمى منزلَة وَأَعْلَى هضبة وَمَا رَأَيْت فِيمَن رَأَيْت الا من يصفه بِالْفَضْلِ الباهر ويبالغ فى الثَّنَاء عَلَيْهِ وَقَالَ والدى فى تَرْجَمته لم أر فى مصر أحسن من شكله وملبوسه وعمامته وَلَا ألطف من مصاحبته ومنادمته وَأما فَضله فاليه النِّهَايَة وَلَيْسَ وَرَاءه غَايَة وَلم يكن فِيهِ عيب سوى الشُّح وَكَانَ وَالِده من أكَابِر التُّجَّار المياسير خلف لَهُ أَمْوَالًا كَثِيرَة ثمَّ اشْتغل بِقِرَاءَة الْعُلُوم فَقَرَأَ على أَبى بكر الشنوانى ثمَّ لزم الْمولى حُسَيْن الْمَعْرُوف بباشا زَاده نزيل مصر واختص بِهِ وَبِه تفوق على نظرائه وَكَانَ يعرف اللُّغَة الفارسية والتركية حق الْمعرفَة بِحَيْثُ انه اذا تكلم بهما يظنّ أَنه من أهلهما ودرس بِمصْر فى الْمدرسَة السليمانية والمدرسة الصرغتمشية وَكَانَ يكْتب الْخط المدهش وَألف حَاشِيَة على شرح الْهِدَايَة للاكمل وحاشية على شرح الْمِفْتَاح الشريفى وحاشية على البيضاوى ورسالة فى المشاكلة وَكلهَا ممتعة نفيسة جَارِيَة على الدقة وَالنَّظَر الصَّحِيح وانتفع بِهِ جمَاعَة وسافر الى الرّوم بِطَلَب من شيخ الاسلام أَحْمد بن يُوسُف المعيد مفتى السلطنة ورزق مِنْهُ قبولا تَاما وَوجه اليه رُتْبَة قَضَاء الْقُدس وَدخل دمشق ذَهَابًا وايابا وَأخذ عَنهُ بهَا الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد العيثى ووالدى وَعرض عَلَيْهِ رحلته الرومية الاولى فَكتب عَلَيْهَا الْحَمد لله الذى تفضل على من شَاءَ من عباده فَكَانَ لَهُ محبا وشغفه بالكمال فَكَانَ بِهِ ولوعا وصبا وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على أشرف الانام الذى ترقى فى حضرات الْقُدس وَشَاهد الانس دنوا وقربا وعَلى آله وَأَصْحَابه الَّذين لم يَجْعَل لَهُم فى سوى اقتفاء آثاره حَاجَة وقربى وَبعد فقد بعث الى من وادى الادب الْمُقَدّس هَدِيَّة سنية وسفر أَسْفر عَن بَدَائِع عبقريه حيرتنى فلست أدرى أروض دبجته أيدى الْغَمَام أم عسجدية حسنتها فَارس بأنواع التصاوير والارقام بيد أَنَّهَا أعربت عَن سمو همة مبدعها بالاقتداء فى الْهِجْرَة بِالْآبَاءِ الْكِرَام فَسَار مسير الْهلَال فى منَازِل التَّحْصِيل ثمَّ الترقى الى أوج التَّمام فَالله تَعَالَى يكثر من أَمْثَاله اذ لم نر لَهُ مثلا فضلا عَن أَمْثَال ويبقيه صَدرا للافادة ومحتدا للفضل والافضال وَأورد لَهُ والدى رحمه الله فى تَرْجَمته قصيدة من نظمه فى غَايَة السلاسة واللطافة وَذكر أَنه مدح بهَا قاضى مصر الْمولى عبد الْكَرِيم المنشى ومستهلها
(رعى الله عصر بالغرام تقدما
…
أرَاهُ بِثَوْب الدَّهْر وشيا منمما)
(وَحيا الحيا منى ديار أحبتى
…
وان كَانَ ربع الود مِنْهُم تهدما)
(وان كَانَ ودا فى الْحَقِيقَة غير أَن
…
عشقت وأوهمت الحجى فتوهما)
(الى كم أضيع الْعُمر فى أَيْن هم غدوا
…
وحتام يسلينى لَعَلَّ وأينما)
(أطالب دهرى أَن يجود بقربهم
…
فَمَا زَاد بِالْبُطْلَانِ الا تبرما)
(وَنَاشَدْته الا مقاسمة الاذى
…
وصفو الليالى فاستقال وأقسما)
(وَمَا ضرهم لَو أَن برق التقائهم
…
أَضَاء اذا ليل الْحَقِيقَة أضرّ مَا)
(تبدت لى الايام فى زى بأسهم
…
وسلت بكف الْغدر للْقَتْل مخذما)
(وَضحك مشيبى أَن عصر شبيبتى
…
يودع جسما مَا أرَاهُ مُسلما)
(هبطنا الى أَرض المذلة بالذى
…
تخذت لصرح الْعِزّ مرقى وسلما)
(وَمِمَّا دهانى أَن بليت بأغيد
…
اذا شَاءَ اسكار الْعُقُول تبسما)
(وان مارنا واهتز غُصْن قوامه
…
فويل المهى مِنْهُ وتعسا على الدما)
(تمايل وَسنَان الجفون وَمَا احتسى
…
مداما وأصمانا وَمَا راش أسهما)
(وولاه سُلْطَان الْجمال نفوسنا
…
أَلَسْت ترى ديباج خديه معلما)
(وَمَا هُوَ الا ان تعطفه الحجى
…
فيسمح لى فى زورة ثمَّ يندما)
(زرعت بلحظى الْورْد فى روض خَدّه
…
أما آن أَن يجنى بفى أما أما)
(وهبه حمى ورديه بعذاره
…
فَمنع فَم العشاق ذَاك اللمى لما)
(مللت البقا الا بِمن قد صحبته
…
أعانقه لَيْلًا اذا الطيف أحجما)
(وَذَاكَ لِقَاء المغرد الْكَامِل الَّذِي
…
غَدا الدَّهْر فى ترتيل مدحته فَمَا)
وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى
السَّيِّد مُحَمَّد بن ابراهيم بن الْمفضل بن ابراهيم بن على بن الامام يحيى شرف الدّين قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال هُوَ بَحر الْعلم الخافق فى الْخَافِقين وَبدر الدّين الذى أنار فى المشرقين امام المعقولات والمنقولات والمبرهن على حُدُودهَا وبراهينها والمقولات صدر السَّادة وَبدر القادة كَانَ قدس الله تَعَالَى سره نَسِيج وَحده وفريد وقته وانسان زَمَانه الْكَامِل القاضى فى الْعُلُوم على كل فَاضل وَالْحَاكِم الذى لبه رزين والواسطة الَّتِى بجواهر العقد تزين وَكَانَ ربانى عصره معمور الْبَاطِن وَالظّهْر مسعودا فى حالاته ملحوظا اليه بِعَين التكريم أَيْنَمَا توجه مَعَ كَمَال فى سمته وجلالة باهرة حَتَّى قَالَ بعض الْفُضَلَاء أَحسب أَنه لَو اجْتمع الْخلق فى الْحَشْر
وَخرج السَّيِّد مُحَمَّد بَينهم علم كل أحد انه عَالم وَكَانَ مَعَ تِلْكَ الْخلال وَذَلِكَ الْجلَال سهل الاخلاق غير مترفع وَلَا ينقص ذَلِك من مِقْدَار شَيْئا وَكَانَت لَهُ فكرة سليمَة كَمَا قَالَ شَيْخه الْوَجِيه عبد الرَّحْمَن الحيمى فى صفته انه مُسْتَغْرق الفكرة بِاللَّه تَعَالَى وَهُوَ مَعَ النَّاس ظَاهرا هَكَذَا ذكره لى شَيخنَا مشافهة أَيَّام قِرَاءَته عَلَيْهِ فى الْكَشَّاف وَكَانَت أَحْوَاله أَحْوَال الامراء وَصيته أَعلَى من ذَلِك لما حواه من هَذِه الكمالات وَلما لَهُ من النّسَب الشريف الذى لَا يسامى وَكَانَ فى أهل بَيته الْكِرَام كالبدر بَين النُّجُوم ولد سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَلم يزل مواظبا على الْعلم من صغره الى كبره يَسْتَفِيد مِنْهُ الطالبون ويراجعه الْفُضَلَاء بالكتب من الْآفَاق ويستمطرون دِيمَة آدابه ويفجرون معِين علمه فيأتيهم من قبله كل عَجِيب غَرِيب وَقَرَأَ فى الْفُنُون بِمَدِينَة صنعاء وبلدة كوكبان وشيام ورحل الى الطَّوِيلَة لقِرَاءَة شئ من كتب أصُول الْفِقْه على السَّيِّد الْعَلامَة عز الدّين بن ذريب وَأكْثر مَا تعلق بِهِ فى صنعاء علم الادوات وَالتَّفْسِير وَأما الحَدِيث فَأكْثر قِرَاءَته على شُيُوخ وردوا اليه الى مَحَله الْمُبَارك فَقَرَأَ من كل فن وُجُوه كتبه وهيمن على غرائبها وَكَانَ وَاسع الْحِفْظ نادرة فى ذَلِك سيال الذِّهْن وَلَا يلقى الْمسَائِل الا على جِهَة الاجابة واستوطن فى آخر أَيَّامه وادى ظهر وَأنس بِهِ النَّاس هُنَالك وازداد الوادى بِهِ بهجة وعلق بِهِ من لَا علاقَة لَهُ بِهِ وَكَانَ استشارنى لمَكَان الْمَوَدَّة فى انزال أَهله الى الوادى فَمَا رجح لى وَظهر لَهُ الرجحان فَكَانَ الصَّوَاب رَأْيه والحرى بذلك وَله من التآليف نظم الورقات لامام الْحَرَمَيْنِ الجوينى فى غَايَة الْحسن وَكَانَ شَيخنَا الْوَجِيه يتعجب من حسنه وَيسر الله تَعَالَى فى أَيَّام الْقِرَاءَة شرحها بشرح مُفِيد وَلكنه لم يظْهر وَغَابَ بَين كتبه وَشَرحهَا رجل من بنى النزيلى وَكَانَت وَفَاته نَهَار الِاثْنَيْنِ غرَّة رَجَب سنة خمس وَثَمَانِينَ وَألف بِمَنْزِلَة شيام وَكَانَ لمَوْته موقع عَظِيم عِنْد الْعلمَاء وَغَيرهم وَمَا أحقه بقول الزمخشرى فى الامام ابْن سمْعَان
(مَاتَ الامام ابْن سمْعَان فَلَا نظرت
…
عين الْبَصِير اذا ضنت بأدمعها)
(وأى حوباء لَا صمت وَلَا عميت
…
وَلَا استفادت بمرآها ومسمعها)
(أَيْن الذى ان شريناه لما أخذت
…
بِبَعْضِه هَذِه الدُّنْيَا بأجمعها)
(أَيْن الذى الْفِقْه والآداب ان ذكرت
…
فَهُوَ ابْن ادريسها وَهُوَ ابْن أصمعها)
(من للامامة ضَاعَت عِنْد قيمتهَا
…
من للبلاغة غيث عِنْد مصقعها)
(من للاحاديث يُمْلِيهَا ويسمعها
…
بعد ابْن سمْعَان ممليها ومسمعها)
(سرد الاسانيد كَانَت فِيهِ لهجته
…
ككف دَاوُد فى تسريد أدرعها)
(خلى الائمة خيرا فقد أعلمها
…
على اتِّفَاق وأوذكاها وأورعها)
وَعمر عَلَيْهِ تربة ورثاه من يعرفهُ وَمن لَا يعرفهُ وَمن جملَة من رثاه القاضى مُحَمَّد بن الْحسن الحيمى وَجَمَاعَة من بِلَاد كوكبان أَجَاد وَالشَّيْخ البليغ ابراهيم الهندى والقاضى على بن صَالح بن أَبى الرِّجَال وَلم يحضرنى من هَذِه المراثى غير مَا يسره الله تَعَالَى لى وَلست بكامل الصَّنْعَة فى الشّعْر وهى قولى
(الله أكبر فلك الصَّالِحَات رسا
…
الله أكبر راد الافق عَاد مَا)
(وَالْمجد هدت على رغم قَوَاعِده
…
كم معلم بعد عز الْملَّة اندرسا)
(ومسمع الْمجد والعليا بِهِ صمم
…
ونطقه عَن فصيحات اللغى خرسا)
(هى الْمُصِيبَة عَمت كل نَاحيَة
…
يَا أَيهَا النَّاس هَذَا الْبَدْر قد طمسا)
(فابكوا جَمِيعًا فَهَذَا الهول عمكم
…
هد القوى من رجال مِنْكُم ونسا)
(من ذَا لعلم رَسُول الله ينشره
…
يحييه يمليه يبدى مِنْهُ مَا التبسا)
(من للاصولين من ذَا للفروع وَمن
…
بالْمَنْطق الْفَصْل يُمْلِيهَا لمن درسا)
(لهفى عَلَيْهَا وَمَا لهفى شفا كمد
…
شوى فؤادى وأورى فى الحشا قبسا)
(
…
آه وَمَا هى فى خطبى بنافعة
…
وان رثى لى مِنْهَا الضِّدّ والجلسا)
(مُصِيبَة قد دهت من قد قصاودنا
…
وَأعظم النَّاس خطبا معشر الرؤسا)
(قد كَانَ فِينَا كشمس الرَّاد مشرقة
…
مَا ان نَخَاف ظلا مَا أَو نرى غلسا)
(وَكَانَ فِينَا كثهلان نلوذ بِهِ
…
اذا الزَّمَان علينا بالخطوب أسا)
(وَكَانَ فِينَا فراتا مرويا فاذا
…
يدنس الدّين أَمر طهر الدنسا)
(مَاذَا أَقُول وقولى فِيهِ ذُو قصر
…
ومنطقى بعد افصاحى قد انحبسا)
الى أَن يَقُول
(مالى سولى الصَّبْر فى خطبى ألوذ بِهِ
…
عَسى يُخَفف من قلبى الهموم عَسى)
(يَا من نأى عَن فؤادى وَهُوَ موطنه
…
وفى سويداه حب مِنْهُ قد غرسا)
(نأيت عَنَّا الى الجنات منتعما
…
مَعَ الاحبة من آل وَأهل كسا)
(وَنحن نبكى كَمَا تبكى مولعة
…
بنجلها اذ رَأَتْهُ صَار مفترسا)
(لكننا قد رَضِينَا حكم خالقنا
…
وان يجرع كل من نواك حسا)
(وسوف نفزع فى ذَا الْخطب نحواسا
…
كم بردت من حرارات الْقُلُوب أسى)
مُحَمَّد بن ابراهيم الملقب شمس الدّين الحمصى الشافعى الْمَعْرُوف بِابْن الْقصير بِالتَّصْغِيرِ وَاحِد قطره فى الْفُنُون وَكَانَ فَاضلا حسن التَّحْرِير ندى الْقَلَم أفتى بحمص على مَذْهَب الشافعى نَحْو سَبْعَة وَأَرْبَعين سنة وَله تآليف حَسَنَة مِنْهَا شرح على منظومة الشَّيْخ أَبى بكر القارى فى العقائد وَشرح الْغَايَة فى الْفِقْه وَله أجوبة عَن أسئلة سُئِلَ عَنْهَا فى التَّفْسِير وَالْفِقْه بحلب ودمشق رَأَيْتهَا وانتخبت مِنْهَا أَشْيَاء نفيسة وَكَانَت وِلَادَته فى شهر ربيع الآخر سنة احدى عشرَة بعد الالف وَتوفى بِدِمَشْق نَهَار الثلاثا ثَالِث عشر شهر ربيع الآخر سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان
مُحَمَّد بن أَبى بكر الشَّيْخ الْعَارِف الْمَعْرُوف باليتيم الدمشقى العاتكى الصوفى كَانَ أحد الرِّجَال الاتقياء أَرْبَاب المكاشفات كَانَ فى أول أمره يتكسب بِبيع القهوة بالسويقة المحروقة وَكَانَت قهوته مجمع الصَّالِحين وَكَانَ الى جَانِبه حوش يجمع بَنَات الخطا فاستأجره وأخرجهن مِنْهُ وَاتخذ فِيهِ مَسْجِدا وَكَانَ اذا أذن الْمُؤَذّن دَعَا النَّاس الى صَلَاة الْجَمَاعَة فِيهِ وَهَذَا هُوَ الْمَكَان الذى بنيت فِيهِ المرادية وَيُقَال انه دَاخل حرمهَا بناها مرا د باشا نَائِب الشَّام فى سنة سِتّ وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ الشَّيْخ الْيَتِيم يتَرَدَّد الى مَسْجِد المرادية وَيُحِبهُ الى الْمَمَات وَكَانَ أَخذ الطَّرِيق عَن الشَّيْخ مُوسَى الكناوى وَعَن الشَّيْخ سعد الدّين الجباوى وَأخذ علم التَّوْحِيد والتصوف عَن سيدى أَحْمد الميناوى المغربى وَاجْتمعَ بالاستاذ مُحَمَّد البكرى بالقدس وَأخذ عَنهُ وَصَحب الشَّيْخ مَنْصُور السقيفى وَالشَّيْخ محيى الدّين الذهبى وَكَانَ الذهبى يتهم بِعلم الكيميا وَحكى عَنهُ بعض الاخيار أَنه قَالَ خطر لى أَن أذهب اليه وأسأله أَن يعلنى اياها قَالَ ثمَّ قلت فى نفسى رُبمَا لَا يعلمك فَلَو تَوَجَّهت الى روحانية النبى
وَطلبت ذَلِك مِنْهُ قَالَ وَكَانَ من عادتى اذا ذهبت الى زِيَارَة الشَّيْخ محيى الدّين بدكانه الَّتِى يدق فِيهَا الذَّهَب بسوق القيمرية تجاه الْمدرسَة القيمرية فبمجرد مَا أشرف على دكانه من بعيد يفتح لى بَاب طَاقَة الدّكان قَالَ فَلَمَّا أَصبَحت من تِلْكَ اللَّيْلَة ذهبت اليه فَلَمَّا أشرفت عَلَيْهِ لم يفتح بَاب الطَّاقَة على عَادَته وَلما دخلت عَلَيْهِ وَجَلَست عِنْده قَالَ لى يَا مُحَمَّد النبى
يمد الْكَوْن بأنواع السعادات ويليق مِنْك أَن تطلب مِنْهُ الا مداد بالدنيا الفانية هلا طلبت مِنْهُ أَن يمدك بالعارف ثمَّ
انْقَطع فى بَيته بمحلة قبر عَاتِكَة وَكَانَ يتَرَدَّد اليه الزوار وَكَانَ مَجْلِسه غاصا باللطائف والمعارف وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ آيَة من آيَات الله تعلى قَالَ الغزى فى تَرْجَمته صحبته نَحْو خمس سِنِين وَكنت أَقُول مَا على من صحب هَذَا الشَّيْخ اذا فَاتَتْهُ الصُّحْبَة مَعَ الْمُتَقَدِّمين وَكَانَت وَفَاته فى نَهَار السبت السَّابِع وَالْعِشْرين من جُمَادَى الْآخِرَة سنة خمس بعد الالف وَكَانَت جنَازَته حافلة وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير بِالْقربِ من سيدى نصر المقدسى رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَبى بكر بن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الْخَالِق بن عبد الرَّحْمَن الملقب محب الدّين بن تقى الدّين أَبُو الْفضل العلوانى الحموى الدمشقى الحنفى جد أَبى شامة الشَّام وفرد الزَّمَان وانسان حدقة الْعلم وروح جسم الْفضل وفريدة عقد الادب ودرة تَاج الشّعْر وَكَانَ مِمَّن توَحد فى عصره بِمَعْرِِفَة الْفُنُون خُصُوصا التَّفْسِير وَالْفِقْه والنحو والمعانى والفرائض والحساب والمنطق وَالْحكمَة والفنون الغريبة كالزايرجا والرمل وَغير ذَلِك وفَاق من عداهُ فى لطف النثر وعذوبة اللَّفْظ وجودة الْمَعْنى وغرابة الْمَقْصد وانسجام التراكيب وَأما خطه فاليه النِّهَايَة فى الْحسن والضبط وَكتب الْكثير بِخَطِّهِ بِحَيْثُ لَو حسب عمره والذى كتبه لبلغ كل يَوْم كراسا بالكامل هَذَا مَعَ كَثْرَة الاسفار وتزاحم الاشغال والارتباط للْقَضَاء وَالْفَتْوَى والتأليف وَألف المؤلفات العجيبة السائغة مِنْهَا حَوَاشِيه على التَّفْسِير وَالْهِدَايَة والدرر وَالْغرر ومنظومته فى الْفِقْه الَّتِى سَارَتْ مسير الشَّمْس سَمَّاهَا عُمْدَة الْحُكَّام وَقد احتوت على غرائب الْمسَائِل واعتنى بشرحها أجلاء الْفُضَلَاء مِنْهُم الامام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح امام السُّلْطَان وَالشَّيْخ اسماعيل النابلسى وَابْنه شَيخنَا الشَّيْخ عبد الْغنى وَله شرح شَوَاهِد الْكَشَّاف سَمَّاهُ تَنْزِيل الْآيَات على الشواهد من الابيات وَشرح منظومة القاضى محب الدّين بن الشّحْنَة فى الْمعَانى وَالْبَيَان وَكَانَ سنه اذ ذَاك سِتّ عشرَة سنة وَله الرحلة المصرية والرومية والتبريزية والسهم الْمُعْتَرض وَالرَّدّ على من فجر وَله عشرُون رِسَالَة مَجْمُوعَة فى دفتر وترسلاته كَثِيرَة جدا جمع والدى مِنْهَا حصتة فَجَاءَت فى مِقْدَار أَرْبَعِينَ كراسا وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ أَكثر أَبنَاء عصره احاطة وأجلهم فَائِدَة وَقد ولد بحماة وَنَشَأ بهَا وَقَرَأَ على وَالِده الى أَن تنبل وَكَانَ أَبوهُ قد بلغت بِهِ السن الى الْعَجز عَن الاقراء فَبَعثه الى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبى الوفا ابْن ولى الله الشَّيْخ علوان وَكتب اليه مَعَه هَذِه الابيات من نظمه
وَكَانَ هُوَ أَيْضا مِمَّن أَخذ عَن الشَّيْخ أَبى الوفا
(لما على اعْتدى دهرى وأحرمنى
…
تَقْبِيل أعتابكم والرشف من ديم)
(والغرف من أبحر الْعرْفَان مَعَ حكم
…
جَاءَت كدر مَعَ العقيان مُنْتَظم)
(أرْسلت فرعى عَنى نَائِبا أبدا
…
فعده سيدى من جملَة الخدم)
فَلَزِمَهُ يُنْفِقهُ عَلَيْهِ على مَذْهَب الشافعى الى أَن وصل الى قِرَاءَة شرح الْبَهْجَة ثمَّ تحول حنفيا وَكَانَ أَكثر تعبده على مَذْهَب الشافعى الى أَن مَاتَ وَقَرَأَ من أول البخارى الى بَاب الْقِرَاءَة فى الْمقْبرَة على الْمسند أَبى بكر تقى الدّين بن أَحْمد الشهير بِابْن البقا بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْقَاف الْمُشَدّدَة خَليفَة الشَّيْخ مُحَمَّد بن الشَّيْخ علوان الاربلى ثمَّ الحموى وَهُوَ أَخذ عَن شيخ الاسلام الْعَلامَة أَحْمد بن عُمَيْس الحموى بِحَق اجازته عَن ابْن حجر العسقلانى وَهَذَا أَعلَى سَنَد لَهُ وَكَانَت وَفَاة ابْن البقا فى حُدُود السّبْعين وَتِسْعمِائَة وتاريخ الْقِرَاءَة فى أَوَاخِر رَمَضَان سنة احدى وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة وَأَجَازَهُ بباقى البخارى ثمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ فى أَوَاخِر رَجَب سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ ثمَّ قدم الى حماة الشَّيْخ أَحْمد بن على الْيُمْنَى وَكَانَ من المتبحرين فى جَمِيع الْعُلُوم فأسكنه دَارا جوَار دَاره وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الكافية للمنلا جامى وَشرح العقائد الخيالى وَشرح الشمسية والمطول وغالب شرح الْمِفْتَاح وجانبا من تَفْسِير البيضاوى وَسمع عَلَيْهِ جانبا من شرح المواقف بِقِرَاءَة المرحوم منلا أَبى الْهدى العنتابى ولازمه عدَّة سِنِين وَكَانَ الْيُمْنَى هَذَا مَعَ تضلعه من الْعُلُوم لَهُ الْقدَم الراسخة فى الْكَشْف وَالْولَايَة وَله وقائع تدل على علو كَعبه مِنْهَا أَنه خرج هُوَ واياه وَجَمَاعَة يَوْمًا الى أحد منتزهات حماه وَاسْتمرّ بهم النشاط الى أَن قرب وَقت الْغُرُوب وهم خَارج الْبَلدة فخافوا من تسكير بَاب الْمَدِينَة فَذكرُوا ذَلِك للشَّيْخ فَدَعَا الله تَعَالَى بِأَن يُوقف الشَّمْس حَتَّى يدخلُوا الْمَدِينَة فوقفت الشَّمْس مِقْدَار سَاعَة الى أَن دخلُوا وَبعد وَفَاة مشايخه الْمَذْكُورين رَحل الى حلب وَأخذ عَن علمائها مِنْهُم الرضى مُحَمَّد بن الحنبلى الحنفى كَذَا ذكره النَّجْم فى تَارِيخه فى تَرْجَمَة ابْن الحنبلى وناقضه فى تَرْجَمَة الْجد فى الذيل بانه لم يلْحق ابْن الحنبلى وَهَذَا أغرب الْغَرِيب مِنْهُ فان لُحُوقه لِابْنِ الحنبلى لَا شُبْهَة فِيهِ أبدا وَأما أَخذه عَنهُ فَمَا أعرف حَقِيقَته على أَن ابْن الحنبلى قرظ لَهُ على شَرحه لمنظومه ابْن الشّحْنَة أرسل الشَّرْح اليه من حماة فقرظ عَلَيْهِ وَذكر فى التقريظ نسبته لِابْنِ الشّحْنَة وان جد وَالِده الْبُرْهَان لامه وَكَانَ الْجد لم يطلع على نسبته اليه فَخَجِلَ من التطفل على الشَّرْح مَعَ
وجود ابْن الحنبلى فَأرْسل اليه رِسَالَة يعْتَذر فِيهَا عَن ذَلِك وَكَانَ الشَّمْس مُحَمَّد بن المنقار مِمَّن أَخذ عَن ابْن الحنبلى وَكَانَ يفاخر بالاخذ عَنهُ فاذا تَذَاكر هُوَ وَالْجد فى الاخذ عَن عُلَمَاء حلب بقول لَهُ أَنْت لم تقْرَأ على ابْن الحنبلى فَيَقُول لَهُ هُوَ قرظ على مؤلف لى وَأخذ بحمص عَن الشهَاب أَحْمد الاطاسى ثمَّ دخل الرّوم وَاخْتَلَطَ مَعَ كبرائها ومدحهم بالقصائد الفائقة ووجهت اليه الْمدرسَة القصاعية بِالشَّام فورد اليها وَأخذ بهَا عَن شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى الحَدِيث وَالتَّفْسِير وَغَيرهمَا وَكتب اليه مسائلا
(أَلا يَا امام الْفضل يَا من ببدره
…
يضئ لنا وَجه الزَّمَان ويقمر)
(وان أشكلت فى الْوَاقِعَات مسَائِل
…
جلاها بايضاح مَعَانِيه تنور)
(بِصِيغَة تَعْلِيق الطَّلَاق وَنَحْوه
…
كعتق بِشَرْط عبدكم يتفكر)
(على ان الانشا يَا امام الْعُلُوم لَا
…
يسوغ لنا التَّعْلِيق فِيهِ وَيظْهر)
(فَهَل يَقع التَّطْلِيق فى الْحَال سيدى
…
وتعليقه يَا أوحد الدَّهْر يهدر)
(فمنوا بابداء الْجَواب تكرما
…
وَمن بِمَا فِيهِ يُقَال ويزبر)
(وأنعم على هَذَا الْمُحب لذاتكم
…
بِمَا يرفع الاشكال فِيهِ وحرروا)
(فَلَا زلت فى عز منيع ورفعة
…
وَلَا بَرحت أنوار بدرك تزهر)
فاتفق أَن جَاءَهُ السُّؤَال وَقد عرض لَهُ سوء مزاج فَأجَاب وَلَده الْعَلامَة الشهَاب أَحْمد عَن السُّؤَال وأبياته هى
(أَلا يَا محب الدّين من شاع فَضله
…
وَعنهُ بِكُل المكرمات يخبر)
(لَئِن كَانَ نور الْبَدْر عَم ضياؤه
…
فطورا لَدَى السارى الشهَاب ينور)
(وَمن فرعها الاشجار تجنى ثمارها
…
وَتَحْقِيق مجناها عَن الاصل يُؤثر)
(فانشاء تَعْلِيق يجوز وُقُوعه
…
وَتَعْلِيق انشاء بِهِ المتسع يصدر)
(فبعتك ان شَاءَ الْمقَال مصحح
…
وان شِئْت بيعا بِعْتُك اللَّفْظ يهدر)
(ووكلت زيدا فى طَلَاق سعادان
…
تشأ جَازَ ذَا التَّعْلِيق فِيمَا يحرر)
(وقولك ان شَاءَت سعاد طَلاقهَا
…
فزيد وكيلى فِيهِ كاللغو يذكر)
(وقائله الغزى أَحْمد يرتجى
…
من الله فى أخراه يعْفُو وَيغْفر)
ثمَّ تدير دمشق وصاهر الْعَلامَة أَبَا الفدا اسمعيل النابلسى الْكَبِير على بنتين مَاتَت احداهما قبل أَن يبتنى بهَا والاخرى دخل بهَا وَولدت لَهُ جدى محب الله الْمُقدم ذكره وَلما قدم قاضى الْقُضَاة بِالشَّام شيخ الاسلام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الياس الشهير بجوى زَاده
كَانَ مَعَه فَلَمَّا أعْطى قَضَاء مصر من الشَّام صَحبه مَعَه وَكَانَ قَاضِي الْقُضَاة الْمَذْكُور أَمر بالتفتيش على كَنِيسَة فى الْقُدس وَعين مَعَه الصَّدْر أَحْمد بن عبد الله الْمَعْرُوف بفورى مفتى الْحَنَفِيَّة بِدِمَشْق وَكَانَ اتَّصل بمسامع الدولة أَن النَّصَارَى جددوا شَيْئا فى الْكَنِيسَة فَخَرجُوا من دمشق فى يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشر شعْبَان سنة ثَمَان وَسبعين وَتِسْعمِائَة فوجدوا وَالنَّصَارَى قد أَحْدَثُوا أوضاعا مُنكرَة ووجدوا الى جَانب الْكَنِيسَة مَسْجِدا قَدِيما هدم الْكفَّار جدرانه وحولوا وَضعه الْقَدِيم وجددوا بُنْيَانه فَأمر قاضى الْقُضَاة بهدم مَا جددوه فهدمه الْمُسلمُونَ وأعلنوا بِالتَّكْبِيرِ وأقيمت صَلَاة الْجَمَاعَة فى عصر ذَلِك الْيَوْم فى الْمَسْجِد الْمَذْكُور وَصلى قاضى الْقُضَاة الْمشَار اليه اماماا بِالنَّاسِ ثمَّ زاروا بعض الْمشَاهد ورحل القاضى وفى خدمته صَاحب التَّرْجَمَة الى الْقَاهِرَة وَرجع فورى الى دمشق فوصلوا الْقَاهِرَة فى نَهَار الاربعاء سادس عشرى شهر رَمَضَان وَاجْتمعَ صَاحب التَّرْجَمَة بالاستاذ سيدى مُحَمَّد البكرى وَوَقع بَينهمَا محاورات ومراسلات أورد صَاحب التَّرْجَمَة كثيرا مِنْهَا فى رحلته مِنْهَا أَنه حضر الاستاذ للسلام على قاضى الْقُضَاة وَكَانَ أول اجتماعه بِهِ قَالَ فتقدمت وَقبلت يَده وَقلت لَهُ يَا مَوْلَانَا هَذَا السَّلَام المجازى يُرِيد أَن سلامى عَلَيْكُم هُنَا مجازى للملاقاة وَأما السَّلَام الحقيقى فَهُوَ أَن أحضر الى خدمتكم فَلَمَّا ذهبت الى بَيته رآنى مُقبلا فَلَمَّا صافحته قَالَ لى هَذَا السَّلَام الحقيقى فلمح الى قَول أَبى الْعَلَاء وَمن بالعراق قَالَ وَأهْديت اليه هَدِيَّة من قلب الفستق واللوز والصنوبر وكتبت اليه
(لما تملك قلبى حبكم فغدا
…
مُجَردا فِيهِ قلبا رق واستعرا)
(حررته فغدا طَوْعًا لخدمتكم
…
محررا خَادِمًا وافاك معتذرا)
(فعاملوه بجبر حَيْثُ جَاءَكُم
…
مُجَردا بمزيد الْحبّ منكسرا)
يقبل الْيَد الشَّرِيفَة ويلثم الرَّاحَة اللطيفة وَينْهى انه أهْدى مَا يُنَاسب اهداؤه لارباب الْقُلُوب ويلائم ارساله لاصحاب الغيوب فَقدم العَبْد رجلا وَأخر أُخْرَى فى أَن يهدى الى جنابكم الشريف مِنْهُ قدرا علما مِنْهُ بِأَنَّهُ شئ حقير لَا يوازى مقامكم الخطير وَقد توارى بالحجاب حَيْثُ وافاكم وَهُوَ حسير وَمَا مثل من يهدى مثله الى ذَلِك الجناب الا كالبحر يمطره السَّحَاب ثمَّ انه تهجم باهداء هَذَا الْقدر الْيَسِير فان وَقع فى حيّز الْقبُول انجبر الْقلب الكسير وَلَا يعزب عَن علم مَوْلَانَا بلغه الله أملا النَّمْل يعْذر فى الْقدر الذى حملا قَالَ ثمَّ اجْتمعت بعد ذَلِك
بجنابه فَقَالَ لى مَا يَقُول الانسان فى هَدِيَّة كلهَا قلب وأنشدنى بديها
(بحم أقسم أَنى امْرُؤ
…
صديق حميم بقلبى محب)
وَأخذ بِالْقَاهِرَةِ عَن الْمسند الْحَافِظ النَّجْم الغيطى صَاحب الْمِعْرَاج وَالشَّيْخ الامام أَبى النَّصْر الطبلاوى والامام الْعَلامَة على بن غَانِم المقدسى والحافظ الْكَبِير الْجمال يُوسُف بن القاضى زَكَرِيَّا وَغَيرهم وَصَحب القاضى بدر الدّين القرافى المالكى وَالشَّمْس مُحَمَّد الفارضى وَله مَعَهُمَا مفاوضات أدبية أَو ردهَا فى رحلته وَكَانَ بَينه وَبَين السرى ابْن الصَّائِغ رَأس الاطباء بِمصْر مَوَدَّة أكيدة وَوَقع بَينهمَا محاورات مِنْهَا أَنه كَانَ حصل لصَاحب التَّرْجَمَة دمل احْتَاجَ الى العلاج فَكتب الى السرى أَيهَا الرئيس البارع والبدر الذى فى أفق البلاغة طالع ذُو الْحِكْمَة الَّتِى أعيابها جالينوس والحذاقة الَّتِى حَار فِيهَا أبقراط ويطليموس أَشْكُو اليك دملا أَبْطَأَ فجره وآلم ضره وأضمره عَامله لَا على شريطة التَّفْسِير وَحصل مِنْهُ ألم كثير فتفضلوا بِمَا يبرز مَا استكن فِيهِ على عجل وَبِمَا ركب علاجا التَّنَازُع مَا فِيهِ من الْعَمَل بِحَيْثُ يصير هَذَا الْمُضمر مَبْنِيا على الْفَتْح لتنطق الالسنة بِالدُّعَاءِ وتعرب عَن أَفعَال الْمَدْح فَأرْسل اليه شَيْئا يلائم ذَلِك وَكتب جَوَابه هَل لَك أَيهَا الممتزج بِالروحِ امتزاج المَاء بِالرَّاحِ المهدى الى النواظر التَّنَزُّه والى النُّفُوس الارتياح الداعى برسالته المعجزة الالفاط الى جنَّة ناضرة المبرز بدلالته وُجُوه الْمعَانى الناضرة الى عُيُون الْبَيَان الناظرة لَا زَالَت أزمة الرغبات منقادة منا اليك ونواصى البلاغات معقودة أعنتها بيديك والفصاحة لَا تمد سرا دقاتها وَلَا تقصر مقصوراتها الا عَلَيْك
(ودمت الى كل الْقُلُوب محببا
…
وفى كل عين شاهدتك حبيبها)
فى بِنَاء ذَلِك الدمل العاصى عَن الِانْدِمَال على الْفَتْح وَنصب ثَنَاء الْعَامِل من الادوية على الْمَدْح وَالدُّخُول على جمع مادته بِصُورَة التكسير وتصريفها بالتحويل الى وضعيات التَّغْيِير وارخاء الشد كَيْلا يكف الدَّوَاء وَلَا يلغى عَامله وتقوية الْمَعْمُول بالتجلد على التَّأْثِير الذى ارْتَفع فَاعله فبذلك ان شَاءَ الله تَعَالَى تفتر ثغوره وينبسط على جلد الْجلد غوره وَالله يديم معاهد الْفضل بك آهله والفضلاء من مناهلك ناهله والنبلاء فى ظلال ظلك قَائِله لتَكون السنتهم بأحامد المحامد فِيك قَائِله آمين وَأقَام صَاحب التَّرْجَمَة بِمصْر مُدَّة وَولى بهَا قَضَاء فره ثمَّ رَحل الى الرّوم
وَولى قَضَاء حمص وحصن الاكراد ومعرة النُّعْمَان ومعرة نسرين وكلس وعزاز ثمَّ اسْتَقر بِدِمَشْق فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتَوَلَّى النِّيَابَة الْكُبْرَى سِنِين عديدة وَقَضَاء الْعَسْكَر بهَا وَقَضَاء الركب الشامى ودرس بعد القصاعية بالناصرية البرانية والشامية البرانية والسلطانية السليمية وَأفْتى مُدَّة طَوِيلَة بالامر السلطانى واشتهرت فَتَاوِيهِ بالآفاق وَكَانَ عَلامَة نِهَايَة محققا مدققا غواصا على الْمسَائِل طَوِيل الباع الْمَنْقُول قوى الساعد فى الْمَعْقُول وَكَانَ مستحضراً لمسائل الْفِقْه حَافِظًا لعبارات الْمُتُون مواظبا على التدريس والافتاء ويدرس فى تَفْسِير القاضى مَعَ مطالعة الْكَشَّاف والحواشى وانتفع بِهِ أفاضل الطّلبَة الْمشَار اليهم مِنْهُم التَّاج الْقطَّان والشموس الْخمس مُحَمَّد الميدانى وَمُحَمّد الجوخى وَمُحَمّد الايجى وَمُحَمّد الحمامى وَمُحَمّد الحادى والبدر حسن الموصلى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى والنجم مُحَمَّد الغزى وَأَخُوهُ أَبُو الطّيب والتقى الزهيرى والشهاب أَحْمد بن قولا قسز وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ أَبُو بكر المغربى مفتى الْمَالِكِيَّة وَالشَّيْخ أَيُّوب الخلوتى وَأخذ عَنهُ بالاجازة الشَّمْس مُحَمَّد والبرهان ابراهيم ابْنا أَحْمد المنلا الحلبى وَغَيرهم مِمَّن لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَت لَهُ شهرة طنانة وَذكره جمَاعَة من المؤرخين والادباء وأثنوا عَلَيْهِ كثيرا مِنْهُم البورينى والعرضى والغزى والخفاجى والبديعى قَالَ البديعى فى وَصفه عَلامَة ورد دمشق فأخجل وردهَا بمنثوره ومنظومه وفهامة ضاهى أنهارها بغزارة علومه جعلته مفتيها وَهَمَّام حفلها وامام فَرضهَا ونفلها وَمَا زَالَ فلك الْفَتْوَى مشرقا بمعلوماته الى أَن غاض بَحر فَضله وأفل كَوْكَب حَيَاته وَمن أَجود شعره قَوْله
(حكت قامتى لَا مَا وقامة منيتى
…
حكت ألفا للوصل قلت مسائلا)
(اذا اجْتمعت لامى مَعَ الالف الَّتِى
…
حكتك قواما مَا يصير فَقَالَ لَا)
وَأهْدى لبَعْضهِم سكرا وَكتب مَعَه
(هَذَا الذى أهداه عبد جنابكم
…
من صَار مَعْرُوفا بكم بَين الورى)
(هُوَ شكرا احسان حلا تكريره
…
مستعذبا حَتَّى تصحف سكرا)
وَكتب لبَعض الموالى طَالبا مِنْهُ كتاب الصِّحَاح عَارِية
(مولاى ان وافيت بابك طَالبا
…
مِنْك الصِّحَاح فَلَيْسَ ذَاك بمنكر)
(الْبَحْر أَنْت وَهل يلام فَتى سعى
…
للبحر كى يلقى صِحَاح الجوهرى)
وَكتب لبَعض أصدقائه
(سَلام على من لم أزل تَحت ظله
…
وَتَحْت أياديه الحسان وبره)
(سَلام محب مخلص لَك فى الولا
…
يعطر أنفاس النسيم بشكره)
وَمن فَوَائده أَنه سُئِلَ عَن بيتى أَبى اسحاق الغزى
(وخزالا سنة والخضوع النَّاقِص
…
أَمر ان عِنْد ذوى النهى مران)
(والرأى أَن نَخْتَار فِيمَا دونه المر ان وخز أسنة المران
…
)
وَكَانَ فى مجْلِس أحد الموالى فَتكلم بعض الْحَاضِرين على مَا يتَعَلَّق بالبيتين من جِهَة الْمَعْنى وَبَيَان الاعراب فَكتب عَلَيْهِمَا رِسَالَة ملخصها ان الوخز الطعْن بِالرُّمْحِ وَغَيره لَا يكون نَافِذا والاسنة جمع سِنَان وَهُوَ نصل الرمْح والمران آخر الْبَيْت الاخير قَالَ صَاحب الْقَامُوس هُوَ كرمان الرماح اللدنة انْتهى أَقُول لَا يخفى على الْفَاضِل النبيه انه أصَاب لما قصد الْقلب عِنْد هَذَا التَّشْبِيه وَلَا يخفى أَن تعدد وصف الْخَبَر هُنَا على حد قَوْلهم حُلْو حامض أى مز وَالْمعْنَى أَنَّهَا حَالَة متوسطة بَين الصلابة واللين وَبَقِيَّة أَلْفَاظ الْبَيْت ظَاهِرَة لَا تحْتَاج الى تَبْيِين ثمَّ اضافة وخز الى الاسنة معنوية بِمَعْنى اللَّام أى وخز للاسنة وَهُوَ مُبْتَدأ خَبره أَمْرَانِ واعراب الْبَيْتَيْنِ ظَاهر لَا يحْتَاج الى بَيَان وَلَا يخفى مَا فى الْبَيْت الاول من الصِّنَاعَة البديعة وَهُوَ شبه الِاشْتِقَاق نَحْو فأقم وَجهك للدّين الْقيم وَالْجمع وَذَلِكَ أَن تجمع بَين مُتَعَدد فى حكم وفى ذَلِك قَوْله تَعَالَى {المَال والبنون زِينَة الْحَيَاة الدُّنْيَا} وَقَوله الرأى أَن نَخْتَار الى آخِره الظَّاهِر ان مَا فى قَوْله فِيمَا دونه مَوْصُولَة وتحتمل الموصوفة وصلتها مُتَعَلق الظّرْف وعائدها الضَّمِير البارز والمران فَاعل الظّرْف لاعتماده على الْمَوْصُول أَو الْمَوْصُوف وَالتَّقْدِير والرأى أَن نَخْتَار فِيمَا اسْتَقر دونه المران أى عِنْده أَو امامه وخز أسنة المران يعْنى اذا اجْتمع الامران المران وخز الاسنة والخضوع لناقص فالرأى أَن نَخْتَار وخز الاسنة على الخضوع يعْنى أَن الدون فى جَانب الخضوع مُتَحَقق بِأَن يكون لَهُ مَرَاتِب مُتَفَاوِتَة بَعْضهَا دون بعض وَأما وخز الاسنة فَلَا يتَحَقَّق فِيهِ هَذَا الْمَعْنى فَنَقُول يُمكن أَن يغلب الخضوع أَو يَجْعَل لوخز الاسنة مَرَاتِب مُتَفَاوِتَة لَهُ أَيْضا تَقْديرا لَا تَحْقِيقا وَلَا يخفى مَا فى الْبَيْت من الجناس التَّام هَذَا وَلَا مَانع من أَن تجْعَل دون من قبيل قَوْلهم هَذَا دونه أى أقرب مِنْهُ كَمَا هُوَ أحد مَعَانِيهَا ويغلب الخضوع على وخز الاسنة من حَيْثُ الْمَعْنى أَو يقدر الدون فى جَانب وخز الاسنة وَحِينَئِذٍ يظْهر لَهُ وَجه دَقِيق وبالقبول حقيق وَله تَحْرِير على الْمثل الْمَشْهُور وَهُوَ من حفظ حجَّة على
من لم يحفظ وَكَانَ سَبَب تحريره لَهُ أَنه اجْتمع هُوَ وَجَمَاعَة فى مجْلِس بعض الاعيان فدار الْكَلَام بَينهم فِيهِ من جِهَة الاعراب فَاخْتَارَ بَعضهم رفع الْحجَّة وَبَعْضهمْ نصبها فَكتب مَا ملخصة من اسْم مَوْصُول مَرْفُوع الْمحل على الِابْتِدَاء وَجُمْلَة حفظ صلَة لَا مَحل لَهَا من الاعراب والعائد الضَّمِير الْمُسْتَتر فى حفظ وَحجَّة خبر الْمُبْتَدَأ أعنى الْمَوْصُول وَهُوَ من وعَلى ظرف لغولان عَامله من الافعال الْخَاصَّة الَّتِى لَا يتَضَمَّن الظّرْف لَهُ لَا مَحل لَهُ من الاعراب وَهُوَ مُتَعَلق بِحجَّة وعَلى حرف جر مَعْنَاهُ الاستعلاء وَهُوَ هُنَا معنوى وَلم حرف نفى وَجزم ويحفظ فعل مضارع مجزوم بلم وَجُمْلَة لم يحفظ صلَة من الثَّانِيَة المجرورة الْمحل بعلى وعائدها الضَّمِير الْمُسْتَتر فى يحفظ وَجُمْلَة من حفظ حجَّة على من لم يحفظ استئنافية فان قلت هَل يَصح نصب الْحجَّة على أَنه مفعول حفظ وَجعل على فعلا مَاضِيا والموصول بعده مَفْعُوله مَنْصُوبًا بِنَزْع الْخَافِض على الْحَذف والايصال وَالتَّقْدِير من حفظ حجَّة علا على من لم يحفظ ثمَّ حذفت على وباشر الْفِعْل الْمَنْصُوب فنصبه على حد قَول الطغرائى
(وان علانى من دونى فَلَا عجب
…
لى أُسْوَة بانحطاط الشَّمْس عَن زحل)
قلت التَّقْدِير لَا يروج عِنْد الناقدين الا للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة هُنَا على أَن رسم الْخط لَا يساعده أَيْضا فانه لَو كَانَ فعلا مَاضِيا لكتب بالالف الْمَوْجُود بِصُورَة الْيَاء فان قلت يُمكن أَن يرجح نصب الْحجَّة بِأَنَّهُ يلْزم من عَدمه بَقَاء حفظ بِلَا مفعول على أَنه من الْأَفْعَال المتعدية قلت مثل هَذَا غير عَزِيز فِي كَلَامهم فانه قد تقرر فِي فن الْمعَانِي أَنه قد يكون الْغَرَض من الْفِعْل المتعدى اثباته لفَاعِله أَو نَفْيه عَنهُ مُطلقًا من غير اعْتِبَار تعلقه بِمن وَقع عَلَيْهِ فَينزل منزلَة اللَّازِم فان قلت فَمَا ذكرته مُرَجّح لرفع الْحجَّة وَحِينَئِذٍ فَكيف يَصح حملهَا على الْمَوْصُول الذى هُوَ عبارَة عَن الشَّخْص قلت هُوَ من بَاب الْمجَاز الْمُرْسل من قبيل اطلاق الْحَال وارادة الْمحل أَو اطلاق الْمُسَبّب وارادة السَّبَب وَأَمْثَاله أَكثر من أَن تحصى وَلِهَذَا الْكَلَام تَتِمَّة أَعرَضت عَنْهَا لعدم تعلقهَا بالغرض ومنشآته وآثاره كَثِيرَة وَأما لطائفة ونكاته فمما اشْتهر وبهر وَمَا أحقها بِأَن تدون ويسامر بهَا وَمن نادرها أَنه خرج هُوَ وَجَمَاعَة من الْعلمَاء الى توديع بعض قُضَاة الشَّام كَانَ عزل عَنْهَا لنسبة الْجَهْل اليه وَأعْطى بعْدهَا قَضَاء حلب فَلَمَّا وَدعوهُ قَالَ ان كَانَ لكم فى الْحَلب بالتعريف حَاجَة فاذكروها لنا حَتَّى نرسلها لكم الى شام بدوم تَعْرِيف فَقَالَ لَهُ المترجم لَيْسَ لنا حَاجَة ثمَّة الا الا لف وَاللَّام الذاهبتان
من شام فلتنعموا بارسالهما وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى أواسط شهر رَمَضَان سنة تسع وَأَرْبَعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى سحر يَوْم الاحد الثَّالِث وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة سِتّ عشرَة بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ ظهر الْيَوْم الْمَذْكُور بالجامع الاموى وَحضر للصَّلَاة عَلَيْهِ قاضى الْقُضَاة بِالشَّام الْمولى ابراهيم بن على الازنبقى وَحمل فى جنَازَته وتأسف على اخلاقه الْعلمَاء وَدفن بالمدفن قبالة الْجَانِب المحاذى لجامع جراح خَارج بَاب الشاغور وَكَانَ آخر درس أقرأه أَو وقف عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ أَنا نأتى الارض ننقصها من أطرافها} وأرخ عَام وَفَاته بعض الْفُضَلَاء بقوله آها آها مَاتَ الْمُفْتى ورثاه جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى نظم فى رثائه قصيدة بليغة مطْلعهَا
(قَامَت قِيَامَة مفتينا وقاضينا
…
لَا بل قِيَامَة دانينا وقاصينا)
(مصاب علم أضاع الْقلب منصدعا
…
ورزء مجد أطار الْعقل مفتونا)
(قدفت من عضد الْعليا وقلص من
…
ظلالها بعد مَا مدت لنا حينا)
(بادرت فِيهِ الى الانكار مذ طرقت
…
سمعى أَحَادِيثه شكا وتخمينا)
(حَتَّى اذا صدع الشَّك الْيَقِين بِهِ
…
وَصَحَّ مَا كَانَ عِنْد الصب مظنونا)
(وَصَارَ لَا طعن لى فِيهِ أحاوله
…
رجعت من نصله فى الْقلب مطعونا)
(أَوْهَى عماد القوى زلزال صدمته
…
وصادفت من خلو الْقلب تمكينا)
(تبت يدات ذَا الردى أودى لنا بندى
…
كف تكف العدا عَنَّا وتكفينا)
(فليت كل محب دولة وغبى
…
فدا محب فنون الْعلم وَالدُّنْيَا)
(أمات حساده من قل موتته
…
وَهَكَذَا دَائِما تلفى العرانينا)
(فَحل لبكر الْمعَانى الْعين مفترع
…
قد عنت بعد مهما تلقى عنينا)
(يَا طَالبا للندى والعز خب أملا
…
من بعده قد لَزِمت الْعَدَم والهونا)
(مضى الْجواد الذى كَانَت مكارمه
…
تريشنا اذ صروف الدَّهْر تبرينا)
(صرنا معاشر أهل الشَّام سائبة
…
مُبَاحَة غَابَ راعينا وحامينا)
(أما الْعُلُوم وأهلوها فقد درست
…
مَاتَ الذى كَانَ يحيها ويحيينا)
(من للبلاغة ان عنت لطائفها
…
من للفتاوى اذا مَا احتجن تَبينا)
(حماسة مِنْهُ شابتها لطافته
…
وَمَا زج الْعِزّ مِنْهُ الْحلم واللينا)
(أهكذا يستر الْبَدْر الْمُنِير ترى
…
وصبح الْبَحْر تَحت الترب مَدْفُونا)
(ظنوه صور من مجد وَنور هدى
…
فمذ أُعِيد بِأَرْض حققوا الطينا)
(لم أنس وقفتنا تِلْقَاء روضته
…
واذ نحيى بهَا من لَا يحيينا)
مِنْهَا
(يَا سيدا كنت مَسْرُورا بِهِ زَمنا
…
تركتنى بعد طول الْعُمر مَحْزُونا)
(ألزمت قلبى تحريكا عَلَيْك أسى
…
وَعَن جَمِيع أمانى الدَّهْر تسكينا)
(قد كَانَ لى مِنْك ركن شامخ وَأب
…
فقد فقدت عمادى مِنْك ذَا الحينا)
(فَقل لنا من لنا ان نَاب نائبة
…
نأوى اليه ونشكوها فيشكينا)
(أعزز علينا بِأَن الصَّدْر مِنْك خلا
…
فى مجْلِس كنت فِيهِ مِنْك تدنينا)
(بفقدك الْعلم ثمَّ الْمجد قد نكست
…
أَعْلَامه وَغدا بالذل مَقْرُونا)
(ان خص شخصك بطن الارض مستترا
…
فَذكر فضلك عَم البيد والبينا)
(كَانَ ذاتك لم تملأ فضائلها
…
دمشق من كل مَعْرُوف أفانينا)
(فَضَائِل ان يكن أودى الْمنون بهَا
…
فان أجرك فِيهَا لَيْسَ ممنونا)
(سقاك مَوْلَاك من صوب الرِّضَا ديماً
…
منهلة المزن ملقاة العرى جونا)
(ودمت تسكن فى الفردوس مرتبعا
…
رحبا تعاين فِيهِ الخرد العينا)
(ترى الانيس بِهِ الْمولى وَرَحمته
…
والصالحات وعلما مِنْك مخزونا)
(تقرا فترقى بِهِ أَعلَى الْجنان كَمَا
…
فرويه وَعدا لاهل الْعلم مَضْمُونا)
(فى نعْمَة من جوَار الله فقت بهَا
…
على سلاطين فى الدُّنْيَا أساطينا)
(ودام مِمَّن بَيْتك السامى نرى خلفا
…
أولادك الكمل الغر الميامينا)
(لَا زَالَ مِنْهُم رَئِيس فى دمشق لنا
…
مَكَان وَالِده عَنهُ يسلينا)
(وَلَا يزالون فى لطف يعم وفى
…
حب من الله طول الدَّهْر باقينا)
(مَا جددت سنَن الاسلاف بعدهمْ
…
أخلافهم حذوهم فى الْخَيْر يحذونا)
(وَالله تَحت ظلال الْعَرْش يجمعنا
…
مَعَ المحبين فَوق الْعَفو آمينا)
مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عفيف بن الهادى بن أَبى حجربه بِتَقْدِيم الْجِيم مَعَ الْبَاء الْمُوَحدَة الْمُتَأَخِّرَة ابْن أَبى الْقَاسِم بن أَحْمد بن عبد الرَّحْمَن الشريعى بِضَم الشين وَفتح الرَّاء ابْن أَبى بكر بن عبد الرَّحْمَن بن أَبى بكر بن على الاهدل كَانَ على قدم عَظِيم من الْعِبَادَة والزهادة عاكفا فى مَقْصُورَة من مقاصير الْجَامِع الظافرى بزبيد لَا يخرج مِنْهُ الا لحَاجَة وَكَانَ عَالما وعاملا ورعا زاهداً مَقْصُود للْقِرَاءَة عَلَيْهِ فى الْفِقْه غَالِبا لحقه السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر الْبَحْر سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف وَقَرَأَ عَلَيْهِ بعض
الْمِنْهَاج وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ السَّيِّد أَبُو بكر بن أَبى الْقَاسِم الاهدل وَكَانَت وَفَاته فى شهر ربيع الاول سنة ثَلَاث وَعشْرين وَترك وَألف جملَة كتب وَقفهَا هُوَ وَكتب ذَلِك على أَكْثَرهَا بِخَطِّهِ
مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن على بن عقيل بن أَحْمد بن أَبى بكر بن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن السقاف الحضرمى المصوفى ذكره الشلى وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين مِنْهُم الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَولده السَّيِّد زين العابدين وَالسَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن عقيل ثمَّ تدير الْبَلدة الْمُسَمَّاة بالقارة وهى قريبَة من بَلْدَة تريم وَصَحب الامام الْعَارِف بِاللَّه أَحْمد بن عبد الله الحبشى ولازمه وَأخذ عَنهُ التصوف وَقَرَأَ عَلَيْهِ كتبا كَثِيرَة وصاهره بابنته وَحج وَأخذ بالحرمين عَن جمَاعَة وَصَحب كثيرين مِنْهُم عَم أَبِيه السَّيِّد علوى بن على بن عقيل وَكَانَ يُحِبهُ ويثنى عَلَيْهِ ودعا لَهُ بدعوات ظَهرت عَلَيْهِ آثارها ثمَّ رَجَعَ الى القارة وَأقَام بهَا ملْجأ للوافدين وَكَانَ مبذول النِّعْمَة حسن الاخلاق لين العريكة سليم الصَّدْر ومتواضعا حَافظ لِلِسَانِهِ ثمَّ طلبه وَلَده السَّيِّد أَبُو بكر لما حصل لَهُ مرض شَدِيد الى مَكَّة فَرَحل اليها وجاور بهَا وَصَحب بهَا الامام الْعَارِف مُحَمَّد بن علوى وَحصل بَينهمَا اتِّحَاد وصحبة شَدِيدَة وَصَحب الشَّيْخ الْجَلِيل السَّيِّد عبد الرَّحْمَن المغربى وَكَانَ يُحِبهُ ويثنى عَلَيْهِ ثمَّ رَحل الى الْمَدِينَة وَأخذ بهَا عَن غير وَاحِد مِنْهُم الشَّيْخ أَحْمد بن مُحَمَّد القشاشى وَرجع الى مَكَّة بنية الرُّجُوع الى وَطنه وحاوله أَصْحَابه بِأَن يُقيم بِمَكَّة لكبر سنه وَالْتزم لَهُ وَلَده بِجَمِيعِ مَا يَحْتَاجهُ فَلم يقبل فَلَمَّا صمم على الارتحال أدْركهُ الْمَوْت فتوفى بِمَكَّة لخمس خلون من الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بالمعلاة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالزهيرى الدمشقى الشافعى الْفَاضِل النَّبِيل الاصيل مَاتَ أَبوهُ التقى وَهُوَ طِفْل فَنَشَأَ فى تربية عَمه القاضى نجم الدّين واعتنى بِهِ فألزمه بالاشتغال فاشتغل على الشّرف الدمشقى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَأخذ عَن النَّجْم الغزى وَلزِمَ دروسه زَمَانا طَويلا وَصَارَ خَطِيبًا بِجَامِع الْمُعَلق ومعيد الدُّرُوس الْمدرسَة الشامية البرانية وَألف وصنف وَمن تآليفه شرح لامية ابْن الوردى وطالعته فرأيته يشْتَمل على أَشْيَاء نفيسة وَشرح ديوَان ابْن الفارض وَأَظنهُ لم يكلمهُ وَقد نظم الْكثير وَقد رَأَيْت لَهُ شعر الا باس بِهِ فَمِنْهُ هَذِه القصيدة نظمها
فى النَّصِيحَة وهى طَوِيلَة ذكرت بَعْضهَا هُنَا ومستهلها
(أَلا خل الاصاغر والاكابر
…
خليلى ذَا الزَّمَان وَلَا تكابر)
(وجانب جانبا عَن كل صدر
…
رحيب الصَّدْر لَو خرت المفاخر)
(وَلَا تركن لذى جاه وجيه
…
وَمن بِالْمَالِ فى الدُّنْيَا يفاخر)
(وَلَا يغررك صدق من صديق
…
وَلَا تظهر لَهُ مِنْك السرائر)
(وَلَا تركن الى من تأمننه
…
وَلَو طابت بِهِ مِنْك المخابر)
(فكم قلب تقلب بعد صدق
…
فعادى وَهُوَ أدرى بالمضارر)
(وَكم من صَاحب وأضحى صخيبا
…
وَكم خل يوافى وَهُوَ ماكر)
(اذا كشفت حَقِيقَته عيَانًا
…
ترَاهُ فى حَقِيقَته مغادر)
(فاخوان الزَّمَان بِكُل حَال
…
جواسيس الْعُيُوب لكل باصر)
مِنْهَا
(وَلَا تجزم بِأَمْر من أُمُور
…
اذا لم تحسب العقبى وشاور)
(وشاور عَاقِلا شهما نصُوحًا
…
سليم الْفِكر برا غير فَاجر)
(فَلَيْسَ يخيب شخص مستشير
…
وربى للنبى بِذَاكَ آمُر)
(فَمن يحْفر قليبا كَانَ فِيهِ
…
قَرِيبا وَاقعا فِيمَا يُغَادر)
(وسامح من أَسَاءَ اليك واحسن
…
وَكن للذنب عفوا مِنْك سَاتِر)
(وان والاك من مَوْلَاك عسر
…
فان الْيُسْر بعد الْعسر صادر)
(وَلَا تضجر وَلَو فقر تناهى
…
وَلَا تَشْكُو وَكن لله شَاكر)
(فكم حر بضنك الْعَيْش رَاض
…
وَكم عبد يمتع بالحرائر)
(وَكم شهم تجرع كل وَقت
…
كؤسا لَا تسوغ لَهَا المرائر)
(وَكم نذل تقدم فى البرايا
…
وَمَال الى الميامن والمياسر)
(وحر الْوَجْه لَا تبذله يَوْمًا
…
لمن يزريك لَو بذل الْجَوَاهِر)
(وحاذر أَن تعيش بذل نفس
…
وهون فى العوالم للاصاغر)
(فموت الشَّخْص خير من حَيَاة
…
لَهُ فِيهَا المذلة وَهُوَ صاغر)
(وان وافاك ذمّ من بغيض
…
فبالا حسان قابله وغاير)
وَمِنْهَا
(وَلَا تجْلِس مَعَ الْجُهَّال يَوْمًا
…
وَلَا مَعَ غير جنسك فى المحاضر)
(وَلَا تحلل محلا لَيْسَ فِيهِ
…
لاهل الْفضل حمد أَو مآثر)
(وجانب بَلْدَة لَا حق فِيهَا
…
ومصرا لَا تُقَام بِهِ الشعائر)
(وَلَا تمكث بذل فى مقَام
…
وَأَرْض الله وَاسِعَة المحاضر)
(فَمن يرض المذلة دون عز
…
وَلَو فى جنَّة الفردوس خاسر)
(وَلَا تحقر لشيخ ذى وقار
…
وَقدم للكبير وَأَنت صاغر)
(وعرضك صنه عَن فعل مريب
…
وَمَا فِيهِ اشْتِبَاه كن محاذر)
(فَمن حول الْحمى قد حام يَوْمًا
…
فيوشك وقعه فِيمَا يباصر)
(وَلَا تصْحَب سوى شخص نصوح
…
يكن فى أَمر أخراه مذاكر)
وَمِنْهَا
(وفكر فى ذنوبك واجتنبها
…
وَلَا تيأس فان الله غَافِر)
(ولازم للتقى وَالدّين دَوْمًا
…
فتقوى الله ربح للمتاجر)
(وَبِاللَّهِ استعذ من شَرّ نفس
…
وَشَيْطَان يضلك وَهُوَ سَاحر)
(وَكن مستنصرا بِاللَّه حَقًا
…
فَمَا خَابَ الذى مَوْلَاهُ نَاصِر)
(وَبِاللَّهِ اسْتَعِنْ فى كل أَمر
…
وَسلم للْقَضَاء وللاوامر)
وَله غير ذَلِك وَكَانَ فى آخر عمره أُصِيب بِولد نجيب حزن عَلَيْهِ حزنا شَدِيدا وَضَاقَتْ اخلاقه بعد ذَلِك وتغيرت مُعَامَلَته مَعَ النَّاس وابتلى بِاسْتِعْمَال الافيون وَكَانَ مُتَّهمًا بِالْكَذِبِ وَفِيه يَقُول بعض الظرفاء
(سَأَلت عَن الشَّيْخ الزهيرى وفضله
…
فَقيل شويخ الْكَذِب حدث عَن الْبَحْر)
وَله أَخْبَار ووقائع طَوِيلَة الذيل أَعرَضت عَن ذكرهَا لشهرتها وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَبى بكر مطير أحد أجلاء عُلَمَاء الْيمن الَّذين لازموا تقوى الله وجمعوا بَين الْعلم وَالْعَمَل وتحروا فى تَحْقِيق مسَائِل الْعلم واشتهر ذكرهم شهرة القمرين وجمعوا بَين الشرفين أَخذ عَن وَالِده وَعَمه عبد الله بن ابراهيم وَغَيرهمَا من أهل ذَلِك الاقليم حَتَّى برع واشتهر وَألف وصنف وَله من الاشعار الصَّالِحَة مَا هُوَ مَشْهُور فَمن ذَلِك قَوْله يمدح الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى ذهل بن ابراهيم حشيبر صَاحب الزيدية
(مالى أَرَاك كثير الْهم والحزن
…
ولهان من شدَّة الاهوال والمحن)
(وَذَا هلا هائما وَالْقلب مِنْك غَدا
…
خَال من الْعقل وَالتَّدْبِير فى الزَّمن)
(كَانَت مضاجعهم بِاللَّيْلِ عَن جنب
…
لَا يسأمون خطاب الله فى الدجن)
(وسرت تقفو بعيد الدَّار عَن وَهن
…
وَالْقَوْم قد أدلجوا وَالله بالرسن)
(هم سادة النَّاس فى الاحوال أجمعها
…
وهم غيات الدنى بِالْفَضْلِ فاستبن)
(لَكِن اذا رمت نجما أَو بُلُوغ منى
…
فانهض الى مَعْدن الاسرار والمنن)
(هَذَا الولى الْكَبِير القطب من شهِدت
…
لَهُ الاكابر بالتصريف فى الزَّمن)
(وَصَارَ بالذهل الْمَشْهُور بلدته
…
بهَا الرِّضَا والهنا للصابر الفطن)
(بَحر المعارف مَشْهُور فمعدنها
…
عين الرِّجَال وفحل الْقَوْم فى السّنَن)
(من سَاءَ فى سوحه جَاءَت منيته
…
اليه تفجؤه فى السِّرّ والعلن)
(من حل روضته قد نَالَ بغيته
…
بِكُل خير بِحسن الظَّن ذَاك غنى)
(فاعكف بتربته والزم بعروته
…
واستبق ذَا دَائِما مَا دمت فى المكن)
(يوليك كل العطا من جود منحته
…
وَأَنت فى مأمن من كل ذى احن)
(بِاللَّه يازائرا قبرا لَهُ شرفا
…
أخْلص فُؤَادك لَا تأتى على دخن)
(فالفصل شيمته والنصر خادمه
…
والغوث سيرته وَالله فى المحن)
(مطالع السعد لَا تخفى شواهدها
…
فالسعد ساعده كَالرِّيحِ للسفن)
(وَكم ظهرن لَهُ فى كل معضلة
…
آيَات حق على الاعداء بالعلن)
(أبادهم جمعهم فى سَاعَة علنا
…
بالطعن وَالضَّرْب لَا يرجعن عَن جبن)
(ان الْعِنَايَة فى علم لَهُ سبقت
…
من الاله على التَّقْدِير بالْحسنِ)
(آل الحشيبر من عدنان انهم
…
نُجُوم أهل الثرى للعارف الفطن)
(بِاللَّه يَا نَسْله كونُوا على نهج
…
من الشَّرِيعَة وَالتَّقوى مدى الزَّمن)
(يَا سيدى الشَّيْخ يَا غوثى ومعتمدى
…
عبيدكم قَاصد للفضل غير غنى)
(فَقُمْ بِنَا مسرعا وانهض بحجتنا
…
فالعلم قد ضَاعَ فى شام وفى يمن)
(طَريقَة الْحق لَا تمشى لعزتها
…
وَصَاحب الْجَهْل قد أضحى على فنن)
(انا قصدناك فى أَمر أضربنا
…
فى الدّين وَالْمَال والارواح واغبنى)
(فانعش لغربتنا وَافْتَحْ بصائرنا
…
واكبت لحاسدنا فى كل ذى وَطن)
(واطمس عيُونا لَهُ تبقى على عَمه
…
هَذَا جزا من بقى بِالْخَيرِ لم يبن)
(انا لجير انكم وَالْجَار حرمته
…
قديمَة ذكرت فى الذّكر وَالسّنَن)
(أرعو الناذ مِمَّا كَانَت لنا قدما
…
من أجل سالفنا فى سالف الزَّمن)
(لَا تهملونا جَمِيعًا من اعانتكم
…
عطفا علينا عبيد بالمطير كنى)
(آل المطير لَهُم فى حقكم نجم
…
أهيل علم سموا فى أرفع القنن)
(بِالْعلمِ وَالدّين وَالتَّحْقِيق مَا برحوا
…
فى خدمَة الشَّرْع والاديان وَالسّنَن)
(وعندكم سيدى عقد لسالفنا
…
على الامانة أدوه لكل بنى)
(وَنحن أبناؤكم وَالْكل يطلبكم
…
مَا عنْدكُمْ من عَظِيم الْفضل والمنن)
(من كَانَ فى سوحكم من كل ذى نفس
…
فحقه وَاجِب فاحموه من عطن)
(وسامحوه على مَا كَانَ من خطا
…
فبحركم وَاسع وَالْكل لَيْسَ غنى)
(عَن مُنْتَهى جودكم فى كل حَادِثَة
…
فَالله أولاكم من كل ذى حسن)
(عَلَيْكُم من اله الْعَرْش رَحمته
…
تغشى ضريحكم كالوابل الهتن)
(ثمَّ الصَّلَاة على الْمُخْتَار من مُضر
…
مُحَمَّد الْمُصْطَفى الْمَبْعُوث من عدن)
(والآل والصحب والازواج كلهم
…
وَالتَّابِعِينَ لَهُم ماش على السّنَن)
وَكَانَت وَفَاته فى ثَالِث عشر شَوَّال سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف بِمَدِينَة الزيدية رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَبى بكر بن أَحْمد بن أَبى بكر بن عبد الله بن أَبى بكر بن علوى بن عبد الله ابْن على بن عبد الله بن علوى بن الاستاذ الاعظم الملقب جمال الدّين أَبُو علوى الشلى الحضرمى نزيل مَكَّة المشرفة صَاحب التاريخين اللَّذين أنقل عَنْهُمَا كثيرا تقدم أَبوهُ وَقد ذكرت تَتِمَّة نسبه فى تَرْجَمته فَارْجِع اليها ثمَّة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة من الْعلمَاء الاجلاء أَصْحَاب التصنيف وَقد ترْجم نَفسه فى تَارِيخه نفائس الدُّرَر فَقَالَ كَانَ مولدى منتصف شعْبَان سنة ثَلَاثِينَ وَألف وضبطها بعض الادباء بحروف جد برضاك وسمانى والدى مُحَمَّد ولقبنى جمَاعَة من الْمَشَايِخ جمال الدّين وَكَنَّانِي بعض العارفين بأبى علوى وَهُوَ أول أولادى وحفظت الْقُرْآن الْعَظِيم على الْمعلم الاديب عبد الله بن عمر با غَرِيب وختمته وَأَنا ابْن عشر سِنِين وحفظت العقيدة الغزالية والاربعين النووية والاجرومية والقطر والملحة والارشاد وَعرضت محفوظاتى على مشايخى ثمَّ من الله تَعَالَى بالاشتغال ووفقنى لسَمَاع الحَدِيث من المسندين وَقِرَاءَة مَا تيَسّر من كتبه الْمُعْتَبرَة مَعَ الْمُلَازمَة على تَحْصِيل الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة والفنون الآلية والقوانين الْعَرَبيَّة لَا سِيمَا علم الْفِقْه والتصوف فَأخذت هَذِه الْعُلُوم عَن الْعلمَاء العارفين مِنْهُم سيدى الْوَالِد رَحمَه الله تَعَالَى أخذت عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والتصوف والنحو وَمِنْهُم وَمِنْهُم الشَّيْخ فَخر الدّين أَبُو بكر بن شهَاب الدّين أخذت عَنهُ التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول والعربية بقراءتى وَسَمَاع قِرَاءَة غيرى عَلَيْهِ وَمِنْهُم شَيخنَا السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن علوى الْفَقِيه أخذت عَنهُ الْفِقْه
الاصول والعربية وَجل انتفاعى بِهِ وَمِنْهُم شَيخنَا مُحَمَّد بن مُحَمَّد بارضوان الشهير بعقلان أخذت عَنهُ الْفِقْه والتصوف وَمِنْهُم شَيخنَا القاضى السَّيِّد أَحْمد بن عمر عيديد أخذت عَنهُ الْفِقْه والنحو وَمِنْهُم شَيخنَا الشَّيْخ السَّيِّد عقيل بن عمرَان باعمر أخذت عَنهُ الْفِقْه والتصوف بِمَدِينَة ضمار وَمِنْهُم شَيخنَا عمر بن عبد الرَّحِيم بارجا الْمَشْهُور بالخطيب بظفار أَيْضا فَهَؤُلَاءِ أشهر مشايخى بِتِلْكَ الديار ثمَّ ارتحلت الى الديار الْهِنْدِيَّة وَأخذت عَن جمَاعَة ثمَّ ارتحلت مِنْهَا الى الْحَرَمَيْنِ وقضيت النُّسُكَيْنِ وتشرفت بزيارة النبى
وألفيت بهما من الْمُحدثين جمَاعَة أجلاء فلزمتهم للأخذ عَنْهُم مِنْهُم الاستاذ الْكَبِير شمس الدّين أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَلَاء الدّين البابلى أسمعنى الحَدِيث المسلسل بالاولية والمسلسل بِسُورَة الصَّفّ وَسمعت عَلَيْهِ البخارى مرَّتَيْنِ والمسلسل بقول وَأَنا أحبك وَحَدِيث المصافحة وَأخذت عَنهُ بقراءتى وبقراءة غيرى الحَدِيث رِوَايَة ودراية وَالْفِقْه أصولا وفروعا وَكَذَلِكَ التَّفْسِير والمعانى وَالْبَيَان والبديع والنحو وَالصرْف واللغة والمنطق وأصول الدّين ولازمته فى دروسه كلهَا وَكَانَ يدرس وَقت الضُّحَى وَبعد الْعَصْر وَبعد الْمغرب وَبعد الْعشَاء وأجازنى بِجَمِيعِ مروياته ولقننى الذّكر وَمِنْهُم الشَّيْخ خَاتِمَة الْحفاظ أَبُو مهدى عِيسَى بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد الثعالبى الجعفرى المغربى ولازمته مُدَّة اقامته بِمَكَّة فَأخذت عَنهُ جَمِيع الْعُلُوم الْمَذْكُورَة الا الْفِقْه فأرويه عَنهُ بالاجازة وَسمعت مِنْهُ الحَدِيث المسلسل بالاولية وَسورَة الصَّفّ ومسند الصُّحْبَة وألبسنى الْخِرْقَة الشَّرِيفَة ولقننى الذّكر وأجازنى بِجَمِيعِ مروياته وَمِنْهُم الْعَالم الْعَامِل المربى المكمل صفى الدّين أَحْمد بن مُحَمَّد المدنى الشهير بالقشاشى قَرَأت عَلَيْهِ بعض الْجَامِع الصَّغِير وناولنيه بِيَدِهِ وأجازنى بِجَمِيعِ مؤلفاته ومروياته ولقننى الذّكر وألبسنى الْخِرْقَة وصافحنى وَمِنْهُم شيخ الاسلام عبد الْعَزِيز الزمزمى أخذت عَنهُ الْفِقْه وصافحنى وأجازنى بِجَمِيعِ مروياته ومؤلفاته وقرأت علم الْفَرَائِض والحساب على الْأَوَّلين من الثَّلَاثَة وقرأت علم الْمِيقَات والحساب بِسَنَد الْخِرْقَة والصحبة على شَيخنَا خَاتِمَة الْمُحَقِّقين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربى وأجازنى وأطعمنى الاسودين بِسَنَدِهِ الى سيد الْمُرْسلين وَمِنْهُم السيدان المشهوران فى الْحَرَمَيْنِ اماما المشرقين والمغربين الشَّيْخ مُحَمَّد بن علوى وَالسَّيِّد زين باحسن أخذت عَنْهُمَا علم التصوف وصحبتهما وألبسانى الْخِرْقَة الشَّرِيفَة وحكمانى وصافحانى ولقنانى الذّكر وَقد جمعت مروياتى عَن
الْمَشَايِخ الاربعة الاولين فى مُعْجم صَغِير وأجازنى غير وَاحِد من مشايخى بالافتاء والتدريس وَلما توفى شَيخنَا على بن الْجمال أمرنى جمَاعَة من مشايخنى مِنْهُم الشَّيْخ الْجَلِيل عبد الله باقشير بِالْجُلُوسِ فى مَحَله بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام فاعتذرت بامور مِنْهَا اشتغالى بِالطَّلَبِ على الْمَشَايِخ اغتناماً بملازمتهم قبل حُلُول وفاتهم وَذَلِكَ عندى أهم من التدريس فَلم يقبلُوا وألحوا على فى ذَلِك فَجَلَست فى الْمَسْجِد الْحَرَام عدَّة أَعْوَام ثمَّ انْقَطَعت عَنهُ لمَرض شَدِيد وَطلب منى جمَاعَة الْقِرَاءَة فى الدَّار وَكنت أستشفى بذلك واستمريت عَلَيْهِ ثمَّ طلبُوا الْعود الى الْمَسْجِد الْحَرَام فَلم ينشرح صدرى اليه وَطلب منى جمَاعَة ان اؤلف فى علم الْمِيقَات فألفت رِسَالَة فى علم الْمُجيب وانتفع بهَا الطّلبَة ثمَّ شرحتها شرحا وانتفع بهَا وَكتبه كَثِيرُونَ من أهل مصر واليمن والهند وألفت رسالتين مطولتين فى علم الْمِيقَات بِلَا آلَة ورسالة فى معرفَة ظلّ الزَّوَال كل يَوْم لعرض مَكَّة ورسالة فى معرفَة اتِّفَاق الْمطَالع واختلافها ورسالة فى المقنطرة ورسالة فى الاصطرلاب وألفت شرحا على مُخْتَصر الايضاح للشَّيْخ ابْن حجر جمعت فِيهِ مَا فى الْكتب المتداولة فجَاء فى جلدين كبيرين وَلما قَرَأنَا التسهيل على شَيخنَا الشَّيْخ عِيسَى المغربى جمعت من شروحه مسودات ثمَّ عَن لى ان أجعلها شرحا لجمع الْجَوَامِع النحوى للجبلال السيوطى فشرحته وَلكنه لم يتم الْآن وشرحت منطق السيوطى وَهُوَ الْآن مسودة وشرحت مُخْتَصر الرحبية الْمُسَمّى بالتحفة القدسية نظم الامام بن الْقَاسِم سميته بالمنحة المكية وجمعت ذيلا على نور السافر فى أَخْبَار الْقرن الْعَاشِر للشَّيْخ عبد الْقَادِر بن شيخ العيدروس فجَاء فى مُجَلد كَبِير وجمعت تَارِيخا فى أَخْبَار الْقرن الحادى عشر كتبت مِنْهُ مجلدا وَأخذ عَنى خلق كثير فى عدَّة عُلُوم وطلبوا الاجازة فأجرتهم وَلبس منى الْخِرْقَة كَثِيرُونَ ومدحنى جمَاعَة من أشياخى وَغَيرهم بقصائد ظريفة مَا استحسنت ذكرهَا واخترت الاستيطان فى حرم الله هَذَا مَا ترْجم بِهِ نَفسه وَلم أطلع لَهُ على أَزِيد من هَذَا الْقدر وَهُوَ مَشْهُور الصيت وَله عقب بِمَكَّة الْآن وَكَانَت وَفَاته فى آخر ذى الْحجَّة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَبى السرُور بن مُحَمَّد سُلْطَان البهوتى الحنبلى المصرى الْفَاضِل الاوحد كَانَ من أجلاء الْفُقَهَاء الْحَنَابِلَة بِمصْر لَهُ فى الْفِقْه والعلوم المتداولة الْيَد الطُّولى قَرَأَ على الامامين عبد الرَّحْمَن وَمَنْصُور البهوتيين الحنبليين وعَلى غَيرهمَا وشيوخه
كَثِيرُونَ ودرس وَأفَاد وانتفع بِهِ خلق من أهل مصر وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الْخَمِيس خَامِس عشر رَجَب سنة مائَة بعد الالف رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَبى الصَّفَا بن مَحْمُود بن أَبى الصَّفَا الاسطوانى الدمشقى الحنفى أحد أفاضل الشَّام المعروفين ونبلائها الموصوفين وَهُوَ خالى وَله على حق تربية وَتَعْلِيم وَكَانَ آيَة من آيَات الله تَعَالَى فى الْكَمَال والمعرفة والتضلع من الادب وَحسن الْخط بأنواعه نَشأ على نزاهة وَطَاعَة وَلم يعْهَد لَهُ صبوة مُدَّة عمره واشتغل ودأب وَأخذ الْعلم عَن الشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ رَمَضَان العكارى وَالشَّيْخ مُحَمَّد المحاسنى ولازم من الامام الْهمام يُوسُف بن أَبى الْفَتْح امام السُّلْطَان لما كَانَ بَينه وَبَين وَالِده من الْمَوَدَّة وَكَانَ وَكيلا عَنهُ بِدِمَشْق ثمَّ ولى الْقِسْمَة البلدية فى زمن قاضى الْقُضَاة مُحَمَّد الْمَعْرُوف بعصمتى وصيرة كَاتب عرضه وَمهر فى صَنْعَة الانشاء العربى والتركى ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الظَّاهِرِيَّة الْكُبْرَى وَصَارَ كَاتبا فى وقف سِنَان باشا بعد أَبِيه واشتهر بالمعرفة حَتَّى كَانَ يضْرب بِهِ الْمثل فى ذَلِك وَكَانَ سَاكِنا صامتا حُلْو الْعبارَة حسن الْعشْرَة وَكَانَ خطه متنوعا متناسبا فى التظرف وَرُبمَا لَا يُوجد فِيهِ كشط أبدا وَكَانَت بَينه وَبَين والدى مَوَدَّة أكيدة ومدحه بقصائد وفى بَعْضهَا يَقُول فى وَصفه
(فى الْمفضل والافضال بَحر كَامِل
…
وَعَلِيهِ من حلل الْوَقار سُكُون)
(فاق ابْن مقلة فى الْكِتَابَة والنهى
…
وَابْن العميد ودره الْمكنون)
(أدب كزهر الرَّوْض باكره الحيا
…
تصبو اليه أنفس وعيون)
(مدحى لَهُ فرض على محتم
…
عندى ومدحى غَيره مسنون)
(فَلهُ يحركنى رسيس صبَابَة
…
ولبعده عَنى الرقاد شطون)
وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَتوفى فجاءة فى سنة سبع وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس
مُحَمَّد بن أَبى الْقسم بن مُحَمَّد السَّيِّد الْجَلِيل لَهُ مُشَاركَة فى الْعُلُوم والانساب وفى السعى بِالْخَيرِ بَين الْعَرَب والولاة وَلَهُم فِيهِ مُعْتَقد عَظِيم وبيتهم بَيت رياسة لَهُم الجاه المكين عِنْد الامراء وَالْعرب خُصُوصا أَوْلَاد الشريف بن جَابر فان لَهُم عَلَيْهِ الْيَد المستطيلة بِفضل الله تَعَالَى وعَلى الْفَخر وعَلى المهادلة وَشهر بَين مهادلة الدُّنْيَا أَن كل من قتل قَتِيلا وَركب على تربيتهم وتربه سيدنَا أَبى بكر بن على الاصم عفى عَنهُ وَلم يُؤْخَذ مِنْهُ دِيَة وَلَا قَود ومسكنهم المنيرة وهم قائمون بِالْجمعَةِ وَالْجَمَاعَة وامتحنوا فى أَيَّام فضل
الله باشا بمغالطة نسبت اليهم وهى على الْعَرَب بنى صليل فاستشهد مِنْهُم جمَاعَة لسعادة سيقت وأظن أَن زَوَال دولة الاروام من الْيمن بسببهم لَان السَّيِّد عبد الله بن أَبى الْقَاسِم لما قتلوا وَلَده وأسروه وَجعل صرخة الى النبى
وَسلم مَحْفُوظَة وَقَالَ فِيهَا فنظلمهم وبجورهم انْزِلْ بهم ذكره السَّيِّد مُحَمَّد بن الطَّاهِر بن الْبَحْر وَكَانَت وَفَاته بعد أَخِيه عبد الله فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف وَخَلفه وَلَده السَّيِّد الْجَلِيل الْعَلامَة الْمُحدث أَبُو الْقَاسِم وَقَامَ بزاويتهم بعد أَبِيه وَعَمه
مُحَمَّد بن أَحْمد القدسى الخريشى الحنبلى تَرْجمهُ الشَّمْس الداودى وَقَالَ فى تَرْجَمته كَانَ وَالِده بِنَاء وَكَانَ يقْرَأ الْقُرْآن وَرُبمَا نَاب عَن وَلَده فى الامامة فى بعض الاحيان ورحل هُوَ الى الْقَاهِرَة واشتغل بالجامع الازهر وَغَيره وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة حَتَّى برع وتميز وتأهل للتدريس وَالْفَتْوَى وأجيز بذلك من شُيُوخه المصريين ثمَّ قدم الى الْقُدس وَأقَام بهَا ملازما على الدُّرُوس وَكَانَ عَالما عَاملا خَاشِعًا ناسكا متقللا من الدُّنْيَا قانعا باليسير طَوِيل التَّعَبُّد كثير التَّهَجُّد ملازما على تِلَاوَة الْقُرْآن وَتَعْلِيم الْعلم انْتفع بِهِ أهل الْقُدس انتفاعا ظَاهرا وَكثير من أهل نابلس وخصوصا فى الْعَرَبيَّة وَكَانَ لَا يجْتَمع بالامراء وَلَا بالقضاة مَعَ حرصهم على الِاجْتِمَاع بِهِ وَكَانَ امام الْحَنَابِلَة بالمجمع الذى تَحت الْمدرسَة القايتبائية ومفتيهم وَكَانَ يعظ النَّاس وَيذكرهُمْ وَحصل بَينه وَبَين صاحبنا الشَّيْخ مُحَمَّد ابْن شَيخنَا الشَّمْس مُحَمَّد بن أَبى اللطف وَحْشَة أدَّت الى ترك ذَلِك قيل سَببهَا أَن الخريشى وقف على حكم العذبة والتلحى واستحباب ذَلِك فَأرْخى لَهُ عذبة ثمَّ تلحى وَكَانَ لَهُ طلبة ومحبون يعتقدونه فَأخذُوا بالاقتداء بِهِ فى ذَلِك وَكثر متعاطو ذَلِك حَتَّى من أَوْلَاد الْمَشَايِخ وَصَارَ بعض النَّاس يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَمِنْهُم ويأمرونهم بترك ذَلِك وَهُوَ يحملهم على الْمُلَازمَة وَترك الِالْتِفَات الى قَول المنكرين فَأدى ذَلِك أَن أفتى الشَّيْخ مُحَمَّد الْمَذْكُور بِأَن التحلى بِدعَة وَيُعَزر متعاطيه فتسلط السُّفَهَاء على المتلحين يؤذونهم ويؤذون الشَّيْخ الْمَذْكُور الذى أَمرهم بذلك وَيَقُولُونَ هُوَ مُبْتَدع وَسعوا فى مَنعه من الْوَعْظ فَترك ذَلِك وَتحمل الاذى وصبر فَلم تمض الا مُدَّة قَليلَة حَتَّى مَاتَ الشَّيْخ اللطفى مسكوتا فَصَارَ النَّاس يَقُولُونَ هَذَا من بركَة الخريشى وانكاره على السّنة وَكَانَت وَفَاة الخريشى فى لَيْلَة الاحد ثَالِث عشر ربيع الثانى سنة احدى بعد الالف والخريشى بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة والشين الْمُعْجَمَة مُصَغرًا نِسْبَة الى قَرْيَة فى جبل نابلس رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن شهَاب الدّين الملقب شمس الدّين بن هِلَال الحمصى الاصل الدمشقى الْفَقِيه الحنفى الْمَشْهُور أَخذ الْفِقْه عَن القطب بن سُلْطَان وَالشَّمْس بن طولون وَالشَّيْخ عبد الصَّمد العكارى وَقَرَأَ المعقولات على الْعَلَاء بن عماد الدّين وَلزِمَ فِيهَا أَبَا الْفَتْح الشبسترى وَأخذ الادب عَن أَبى الْفَتْح المالكى وَقَرَأَ على الْمولى على ابْن أَمر الله الحتاتى قاضى الْقُضَاة بِالشَّام وبرع فى الْفِقْه وشارك فى غَيره وَولى امامة السليمانية وَكَانَ يكْتب رقاع الافتاء وَأكْثر مَا يكْتب لمفتية الْحَنَفِيَّة من الرّوم وَكَانَ هُوَ الْمُفْتى فى نفس الامر وَلم يكن بِدِمَشْق فى زَمَانه أعلم بالفقه وأقوال الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة مِنْهُ وَكَانَ لَهُ قدرَة تَامَّة على اسْتِخْرَاج النقول من محالها وَفِيه يَقُول شَيْخه أَبُو الْفَتْح المالكى
(ان الْكِتَابَة للفتاوى لم تَجِد
…
أحدا سواك يحل من اشكالها)
(حَملتك مقلتها فيا انسانها
…
أَنْت ابْن مقلتها وَابْن هلالها)
قلت وَلَقَد ظرف فى هَذَا القَوْل وَابْن مقلة هُوَ أول من نقل الْخط الكوفى الى العربى وخطه يضْرب مثلا فى الْحسن لانه أحسن خطوط الدُّنْيَا وَفِيه يَقُول أَبُو مَنْصُور الثعالبى
(خطّ ابْن مقلة من أرعاه مقلته
…
ودت جوارحه لَو حولت مقلا)
(فالبدر يصفر لاستحسانه حسدا
…
والنور يحمر من نواره خجلا)
وَقيل انه كتب كتاب هدنة بَين الْمُسلمين وَالروم فوضعوه فى كَنِيسَة قسطنطينية وَكَانُوا يبرزونه فى الاعياد ويجعلونه من جملَة تزايينهم فى أخص بيُوت الْعِبَادَات ويعجب النَّاس من حسنه وَمن خَبره أَنه تقلبت بِهِ أَحْوَال ومحن أدَّت الى قطع يَده وَمن نكد الدُّنْيَا أَن مثل تِلْكَ الْيَد النفيسه تقطع وَمن عجائبه أَنه كتب باليسرى بعد الْقطع وَأما ابْن هِلَال فهوا أَبُو على الْحسن بن هِلَال الْمَعْرُوف بِابْن البواب وَهُوَ الذى جَاءَ بعد ابْن مقلة وَزَاد فى تعريب الْخط ثمَّ جَاءَ ياقوت المستعصمى وَختم فن الْخط وأكمله وأدرج فى بَيت جَمِيع قوانينه فَقَالَ
(أصُول وتركيب كراس وَنسبَة
…
صعُود وتشمير نزُول وارمال)
وفى الْقَامُوس ان أول من وضع الْخط العربى مرامر بن مرّة وَأسلم بن سِدْرَة ثمَّ تعلموه أهل الانبار فتعلمه حَرْب بن أُميَّة ابْن أُخْت أَبى سُفْيَان فتعلمه جمَاعَة من أهل مَكَّة فَلذَلِك لَك كثر من يكْتب من قُرَيْش انْتهى وَلابْن هِلَال صَاحب التَّرْجَمَة أشعار
ومنشآت فَمن شعره يرثى شَيْخه الْعَلَاء
(لقد فَارَقت نفسى وانبعاثى
…
الى أَيَّام حزنى وانبعاثى)
(لتكرارى نواحى فى النواحى
…
وتجديد القوافى والمرائى)
(على من كَانَ فى الدُّنْيَا ملاذى
…
وملجأ غربتى وَيَد انبعاثى)
وَكتب مقرظا على شرح الْعَلَاء الطرابلسى الذى وَضعه فى فَرَائض ملتقى الابحر نزهت طرفى فى رياض هَذَا الشَّرْح البديع وأجريت طرفى فى ميدان مَا أبداه من حسن الصَّنِيع فَأَلْفَيْته سَابِقًا فى حلبة التَّأْلِيف لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من حسن الترصيع والترصيف أغْنى بِهِ من كَانَ طَالبا لعلم الْفَرَائِض وراض بعباراته الرائقة كل رَاغِب رائض بَين بفصاحته النِّسْبَة مَا بَين الرؤس والسهام وَعين ببلاغته مَا يسْتَحقّهُ الْوَارِث والملحق بِهِ من ذوى الْحُقُوق والاقسام فأخفى بساطع أنواره ضوء السراج وأبطل بلامع برهانه شهَاب الفنارى فَلم يبْق الى غَيره مفتقر وَلَا مُحْتَاج فَللَّه در هَذَا الْهمام على مَا أبرز من زهرات الاكمام فَلَقَد أَحْيَا الْموَات بسكب الانهر وَشرح الصُّدُور بشرح فَرَائض ملتقى الابحر وَلم يسْبقهُ أحد الى ذَلِك وَلَا يلْحقهُ من سلك تِلْكَ المسالك وَكَانَ تناظر هُوَ وَبَعض الْمُفْتِينَ بِدِمَشْق فى مسئلة فقهية وَظهر الْحق فى جَانِبه فألف رِسَالَة رد بهَا على الْمُفْتى وَبعث بهَا الى جدى القاضى محب الدّين فَكتب لَهُ عَلَيْهَا هذَيْن الْبَيْتَيْنِ
(أصبت يَا ابْن هِلَال فى الردود على
…
من صَار فى جَهله نَارا على علم)
(جردت سَيْفا لجرح فى مقاتله
…
مرصعا بيواقيت من الْكَلم)
وَكَانَت وِلَادَته فى سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى الْمحرم سنة أَربع بعد الالف
مُحَمَّد بن أَحْمد بن حَمْزَة الملقب شمس الدّين بن شهَاب الدّين الرملى المنوفى المصرى الانصارى الشهير بالشافعى الصَّغِير وَذهب جمَاعَة من الْعلمَاء الى أَنه مُجَدد الْقرن الْعَاشِر وَوَقع الِاتِّفَاق على المغالاة بمدحه وَهُوَ أستاذ الاستاذين وَأحد أساطين الْعلمَاء وأعلام نحاريرهم محيى السّنة وعمدة الْفُقَهَاء فى الْآفَاق وَفِيه يَقُول الشهَاب الخفاجى وَهُوَ أحد من أَخذ عَنهُ
(فضائله عد الرّحال فَمن يطق
…
ليحوى معشار الذى فِيهِ من فضل)
(فَقل لغبى رام احصاء فَضله
…
تربت استرح من جهد عدك للرمل)
اشْتغل على أَبِيه فى الْفِقْه وَالتَّفْسِير والنحو وَالصرْف والمعانى وَالْبَيَان والتاريخ
وَبِه اسْتغنى عَن التَّرَدُّد الى غَيره وَحكى عَن وَالِده انه قَالَ تركت مُحَمَّدًا بِحَمْد الله تَعَالَى لَا يحْتَاج الى أحد من عُلَمَاء عصره الا فى النَّادِر وَكَانَت بدايته بنهاية وَالِده وَحفظ الْقُرْآن والبهجة وَغَيرهمَا وَأخذ عَن شيخ الاسلام القاضى زَكَرِيَّا وَالشَّيْخ الامام برهَان الدّين بن أَبى شرِيف رَحمَه الله تَعَالَى قَالَ رَأَيْت الشَّيْخ زَكَرِيَّا كالالف فى الانتصاب وَرَأَيْت برهَان الدّين وَهُوَ قَاعد الى هَيْئَة السُّجُود أقرب من الْهَرم فَقلت لوالدى مَا بَال الشَّيْخ زَكَرِيَّا مَعَ كَونه أسن من الشَّيْخ برهَان الدّين أصح جسما ومنتصب الْقَامَة فَقَالَ كَانَ الشَّيْخ برهَان الدّين يكثر الْجِمَاع حدا فأسرع اليه الْهَرم وَأما الشَّيْخ زَكَرِيَّا فَكَانَ معرضًا عَن ذَلِك جدا انْتهى وَذكر النَّجْم الغزى فى تَرْجَمته أَن لَهُ رِوَايَة عَن شيخ الاسلام أَحْمد بن النجار الْحَنْبَلِيّ وَشَيخ الاسلام يحيى الدَّمِيرِيّ الْمَالِكِي وَشَيخ الاسلام الطرابلسى الحنفى وَالشَّيْخ سعد الدّين الذهبى الشافعى وَكَانَ عَجِيب الْفَهم جمع الله تَعَالَى لَهُ بَين الْحِفْظ والفهم وَالْعلم وَالْعَمَل وَكَانَ مَوْصُوفا بمحاسن الاوصاف وَذكره الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الشعرانى فى طبقاته الْوُسْطَى فَقَالَ صحبته من حِين كنت أحملهُ على كتفى الى وقتنا هَذَا فَمَا رَأَيْت عَلَيْهِ مَا يشينه فى دينه وَلَا كَانَ يلْعَب فى صغر مَعَ الاطفال بل نَشأ على الدّين وَالتَّقوى والصيانة وَحفظ الْجَوَارِح ونقاء الْعرض رباه وَالِده فَأحْسن تَرْبِيَته وَلما كنت أحملهُ وَأَنا أَقرَأ على وَالِده فى الْمدرسَة الناصرية كنت أرى عَلَيْهِ لوائح الصّلاح والتوفيق فحقق الله رجائى فِيهِ وَأقر عين المحبين بِهِ فانه الْآن مرجع أهل مصر فى تَحْرِير الْفَتَاوَى وَأَجْمعُوا على دينه وورعه وَحسن خلقه وكرم نَفسه وَلم يزل بِحَمْد الله فى زِيَادَة من ذَلِك انْتهى وَجلسَ بعد وَفَاة وَالِده للتدريس فأقرأ التَّفْسِير والْحَدِيث والاصول وَالْفُرُوع والنحو والمعانى وَالْبَيَان وبرع فى الْعُلُوم النقلية والعقلية وَحضر درسه أَكثر تلامذة وَالِده وَمِمَّنْ حَضَره الشَّيْخ نَاصِر الدّين الطبلاوى الذى كَانَ من مُفْرَدَات الْعَالم مَعَ أَنه فى مقَام أبنائه فليم على ذَلِك وَسُئِلَ عَن الداعى الى ملازمته فَقَالَ لَا داعى لَهَا الا أَنى أستفيد مِنْهُ مَا لم يكن لى بِهِ علم ولازمه تلميذ أَبِيه الشهَاب أَحْمد بن قَاسم وَلم يُفَارِقهُ أصلا وَسُئِلَ ابْن قَاسم مرّة أَن يعْقد مجْلِس الْفِقْه فَقَالَ مَعَ وجود الشَّيْخ شمس الدّين الرملى لَا يَلِيق وطار صيته فى الْآفَاق وَولى عدَّة مدارس وَولى منصب افتاء الشَّافِعِيَّة وَألف التآليف النافعة مِنْهَا شرح الْمِنْهَاج أَتَى فِيهِ بالعجب العجاب وَشرح الْبَهْجَة الوردية وَشرح الطَّرِيق
الْوَاضِح للشَّيْخ أَحْمد الزَّاهِد سَمَّاهُ عُمْدَة الرابح وَشرح الْعباب لكنه لم يتم وَشرح الزّبد وَهُوَ غير شرح وَالِده وَشرح الايضاح منسك النووى وَشرح الْمَنَاسِك الدلجية وَشرح منظومة ابْن الْعِمَاد فى الْعدَد وَشرح الْعُقُود فى النَّحْو وَشرح رِسَالَة وَالِده فى شُرُوط الْمَأْمُوم والامام سَمَّاهُ غَايَة المرام وَشرح مُخْتَصر الشَّيْخ عبد الله بَافضل الصَّغِير وَشرح الاجرومية وَله حَاشِيَة على شرح التَّحْرِير لشيخ الاسلام وحاشية على الْعباب وَغير ذَلِك واشتهرت كتبه فى جَمِيع الاقطار وَأخذ عَنهُ أَكثر الشَّافِعِيَّة من أهل مصر وَرَجَعُوا اليه وَأجل تلاميذه النُّور الزيادى وَالشَّيْخ سَالم الشبشيرى وَغَيرهمَا وَمن الشاميين الشَّمْس مُحَمَّد الميدانى وَالشَّيْخ نعْمَان الحبراصى وَالشَّيْخ عمر بن الكاسوحة وَأخذ عَنهُ أَبُو الطّيب الغزى قَالَ الشلى وَالظَّاهِر انه مُجَدد الْقرن الْعَاشِر لانه لم يشْتَهر الِانْتِفَاع بِأحد مِمَّن انْقَضى الْقرن وَهُوَ مَوْجُود مثل اشتهاره واحتياج النَّاس لكتبه لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالعلوم الشَّرْعِيَّة قَالَ النبى
ان الله يبْعَث لهَذِهِ الامة على رَأس كل مائَة سنة من يجدد لَهَا أَمر دينهَا أخرجه أَبُو دَاوُد وَغَيره وَاخْتلف فى رَأس الْمِائَة هَل يعْتَبر من المولد النبوى أَو الْبعْثَة أَو الْهِجْرَة أَو الْوَفَاة وَلَو قيل بأقربية الثانى لم يبعد لَكِن صَنِيع السبكى وَغَيره مُصَرح بِأَن المُرَاد الثَّالِث وَقد ذكر الْحَافِظ السيوطى المجددين فى أرجوزة سَمَّاهَا تحفة المهتدين بأخبار المجددين وهى
(الْحَمد لله الْعَظِيم المنه
…
المانح الْفضل لاهل السنه)
(ثمَّ الصَّلَاة وَالسَّلَام نلتمس
…
على نَبِي دينه لَا يندرس)
(لقد أَتَى فى خبر مشتهر
…
رَوَاهُ كل حَافظ مُعْتَبر)
(بِأَنَّهُ فى رَأس كل مائَة
…
يبْعَث رَبنَا الهذى الامة)
(منا عَلَيْهَا عَالما يجدد
…
دين الْهدى لانه مُجَدد)
(فَكَانَ عِنْد الْمِائَة الاولى عمر
…
خَليفَة الْعدْل باجماع وقر)
(والشافعى كَانَ عِنْد الثَّانِيَة
…
لمَاله من الْعُلُوم الساريه)
(وَابْن سريح ثَالِث الائمة
…
والاشعرى عده من أمه)
(والباقلانى رَابِع أَو سهل أَو
…
الاسفراينى خلف قد حكوا)
(وَالْخَامِس الحبر هُوَ الغزالى
…
وعده مَا فِيهِ من جِدَال)
(وَالسَّادِس الْفَخر الامام الرازى
…
والرافعى مثل يوازى)
(وَالسَّابِع الراقى الى المراقى
…
ابْن دَقِيق الْعِيد بِاتِّفَاق)
(وَالثَّامِن الحبر هُوَ البلقينى
…
أَو حَافظ الانام زين الدّين)
(وعد سبط الميلق الصوفيه
…
لَو وجدت مائته وَفِيه)
(وَالشّرط فى ذَلِك أَن تمضى المائه
…
وَهُوَ على حَيَاته بَين الفئه)
(يشار بِالْعلمِ الى مقَامه
…
وينصر السّنة فى كَلَامه)
(وَأَن يكون جَامعا لكل فن
…
وَأَن يعم علمه أهل الزَّمن)
(وَأَن يكون فى حَدِيث قد روى
…
من آل بَيت الْمُصْطَفى وَهُوَ قوى)
(وَكَونه فَردا هُوَ الْمَشْهُور
…
قد نطق الحَدِيث وَالْجُمْهُور)
(وَهَذِه تاسعة المئين قد
…
أَتَت وَلَا يخلف مَا الهادى وعد)
(وَقد رَجَوْت أننى المجدد
…
فِيهَا ففضل الله لَيْسَ يجْحَد)
(وَآخر المئين فِيهَا ياتى
…
عِيسَى نبى الله ذُو الْآيَات)
(يجدد الدّين لهذى الامه
…
وفى الصَّلَاة بَعْضنَا قد أمه)
(مقررا لشرعنا وَيحكم
…
بحكمنا وفى السَّمَاء يعلم)
(وَبعده لم يبْقى من مُجَدد
…
وَيرْفَع الْقُرْآن مثل مَا بدى)
(وتكثر الاشرار والاضاعه
…
من رَفعه الى قيام الساعه)
(وَأحمد الله على مَا علما
…
وَمَا جلا من الخفا وأنعما)
(مُصَليا على نَبِي الرحمه
…
والآل مَعَ أَصْحَابه المكرمه)
انْتَهَت الارجوزة قَالَ الْحَافِظ عماد الدّين بن كثير قد ادّعى كل قوم فى امامهم أَنه المُرَاد بِهَذَا الحَدِيث وَالظَّاهِر أَنه يعم حَملَة الْعلم من كل طَائِفَة وكل صنف من أَصْنَاف الْعلمَاء من مفسرين ومحدثين وفقهاء ونحاة ولغويين انْتهى وَقَالَ فى جَامع الاصول تكلمُوا فى تَأْوِيل هَذَا الحَدِيث وكل أَشَارَ الى الْقَائِم الذى هُوَ من مذْهبه وَحمل الحَدِيث عَلَيْهِ والاولى الْعُمُوم فان من تقع على الْوَاحِد وَالْجمع وَلَا يخْتَص أَيْضا بالفقهاء فان انتقاع الامة يكون أَيْضا بِأولى الامر وَأَصْحَاب الحَدِيث والقراء والوعاظ لَكِن الْمَبْعُوث ينبغى كَونه مشارا اليه فى كل من هَذِه الْفُنُون ففى رَأس الاولى من أولى الامر عمر بن عبد الْعَزِيز وَمن الْفُقَهَاء مُحَمَّد الباقر وَالقَاسِم بن مُحَمَّد وَسَالم بن عبد الله وَالْحسن وَابْن سِيرِين وَغَيرهم من طبقتهم وَمن الْقُرَّاء ابْن كثير وَمن الْمُحدثين الزهرى وفى رَأس الثَّانِيَة من أولى الامر الْمَأْمُون وَمن
الْفُقَهَاء الشافعى واللؤلؤى من أَصْحَاب أَبى حنيفَة وَأَشْهَب من أَصْحَاب مَالك وَمن الامامية على بن مُوسَى الرِّضَا وَمن الْقُرَّاء الحضرمى وَمن الْمُحدثين ابْن معِين وَمن الزهاد الكرخى وفى الثَّالِثَة من أولى الامر المقتدر وَمن الْفُقَهَاء ابْن سريح الشافعى والطحاوى الحنفى والخلال الحنبلى وَمن الْمُتَكَلِّمين الاشعرى وَمن الْمُحدثين النسائى وفى الرَّابِعَة من أولى الامر الْقَادِر بِاللَّه وَمن الْفُقَهَاء الاسفراينى الشافعى والخوارزمى الحنفى وَعبد الْوَهَّاب المالكى وَالْحُسَيْن الحنبلى وَمن الْمُتَكَلِّمين الباقلانى وَابْن فورك وَمن الْمُحدثين الْحَاكِم وَمن الزهاد الثورى وَهَكَذَا يُقَال فى بَقِيَّة الْقُرُون وَقَالَ فى الْفَتْح نبه بعض الائمة على أَنه لَا يلْزم أَن يكون فى رَأس كل قرن وَاحِد فَقَط بل الامر فِيهِ كَمَا ذكره النووى فى حَدِيث لَا تزَال طَائِفَة من أمتى ظَاهِرين على الْحق من أَنه يجوز أَن تكون الطَّائِفَة جمَاعَة مُتعَدِّدَة من أَنْوَاع الْمُؤمنِينَ مَا بَين شُجَاع وبصير بِالْحَرْبِ وفقيه ومحدث ومفسر وقائم بالامر بِالْمَعْرُوفِ والنهى عَن الْمُنكر وزاهد وعابد وَلَا يلْزم اجْتِمَاعهم بِبَلَد وَاحِد بل يجوز اجْتِمَاعهم فى قطر وَاحِد وتفرقهم فى الاقطار وَيجوز اجْتِمَاعهم بِبَلَد وَأَن يَكُونُوا فى بعض دون بعض وَيجوز اخلاء الارض كلهَا من بَعضهم أَولا فأولا الى أَن لَا يبْقى الا فرقة وَاحِد بِبَلَد وَاحِد فاذا انقرضوا أَتَى أَمر الله وَقَالَ الْحَافِظ زين الدّين العراقى فى أول تَخْرِيج أَحَادِيث الاحياء فى تَرْجَمَة الغزالى بعد أَن ذكر نَحْو مَا مر وانما قلت من تعْيين من ذكرت على رَأس كل مائَة بِالظَّنِّ وَالظَّن يُخطئ ويصيب وَالله أعلم بِمن أرد نبيه
وَلَكِن لما جزم أَحْمد بن حَنْبَل فى الْمِائَتَيْنِ الاوليين بعمر بن عبد الْعَزِيز والشافعى تجاسر من بعده بِابْن سُرَيج والصعلوكى وَسبب الظَّن فى ذَلِك شهرة من ذكر بِالِانْتِفَاعِ بِأَصْحَابِهِ ومصنفاته وَالْعُلَمَاء وَرَثَة الانبياء وَكَذَلِكَ من ذكر أَنه مظنون فى الْمِائَة الثَّامِنَة فَعلمه الى الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى يبْقى الْعلمَاء ويديم النَّفْع بهم الى أزمان متطاولة وَلَكِن لم تزل الصَّحَابَة يظنون قرب الامر حَتَّى قَالَ بَعضهم فى الرجل الذى يخرج الى الدَّجَّال ويقتله فَكُنَّا نرى أَنه عمر بن الْخطاب حَتَّى مضى لسبيله وَلَا انكار فى اقتراب السَّاعَة فقد قَالَ الله تَعَالَى فقد جَاءَ أشراطها انْتهى قَالَ الْعَلامَة عبد الله بن عمر بامخرمة وَيقرب عندى أَن المجدد للمائة الْعَاشِرَة القاضى زَكَرِيَّا الشُّهْرَة الِانْتِفَاع بِهِ وتصانيفه واحتياج غَالب النَّاس اليها لَا سِيمَا فِيمَا يتَعَلَّق بالفقه وتحرير الْمَذْهَب بِخِلَاف كتب السيوطى فانها
وان كَانَت كَثِيرَة فَلَيْسَتْ بِهَذِهِ المثابة على أَن كثيرا مِنْهَا مُجَرّد جمع بِلَا تَحْرِير وأكثرها فى الحَدِيث من غير تميز الطّيب من غَيره بل كَأَنَّهُ حَاطِب ليل وساحب ذيل وَالله تَعَالَى يرحم الْجَمِيع وَيُعِيد علينا من بركاتهم قَالَ وَلَا ندرى من يكون على رَأس الْعَاشِرَة فان الْجَهْل عَم وأفق الْعلم أظلم بل قد انمى رسمه وَلم يبْق الا اسْمه وَصَارَ الْمَعْرُوف مُنْكرا وَالْمُنكر مشتهرا وَعَاد الدّين غَرِيبا وَصَارَ الْحَال عريبا انْتهى قَالَ المناوى فى شرح الْجَامِع الصَّغِير وَهنا تَنْبِيه ينبغى التفطن لَهُ وَهُوَ أَن كل من تكلم على حَدِيث ان الله يبْعَث انما يقرره بِنَاء على الْمَبْعُوث على رَأس الْقرن يكون مَوته على رَأسه وَأَنت خَبِير بِأَن الْمُتَبَادر من الحَدِيث انما هُوَ الْبَعْث وَهُوَ الارسال يكون على رَأس الْقرن أى أَوله وَمعنى ارسال الْعَالم تأهله للتصدى لنفع الانام وانتصابه لنشر الاحكام وَمَوته على رَأس الْقرن أَخذ لَا بعث فتدير بالانصاف ثمَّ رَأَيْت الطيبى قَالَ المُرَاد بِالْبَعْثِ من انْقَضتْ الْمِائَة وَهُوَ حى عَالم يشار اليه والكرمانى قَالَ قد قَالَ قبيل كل مائَة أَيْضا من يصحح وَيقوم بِأَمْر الدّين وانما المُرَاد من انْقَضتْ الْمدَّة وَهُوَ حى عَالم مشار اليه وَلما كَانَ رُبمَا يتَوَهَّم متوهم من تَخْصِيص الْبَعْث بِرَأْس الْقرن أَن الْمقَام بِالْحجَّةِ لَا يُوجد الا عِنْده أرْدف ذَلِك بِمَا يبين أَنه قد يكون فى أثْنَاء الْمِائَة من هُوَ كَذَلِك بل قد يكون أفضل من الْمَبْعُوث على الرَّأْس وان تَخْصِيص الرَّأْس انما هُوَ لكَونه مظنه انخرام علمائه غَالِبا وَظُهُور الْبدع ونجوم الدجالين قَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد وَهنا دقيقة نبه عَلَيْهَا تَاج الَّذين السبكى على رِوَايَة رجل من أهل بيتى وهى أَن عمر بن عبد الْعَزِيز والشافعى قرشيان تصدق عَلَيْهِمَا الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة وَبِذَلِك يتَعَيَّن عندى أَن يكون المجدد بعد الشافعى شافعى الْمَذْهَب فانه هُوَ الذى من أهل بَيت النبيى
قَالَ بَعضهم وَالظَّاهِر أَن المُرَاد بِكَوْنِهِ من أهل الْبَيْت بِالنّسَبِ المعنوى كَمَا ورد فى الْخَبَر سلمَان منا أهل الْبَيْت وَزعم الْجمال مُحَمَّد بن عبد السَّلَام النزيلى أَن المجدد فى الْعَاشِر الشَّيْخ على بن مطير وَقَالَ السَّيِّد عبد الْقَادِر بن شيخ وَالظَّاهِر أَنه عبد الْملك ابْن دعسين وَيحْتَمل أَنه الشَّيْخ مُحَمَّد الهنى قلت ايْنَ هَؤُلَاءِ من الرملى صَاحب التَّرْجَمَة وشهرته كَافِيَة فى هَذَا الْبَاب وَكَانَت وِلَادَته سلخ جُمَادَى الاولى سنة تسع عشر وَتِسْعمِائَة بِمصْر وَتُوفِّي نَهَار الْأَحَد ثَالِث عشر جُمَادَى الأولى سنة أَربع بعد الالف والرملى نِسْبَة الى رَملَة قَرْيَة صَغِيرَة قَرِيبا من الْبَحْر بِالْقربِ من منية
الْعَطَّار تجاه مَسْجِد الْخضر عليه السلام بالمنوفية قَالَه الشعرانى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن حُسَيْن بن الشَّيْخ عبد الله العيدروس الولى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الحضرمى قَالَ الشلى فى تَرْجَمته كَانَ مَشْهُورا بِالْولَايَةِ التَّامَّة وَفِيه نفع عَظِيم وارشاد وَله بِمَدِينَة تريم وَأخذ عَن وَالِده امام الطَّرِيقَة وَصَحب تَاج الدّين وَشَيخ العارفين مُحَمَّد بن علوى باجحذب وجد فى الِاجْتِهَاد حَتَّى فاق أقرانه وَسَار ذكره فى الْآفَاق وقصده النَّاس من كل مَكَان وَصَحبه خلق كثير ولبسوا مِنْهُ خرقَة التصوف وَكَانَ كَبِير الْقدر وَاسع الصَّدْر وَله كرامات مَشْهُورَة وَحج هُوَ وَأَخُوهُ الشَّيْخ عبد الله ورجعا الى وطنهما تريم وَلم يزل صَاحب التَّرْجَمَة على حَالَته المرضية حَتَّى توفى الى رَحْمَة الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ بعد الالف وَدفن بمقبرة زنبل بِقرب مشْهد جده الشَّيْخ عبد الله العيدروس وقبره ظَاهر يزار رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن المنلا شمس الدّين بن شهَاب الدّين شَارِح المغنى الْمُتَقَدّم ذكره الحصكفى الاصل الحلبى الشافعى ذكره العرضى الْكَبِير فى تَارِيخه وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَة ثمَّ نَشأ فى حجر أَبِيه وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح الشذور لِابْنِ هِشَام قَالَ وَدخلت يَوْمًا الى زِيَارَة أَبِيه وَكَانَ صاحبنا فرأيته يقرئه فى بحث المبنى وَهُوَ يتعتع فى فهم الْكَلَام وتفهيمه لوَلَده لاكثار من المطالعة وَالنَّظَر فأغنيته عَن تَقْرِير ذَلِك الدَّرْس ووضحت للْوَلَد المبحث وركز حبنا فى قلب الْوَلَد فَأتى الينا باذن أَبِيه وَطلب منى الاقراء فأقرأته شرح الكافية للجامى من أَوله الى آخِره فَلم يخْتم الْكتاب الا وَقد صَار ذَا ملكة ثمَّ مَشى مَعنا فى مغنى اللبيب ثمَّ فى المطول وَشرح آدَاب الْبَحْث للمسعودى وفى الاصفهانى وَمتْن الجغمينى فى الْهَيْئَة وَشرح ابْن المُصَنّف على ألفية ابيه ابْن مَالك وفى ارشاد ابْن المقرى وَشرح الْمنْهَج للقاضى زَكَرِيَّا وَسمع من لفظى صحيحى البخارى وَمُسلم ورفيقه فى مُعظم ذَلِك أَخُوهُ الْبُرْهَان ثمَّ ان مُحَمَّدًا تصدر للتأليف فَكتب تاريخنا لحلب تعرض فِيهِ لمن حكم فِيهَا من حِين فتحهَا الصَّحَابَة الى زمن ابراهيم باشا الملقب بالحاج ابراهيم أَجَاد فِيهِ وأنبأ عَن اطلَاع عَظِيم وَكتب حِصَّة على صَحِيح مُسلم ورسالة حَسَنَة فى اسلام أبوى رَسُول الله
// (ونظم الشّعْر الْحسن) // وامتدحنى بقصائد جمة مَعَ كَثْرَة عبَادَة وتلاوة لِلْقُرْآنِ وَصَلَاة حَسَنَة يُصليهَا عِنْد دُخُول الْوَقْت مَعَ الْجَمَاعَة وَيكثر فِيهَا من تِلَاوَة الْقُرْآن وكرم وافر واحسان للمحبين واجزال الضيافات ومحبة النَّاس
والتواضع والتمسك بِالسنةِ مَعَ الْفَضِيلَة التَّامَّة وبغض الزَّنَادِقَة وَذكره الشهَاب مَعَ أَخِيه الْبُرْهَان وَكَذَا البديعى ووصفاهما بأوصاف حَسَنَة وَأورد الشهَاب من شعر مُحَمَّد قَوْله فى التَّرْجَمَة من الفارسية هَذَا الرباعى
(فى اللَّيْل وفى النَّهَار حرا كبدى
…
مقتول ضنى بجائر لَيْسَ يدى)
(تنثر عينى جَوَاهِر الدمع على
…
لقيَاهُ تظن أَنَّهَا طوع يدى)
وَقَالَ ولصاحبنا القاسمى مثله
(لقياك سرُور قلبى المحزون
…
فالوحشة من نواك لَا تعدونى)
(يَا وَيْح دموعى خشيت شقوتها
…
منى فَأَتَت بدرها ترشينى)
(وَقَرِيب مِنْهُ قَول ابْن الرومى
(وهبت لَهُ عينى الهجوعا
…
فأثابها مِنْهُ الدموعا)
(وَمن البلية أننى
…
علقت مَمْنُوعًا منوعا)
وللارجانى
(لَوْلَا طروق خيال مِنْك منتظر
…
يلم بى رَاقِدًا مَا ساءنى سهرى)
(كَانَ جفنى اكراما لزورته
…
أَمْسَى على قَدَمَيْهِ ناثر الدُّرَر)
وَأنْشد لَهُ البديعى قَوْله
(مَا أقل الاصحاب ان حسم أَمر
…
فى عَظِيم وَمَا أقل المساعد)
(وبلاء لابد للمرء مِنْهُ
…
أَن يرى رَاغِبًا بآخر زاهد)
وَقَوله
(سيلحق من سره موتنا
…
بِنَا مثل من سرنا مَوته)
فِيهِ زِيَادَة على قَول الآخر
(فَقل للشامتين بِنَا أفيقوا
…
سيلقى الشامتون كَمَا لَقينَا)
وَله
(قلت لما تنكرت أَمر شيبى
…
وأبت دون شَرحه فى التراضى)
(كَانَ لي فى الزَّمَان بعض حِسَاب
…
أخرجته على كيد الممنق)
وَله
(سامرته فى لَيْلَة وصباحها
…
يتكايدان أيدى النَّوَى للبياض)
(فالليل يظْهر لى بقلب أسود
…
وَالصُّبْح ينظرنى بِطرف أَزْرَق)
وَله
(أَلا لَيْت شعرى هلى زارنى
…
حبيبى وَلَيْسَ رقيبى قريب)
(وَهل علم الدَّهْر أَنى امْرُؤ
…
كثير لَدَى قَلِيل الحبيب)
قَالَ العرضى وأصابته حمى الرّبع فطالت بِهِ فوصف لَهُ بعض مبغضيه أَن يكتوى
فى ظَهره فكواه رجل زنديق من قَرْيَة كفر حَابِس وَلَا يخفى أَن أَهلهَا مختلفوا العقائد فى سلسلة ظَهره وصادفه مجئ الشتَاء فَحصل لَهُ الكزاز مرض ردئ فَمَاتَ بِهِ فى سنة عشر وَألف رَحمَه الله تَعَالَى وَدفن فى تربة جده الخواجا اسكندر فى محلّة الجبيلة بحلب
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن بن مُحَمَّد بن أَحْمد الْعجل بن مُحَمَّد بن يُوسُف بن ابراهيم ابْن الامام القطب الْغَوْث الْفَرد الْجَامِع الْفَقِيه أَبى اللقيف أَحْمد بن مُوسَى بن على ابْن عمر العجيل بن مُحَمَّد بن حَامِد بن زُرَيْق بن وليد بن زَكَرِيَّا بن مُحَمَّد بن حامدين مغرب بن عِيسَى بن مُحَمَّد الفارسى ابْن زيدين دوال بن شبوه بن ثَوْبَان بن عِيسَى بن شحاده بن غَالب بن عبد الله بن عك بن عدنان أَبُو الغوائر صَاحب بَيت الْفَقِيه الْيُمْنَى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى صَاحب الاحوال الباهرة والكرامات الخارقه الظاهره والانفاس الطاهره الذى تَوَاتر حَدِيث فَضله وجلالته وَأجْمع النَّاس على ولَايَته وعمت بركاته الْحَاضِر والباد فى كل وَاد وناد وَكَانَ نفع الله بِهِ امام أهل الْعرْفَان الْمشَار اليه بالبنان وقطب دَائِرَة الْيمن الفخيم ومركز مُحِيط ذَلِك الاقليم متخلقا بالاخلاق النبويه متصفا بِالصِّفَاتِ الربانية امام المرشدين فى عصره وأستاذ الاستاذين فى دهره جُنَيْد الطَّرِيقَة فى زَمَانه غزالى الرفيعة لامكانه ابْن عربى الْحَقِيقَة بشانه وَمن أَرْبَاب الاحوال السّنيَّة بل المقامات العليه بهر بجميل جماله أطواد الْعُقُول وأثلج بِبرد لطفه المناكب والصدور ونال مِنْهُ تلامذته الْوُصُول وَكَانَ لَهُ بِبَيْت الْفَقِيه الظُّهُور الْكَبِير العجيب والجاه الطَّوِيل العريض الْغَرِيب قلد أَعْنَاق الرِّجَال بِالْيمن المنن ودانت لَهُ النُّفُوس وان خَالف السِّرّ العلن وامتد فى المقامات والاحوال بَاعه وعمرت بالاقبال رباعه وقصده النَّاس الغادى والرائح وخدمته القرائح بالمدائح وَكَانَ رضى الله عَنهُ حَرِيصًا على سلوك الطَّرِيق من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة مواظبا على الْخَيْر لَا يصرف أوقاته فى غير طاعه حَافِظًا لازمانه وأوقاته مُقبلا على طاعات ربه وعباداته حسن السمت والسيره نير الْقلب والسريره مَعَ كرامات أشهر من الشَّمْس فى رَابِعَة النَّهَار وخوارق اشتهرت فى سَائِر الاقطار وَرَأَيْت بِخَطِّهِ نفع الله بِهِ مَا نَصه أخبرنى الشَّيْخ الصَّالح نجم الدّين بن أَحْمد الفيومى المصرى أَنه رأى فى خيال سنته يَوْم عيد الْفطر سنة سبع وَألف كَانَ البنى
فى مَحل
قَبره الْكَرِيم بارز والنور يخرج من سَائِر أَجْزَائِهِ وَيخرج من صَدره الْكَرِيم نور لَهُ جرم وَحلق السبابَة والابهام وَقَالَ مِقْدَار هَذَا قَالَ وَرَأَيْت ذَلِك ممتداً من مَحَله حَتَّى اتَّصل بسيدى مُحَمَّد الْعجل وَهُوَ اذ ذَاك فى حَال قِرَاءَة المولد وَالذكر بمسجده وَصَارَ النُّور يدْخل فى صَدره مستمرا على ذَلِك وَرَأَيْت جمعا من الاولياء ينالهم نور من ذَلِك لكنه صَغِير الجرم وَمثله الرائى بالخيط فى مُقْتَضى الْحس قَالَ واستيقظت وَالْحَال على مَا هى عَلَيْهِ من اتِّصَال نور النبى
بصدر سيدى الْفَقِيه مُحَمَّد ودخوله فِيهِ وَذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم انْتهى وَيُقَال ان صَاحب التَّرْجَمَة اسْتمرّ نَحْو سنتَيْن مَرِيضا فَكَانَ فى النَّهَار يذهب الى الهيجاء ويأتى بِاللَّيْلِ الى تربة جده سيدى الْفَقِيه أَحْمد بن مُوسَى حَتَّى ظهر لَهُ فى لَيْلَة وَأَعْطَاهُ اصبعه فمصها وَأمره بِالرُّجُوعِ الى الْبَلَد للتربية والارشاد وَيُقَال أَيْضا انه أَتَاهُ آتٍ فى مَنَامه وَقَالَ لَهُ لَازم مطالعة كتب الشَّيْخ الاكبر ابْن عربى وَنحن ندافع عَنْك بِالسَّيْفِ والترس أَخذ الْفِقْه والْحَدِيث وَغَيرهمَا من الْعُلُوم الدِّينِيَّة عَن مُحدث الْيمن وحافظه عبد الرَّحْمَن الديبع صَاحب التَّيْسِير وَأَجَازَهُ اجازة عَامَّة بمروياته وَأخذ الطَّرِيق عَن السَّيِّد الولى الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبى الْقَاسِم بن على صَاحب الضُّحَى وَغَيرهمَا من شُيُوخ عصره وَعنهُ وَلَده الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد أَبُو الْوَفَاء الْعجل وَكَانَ ينظم الشّعْر وَمن شعره قَوْله فى القات
(لاندية الخلان صَاحب تجمل
…
بوجدان قات زانها وتهلل)
(فيا حسنه ان رق يَوْمًا الْمحْضر
…
وحف بألطاف لَهَا الْفضل يجمل)
(فيا سادة قَامُوا على قدم الصَّفَا
…
اذ القات واخاكم فَقومُوا وهللوا)
(وَقُولُوا بِلَفْظ الْجمع وَالْفرق خلفوا
…
لَان سوى البارى خيال مُبْطل)
(وَحكم ارتباط عادمى غير مُنكر
…
واحكامه فى الشَّرْع حَقًا تبطل)
(وَلكنه سُبْحَانَهُ جلّ قدره
…
لَهُ مَعَ جَمِيع الكائنات تفضل)
(بهَا خصهم فضلا وَمنا عَطِيَّة
…
وَلَيْسَ لَهُم بِالْكَسْبِ فِيهَا مُحَصل)
(فَلَا تنكرن يَا صَاح قَول مفضل
…
أَتَى عَن معانى الْقرب يحْكى وينقل)
(فَسلم لتسلم فالسلام مُسلم
…
لمن كَانَ أَسبَاب النجَاة يحصل)
(ولازم على التَّسْلِيم فى كل حَالَة
…
تنَلْ كل مَا ترجو وَمَا أَنْت تَأمل)
(ودع كل خب فى الْمقَال مخرق
…
يروع أهل الْحق ثمَّ يضلل)
(فكم عَالم بِاللَّه يَأْكُل قاتنا
…
وَمَا هُوَ عَن طرق الْهِدَايَة يعدل)
(فيا نعم قوت الصَّالِحين وقاتهم
…
ينشط معوانا لَهُم لَا يكسل)
(فأجمع أهل الله من أهل قطرنا
…
وَمِمَّنْ لَهُم نور الْهِدَايَة يكمل)
(يَقُولُونَ مَا فى القات ضرّ وَلَا أَذَى
…
ولامس جن للمساوى يخيل)
(واما رَأَيْت القات وقتا بِحَضْرَة
…
اليها يَقِينا للكرامة يحمل)
(فقابله يَا ذَا الود بالرحب والهنا
…
وَقبل رغام الارض اذ هُوَ يُوصل)
(وَمَا ذَاك الا أَن فِيهِ لنا الى
…
معَان عليات الْمقَام توصل)
(فأهلا بِهِ ألفا وسهلا ومرحبا
…
لاجل الذى فِيهِ من السِّرّ يُوكل)
(وبادر الى ذكر الاله قبيله
…
وذكرك باسم الله للخير يُوصل)
(فآكله هاد منيف ومهتد
…
محب ومحبوب الى الرشد موصل)
(فحاشا وكلا أَن يكون رَفِيقه
…
وَقد رافق الاخيار غيا يحصل)
(فمدح كرام الحى أعظم شَاهد
…
على جمع أسرار حواها وَأَعْدل)
(وراها أنَاس بالكشوفات قالهم
…
رجال عَلَيْهِم فى الامور الْمعول)
(فَمن بَعْضهَا جذب حُضُور لذاكر
…
وَفِيهِمْ أموران خلا لَيْسَ تحصل)
(وَلَكِن أخى لَا ينْتج القات ان خلا
…
عَن النِّيَّة الْعُظْمَى فانك تهمل)
(وَيَكْفِيك قَول الْمُصْطَفى فى امتداحها
…
عَظِيم حَدِيث فى الرسائل أول)
(فأحرص على القات الشريف بحبه
…
وقارنه بِالنِّيَّاتِ ان أَنْت تَأْكُل)
(تشاهد أمورا من غَرِيب معارف
…
من الحضرة العلياء تَأْتِيك ترمل)
(بحلة لفظ من نقوش فمنم)
لَهُ ترجمان الْقلب يرْوى مفصل)
وَلم تزل نفحات نسماته عاطرة الارج وزجاجات وارداته ظَاهِرَة الرهج الى أَن أحب الله لقاءه فَأجَاب داعيه ودرج وبروحه اللطيفة اليه عرج وَكَانَت وَفَاته ظهر يَوْم الْخَمِيس سَابِع عشر شهر ربيع الثانى سنة احدى عشرَة بعد الالف وَدفن بِبَيْت الْفَقِيه ابْن عجيل وَبنى عَلَيْهِ قبَّة عَظِيمَة بناها الْوَزير حسن باشا حَاكم الْيمن وَكَانَ ختم بنائها نَهَار الْخَمِيس رَابِع عشر شهر شَوَّال سنة اثنتى عشرَة وَألف وقبره درياق مجرب الْقَضَاء الْحَوَائِج رَحمَه الله تَعَالَى
السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد المنعوت محب الدّين الحصنى الدمشقى الشافعى السَّيِّد الْعَالم الْعلم الْجواد المربى كَانَ غَايَة فى الْوَرع والتقشف والتصلب فى أَمر الدّين دينا
خيرا ناجحا ملازما للاعتكاف بِمَسْجِد الحصنية بمحلة المزاز من الشاغور البرانى بِدِمَشْق وَكَانَ محافظا على عمَارَة مطبخ آبَائِهِ بخان الكشك الْمُقَابل لخان ذى النُّون خَارج دمشق باصلاح الْحَلْوَى وَالطَّعَام والتفرقة على الْحجَّاج ذَهَابًا وايابا وَكَانَ سخيا لَا يمسك شَيْئا وَله حفدة ومريدون كلهم عائلة عَلَيْهِ وَكَانَت وَفَاته نَهَار السبت حادى عشر شهر رَمَضَان سنة احدى عشرَة بعد الالف وَقيل فى تَارِيخه
(ان الشريف مُحَمَّد القطب الذى
…
يدعى محب الدّين للاخرى انْتقل)
(ان تسألونى أَيْن حل فأرخوا
…
فى وسط جنَّات النَّعيم قد نزل)
وَبَنُو الحصنى بِالشَّام أشهر من كل مَشْهُور وهم بَيت بَارك الله فيهم من قواد مُهِمّ الى خوافيهم وجدهم التقى شيخ شافعية الشَّام فى عصره وأوحد زهاد زَمَنه الْمَشْهُور بسمو قدره تميز بهم الْفَاضِل من الْمَفْضُول فالتعرض لشرح أَحْوَالهم ضرب من الفضول
مُحَمَّد بن أَحْمد بن على القاضى شمس الدّين الْمَعْرُوف بِابْن المغربى المالكى الدمشقى مفتى الْمَالِكِيَّة بِدِمَشْق وقاضى الْبَاب أحد الاذكياء الْفُضَلَاء حفظ الْقُرْآن فى ابْتِدَاء أمره وَصَارَ مُؤذنًا بالجامع الاموى وَكَانَ حسن الصَّوْت وَأخذ الْفِقْه عَن القاضى عَلَاء الدّين بن الْمرجل البعلى وسافر الى مصر وَأخذ عَن علمائها كالبنوفرى وَغَيره وَحج وجار وَأخذ عَن مَشَايِخ مَكَّة وَقَرَأَ بِدِمَشْق على مَشَايِخ الاسلام أَبى الْفِدَاء اسمعيل النابلسى والعماد الحنفى وَالْجد القاضى الْمُحب وَالشَّمْس ابْن المنقار وناب بمحكمة قناة العونى ثمَّ بِالْبَابِ بعد سفر شَيْخه القاضى عَلَاء الدّين الى الْحَج وَكَانَ يدرس بالجامع الاموى ويفتى واستقرت لَهُ الْفَتْوَى مُنْفَردا بهَا بعد شَيْخه وَكَانَت سيرته فى الْقَضَاء حَسَنَة وَكَانَ لطيف المعاشرة وَصَارَ اماما بالجامع الاموى وَكَانَ يتعاقب على الْقَضَاء هُوَ والقاضى كَمَال الدّين بن خطاب وَاسْتقر الامر آخرا لِابْنِ خطاب وَكَانَ اذا عزل يحصل لَهُ قهر عَظِيم وَلما طَال عَزله آخر الامر مرض وَطَالَ مَرضه وَلما دخل ابْن جانبولاذ دمشق وَمَعَهُ السكبانية والدروز دخلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ فى بَيته بحارة قصر حجاج خَارج بَاب الْجَابِيَة وانتهبوه وأهانوه فَزَاد قهره وَاسْتمرّ متضعفا يشكو حَتَّى توفى يَوْم الْخَمِيس ثامن عشر ربيع الاول سنة سِتّ عشرَة وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير
مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو عبد الله الْمَعْرُوف بوحيى زَاده الرومى شَارِح مغنى اللبيب أَصله من
بَلْدَة ازنيق وجده على بيك مَذْكُور فى تذكرة الشُّعَرَاء وَقد أكمل صَاحب التَّرْجَمَة طَرِيق الصُّوفِيَّة على بعض الْمَشَايِخ وَجلسَ على سحاده الذّكر والوعظ الى أَن مَاتَ الشَّيْخ وَسنة فى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَكَانَ مدرس دَار الحَدِيث المنسوبة لوالدة السُّلْطَان بِمَدِينَة اسكدار فوجهت اليه مَعَ وعظ الْجَامِع الْمَنْسُوب اليها وَكَانَ بَحر فياضاً فى الْعُلُوم خُصُوصا الْعَرَبيَّة متفننا فى غَيرهَا وَمن آثاره الجليلة شرح مغنى اللبيب فى مجلدين وَهُوَ شرح حافل مُفِيد يدل على سَعَة اطِّلَاعه وَله على التَّفْسِير تعليقات وَكَانَ وِلَادَته فى سنة أَرْبَعِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى سنة ثَمَان عشرَة بعد الالف وَكَانَ عمره لما مَاتَ تسعا وَسبعين سنة كَذَا قَالَه ابْن نوعى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن اسمعيل بن مُحَمَّد المنعوت شمس الدّين بن الاكرم الْحَنَفِيّ وَيعرف بقطا الْبر كَمَا أَن أَبَاهُ كَانَ يعرف بقطا الْبَحْر أحد فضلاء دمشق وأصلائها وَكَانَ فَاضلا مخشوشنا متقشفا قَرَأَ فى أول أمره ثمَّ وصل الى خدمَة الْبَدْر الغزى فَقَرَأَ عَلَيْهِ فى الاحياء وَلما مَاتَ أَبوهُ فى سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة سَافر الى الرّوم وَولى تدريس الْمدرسَة المقدمية وَرجع من الرّوم فى شكل عَجِيب على أسلوب موالى الرّوم من الاثواب الطَّوِيلَة بالاكمام الواسعة ولقب نَفسه بشيخ الاسلام وَكَانَ يجمع الْفُقَرَاء على الذّكر عِنْده بِالْمَدْرَسَةِ ويتردد اليه بعض المنشدين وَرُبمَا يكسوهم وَيطْعم الْفُقَرَاء وَكَانَ يتظاهر بانكار بعض المناكر وَكَانَ يمر على تخت الْقمَار بمحلة تَحت القلعة فيأمر بتكسيره وَضرب المقامرين وَكَانَ قَلِيل الْحَظ من الدُّنْيَا مَعَ السخاء الزَّائِد وَكَانَت وَفَاته بداء الْبَطن فى وَقت الْغَدَاء من يَوْم الثلاثا ثَالِث عشر ذى الْحجَّة سنة عشرَة بعد الالف عَن خمس وَخمسين سنة وَدفن عِنْد أَبِيه بمقبرة الفراديس وَبَنُو الاكرم بِدِمَشْق طَائِفَة كَبِيرَة مِنْهُم مُحَمَّد وَهُوَ جد مُحَمَّد هَذَا وَالِد وَالِده كَانَ فى آخر دولة الجراكسة أَمِيرا من أمرائهم فَلَمَّا ذهبت دولة الجراكسة وَجَاءَت دولة آل عُثْمَان أعطَاهُ السُّلْطَان سليم الفاتح زعامة دولة الجراكسة وَجَاءَت دولة آل عُثْمَان أعطَاهُ السُّلْطَان سليم المفاتح زعامة بِأَرْبَعِينَ ألف عثمانى فاستمر مبَاشر الزعامة الى أَن عينوه خَادِمًا للسلطنة فى جمع أَمْوَال الْعَرَب فَكتب الى الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ علوان الحموى كتابا ولوح فِيهِ الى مَا هُوَ مبتلى بِهِ من خدمَة السلطنة وَأَشَارَ الى استفهامه عَن هَذِه الاحوال هَل تخلص صَاحبهَا عِنْد الله تَعَالَى فَكتب اليه الشَّيْخ علوان كتاب يَقُول فِيهِ وَلَا بَأْس بِخِدْمَة السُّلْطَان اذا كَانَت على طَرِيق الاسْتقَامَة وَأَيْضًا فان الرأى أَن تكون
حَيْثُ أنزلك حَتَّى يكون الله عَنهُ نقلك وَأَيْضًا فان الله لَو لم يرد لَك هَذَا الامر الذى أَنْت فِيهِ مَا سهله لَك وسَاق من ذَلِك فَصَارَ وَكتب بعده فى حَاشِيَة الْمَكْتُوب وَمَعَ ذَلِك أَقُول
(سجنو الطّيب لغاتهم
…
يَا ليتهم كَانُوا صموت)
(موت النُّفُوس حَيَاتهَا
…
من رام أَن يحيا يَمُوت)
فَلَمَّا وقف على هذَيْن الْبَيْتَيْنِ علم الاشارة فَنزع ثِيَابه كلهَا وَعتق مماليكه وَدخل فى عدل ثخين وَجلسَ فى محلّة العنابة فى مَسْجِد الْعين ثَلَاثَة أَيَّام لَا يكلم أحدا وَلَا يَأْكُل وَلَا يشرب وَترك الزعامة والدولة وَاسْتمرّ فى بَيته بمحلة العنابة جَالِسا متفردا عَن النَّاس لابسا ثِيَاب الصُّوفِيَّة الى أَن مَاتَ فانتقل وَلَده أَحْمد الى محلّة القيمرية وَسكن فى بيُوت ابْن الحارة ثمَّ أثبت الْمدرسَة المقدمية وانه من ذُرِّيَّة واقفها وَأظْهر على مَا ادَّعَاهُ عدَّة تمسكات وانتقل اليها وسكنها ثمَّ سكنها بعده ابْنه صَاحب التَّرْجَمَة كَمَا ذَكرْنَاهُ آنِفا وَاسْتمرّ بِيَدِهِ تدريسها وتوليتها وَهَذِه الْمدرسَة منسوبة الى من هم منتسبون اليه وَهُوَ أَمِير الامراء شمس الدّين الْمُقدم الذى كَانَ من كبار الامراء فى زمن الْملك الْعَادِل نور الدّين الشَّهِيد ثمَّ صَار من كبار الامراء الصلاحية وَحج فَوَقع بَينه وَبَين أَمِير الْحَاج العراقى طاشتكين فَضرب ابْن الْمُقدم بِسَهْم وَقع فى عينه فَمَاتَ من غده ذكره ذَلِك ابْن خلكان فى تَارِيخه وَغَيره من المؤرخين
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن ادريس المنعوت بشمس الدّين الحلبى ثمَّ الدمشقى الْمَعْرُوف بِابْن قولا قسز وَقد تقدم ابْنه أَحْمد وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا فَاضلا بارعا فَقِيها لَهُ اطلَاع على مسَائِل فقه الامام الاعظم أَبى حنيفَة قَرَأَ بحلب على عالمها الامام النَّجْم بن الحنبلى الاصول وَالْفِقْه والْحَدِيث وَأخذ عَن منلا أَحْمد القزوينى الْمعَانى وَالْبَيَان وَالتَّفْسِير ثمَّ رَحل الى دمشق وَأخذ بهَا الْفِقْه عَن خطيب الشَّام وفقيهها النَّجْم والبهنسى والْحَدِيث عَن شيخ الاسلام الْبَدْر الغزى وَقَرَأَ البخارى عَن النُّور النسفى وَأخذ الْفَرَائِض عَن الشَّيْخ عبد الْوَهَّاب الحنفى والقراآت عَن الطيبى والمنطق عَن منلا ابراهيم الكردى القزوينى الحلبى وَبِه تفقه وَلَده أَحْمد وَكَانَ يحب الْعُزْلَة والانجماع عَن النَّاس وَلم يكن لَهُ وَظِيفَة وَلَا مدرسة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من خِيَار الافاضل وَكَانَت وِلَادَته فى خَامِس عشرى شهر ربيع الاول سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَتِسْعمِائَة وَتوفى نَهَار الاحد رَابِع عشرى شهر ربيع الاول سنة احدى وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد الدجانى القدسى الشَّيْخ المعمر الْبركَة الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مفتى الشَّافِعِيَّة بالقدس الشريف رَحل الى مصر واشتغل بهَا وبرع ثمَّ رَجَعَ الى وَطنه وَشرح ألفية ابْن مَالك والرحيبة وَأفْتى على مَذْهَب الشافعى وَصَامَ الدَّهْر أَزِيد من خمسين عَاما وَكَانَ منزويا عَن النَّاس قَلِيل الِاجْتِمَاع بهم غير متصنع فى هَيئته وَلَا مباهيا بملبسة قَلِيل الْكَلَام مجذوبا وَكَانَ للنَّاس فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَكَانَت وَفَاته صَبِيحَة نَهَار الاربعاء سَابِع عشرى ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَعشْرين وَألف بدير صهيون وَصلى عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الاقصى بعد الْعَصْر وَدفن فى فسقية أَبِيه وَحضر جنَازَته الْخَاص والعالم وتبرك النَّاس بِحمْل جنَازَته وَقد تجَاوز الثَّمَانِينَ رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد المرداوى الحنبلى نزيل مصر وَشَيخ الْحَنَابِلَة فى عصره بهَا أَخذ على التقى الفتوحى وَعَن عبد الله الشنشورى الفرضى وَعنهُ أَخذ مرعى القدسى وَمَنْصُور البهوتيان وَعُثْمَان الفتوحى الحنبليون وَالشَّمْس مُحَمَّد الشوبرى وَأَخُوهُ الشهَاب أَحْمد وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَكثير وَكَانَت وَفَاته بِمصْر فى سنة سِتّ وَعشْرين وَألف وَدفن بتربة المجاورين بِالْقربِ من السراج الْهِنْدِيّ رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مصطفى بن خَلِيل الْمولى كَمَال الدّين بن عِصَام الدّين المشتهر بطاشكبرى زَاده قاضى العساكر فَرد الدَّهْر الْمجمع على فَضله وبراعته وَكَانَ فى الْعلم طوداشا مخالم ير نَظِيره فِي طَلَاقه الْعبارَة والتضلع من الْعَرَبيَّة قَالَ النَّجْم الغزى فى تَرْجَمته لم أر روميا أفْصح مِنْهُ بِاللِّسَانِ العربى وَكتب اليه شيخ الاسلام أسعد بن سعد الدّين يمدحه بقوله
(الْعِزّ من الْمجد هما نَحْوك مَالا
…
يَا مفخرنا كاسمك لَا زلت كمالا)
(ان كَانَ على حبك لى معذرة
…
كم من ألف مالى الى اللَّام كمالا)
أَخذه عَن وَالِده الْعَالم الْمَشْهُور صَاحب الشقائق النعمانية فى عُلَمَاء الدولة العثمانية وَعَن شيخ الاسلام أَبى السُّعُود العمادى ودرس بمدارس قسطنطينية ثمَّ صَار قَاضِيا بحلب وَنقل مِنْهَا الى دمشق فَدَخلَهَا فى أَوَائِل الْمحرم سنة خمس بعد الالف وَأَقْبل على أَهلهَا وعاملهم بالاكرام التَّام حَتَّى سحر عقول علمائها برعايته واقباله ثمَّ طلب مِنْهُم محضرا فى الثَّنَاء عَلَيْهِ بعد شهر فَكَتَبُوا لَهُ محضراً أثنوا عَلَيْهِ بِمَا شاهدوه مِنْهُ ثمَّ لم تتمّ كِتَابَة الْمحْضر حَتَّى انْقَلب عَن أخلاقه وتظاهر بطمع لم ير نَظِيره وَأكْثر
من الرِّشْوَة وَاتفقَ انه جَاءَ فى زَمَنه أَمر الْعَوَارِض بثلثمائة عثمانى فنفذه وَكَانَ قبل ذَلِك لم تكلّف النَّاس فى الْعَوَارِض مِقْدَار ذَلِك فَحَضَرَ الى الْجَامِع يَوْم الِاثْنَيْنِ ثامن عشرى شهر رَمَضَان من سنة خمس صَبِيحَة الى الشَّيْخ الْعَارِف أَحْمد بن سُلَيْمَان الصوفى فَلَمَّا فرغت الصبيحة دَعَا الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وأخاه الشَّيْخ ابراهيم وأراهما الامر فَذكر لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد فقر النَّاس وعجزهم عَنْهَا فَلم يقبل فَضَجَّ النَّاس واجتمعوا عَلَيْهِ وَأخذُوا فى شَتمه واظهار الشكاية مِنْهُ وَمن طلمه وتتابع النَّاس من أرجاء الْجَامِع وَأَكْثرُوا من سبه وأطلقوا الالسنة فِيهِ وفى الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وأخيه ونسبوهما الى التَّقْصِير فى ذَلِك ثمَّ خرج القاضى هَارِبا من بَاب العنبرانيين وَتَبعهُ أَكثر النَّاس بَعضهم يَرْجُمهُ بِلِسَانِهِ وَبَعْضهمْ بِيَدِهِ حَتَّى ان بَعضهم ضربه ببيضة فَانْكَسَرت على ثَوْبه فالتجأ الى بعض الدّور حَتَّى رَجَعَ النَّاس عَنهُ وَأما الشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وَأَخُوهُ فانهما خرجا من بَاب جيرون وتبعهما جمَاعَة يصيحون فردهم النُّقَبَاء والفقراء عَنْهُمَا وَقَالُوا لَهُم الحقوا القاضى ثمَّ لما أصبح القاضى أَمر بِكِتَابَة عرض ومحضر فى تَخْفيف الْعَوَارِض وَجَمعهَا دِينَارا وَاحِدًا وَأظْهر ارادة الْعدْل وَفِيه عمل أَبُو المعالى درويش مُحَمَّد الطالوى قصيدته السائرة يُشِير فِيهَا الى حادثته هَذِه ومطلعها
(ان الْكَمَال على زِيَادَة نَقصه
…
مولى يجود بِنَفسِهِ للمجتدى)
(فاذا أَتَاكُم فَاسق فَتَبَيَّنُوا
…
من حَاله وَالله يجزى المعتدى)
(يقعى جُلُوسًا وسط مجْلِس حكمه
…
كَيْمَا يسكن حكة فى المقعد)
(واذا مَشى أدلى بواسير استه
…
من خَلفه تحكى أفاعى مربد)
(مثل الرشاء طَوِيلَة أذنابها
…
مَا بَين ذى ذَنْب أحد وَأورد)
(تنساب فَوق نقى يُبَاح صريمه
…
سيان فِيهِ رائح أَو مغتد)
(مكمدة ألوانها مسودة
…
حمر الرؤس لَهَا لِسَان مبرد)
(قد أثخنت فِيهِ الْجراح وجرحت
…
مِنْهُ الفقاح فسبرها بالمرود)
(تلتف فى شعر تدَاخل بعصه
…
فى بعضه جَعدًا وَغير مجعد)
(فَكَانَ عر فجة هُنَاكَ تفرعت
…
وأصولها ساخت بِأَرْض قردد)
(نسقى بِمَاء آسن فَكَأَنَّهَا
…
مطروقة عين ببرقة ثهمد)
(وعَلى الْمحيا اذ يحيى مسحة
…
من سَام أبرص خَافَ لسع الاسود)
(فاصفر بل قَالُوا دَنَانِير الرشا
…
من أكلهَا صبغته لون العسجد)
(من أجل ذَا حكوه وَهُوَ نبهرج
…
بمحك أَحْجَار كوقع مهند)
(بَينا تدار عَلَيْهِ كاسا الرشا
…
وَقد انتشى مِنْهَا براحات الدَّد)
(فى مجْلِس حاشاه من قَول العدا
…
مَا فِيهِ غير مجسم أَو ملحد)
(فاجاه عزل فاغتدى عَن جلق
…
عجلَان ذَا زَاد وَغير مزود)
(من بَعْدَمَا عرضت أُمُور أوجبت
…
مَا أوجبت وسل الْعَوَارِض تشهد)
(اذ رَاح يمشى الخيز لى من عجبه
…
للجامع الاموى مَشى الخرد)
(وَالنَّاس مستنون يتبع بَعضهم
…
بَعْضًا وَقد قعد الْحمام بِمَرْصَد)
(مَا بَين منتعل وحاف خَلفه
…
يعد ويمرو كالسهام محدد)
(حَتَّى رمى فى دَار قوم نَفسه
…
وَأقَام فِيهَا خَائِف الضُّحَى الْغَد)
(للباب مستبقا وَقد قَمِيصه
…
يَا صَاح من دبر فج بالمقصد)
(وهلاك رب الْعَرْش من ظلم الورى
…
ان لما يفاج الْيَوْم فاجا فى غَد)
(هَا قد كشفت لكم حَقِيقَة حَاله
…
يَا قوم فَاسْتَمعُوا مقَالَة مرشد)
(مذ ذاق طعم الْعَزْل رَاح بحسرة
…
رطب العجان وكفه كالجلد)
(كالاقحوانة بعد فعلى ناجر
…
جَفتْ أعاليها واسفلها ند)
(لَا زَالَ حادى النَّجْم يهوى خَلفه
…
وسقاه نوء الرَّجْم مَوْصُول الْيَد)
(مَا فرخت يَوْمًا عوارض خانة
…
وأهين قَاض خَان شرع مُحَمَّد)
ثمَّ ورد عَزله فى أواسط ذى الْقعدَة وَأعْطى قَضَاء حلب فَسَار اليها ثمَّ ترقى بعْدهَا فى المناصب حَتَّى ولى قَضَاء العسكرين وَكَانَ كثير الْآثَار وَله نظم ونثر فَمن نظمه مَا كتبه لشيخ الاسلام مُحَمَّد بن سعد الدّين من أَبْيَات
(عاصف الحادثات أفنانى
…
صَرْصَر الدَّهْر بُد أفنانى)
(كمدى آدنى وأعيانى
…
ارحوا سادتى أعيانى)
قَالَ البورينى فى تَرْجَمته وَكَانَ وَهُوَ قاضى بِدِمَشْق وَجه الى بقْعَة تدريس عَن الشَّمْس ابْن المنقار وَلما عزل عَن دمشق وَتوجه الى حلب بلغنى انه أعْطى يحيى بن الشَّمْس الْمَذْكُور عرضا فى الْبقْعَة الْمَذْكُورَة فَكتب اليه كتابا عتب عَلَيْهِ فِيهِ بِسَبَب ذَلِك وَكَانَ مَا بلغنى بَاطِلا كذبا فَكتب الى من انشائه وَذكر رِسَالَة طولة استحسنت مِنْهَا هَذَا الْمحل فَذَكرته هُنَا وَهُوَ وَالْعجب مِنْكُم انكم صَدقْتُمْ مثل هَذَا الْخَبَر
وادعيتم فِيهِ التَّوَاتُر كَأَنَّهُ حَدِيث أَو أثر وَمَا تقرر عنْدكُمْ مَا شاهدتم من محبتنا الراسخة الْبُنيان وَقد قيل فى الامثال لَيْسَ الْخَبَر كالعيان وَكَانَ الْوَاجِب أَن لَا تلتفتوا الى مثل هَذِه الخرافات
(وشاهدى فى ادِّعَاء الْحبّ خاطركم
…
وَهُوَ المزكى فقولى لَا تردوه)
(كفى بقلبى مَا يلقى ببعدكم
…
لَا تحرقُوهُ بِنَار الهجر خلوه)
وَكتب أَيْضا فى غُضُون رسَالَته
(وَمَا أَنا حفظ الوفا متصنعا
…
وَلَا أَنا للزور الْقَبِيح منمق)
(وَأَنت فتدرى مَا اقتضته جبلتى
…
فَمَا أدعى الا وَأَنت مُصدق)
(وَلَكِن دهرا قد بلينا بأَهْله
…
أَبَا حوابه ثوب النِّفَاق ونفقوا)
فو الذى يعلم سرى وعلن فى جَمِيع حالى لم يصدر عَنى ذَلِك الامر وَلَا خطر ببالى وَهل يَلِيق بى ان أدنس الْعرض بِمثل ذَلِك الْعرض وأحشر فى زمرة الْكَاذِبين بَين يَوْم الْعرض
(وودى أَنْت تعلمه يَقِينا
…
صَحِيحا لَا يكدر بالجفاء)
(فَلَا تسمع لما نقل الاعادى
…
وَمَا قد نمقوه من افتراء)
وَله غير ذَلِك مِمَّا يعذب وَبِالْجُمْلَةِ فقد وصفناه من الْكَمَال بِمَا فِيهِ مقنع وَلم يكن فِيهِ مِمَّا يشينه الا الطمع وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاثِينَ وَألف وَقَالَ الْفَاضِل الاديب ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن العمادى الدمشقى فى تَارِيخ وَفَاته
(أَلا انما الدُّنْيَا غرور نعيمها
…
ينغصه أكدارها وزوالها)
(قضى الله للْمولى الْكَمَال بِأَن قضى
…
فأرخ ديار الرّوم مَاتَ كمالها)
مُحَمَّد بن أَحْمد المنوفى المصرى الشافعى نزيل مَكَّة أحد الْفُضَلَاء الاعيان كَانَ فَاضلا أديبا صَاحب ثروة وَكَانَ لَهُ ايثار وبسطة يَد وَلم يزل يعانى التِّجَارَة ثمَّ لحقه ضيق يَد فسافر الى الرّوم وَصَحب مَعَه مِفْتَاح الْكَعْبَة الشَّرِيفَة قَاصِدا اعطاءه للسُّلْطَان مُرَاد وَورد دمشق وَعقد حَلقَة تدريس فى جَامعهَا الاموى بعد صَلَاة صبح الحنفى من أول رَجَب وأقرأ صَحِيح مُسلم فَاجْتمع عَلَيْهِ خلق كثير حَتَّى رفع كرسى الْوَعْظ أَيَّامًا قَليلَة وضجت الْعَالم من احداث مَا لم يكن وَمِمَّا اتّفق لَهُ انه سُئِلَ هَل كَانَ النبى
يعلم السحر ويعرفه على التَّعْمِيم فَأجَاب عَنهُ انه كَانَ يعلم كل شئ مِنْهُ وَمن غَيره من غير شكّ فَنقل جَوَابه الى النَّجْم الغزى فَغَضب غَايَة الْغَضَب وَكذبه وَقَالَ انه افتراها وَأخذ النَّجْم يُقيم عَلَيْهِ الْحُدُود فى درسه كل لَيْلَة وَيَقُول انه ان أصر
على ذَلِك كفر وتطلب من أقرانه عمل رِسَالَة على وفْق مُرَاده فامتنعوا من ذَلِك وَقَالُوا انه أَخطَأ حَيْثُ قَالَهَا للعوام وَمِنْهُم من أحجم وَلم يتَكَلَّم وَقَالَ قد وَقع فِيهَا خلاف وَمَا رجحوا مِنْهَا قولا لَا ينْقل وَطَالَ التنقيب على هَذِه المسئلة حَتَّى ألف الشَّيْخ أَيُّوب الخلوتى الْمُقدم ذكره فى ذَلِك رِسَالَة سَمَّاهَا السك الموفى على رَقَبَة المنوفى وهى رِسَالَة جَامِعَة لكل منثور ومنظوم فَكف بعد المنوفى عَن الدَّرْس وَأقَام الى عيد الْفطر ثمَّ رَحل الى نَاحيَة الرّوم وَالسُّلْطَان مُرَاد فى نواحى حلب قَاصد الْمسير الى روان فصحب الْعَسْكَر الى بَغْدَاد وأنجحت سفرته ونال أمانيه ثمَّ بعد فتح روان رَجَعَ الى دمشق فَابْتلى بِمَرَض الامعاء وقاسى آلاما شديده وَكَانَ سَبَب مَوته هَذَا خُلَاصَة مَا نقلته من ثَبت الشَّيْخ مُحَمَّد بن على المكتبى الدمشقى وَرَأَيْت للمترجم تَرْجَمَة فى السلافة وَصَاحب السلافة سبطه قَالَ فى تَرْجَمته هُوَ جدى لامى وَمن مَلَأت بِهِ من عريق النّسَب كمى امام الائمة الشَّافِعِيَّة وَرب الفطنة الالمعية ملك الْعُلُوم زماما وَتقدم فى مقَام الْفضل اماما فصلت الافاضل خَلفه وظلت الْفَضَائِل حلفه لَا يشق لَهُ غُبَار فى مضمار سباق وَلَا يباريه مبار فى اصطباح واغتباق وَلَا سوى الْفضل والادب صبوح وغبوق وَهُوَ السَّابِق فيهمَا وَمن عداهُ مَسْبُوق وَكَانَ قد شدّ لرحلة الرّوم ركابه وابله
(يُرِيد بسطة كف يَسْتَعِين بهَا
…
على قَضَاء حُقُوق للعلى قبله)
فأسفرت سفرته عَن وُجُوه آماله وَأهب عَلَيْهِ الاقبال نسائم قبُوله وشماله فَتَلقاهُ ملكهَا بِأَهْل ومرحب وأنزله من ألطافه واسعافه أفسح منزل وأرحب ونفحه بنفحات عنايته المسكية حَتَّى قَلّدهُ أَكثر المناصب المكية فَلَمَّا عَاد الى وَطنه بِقَضَاء أمله ووطره نصبت لَهُ الْمنون أشراكها فى طَرِيقه وأغصته اذ ساغت لَهُ أمانيه بريقه ثمَّ قَالَ وَلَا يحضرنى الْآن من شعره غير مَا رَأَيْته مَنْسُوبا اليه بِخَط سيدى الْوَالِد وَهُوَ
(عتبت على دهرى بأفعاله الَّتِى
…
أضاق بهَا صدرى وأضنى بهَا جسمى)
(فَقَالَ ألم تعلم بِأَن حوادثى
…
اذا أشكلت ردَّتْ لمن كَانَ ذَا علم)
قَالَ وَهَذَانِ بيتان لَا يشيد مثلهمَا الا من شاد ربوع الادب وسارع لاقتناص شوارد القريض وانتدب وهما أنموذج براعته وبلاغته واقتداره على سبك ابريز الْكَلَام وصياغته وَقد صدرتهما وعجزتهما فَقلت
(عتبت على دهرى بأفعاله الَّتِى
…
برانى بهَا بَرى السِّهَام من الْهم)
(ليصرف عَنى فادحات نوائبى
…
أضاق بهَا صدرى وأضنى بهَا جسمى)
(فَقَالَ ألم تعلم بِأَن حوادثى
…
وأخطارها اللاتى تلم بذى فهم)
(يضيق بهَا ذُو الْجَهْل ذرعا وانما
…
اذا أشكلت ردَّتْ لمن كَانَ ذَا علم)
وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد حَكِيم الْملك بِضَم الْمِيم وَسُكُون اللَّام الفارسى أصلا ومحتدا والمكى منشأ ومولدا أديب الْحجاز وشاعره وبليغه ذكره السَّيِّد مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه فَاضل تأزر بِالْفَضْلِ وارتدى وسلك سَبِيل المكرمات واهتدى سَام فى فنون الْعلم وَصرح وأوضح متون الادب وَشرح وَهُوَ من بَيت رياسة وجلاله وَقوم لم يرثوا الْمجد عَن كلاله وَكَانَ لسلفه عِنْد مُلُوك الْهِنْد التيموريه مَحل تتضوع الْمَرَاتِب ريه وتستسقى المناصب ريه وَلما وَفد جده على السَّادة الاشراف الْمُلُوك من بنى حسن قابلوه مُقَابلَة الجفن للوسن فاكرموا نزله وقلدوا بأيادى منتهم بزله وَولد صَاحب التَّرْجَمَة بِمَكَّة فَنَشَأَ فى حجر الْفضل وَالْمجد وانتشق عرف خزامى تهَامَة وشميم عرار نجد فَجمع بَين تليد الْمجد وطارفه ورفل فى فضفاض الادب فى أبهى مطارفه وَلم يزل مُتبعا تِلْكَ الدَّار مَحْمُود الايراد والاصدار مَعَ تمسكه من سلطانها الشريف محسن بالعروة الوثقى الَّتِى لَا تنفصم وحلوله لَدَيْهِ بالمكانة الَّتِى مَا حلهَا ابْن أَبى دؤاد عِنْد المعتصم حَتَّى حصل عَلَيْهِ من الشريف أَحْمد بن عبد الْمطلب مَا حصل لما انحل عقد ولَايَة الشريف محسن مِنْهَا وانفصل فَكَانَ مِمَّن نهب الشريف دَاره وَمَاله وَقطع من الامان أمانيه وآماله فالتجأ مستأمنا الى بعض الاشراف فَأَمنهُ على نَفسه بعد مُشَاهدَة الْوُقُوف على الْهَلَاك والاشراف ثمَّ سَار مختفيا الى الْيمن وَاسْتمرّ حَتَّى قتل الشريف أَحْمد فَلم ير من شرِيف مَكَّة الشريف مَسْعُود مَا كَانَ يؤمله قبل فَتوجه الى الْهِنْد فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف فَألْقى بهَا عَصَاهُ الى أَن بلغ من الْعُمر أقصاه ثمَّ ذكر لَهُ قصيدته الدالية الَّتِى عَارض بهَا قصيدة أَحْمد الرشدى الْمُقدم ذكرهَا ومطلع قصيدته
(صوادح البان وَهنا شجوها بادى
…
فَمن معِين فَتى فى فت أكباد)
(صب اذا غنت الورقاء أرقه
…
تذكيرها نغمات الشادن الشادى)
(فَبَاتَ يرعف من جفنيه تحسبه
…
يرجرج المدمع الوكاف بالجادى)
(جافى الْمضَاجِع الف السهد ساوره
…
سم الاساود أَو أَنْيَاب آساد)
(لَهُ اذا اللَّيْل واراه نشيج شج
…
وجذوة فى حشاه ذَات ايقاد)
(سماره حِين يضنيه توحشه
…
فيستريب الى تأسيس عواد)
(وجدوهم وأشجان وبرح جوى
…
ولوعة تتلظى والاسى سادى)
(أضناه تَفْرِيق شَمل ظلّ مجتمعا
…
وضن بِالْعودِ دهر خطبه عادى)
(فالعمر مَا بَين ضن ينقضى وضنى
…
والدهر مَا بَين ايعاد وابعاد)
(لَا وصل سلمى وَذَات الْخَال يرقبه
…
وَلَا يؤمل من سعدى لَا سعاد)
(أضنى فؤادى واستوهى قوى جلدى
…
اقوا ملاعب بَين الهضب والوادى)
(عفت محاسنها الايام فاندرست
…
واستبدلت وَحْشَة من أُنْسُهَا البادى)
(وعطلتها الرزايا وهى حَالية
…
بساكنيها ورواد ووراد)
(وعاث صرف الليالى فى معالمها
…
فَمَا يُجيب الصدا فِيهَا سوى الصادى)
(دوارج المورمارت فى معاهدها
…
فغادرتها عَفا الساحات والنادى)
(وناعب الْمَوْت نَادَى بالشتات بهَا
…
فأهلها بَين أغوار وأنجاد)
(وصوحت بالبلى أطلالها وخلت
…
رحابها الفسيح من هيد وَمن هاد)
(أضحت قفارا تجر الرامسات بهَا
…
ريحًا جنوب وَشَمل رِيحهَا الجادى)
(كَأَنَّهَا لم تكن يَوْمًا لبيض مهى
…
مرا تعاقد خلت فِيهِنَّ من هاد)
(وَلم تحل مغانيها بغانية
…
تغنى اذا ماردى من بدرها رادى)
(وَلَا عطا نبتها ريح وَلَا طلعت
…
بهَا بَدو ردجى فى برج مصطاد)
(وَلَا تثنت بهَا لمياء ساحبة
…
ذيل النَّعيم دلالا بَين انداد)
(فارقتها وكأنى لم أظل بهَا
…
فى ظلّ عَيْش يجلى عذر حساد)
(أجنى قطوف فكاهات محاضرة
…
طورا وطورا أناغى ربة الهادى)
(هيفاء يزرى اذا ماست تمايلها
…
بأملد من غصون البان مياد)
(بِجَانِب الْجيد يهوى القرط مرتعدا
…
مهواه جد سحيق فَوق أكتاد)
(شفاهها بَين حق الدّرّ قد خزنت
…
ذخيرة الْفَحْل ممزوجا بهَا الجادى)
(اذا نضت عَن محياها النقاب صبا
…
مستهترا كل سجاد وَعباد)
(وان تجلت فَفِيمَا قد جلته دجى
…
لنابه فى الدآدى أَيّمَا هادى)
(وميض برق ثناياها اذا ابتسمت
…
يُعَارض الدمع من مهجورها حادى)
(وناظران لَهَا يرْتَد طرفهما
…
مهما رنت عَن قَتِيل مَا لَهُ وادى)
(وصبح غرتها فى ليل طرتها
…
يوماى من وَصلهَا أَو هجرها العادى)
(تِلْكَ الربوع الَّتِى كَانَت ملاعبها
…
أخنى عَلَيْهَا الذى أخنى على عَاد)
(الى ملاعب غزلان الصريم بهَا
…
يحن قلب الْمَعْنى مَا شدا شاد)
(بعد الدَّهْر رمانى بالفراق بهَا
…
وَلَا سقى كنفيه الرَّائِح الغادى)
(عمرى لَئِن عظمت تِلْكَ القوادح من
…
خطوبه وتعدت حد تعدادى)
(لقد نسيت وأنستنى يواثقه
…
تِلْكَ الَّتِى دهدهت أصلاد أطواد)
(مصَارِع لبنى الزهرا وَأحمد قد
…
أذكرن فخا وَمن أردى بِهِ الهادى)
(لفقدهم وعَلى المطلول من دمهم
…
تبكى السَّمَاء بمزن رائح غادى)
(وشق جيب الْغَمَام الْبَرْق من حزن
…
عَلَيْهِم لَا على أَبنَاء عباد)
(كَانُوا كعقد بجيد الدَّهْر قد قرظت
…
من ذَاك وَاسِطَة أودى بتبدادى)
(وَهُوَ المليك الذى للْملك كَانَ حمى
…
مذماس من برده فى خزأ براد)
(كَانَت لجيران بَيت الله دولته
…
مهاد أَمن بسرح الحيف ذواد)
(وَكَانَ طود الدست الْملك مُحْتَبِيًا
…
ولاقتناص المعالى أى نهاد)
(ثوى بصنعا فيا الله مَا اشْتَمَلت
…
عَلَيْهِ من مجده فى ضيق ألحادى)
(فقد حويت بِهِ صنعاء من شرف
…
كَمَا حوت صعدة بالسيد الهادى)
(فحبذا أَنْت يَا صنعاء من بلد
…
وَلَا تغشى زيادا وكف رعاد)
(مصابه كَانَ رزأ لَا يوازنه
…
رزء ومفتاح ارزاء واسآد)
(وَكَانَ رَأْسا على الاشراف مُنْذُ هوى
…
تتابعوا اثره عَن شبه ميعاد)
(لهف الْمُضَاف اذا مَا أزمة أويت
…
من قطب نائبة للمتن هداد)
(لهف الْمُضَاف اذا مَا أقلحت سنة
…
يضن فى محلهَا الطائى بالزاد)
(لهف الْمُضَاف اذ كرّ الْجِيَاد لَدَى
…
حر الجلاد أثار النَّقْع بالوادى)
(لهف الْمُضَاف اذا مَا يستباح حمى
…
لفقد حام بورد الْكر عواد)
(لهف الْمُضَاف اذا جلى بِهِ نزلت
…
وَلم يجد كاشفا مِنْهَا بمرصاد)
(لهف الْمُضَاف اذا حمل المغارم فى
…
نيل العلى أثقل الاعناق كالطاد)
(لهف الْمُضَاف اذا نَادَى الصَّرِيخ وَلم
…
يجد لَهُ مصرخا كالليث للصادى)
(لهف الْمُضَاف اذا الدَّهْر العصوف سَطَا
…
بضيم جَار لنزل الْعِزّ مقداد)
(بل لهف كل ذوى الآمال قاطبة
…
عَلَيْهِم خير مرتاد لمرتاد)
(كَانَت بهم تزدهى فى السّلم اندية
…
وفى الوغى كل قداد وهناد)
(على الارائك أقمار تضئ وَمن
…
تَحت الترائك آساد لمساد)
(تَشكوا عداهم اذا شاكى السِّلَاح بدا
…
شكّ القناما ضفا من نسج ابراد)
(الى النحور وَمَا تحوى الصُّدُور وَمَا
…
وارته فى جنحها ظلمات أجساد)
(بادوا فباد من الدُّنْيَا بأجمعها
…
من كَانَ فكاك أصفاد باصفاد)
(وَقد ذوت زهرَة الدُّنْيَا لفقدهم
…
وألبست بعدهمْ أَثوَاب احداد)
(واجتث غرس الامانى من فجيعتهم
…
وَأنْشد الدَّهْر تقنيطا لرواد)
(يَا ضيف أقفر بَيت المكرمات فَخذ
…
فى جمع رحلك واجمع فضلَة الزَّاد)
(يَا قلب لَا تبتئس من هول مصرعهم
…
وَعز نَفسك فى بوس وانكاد)
(بِمن غَدا خلفا يَا حبذا خلف
…
فى الْملك عَن خير آبَاء واجداد)
(بحائز ارثهم حاو مغافرهم
…
كَمَا حوى الالف من آحَاد أعداد)
(وَذَاكَ زيد أدام الله دولته
…
وزاده مِنْهُ تأييدا بامداد)
(سمابه النّسَب الوضاح حَيْثُ غَدا
…
طريفه جَامعا أشتات أتلاد)
(لقد حوى من رفيعات المكارم مَا
…
يكفى المثخن أحداد وأحفاد)
(أَلَيْسَ قد نَالَ ملكا فى شبيبته
…
مَا ناله من سعى أَعمار آباد)
(أَلَيْسَ فى وهج الهيجا مواقفه
…
مشكورة بَين أَعدَاء واضداد)
(أَلَيْسَ أسج بِالتَّنْعِيمِ سابحه
…
لج المنايا ليحيا قبل أجناد)
(أَلَيْسَ يثبت يَوْم اللَّيْث أَن لَهُ
…
وثبات لَيْث يزجى ذود نقاد)
(أَلَيْسَ يَوْم العطا تحكى أنامله
…
خلجان بَحر بفيض التبر مداد)
(أَلَيْسَ قد لَاحَ فى تأسيس دولته
…
من جده الْمُصْطَفى رمز بارشاد)
(دَامَت معاليه والنعمى بِذَاكَ لَهُ
…
مصونها وَهُوَ ملحوظ باسعاد)
(مَا لَاحَ برق وَمَا غنت على فنن
…
صوادح البان وَهنا شجوها بادى)
قَوْله أَلَيْسَ قد لَاحَ فى تأسيس دولته يُشِير بِهِ الى مَا وَقع للشريف زيد فانه لما وَردت الاوامر السُّلْطَانِيَّة بولايته الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ اذ ذَاك بِالْمَدِينَةِ المنورة قصد زِيَارَة النبى
فَأَرَادَ الخدم ان يفتحوا لَهُ الْبَاب فوجدوه مَفْتُوحًا وَكَانُوا قد أغلقوه من قبل فَعلم النَّاس انه اشارة الى الْفَتْح وَالظفر وَكَانَ الامر كَذَلِك وَكتب
الى القاضى تَاج الدّين المالكى
(سقى الدمع مغنى الوابلية الْحمى
…
سواجم تغنى جانبيه عَن الوبل)
(وَلَا بَرحت عينى تنوب عَن الحيا
…
بدمع على تِلْكَ المناهل منهل)
(مغانى الغوانى والشبيبة وَالصبَا
…
ومأوى الموالى وَالْعشيرَة والاهل)
وَقَالَ
(سَقَاهَا الحيا من أَربع وطلول
…
حكت دنفى من بعدهمْ ونحولى)
وَقَالَ
(سقى صوب الحياد منا
…
بجرعاء اللوا درسا)
(وَزَاد محلك المأنوس يَا دَار الْهوى أنسا
…
)
(لَئِن درست ربوعك فالهوى العذرى مَا درسا
…
)
وَقَالَ
(سقى بالصفا الربعى ربعابه الصِّبَا
…
وجاد بأجياد ثرى مِنْهُ ثروتى)
(مخيم لذاتى وسوق مآربى
…
وقبلة آمالى وموطن صبوتى)
انما الْمُحَافظَة على الرسوم والآداب والملاحظة للعوائد المألوفة فى افْتِتَاح الْخطاب لمن يملك أمره اذا اعتراه ذكر زَيْنَب والرباب وَلم تخل عقال عقله يدا لنوى والاغتراب وَلَيْسَت لمن كلما لَاحَ بارق ببرقة ثهمد فَكَانهُ أخوجنة مِمَّا يقوم وَيقْعد تتقاذفه أمواج الاحزان وتترامى بِهِ طوائح الهواجس الى كل مَكَان فَهُوَ وان كَانَ فِيمَا ترى الْعين قاطنا بحى من الاحياء
(يَوْمًا بحزوى وَيَوْما بالعقيق وبالعذيب يَوْمًا وَيَوْما بالخليصاء
…
)
لَا يأتلى مقسم العزمات منفصم عرى العزيمات لَا يقر قراره وَلَا يُرْجَى اصطباره ان روح الْقلب بُد كرّ المنحنى أَقَامَ الحنين حنايا ضلوعه أَو استروح روح الْفرج من ذكر الْخيف يمنى أَو مَضَت بوارق زفراته تحدو بِعَارِض دُمُوعه
(من تمنى مَالا وَحسن منال
…
فمناى منى واقصى مرادى)
فيا لَهُ من قلب لَا يهد أخفوقه ولاتنى لامعة بروقة وَلَا يبرح من شُمُول الاحزان صبوحه وغبوقه يساور همواماً فَمَا مساورة ضئيلة من الرقش ويناجى احزانا لَوْلَا بس بَعْضهَا الصخر الاصم لَا نهش ويركب من أخطار الوحشة أهوالا دونهَا ركُوب النعش يحن الى مَوَاضِع ايناسه ويرتاح الى مراتع غزلان صريمه وكاية وَينْدب أَيَّامًا يستثمر الطَّرب من أفنان اغراسه
(أَيَّام لَا الواشى بعد ضَلَالَة
…
ولهى عَلَيْهِ وَلَا العذول يؤنب)
غَيره
(أَيَّام ليى ترينى الشَّمْس طلعتها
…
بعد الْغُرُوب بَدَت فى افق ازرار)
غَيره
(أَيَّام شرخ شبابى رَوْضَة أنف
…
ماريع مِنْهُ بروع الشيب ويعانى)
(أَيَّام غصنى لدن من غضارته
…
أصبو الى غير جاراتى وخلانى)
غَيره
(ثمَّ انْقَضتْ تِلْكَ السنون وَأَهْلهَا
…
فَكَأَنَّهَا وكانهم أَحْلَام)
غَيره
(لم يبْق مِنْهَا مشتاق اذا ذكرا
…
الا لواعج فكر تبْعَث الفكرا)
غَيره
(وَلم يبْق منى الشوق الا تفكرى
…
فَلَو شِئْت أَن أبكى بَكَيْت تفكرا)
لم أكن على مُفَارقَة الاحباب جلدا فَأَقُول وهى جلدى وانما وهى تجلدى مِمَّا حملت النوائب على كندى وفتت صرف الْبَين المشت من أفلاذ كبدى
(جربت من صرف دهرى كل نائبة
…
أَمر من فرقة الاحباب لم أجد)
غَيره
(فراقا قضى أَن لَا تأسى بَعْدَمَا
…
مضى منجدا صبرى وأوغلت مُتَّهمًا)
(وفجعه بَين مثل صرعة مَالك
…
ويقبح بى أَن لَا أكون متمما)
(خليلى ان لم تسعدانى على البكا
…
فَلَا أَنْتُمَا منى وَلَا أَنا مِنْكُمَا)
(وحسنتما لى سلوة وتناسيا
…
وَلم تذكرا كَيفَ السَّبِيل اليهما)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْهِنْدِ فى سنة خمسين وَألف
مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَعْرُوف بالحتاتى المصرى الاديب الشَّاعِر الْكَاتِب الْمَشْهُور كَانَ من أَعْيَان الْفُضَلَاء وبلغاء الشُّعَرَاء وَله شعر رَقِيق فى نِهَايَة الْحسن والجودة وَكَانَ ظريف الطَّبْع خليعا طروبا وَله فى الطِّبّ بَاعَ طَوِيل أَخذ عَن عُلَمَاء مصر ثمَّ دخل الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة وَولى قَضَاء أسيوط والجيزة فى نواحى مصر وَذكره الخفاجى فى الخبايا فَقَالَ فى حَقه أديب فَاضل رَقِيق شملة الشَّمَائِل جم المناقب صنو درارى الْكَوَاكِب ان كَانَ الادب روضا فَهُوَ ونواره أَو الْفضل يدا وساعد فَهُوَ سواره قطف ثَمَر الْمجد غض الجنا وكل من عجل الْغِرَاس اجتنى وَهُوَ مَعَ أَن ربع الْكَرم هشيم الحاطم مجذب روض رَبِيعه وسلسال معاليه مغدق مخصب وَله فى الطِّبّ يَد كَثِيرَة الايادى وطبع مُفِيد العناصر والمبادى وبدائع مجريات شهِدت لَهَا الاسباب والعلامات وفكر ألمعى لم يلم بِهِ ألم عى وموثق خطّ يسند وَحَدِيث مجد الى المعالى مُسْند وَشعر رَقِيق ونثر هُوَ الْمسك الفتيق وأدب يجل وَلَا يمل كتنفس الريحان اذا بَكَى الطل يتَغَنَّى بِهِ كل حاد وملاح ونثر يترقرق ترقرق الدُّمُوع فى خدود الملاح وَكَانَ فى صباه بِمصْر لَا زَالَت السحب تحط بحماه أثقالها مجدا فى كسب المحامد والمعالى لَا ترد سؤالها ثمَّ أتهم وأنجد وديباجة حَاله
بالرحيل تتجدد وَلم يزل مغربا ومشرقا حَتَّى اتخذ الرّوم لشمسه أفقا فنعمت فِيهَا باجتناء فواكه محاوراته أزرف من زهر الْعُلُوم مونقه فطوقنى قلادة من مدائحه وعقدا من مطارحاته أكسد سوق الدّرّ مَا ينمقه مَا بَين جد أسكر ابْنة الزرجون وهزل اغتبقت واصطبحت مِنْهُ بسلافة المجون
(هُوَ الضَّيْف سمعى لَهُ منزل
…
وقلبى فرش وحبى قرا)
ثمَّ أنْشد لَهُ قَوْله من قصيدة طَوِيلَة
(أسترجع الله أحلا مَا مضين لنا
…
فى غَفلَة الدَّهْر أَو فى يقظة الْعُمر)
(حَيْثُ التصابى مَعْقُود اللِّوَاء على
…
جَيش من اللَّهْو بَين الا من وَالظفر)
(أَيَّام كَانَت شموس الصفو تلمع من
…
أفق الاسارير والكاسات والثغر)
(والانس تطفح عندى صفحتاه وان
…
طَغى رقيبى رَمَاه الكاس بالشرر)
(كأننى كنت فى دَار النَّعيم مَتى
…
مَا جال للنَّفس سؤل لَاحَ للنَّظَر)
(لَا غول فِيهَا وَلَا لَغوا وَلَا كدر
…
سوى السلاف وَصَوت الناى وَالْقصر)
(فكم لَيَال كست بدر الدجى شرفا
…
تمنت الشَّمْس فِيهِ رُتْبَة الْقدر)
(أهْدى لنا ضوأه لحفا بطائنها
…
ريح الصِّبَا وافترشنا زهرَة الزهر)
(وَكم ركبنَا بهَا دهما قلائدها
…
شهب النُّجُوم على الاحجال وَالْغرر)
(نبيت فِيهَا نشاوى خمرة وصبا
…
غرقى الممرات فى ورد وفى صدر)
(لَا نَعْرِف الحقد الا للصباح وَقد
…
أضحت تنم علينا غفوة السحر)
(وَكَانَ يرقب ليلاتى ويسبقها
…
على المجر وان لم تمض لم يسر)
(تِلْكَ الليالى الَّتِى لَو أنصفت وصلت
…
بِالروحِ بعد سُوَيْد الْقلب وَالْبَصَر)
(مَضَت سرَاعًا بأحباب عرفت بهم
…
حَال المُرَاد اذا حَالَتْ عَن الصُّور)
(واسود وَجه شبابى بعد نضرته
…
بأبيض الشهب لَا باللؤم والخور)
(أرى حداد الليالى بعد بَينهم
…
شبيبتى وحدادى أَبيض الشّعْر)
(أبكى ويبكيهم دَوْمًا اذا ذكرُوا
…
بأعين النَّجْم دمع الهاطل الْمَطَر)
(فَلم تعض عَنْهُم نجم وَلَا قمر
…
وَلَا شموس وَلَا زاك من الْبشر)
(سوى الشهَاب أَبى الْعَبَّاس سيدنَا
…
الْمولى المفدى بِأَهْل البدو والحضر)
(يحيا بِهِ دارس للْعلم حِين غَدا
…
مُجَدد الدّين والآداب والفقر)
(لوعا صر الاربع الاوتاد لَا نعقد الاجماع مِنْهُم على آرائه الْغرَر
…
)
(شَقِيق نعْمَان لَوْلَا ورد بهجته
…
ثانى الشَّقِيق وحمر الخاطر الْعطر)
(يعطيك مَا هية الاشيا ويسلبها
…
سحر الْمجَاز بِمَعْنى فِيهِ مبتكر)
(لم ألق فى الْمَلأ الادنى وفى الْمَلأ الْأَعْلَى شَبِيها لَهُ فاستجل واختبر
…
)
(عَلامَة الدَّهْر فى كل الْعُلُوم لَدَى
…
كل العصور وَلَيْسَ الْخَبَر كالخبر)
(عَرفته سيدا مولى أصُول بِهِ
…
على الزَّمَان وأغد وَخير منتصر)
(ايه نَصَحْتُك قلبى فَهُوَ عروتك الوثقى تمسك بِهِ فى الْخطب وَاقْتصر
…
)
(وناد نَفسك ان جَاشَتْ لنائبة
…
واستبدلت لعلاها الْيَأْس بالوطر)
(لَا يذهب الصَّبْر مَا لاقيت واعتمدى
…
على معاليه بعد الله وَالْقدر)
(واستقبلى الْمجد من علياء همته
…
فانها فى مضاء الصارم الذّكر)
(طلق الجبين بِهِ اسْتغنى زَمَانك عَن
…
شمس الضُّحَى وأبى اسحق وَالْقَمَر)
(واستوكفى سَبَب كفيه يفيك بِمَا
…
مِنْهُ البحور تمنت زِينَة الْمَطَر)
ثمَّ قَالَ وَكنت نظمت بِالشَّام قصيدة طَوِيلَة طائبة أَولهَا
(نثار نور دوح قد تمطى
…
وَألقى برده صبح تغطى)
(وَقد عطس الصَّباح فشمتته
…
حمائم قد كساها الْخَزّ مِرْطًا)
فَلَمَّا وقف عَلَيْهَا أعجب بهَا وعارضها بقصيدة بديعة وأرسلها الى وهى هَذِه
(كسا الرَّوْض من رياه ريح الصِّبَا مِرْطًا
…
فَأَثْقَله واعتل فاعتمد الابطا)
(أرى الدوح مفتون النسيم فراقص
…
يصفق ان وافى ويطرق ان شطا)
(يمد لَهُ من حليه وثيابه
…
وتيجانه من تَحت أَخْمُصُهُ بسطا)
(وَكم من أياد للنسيم على الربى
…
فيرقدها شطا ويوقظا نشطا)
(يهذبها بالغيث تَهْذِيب مصحف
…
فيعر بهَا شكلا ويعجمها نقطا)
(لذاك نَبَات الرَّوْض شقَّتْ على الْهوى
…
جيوبا وحلت عقد أزرارها شرطا)
(لتلثمه خدا وترشفه فَمَا
…
وتنشقه مَا الْمسك عَن عرفه انحطا)
(وَمن قبل شَرط العقد بَث أريجها
…
وَشرط الْهوى أَن الجزا يسْبق الشرطا)
(كَانَ الغصون الْعرس وَالرِّيح بَعْلهَا
…
اذا اعتلقا اهتزا وأوراقها تلطا)
(وان أَعرَضت عَنْهَا ثناها بفرعها
…
اليه وَأَدْنَاهَا وأضجعها ضغطا)
(تجاذب ذَات الطوق لَكِن تهزها
…
وتسمعها هزا قلائدها لقطا)
(ومذ صَار خلخالاً لَهَا النَّهر لم ينم
…
وَمن شطه بالسق دَار وَمَا غطا)
(وهم زَعَمُوا أَن الْكَوَاكِب جديها
…
يهيم وَلم يرقد فَمَا باله غطا)
(رعى الله لَيْلًا بَات للنهر والهوى
…
وللحب أَرضًا قد عشقت بهَا السخطا)
(أردْت بِلَا شط أرَاهُ وَمن يبت
…
على النَّهر مِمَّن يشتهيه يرى الشطا)
(غزال بِفِيهِ الْمسك والشهد والطلا
…
فَلَو ذقتها استبشعت قَوْلهم اسفنطا)
(رشا شعره لما بدا من خلاله
…
وميض الطلا وانساب كالحية الرقطا)
(طَوِيل دجوجى لحظ عميده
…
وَلَيْلَته ان غَابَ أَو منع الوأطا)
(لحاجبه المجذوب رَاء ممانع
…
ومقلته ترمى فتجذبنا قمطا)
(يلاط بمغناطيسها الْقلب والنهى الْحَدِيد فان تفككه عَنهُ بِهِ لطا
…
)
(بثغر يُعِيد اللَّيْل صبحا كَأَنَّمَا
…
حباه شهَاب الدّين من شعره سمطا)
(مليك العلى ان كنت تعرف مَا العلى
…
والافجر الْفضل ان كنت مشتطا)
(همام لَهُ سبق الاوائل آخرا
…
ورحل العلى وَالْعلم فى بَابه حطا)
(مجيد كَانَ الْفضل عكس أشعة اختياراته اللاتى غَدَتْ خلقا سبطا
…
)
(فقس لَدَيْهِ بَاقِل وقدامه
…
اذا مَا رَآهُ امتاز من دره لقطا)
(كَذَلِك كَعْب وامرؤ الْقَيْس لَو درى
…
طَرِيقَته المثلى لما ندب السقطا)
(وَلَو حذوه يحذو الامام أَبُو الْعلَا
…
لَا ورى لَهُ الزند الْكَوَاكِب لَا السقطا)
(لَئِن عَلقُوا بِالْبَيْتِ شعرًا فشعره
…
تعلّقت الافلاك فى بَيته ربطا)
(وَلَو كَانَ عقد الدَّهْر جيد شعرهم
…
لكَانَتْ بِهِ أشعاره الدرة الْوُسْطَى)
(هى التَّاج والاكليل فى مفرق العلى
…
وفى أذن الايام أعرفهَا قرطا)
(وَمن لى بِأَن أحصى ثَنَاء وَقد غَدا
…
كَمَال الورى من عشر أَوْصَافه قسطا)
(أمولاى ان الشّعْر عبد ملكته
…
ففى مَذْهَب الْآدَاب تحرزه ضبطا)
(لمجدك حمد من معَان وهبتها البلاغة لم ترض النُّجُوم لَهَا رهطا
…
)
(يَصِيح على الكندى يَا لخفاجة
…
ويسحب سحبان على وَجهه مِرْطًا)
(وعذرا وحيد النسج ان بمهجتى
…
ضنى من أسى الايام أحرقها خمطا)
(فؤاد كبيت العنكبوت مُقَلِّب
…
على الْجَمْر محزون بِسيف القلا قطا)
(وبى من صروف الدَّهْر مَا الْمَوْت دونه
…
وَمَا الْمَوْت عَن خطب وَلَو هان منحطا)
(زمَان لَهُ حقد الْقَدِير فباطش
…
بِنَا لَا يرى شَيخا وَلَا لحية شُمْطًا)
(فَمَا الرجل المكتوف ملقى بزاخر
…
خضم وَلم يقْض مُضْطَر باخيطا)
(بأنكس من حالى وَقد ظلّ مطلبى
…
رهين لئيم يملك الْمَنْع والاعطا)
(يدافعنى عَنهُ مدافعة النَّوَى
…
وَلَو أمكنته فرْصَة غالنى سرطا)
(وَمَا سابح فى بَحر بيداء موجها الهجير صدى لم يُصَادف بهَا وقطا
…
)
(على فرق ان سَار أَو عَاد أَو ثوى
…
وحيدا بهَا والوحش فى صُحْبَة غطا)
(بأحير منى بَين قوم أبرهم
…
تضيع حُقُوق الْفضل من عده عمطا)
(عِصَابَة سوء بَين جهل مشيد المبانى ولؤم حط قدر العلى حطا
…
)
(وَقد قرؤا أَن لَا تؤدوى مَكَان أَن
…
تُؤَدُّوا وَقَالُوا ان لَا حذفت خطا)
(فَلَو أنصفوا غبا ودع عَنْك عدلهم
…
لما ضقت ذرعا اذ أَتَى جَوْرهمْ فرطا)
(فان خذلوا فَالله بالنصر مدرك
…
وَقد تهب الايام فى قبضهَا بسطا)
(وَلست بِمن يبكى على حلم يرى
…
ويمضى وَقد أبقى لَهُ الْوزر والوهطا)
(يموه وَجه الذل بالعز خدعة
…
وَمن قبل مَا أعطَاهُ يَأْخُذ مَا أعْطى)
(فَمن عرف الدُّنْيَا اطْمَأَن لنأيها
…
وَذُو الْعقل لم يُنكر دنوا وَلَا شحطا)
(وعفوا فدتك النَّفس يَا خير سيد
…
وَيَا عَالما والى النَّبِيين والسبطا)
(فَمَا نفثه المصدور مِمَّا تعافه الْكِرَام وَلَو ألوت على وَجهه أرطا
…
)
(وَدم بَاقِيا للنظم والنثر والندى
…
فلولاك للآداب غيثا قَضَت قحطا)
(تَدور رحى الافلاك دهر بِمَا ترى
…
وَمَا تشْتَهى ان كَانَ رفعا وان حطا)
(وعمرت أَعمار النسور على رضَا
…
وَبَلغت حسن الْخَتْم مَا قلم خطا)
وَلما أنفذها الى كتبت اليه
(أيا بَحر فضل من اللطف يصفو
…
حلا بِفَم السّمع لى مِنْهُ رشف)
(لقد حكت شعرًا رَقِيق المبانى
…
دَقِيق الْمعَانى عَلَيْهِ يشف)
(عروس أحلّت نِكَاح الشّغَار
…
بِغَيْر مُهُور الينا تزف)
(وَقد رسب الدّرّ من خجلة
…
لَهُ اذ رأى فَوْقه الدّرّ يطفو)
(بطبك يشفى مزاج الوداد
…
بِغَيْر علاج وَمَا فِيهِ ضعف)
(وَمَا اعتل ريح الصِّبَا مذ غَدا
…
رسولى لكنه فِيهِ لطف)
(لبحرك ورد حلا للنهى
…
عَلَيْهِ الْقُلُوب طيور ترف)
(فيا خدن روحى وَمن شكره
…
يقصر عَنهُ نعوت وَوصف)
(لانت حياتى وَلكنهَا
…
تبدل مِنْهَا على الْيَأْس حرف)
(وَقد جدت لى بنضار القريض
…
وللفكر نقد وللدهر صرف)
(ترنم فِيهِ هزار الْمعَانى
…
وأقفاصه فى سطور تصف)
(وَشعر بِشعر رَبًّا لم يجز
…
وَلَكِن مولاى للفضل يعْفُو)
(فقابل رياحينه بِالْقبُولِ
…
كَمَا سنّ مَا طَابَ للشكر عرف)
(فَلَا زلت روضا بِهِ أنيعت
…
ثمار الامانى ولى مِنْهُ قطف)
فَأجَاب
(أعذب نمير من الود يصفو
…
عَلَيْهِ مُنِير من الدّرّ يطفو
(أشعر لَهُ نشوة الْخمر مِنْهُ
…
لقلبى ولبى بأذنى رشف)
(أم الرَّوْض وشته سحب والا
…
على وجنه الْورْد للطل لطف)
(أصب صبا أم مشت جنَّة الْخلد أم أعين الْعين حور ووطف)
(حسان سبت سحرها روتها
…
لَهَا كل قلب أَسِير والف)
(أنظم بدا أم عُقُود اللآل
…
وصفو الليالى وهيهات تصفو)
(أفى قالب الشّعْر قد أفرغ الْحسن أم صَار وَجها لَهُ الشّعْر طرف
…
)
(أم السَّبْعَة الشهب أمست قريضا
…
والا أتتنا من الشَّمْس صحف)
(والا أَتَانَا من الْعَرْش شعر
…
والا اصطفانا من الوحى صنف)
(تحدى الْعُقُول باعجاز شعر
…
زها لم يُعَارضهُ شرع وَعرف)
(أأنفاس عِيسَى وآيات مُوسَى
…
أم الطّور والنور معنى وحرف)
(متين الْمعَانى رصيف المبانى
…
عَلَيْهِ من الْمجد ثوب يشف)
(بِهِ الرّوح حى فأهدى حياتى
…
وَمِنْه حبائى علاهُ محف)
(وَلَا بدع أَن تولنى حبوة
…
يدمنه حازت فؤادا يرف)
(مليك على الْفَخر مَا من كَمَال
…
لَدَى النَّاس الا لعلياه وصف)
(بليغ بأشعاره تنطق الْبكم لَكِن لَدَيْهِ لَهَا الْعَرَب غلف
…
)
(فصيح تداوى بألفاظه الصم وَالْمَيِّت يحييه من فِيهِ هتف
…
)
(فَلَو شَاءَ بالشعر انبات روض
…
على اليم أضحى ولى مِنْهُ قطف)
(وَلم تلق كُفؤًا بَنَات براها
…
لَهَا الشَّمْس أيد بهَا الْبَدْر وقف)
(فكم من فحول أنابت لَدَيْهَا
…
وَكم من مليك لَدَيْهَا مسف)
(وَأهل الْمعَانى كَأَهل الغوانى
…
اذا مس قحط لعنين زفوا)
(أمولاى من للموالى عماد
…
وللفخر وَالْمجد نجد وكهف)
(رَأينَا بك الشّعْر فَوق الثريا
…
فَلم يدننا مِنْهُ وزن وزحف)
(وأرصدت مِنْهُ عَلَيْهَا شهابا
…
فَلم يستقم للشياطين خطف)
(وَلَو أدْركْت عين فكرى ثراه
…
فهيهات مِنْهَا وللدهر عنف)
(وَلَو ساجلتنا حروب لَدَيْهِ
…
وَلَكِن علينا اذا رق ضعف)
(ولولاك مَا فهت بالشعر كلا
…
وَلَا كَانَ قلبى الى النّظم يهفو)
(ولكننى قد شممت ابتصارا
…
بعلياك انى لعلياك حلف)
(يناجيك قلبى فتجلود جاه
…
وللخطب بالبيض ان يدج كشف)
(ولاحت بفكرى معانيك بيضًا
…
كَمَا لَاحَ للبرق فى اللَّيْل سجف)
(أمولاى مالان للدهر عطف
…
أما آن مِنْهُ على الْمجد عطف)
(وَقبل تمنى ذووا الْفضل مِنْهُ
…
جنونا فَقَالُوا عَسى الدَّهْر يصفو)
(أَبى الْعدْل وزنا وَأولى صروفا
…
ولى مِنْهُ صدع وَمنع وَصرف)
(وذنبى لَدَيْهِ لِسَان قؤل
…
وَأما ضميرى فوَاللَّه عف)
(وأشنا من الدَّهْر أهلوه غدرا
…
ندير هَوَاهُ وفى الْخَبَر حتف)
(فكم من مشير على الْحبّ يعْصى
…
وَكم من قَبِيح على الْحسن يجفو)
(فَمَعْنَى صديق عَدو مداج
…
وَمعنى رَفِيق حنين وخف)
(وَمعنى كَبِير دنئ وَكبر
…
ففى المَاء است وفى الاوج أنف)
(وَمعنى عَظِيم طويس بغاء
…
لَهُ اذ يرى الا يرغشى ونزف)
(وَمعنى عليم جواد وطى
…
وتيس لَدَيْهِ كتاب وَعرف)
(سقى الله عصرا تسنمت فِيهِ
…
نُجُوم الامانى بِوَطْء يخف)
(وليلا تمتعت فِيهِ بصحب
…
كصبح لَهَا اللطف وَالْمجد ظرف)
(وحور وَعين ودهر معِين
…
بِنَجْم وَبدر وشمس تزف)
(زمَان كَمَا شِئْت طلق الْمحيا
…
وريعان عمر على الصفو وقف)
(فعوضت عَن أنسه وَحْشَة
…
فَمَا تنتهى بجوى وَلَا يكف)
(فرعيا وسقيا لَهُ من زمَان
…
تبكيه عينى دمالا يجِف)
(فيا حسرتى هَل لماضيه عود
…
وَيَا لهف قلبى وَلم يجد لهف)
(مضى فابق لى عَنهُ دهرا وفيا
…
وَمولى صفيا يفْدِيه ألف)
(اماما على النثر وَالنّظم برا
…
وبحرا لنا من أياديه غرف)
(وَدم تكس شعرى بمدحك حليا
…
وان أجن ذَنبا فَلَا زلت تَعْفُو)
(وَلَا زلت تَغْدُو بديع الْمعَانى
…
بَيَانا وَيَغْدُو لَهَا مِنْك لطف)
وَذكره البديعى فى ذكرى حبيب وَقَالَ فى وَصفه كَاتب كَأَنَّمَا اقتبس نَفسه من مقل الغوانى وشاعر كَلِمَاته أوقع فى الاسماع من ايقاع المثالث والمثانى بِأَلْفَاظ كأيام الشَّبَاب وَمَعَان كمذاكرة الاحباب وَلم يزل الى أَن أثخته سِهَام المنيه قَائِلا تَحت ظلال الدوحة الاكشمية وَقد ابتدع فى هَذَا الْبَاب من النَّوَادِر مَا اسْتوْجبَ ان يكون لَهُ قَول الشَّاعِر
(وَكنت فَتى من جند ابليس فارتمت
…
بى الْحَال حَتَّى صَار ابليس من جندى)
ثمَّ أنْشد لَهُ من شعره الزاهى قَوْله من قصيدة
(اليك بعثت الرّوح رقاء تصدح
…
لتعرب متن الشوق عَنى وتشرح)
(رمانى النَّوَى والبعد عَنْكُم بأسهم
…
لَهَا كل أعضائى قُلُوب تشرح)
(بعينى ظما للبارد العذب قربكم
…
وانسانها فى مُطلق الدمع يسبح)
(فان تَكُ عَن عينى القريحة نَائِيا
…
فَأَنت بروض الْفِكر وَالْقلب تمرح)
(سقى الله وَدَار بِعْهُ سفح مهجتى
…
وعهدا على حقيه أَمْسَى وَأصْبح)
(وَحيا ادكاراً بِالصديقِ وان يكن
…
بِسيف تنائيه دم الْقلب يسفح)
(لَئِن صرف الاحباب وَجه ودادهم
…
فَوجه ودادى عَنْهُم لَيْسَ يبرح)
(وان جنحوا للحرب عزا وجفوة
…
فلست لغير الذل وَالسّلم أجنح)
(وان سمحوا لى باللقا فبتر بهم
…
لغير جفونى حُرْمَة لست أَمسَح)
(وان غضبوا صالحتهم وخضعت فى
…
رضاهم فان الْكبر بالحب يقْدَح)
(يذموننى والذنب هم ومحبتى
…
على أننى لَا أَبْرَح الدَّهْر أمدح)
(ففى الْقرب والابعاد نشر تَحِيَّة
…
تحفهم من روض قلبى وتمنح)
وَمن // جيد شعره // قَوْله
(نظرت إِلَيْهَا ثمَّ للشمس فى الضُّحَى
…
ليظْهر وَجه الْفرق فى الْوَجْه وَالْفرق)
(فلاحت كَمَا يَبْدُو سواهَا لمن رأى
…
سناها وهمت بِالرُّجُوعِ الى الشرق)
(تأثر مِنْهَا وَجههَا مثل مَا بهَا
…
تأثر وَجه السافرين على الطّرق)
وَقَوله فى الْغَزل
(أجل الله اعطاف الحبيب
…
وأينع قامة الْغُصْن الرطيب)
(وَأنْبت وردهَا غضا طريا
…
وسيجه بريحان الْقُلُوب)
(وَلَا زَالَت شمائله نشاوى
…
مرنحة كغصن فى كثيب)
(وعطفها نسيم الشوق حَتَّى
…
تميل الى معانقة الكئيب)
(وروى أرْضهَا سَحا مطيرا
…
بغيث من سما جفن نحيب)
وَقَوله
(أَرَاك طروبا عِنْد وَقع النوائب
…
ضحوكاً كوجه السَّيْف فى كف قاطب)
(لعوبا بعقل الصب توعده المنى
…
بخوض المنايا فى مبارى السباسب)
(فريدا وَشَمل الْمجد مِنْك اجتماعه
…
جليدا على فقد المنى والحبائب)
(مرود الْجَيْش الْخطب حَربًا لسلمه
…
كَأَنَّك ضد الدَّهْر حلف النوائب)
وَمِمَّا ادَّعَاهُ لنَفسِهِ
(شوقى اليك وَقد تناءت دَارنَا
…
شوق الْغَرِيب الى ملاعب تربه)
(أَو شوق ظمآن ألم بمنهل
…
منعته أَطْرَاف القنا عَن شربه)
وَله فى ضمن مُكَاتبَة
(نعم أتتك فَلَا خضاب الْموعد
…
متنصل بندى اعتذار المجتدى)
(جاءتك تدرع السُّعُود كَأَنَّهَا
…
غُصْن من الْيَاقُوت تَحت زبرجد)
وَله على لِسَان جَامع مهجور
(واحسرتا والذل حِين يمر بى
…
وَيُقَال هَذَا جَامع مهجور)
(لَو كنت فى أيدى النَّصَارَى بيعَة
…
لبكى على القس والسابور)
وَله فى الاقتباس
(أَقُول لذات حسن قد تَوَارَتْ
…
مَخَافَة كاشح فى الحى كامن)
(أرينى وَجهك الوضاح قَالَت
…
ألم تؤمن فَقلت بلَى وَلَكِن)
وَله معمى فى اسْم مُوسَى
(أَقُول لمالحى عذولى
…
ولوم من هام لَيْسَ يجدى)
(بالثغر والصدغ والثنايا
…
وَمَا بلحظ الحبيب وجدى)
وَله الابيات الْمَشْهُورَة الَّتِى قَالَهَا فى مرجة دمشق فى قَدمته اليها مدرسا بالشامية البرانية فى سنة اثْنَتَيْنِ وَعشْرين وَألف والابيات هى هَذِه
(بصبا المرجة المبلل ذيله
…
علل الْقلب عل يبرد ويله)
(وَاد كرّ يَوْمنَا بيومى حبيب
…
سلفا والسلاف تركض خيله)
(ونديم وَقت حَوَاشِيه لطفا
…
وبحكم الْهوى تحجب نيله)
(جِئْت من تَحت ذيله مستجيرا
…
والتجنى على يسحب ذيله)
وَله غير ذَلِك مِمَّا يروق ويشوق وَكَانَت وَفَاته بالجيزة وَهُوَ قَاض بهَا فى سنة احدى وَخمسين ألف مُحَمَّد بن أَحْمد بن سَلامَة الاحمدى الشافعى الْبَصِير الشهير بسيبويه كَانَ عَالما تحريرا محققا عَارِفًا بِجَمِيعِ الْعُلُوم النقلية والعقلية متقنا لَهَا وَلكنه اشْتهر بِالْعَرَبِيَّةِ لغلبتها عَلَيْهِ وَكَثْرَة اقرائه لَهَا وَكَانَ مرجعا لحل المشكلات العلمية واذا قرر الْمسَائِل تظهر للطلبة بِأَدْنَى اشارة وتنطبع فى قُلُوبهم وَذَلِكَ لانه جمع الله تَعَالَى لَهُ بَين الْعلم وَالْولَايَة وكل من قَرَأَ عَلَيْهِ نَفعه الله تَعَالَى وكل من خدمه خدمَة مَا أسعده الله تَعَالَى دينا وَدُنْيا وَمَا بشر أحدا بشئ الا ناله الْبَتَّةَ وَكَانَ عزباً لَا يخرج من جَامع الازهر الا اذا تعطلت فسقيه الْجَامِع فَيخرج لاقرب مَكَان لقَضَاء الْحَاجة وَكَانَ ملبسه فى الصَّيف والشتاء جُبَّة حَمْرَاء وَكَانَ من الزّهْد فى الدُّنْيَا بِحَيْثُ لَا يَأْخُذ من أحد شَيْئا الا بِقدر الضَّرُورَة وَيَأْكُل من مُرَتّب الْجَامِع ظهرا وعصرا وَكَانَ يَعْتَرِيه فى بعض أوقاته سكُوت فَلَا يقدر أحد أَن يبتدئه بِكَلَام حَتَّى يكون هُوَ البادى وكل من بدأه بِكَلَام مُتَعَمدا حصلت لَهُ متعبة دنيوية بالتجربة وَعرف ذَلِك عِنْد غَالب النَّاس وَكَانَ الْغَالِب عَلَيْهِ الْجمال لَا يرى متكدرا بل منشرح الصَّدْر متبلجا مداعبا وَلَا تذكر الدُّنْيَا عِنْده بِحَال لَا يعرفهَا وَلَا يعرف أَحْوَال أَهلهَا وَالْغَالِب عَلَيْهِ سَلامَة الصَّدْر فَلَا يظنّ بِالنَّاسِ الا خيرا واذا قَرَأَ عَلَيْهِ أحد وَلَو درسا وَاحِدًا يسْأَله عَن اسْمه وَاسم أَبِيه وَلَا يزَال يذكرهُ وَيسْأل عَنهُ واذا غَابَ عَنهُ سِنِين وَجَاء اليه يعرفهُ بِمُجَرَّد تكَلمه مَعَه وَلَا يغيب عَنهُ ذهنه وَكَانَ اذا فرغ من الدَّرْس يشْتَغل بِتِلَاوَة الْقُرْآن وَلم يتَخَلَّف فى سَائِر الاوقات عَن صَلَاة الْجَمَاعَة فى الصَّفّ الاول بالازهر وَيقوم فِيهِ من النّصْف الآخر وَلَا يزَال يتهجد حَتَّى يصلى الصُّبْح مَعَ الْجَمَاعَة وَبعدهَا يقْرَأ النَّاس عَلَيْهِ فى القراآت الى طُلُوع الشَّمْس فَيذْهب حِينَئِذٍ الى فسقية الْجَامِع وَيتَوَضَّأ وَيجْلس للتدريس الى قبيل الظّهْر هَذَا دأبه طول عمره الى أَن نَقله الله الى دَار كرامته قَرَأَ فى بدايته على شُيُوخ كثيرين مِنْهُم الْعَلامَة الشهَاب أَحْمد بن قَاسم العبادى وَأَبُو بكر الشنوانى وَعنهُ أَخذ أكَابِر الشُّيُوخ كَالشَّمْسِ البابلى والنور الشبراملسى وَيس بن زين الحمصى وشاهين الارمناوى وَيحيى الشهاوى وَمُحَمّد
المنزلاوى وَمَنْصُور الطوخى مُحَمَّد بن عَتيق الحمصى وَغَيرهم وَلم يمت أحد أَخذ عَنهُ الا بِخَير وكراماته كَثِيرَة شهيرة وَكَانَت وَفَاته فى نَيف وَخمسين وَألف وَلم يخلف درهما وَلَا دِينَارا الا ثِيَابه الَّتِى عَلَيْهِ وَدفن بتربة المجاورين وَلما مَاتَ سمع النَّاس قَائِلا يَقُول وهم فى جنَازَته مَاتَ الْعلم الْخَالِص لوجه الله تَعَالَى وَذهب الزّهْد فِيمَا بَين النَّاس بعد مُحَمَّد انا لله وانا اليه رَاجِعُون فَضَجَّ النَّاس وصاحوا وَبكوا ذكره البابلى فَقَالَ مَا رَأينَا فى شُيُوخنَا أثبت قدما فى الزّهْد مِنْهُ وَجَمِيع مَا نَحن فِيهِ من بركته وَقَالَ بعض الشُّيُوخ انه أمة قد خلت رَحمَه الله تَعَالَى ورضى عَنهُ
السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن عز الدّين بن الْحُسَيْن بن عز الدّين بن الامام الْحسن بن الامام عز الدّين قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال هُوَ الْمَعْرُوف فى ألسن الْعَامَّة بِابْن العنزلان أمه مَاتَت وَهُوَ يرضع فعطف الله تَعَالَى عَلَيْهِ عَنْزًا كَانَت عِنْد حَاجته تنفرد عَن الْغنم من المرعى وتجرى حَتَّى تدخل عَلَيْهِ ثمَّ تنفجح لَهُ حَتَّى يُمكنهُ الارتضاع كَانَ من عباد الله الصَّالِحين وَأهل التَّقْوَى وَالْعقد على طَريقَة أهل الطَّرِيقَة كثير الصمت قَلِيل الضحك لم تسمع لَهُ قهقهة وَكَانَ فى أَيَّام شبيبته يعتزل النِّسَاء ويمضى فى الشعاب وَالْجِبَال متخليا متعبدا ثمَّ يعود الى مَسْكَنه بربيع وَكَانَ لَهُ أَصْحَاب صَالِحُونَ يتبركون بخدمته ولقائه ويصفون عَنهُ تمَكنا فى علم الاسماء وَأَنه كَانَ يأتى من الْمَسْجِد فيغلق مَكَانَهُ على سَبِيل الممازحة سويعة ثمَّ يَفْتَحهُ وَهُوَ متبسم وَلَا يعرف الفاتح وَلَا المغلق وَلَا يرى ويروى عَنهُ أَنه تمكن من الصَّنْعَة وَأَنه اسْتَأْجر حَاجا لابيه وَأَعْطَاهُ أُجْرَة من الْفضة الْخَالِصَة المعدنية وَكَانَت لَهُ فكرة عَجِيبَة فى كل شئ وَعمل ناظورا يدْرك بِهِ الْبعيد فأبصر بِهِ من صعدة الى ربيع أَو من ربيع الى صعدة وَالْحكم وَاحِد مولده بِبَيْت الوادى ربيع من أَعمال صعدة فى ثانى ذى الْقعدَة سنة ألف من الْهِجْرَة وَشرح قصيدة الإِمَام الْهَادِي عز الدّين بن الْحُسَيْن الرائية وفيهَا معرفَة الْمَوَاقِيت تكلم على مواد نافعة من علم الْفلك وَمَا يحققونه من الْكُسُوف غير متعرض للاحكام صانه الله عَنْهَا وأعمال الرّبع الْمُجيب وَكَانَت وَفَاته بِهِجْرَة قلله مُسْتَقر سلفه فى رَابِع عشرى ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث وَخمسين وَألف وَدفن فى قبَّة جده الامام عز الدّين بن الْحسن الى جنب السَّيِّد الْحسن بن يحيى بن الامام الْحسن الى جِهَة الْيَمين رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن قَاسم الشهير بالقاسمى الحلبى الْفَاضِل الاديب الْمَشْهُور نادرة
الزَّمَان وفريد الْعَصْر كَانَ غزير الْفضل لطيف الطَّبْع فاق على أهل عصره بصنعة النّظم والنثر ذكره الخفاجى فى الريحانة والخبايا وَأثْنى عَلَيْهِ كثيرا وَذكر مَا جرى بَينه وَبَينه من المراسلة وَقَالَ البديعى فى وَصفه مَعْدن الْملح والطرف وينبوع النكت والتحف وجاحظ زَمَانه وحافظ أَوَانه وَلَا يخفى طول بَاعه فى فنون الادب وأنواعه فأسرار البلاغة لَا تُؤْخَذ الا مِنْهُ وَدَلَائِل الاعجاز لَا تروى الا عَنهُ مَعَ دماثة أَخْلَاق تعيد ذَاهِب الصِّبَا ورقة دعابة كَأَنَّمَا انتسخها من صحيفَة الصِّبَا ومنطق يسوغ فى الاسماع سلافه يلفظ كَأَنَّهُ اللُّؤْلُؤ والآذان أصدافه وَقَالَ الفيومى فى تَرْجَمته كَانَت وِلَادَته بحلب ثمَّ قدم الرّوم وَصَارَ بهَا من كبار المدرسين ثمَّ كف بَصَره فتقاعد برزق عين لَهُ من قبل السُّلْطَان فانزوى فى بَيته وهرعت اليه الافاضل من كل جَانب فاشتهر فَضله وانتشر علمه فاستمر يقرئ أَنْوَاع الْعُلُوم من كلا مَنْطُوق وَمَفْهُوم ومباد ومقاصد لكل طَالب وقاصد فَانْتَفع بِهِ كثير من الطّلبَة قَالَ وَلما قدمت الرّوم وفدت عَلَيْهِ فَرَأَيْت الْفَضَائِل انقادت اليه فحضرته مجَالِس فى المطول وسيرة ابْن هِشَام فَرَأَيْت مِنْهُ رُتْبَة لَا تنَال بالاهتمام وَمَات وَأَنا بالروم وَدفن بدار الْخلَافَة وَكَانَت لَهُ رُتْبَة فى الادب هى من أَعلَى الرتب وشعره غَايَة فى بَابه لَهُ فِيهِ التشبيهات العجيبة والمضامين الغريبة مَا يكْتب بِمَاء الْوَجْه على الحدق لَا بالحبر على الْوَرق كَقَوْلِه من قصيدة
(قد دَعَاهُ الْهوى وداعى التصابى
…
لادكار الاوطان والاحباب)
(فَأَتَت دون صبره من أَلِيم الوجد نَار شَدِيدَة الالتهاب
…
)
(فذوى غصنه الرطيب وجفت
…
من رياض الصِّبَا مياه الشَّبَاب)
(شعر الْمَرْء نُسْخَة الْعُمر والايام فِيهَا من أصدق الْكتاب
…
)
(فاذا تمّ مِنْهُ مَا كتبته
…
تربته من شيبَة بِتُرَاب)
هَذَا معنى بديع ذكر انه لم يسْبق اليه قَالَ الشهَاب وَقد اتّفق لى مثله فى قولى
(لعمرى لقد خطّ المشيب بمفرقى
…
رسائل تَدْعُو كل حى الى البلى
…
)
(أرى نُسْخَة للعمر سودها الصِّبَا
…
وَمَا بيضت بالشيب الا لتنقلا)
رَجَعَ
(لست آسى على الصِّبَا انما أذكر حَقًا لاقدم الاصحاب
…
)
(قد سقتنى عهوده الْعَيْش صفوا
…
وكستنيه مونق الجلباب)
وَمِنْهَا فى المديح
(بَحر فضل لَو قيس بالبحر كَانَ الْبَحْر فى جنبه كَلمعِ سراب
…
)
(واذا قيل خلقه الرَّوْض أضحى الرَّوْض طلقا بذلك الانتساب
…
)
(مزج الْفضل بالغمام كَمَا مازج مَاء الْغَمَام صفو الشّرْب
…
)
(مَا عَسى أَن أعد من مكرمات
…
ضَبطهَا قد أَبى على الْحساب)
(واذا مَا الافكار أمعن فِيهَا
…
غرقت من بحورها فى عباب)
(أَنْت من نَاظر الزَّمَان سَواد الْعين وَالنَّاس مِنْهُ بالاهداب
…
)
وَقَوله
(قَالَ لى العاذلون لم ملت عَمَّن
…
بمحياه يخجل الانوارا)
(قلت كَانَ الْفُؤَاد عشا لَهُ اذ
…
كَانَ فرخا وَحين ريش طارا)
قَالَ الشهَاب أنشدنى لَهُ فى مليح مصفر العذار كَأَنَّمَا قيدت الابصار مِنْهُ بسلاسل النضار كَأَنَّمَا ملك من الْحسن كَمَا لَهُ فَهد من الذَّهَب لشكاة الغرام سلسلة العداله
(لما التحى تمت محَاسِن وَجهه وصفت طباعه
…
)
(وَغدا بلطف عذاره
…
قمرا أحَاط بِهِ شعاعه)
قَالَ الفيومى قلت فى اثباته الشعاع للقمر نقد فانه مُضَاف للشمس كَمَا ان الْمُضَاف للقمر النُّور وَأَيْضًا فان الشعاع والنور انما يحسن استعمالهما فى صفة الشيب لَا فى صفة العذار وفى قَوْله تَعَالَى واشتعل الرَّأْس شيبا تَأْكِيد لهَذَا الْمَعْنى وَله
(كَانَ صدغيه فى احمرارهما
…
قد صبغا من مدام وجنته)
وَله
(مَا احمر وَجه حبيبى ان وجنته
…
سقته من صبغها خمرًا وَلَا خجلا)
(وَإِنَّمَا لفحت خديه من كَبِدِي
…
نَار فدبت إِلَى صدغيه فاشتعلا)
وَله
(صب على الشنب المعسول ذاب أسى
…
وَبَات من حر نَار الشوق فى شغل)
(كالشمع يبكى وَلَا يدرى أعبرته
…
من صُحْبَة النَّار أم من فرقة الْعَسَل)
هَذَا الْبَيْت الْأَخير لأبي اسحاق الغزى وَقَبله
(اني لأشكو خطوباً لَا أعينها
…
ليبرأ النَّاس من لومي وَمن عذلي)
كالشمع الى آخر الْبَيْت قَالَ الْعِمَاد الْكَاتِب فى الخريدة عِنْد ذكره رَوَاهُ بَعضهم من حرقة النَّار أَو من فرقة الْعَسَل مُحَافظَة على التَّجْنِيس اللفظى وانا أرويه من صُحْبَة النَّار للتطبيق المعنوى وللقاسمى
(قد كنت أبكى على من مَاتَ من سلفى
…
وَأهل ودى جَمِيعًا غير أشتات)
(وَالْيَوْم اذ فرقت بينى وَبينهمْ
…
نُوق بَكَيْت على أهل المودات)
(فَمَا حَيَاة امْرِئ أضحت مدامعه
…
مقسومة بَين أَحيَاء وأموات)
وَله من الرباعيات
(باربع سقاك كل مزن غادى
…
قد كنت مَحل أنسنا الْمُعْتَاد
(هَل يلحظنى الزَّمَان بالاسعاد
…
يَوْمًا فتعود فِيك لى أعيادى)
وَله من قصيدة فى تهنئة بختان
(أعلامة الْوَقْت مولى الموالى
…
وقرة عين العلى والكمال)
(تبوأ من الْمجد أَعلَى مقَام
…
وضع نعل مسعاك فَوق الْهَلَاك)
(فقد أَيقَن الْمجد أَن المجئ بمثلك للدهر عين الْمحَال
…
)
(فبشرى لكم بالختان الذى
…
بِهِ لبس الدَّهْر ثوب الْجمال)
(هُوَ الشمع ان قطّ لَا غر وَأَن
…
أنارت بِهِ حالكات الليالى)
هَذَا من قَول ابْن فضل الله فى ختان الْملك النَّاصِر
(لم يروع لَهُ الْخِتَان جنَانًا
…
قد أصَاب الْحَدِيد مِنْهُ حديدا)
(مثل مَا تنقص المصابيح بالقط فتزداد بالضياء وقودا
…
)
رَجَعَ
(وظفر بتقليمه لَا تزَال
…
أكف المكارم مِنْهُ حوالى)
(وتشمير ذيل لَدَى الاستباق
…
لنيل الامانى وَكسب المعالى)
(وَمَا لليراع اذا لم يقط
…
فضل يعد على كل حَال)
(وَمن بعد بَرى الغصون ازدهت
…
عَلَيْهَا الاسنة سمر العوالى)
(فَلَا بَرحت من مزاياكم
…
يجيد الزَّمَان عُقُود اللآلى)
قَوْله وظفر الى آخِره أَصله قَول الغزى
(نما لَك ودى حِين قلمت رَأسه
…
قِيَاسا على الاقلام والشمع وَالظفر)
وَمثل مَا لليراع قَول الصنوبرى
(أرى طهرا سيثمر بعد عرسا
…
كَمَا قد تثمر الطَّرب المدامه)
(وَمَا قلم بمغن عَنْك الا
…
اذا مَا ألقيت عَنهُ القلامه)
وللقاضى الْفَاضِل الْحَمد لله الذى أطلعه ثنيات الْكَمَال وبلغه غَايَة الْجمال ويسره لدرجات الْجلَال وَنَقله تنقل الْهلَال وشذب مِنْهُ تشذيب الاغصان وهذبه تَهْذِيب الشجعان وأجرى فِيهِ سنة سنّ لَهَا الْحَدِيد فنقصه للزِّيَادَة واستخلصه للسياده ودربه للاصطبار وأدبه للانتصار وَألقى عَنهُ فضلَة فى اطراحها الفضيله
وَقطع عَنهُ علقَة حق مثلهَا أَن لَا تكون بِمثلِهِ موصوله فَلم يزل التقليم منوها بالاغصان ومنبها للثمر الْوَسْنَان وَمُبشرا بالنما وميسرا لنشور الانتشا وَلابْن مطروح
(لقد سرت البشائر والتهانى
…
الى الثقلَيْن من انس وجان)
(ويصغر كل مبتهج اذا مَا
…
نسبناه الى هَذَا الْخِتَان)
(تود الزهرة الزهراء فِيهَا
…
لَو اتَّخذت لَهَا احدى القيان)
(وان الْبَدْر طَار فى يَديهَا
…
وان مراسليها الفرقدان)
(وتستملى من الافلاك لحنا
…
فَمَا قدر المثالث والمثانى)
(وتسقى بِالثُّرَيَّا فِيهِ كاسا
…
وَلَا أرْضى لَهَا بنت الدنان)
(وَلَكِن من رحيق سلسبيل
…
بأيدى عبقريات حسان)
(ويصغر خَادِمًا بهْرَام فِيهِ
…
على مَا فِيهِ من بَأْس الْجنان)
(فلولا أَنه فرض علينا
…
لما مدت لخاتنه يدان)
(وقط الشمع يكسبه ضِيَاء
…
وقط الظفر أزين للبنان)
ولابى الْقَاسِم الزمخشرى من قصيدة يهنى بهَا بعض الرؤساء بختان بنيه
(فى عصرنا لبنيك فضل باهر
…
مَا نَالَ أيسره بَنو أَيَّامه)
(طهرتم فرعا كَمَا طهرتهم
…
أصلا فحازوا طهرهم بِتَمَامِهِ)
(وأخو الْكِتَابَة لَا يجود خطه
…
حَتَّى ينَال القط من أقلامه)
(وَالْكَرم لَيْسَ يبين حسن نموه
…
الاعلى التَّنْقِيح من كرامه)
(والورد لَيْسَ يفوح طيب رِيحه
…
الا اذا انفصمت عرى اكمامه)
(وكتابك الْمَخْتُوم لَيْسَ بواضح
…
مَعْنَاهُ الا بعد فض ختامه)
(وأخو اللطام عَن الذِّرَاع مشمر
…
فالكم يشْغلهُ أَوَان لطامه)
(وَابْن الوغى مَا لم يسل حسامه
…
عَن غمده لم ينْتَفع بحسامه)
وللقاسمى
(ويلى من المعرض لَا قسوة
…
لَكِن لاقوال العدا والوشاة)
(مَا لَاحَ للعين سنا وَجهه
…
الا وفيهَا من رَقِيب قذاة)
وفى مَعْنَاهُ قَول بَعضهم
(لم ترد مَاء وَجهه الْعين الا
…
شَرقَتْ قبل ريها برقيب)
وَله من رِسَالَة
(مَا كنت أَحسب أَن يكون كَذَا تفرقنا سَرِيعا
…
)
(قد كنت أنْتَظر الوضال فصرت أنْتَظر الرجوعا
قُرَّة عينى مَا أسْرع مَا طلع نجم التَّفَرُّق فى الْبَين وهجمت على ائتلافنا قواطع الْبَين هلا امْتَدَّ زمَان الاقتراب حَتَّى تتأكد الاسباب وتأخرت أَيَّام الْفِرَاق حَتَّى يتم مِيقَات الِاتِّفَاق واهاً لايام قرب مَا وفت بِمَا فى الضَّمِير وَلَا ساعدت على بَقَائِهَا الْمَقَادِير والى الله أَشْكُو فى الصَّدْر حَاجَة تمر بهَا الاوقات وهى كَمَا هيا وَأقسم بِاللَّه الْعَظِيم انهم عِنْدَمَا قَالُوا الرحيل فَمَا شَككت بأنهار وحى عَن الدُّنْيَا تُرِيدُ رحيلا فيا لَيْت شعرى هَل تحس بفقدى أتذكرنى من بعدى ان فعلت فَمَا أحقك بالاحسان وان نسيت فَمن شيم الانسان النسْيَان وَأما أَنا فانى
(أروح وَقد ختمت على فؤادى
…
بحبك أَن يحل بِهِ سواكا)
(وَلَو أَنى اسْتَطَعْت خفضت طرفى
…
فَلم أبْصر بِهِ حَتَّى أراكا)
وَله
(ورد الْكتاب مبشرا بقدوم من
…
مَلأ النُّفُوس مَسَرَّة بقدومه)
(فطربت بالاسماع من منثوره
…
وثملت بالجريال من منظومه)
(وسجدت شكرا عِنْد مورده على
…
اسعاد هَذَا العَبْد من مخدومه)
وَله من فصل من التَّحِيَّة عندى مَا يستعير الرَّوْض من رياه ويستنير الصُّبْح من محياه وَمن الود مَالا ينقضى يَوْمه وَلَا غده وَمن الشوق مَا أحر نَار الْجَحِيم أبرده وأناله ببلوغ الا وطار وعلو الْمنَار على أبلغ مَا يكون حقق الله تَعَالَى فِيهِ كَمَال مَا أرتجيه وسرنى سَرِيعا بتلاقيه وَمن شعره قَوْله
(ودعتكم وَرجعت عَنْكُم والنوى
…
سلبت جَمِيع تصبرى وقرارى)
(والجفن يقذف بالدموع وَلم أكن
…
لولاه أنجو من لهيب النَّار)
وَقَوله
(وَمن يغتمد بالبشر مِنْك فانه
…
جهول بادراك الغوامض مغرور)
(فانك مثل السَّيْف يخْشَى مضاؤه
…
اذا لمعت فى صفحتيه الاسارير)
وَقَوله
(نبت عَنْهُم حد الضباب كَأَنَّهَا
…
لِكَثْرَة مَا هَانَتْ عَلَيْهِم صوالج)
(وحلوا بهَا أعداءهم فَكَأَنَّهَا
…
قلائد فى أَعْنَاقهم ودمالج)
وَمن // جيد شعره // قَوْله من قصيدة
(من شفيعى الى الثنايا الْعَذَاب
…
من عذيرى من الغصون الرطاب)
(من مجيرى مِمَّا أقاسى من الايام من فرط لوعة واكتئاب
…
)
(من نصيرى على الليالى الَّتِى مَا
…
زَالَ مِنْهَا مَا بَين ظفر وناب)
(أترجى مِنْهَا الْخَلَاص فَألْقى
…
من أذاها مَا لم يكن فى حسابى)
(صَار مِنْهَا قلبى كقرطاس رام
…
مزقته مواقع النشاب)
(أهوَ الْبَين أشتكيه وَقد عاندنى فى الديار والاحباب
…
)
(وكسانى المشيب من قبل أَن أعرف مِقْدَار حق الشَّبَاب
…
)
(أم هُوَ الْخطب خطّ مَا جنت الايام من طول محنتى واغترابى
…
)
(ومقامى على الهوان بِأَرْض
…
أَنا فِيهَا مقوض الاطناب)
(أصطلى جَمْرَة الهجير فان رمت شرا بألم ألق غير سراب
…
)
(لَيْسَ لى من اذا عرضت عَلَيْهِ
…
شرح حالى يرق يَوْمًا لما بى)
(بخستنى الايام حقى ظلما
…
ورمتنى بالحادث المنتاب)
(وأضاعت بَين الصُّدُور بطرق الْفضل سعيى وجيئتى وذهابى
…
)
(لَيْت شعرى مَا كَانَ ذنبى الى الايام حَتَّى قد بالغت فى عقابى
…
)
(وجفتنى حَتَّى لقد صرت من كل مرام مقطع الاسباب
…
)
) وَقَوله من أُخْرَى أحسن فى غزلها كل الاحسان
(مهلا أبثك بعض مَا أَنا وَاجِد
…
دمع مقرّ بالذى أَنا جَاحد)
(قد كَانَ يخفى مَا تكن ضمائرى
…
لَوْلَا الشؤن على الشجون شَوَاهِد)
(ولطالما خفيت سطور الوجد من
…
حالى فضل بهَا وَغَابَ النَّاقِد)
(لَيْت الذى لم يبْق لى من مسعد
…
فِيمَا ألاقى من هَوَاهُ مساعد)
(لَو لم يحل بينى وَبَين تصبرى
…
مَا بَان مَا أَشْقَى بِهِ وأكابد)
(حَال كَمَا شاهدت عقل واله
…
وجوانح حرا وَوجد زَائِد)
(لله مَا أَشْقَى أَخا حب لَهُ
…
مَعَ وجده الْيَقظَان حَظّ رَاقِد)
(يورى زناد الشوق ذكرَاهُ لَهُم
…
فتشب من بَين الضلوع مواقد)
وآثاره كَثِيرَة وَلَوْلَا خوف الاطالة لَا السَّآمَة لَا وَردت لَهُ جلّ شعره فان مثل هَذَا الشّعْر لَا يهمل ذكره وَمن وقف عَلَيْهِ عرف كَيفَ يكون الشّعْر وَكَانَت وَفَاته بدار الْخلَافَة فى سنة أَربع أَو خمس وَخمسين وَألف وَقد تقدم ذكر ابْنه عبد الله
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عِيسَى بن جميل الْمَعْرُوف بالكلبى المصرى شيخ الْمحيا بِجَامِع الازهر الامام الْمُفِيد الْحجَّة الْوَرع الزَّاهِد الْمَشْهُور أَخذ الْعلم عَن أَبِيه وَغَيره من مَشَايِخ الْقَاهِرَة وأجازوه وبرع وفَاق وَجلسَ فى مجْلِس الْمحيا بعد وَالِده وَهُوَ بعد الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد البلقينى وَهُوَ بعد وَالِده الْعَالم الربانى والعارف الصمدانى صَالح وَهُوَ بعد
وَالِده شيخ الاسلام شهَاب الدّين البلقينى وَهُوَ بعد الشَّيْخ بركَة الْوُجُود نور الدّين الشونى عَن اذن من النبى
وَكَانَ مُحَمَّد صَاحب التَّرْجَمَة حسن الاخلاق كَرِيمًا سخيا كثير الاحسان لَا سِيمَا للْفُقَرَاء لَا يفتر عَن الصَّلَاة على النبى
وَكَانَ ذكيا محصلا لِلْعِبَادَةِ كثير النَّوَافِل وَالطَّاعَة مواظبا على الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَكَانَ نَاظرا على وقف الامامين بالقرافة وَسَار فى ذَلِك أحسن سير مَعَ الاحسان لخدمة المكانين وَكَانَت وَفَاته نَهَار الثُّلَاثَاء سَابِع ذى الْحجَّة سنة سبع وَخمسين وَألف وَصلى عَلَيْهِ بالازهر وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى والكلبى نِسْبَة الى دحْيَة الكلبى الصحابى رضى الله عَنهُ لانه من ذُريَّته ودحية بِكَسْر الدَّال وَيجوز فتحهَا كَمَا نقل عَن الاصمعى وَالْمَشْهُور الأول وَهُوَ دحْيَة بن خَليفَة كَانَ من أجمل النَّاس صُورَة وَلذَا كَانَ جِبْرِيل عليه السلام يتَمَثَّل فى صورته أَحْيَانًا اذا جَاءَ للنبى
كَمَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن وَمعنى دحْيَة رَئِيس الْجند كَمَا قَالَه أَئِمَّة اللُّغَة
مُحَمَّد بن أَحْمد الاسدى العريشى الْيُمْنَى المكى شيخ الْعُلُوم والمعارف وَمَالك زمامها من تليد وطارف أربى على الْعُمر الطبيعى وَهُوَ ممتع بحواسه من بَيت علم وَصَلَاح مقيمين على تقوى وفلاح رَاض بالكفاف من الرزق الْحَلَال الارغد ناصب النساخة حبلا لصيد معيشته كَمَا عَلَيْهِ السّلف الطَّاهِر الامجد اشْتغل بالفقه وبرع وأعرب فى النَّحْو قبل ان بترعرع وَأخذ من الْعُلُوم بتصيب وافر ولازم الْعلمَاء الائمة الاكابر كالسيد عمر البصرى وَالشَّيْخ خَالِد الْمَالِكِي وَعبد الْملك العصامى وَعنهُ وَلَده الْعَلامَة أَحْمد والقاضى على العصامى وَعبد الله العباسى وَغَيرهم وَألف مؤلفات عديدة مفيدة مِنْهَا شرح الكافى فى علمى الْعرُوض والقوافى فى نَحْو عشرَة كراريس وَمِنْهَا اخْتِصَار الْمِنْهَاج للنووى وَمِنْهَا شرح على الاجرومية مُخْتَصر وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى سنة سِتِّينَ وَألف وَدفن بالشبيكة
مُحَمَّد بن أَحْمد بن يحيى بن مُحَمَّد بن اسمعيل بن شعْبَان الرئيس الْكَبِير الْمَعْرُوف بِابْن الغصين الغزى كَانَ رَئِيسا جليل الْقدر وَاسع الْكَرم لم يصل الى غَزَّة أحد من الواردين عَلَيْهَا الا وبادر الى زيارته وَحمل اليه مَا يَلِيق بِحَالهِ وتقرب الى قلبه بِكُل طَرِيق وبالخصوص أهل الْعلم والادب وَهُوَ الذى قَالَ فِيهِ حَافظ الْمغرب أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد المقرى بيتيه الْمَشْهُورين وَكَانَ مرعلى غَزَّة عِنْد رحلته الى الشَّام فبذل فى اكرامه جهده فَقَالَ فِيهِ
(يَا سائلى عَن غَزَّة
…
وَمن بهَا من الانام
…
)
(أَجَبْتهم مرتجلا
…
ابْن الغصين وَالسَّلَام)
وَحكى لى صاحبنا الاديب ابراهيم بن سُلَيْمَان الجنينى نزيل دمشق أَن شيخ الاسلام خير الدّين الرملى كَانَ توجه الى غَزَّة فى بعض السنين لامر اقْتضى قَالَ وَكنت مَعَه فَنزل عِنْد الرئيس مُحَمَّد بن الغصين الْمَذْكُور فَرَأى بيتى المقرى مكتوبين على جِدَار الْمَكَان الْمعد للاضياف فَكتب تحتهما ارتجالا
(دَار الغصين محط كل مُسَافر
…
وتكية لِابْنِ السَّبِيل العابر)
(وَبهَا المكارم والمفاخرة التقى
…
يَا رب فاعمرها ليَوْم الآخر)
وعَلى الْجُمْلَة فان مُحَمَّدًا صَاحب التَّرْجَمَة كَانَ من أفرادالكرام والرؤساء وَله مَنَاقِب فى الْكَرم لَا تعد ومزايا لَا تُوصَف وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاحد عشرى الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بغزة وَلم يخلف مثله فى الْكَرم والنباهة رَحمَه الله تَعَالَى
السَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الامام الْحسن بن دَاوُد بن الْحسن ابْن الامام النَّاصِر ابْن الامام عز الدّين بن الْحسن بن على بن الْمُؤَيد بن جِبْرِيل بن مُحَمَّد بن على بن الامام الداعى يحيى بن المحسن بن يحيى بن يحيى بن النَّاصِر بن الْحسن بن الامير الْعَالم المعتضد بِاللَّه عبد الله بن الامام الْمُنْتَصر لدين الله مُحَمَّد بن الامام الْمُخْتَار لدين الله الْقسم ابْن الامام النَّاصِر لدين الله أَحْمد بن الامام الهادى الى الْحق يحيى بن الْحُسَيْن ابْن الْقسم السَّيِّد الباسل الشجاع الْحَلِيم عين الزَّمَان وبهجة المحافل صَاحب الآراء الثاقبة والمحامد الواسعة نَشأ على الْعلم وَالصَّلَاح بعد موت أَبِيه وصبر على مشاق الْوَقْت وقاسى فى عنفوان شبابه أمورا صَبر لَهَا حَتَّى أفضت بِهِ الى مَحل من الْخَيْر لَا يدْرك وَقَرَأَ بِصَنْعَاء وصعدة وَكَانَ كثير المذاكرة وحضرته معمورة بالفضلاء وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ يَقُود المقانب ويشارك فى الْمُهِمَّات كَأحد أَوْلَاد الْقسم بن مُحَمَّد وَكَانَ لَا يعد نَفسه الا مِنْهُم وَلَا يعدونه هم الامن الا من أجلائهم وَلم يزل مَعَ السَّيِّد الْحسن بن الامام الْقسم فى جَمِيع الْمشَاهد ثمَّ ولاه العدين وَهُوَ اقليم متسع فحسنت حَاله واستقامت حَال خلائق مَعَه وَعلا صيته فى الْعلم والجاه والرياسة ثمَّ كَانَ أحد أَعْيَان دولة الامام المتَوَكل على الله اسماعيل بن الامام الْقسم وَكَانَ بَينهمَا ود أكيد وَتَوَلَّى فى أَيَّامه مَعَ العدين حيس من تهَامَة وبندر المخا وَحِينَئِذٍ أَلْقَت اليه الدُّنْيَا أفلاذ
كَبِدهَا وعاش حميدا وَلم يشْتَغل بتكلفة وَشرح كَافِيَة ابْن الْحَاجِب وَشرح الْهِدَايَة فى الْفِقْه وَكَانَ يحب الادب وَأَهله وَله نظم رائق مِنْهُ قَوْله
(طرب يهيج اليعملان سبانى
…
وجوى بأطباق الْفُؤَاد ذوانى)
(وتعللى بخلت بِهِ ريق الصِّبَا
…
وتصبرى كرمت بِهِ أجفانى)
(ان الحبيب وَقد تناءت دَاره
…
أغرى فؤاد الصب بالاحزان)
(لَو زار فى طيف الْكرَى متفضلا
…
بجماله وَحَدِيثه اشفانى)
(أَو لَو تفضل بالوصال تكرما
…
أَصبَحت من قتلاه بالاحسان)
(يَا عاذلى عَنى فلست بمر هُوَ
…
عذل العدى ضرب من الهذيان)
(لَوْلَا طُلُوع الشَّمْس فى كبد السما
…
خلناه أشرف من علا كيوان)
(فَكَأَنَّهُ السفاح مَنْصُور اللوا
…
جَاءَت صوارمه على مَرْوَان)
(وكانه الهادى بِنور جَبينه
…
وكاننى المهدى فى اذعان)
(وَكَانَ نور جَبينه من يُوسُف
…
فَأَنا الرشيد بِهِ الى الايمان)
(يَا أَيهَا الْمَأْمُون عِنْد الهه
…
والمتبع الاحسان بالاحسان)
(والحاشر الماحى المؤمل للورى
…
تَحت اللوا ذخْرا الى الرَّحْمَن)
(الْمُصْطَفى الهادى النبى أجل من
…
وطئ الثرى وحباه الْقُرْآن)
(الْجَار وَالرحم الذى أوصى بِهِ
…
رب السما ودعاك بالاعلان)
(فَالله فى أَبَا شبير وشبر
…
كى لَا أَخَاف طوارق الْحدثَان)
وَلما كَانَ الْحَج الْكَبِير الذى اجْتمع فِيهِ أَعْيَان من آل القمم وَغَيرهم من جُمْلَتهمْ السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الْقسم وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْقَاسِم وَكَانَ مَعَهم أَعْيَان كالقاضى أَحْمد بن سعد الدّين وَأَظنهُ عَام ثَلَاث وَخمسين جعل الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقسم أَمِير هَؤُلَاءِ جَمِيعهم صَاحب التَّرْجَمَة وَبِالْجُمْلَةِ فمحاسنه وفضائله كَثِيرَة وَكَانَت وَفَاته يَوْم الاربعاء ثامن عشر ذى الْحجَّة سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف ببندر المخا وَنقل الى حيس فَدفن بهَا فى التربة الَّتِى أعدهَا لَهَا بِوَصِيَّة مِنْهُ
مُحَمَّد بن أَحْمد الملقب بشمس الدّين الْخَطِيب الشوبرى الشافعى المصرى الامام المتقن الثبت الْحجَّة شيخ الشَّافِعِيَّة فى وقته وَرَأس أهل التَّحْقِيق والتدريس والافتاء فى جَامع الازهر وَكَانَ فَقِيها اليه النِّهَايَة ثَابت الْفَهم دَقِيق النّظر متثبتا
فى النَّقْل متأدبا مَعَ الْعلمَاء مُعْتَقد اللصوفية حسن الْخلق والخلق مهابا ملازما للعبادات وحظى حظوة فى الْفِقْه لم يحظها أحد فى عصره بِحَيْثُ ان جَمِيع معاصريه كَانُوا يرجعُونَ اليه فى الْمسَائِل المشكلة وَكَانَ يلقب بشافعى الزَّمَان حضر الشَّمْس الرملى ثَمَان سِنِين وَأَجَازَهُ بالافتاء والتدريس سنة ألف وَلزِمَ النُّور الزيادى وَأخذ الحَدِيث عَن أَبى النجا سَالم السنهورى وابراهيم العلقمى والعلوم الْعَقْلِيَّة عَن الشَّيْخ مَنْصُور الطبلاوى وَعبد الْمُنعم الانماطى وَأَجَازَهُ شُيُوخه وشهدوا لَهُ بِالْفَضْلِ التَّام واشتهر بِالْعلمِ وَالْجَلالَة وَكَانَ يقرى مُخْتَصر المزنى وَشرح الرَّوْض والعباب وَغَيرهَا من الْكتب الْقَدِيمَة المطولة وَكَانَ يمِيل اليها وَهُوَ آخر من قَرَأَ بِجَامِع الازهر شرح الرَّوْض والمختصر والعباب وانتفع بِهِ كثير من الْعلمَاء مِنْهُم النُّور الشبراملسى وَالشَّمْس البابلى وَيس الحمصى وَغَيرهم وَألف مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْمنْهَج وحاشية على شرح التَّحْرِير وحاشية على شرح الاربعين لِابْنِ حجر وحاشية على الْعباب وَله فَتَاوَى مفيدة وَكَانَت وِلَادَته فى حادى عشرى شهر رَمَضَان سنة سبع وَسبعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى لَيْلَة الثُّلَاثَاء سادس عشرى جُمَادَى الاولى سنة تسع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بتربة المجاورين والشوبرى تقدم الْكَلَام عَلَيْهَا فى تَرْجَمَة أَخِيه أَحْمد
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن حُسَيْن بن سُلَيْمَان الْمَعْرُوف بالاسطوانى الدمشقى الحنفى الْفَقِيه الْوَاعِظ الاخبارى أعجوبة الزَّمَان ونادرة الْوَقْت كَانَ من منن الله تَعَالَى على عباده لم يزل يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر وَكَانَ ورعا ناسكا متقشفا مخشوشنا كثير العبوس فى وُجُوه النَّاس لما يكرههُ مِنْهُم شَدِيد الانكار عَلَيْهِم فِيمَا يُخَالف الشَّرْع لَا يقنع فى أَمر الله بِغَيْر اظهاره وَكَانَ مطبوعا على الالتذاذ بذلك متحملا للاذى من النَّاس بِسَبَبِهِ وَبلغ القَوْل فِيهِ الى أَنه حرم البقلاوة وأمثالها لما كَانَ يحرم الْحَرَام وَكَانَ أحد أَعَاجِيب الدُّنْيَا فى حلاوة الْمنطق وَحسن التأدية وَمَعْرِفَة أساليب الْكَلَام لَا يمل حَدِيثه بِحَال بل كلما طَال طَابَ وَبِالْجُمْلَةِ فَلم ير نَظِيره فى هَذَا الدّور وَلم يسمع بِمثلِهِ فى أَوْصَافه كَانَ فى الاصل على مَذْهَب أسلافه حنبليا ثمَّ انْتقل الى مَذْهَب الشافعى وَقَرَأَ الْفِقْه على مَشَايِخ عصره مِنْهُم الشَّمْس الميدانى والنجم الغزى وَغَيرهمَا وَأخذ الْعَرَبيَّة والمعقولات عَن الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَالشَّيْخ عمر القارى والامام يُوسُف بن أَبى
الْفَتْح وَأخذ الحَدِيث عَن أَبى الْعَبَّاس المقرى فى قَدمته لدمشق ودرس بالجامع الاموى ثمَّ رَحل الى مصر وَأخذ بهَا عَن الْبُرْهَان اللقانى والنور على الحلبى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن الْيُمْنَى وَالشَّمْس البابلى وَقدم الى دمشق فى سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَألف ودرس بهَا وَأفَاد وَوَقع بَينه وَبَين شَيْخه النَّجْم الغزى فى مسئلة فسافر الى الرّوم بحرا فأسرته الفرنج ثمَّ خلص بعد مُدَّة قَليلَة وَوصل الى دَار الْخلَافَة فَأَقَامَ بهَا وَحسن حَاله وَحصل جِهَات وعلوفات وَتزَوج وجاءه أَوْلَاد ثمَّ تحنف وَصَارَ اماما بِجَامِع السُّلْطَان أَحْمد ولازم على عَادَة موالى الرّوم ثمَّ قدم الى دمشق حَاجا فى سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَألف وَعَاد الى الرّوم فَصَارَ واعظا بِجَامِع السُّلْطَان أَبى الْفَتْح مُحَمَّد خَان واشتهر بِحسن الْوَعْظ ولطافة التَّعْبِير فانكيت عَلَيْهِ النَّاس وَلَزِمَه جمَاعَة قاضى زَاده الرومى وَعظم حزبه فَبَالغ فى النهى عَن أَشْيَاء كَانَ غَنِيا عَنْهَا فكاد أَن يُوقع فتْنَة فعزل عَن وَظِيفَة الْوَعْظ وَنفى الى جَزِيرَة قبرس ثمَّ أَمر بِالْمَسِيرِ الى دمشق فوردها فى سنة سبع وَسِتِّينَ وَأقَام بهَا وَلزِمَ الدَّرْس تَحت قبَّة النسْر بالجامع الاموى بَين العشاءين وَبعد الظّهْر وَنشر عليم القراآت والمواعظ وَأقر أشرح الهمزية وَرغب النَّاس فى حُضُور دروسه من عُلَمَاء وعوام لحسن تَقْرِيره وعذوبة تفهيمه ولطافة مناسباته وَسمعت والدى رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول ان درسه كَانَ يَلِيق أَن يرحل اليه من بلد الى بلد وانه قرر أَشْيَاء لم يسْمعهَا من أهالى دمشق أحد وَفِيه يَقُول الامير المنجكى
(ان سمع الْعُقُول يصغى لقَوْل الاسطوانى والقلوب لَدَيْهِ
…
)
(جمع الْفضل والمكارم حَتَّى
…
كل حسنى تعزى وتنمى اليه)
(رجل جَاءَ فى الزَّمَان أخيرا
…
يحْسد الاول الاخير عَلَيْهِ) 5 وَكَانَ بِدِمَشْق بعض مناكر فتقيد بازالتها أَو تخفيفها وَمن جُمْلَتهَا لبس السوَاد خلف الْمَيِّت وَرفع الصَّوْت بالولولة وأعهده يَوْمًا فى جَنَازَة بعض أَقَاربه وأقاربى أَمر جماعته بِحمْل عصى تَحت أصوافهم فَلَمَّا خرجت الْجِنَازَة من بَاب السلسلة وباشر النِّسَاء الولولة أَشَارَ الى جماعته بضربهن فضربوهن وَلم يدعهن يخْرجن الى الْمقْبرَة وَله غير ذَلِك مِمَّا يحْمَدُوا الى هَذَا أَشَارَ الامير المنجكى أَيْضا فى مدحه
(جوزيت من رب الْهدى عَن خلقه
…
مَاذَا تشا وكفيت شَرّ الْحَسَد)
(أبعدتهم عَن كل لَهو مرشدا
…
حَتَّى اهْتَدَى من لم يكن بالمهتدى)
(وَصحت بك الدُّنْيَا فَلَيْسَ يرى بهَا
…
من مُسكر الالحاظ الخرد)
ثمَّ وجهت اليه الْمدرسَة السليمية بِدِمَشْق وَكَانَ بَعضهم يزْعم انه يطعن فى سُلْطَان الْعلمَاء والاولياء الشَّيْخ محيى الدّين الاكبر بن عربى قدس الله تَعَالَى سره الْعَزِيز فَلَمَّا ولى الْمدرسَة ظَهرت محبته لَهُ وَأثبت نسبه الى الشَّيْخ حسن القيمرى وَأخذ توليه البيمارستان بالصالحية وَجمع عقارات وأملاكا كَثِيرَة وَلم أسمع انه ألف أَو قَالَ شعرًا غير أَنى ظَفرت لَهُ بتحريرات على عِبَارَات فى التَّفْسِير وَالْفِقْه وَكَانَ فِيمَا يمليه مُسْتَوْفيا أَقسَام الْمُنَاسبَة وَمن املائه لمُحَمد بن الْحَنَفِيَّة كل عزلا يوطده علم فالى ذل مصيره وَمِنْه لَو كشف الغطاء لما اختير غير الْوَاقِع من عرف الله أَزَال التهمه وَقَالَ كل فعله بالحكمة وَمِنْه قوام الدُّنْيَا بِأَرْبَع السُّلْطَان وجنده وَالْعُلَمَاء والصوفية والتجار وأرباب الصَّنَائِع وَغَيرهم من قبيل الاشراء والهمل قَالَ وَأوصى عبد الْمطلب قبل وَفَاته أَبَا طَالب بنبينا مُحَمَّد
وَقَالَ فِيمَا أوصى بِهِ
(أوصى ابا طَالب بعدى بذى رحم
…
مُحَمَّد وَهُوَ فى ذَا النَّاس مَحْمُود)
(هَذَا الذى تزْعم الاحبار ان لَهُ
…
أمرا سيظهره نصر وتأييد)
(فى كتب مُوسَى وَعِيسَى مِنْهُ بَيِّنَة
…
كَمَا يحدثنى القوام العبابيد)
(فاحذر عَلَيْهِ شرار النَّاس كلهم
…
والحاسدين فان الْخَيْر مَحْسُود)
وَمِنْه اللُّغَة أَرض وَبَقِيَّة الْعُلُوم غراساتها وَمن املائه للبحترى
(الجاهلان اثْنَان من دون الورى
…
فافطن أخى وان هما لم يفطنا)
(من قَالَ مَا بِالنَّاسِ عَنى من غنى
…
من جَهله أَو قَالَ بى عَنْهُم غنى)
وَلما انْحَلَّت بقْعَة درس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر بِجَامِع بنى أُميَّة عَن الشَّيْخ سعودى الغزى مفتى الشَّافِعِيَّة الْمُقدم ذكره طلها الاسطوانى من قاضى الْقُضَاة وَاجْتمعَ هُوَ وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن تَاج الدّين المحاسنى فى مجْلِس القاضى وَكَانَ الآخر طَالبا لَهَا فَوَقع بَينهمَا مقاولة ومخاصمة وَقيل انهما تشاتما بِأَلْفَاظ قبيحة ثمَّ وجهت الْبقْعَة للمحاسنى وَمرض الاسطوانى من يَوْمه وَبعد أسبوعين توفى وَلم تطل مُدَّة الآخر حَتَّى توفى بعده وقرأت بِخَط الاسطوانى ان وِلَادَته كَانَت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ سَابِع عشر الْمحرم سنة سِتّ عشرَة بعد الالف وَتوفى قبيل الظّهْر من يَوْم الاربعاء سادس وعشرى الْمحرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف بالحمى المحرقة وَدفن بمقبرة الفراديس الْمَعْرُوفَة بالغرباء وَقَالَ شَيخنَا عبد الْغنى النابلسى فى تَارِيخ وَفَاته
(قدمات حاوى الْعُلُوم طرا
…
مُحَمَّد كعبة الْوُفُود)
(الاسطوانى طود علم
…
وَمن تسامى بفرط جود)
(فضر كل الانام أرخ
…
ممات عَلامَة الْوُجُود)
مُحَمَّد بن أَحْمد بن عمر حماده الحمادى الشافعى الْكَاتِب الاديب الْفَاضِل كَانَ من رُؤَسَاء الْكتاب بديوان دجرجا قَصَبَة صَعِيد مصرا الْعُظْمَى قدم مصر وَأخذ بهَا عَن الشَّيْخ سُلْطَان المزاحى ومعاصريه وَكَانَ قَرَأَ بِبَلَدِهِ على شُيُوخ كثيرين وَله رِوَايَات عالية فى الحَدِيث وَكَانَ عذب اللِّسَان قوى الْجنان لَهُ معرفَة جَيِّدَة بعلوم الطَّرِيق وَألف فِيهِ رسائل وَله مِعْرَاج على أسلوب غَرِيب وَهُوَ انه جرد سؤالا من نَفسه فى حَقِيقَة الْخمْرَة الَّتِى يتغزل بهَا العارفون واليها يشيرون وعنها يخبرون ويصفونها بالسكر والغيبة وفى كَيْفيَّة الِاتِّصَال الى تِلْكَ الْمرتبَة وَمَتى يتَقرَّب اليها من اجتباه تَعَالَى وقربه وَأجَاب عَنهُ وَله أشعار كَثِيرَة وَلم يحفظ لَهُ الا هَذَا الْبَيْت من قصيدة وَهُوَ
(وسرت الى مَا أحجم الْعقل دونه
…
ونلت أمورا لَا يُحِيط بهَا فكرى)
وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف يدجرجاً وَبهَا دفن رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد أَبى عصبَة بن الهادى من ذُرِّيَّة الشَّيْخ اسماعيل الحضرمى موقف الشَّمْس المدفون ببلدة الضُّحَى بِقرب بَيت الْفَقِيه ابْن عجيل واشتهر بالعبادى نِسْبَة لجده لامه الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى مُحَمَّد البكرى العبادى نِسْبَة الى عبَادَة قَرْيَة بِمصْر وَكَانَ جده الْمَذْكُور من أكَابِر الاولياء الآخذين عَن الشَّيْخ القطب بدر الدّين العادلى الْمَشْهُور قَبره بِمَكَّة ولد صَاحب التَّرْجَمَة بِمَكَّة سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف تَقْرِيبًا وَنَشَأ فى حجر وَالِده أُمِّيا وَظَهَرت لَهُ فى أَوَاخِر عمره خوارق عادات عَجِيبَة مَعَ انه كَانَ سالكا طَرِيق الملامتية فى تخريب الظَّاهِر بِأَكْل الْحَشِيش والاكثار مِنْهُ الا أَن كثيرا مِمَّن تعاطى شربه عِنْده أخبر بِأَنَّهُ مَا أثر فِيهِ مَعَ انه أَكثر مِنْهُ جدا واستبدل بذلك على انقلاب عينه أَو بطلَان ضَرَره وَمن كراماته مَا أخبر بِهِ ثِقَة ان جمَاعَة وفدوا عَلَيْهِ للزيارة فَأمره أَن يصب لَهُم قهوة من اناء معِين وَقد تحقق الْمَأْمُور خلوه من القهوة وَلم يسْتَطع أَن يواجه أمره بالاباء عَن صب القهوة فَأمره ثَانِيًا فامتثل أمره فَتَنَاولهَا ليصب مِنْهَا فَوَجَدَهَا ملآنة قهوة فصب لَهُم مِنْهَا مَا كفاهم وَبقيت بِحَالِهَا وَمِنْهَا أَن شخصا صَادِقا أخبر انه يطير فى الْهَوَاء وَمِنْهَا ان
كثيرين شاهدوا مِنْهُ الصّرْف من الْغَيْب فِيمَا يُنْفِقهُ فى بعض أوقاته وَمِنْهَا ان شخصا كَانَ يحب آخر لغَرَض فَاسد فَذهب مَعَه لمحل ليختلى بِهِ فَمر من تَحت بَيت المترجم فَرَآهُ فناداه فطلع اليه فَأمره بِالْجُلُوسِ مَعَ صَاحبه بَقِيَّة يَوْمه ومنعهما من الذّهاب وجلسا عِنْده فى ذَلِك الْيَوْم الى آخر النَّهَار فَأَمرهمَا بالانصراف وَقَالَ للمحب يَا فلَان ذهب عَنْك الْحَال الذى كنت فِيهِ الْيَوْم قَالَ فَزَالَ وَالله من ذَلِك الْوَقْت عَنى جَمِيع مَا كنت أَجِدهُ من تِلْكَ الْمحبَّة الْمَذْكُورَة وتبت الى الله تَوْبَة خَالِصَة وَله من هَذَا الْقَبِيل كرامات كَثِيرَة لَا يُمكن استقصاؤها لكثرتها وَمن غَرِيب مَا اتّفق لَهُ ان ثَلَاثَة من أَصْحَابه زاروه يَوْمًا سنة مَوته فتذاكروا الْمَوْت فَقَالُوا لَهُم على سَبِيل المداعبة قد قربت وفاتى جدا وَأَنت يَا فلَان تلحقنى بِسُرْعَة ثمَّ فلَان ثمَّ فلَان فصاحوا عَلَيْهِ وَقَالُوا مَا كَانَ لنا حَاجَة بِهَذَا الْكَلَام فَقَالَ لابد من ذَلِك فَمَا مَضَت أَيَّام قَليلَة حَتَّى مَاتَ ولحقه المذكورون كَمَا ذكر وَاحِدًا بعد وَاحِد وَكَانَت وَفَاته فى يَوْم الاربعاء ثَالِث وعشرى شهر ربيع الثانى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن ببيته الذى كَانَ يسكنهُ ملاصقا لقبر أَبِيه وجده لامه بِقرب جبل شظا على طَرِيق الذَّاهِب الى المعلاة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن أَحْمد بن على البهوتى الحنبلى الشهير بالخلوتى المصرى الْعَالم الْعلم امام الْمَعْقُول وَالْمَنْقُول الْمُفْتى الْمدرس ولد بِمصْر وَبهَا نَشأ وَأخذ الْفِقْه عَن الْعَلامَة عبد الرَّحْمَن البهوتى الحنبلى تلميذ الشَّمْس مُحَمَّد الشامى صَاحب السِّيرَة ولازم الْعَلامَة مَنْصُور البهوتى الحنبلى وَأخذ الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة عَن الشهَاب الغنيمى وَبِه تخرج وانتفع واختص بعده بِالنورِ الشبراملسى ولازمه فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ فى دروسه من الْعُلُوم النظرية وَكَانَ يجرى بَينهمَا الدَّرْس محاورات ونكات دقيقة لَا يعرفهَا من الْحَاضِرين الا من كَانَ من أكَابِر الْمُحَقِّقين وَكَانَ الشبراملسى يجله ويثنى عَلَيْهِ ويعظمه ويحترمه وَلَا يخاطبه الا بغاية التَّعْظِيم لما هُوَ عَلَيْهِ من الْفضل ولكونه رَفِيقه فى الطّلب وَلم يزل ملازما لَهُ حَتَّى مَاتَ وَكتب كثيرا من التحريرات مِنْهَا تحريراته على الاقناع وعَلى الْمُنْتَهى جردت بعد مَوته من هَامِش نُسْخَة فبلغت حَاشِيَة الاقناع اثنى عشر كراسا وحاشية الْمُنْتَهى أَرْبَعِينَ كراسا وَله شعر مِنْهُ قَوْله
(سمحت بعد قَوْلهَا لفؤادى
…
ذب أسى يَا فُؤَاده وتفتت)
(وَنَجَا الْقلب من حبائل هجر
…
نصبتها لصيده ثمَّ حلت)
وَقَوله
(كَانَ الدَّهْر فى خفض الاعالى
…
وفى رفع الاسافلة اللئام)
(فَقِيه عِنْده الاخبار صحت
…
بتفضيل السُّجُود على الْقيام)
يُشِير الى أَن كَثْرَة السُّجُود أفضل من الْقيام بِنَاء على مَذْهَب الْحَنَابِلَة وَكَانَت وَفَاته بِمصْر بعد نصف لَيْلَة الْجُمُعَة تَاسِع عشر ذى الْحجَّة سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف
السَّيِّد مُحَمَّد يحيى بن الامير أَحْمد نظام الدّين بن مَعْصُوم الحسينى أَخُو السَّيِّد على صَاحب السلافة قَالَ أَخُوهُ فى وَصفه أخى وشقيقى وَابْن أَبى وصديقى وَمن لَا أرى غَيره بى أَحَق اذا حصحص الْحق لَا كَمَا قَالَ مهيار
(سَأَلتك بالمودة يَا ابْن ودى
…
فانك بى من ابْن أَبى أَحَق)
ماجد ثبتَتْ فى الْمجد وثائقه وفاضل تشبثت بِالْفَضْلِ علائقه أحرز من الادب النَّصِيب الاوفر وَتمسك مِنْهُ بِمَا أخجل طيب نشره بالمسك الاذفر الى دماثة شيم واخلاق مَا شان قشيب أبرادها اخلاق وَصدق صداقة وَصفا وَحسن مَوَدَّة ووفا أبرم بهما عقد اخائه وهب بذكائهما نسيم رخائه وَله شعر تَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب طرائقه وَيملك مسامع أولى الاشواق شائقه ورائقه فَمِنْهُ قَوْله
(تذكرت أَيَّام الحجيج فأسبلت
…
جفونى بِمَاء واستجد بى الوجد)
(وأيامنا بالمشعرين الَّتِى مَضَت
…
وبالخيف اذ حادى الركاب بِنَا يَحْدُو)
وَقَوله مُخَاطبا لى
(وَمَا شوق مقصوص الجناحين مقْعد
…
على الضيم لم يقْعد عَن الطيران)
(بِأَكْثَرَ من شوقى اليك وانما
…
رمانى بِهَذَا الْبعد مِنْك زمانى)
وَقَوله أَيْضا
(أَلا لاسقى الله البعاد وجوره
…
فان قَلِيلا مِنْهُ عَنْك خطير)
(وَوَاللَّه لَو كَانَ التباعد سَاعَة
…
وَأَنت بعيدانه لكثير)
وَقَوله أَيْضا
(أَلا يَا زَمَانا طَال فِيهِ تباعدى
…
أما رَحْمَة تَدْنُو بهَا وتجود)
(لألقى الذى فَارَقت انسى اذ نأى
…
فها أَنا مسلوب الْفُؤَاد فريد)
وَكتب الى مادحا وعَلى فنن البلاغة صادحا وَذكر لَهُ قصيدة انتخبت مِنْهَا هَذَا الْمِقْدَار ومطلعها
(أفق أيهذا الْقلب عَمَّا تحاوله
…
فانك مهما زِدْت زَاد تَشَاغُله)
(دع الدَّهْر يفعل كَيفَ شَاءَ فقلما
…
يروم امْرُؤ شَيْئا وَلَيْسَ يواصله)
(وَمَا الدَّهْر الا قلب فى أُمُوره
…
فَلَا يغترر فى الْحَالَتَيْنِ معامله)
(وَيَا طالما طَابَ الزَّمَان لواجد
…
فسر وَقد ساءت لَدَيْهِ أَوَائِله)
(سقى ورعى الله الْحجاز وَأَهله
…
ملثا تعم الارض سقيا هُوَ اطله)
(فان بِهِ دارى وَدَار عزيزة
…
على وَمهما أشغل الْقلب شاغله)
(وَلَكِن لى شوقا الى خلتى الَّتِى
…
مَتى ذكرت للقلب هَاجَتْ بِلَا بله)
(أَبيت ولى مِنْهَا حنين كأننى
…
طريح طعان قد أُصِيبَت مقاتله)
(هوى لَك مَا أَلْقَاهُ يَا عذبة اللمى
…
والا فصعب مَا أَنا الْيَوْم حامله)
(أكابد فِيك الشوق والشوق قاتلى
…
وأسأل عَمَّن لم يجب من يسائله)
(تقى الله فى قتل امْرِئ طَال سقمه
…
والا فان الهجر لَا شكّ قَاتله)
(صليه فقد طَال الصدود فقلما
…
يعِيش امْرُؤ والصد مِمَّن يقاتله)
(حَزِين لما يلقاه فِيك من الجوى
…
فها هُوَ مضنى مدنف الْجِسْم ناحله)
(بلَى ان يكن لى من على وعزمه
…
معِين فانى كلما شِئْت نائله)
فَرَاجعه عَنْهَا بقوله
(اليك فقلبى لَا تقر بلابله
…
اذا مَا شدت فَوق الغصون بلابله)
(تهيج لى ذكرى حبيب مفارق
…
زر ود وخروى والعقيق مَنَازِله)
(سقاهن صوب الدمع منى ووبله
…
منَازِل لَا صوب الْغَمَام ووابله)
(يحل بهَا من لَا أصرح باسمه
…
غزال على بعد المزارا غازله)
(تقسمه لِلْحسنِ عبل ودقة
…
فرن وشاحاه وَصمت خلاخله)
(وَمَا أَنا بالناسى ليالى بالحمى
…
تقضت وَورد الْعَيْش صفو مناهله)
(ليالى لَا ظبى الصريم مصارم
…
وَلَا ضَاقَ ذرعا بالصدود مواصله)
(وَكم عاذل قلبى وَقد لج فى الْهوى
…
وَمَا عَادل فى شرعة الْحبّ عاذله)
(يلوموه جهلا بالغرام وانما
…
لَهُ وَعَلِيهِ بره وغوائله)
(فَللَّه قلب قد تَمَادى صبَابَة
…
على اللوم لَا تنفك تغلى مراجله)
(وبالحلة الفيحاء من أبرق الْحمى
…
رداح حماها من قِنَا الْخط ذابله)
(تميس كَمَا مَاس الردينى مائدا
…
وتهتز عجبا مثل مَا اهتز عَامله)
(مهفهفة الكشحين طاوية الحشا
…
فَمَا مائد الْغُصْن الرطيب ومائله)
(تعلقتها عصر الشبيبة وَالصبَا
…
وَمَا علقت بِي من زمانى حبائله)
(حذرت عَلَيْهَا آجل الْبعد والنوى
…
فعاجلنى من فادح الْبَين عاجله)
(الى الله يَا أَسمَاء نفسا تقطعت
…
عَلَيْك غراما لَا أَزَال أزاوله)
(وخطب بعاد كلما قلت هَذِه
…
أواخره كرت على أَوَائِله)
(لَئِن حَار دهر بالتفرق واعتدى
…
وغال التدانى من دهى الْبَين غائله)
(فانى لارجو نيل مَا قد أملته
…
كَمَا نَالَ من يحيى الرغائب آمله)
(من النَّفر الغر الَّذين بمجدهم
…
تأطد ركن الْمجد وَاشْتَدَّ كَاهِله)
(لقد ألبست نفس المعالى بروده
…
وزرت على شخص الْكَمَال غلائله)
وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَجَاء تَارِيخ مولده لبَعْضهِم من أَبْيَات
(ان قلت مَا تَارِيخ مولده فَقل
…
حبر الزَّمَان بدى بأشرف طالع)
وَذهب الى وَالِده بِالْهِنْدِ وَأقَام الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته بهَا فى سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف
مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْعُمْرَى الْمَعْرُوف بِابْن عبد الهادى الدمشقى الصوفى الشَّيْخ الْبركَة المعمر بَقِيَّة السّلف كَانَ من خير خلق الله مهاب الشكل عَلَيْهِ نور الْولَايَة وَالصَّلَاح وَكَانَ عَالما بالعقائد والتصوف وَكَلَام الْقَوْم حسن الْفَهم مداوما على الدَّرْس والافادة وانتفع بِهِ خلق وَكَانَ لطيف الطَّبْع حُلْو الْعبارَة متواضعاخلوقا وَلم يكن أَصْبِر مِنْهُ على الْفَاقَة وَحكى لى بعض من أعْتَمد عَلَيْهِ انه سَمعه مرّة يَقُول أَنا من مُنْذُ ثَلَاث سنوات لم أر فى يدى شَيْئا من الْمُعَامَلَة وَلَيْسَ ذَلِك تورعا وانما هُوَ لعدم دخل شئ وَكَانَ طَرِيقه المتَوَكل التَّام أخبرنى هَذَا الْمخبر انه كَانَ يقْرَأ عَلَيْهِ كتابا الغزالى وصل فِيهِ الى التَّوَكُّل قَالَ فقرر لى فى التَّوَكُّل أَشْيَاء متداولة وَلم يزدْ قَالَ فَقلت لَهُ أُرِيد مَا يعرفنى حَقِيقَة التَّوَكُّل فَقَالَ فى غَد اتينى الى الْجَامِع الاموى وَلَا تصْحَب مَعَك شَيْئا من الدَّرَاهِم وصل الصُّبْح عِنْد محراب الْمَالِكِيَّة ثمَّ انتظرنى ثمَّة قَالَ فَفعلت مَا قَالَ لى فَلَمَّا فَرغْنَا من صَلَاة الصُّبْح أَخذ بيدى وَمَشى فتبعته حَتَّى انتهينا الى ميدان الْحَصَا وَكنت بلغت الْجهد من الْجُوع وفقد القهوة قَالَ فَدَعَانَا شخص الى دَاره فسرنا فَقدم لنا مائدة عَظِيمَة فأكلنا وَأمره الشَّيْخ بِأَن يسقينى قهوة ثمَّ مضينا فَدَعَانَا آخر فى القبيبات ثمَّ خرجنَا الى خَارج بَاب الله فَوقف الشَّيْخ يقْرَأ الْفَاتِحَة للشَّيْخ الحصنى قَالَ وَكَانَ التَّعَب أمضنى وخشيت أَن يذهب بى الشَّيْخ الى
قَرْيَة من الْقرى وَلَا أقدر على المشى قَالَ فَنحْن واقفون اذا بِرَجُل مكارى رَاكب على حمَار وَهُوَ يسحب بغلين فَقَالَ لنا ان أردتم التَّوَجُّه الى سبينه فاركبا هذَيْن البغلين قَالَ فَرَكبْنَا ومضينا الى سبينة فطلع أَهلهَا الى لِقَاء الشَّيْخ وأنزلوه فنزلنا وَحصل لنا اكرام زَائِد وبتنا تِلْكَ اللَّيْلَة هُنَاكَ ثمَّ خرجنَا فى الصَّباح وَمَا زلنا سَبْعَة أَيَّام وَنحن طائفون على قرى ومتنعمون بولائم حَتَّى جِئْنَا الى دمشق قَالَ فَقَالَ لى الشَّيْخ أَرَأَيْت حَقِيقَة التَّوَكُّل قلت بلَى وَله وقائع وكرامات كَثِيرَة جدا وَكَانَ يستسقى بِهِ الْغَيْث وَلِلنَّاسِ فِيهِ اعْتِقَاد عَظِيم وَهُوَ مَحل الِاعْتِقَاد وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ بعد الالف وَتوفى نَهَار الاحد سَابِع صفر سنة ثَمَان وَتِسْعين وَألف قبيل الْغُرُوب بهنيئة وفى ثانى يَوْم صلى عَلَيْهِ فى الْجَامِع الاموى وَدفن بمقبرة بَاب الفراديس وَكَانَ تمرض مُدَّة طَوِيلَة وأخبرنى بعض الاخوان انه قبل أَن يَمُوت بيومين أسكت فَلم يتَكَلَّم بشئ الا صَبِيحَة وَفَاته فَسَمعهُ ابْنه الشَّيْخ مُحَمَّد يَقُول ديننَا حق ودينكم شكّ قَالَ فَقَالَ لَهُ يَا سيدى أَلَسْت عَن رَبك براض فَقَالَ بلَى وَكَانَ هَذَا آخر كَلَام قَالَه وَاتفقَ يَوْم دَفنه وُصُول الْعَالم الربانى الشَّيْخ مُرَاد الازبكى الى دمشق من الرّوم وَحكى أستاذنا الْعَلامَة المنلا عبد الرَّحِيم الهندى الكابلى نزيل دمشق وَكَانَ خرج الى اسْتِقْبَال الشَّيْخ مُرَاد الى القطيفة قَالَ قصد الشَّيْخ الرحيل مِنْهَا قبل رفقائه بِنَحْوِ أَربع سَاعَات قَالَ فَقلت لَهُ ان الطَّرِيق مخوف وَلَا يُمكن التَّوَجُّه الا مَعَ الرّفْقَة قَالَ فَقَالَ لى عرضت مهمة وَلَا يُمكن التَّخَلُّف عَنْهَا وَقَامَ وَركب فى التخت ثمَّ توجه وتوجهنا مَعَه فَلم يمض الاحصة حَتَّى نزل من التخت وَركب فرسا وأسرع فى السّير فنكا لَا نقدر على اللحاق بِهِ من شدَّة المشى حَتَّى وصلنا الى دومة فَقيل لنا ان الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الهادى قد مَاتَ فوصلنا الى دمشق وَلم ينزل الشَّيْخ مُرَاد الا فى الْجَامِع الاموى وَحضر الصَّلَاة على الشَّيْخ مُحَمَّد ثمَّ توجه الى الْمَكَان الذى هيئ لَهُ وَهَذِه من أجل الكرامات للرجلين
مُحَمَّد صَاحب الْخَال ابْن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَبى بكر بن مُحَمَّد بن عمر بن أَحْمد بن مُوسَى بن أَبى بكر صَاحب الْخَال الاكبر وَقد تقدم ذكر بَقِيَّة النّسَب لصَاحب الْخَال الاكبر جد صَاحب التَّرْجَمَة الامام الْعَلامَة الْفَقِيه قاضى اللِّحْيَة وَشَيخ الشَّافِعِيَّة بديار الْيمن وأعلمهم بالحلال وَالْحرَام مَعَ التَّقْوَى والتحرى والاحاطة والزهد والقناعة والانكفاف عَن النَّاس الى خلق عَظِيم وطبع لطيف وجلالة قدر ونفوذ
كلمة ولد بِمَدِينَة اللِّحْيَة فى سنة أَربع عشرَة وَألف وَبهَا نَشأ وَحفظ الْقُرْآن والارشاد والملحة والرحبيبة وَغَيرهَا وَأخذ عَن وَالِده وتأدب بأدبه ولازم الْعَلامَة الشهير جمال الدّين مُحَمَّد بن عمر حشيبر وَالشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَبَا بكر بن مُحَمَّد القمرى وَالشَّيْخ الْعَالم مُحَمَّد باوزير الحضرمى وَالشَّيْخ الْجَلِيل مُحَمَّد بن الطَّاهِر فجم وَقدم مَكَّة سنة أَرْبَعِينَ وَألف وَأخذ بالحرمين عَن السَّيِّد الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى أَحْمد الهادى باعلوى والحافظ الْمُحدث مُحَمَّد على بن عَلان والفقيه مُحَمَّد بن عبد الْمُنعم الطائفى وَالشَّيْخ الْعَلامَة اسمعيل بن مُحَمَّد بن عمر حشيبر والفاضل ذهل بن على الحشيبرى وَكَانَت وَفَاته بِبَلَدِهِ لَيْلَة السبت سادس وعشرى صفر سنة مائَة وَألف وَصلى عَلَيْهِ غَائِبَة بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام يَوْم الْجُمُعَة خَامِس جُمَادَى الاولى من السّنة الْمَذْكُورَة
مُحَمَّد بن اسمعيل الْفَتى الزبيدى كَانَ من عُلَمَاء الظَّاهِر أَولا فحصلت لَهُ جذبة بعد الاربعين وسلك عِنْد بعض الْمَشَايِخ حَتَّى وصل الى غَايَة مَا يتمناه وَهُوَ مُسْتَغْرق منجمع عَن النَّاس وَله كرامات ظَاهِرَة وأحوال سنية يُقَال انه غوث هَذَا الْعَصْر وَمن جملَة حَاله انه كَانَ يكْشف أَحْوَال الرِّجَال الَّذين يزورونه بِمُجَرَّد مَا يراهم قَالَ الْمولى فروخ المكى وصلت الى خدمته سنة أَربع بعد الالف وأقمت عِنْده مُدَّة ثمَّ قلت لَهُ يَا سيدى أُرِيد السّفر الى الْيمن لازور الْمَشَايِخ فَقَالَ الذى تُرِيدُ من الْمَشَايِخ عندنَا مَوْجُود وَلَا ينبغى لنا أَن يكون محبنا مُحْتَاجا الى آخر فَقلت لابد من الرواح فَقَالَ تروح وَلَكِن تتعب كثيرا قَالَ فَكَانَ كَمَا قَالَ قَالَ أَيْضا وَقلت لَهُ عِنْد الْمُفَارقَة يَا سيدى قد أنست بك والآن أذهب الى الْحَرَمَيْنِ فَكيف يكون حالى بهما اذا غلب على الشوق الى لقائك قَالَ يُمكن أَن ترانى تَحت الْمِيزَاب أَو عِنْد الْمُلْتَزم قلت أَنا أُرِيد الارتحال الى الْمَدِينَة الشَّرِيفَة قَالَ وَأَنا أصلى بهَا الْعَصْر يَوْم الْخَمِيس واشتغل بِالصَّلَاةِ على النبى
من الْعَصْر الى آخر النَّهَار عِنْد بَاب السَّلَام
مُحَمَّد بن اسماعيل بَافضل الحضرمى التريمى الامام الْفَقِيه الشافعى أحد الْعلمَاء الْمَشْهُورين ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَحفظ الْقُرْآن والارشاد وَعرضه على مشايخه وتفقه بالشيخ حُسَيْن بن عبد الله بَافضل وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن حسن وَأخذ عَن شهَاب الدّين وَحج وَأخذ الْفِقْه عَن الشهَاب أَحْمد بن حجر الهيفى ولازمه فى دروسه الْفِقْهِيَّة وَغَيرهَا وَأخذ عَن تِلْمِيذه الشَّيْخ عبد الرؤف وَسمع بِمَكَّة من خلق كثيرين
وَأذن لَهُ بالافتاء والتدريس غير وَاحِد من مشايخه وَأثْنى عَلَيْهِ جمَاعَة من الاولياء وَكَانَ لَهُ ذهن ثاقب وحافظة ضابطة وقريحة وقادة وفكر قويم مَعَ عقل وافر وأدب ظَاهر وَكَمَال مُرُوءَة وَحسب وفتوة ودرس وَأفْتى وَتَقْرِيره أمتن من كِتَابَته واشتغل عَلَيْهِ جمَاعَة من الْفُضَلَاء وتفقه بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُم القاضى أَحْمد بن حُسَيْن بلفقيه وَالسَّيِّد أَبُو بكر بن مُحَمَّد بافقيه صَاحب قيدون وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بافقيه وَبَنُو عبد الرَّحْمَن بن شهَاب الدّين وَغير هَؤُلَاءِ وَله فَتَاوَى كَثِيرَة لَكِنَّهَا غير مَجْمُوعَة وهى مفيدة جدا وَكَانَ من أورع أهل زمانة متقللا من الدُّنْيَا زاهدا فِيهَا وفى مناصبها وَكَانَ متقشفا فى مأكله وملبسه ومسكنه وَكَانَ لَهُ خطّ حسن وَيضْرب بِهِ الْمثل فى الصِّحَّة وَكتب بِخَطِّهِ عدَّة كتب وَجمع بَين الْعلم وَالْعِبَادَة والمجاهدة والزهادة وَكَانَ أعجوبة الدَّهْر فى الانابة واشتهر فى الديار الحضرمية بِانْفِرَادِهِ بتحقيق الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَكَانَت وَفَاته بِمَدِينَة تريم فى سنة سِتّ بعد الالف وَدفن بمقبرة الفويط والمنيرة وحزن النَّاس لفقده رَحمَه الله تَعَالَى
الامام مُحَمَّد بن الامام اسمعيل المتَوَكل على الله بن الامام الْقسم بن مُحَمَّد بن على الامام الْمُؤَيد بِاللَّه كَانَ اماما جَلِيلًا عَالما عَاملا كثير الْخَوْف من الله سُبْحَانَهُ محبا للْفُقَرَاء صارفا بَيت المَال لمصارفة نَشأ على طَاعَة الله تَعَالَى من صغره لم يعْهَد لَهُ صبوة وَتَوَلَّى الاعمال المهمة فى زمن وَالِده وَولى صنعاء مُدَّة مديدة وكل بلد تولاها رفع عَنْهَا المكوس والمظالم قَرَأَ فى بدايته على القاضى أَحْمد بن سعد الدّين وعَلى السَّيِّد الْعَلامَة الْحسن بن المطهر الجرموزى وَأخذ الحَدِيث عَن مُحدث الشَّافِعِيَّة بِالْيمن الشَّيْخ عبد الْعَزِيز الْمُفْتى وَأخذ عَن الشَّيْخ الْعَلامَة أَحْمد بن عمر الحبيشى وَغَيرهم وَحج فى سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وزار النبى
وعمره نَحْو سبع عشرَة سنة وَمَعَهُ جمَاعَة من الاعيان وَأخذ عَن عُلَمَاء الْحَرَمَيْنِ وَلما توفى وَالِده عرضت عَلَيْهِ الامامة فأباها وتولاها الامام أَحْمد بن الْحسن الْمُقدم ذكره فَلَمَّا توفى أَحْمد بن الْحسن أجمع الائمة وَالْعُلَمَاء وَالنَّاس عَلَيْهِ وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ أحد فتولاها وَسَار سيرة الائمة الهادين وَعم النَّاس بِظِل عدله وَأمر باحياء الْعُلُوم والمدارس وَقرب الْعلمَاء وتعهد أَحْوَال الْفُضَلَاء وَأدّى حُقُوق الضُّعَفَاء وَأمر بِرَفْع الْمَظَالِم وَلَكِن لِكَثْرَة علمه وَعدم بطشه وتوقفه عَن الاقدام على الفتك لم تمتثل أمره بَاطِنا الائمة من بنى الْقَاسِم من اخوانه وَبنى عَمه فَكَانَ اذا أَمر بِرَفْع الْمَظَالِم وَأرْسل
أحدا فى شَأْنه يمتثلون أمره ظَاهرا فاذا رَجَعَ مأموره رجعُوا لما هم عَلَيْهِ من الظُّلم وكل مِنْهُم بسط يَده على بِلَاد فكثرت الْفِتَن بِسَبَب ذَلِك وَكَانَ مُرَاده أَخذهم بالحيلة والسياسة فَلم تطل مدَّته وَتوفى وَكَانَت وَفَاته فى ثَالِث جُمَادَى الْآخِرَة سنة سبع وَتِسْعين وَألف وَتَوَلَّى بعده الامامة مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن وَبَايَعَهُ غَالب الائمة والاعيان ودانت لَهُ الْبِلَاد وَالنَّاس أشهرا فَلَمَّا لم تحمد سيرته لعدم ترويه فى الامور قَامَ عَلَيْهِ وَلَده عبد الله مَعَ جملَة من اخوانه وَمن بنى الامام المتَوَكل اسماعيل وخلعوه من الامامة وولوا الامامة يُوسُف بن المتَوَكل وَبَايَعَهُ النَّاس وغالب الائمة وَبسط عماله يدهم على الْبِلَاد وجهز الجيوش على الامام مُحَمَّد بن أَحْمد الْمَذْكُور فحصروه بقلعة الْحصن الْمَشْهُور بالمنصورة ثمَّ قويت شوكته وَقَامَ ثَانِيًا ودانت لَهُ الْيمن واستقل بالامر وَبَايَعَهُ غَالب النَّاس طَوْعًا أوكرها
مُحَمَّد بن الياس المدنى الْخَطِيب قَالَ بعض الْفُضَلَاء فى حَقه أحد الْفُضَلَاء الاكياس المثرين من نقود الادب الفائقة على نقود الاكياس طابت أنفاسه بِأَنْفَاسِ طابه وملأ من نفائس الْآدَاب والفضائل وطابه فَهُوَ اذا خطب خطب عرائس الافكار وَأجِيب اليها ونصت عَلَيْهِ فى أرائك البلاغة فَبنى علينا واذا كتب كبت الْعَدو والحسود وَأقر بفضله السَّيِّد والمسود لم يزل فى جوَار رَسُول الله حَتَّى انْتقل الى جوَار الله فَمن شعره مَا كتب بِهِ مجيبا للقاضى تَاج الدّين المالكى وَقد أرسل اليه بهدية قَوْله
(مولاى قدرك أَعلَى
…
من كل شئ وأغلى)
(وَقد بعثت بِمَا ان
…
ينمى لقدرك قلا)
(وَلَا أرَاهُ يوازى
…
بِذَاكَ حاشا وكلا)
(من ذَا يُبَارى كَرِيمًا
…
فى الْجُود حَاز الْمُعَلَّى)
(أم من يجارى جوادا
…
فى حلبة الْفضل جلى)
(فاقبل لتشفع فضلا
…
بِهِ تطولت فضلا)
فَأَجَابَهُ القاضى تَاج الدّين بقوله
(يَا سيدا واماما
…
قد طَابَ فرعا وأصلا)
(خرت المكارم قدما
…
وطبت قولا وفعلا)
(غمرت بالجود عبدا
…
لَا زلت للفضل أَهلا)
(ودمت مولى كَرِيمًا
…
فَأَنت أَحْرَى وَأولى)
وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الاحد ثانى شهر ربيع الثانى سنة سِتّ وَسبعين وَألف بِالْمَدِينَةِ وَدفن بِالبَقِيعِ قلت وَلِهَذَا الاديب أَخ اسْمه عبد الله ذكره ابْن مَعْصُوم لَكِن لم يذكر وَفَاته وَأَنا لم أَقف عَلَيْهَا فَأَرَدْت أَن أذكرهُ هُنَا لِئَلَّا يَخْلُو كابى من ذكره فَأَقُول قَالَ ابْن مَعْصُوم فى تَرْجَمته أديب يرفل فى حلل الْجمال ويرتع فى رياض الْكَمَال الى شمائل لرقة الشُّمُول ناسخة وآداب فى مقرّ الاحسان راسخة رَأَيْته فَرَأَيْت الْبشر مجلوا فى صورته والظرف متلوا من سورته وَله نثر ونظم يملكَانِ المسامع لطفا ويشبهان قائلهما رقة وظرفا فَمن شعره قَوْله فى الْعرُوض
(ان الْعرُوض لبحر
…
تعوم فِيهِ الخواطر)
(وكل من عَام فِيهِ
…
دارت عَلَيْهِ الدَّوَائِر)
وقرأت بِخَط السَّيِّد مُحَمَّد كبريت مَا نَصه أنشدنى اجازة لنَفسِهِ سيدى الْعَفِيف عبد الله بن الْخَطِيب الياس سلما من الْمَكْرُوه والباس
(يَا سيدى قُم لى وَلَا
…
تخشى بحرمتك الْعِنَب)
(كَيْلا يُقَال مقصر
…
فَأَكُون فِيهِ أَنا السَّبَب)
فَقلت وان لم يبلغ الظالع شأو الظليع
(لم لَا أقوم لسيدى
…
من غير أَن أخْشَى العتب)
(وَهُوَ الذى قَامَت لَهُ
…
بثنائها عليا الرتب)
قَالَ وَقلت فى الْمَعْنى
(أقوم على الرَّأْس لما بدا
…
جمالك لَا لاجتناب العتب)
(وَلم لَا أقوم وَأَنت الذى
…
لعلياه قَامَت كرام الرتب)
ولبعضهم فى الْمَعْنى
(قيامى للعزيز على فرض
…
وَترك الْفَرْض مَالا يَسْتَقِيم)
(فَهَل أحد لَهُ عقل ولب
…
وَمَعْرِفَة يراك وَلَا يقوم)
وَمَا ألطف قَول بَعضهم معتذرا عَن عدم الْقيام
(عِلّة سميت ثَمَانِينَ عَاما
…
منعتنى للاصدقاء القياما)
(فاذا عمروا تمهد عذرى
…
عِنْدهم بالذى ذكرت وقاما)
ذكرت بِهَذَا مَا حَكَاهُ أَرْبَاب السّير عَن الصاحب اسماعيل بن عباد انه لما كَانَ
بِبَغْدَاد قصد القاضى أَبَا السَّائِب عَتبه بن عبيد لقَضَاء حَقه فتثاقل فى الْقيام لَهُ وتحقر تحقرا أرَاهُ بِهِ ضعف حركته وقصور نهضته فَأخذ الصاحب بضبعه وَقَالَ نعين القاضى على حُقُوق اخوانه فَخَجِلَ القاضى واعتذار اليه وَرَأَيْت بِخَط السَّيِّد مُحَمَّد كبريت الى سدته الْعلية أعنى الْخَطِيب الْمَذْكُور
(يأيها الْمولى الذى فاق الورى
…
بِبَيَان مَنْطِقه البديع الزين)
(هَات افتنا فى زيد المخفوض فى
…
مَا قَامَ الا زيد الْمِسْكِين)
فَكتب مجيبا
(يَا من بشمس علومه زَالَ المرا
…
فغدا بمصباح الْهدى كَالْعَيْنِ)
(انى أَقُول جوابكم وبى الجوى
…
فى فَرد بَيت زَان فى الْعَينَيْنِ)
(زيد تصور جَرّه باضافة
…
للال وَهُوَ الْعَهْد للاثنين)
حاكته أيدى الوداد بأنامل الاخلاص وسبكتها فى قوالب الِاتِّحَاد فَمَا حاكتها سبائك الْخَلَاص الى الحضرة الَّتِى يحِق لى أَن أحن اليها وأشتاق ويليق لى أَن أطير مَعَ حمائم البطائق لأفد عَلَيْهَا لَو أَن ذَلِك مِمَّا يُطَاق تهدلت أَغْصَان دوحة رياسته وتهللت جباه جلالته ونفاسته حب موثوق بالعرى وقلب منبوذ بالعرا
(أأتخذ الْعرَاق هوى ودارا
…
وَمن أهواه فى أَرض الشآم)
بيد أَن لَهُ فى سَعَة الْفضل رجا وفى اجْتِمَاع الشمل مَا تحار فِيهِ عقول أولى الحجا وَلَا يزَال بتذكر سويعات مرت مَا كَانَ أحلاها وأويقات لَيْسَ فى يَده الا أَنه يتمناها
(فياما كَانَ أحْسنه زَمَانا
…
وياما كَانَ أطيبه وياما)
وَبعد كل حَال فسلامة الْمولى هى مُنْتَهى الطّلب اذا كَانَ فى صِحَة فَمَا أَنا الا فِيهَا أتقلب
مُحَمَّد بن أَيُّوب بن أَحْمد بن أَيُّوب الخلوتى الحنفى الدمشقى تقدم ذكر وَالِده وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا من فضلاء وقته أديبا مطبوع الطَّبْع حسن المعاشرة خَفِيف الرّوح مَعَ صَلَاح وتقوى وَعبادَة أَخذ الْعلم عَن وَالِده وَغَيره من عُلَمَاء عصره وَلزِمَ الشَّيْخ أَحْمد ابْن على العسالى مَعَ وَالِده فى طَرِيق الخلوتية وَكَانَ ينظم الشّعْر وَلم أَقف لَهُ الا على هَذَا الْمَقْطُوع فى ذمّ العذار وَهُوَ
(يَا صَاح ان الشّعْر يزرى بذى الْحسن وان كَانَ بهى الْجمال
…
)
(أما ترى الانفس من شَعْرَة
…
تعاف للْمَاء الْفُرَات الزلَال)
وَهَذَا معنى تداولته الشُّعَرَاء وَالسَّابِق اليه أَبُو اسحق الغزى فى قَوْله
(يَقُولُونَ مَاء الْحسن تَحت عذاره
…
على الْحَالة الاولى وَذَاكَ غرور)
(أَلسنا نعاف الشّرْب من أجل شَعْرَة
…
اذا وَقعت فى المَاء وَهُوَ نمير)
وَكَانَ مغرما بالجمال وَله مجون مستعذب يُؤثر عَنهُ الْكثير مِنْهُ حكى لى بعض الاخوان قَالَ دخل دمشق شخص من أهالى حلب وَكَانَ ذَا مَال وافر وَلكنه جَاهِل فأنزله وَالِد المترجم عِنْده وَكَانَ يعتنى بالتمشدق فى الالفاظ يظنّ أَنه يجريها على قَاعِدَة الاعراب فَرُبمَا قَالَ فى سبحانه وتعالى سُبْحَانَهُ بِكَسْر النُّون وَكَانَ الشَّيْخ صَاحب التَّرْجَمَة يكرههُ فاتفق انه دَعَا جمَاعَة وَمَعَهُمْ غُلَام كَانَ يهواه فَدخل عَلَيْهِم الحلبى وَثقل عَلَيْهِم وَبدل صُورَة مجلسهم بِذكر مَا مَعَه من المَال فَقَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد سُبْحَانَ الله الرجل يملك مائَة ألف قِرْش وَيَقُول سُبْحَانَهُ بِكَسْر النُّون ويتطفل وَأَنا أقولها صَحِيحَة وَلَا أتطفل وَمَا معى وَلَا الدِّرْهَم الْفَرد وَله من هَذَا النَّوْع أَشْيَاء أخر وَلما مَاتَ وَالِده صَار شَيخا بعده وَأقَام ميعادهم بالجامع لكنه لم تطل مدَّته وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من الْفُضَلَاء أهل الذَّوْق وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ عشرَة بعد الالف وَتوفى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن عِنْد وَالِده بمقبرة الفراديس رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن بدر الدّين الملقب محيى الدّين الشهير بالمنشى الرومى الاقحصارى الحنفى الْمُفَسّر كَانَ من أجلاء الْعلمَاء الْمُحَقِّقين صنف تَفْسِيره الْمَشْهُور وَاقْتصر فِيهِ على قِرَاءَة حَفْص وَشرع فى تأليفه ببلدته اقحصار من أَعمال صَار وخان فى مستهل شهر رَمَضَان سنة احدى وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة وَله فى هَذَا التَّفْسِير لطائف كَثِيرَة مِنْهَا انه استخرج معميين أَحدهمَا اسْم مُحَمَّد استخرجه من أول سُورَة الْحَمد وَأول سُورَة الْبَقَرَة وَفِيه عمل عَجِيب وحله سهل مُمْتَنع اذ استخراجه على أَن تكون ألف وَلَام الْحَمد ميما والثانى فى اسْم هود واستخرجه من سُورَة هود من قَوْله تَعَالَى {وَمَا من دَابَّة الا هُوَ آخذ بناصيتها} واشارته ظَاهِرَة قلت قَوْله تَعَالَى {مَا فرطنا فى الْكتاب من شئ} يرشد الى أَمْثَال هَذَا الاستخراج على الْوَجْه الذى لَا يبعد عَن الطَّبْع من غير احْتِيَاج الى مَعُونَة خارجية على ان بَعضهم استخرج اسْم هَاشم من قَوْله تَعَالَى {وَالْقَمَر إِذا تَلَاهَا} بِالْعَمَلِ العددى وَهُوَ ان عدد قمر ثلثمِائة وَأَرْبَعُونَ وهى عدد تَلَاهَا فَهُوَ هَاشم وَهَذَا الاستخراج قريب الى الِاسْتِحْسَان لَا كاستخراج اسْم شهَاب من قَوْله تَعَالَى
{وَاللَّيْل إِذا يَغْشَاهَا} على أَن يُرَاد من لَفْظَة ليل مرادفه الفارسى وَهُوَ شب غشى هَا فَهَذَا وان كَانَ صَحِيحا الا ان اسْتِعْمَال الفارسى فِيهِ بعد وَالْفَقِير وقفت على تَفْسِير المنشى هَذَا فَرَأَيْت لَهُ عِبَارَات لَطِيفَة مستحسنة وَقد قرظ لَهُ عَلَيْهِ جمَاعَة مِنْهُم شيخ الاسلام مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن الياس الْمَعْرُوف بجوى زَاده فَقَالَ فِيهِ
(أكْرم بتفسير كروض ناضر
…
لم يمل حبر مثله بمحابر)
(حاو لكل فَوَائِد كقلائد
…
وبدائع خطرت ببال عاطر)
(بِعِبَارَة قد أحكمت وبراعة
…
قد ابكمت لسن البليغ الماهر)
(شمس المعارف والفضائل أشرقت
…
يهدى سناها كل قلب حائر)
(مولَايَ محيى الدّين دمت منولا
…
من يم فضلك كل در فاخر)
وَمِمَّا ينْسب الى المنشى من الشّعْر قَوْله يمدح البيضاوى
(أولُوا الالباب لم يألوا
…
بكشف قناع مَا يُتْلَى)
(وَلَكِن فِيهِ للقاضى
…
يَد بَيْضَاء لن تبلى)
وَكَانَ صَار شيخ الْحرم النبوى فى آخر الربيعين من سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة ورحل الى الْمَدِينَة وسكنها وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ بِالْحرم المكى فى سنة احدى بعد الالف
مُحَمَّد بن بدر الدّين بن بلبان البعلى الاصل الدمشقى الصالحى الْفَقِيه الْمُحدث الحنبلى الْمَذْهَب المعمر أحد الائمة الزهاد من كبار أَصْحَاب الشهَاب بن أَبى الْوَفَاء الوفائى الحنبلى الْمُقدم ذكره فى الحَدِيث وَالْفِقْه ثمَّ زَاد عَلَيْهِ فى معرفَة فقه الْمذَاهب زِيَادَة على مذْهبه وَكَانَ يقرى فى الْمذَاهب الاربعة وَسمع ببعلبك وبدمشق على الشهَاب العيثاوى وَالشَّمْس الميدانى وَأفْتى مُدَّة عمره وانتهت اليه رياسة الْعلم بالصحالية بعد وَفَاة الشَّيْخ على القبودى وَكَانَ عَالما ورعا عابدا قطع أوقاته فى الْعِبَادَة وَالْعلم وَالْكِتَابَة والدرس والطلب حَتَّى مكن الله تَعَالَى مَنْزِلَته من الْقُلُوب وأحبه الْخَاص وَالْعَام وَكَانَ دينا صَالحا حسن الْخلق والصحبة متواضعا حُلْو الْعبارَة كثير التحرى فى أَمر الدّين وَالدُّنْيَا مُنْقَطِعًا الى الله تَعَالَى وَكَانَ كثيرا مَا يُورد كَلَام الْحَافِظ أَبى الْحسن على بن أَحْمد الزيدى نِسْبَة لزيد بن على بن الْحُسَيْن لانه من ذُريَّته ويستحسنه وَهُوَ قَوْله اجعلوا النَّوَافِل كالفرائض والمعاصى كالكفر والشهوات كالسم ومخالطة النَّاس كالنار والغذاء كالدواء وَكَانَ فى أَحْوَاله
مُسْتَقِيمًا على أسلوب وَاحِد مُنْذُ عرف فَكَانَ يأتى من بَيته الى الْمدرسَة العمرية فى الصَّباح فيجلس فِيهَا وأوقاته منقسمة الى أَقسَام اما صَلَاة أَو قِرَاءَة قُرْآن أَو كِتَابَة أَو اقراء وانتفع بِهِ خلق كثير وَأخذ عَنهُ الحَدِيث جمع من أَعْيَان الْعلمَاء مِنْهُم الامام الْمُحَقق مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربى والوزير الْكَبِير مصطفى باشا بن مُحَمَّد باشا الكوبرى وَابْن عَمه حُسَيْن الْفَاضِل وأشياخنا الثَّلَاثَة أَبُو الْمَوَاهِب الحنبلى وَعبد القادرين عبد الهادى وَعبد الحى العكرى وَغَيرهم وحضرته أَنا وقرأت عَلَيْهِ فى الحَدِيث وَاتفقَ أهل عصرنا على تفضيله وتقديمه وَله من التآليف مُخْتَصر فى مذْهبه صَغِير الحجم كثير الْفَائِدَة وَله محَاسِن ولطائف مَعَ الْعلمَاء وَولى خطابة الْجَامِع المظفرى الْمَعْرُوف بِجَامِع الْحَنَابِلَة وَكَانَ النَّاس يقصدون الْجَامِع الْمَذْكُور للصَّلَاة وللتبرك بِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ بَقِيَّة السّلف وبركة الْخلف وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بالسفح وَكَانَت جنَازَته حافلة جدا رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن بَرَكَات أبي الوفا الشَّيْخ الصَّالح القانت مربى المريدين أَبُو الْفضل الموصلى الاصل الشيبانى الدمشقى الميدانى الشافعى الصوفى القادرى كَانَ كأبيه جوادا سخيا حسن الاخلاق لَهُ صَبر على جماعته وَكَانَ يتَرَدَّد اليه كأبيه أكَابِر النَّاس وعلماؤهم وَكَانُوا يعظمونه وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ مِمَّن تجمل بِهِ وقته وَكَانَ بَيته موردا للواردين ومنزلا للوافدين ورزق الْحَظ فى الجاه وَالْولد والعمر وَأكْثر أَوْلَاده أَسْبَاط فَقِيه الشَّام فى وقته الشّرف يُونُس العيثاوى وَهُوَ وَالِد القاضى بدر الدّين حسن الموصلى الْمُقدم ذكره وَكَانَت وَفَاته فى آخر لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشرى شعْبَان سنة ثَمَان بعد الالف وَصلى عَلَيْهِ بِجَامِع متجك بميدان الْحَصَا وَدفن بتربتهم جوَار مَسْجِد النارنج الملاصق للمصلى عَن نَحْو ثَمَانِينَ سنة أَو يزِيد عَلَيْهَا وتأسف النَّاس عَلَيْهِ كثيرا رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مُحَمَّد المنعوت كَمَال الدّين بن الكيال الدمشقى الْكَاتِب البارع أحد الافراد فى جودة الْخط وَحسن الضَّبْط وَكَانَ خطه فى وقته أغْلى قيمَة من الْجَوْهَر وَكَانَ يكْتب أَنْوَاع الاقلام على اختلافها وَهُوَ فى كل مِنْهَا محسن مجيد واستاذ وحيد وَكتب كتبا كَثِيرَة وتغالى النَّاس فى أثمانها وَحكى انه كتب مرّة تَفْسِير شيخ الاسلام أَبى السُّعُود العمادى وَبَاعه وَتوجه بِثمنِهِ الى الْقُسْطَنْطِينِيَّة ودخلها فى أَيَّام السُّلْطَان مُرَاد بن سليم وانتسب الى شيخ الاسلام سعد الدّين بن حسن جَان معلم
السُّلْطَان الْمَذْكُور فأسكنه عِنْده فى دَاره وهيأ لَهُ لوازمه وأسبابه وَأَعْطَاهُ نَفَقَة كَثِيرَة وَكتب لَهُ تَفْسِير أَبى السُّعُود الْمَذْكُور فى مُدَّة سنتَيْن وَهُوَ مُقيم عِنْده وَقد كَانَ تأنق فى كِتَابَته جهده فَلَمَّا رَآهُ السعد مَال اليه بكليته وَأَعْطَاهُ مَالا فَوق مَا يتمناه وانتظم حَاله ثمَّ بعد مُدَّة مل الغربة فهرب وَقدم الى دمشق وفطن بِهِ السعد فتألم لغيبته وَأقَام بعد ذَلِك بِدِمَشْق وَتزَوج بهَا وَكَانَ لَا يفتر عَن كِتَابَة الْكتب مُدَّة حَيَاته وَبِالْجُمْلَةِ فانه كَانَ من الْمشَار اليهم فى الْكِتَابَة وانْتهى اليه الظّرْف فى حسن التناسق وَجمع من خطوط أساتذة الْكتاب من الْعَجم وَالروم مَا لم يجمعه غَيره وَكَانَ مَعَ ذَلِك حسن الاخلاق لطيف الطَّبْع لين الْجَانِب كثير الْفَوَائِد وَكَانَت وَفَاته فى سنة سبع وَعشْرين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير وَاتفقَ مَوته لَيْلَة النوروز وَهُوَ انْتِقَال الشَّمْس الى برج الْحمل فَقَالَ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى مؤرخا وَفَاته بقوله
(لقد نسخ الْكَمَال بِلَا مِثَال
…
عَشِيَّة قيل للشمس انْتِقَال)
(تعجب لاتِّفَاقهمَا وأرخ
…
لبرج الْجنَّة انْتقل الْكَمَال)
قلت وَقد أجْرى التَّاء المربوطة هَاء فليتنه لَهُ وَهَذَا من التواريخ اللطيفة
مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن السقاف الحضرمى الْمَعْرُوف جده بكريشة أحد أَوْلِيَاء زَمَنه وأصفياء وقته وَله الكرامات الجمه والمناقب الْعَظِيمَة ذكره الشلى فى تَارِيخه الْمُرَتّب على السنين وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بِمَدِينَة تريم وَنَشَأ بهَا وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين ثمَّ حصلت لَهُ جذبة وَرُبمَا حصلت مِنْهُ أُمُور مَمْنُوعَة فى ظَاهر الشَّرْع كاتلاف الاموال بالنَّار ورميها فى الْبَحْر بِلَا سَبَب ظَاهر وَكَانَ لَا يُقيم بِبَلَد سنة كَامِلَة بل ينْتَقل فى الْبلدَانِ فَرَحل الى الْهِنْد والحبشة والسواحل واليمن والحجاز وَكَانَ يتَرَدَّد الى مَكَّة وَكَانَ قاضيها ورئيسها القاضى حُسَيْن الْمَشْهُور وَكَانَ يُحِبهُ ويعتقده وأملكه على ابْنَته وَكَانَ كلما دخل بَلْدَة تصرف فى أَهلهَا لَا سِيمَا ولاتها وحكامها تصرف الْملاك وَكَانَ كل حَاكم يأتى الى الْيمن يكون تَحت أمره الْمُطلق والمقيد ويستبد بالامر على خدمه وخاصته وَكَانُوا يعطونه من الاموال والجواهر والملابس الفاخرة وَالْخَيْل والامتعة مَا لَا يُحْصى كَثْرَة وَكَانَ كثير الانفاق على أَصْحَابه لَا سِيمَا اذا خرج الى حَضرمَوْت وَكَانَ لَا ينَام الا قَلِيلا وَكَانَ عَظِيم الهيبة على جماعته وَرُبمَا أنكر عَلَيْهِ انه اذا جَاءَ وَقت الصَّلَاة أَمرهم بهَا وَلَا يصلى بل يغيب عَنْهُم وكل من أنكر عَلَيْهِ حَاله اذا اجْتمع بِهِ زَالَ عَنهُ ذَلِك وَكَانَ لَا يجمتع
الا بآحاد النَّاس وَكَانَ قَلِيل الشطح وَكَانَت الْمُلُوك والسلاطين تعتقده وتعظمه واذا كتب لَاحَدَّ فى شئ لَا يُسْتَطَاع رده وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من عجائب الدُّنْيَا وَله كرامات خارقة كَمَا أخبر من شَاهدهَا من الثِّقَات مِنْهَا انه كَانَ يَأْخُذ من التُّرَاب والمدر وَالْحجر وَيُعْطِيه من يَشَاء من أَصْحَابه فيجده نَقْدا أَو سكرا أَو حلوى على حسب مَا طلبه مِنْهُ ذَلِك الشَّخْص قَالَ الشلى وَهَذِه الْكَرَامَة سَمعتهَا من جمَاعَة من أهل مَكَّة وَمن أهل حَضرمَوْت شاهدوها وَمِنْهَا ان حَاكم الْيمن أَتَى الى بَيته لزيارته بخيله فأكرمهم وَقَالَ لَهُ خادمه لَيْسَ عِنْد نَاشِئ من البخور فَأدْخل يَده تَحت ثِيَابه وَأخرج قِطْعَة عنبر وَقَالَ بخرهم بِهَذَا وَمِنْهَا انه اشْترى بقرة وَلم يكن عِنْده شئ من ثمنهَا فاستمهل صَاحبهَا فَامْتنعَ فَضرب صَاحب التَّرْجَمَة قرن الْبَقَرَة ضربات على عدد ثمن الْبَقَرَة فَتَنَاثَرَ مِنْهَا قدر ثمنهَا أخبرنى بِهَاتَيْنِ الكرامتين السَّيِّد عيدروس بن حُسَيْن الْبَار وَمِنْهَا مَا أخبرنى خادمه عبد الله بن كُلَيْب قَالَ أرسلنى السَّيِّد الى السُّلْطَان عبد الله بن عمر الكثيرى يستشفع فى رجل فَامْتنعَ وَقَالَ هَذَا رجل لنا عَلَيْهِ أَمْوَال وَفعل أفعالا قبيحة قَالَ فَأخْبرت سيدى فَسكت واذا بالسلطان يدق الْبَاب فَفتح لَهُ فَاعْتَذر واستغفر وَقَالَ أصابتنى ريح فى بطنى كَادَت أَن تهلكنى فَمسح بِيَدِهِ على بَطْنه فَعُوفِيَ لوقته وَمِنْهَا انه لما سَافر الى الْمَدِينَة نزل خَارِجهَا وَلم يدخلهَا وَخرج لَهُ أكابرها وَوَقع فى نفس شيخ الْحَرَام شئ على السَّيِّد من عدم دُخُوله وساء ظَنّه بِهِ فَدخل تِلْكَ اللَّيْلَة الْحُجْرَة الشَّرِيفَة فَوجدَ صَاحب التَّرْجَمَة عِنْد الْقَبْر الشريف دَاخل الْحُجْرَة فبهت واستعظم ذَلِك فَلَمَّا أصبح خرج اليه معتذر فكاشفه السَّيِّد وَقَالَ أتظن ان هَذِه الجدران تحجبنا وَله غير ذَلِك من الكرامات ثمَّ رَحل الى بندر المخا وَاسْتقر فِيهِ الى ان مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَدفن خَارج الْعمرَان وَعمل على قَبره عَرِيش من القضبان وقبره مَعْرُوف يزار ويتبرك بِهِ وَمن أَسَاءَ الادب عِنْده عوجل بالعقوبة الا أَن يُبَادر بالاستغفار وَالتَّوْبَة وَوَقع لبَعض الْعَجم انه أَسَاءَ الادب فى حَضرته فَنَهَاهُ الْخَادِم فَلم ينْتَه فتزحلقت رجله وَصَارَ يَتَحَرَّك كالطير الْمَذْبُوح وَمَات لوقته
مُحَمَّد بن بَرَكَات بن مفرج الشهير بالكوافى الحمصى الدمشقى الشَّافِعِي كَانَ من الْعلمَاء الصلحاء قدم الى دمشق فى أَيَّام كهولته وقطن بِالْمَدْرَسَةِ الطبية بمحلة القيمرية مُدَّة أَرْبَعِينَ سنة وَأخذ عَن أجلاء الْعلمَاء واشتغل على جمَاعَة من أهل الْعلم مِنْهُم الشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الله الخباز الْمَعْرُوف بالبطنينى فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَالْفِقْه وَغَيرهمَا
ورحل الى مصر خمس مَرَّات وَأخذ عَن علمائها وَكَانَ صوفى المشرب قادري الطَّرِيقَة وَكَانَ أَعْيَان دمشق يذهبون اليه ويقصدون زيارته والتبرك بِهِ وَاسْتمرّ مُقيما بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَة هَذِه الْمدَّة لَا يخرج الا لصَلَاة الْجُمُعَة أَو أَمر مُهِمّ وَكَانَ يقرئ الْقُرْآن والنحو وَغَيرهمَا وَكتب بِخَطِّهِ الْكثير من الْكتب هُوَ وتلاميذه وَاتفقَ لَهُ من الْعَجَائِب انه أَقرَأ النَّحْو وَسمع الْقُرْآن وَكتب الْفِقْه فى آن وَاحِد وَمن عجائبه انه كَانَ يكْتب صحيفَة من الْوَرق بغطة قلم وَاحِدَة وَختم الْقُرْآن ختمتين وَثمن ختمة فى يَوْم وَاحِد وَكَانَ ينظم الشّعْر فَمن شعره قَوْله فى التوسل
(رباه رباه أَنْت الله معتمدى
…
فى كل حَال اذ حَالَتْ بى الْحَال)
(يَا وَاسع اللطف قد قدمت معذرتى
…
ان كَانَ يغنى عَن التَّفْصِيل اجمال)
(مَاذَا أَقُول وَمنى كل مَعْصِيّة
…
ومنك يَا سيدى حلم وامهال)
(وَمَا أكون وَمَا قدرى وَمَا عملى
…
فى يَوْم تُوضَع فى الْمِيزَان أَعمال)
وَكتب الى بعض اصحابه
(وفوض لمولاك كل الامور
…
فتفويض أَمرك خلق حسن)
(وان جَاءَ يَوْم بِهِ شدَّة
…
فَلَا تجزعن وَلَا تيأسن)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة خمس بعد الالف وَتوفى بعد عشَاء لَيْلَة الاحد السَّابِع وَالْعِشْرين من شَوَّال سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الشَّيْخ أرسلان
السَّيِّد مُحَمَّد بن برهَان الدّين الشهير بشريف الحميدى نقيب السَّادة الطالبية بممالك آل عُثْمَان أحد فصحاء الرّوم وبلغائهم وَكَانَ عَالما فَاضلا مَشْهُورا بالذكاء والتبحر فى الْعُلُوم لَازم من شيخ الاسلام زَكَرِيَّا بن بيرام وَكَانَ فى خدمَة نيابته بحلب لما كَانَ قَاضِيا بهَا وَلما صَار قاضى الْعَسْكَر أعطَاهُ خدمَة التذاكر ثمَّ زوجه ابْنَته وتنقل فى الْمدَارِس ثمَّ ولى قَضَاء الشَّام فى سنة ثَمَان عشرَة وَألف ودخلها وَأحسن فى قَضَاءَهُ ومدحه شعراؤها بالقصائد والمقطعات وَلم أسمع بقاض فى دمشق مدح بِمِقْدَار مَا مدح بِهِ هَذَا وَكَانَ محبا للادباء مقربا لَهُم متهافتا على التَّلَذُّذ بمجالستهم وقرأت فى أَخْبَار الاديب عبد اللَّطِيف بن يحيى المنقارى انه كَانَ نديم مَجْلِسه وَكَانَ يقربهُ ويدنيه وَمرض أَبوهُ فى أَيَّام قَضَائِهِ فَأَرَادَ وَلَده أَن يستفرغه عَن وظائفه فتمنع ثمَّ انه لما أحس بِالْمَوْتِ أَرَادَ الْفَرَاغ فَمَا أمكنه فَذَهَبت الْوَظَائِف وَلم يحصل لَهُ مِنْهَا الا الْقَلِيل وَكَانَ بِيَدِهِ تدريس العزية الَّتِى بالشرف الاعلى بِجَانِب دمشق الغربى
فَأَخذه الْجمال يُوسُف ابْن كريم الدّين كَاتب المحكمة وَعجز المنقارى عَن أَخذه لقرب الكريمى من القاضى فَكتب المنقارى الى قاضى الْقُضَاة السَّيِّد صَاحب التَّرْجَمَة هَذِه الابيات معاتبة على تَوْجِيه مدرسة أَبِيه للكريمى وهى أَبْيَات لَطِيفَة وغالبها تضمين من شعر الْغَيْر
(غيرت يَا دهر من ودى غَدا لَهُم
…
ملازما فنأت عَنى لَهُم نعم)
(قد كنت أَرْجُو وجودا الْجُود مَعَ شرف
…
أسمو بِهِ فَوق أقرانى اذا حكمُوا)
(فَصَارَ جودهم للْغَيْر وانخفضت
…
مَرَاتِب شأوها الاخلاص عِنْدهم)
(وفى فؤادى من عكس الردى حرق
…
قد أضرمتها ريَاح شابها الالم)
(مَا كل مَا يتَمَنَّى الْمَرْء يُدْرِكهُ
…
تجرى الرِّيَاح بِمَا لَا يشتهى الارم)
(لَعَلَّهَا تنطفى من برد حكمته
…
ويشتقى الْقلب من نَار لَهَا ضرم)
(فان عكس الرجا مر مذاقته
…
على كئيب عرته فى الورى نعم)
(مولاى يَا من غَدا سر الْوُجُود وَمن
…
سواهُ عندى وان أولى الجفا عدم)
(لأَنْت انسان عين الرّوم حزت على
…
مَا نالها قطّ لَا عرب وَلَا عجم)
(وفقت غَيْرك فى حكم ومعدلة
…
وشدت ربعا وَمن سكانه الْكَرم)
(طلعت فى أفقنا بَدْرًا وَلَيْسَ يرى
…
لِليْل جهل وظلم فى الملا ظلم)
(لَكِن مَوضِع رحلى أسود وفمى
…
فِيهِ لهيب الظما دون الورى وَدم)
(سقيت جرعة عَيْش كُله كدر
…
ووردهم من نداك السلسل الشبم)
(تعلّقت بحبال الشَّمْس مِنْك يدى
…
ثمَّ انْثَنَتْ وهى صفر ملؤُهَا نَدم)
(هَل فى الْقَضِيَّة يَا من فضل دولته
…
وَعدل سيرته بَين الورى علم)
(يضيع وَاجِب حقى بعد مَا شهِدت
…
بِهِ النَّصِيحَة والاخلاص والخدم)
(وَلم أقصر لَدَى حفظ الوداد وَلَا
…
جرت الى نَحْو اخلاصى لَك التهم)
(وَمَا ظننتك تنسى حق معرفتى
…
ان المعارف فى أهل النهى ذمم)
(وَلم أضيع عهودا مِنْك لى سلفت
…
وَمَا غدرت فَلم للود احترم)
(حرمت مَا كنت أَرْجُو من ودادك لى
…
مَا الرزق الا الذى تجرى بِهِ الْقسم)
(بِاللَّه يَا ابْن الالى سَارُوا الى رتب
…
مَا نالها أحد فى الْخلق غَيرهم)
(مَا مر يَوْمًا بفكرى مَا يريبكم
…
ولاسعت بى الى مَا سَاءَ كم فدم)
(أحببتكم لخلال كنت أعرفهَا
…
وانما تعشق الاخلاق والشيم)
(اذا محاسنى اللاتى أدل بهَا
…
كَانَت ذنوبا فوصلى مِنْك منصرم)
(مَعَ ذَا فَأَنت منى قلبى فلست الى
…
سواك ان عبس التبريح أبتسم)
(وَبعد لَو قيل لى مَاذَا تحب وَمَا
…
هَوَاك من زِينَة الدُّنْيَا لَقلت هم)
(وَمَا سخطت بعادى اذ رضيت بِهِ
…
فَكل جرح اذا أرضاك ملتئم)
(فَاسْلَمْ على أَي حَال شِئْت يَا أمْلى
…
وَأَنت ذُو حِكْمَة بَين الورى حكم)
(مدى الزَّمَان وَمَا أبدى كئيب أسى
…
شكاية من شرِيف دَاره حرم)
وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة ينظم الشّعْر العربى وَمن نظمه مَا قَالَه لما ولى الْحَافِظ أَحْمد حُكُومَة الشَّام وقدمها وَكَانَ ظَالِما عاتيا وَكَانَ تقدمه حَاكم أَلين مِنْهُ فَقَالَ
(أرسل السُّلْطَان بِالْعَدْلِ الْمُبين
…
حَاكما وافى لقمع الظَّالِمين)
(أَحْمد وافى دمشقا حَافِظًا
…
بَيْضَة الاسلام بالرأى الرزين)
(دَامَ فى عدل واقبال وفى
…
عزة من لطف رب الْعَالمين)
(مذر أوه لَيْسَ من جنس الذى
…
قد خلا من قبله فى الْحَاكِمين)
(قَالَ أهل الظُّلم مِنْهُ رهبة
…
لَيْسَ هَذَا الكعك من ذَاك الْعَجِين)
وعارض هَذِه جمَاعَة من الادباء وَلَيْسَ فى ايراد معارضاتهم كَبِير فَائِدَة الا تضمين هَذَا الْمثل فَلِذَا أَعرَضت عَن ذكرهَا ثمَّ عزل السَّيِّد مُحَمَّد عَن قَضَاء الشَّام وَولى قَضَاء مصر وقسطنطينية ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى مرَّتَيْنِ نقل فى ثانيتهما الى نقابة الاشراف وَذَلِكَ فى جُمَادَى الْآخِرَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف وَهُوَ حادى عشر نَقِيبًا ولى فى الدولة العثمانية فانه من عهد السُّلْطَان عُثْمَان الْكَبِير الى عهد السُّلْطَان يلدرم بايزيد لم يتَعَيَّن نقيب للاشراف ثمَّ ان أَمِير سُلْطَان كَانَ صحب مَعَه الى بروسه لما دَخلهَا السَّيِّد على النطاع وَهُوَ جد عاشق حلبى فعين نَاظرا على الاشراف وَلما مَاتَ ولى مَكَانَهُ وَلَده زين العابدين فى زمن السُّلْطَان مُرَاد وَالسُّلْطَان مُحَمَّد الاولين فَلَمَّا مَاتَ بقى هَذَا المنصب خَالِيا الى أَوَائِل عصر السُّلْطَان بايزيد فَقدم فى زَمَانه السَّيِّد مَحْمُود الْمَعْرُوف بأمير مخلص وَكَانَ ساح فى الْعَرَب والعجم وَكَانَ قدومه الى الرّوم فى أَوَائِل الْقرن التَّاسِع فَوَقع من بعض الاشراف أَمر اقْتضى تأديبه من أَجله فعين السَّيِّد مَحْمُود الْمَذْكُور لنظارة الاشراف بِاخْتِيَار الْجُمْهُور وَكَانَ يعرف أَن فى بِلَاد الْعَرَب يُطلق على هَذَا النَّاظر نقيب الاشراف فَأَشَارَ أَن يكْتب فى منشوره هَذَا اللَّفْظ وابتدأوا وظيفته أَولا بِعشْرين عثمانيا ثمَّ ترقت الى أَن
صَارَت سبعين وَلَا زَالَ السَّيِّد مُحَمَّد شرِيف نَقِيبًا الى أَن توفى فى سنة أَرْبَعِينَ وَألف تَقْرِيبًا وَدفن بقسطنطينية
مُحَمَّد بن تَاج الدّين بن أَحْمد المحاسنى الدمشقى الحنفى الْخَطِيب بِجَامِع دمشق تقدم أَبوهُ وَأَخُوهُ عبد الرَّحِيم وَهَذَا أشهر آل بَيته وأفضلهم وَكَانَ فَاضلا كَامِلا أديبا لبيبا لطيف الشكل وَجها سَاكِنا جَامعا لمحاسن الاخلاق حسن الصَّوْت نَشأ فى نعْمَة وافرة وَكَانَ أَبوهُ ذَا ثروة عَظِيمَة فَكَانَ يصله بِكُل مَا يحْتَاج اليه من مَال ومتاع وَقَرَأَ على عُلَمَاء عصره مِنْهُم الشّرف الدمشقى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى والعمادى الْمُفْتى وَالْجمال الفتحى امام السُّلْطَان وَأخذ عَن الشَّيْخ عمر القارى والنجم الغزى وأبى الْعَبَّاس المقرى وسافر الى الرّوم صُحْبَة وَالِده وَأخذ عَن علمائها مِنْهُم الشَّمْس مُحَمَّد المحبى ثمَّ رَجَعَ وَأعْطى بقْعَة تدريس بالجامع الاموى عَن شَيْخه الشّرف لما مَاتَ ولازم من الْمولى مُحَمَّد بن أَبى السُّعُود ولى خطابه جَامع السُّلْطَان سليم بصالحية دمشق واشتهر بِحسن الحطابة ثمَّ صَار اماما بِجَامِع بنى أُميَّة وَلما توجه شَيْخه الفتحى الى الرّوم وَكَانَ عين لامامة السُّلْطَان مُرَاد فوض اليه أَمر حِصَّته فى الخطابة بِجَامِع دمشق ودرس بِالْمَدْرَسَةِ الجوهرية وَكَانَ يدرس فى الْجَامِع فى غَالب الايام والليالى سِيمَا فى الاشهر الثَّلَاثَة رَجَب وَشَعْبَان ورمضان وأقرأ صَحِيح مُسلم وَكتب عَلَيْهِ بعض تعاليق وَسكن أَولا فى دَار جده لامه الْحسن البوريتى ثمَّ وقف عَلَيْهِ رجل يعرف بالصنجقدار بَيْتا قبالة الْمدرسَة العادلية الْكُبْرَى فسكن فِيهِ وسافر الى الرّوم فى سنة خمسين وَأخذ تَوْلِيَة الْجَامِع الاموى وَولى قسْمَة الْعَسْكَر مرَّتَيْنِ ثمَّ بعد وَفَاة وَالِده سكن بداره قرب بَاب الفراديس وَفرغ لَهُ الشهَاب أَحْمد البهنسى عَن نصف الخطابة بالجامع الاموى ثمَّ لما مَاتَ شَيْخه الفتحى اسْتَقل بِجَمِيعِ الخطابة أَصَالَة وبقى الى أَن ولى على الْقصير دفتريه الشَّام فَادّعى أَن الخطابة الَّتِى للفتحى كَانَت فى السَّابِق نظارة للسلطانة وَأحسن بهَا اليه السُّلْطَان عُثْمَان وَجعلهَا خطابة مَكَان النظارة وَأظْهر صُورَة التَّوْجِيه فَرفع يَده عَنْهَا وَبقيت فى يَده الحطابة الاصلية الَّتِى فرغ لَهُ عَنْهَا البهنسى وَلما توفى الشَّيْخ سعودى الغزى وَجه اليه درس الحَدِيث تَحت قبَّة النسْر من جَامع دمشق كَمَا أسلفته فى تَرْجَمَة مُحَمَّد بن أَحْمد الاسطوانى قَرِيبا وَهَذَا الدَّرْس وَظِيفَة حَادِثَة بعد الْخمسين وَألف رتبها بهْرَام أغاكتخدا وَالِدَة السُّلْطَان ابراهيم وَبنى السُّوق الْجَدِيد والخان
قرب بَاب الْجَابِيَة لاجلها وَعين للمدرس سِتِّينَ قرشا وللمعيد ثَلَاثِينَ ولقارئ الْعشْر عشرَة قروش ودرس المحاسنى وَكَانَ فصيح الْعبارَة وانتفع بِهِ خلق من عُلَمَاء دمشق مِنْهُم شَيخنَا الْعلَا مُحَمَّد بن على الحصكفى مفتى الشَّام وَشَيخنَا الْمُحَقق ابراهيم بن مَنْصُور الفتال وَغَيرهمَا وَله تحريرات تدل على علمه وَله شعر حسن مطبوع فَمِنْهُ قَوْله من قصيدة
(يَا سَقَاهَا مرابعا للتلاقى
…
كل سَار من الحيا غيداق)
(حَيْثُ تبدو قَالَه تخجل الْغُصْن
…
وَوجه يزِيد فى الاشراق)
(ورعى الله عهدنا بالمصلى
…
حَيْثُ ذَات اللمى على الْمِيثَاق)
(حَيْثُ أَشْكُو لَهَا الغرام ووجدا
…
قد أسَال الدُّمُوع من أماقى)
(يَا حداة المطى رفقا بقلبى
…
ان طعم الْفِرَاق مر المذاق)
(جبلت طينتى على محنة الْحبّ فحسبى من الْهوى مَا ألاقى
…
)
(كل يَوْم قطيعة وبعاد
…
واكتئاب وفيض دمع مآقى)
(شَاب فودى يَتْلُو مشيب فؤادى
…
فأمانا من هول يَوْم الْفِرَاق)
(لست شعرى مَتى تعيد الليالى
…
مَا أتاحت من صفو عَيْش التلاقى)
(مَا أَظن الايام تحكم الا
…
بامتناع الارفاق للارفاق)
وَمن // جيد شعره // قَوْله
(وتنفسى الصعداء لَيْسَ شكاية
…
مِمَّا قضته سوابق الاقدار)
(لَكِن بقلبى جملَة تفصيلها
…
صَعب لَدَى الْعُقَلَاء والاحرار)
(فَجعلت مَوضِع كل ذَلِك أَنه
…
ضمنت مرادى من عَطاء البارى)
وَكتب الى بعض أَصْحَابه بِدِمَشْق وَهُوَ بِمصْر
(لَو كنت بمرأى من خليط نزحا
…
مَا كَانَ دخيل الوحد منى وضحا)
(لَكِن بعدوا فَصَارَ سرى عليا
…
من بعدهمْ وَصَارَ كأسى قدحا)
وَمن ملحه هَذَا الموشح نظمه على أسلوب موشح لبِنْت العرندس الشيعى ومطلع موشحه
(أهواه مهفهفا من الْولدَان
…
ساجى الحدق)
(قد فر من الْجنان من رضوَان
…
تَحت الغسق)
(من ريقته سكرت لَا من راحى
…
كم جدد لى رحيقها أفراحى)
(كم أسكرنى بخمرها يَا صَاح
…
كم أرقنى بطرفه الْوَسْنَان)
حَتَّى الفلق
(لَو عَامله بعدله ذَا الجانى
…
أطفا حرقى)
(من باهر حسنه يغار الْقَمَر
…
فى روض جماله يحار النّظر)
(قد عز لَدَى ان بدا المصطبر
…
مَا اهتز يمِيل مَيْلَة الاغصان)
للمعتنق
(الا وأتاح للمحب العانى
…
كل القلق)
(يَا وَيْح محبه اذا مَا خطرا
…
كالبدر يلوح فى الدياجى قمرا)
(ان أقض وَلم يقْض لقلبى وطرا
…
فالويل اذ المغرم ولهان)
فى الْحبّ شقى
(قد حمل الْعِشْق من الهجران
…
مَا لم يطق)
(الْقدر شيق مثل خوط البان
…
واللحظ كَيفَ الْهِنْد فى الاجفان)
(وَالْخَال شَقِيق الْمسك فى الالوان
…
والخد مورد أسيل قانى)
شبه الشَّفق
(والعارض قد سلسل كالريحان
…
للورد يقى)
(يَا عاذل لَو أَبْصرت من أهواه
…
ناديت تبَارك الذى سواهُ)
(قد أحسن خلقه وَقد نماه
…
اذ كمله وَخص بِالنُّقْصَانِ)
بدر الافق
(قد أفرغه فى قالب الاحسان
…
زاكى الْخلق)
(المصبر على هَوَاهُ مثل الصَّبْر
…
وَالْقلب غَدا من هجره فى جمر)
(مَا ألطفه فى وَصله والهجر
…
لم ألق لَهُ فى وَصله من ثانى)
حُلْو الملق
(مَا وَاصل بعد بعده أجفانى
…
غير الارق)
ومطلع موشح بنت العرندس هُوَ هَذَا
(مَا رنحت الصِّبَا غصون البان
…
بَين الْوَرق)
(الا وشجى الْهوى لقلبى العانى
…
نَار الحرق)
(مَا هَب صبا
…
لنحوك الْقلب صبا
…
لَاقَى وصبا
…
يَا بدر سما
…
سما على بدر سما
…
للنَّاس سبا
…
صلنى فَعَسَى
…
تنَال منى ذَهَبا
…
عقلى ذَهَبا
وَالْقلب منى مواقد النيرَان نامى القلق والناظر قد أسَال من أجفانى مَاء الغدق)
وَمن شعر المحاسنى قَوْله
(أودعكم وأودعكم جنانى
…
وأنثر أدمعى مثل الجمان)
(وَلَو نعطى الْخِيَار لما افترقنا
…
وَلَكِن لَا خِيَار مَعَ الزَّمَان)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة اثنتى عشرَة وَألف وَتوفى عَشِيَّة الاربعاء غرَّة شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة الفراديس بِالْقربِ من جده لامه الْحسن البورينى ورثاه شَيخنَا عبد الْغنى بن اسماعيل النابلسى بقصيدة مطْلعهَا
(لتهن رعاع النَّاس وليفرح الْجَهْل
…
فبعدك لَا يَرْجُو البقا من لَهُ عقل)
(أيا جنَّة قرت عُيُون أولى النهى
…
بهازمنا حَتَّى تداركها الْمحل)
وهى قصيدة // جَيِّدَة // غَايَة وَلَوْلَا طولهَا لذكرتها برمتها
مُحَمَّد بن تَاج الدّين بن مُحَمَّد المقدسى الاصل الرملى المولد والمنشأ الحنفى مفتى الرملة الامام الْعَالم الصَّالح التقى الْخَيْر نادرة الزَّمَان وَهُوَ ابْن ابْن أُخْت شيخ الاسلام خير الدّين الرملى أَخذ بِبَلَدِهِ عَن خَال أَبِيه وَابْنه الشَّيْخ محيى الدّين ثمَّ رَحل الى مصر فى حُدُود سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَألف وَأقَام بهَا الى سنة سبعين وَقَرَأَ بالروايات على الشَّيْخ سُلْطَان المزاحى جَمِيع الْقُرْآن للسبعة ثمَّ ختمة أُخْرَى للعشرة من طَرِيق الدرة وَأخذ عَنهُ الحَدِيث وَقَرَأَ عَلَيْهِ شرح ألفية ابْن الهائم للشَّيْخ زَكَرِيَّا فى الْفَرَائِض وَأَجَازَهُ بمروياته وَأخذ الحَدِيث أَيْضا عَن الشَّمْس البابلى قَرَأَ عَلَيْهِ شرح ألفية العراقى للشَّيْخ زَكَرِيَّا وَسمع عَلَيْهِ بعض البخارى وَبَعض سيرة ابْن سيد النَّاس وَشرح عقيدة شَيْخه اللقانى فى العقائد وَأخذ أَيْضا الحَدِيث عَن الْمُحدث عبد السَّلَام اللقانى ولازم النُّور الشبراملسى فى شرح ألفية العراقى للشَّيْخ زَكَرِيَّا وفى الْمُخْتَصر للسعد مَعَ حاشيتيه للحفيد وَابْن قَاسم وَقَرَأَ عَلَيْهِ بالروايات من طَرِيق السَّبْعَة وَأَجَازَهُ بمروياته وَأخذ الْفِقْه عَن فَقِيه الْحَنَفِيَّة بِمصْر حسن الشرنبلالى قَرَأَ عَلَيْهِ الدُّرَر بحاشيته عَلَيْهِ وَكَانَ معيد درسه وَعَن الشهَاب الشوبرى قَرَأَ عَلَيْهِ من أول الْهِدَايَة الى بَاب الْعتْق فَقَرَأَ الشَّيْخ حِينَئِذٍ الْفَاتِحَة ثَلَاثًا قَائِلا بعْدهَا اللَّهُمَّ اعْتِقْ رقابنا من النَّار وَكَانَ ذَلِك آخر قِرَاءَته وَمكث أَيَّامًا قَليلَة وَمَات وَقَرَأَ على الشَّيْخ عبد الباقى حفيد شيخ الاسلام بن غَانِم شرح الْكَنْز المنظوم لِابْنِ الفصيح وَأَجَازَهُ جلّ
شُيُوخه وَرجع الى بَلَده ولازم خَال وَالِده زِيَادَة على عشر سِنِين ولحظه بنظره وَأَجَازَهُ بمروياته ثمَّ نزل لَهُ عَن افتاء الرملة وَكتب الى شيخ الاسلام يحيى المنقارى مفتى الرّوم يطْلب مِنْهُ الاجازة لَهُ بالفتوى وَأَن يكون بدله فِيهَا لاهليه لذَلِك فَأَجَابَهُ الى طلبته وَصَارَ هُوَ الْمُفْتى فى زمَان أستاذه الْمَذْكُور وَلم يزل ملازما لَهُ الى أَن مَاتَ فَانْفَرد بعده بالرياسة وَصَارَ هُوَ الْعُمْدَة فى تِلْكَ الخطة وَأخذ عَن الشَّيْخ مُحَمَّد بن سُلَيْمَان المغربى نزيل مَكَّة لما مر على الرملة وَأَجَازَهُ بمروياته وَلما مر شَيخنَا الشَّيْخ يحيى المغربى أَيْضا على الرملة سمع مِنْهُ الحَدِيث المسلسل بالاولية وَقَرَأَ عَلَيْهِ طرفا من الْكَشَّاف وَغَيره وَأَجَازَهُ بمروياته وَمن اجازته لَهُ ولولده
(أجزت أخانا الْفَاضِل الْعلم الذى
…
تسمى بِمن فى النَّاس فى الْحَشْر يشفع)
(ونجلا لَهُ وَالله ينجح قَصده
…
أَبَا للهدى والشخص بِالِاسْمِ يرفع)
(وَقَالَ بذا يحيى ونجل مُحَمَّد
…
وَمن مغرب الاوطان وَالله ينفع)
وَكَانَت وَفَاته عقب الْحَج وَهُوَ رَاجع الى بَلَده صُحْبَة الركب المصرى عَاشر الْمحرم افْتِتَاح سنة سبع وَتِسْعين وَألف بالينبع وَدفن بهَا
مُحَمَّد بن جمال الدّين بن أَحْمد الملقب حَافظ الدّين العجمى القدسى الحنفى القاضى الاجل الْفَاضِل الاديب كَانَ من أَفْرَاد الزَّمَان فى الْفضل وَكَثْرَة الاحاطة باللغة والآداب قَرَأَ بِبَلَدِهِ وَحصل وتفوق وسافر مرَارًا الى الرّوم ولازم من شيخ الاسلام مُحَمَّد بن سعد الدّين وَولى الْقَضَاء فى اقليم مصر وَتصرف بعدة مناصب الى ان انْفَصل عَن قَضَاء المنصورة ثمَّ صَار مفتيا بالقدس ومدرسا بِالْمَدْرَسَةِ العثمانية بهَا وَقدم اليها فَلم يمتزج مَعَ أَهلهَا لطول غيبته عَنْهُم فَترك المنصب وَورد الى الشَّام وَأقَام بهَا مُدَّة فى محلّة القنوات ثمَّ بمحلة بنى كريم الدّين وَتزَوج بابنة القاضى برهَان الدّين البهنسى الْمُقدم ذكره بعد مُدَّة قَليلَة طَلقهَا وتنازع هُوَ وأبوها وَطَالَ بَينهمَا النزاع وَكَانَ عِنْده غُلَام جميل يدعى بخندان لم ير نَظِيره فى الْخلق والخلق وَكَانَ مَمْلُوكا مَالِكًا فَوَقع بَينه وَبَينه منافرة فهرب الْغُلَام وأعياه تطلبه فَتوجه الى القاضى وشكا اليه حَاله وَكَانَ لَهُ بِهِ علاقَة قلبية وَأظْهر مَا كَانَ يضمره من شغفه فَكثر عَلَيْهِ الِاعْتِرَاض وَبعد أَيَّام ظهر الْغُلَام وَجَاء اليه فعطف عَلَيْهِ وتغاضى عَمَّا أسلفه ثمَّ لم يقر لَهُ بِدِمَشْق قَرَار فسافر الى الرّوم وَأقَام بهَا ثمَّ أعْطى قَضَاء طرابلس الشَّام وَبَعْدَمَا عزل عَنْهَا ورد الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة وَكَانَ ذَلِك فى سنة
أَربع وَأَرْبَعين وَألف ثمَّ سَار الى دَار الْخلَافَة وَولى الْقَضَاء ببوسنه وصوفيه وَكَانَ كثير الْآثَار وَرَأَيْت لَهُ أشعارا كَثِيرَة فَمِنْهَا هَذِه القصيدة مدح بهَا شيخ الاسلام يحيى ابْن زَكَرِيَّا ومطلعها
(كل لَهُ فى طَرِيق الْمجد أَسبَاب
…
وكل حكم لَهُ أهل وأرباب)
(وَأَنت لى سَبَب مَا فَوْقه سَبَب
…
ان عددت فى طَرِيق السعى أَسبَاب)
(وَأَنت لى سَنَد مَا مثله سَنَد
…
وَأَنت قطبى الذى والته أقطاب)
(لولاك ضَاعَت حُقُوق النَّاس قاطبة
…
وَكَانَ يغلب رب الْعلم حطاب)
(لولاك مَا قفل البواب مُنْهَزِمًا
…
كلا وَلَا فتحت للفضل أَبْوَاب)
(كسرت بالجبر أَنْيَاب النوائب اذ
…
أدمت فؤادى فَلم ينْبت لَهَا نَاب)
(لبيْك لبيْك يَا لب اللّبَاب وَمن
…
مِنْهُ استضاءت لحسن الرأى ألباب)
(سرادق الشّعْر فى أَبْوَاب عزتها
…
لَهَا على حيك الْمَرْفُوع أطناب)
(جلبت من بَحر فكرى كل لؤلؤة
…
مَا كل من جلب المنظوم جلاب)
(هَذَا وَكم جَوْهَر لى فِيك مُنْتَظم
…
فى اللَّوْن والشكل للرائين غلاب)
(كل غَدا موجزا فى شكر سَيّده
…
ان الْمُحب لَهُ فى الشُّكْر اطناب)
(مَا كل من كَانَ فَوق النَّجْم مَسْكَنه
…
كمن لَهُ تَحت وَجه الارض سرداب)
(جَزَاك مَوْلَاك خيرا عَن فقيرك اذ
…
فى عَالم الْغَيْب ردَّتْ عَنهُ أحزاب)
(هابوك لما رَأَوْا بِالْقَلْبِ ميلك لى
…
وَالْعَبْد عبد وَكم للْعَبد أحباب)
(مَا ثمَّ يرفع شان الْعلم غَيْرك يَا رفيع مجدله فى الْمجد أَنْسَاب
…
)
(أيدعى الْعلم من فى الْبَاب يعرفهُ
…
طِفْل وكهل وجمال وتراب)
(فى ذَلِك الْبَيْت كل الْكتب تعرفنى
…
وخدمتى فِيهِ تَحْرِير ومحراب)
(من قَاس بالشمس فى أوج العلى رجلا
…
فَذَاك من فقه نور الْعين مرتاب)
(لَو لم يكن يَوْم حشر النَّاس مقتربا
…
مَا عارص الْحَافِظ القدسى بواب)
(لَو كَانَ يعلم علما كَانَ أظهره
…
حَتَّى يُقَال لَهُ علم وآداب)
(الْمُدعى لَا ببرهان تكذبه
…
شَوَاهِد الْحسن والكذاب كَذَّاب)
(من نَازل الْحَرْب لَا يَنْفَكّ فى يَده
…
لاجل طَاعَته قَوس ونشاب)
(وقوس عبدكم علم يحرره
…
وقوس دى الْجَهْل والنشاب أخشاب)
(مَا كل من نقل الاقوال يعرفهَا
…
كم مُعرب مَاله فى الْبَحْث اعراب)
(مَا كل عين لَهَا نور تنير وَلَا
…
كل الجفون لَهَا كحل وأهداب)
(الْفضل كَالشَّمْسِ لَا يخفى وَصَاحبه
…
كالبدر لَيْسَ لَهُ ستر وجلباب)
(الى مَتى الدَّهْر يبدى من متاعبه
…
مَا آن أَن ينقضى للدهر اتعاب)
(أما درى أَن مَوْلَانَا وَسَيِّدنَا
…
لى فى مدائحه العلياء اسهاب)
(أَنا الذى نلْت آمالى بدولته
…
وَكم توالت على داعيه آرَاب)
(كل لَهُ سيدى عمر يؤب لَهُ
…
وَالْعَبْد مَا عَاشَ للابواب أواب)
(قد تبت عَن غير بَاب الْجُود أقصده
…
وَالْحق من بعد كسب الذَّنب تواب)
وَله غير ذَلِك وفى هَذَا الْقدر من شعره غنى وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَخمسين وَألف
مُحَمَّد بن حَافظ الدّين بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالسرورى المقدسى الحنفى الْبَصِير من أَوْلَاد غَانِم الْفَاضِل النبيه كَانَ محققا بارعا حَدِيد الذِّهْن قوى الادراك مشاركا فى عدَّة فنون وَكَانَ لطيف الطَّبْع حُلْو المكالمة لَا يمل الخاطر من تحفه ونوادره ولد بِبَيْت الْمُقَدّس وَنَشَأ فى حجر وَالِده وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم وَكَذَلِكَ أَخذ بِبَلَدِهِ عَن الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الْمحلى المقرى حِين اقامته بهَا ورحل الى مصر مرَّتَيْنِ وَأخذ عَن علمائها مِنْهُم الشَّيْخ حسن الشرنبلالى وَأَجَازَهُ بالافتاء والتدريس وَمن مشايخه الشهَاب أَحْمد وَأَخُوهُ الشَّمْس مُحَمَّد الشوبريان والنور الشبراملسى وَالشَّيْخ يس الحمصى وبرع وَتوجه الى الرّوم مرَّتَيْنِ فلقى من أَعْيَان علمائها قبولا وَكَانَ الْمُفْتى الاعظم يحيى بن عمر المنقارى يعظمه ويجله وَحكى أَنه كَانَ وَهُوَ بالروم تأتى اليه الْجِنّ وَقت الِاضْطِجَاع تَأْخُذ عَنهُ الْعلم فأقلقوه فَذكر أمره للْمولى أَبى السُّعُود الشعرانى فَأمره أَن يطْلب مِنْهُم شَيْئا من أَمر الدُّنْيَا فَلَمَّا فعل ذَلِك انكفوا عَنهُ وَلم يعودوا اليه وَولى بالقدس مدرستين وهما التذكيرية والمأمونية وَرجع من الْمرة الثَّانِيَة فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَدخل دمشق وَأخذ عَنهُ جمَاعَة من أَهلهَا ثمَّ رَحل الى الْقُدس وَانْقطع للتدريس فدرس الْكَنْز مرَّتَيْنِ وَالْهِدَايَة من أَولهَا الى الْبيُوع والدرر بطرفيها وَقَرَأَ متن التَّلْخِيص وَكَانَ يقْرَأ فى الْحرم بَين العشاءين المغنى وَلم يتمه وأقرأ متن الْمنَار وَكتاب ابْن الصّلاح فى المصطلح ومختصره للنووى وَشرع فى اقراء البخارى فعاجلته الْمنية وَكَانَ يحفظ كثيرا من الاشعار والشواهد والامثال خُصُوصا ديوَان المتنبى وَيعرف مَا أوخذ بِهِ المتنبى ويجيب عَن كثير وَكَانَ شيخ الاسلام خير الدّين الرملى يعرف حَقه ويصفه بِالْفَضْلِ التَّام
وَيَقُول مَا فى بَيت الْمُقَدّس أفضل مِنْهُ وَذكر صاحبنا الْفَاضِل ابراهيم الجينينى انه قَرَأَ عَلَيْهِ فى أَوَائِل الْهِدَايَة مَعَ ولد الشَّيْخ خير الدّين الشَّيْخ محيى الدّين وَكَانَ يبْحَث مَعَه كثيرا فى الابحاث الدقيقة من الْفِقْه وَغَيره وابتدأه الْمَرَض فى رَجَب سنة تسع وَثَمَانِينَ وَألف فبقى مَرِيضا الى لَيْلَة الْجُمُعَة رَابِع عشر شَوَّال من السّنة الْمَذْكُورَة فَمَاتَ الى رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن حجازى بن أَحْمد بن مُحَمَّد الرقباوى بِفَتْح الرَّاء وَالْقَاف الانبابى أحد شعراء الْعَصْر وأدباء الدَّهْر ولد بانبابه وَنَشَأ بِمصْر واشتغل بُرْهَة من الزَّمَان بعلوم الادب حَتَّى فاق أقرانه فنظم ونثر ورحل الى الْحَرَمَيْنِ وتوطنها مُدَّة ومدح الشريف زيد بن محسن بمدائح كَثِيرَة بليغة وَكَانَ يُعْطِيهِ العطايا الجمة وَجعل لَهُ فى كل سنة مُرَتبا ومعلوما ثمَّ توجه الى الْيمن فمدح الائمة بنى الْقَاسِم وانثالت عَلَيْهِ جوائزهم وَكَانَ لَهُ اخْتِصَاص بِمُحَمد بن الْحسن وَله فِيهِ مدائح كَثِيرَة وَله بِالْيمن شهرة عَظِيمَة وَمن شعره الشَّائِع قصيدته الَّتِى عَارض بهَا حائية ابْن النّحاس الَّتِى مطْلعهَا
(بَات ساجى الطّرف والشوق يلح
…
والدجى ان يمض جنح يَأْتِ جنح) 5 مدح بهَا الشريف زيد بن محسن ومستهلها
(كل صب مَاله فى الخد سفح
…
لم يرق فى عينه نجد وسفح)
(وَمَتى يَعْلُو بشأن فى الْهوى
…
وَله شَأْن بِهِ فِيهِ يشح)
(انما الدمع دَلِيل ظَاهر
…
ان يكن للحب متن فَهُوَ شرح)
(والذى يصبو لاغصان النقا
…
لم يكن عَنْهَا بِغَيْر الطّرف يصحو)
(يستحى من أَن يوافيها الحيا
…
وَهُوَ اوفى منَّة والغيم يمحو)
(كَيفَ يستسقى لَهَا مَاء السما
…
وَله جفن مَتى شَاءَ يسح)
(رَوْضَة للغيد كَانَت ملعبا
…
وهى فى لبة جيد الشرق وضح)
(كلما نقطها قطر الندى
…
رشف الطل بهَا رند وطلح)
(واذا مرت بهَا ريح الصِّبَا
…
سحرًا أرجها بالمسك نفح)
(وتغنت فَوْقهَا ورق الْحمى
…
ولداعى بلبل الاشواق صدح)
(رب ريم ذَات لحظ فاتن
…
فاتك بِالْكَسْرِ والسقم يَصح)
(كنست فى ظلّ ذياك النقا
…
وأذابت كل قلب فِيهِ جرح)
(طنبت فى مهجتى واستحكمت
…
فى قطعا ليتها بالوصل تنحو)
(أتراها استعذبت يَوْم النَّوَى
…
لعذابى كاس بَين وَهُوَ ملح)
(مَا لَهَا لاعبث الدَّهْر بهَا
…
لَا ترى الهجران كَاف وَهُوَ ذبح)
(كنت أَشْكُو صدها من قبل أَن
…
تنتوى والآن عندى فِيهِ شح)
(يَا نوار اصطنعينى باللقا
…
فلكم قاليت من فى الْعِشْق يلحو)
(ان تكونى شمت فى ليل الصِّبَا
…
بارقا فَهُوَ لروض الْحلم فتح)
(كم جليت الشَّمْس فى غربيه
…
وسمحتى وَجَنَاح الفود جنح)
(فاجعليه شافعا فِيمَا بدا
…
أى ليل مَاله يَا بدر صبح)
(وَلَقَد أعلم حَقًا لم يكن
…
مِنْك عَن ذَنْب ظُهُور الشيب صفح)
(غير أَنى أرتجى مِنْك الوفا
…
وَهُوَ فى شرع ذَوَات الْحسن قبح)
(كم أدارى فِيك عذالى وَكم
…
ساءنى فِيك على التبريح كشح)
(واذا فعل الغوانى هَكَذَا
…
كل ذى سكر بهم لاشك يصحو)
(سأذودن فُؤَادِي رَاغِبًا
…
عَن هوى من جده بِالصّدقِ مزح)
(يَا خليلي اعذرانى ان لى
…
نَار وجد مَالهَا بالعشق لفح)
(خليانى والذى القا مِمَّن
…
زند شوقى مَاله بالغيد قدح)
(أَنا عَن ألحاظهم فى معزل
…
وحديثى ظَاهر وَهُوَ الاصح)
(قد نَسِينَا مَا حفظنا مِنْهُم
…
ورأينا أَن بعض العذل نصح)
(لَا أرى الْعَيْش صفا مَا لم أعش
…
وفؤادى من حُرُوف اللَّهْو ممحو)
(وَعَن التشبيب مَا أغْنى ولى
…
فى علا زيد الْعلَا شكر ومدح)
(سيد السادات سُلْطَان الملا
…
فَارس الخيلين يَوْم الروع سمح)
(قامع الاقران فى يَوْم الوغى
…
تَحت ظلّ السمر وَالْحَرب يفح)
(أَبيض الْوَجْه اذا النَّقْع دجا
…
وَاضح الْبشر اذا الفرسان كلح)
(كم لَهُ يَوْم فخار منتمى
…
ولوقع الْبيض بالهامات رضح)
(صبح الاقيال حَربًا وَلكم
…
شَرقَتْ من خيله حَرْب وَصلح)
(يَوْم أورى بقديح المصطلى
…
قدح زند وريه بالفوز قدح)
(وعَلى الْعمرَة أربت يَده
…
وَله فى يَوْمهَا عَفْو وصفح)
(أذكر الصِّنْفَيْنِ اذ ذَاك بهَا
…
يَوْم صفّين وللخيلين ضبح)
(ولغا عَنى ضلال بَعْدَمَا
…
طاش من تصحيفه فى فِيهِ صمح)
(وَلَكِن سارع بِالْخَيْلِ على
…
حرم الله وللاعمار دلح)
(مَانع الْجَار فَلَو لَاذَ الدجا
…
بعواليه لما جلاه صبح)
(وَلَو ان الشَّمْس تحكى نوره
…
مَا علاها فى ظلام اللَّيْل جنح)
(واهب الارواح فى يَوْم الوغى
…
لاعاديه الالى بِالْمَالِ شحوا)
(وَلَقَد كَانَ ابوه هَكَذَا
…
ولماء الْورْد بعد الْورْد نضح)
(أشغلت هيبته فكر العدا
…
فهم فى غمرة الاشفاق طرح)
(لَو رَأَوْهُ فى الْكرَى لانتبهوا
…
وَلَهُم من خَوفه بِالرُّعْبِ قزَح)
(واذا شاموا بروقا أيقنوا
…
أَن أَعْنَاقهم بالبيض مسح)
(وان انْقَضتْ نُجُوم فى الْهوى
…
زَعَمُوا أَن مطار الشهب رزح)
(بأبى أفديك يَا بَحر الندى
…
يَا مضئ الرأى ان أظلم قدح)
(يَا عتيد الْخَيل يَوْم الْمُلْتَقى
…
يَا شَدِيد الْبَأْس والاقران طلح)
(يَا عريض الجاه يَا حامى الْحمى
…
يَا ملاذ الْكَوْن ان لم يغن كدح)
(يَا جميم الْفضل وَالسيف لَهُ
…
بغدادين الطلى حصد وَمسح)
(خُذ حديثى واستمع قولى فَمَا
…
كل من قَالَ قريضا فِيهِ صَحَّ)
(انت أولى النَّاس بالمدح وَلَو
…
لم يكن للبحر عَن وصفك نزح)
(هاك نظم الدّرّ من معدنه
…
رائق الْمَعْنى لَهُ بالمدح مزح)
(وَاجعَل الابكار فى نور الوفا
…
واختبرها فهى بالعرفان فصح)
(ضمن الدَّهْر لَهَا التخليد فى
…
صفحات الْكَوْن والايام فسح)
(وهى كالجرد السلاهيب لَهَا
…
بمجال الشُّكْر فى علياك مرح)
(حاصرت مَا شاد فتح قبلهَا
…
وتلت نصر من الله وَفتح)
(أحرز السَّبق وَلَكِن فقته
…
بك يَا ابْن الطُّهْر والآيات وضح)
(لَا يروق الْمَدْح الا فى الالى
…
لَهُم الانساب كالاحساب رجح)
(أَيْن من جداه طه الْمُصْطَفى
…
وعَلى المرتضى مِمَّن يزح)
(برز الفال بهَا من منطقى
…
لَك بالايراد والاسعاد سنح)
(وَأَنا مِنْك أيا غوث الورى
…
لم يكن صوتى كَمَا قيل أبح)
(وَلَقَد أغنيتنى عَن مطلبى
…
مِنْك بدا ونظيرى لَا يلح)
(لَو درى النّحاس انى بعده
…
أصنع الابريز لم يمسسه قرح)
(لَا أرى الغربة ألوت ساعدى
…
ولباعى بنداك الجم سبح)
(طالعى بالسعد وضاح الحجى
…
بك فى برج الهنا والرجو ضح)
(وَلَقَد بلغتنى كل المنى
…
بِأَحَادِيث لَهَا فى النَّفس سرح)
(نعْمَة مِنْك علينا لم تزل
…
يقتفى آثَار هافوز وَربح)
(دمت يَا شمس الْهدى مَا ابتسمت
…
بك أَفْوَاه الدجا وافتر صبح)
(مَا هَمت عين الغوادى وبدا
…
بك فى وَجه الزَّمَان الغض رشح)
وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان وَسبعين وَألف بِمَدِينَة أَبى عَرِيش من الْيمن والانبانى بِكَسْر الْهمزَة وَسُكُون النُّون ثمَّ مُوَحدَة بعْدهَا ألف فموحدة نِسْبَة لانبابة قَرْيَة من بحرى جيزة مصر على شاطئ النّيل انتسب اليها جمَاعَة من الْمُتَأَخِّرين وَمن أشهر المنسوبين اليها الاستاذ الشَّيْخ اسمعيل بن يُوسُف بن اسمعيل وَرُبمَا قيل لَهَا أنبوبة على وزن أفعولة وَكَأَنَّهُ لما يزرع فِيهَا من الْقصب فالانبوبة مَا بَين كل عقدتين من الْقصب
مُحَمَّد بن حسن جَان الْمَدْعُو سعد الدّين بن حسن جَان التبريزى الاصل القسطنطينى المولد والمنشأ والوفاة مفتى الدولة ومعلم السُّلْطَان مُرَاد بن سليم أستاذ الاستاذين ورونق عُلَمَاء الدُّنْيَا واكليل تَاج السَّعَادَة كَانَ من الْعلم فى مرتبَة يعز الْوُصُول اليها وَقد وَقع الِاتِّفَاق على تفرده بأنواع الْفُنُون وَأَعْطَاهُ الله من الْعِزَّة وَالْحُرْمَة والاقبال مالم يُعْطه لأحد من عصره ومدح بالمدائح السيارة ورزق الابناء الَّذين هم تَاج مفرق الايام وَقد بلغُوا فى حَيَاته الرتب الَّتِى قصر غَيرهم عَنْهَا وَلم يخلف أحد من الكبراء أمثالهم فى نجابتهم وبسالتهم ومعرفتهم وعلوهممهم ودانت لَهُم الْعلمَاء وولوا أرفع المناصب وَحكى انه قيل لوالدتهم بِمَاذَا لقى أبناؤك هَذِه الْعِزَّة فَقَالَت كنت لَا أرضع أحدا مِنْهُم الا على طَهَارَة كَامِلَة وَكنت أذبح عَن كل وَاحِد فى كل جُمُعَة قربانا وَبِالْجُمْلَةِ فهم فَخر بِلَاد الرّوم وَقد تقدم فى تَرْجَمَة أَبى سعيد أسعد بن سعد الدّين هَذَا ان أول من قدم مِنْهُم الى الرّوم هُوَ حسن جَان وَالِد صَاحب التَّرْجَمَة ونبغ وَلَده سعد الدّين هَذَا وَقَرَأَ ودأب وَلزِمَ درس الْمولى شيخ الاسلام أَبى السُّعُود العمادى وَأخذ عَنهُ وانتفع بِهِ ولازم مِنْهُ ثمَّ ترقى فى الْمدَارِس وطنت حَصَاة فَضله فنصبه السُّلْطَان مُرَاد معلما لنَفسِهِ وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا بكليتهما وَلم يبْقى أحد الانقاد اليه وعول عَلَيْهِ فى أمره وَلما توفى السُّلْطَان مُرَاد تسلطن
بعده ابْنه السُّلْطَان مُحَمَّد فأبقاه معلما لنَفسِهِ أَيْضا ثمَّ ولاده الافتاء وَذكره الاديب عبد الْكَرِيم المنشى فَقَالَ فى وَصفه مولده دَار الْخلَافَة العليه لَا زَالَت كاساتها من قذى الاكدار صَفيه نَشأ بهَا فى ظلال نوال وَالِده مترددا بَين مصَادر الْعلم وموارده وَبعد مَا تحلى جيده بقلائد الْعُلُوم وعقدت فى عقده عرائس الْمَنْطُوق وَالْمَفْهُوم تحرّك على الرَّسْم العادى حَتَّى ورد الى منهل الْمولى المرحوم أَبى السُّعُود العمادى فأدار عَلَيْهِ على عاداته كاسات افاداته وَلم يزل مُتَقَلِّدًا فى الدُّرُوس بعقود خطابه الى أَن فَازَ بشرف الْمُلَازمَة من جنابه وَمَا بَرحت الْمدَارِس تتحلى بآثار ملكاته حَتَّى غَدَتْ احدى الثمان صدفا للآلى كَلِمَاته وَبعد ذَلِك عينه اسْتِحْقَاقه للسلطنة المرادية معلما وَأصْبح طراز ملك الدولة بوشى آرائه معلما فَلَمَّا تشرف بهَا سَرِير الخلافه وانتشى الدَّهْر اذ أدَار عَلَيْهِ السِّرّ ورسلامه ألْقى اليه الْمجد قياده وَأصْبح جموح الدَّهْر منقاده وَدلّ عَلَيْهِ لفظ الْمجد صَرَاحَة وكناية وَنزلت فِيهِ سُورَة السودد آيَة فآيه الى أَن قَالَ وَكَانَ فى عَهده شَمل الْفضل ملتئما وثغر الْعلم مُبْتَسِمًا وَكَانَ الْعَالم مستنيرا من شموس علومه وآدابه كَيفَ لَا وَلَا ينظم شَمل الْفضل الا بِهِ وَكَانَ كَرِيمًا على الاحسان مثابرا وحكيما لكسير اكسير الْقلب جَابِرا تحلت الاجياد بقلائد وده وولائه وواظبت الالسنة على سور فَضله وعلائه تقصرهمم الافكار عَن بُلُوغ أدنى فواضله وتعجز سوابق الْبَيَان عَن الْوُصُول الى أَوَائِل فضائله وَبِالْجُمْلَةِ لَا تصاد عنقاء وَصفه بحبائل الْحَقِيقَة وَالْمجَاز وَلَو تعدى الواصف الاعجاب وَبلغ الاعجاز وَلما أشرقت أنوار السلطنة المحمدية من فلك سريرها وَرفعت فى الْخَافِقين ألوية سرورها رأى ان الْكفْر قد احْتَاجَ الى ذوقة من كأسه وحرقة من جمرات بأسه فَرفعت راياته خافقة كقلوب أعدائه عالية كهمم أوليائه وَهُوَ يلازمه مُلَازمَة الشَّمْس لاشراقها والحمائم ثمَّ لَا طواقها وفلك الامور يَدُور على محور رَأْيه وترتيب نتائج الْفَتْح على مُقَدمَات سَعْيه وَلما أَرَادَ الله تَعَالَى أَن يُنَبه لحاظ سيوف الاسلام من جفونها ويوفى للنصرة مَا وَجب على الايام من ديونها وتقابل الملكات والاعدام والنور والظلام فاستوت الصُّفُوف وجردت السيوف وأطلقت أَعِنَّة أَفْرَاس الحتوف وَحمى الْوَطِيس واستوى المرؤس والرئيس وَقَامَت قِيَامَة الْحَرْب على سَاقهَا وأحدق الْكفْر بالاسلام احداق الجفون بأحداقها فى موقف فِيهِ ينسى الْوَالِد الْوَلَد توجه الى قبْلَة الثَّبَات وَثَبت
ثبات الْجبَال الراسيات وَلَو لم تكن فى ذَلِك الْوَقْت وثباته وثباته وتحريضه على الْحَرْب وفتكاته لما تورد بِدَم الْكفْر خد الاسلام وَلما شفى غليل صُدُور الْمُسلمين من عَبدة الصلبان والاصنام فَللَّه دره قد عَم الْعَالمين خَيره وَسَار بالجميل ذكره فعادوا بِالْفَتْح الْجَلِيل الى دَار السلطنة الْعلية وَالْعود أَحْمد ونظموا عُقُود الاسلام بَعْدَمَا تناثر وتبدد فوزع سَاعَات أوقاته الى الْعلم والعباده وتحلى جيده بقلادتى السِّيَادَة والسعاده الى أَن تفيأت الْفَتْوَى فى ظلال أقلامه وتزينت صُدُور الطروس بعقود أرقامه الى أَن أفل من سَمَاء الدُّنْيَا كَوْكَب عمره وأودع ذَلِك السَّيْف فى غمد قَبره انْتهى قلت وَلم أر لَهُ من الْآثَار الا هَذِه الابيات قرظ بهَا على رِسَالَة للشَّيْخ مُحَمَّد الشهير بمجنكزى الصوفى
(مجلة قد حوت مَعنا حلا وَصفا
…
من رام وَصفا يَرَاهَا فَوق مَا وَصفا)
(فِيهَا التصوف والعرفان مندرج
…
كم من زَوَايَا الزوايا وصفهَا كشفا)
(تَعْبِيره كعبير والاداء لَهُ
…
حلاوة الشهد فِيهِ للقلوب شفا)
(من مشرب قادرى قد بَدَت وهدت
…
قلبا غَدا عَن طَرِيق الْحق منحرفا)
(فِيهَا رموز من الاسرار أظهرها
…
نشر اسمى لشيخ السَّادة العرفا)
(أذاع فِيهَا من الاسرار مَا خفيت
…
كَأَنَّمَا هَاتِف فى اذنه هتفا)
ثمَّ رَأَيْت لَهُ هَذِه الابيات من تقريظ لطبقات تقى الدّين التميمى
(كتاب طَابَ تعبيرا يحاكى
…
عبيرا فائحا فى الرّوح سَار)
(كنشر الْقطر عطر كل قطر
…
وكالدارى فاح بِكُل دَار)
(بيمن دَار مِنْهُ على تَمِيم
…
يَلِيق بِأَن يكون تَمِيم دارى)
وَكَانَت وَفَاته وَهُوَ مفت فَجْأَة فى ربيع الاول سنة ثَمَان بعد الالف وَدفن بِالْقربِ من أَبى أَيُّوب الانصارى رضى الله عَنهُ
مُحَمَّد بن حسن الملقب جمال الدّين بن دراز المكى الاديب المنشى الشَّاعِر الْمَشْهُور ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى حَقه جمال الْعُلُوم والمعارف المتفيء ظَلِيل ظلها الوارف أشرقت بِالْفَضْلِ أقماره وشموسه وزخر بِالْعلمِ عبابه وقاموسه فدوخ صيته الاقطار وطار ذكره فى مناكب الارض واستطار وتهادت أخباره الركْبَان وَظهر فى كل صقع فَضله وَبَان وَله الادب الذى مَا قَامَ بِهِ مضطلع وَلَا ظهر على مكنونه مطلع استنزل عصم البلاغة من صياصيها واستذل صعاب البراعة فسفع بنواصيها
ان نثر فَمَا اللُّؤْلُؤ المنثور انفصم نظامه أَو نظم فَمَا الدّرّ الْمَشْهُور نسقه نظامه بِخَط يزدرى بِخَط العذار اذا بقل وتحسد سَائِر الْجَوَارِح على مُشَاهدَة حسنه الْمقل وَلما دخل الْيمن فى دولة الرّوم أَقَامَ لَهُ رئيسها بِمَا يحب ويروم فولاه منصب الْقَضَاء وسطع نور أمله هُنَاكَ وأضاء وَلم يزل مجتليا وُجُوه أمانيه الحسان مجتنيا من رياضه أزاهر المحاسن والاحسان الى أَن انْقَضتْ مُدَّة ذَلِك الامير وَمنى الْيمن بعده بِالْفَسَادِ والتدمير فَانْقَلَبَ الى وَطنه وَأَهله وكابد خزن الْعَيْش بعد سهله كَمَا أنبأ بذلك قَوْله فى بعض كتبه وَلما قفلت عَائِدًا من الْيمن بعد وَفَاة المرحوم سِنَان باشا وانقضاء ذَلِك الزَّمن اخْتَرْت الاقامة فى الوطن بعد التشرف بِمَجْلِس الْقَضَاء فى ذَلِك العطن الا أَنه لم يحل لى التخلى عَن تذكر مَا كَانَ فى تذكرة الخيال مرسوما وتفكر مَا كَانَ فى لوح المفكرة موسوما فاخترت أَن أكون مدرسا فى الْبَلَد الْحَرَام وممار سالما آذن غب الْحُصُول بالانضمام وَلم يكن فى الْبَلَد الامين كفايه وَلَا مَا يقوم بِهِ الاتمام والوقاية انْتهى وَمَا زَالَ مُقيما فى وَطنه وبلده متدرعا جِلْبَاب صبره وَجلده حَتَّى انصرمت من الْعَيْش مدَّته وتمت من الْحَيَاة عدته ثمَّ أورد لَهُ فصلا من نثره فَقَالَ كتب من كتاب إِلَى بعض أَصْحَابه ينْهَى الْمُلُوك لَا يزَال ذَاكِرًا لتِلْك الايام الْمَاضِيَة شاكرا لهاتيك الاعوام الَّتِى حلت بِفضل مَوْلَانَا وَلَا أَقُول مرت بمسرات لَا تزَال النَّفس لدينها متقاضيه
(كم أردنَا هَذَا الزَّمَان بذم
…
فشغلنا بمدح ذَاك الزَّمَان)
أقفر الصَّفَا من اخوان الصَّفَا وخلا الْحطيم من رَضِيع الادب والفطيم وأقوت المشاعر من أَرْبَاب الادراك والمشاعر
(كَأَن لم يكن بَين الْحجُون الى الصَّفَا
…
أنيس وَلم يسمر بِمَكَّة سامر)
وَكَانَ علم مَوْلَانَا محيطا بحالى اذ كنت آنس بأولئك الجلة وأرباب المعالى فَلم يبْق من يدانيهم فضلا عَمَّن يساويهم وَلَا من يباريهم فَكيف بِمن يجاريهم وَلَقَد ذكرت هُنَا قَول بَعضهم
(دجا اللَّيْل حَتَّى مَا يبين طَرِيق
…
وَخَوف حَتَّى مَا يقر فريق)
(وجردت يَا برق الْمنون مناصلا
…
لَهَا فى قُلُوب المبصرين بريق)
(وزعزعت يَا ريح الردى كل شَاهِق
…
عَلَيْهِ لانفاس النُّفُوس شهيق)
(سَلام على الايام ان صنيعها
…
أَسَاءَ فَهَل لى بالنجاة لُحُوق)
وَمن آخر كتب بِهِ الى كَاتب الحضرتين الشريفتين الحسنية والطالبية يعزيه بسُلْطَان الْحجاز الشريف أَبى طَالب سنة 1013 كتبت اليك كتب الله لَك سَعْدا لَا يزَال يَتَجَدَّد ومجدا لَا يَنْقَطِع بِانْقِضَاء ملك الا واتصل بِملك لمكى مؤيد وانما كتبت بِدَم الْفُؤَاد وأمددت اليراع سويداى وشفعها اللحظ بِمَا فى انسانه من السوَاد والمكون علم الله كَأَنَّمَا هُوَ بَحر من مداد والقلوب وَلَا أَقُول الاجساد مسر بلة بلباس الْحداد لَا يسمع الا الانين وَلَا يصغى الا لمن تفضح بنعيها ذَوَات الحنين أضحى النَّفْع من مثار النَّقْع كليلة من جُمَادَى وربات الْخُدُور يلطمن الخدود مثنى وفرادى وذ الحجى يغوص فى لجة الْفِكر فَيسمع لَهُ زفير وَلَيْث العرين كَاد من صدمة هَذَا الْمُصَاب أَن يتفطر من الزئير وشارف الْحطيم أَن يتحطم وَأَبُو قبيس أَن يتقطم وَبَيت الله لَوْلَا التقى لَقلت ود أَن يتهدم وأخال ان الْحجر أَسف حَيْثُ لم يكن تابوتا لذَلِك الجثمان وتندم أى داهية دهياء أَصَابَت قطان ذَلِك الْحرم وأى بلية نزلت بِلَازِم أذيال ذَلِك الْمُلْتَزم انا لله وانا اليه رَاجِعُون كلمة تقال عِنْد المصائب وَلَا نجد لهَذِهِ الْمُصِيبَة مثلا وَلم تشاركنا فِيهِ حزينة وَلَا ثَكْلَى بأى لِسَان نناجى وَقد أخرسنا هَذَا النَّازِل بأى قلب نحاجى وَقد بلغنَا هَذَا الْجد الهازل بَينا نَحن فى سرُور وَفَرح اذ نَحن فى هموم وترح أَشْكُو الى مخدومى ضحوة يَوْم شمسه كاسفه أزفت الآزفة لَيْسَ لَهَا من دون الله كاشفه أقبل نعش لابس أَثوَاب المرحمة بعد الْخلَافَة المتلقى روحه الْمَلَائِكَة مَعَ الْحور على الارائك تتحفهم السلافه والايدى ممتدة تُشِير اليه بالعويل وَالْحجاج أَرْبَاب الفجاج يضجون بالنحيب الطَّوِيل وكادت آماقنا وَالله أَن تسيل وأضحت جلاميد الْقُلُوب كضحضاح المسيل فَلم نجد شخصا من الرعايا الا وَهُوَ محرور وَذُو قرَابَته فى الحى مسرور انا لله من هَذِه الطامة الَّتِى أدهشت الْعَامَّة وأذهبت الشامة لَيْت شعرى أبعده السلاهب تركب أم الجنائب تجنب أم المقربات تقرب أم المنابر يُتْلَى عَلَيْهَا غير اسْمه ويخطب
(واحر قلبا مِمَّن قلبه شبم
…
)
(مضى من أَقَامَ النَّاس فى ظلّ عدله
…
وآمن من خطب تدب عقاربه)
(فكم من حمى صَعب أَبَاحَتْ سيوفه
…
وَمن مستباح قد حمته كتائبه)
(أرى الْيَوْم دست الْملك أصبح خَالِيا
…
أما فِيكُم من مخبر أَيْن صَاحبه)
(فَمن سائلى عَن سَائل الدمع لم جرى
…
لَعَلَّ فؤادى بالوجيب يجاوبه)
(فكم من يدوب فى قُلُوب نضيجة
…
بِنَار كروب أججتها نوادبه)
(سقت قَبره الغرا الغوادى وجادها
…
من الْغَيْث ساريه الملث وساربه)
فَمَا كَانَ الا كلمحة طرف أَو حُلُول حتف وَقد وضع على الْبَاب الشريف وَسمع من أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة حفيف وتليت ولكنت أود أَن أكون الْمصلى وَلَا أكون التالى فى جَمِيع ذَلِك الترصيف فَمَا ترك الرئيس لقبا من الالقاب الا وحلاه بدره وَعلمه بدره حَتَّى كَاد النَّهَار أَن ينتصف والمقل أَن تسح بالدموع وتكف وَمن عدم انصاف الدَّهْر الخؤن أَن لم يطف بِهِ سبعا وَهُوَ لمليك هَذَا الْبَيْت مسنون ثمَّ ازْدحم على رفع جنَازَته قاضى الشَّرْع والساده فذادوه عَنْهَا ورفعوه على أَعْنَاق السلاطين والقاده وَقلت فى ذَلِك الْمقَام وعيناى تهمل وَلَا همول الْغَمَام يعز على أَن أَرَاك على غير صهوه وَأَن تنادى بامر غم الانوف وَلَا تجيب دَعوه وان تحف بك الصُّفُوف وَلَا تدع لكرك فِيهَا فجوه فطالما ضرعت لَك السلاطين وخضعت لَك الاساطين وأرعدت الفرائص وأوهنت القلائص وحميت الْحمى وَلم يرعك جساس واقتنصت حَتَّى لم تدع شادنا فى كناس أَو ليثا فى افتراس فَللَّه جدث ضمك وَقد ضَاقَتْ الارض عَن علاك وَللَّه لحد علاك وَقد اتَّخذت نعلك من السماك وَكَيف بك تحل فى الثرى وبالاثير ملعب جردك والسدرة مضمار اسلافك والنبوه لحْمَة بردك فلك بجدك فى ارتقائك الى الْعَالم العلوى أسوه وَلنَا بفقدك الْجزع الذى لَا يعقبه سلوه فَأَنت لقِيت الحبيب ولقينا بعْدك مَا يلقى الكئيب فلك الْبُشْرَى بلقيا رَبك وَنَرْجُو بك اللقيا على الْكَوْثَر وَأَنت فَرح بشرابك وشربك ثمَّ يَا عفيف لَا تسل عَن نعش حفه الْوَقار وتقدمه الرّوح الامين وَالْمَلَائِكَة الابرار فوائح الْمسك الاذفر تنفح من كل جَانب كَأَنَّمَا ينْقض من غدائر خرعوبة كاعب وَبِاللَّهِ أقسم ان طيبه نفحنى وَأَنا فى الخلوه وهم فى تجهيز تِلْكَ الذَّات على هاتيك العلوه وَحَاصِل مَا أقص عَلَيْك من الْقَصَص انا أودعنا فى كنف الرَّحْمَن ذَلِك القفص وعدنا وَنحن كَمَا يُقَال شَاهَت الْوُجُوه حيارى وَلَا نعلم من نؤمله ونرجوه وَقد أظلم قتام العثير ودجا النَّقْع حَتَّى خيل لنا انه لم يكن قطّ صبح أَسْفر وَحين هجوم هَذَا الْخَبَر المهيل كَادَت الْبِلَاد تنهب لَوْلَا تسهيل بعض السادات مَا صَعب فى التسهيل والنداء من الْحَاكِم بالعافيه والاعين قد امْتَلَأت من الهاربين بالسافيه وغلقت الابواب وانقطعت الاسباب حَتَّى
وَالله كَأَن الْقِيَامَة قد قَامَت وحقت كَرِيمَة يَوْم يفر الْمَرْء والانفس قد حامت وَحَال بينى وَبَين الْخلْوَة طَرِيق طالما صلحت للزبا وسبيل وبيل صرت أقطعه وثبا فَكل من لاقيته لَا يُجيب وَمن كَانَ من ورائى فكانما هُوَ طريد أَو سليب وَبعد الدّفن كثر القال والقيل ونودى كَمَا بَلغَكُمْ وصليل السيوف منعنَا المقيل وزف المنادى عصبَة مَشْهُورَة القواضب مسنونة الشواذب والاسواق من السكان خاليه فكانما هى خود أضحت عاطلة بعد أَن كَانَت حاليه ودور مَكَّة كَأَنَّهَا وَبِاللَّهِ أقسم دور البرامكه وَكَأَنَّهَا لم يتغزل فِيهَا بُرْهَة كدار عاتكه وَلَقَد تذكرت فِيهَا قينة الامين وَقَوْلها كَانَ لم يكن بَين الْحجُون الى الصَّفَا أنيس غير الانين هَذَا وَقد أطلت عَلَيْك مَا ينبغى أَن يقْتَصر فِيهِ مَعَ علو مَكَان ومشيد مَكَانك فى البلاغة وأركانك وَالله تَعَالَى يلهمك صبرا جميلا على هَذَا الْمُصَاب ويوليك أجرا جزيلا على فقد ذَلِك المليك المهاب وَلَا يسمعنا واياك بعْدهَا صَوت عزاء وَلَا أحدا من الاعزاء وَلَا يحملنا مَالا طَاقَة لنا بِهِ من مثل هَذِه الارزاء فو الرَّحْمَن لَهو الرزء الذى كل رزء بِالنِّسْبَةِ اليه أقل الاجزاء وَالسَّلَام وَمن شعره قَوْله فى صدر كتاب
(هَذَا كتابك أم در بمتسق
…
أم الدرارى الَّتِى لاحت على الافق)
(وَذَا كلامك أم سحر بِهِ سلبت
…
نهى الْعُقُول فتتلو سُورَة الفلق)
(وَذَا بيانك أم صهباء شعشها
…
أغن ذُو مقلة مكحولة الحدق)
(بتاج كل مليك مِنْهُ لامعة
…
وجيد كل مجيد مِنْهُ فى أفق)
(روض من الزهر والانوار زاهية
…
كأنجم الافق فى اللألاء والنمق)
(وذى حمائم أَلْفَاظ سجعن ضحى
…
على الخمائل غب الْعَارِض الغدق)
(رِسَالَة كفراديس الْجنان بهَا
…
من كل مؤتلق يلهى ومنتشق)
(كَأَنَّمَا الالفات المائدات بهَا
…
غصون بَان على أيك من الْوَرق)
(تعلو منا برهَا الهمزات صادحة
…
كالورق ناحت على الافنان من حرق)
(ميماتها كثغور يبتسمن بِمَا
…
يزرى على الدراديز هى على الْعُنُق)
(فطرسها كبياض الصُّبْح من يقق
…
ونقشها كسواد اللَّيْل فى غسق)
(يَا ذَا الرسَالَة قد أرْسلت معْجزَة
…
ردَّتْ بلاغتها الدَّعْوَى من الْفرق)
(وَيَا مليك ذوى الالباب قاطبة
…
وَيَا اماما هدَانَا أوضح الطّرق)
(من ذَا يُعَارض مَا قد صاغ فكرك من
…
حلى الْبَيَان وَمن يقفوك فى السَّبق)
(أَنْت المجلى بمضمار الْعُلُوم اذا
…
أضحى قروم أولى التَّحْقِيق فى قلق)
(صلى أَئِمَّة أهل الْفضل خَلفك يَا
…
مولى الموالى وَرب الْمنطق الذلق)
(مُسلمين لما قد حزت من أدب
…
مُصدقين بِمَا شرفت من خلق)
(مهلا فباعى من التَّقْصِير فى قصر
…
وَأَنت فى الطول والاحسان ذُو عمق)
(سُبْحَانَ بارئ هذى الذَّات من همم
…
سُبْحَانَ فاطر ذَا الانسان من علق)
(يَا لَيْت شعرى هَل شبه يرى لكم
…
كلا وربى وَلَا الاملاك فى الْخلق)
(عذرا فَمَا فكرتى صواغه دررا
…
حَتَّى أصوغ لَك الاسلاك فى نسق)
(واسلم وَدم وَتَعَالَى فى مشيد على
…
تستنزل الشهب للانشا فَلم تعق)
وَقَوله
(سَلام على الدَّار الَّتِى قد تَبَاعَدت
…
ودمعى على طول الزَّمَان سفوح)
(يعز علينا ان تشط بِنَا النَّوَى
…
ولى عنْدكُمْ دون الْبَريَّة روح)
(اذا نسمت من جَانب الرمل نفحة
…
وفيهَا عرار للغو يرو شيح)
(تذكرتكم والدمع يستر مقلتى
…
وقلبى مشوق بالبعاد جريح)
(فَقلت ولى من لاعج الوجد زفرَة
…
لَهَا لوعة تَغْدُو بهَا وَتَروح)
(أَلا هَل يُعِيد الله أيامنا الَّتِى
…
نعمنا بهَا والكاشحون نزوح)
وَقَوله فى صدر كتاب
(بِحَق الوفا بالود بالشيمة الَّتِى
…
عَرَفْتُمْ بهَا بالجود وَالْكَرم الجم)
(بِتِلْكَ الْخِصَال الاشرفيات بالنهى
…
بعزتك الْعليا على قمة النَّجْم)
(بِذَاكَ الْمحيا الهش بالْمَنْطق الشهى
…
بِمَا فِيك من خلق رضى وَمن عزم)
(أجرنى من التَّكْلِيف وَاقْبَلْ تحيتى
…
بتقبيل أَرض لم تزل مُنْتَهى همى)
(فدهرى من الاسهاب أمنع مَانع
…
ووقتى عَن الاطناب أضيق من سم)
(وماذا عَسى فى الْوَصْف يبلغ مقولى
…
وَلَو مدت الاقلام من مدد اليم)
وَوجدت الْفَقِير فى تذكرة المرشدى مِمَّا كتبه الْجمال مُحَمَّد درازالى الامام عبد الْقَادِر الطبرى سَائِلًا عَمَّا يرد على كَلَام للسبكى فى الطَّبَقَات الْكُبْرَى فى اسْتِخْرَاج الْملك الْعلقَة الَّتِى فى صَدره
مَوْلَانَا الامام الذى اليه هَذَا الحَدِيث يساق الْهمام الذى تشد اليه يعملات البلاغة ببدائع السِّيَاق فيسفر عَن بدر فضل حسن الاتساق ودرنبل مُنْتَظم عُقُود الانتساق فَلهُ السّلف الَّذين تتنازل الثريا دون مقاماتهم الرفيعه وينحط الاثير عَن مكاناتهم الى هى للفخار شفيعه على
انه العصامى الذى بِهِ تفتخر الابناء وتتبختر فى مطارف سودده الاعمام والاصناء فالمزنى لَا يُبَارى جود مزنه والرازى أضحى رزية من حزنه هدَانَا الله تَعَالَى بِهِ الى سَوَاء السَّبِيل وأغنانا بسلسال فَوَائده عَن رقراق السلسبيل قَالَ السبكى سَمِعت الْوَالِد يَقُول وَقد سُئِلَ عَن الْعلقَة السَّوْدَاء الَّتِى أخرجت من قلب النبى
فى صغره حِين شقّ فُؤَاده وَقَول الْملك هَذَا حَظّ الشَّيْطَان مِنْك ان تِلْكَ الْعلقَة الَّتِى خلقهَا الله تَعَالَى فى قُلُوب الْبشر قَابِلَة لما يلقيه الشَّيْطَان فِيهَا فأزيلت من قلبه
فَلم يبْق فِيهِ مَكَان قَابل لَان يلقى الشَّيْطَان فِيهِ شَيْئا قَالَ هَذَا معنى الحَدِيث وَلم يكن للشَّيْطَان فِيهِ
حَظّ قطّ وانما الذى نَفَاهُ الْملك أَمر هُوَ فى الجبلات البشرية فأزيل الْقَابِل الذى لم يكن يلْزم من حُصُوله حُصُول الْقَذْف فى الْقلب قَالَ فان قلت فَلم خلق هَذَا الْقَابِل فى هَذِه الذَّات الشَّرِيفَة وَكَانَ يُمكن أَن لَا يخلق فِيهَا قلت لانها من جملَة الاجزاء الانسانية فخلقة تَكْمِلَة لِلْخلقِ الانسانى فلابد مِنْهُ ونزعه أَمر ربانى طَرَأَ بعده انْتهى كَلَام السبكى أَقُول يُعَارض هَذَا بختانه
فخلقه تَكْمِلَة لِلْخلقِ الانسانى وَلَا شكّ ان بَقَاءَهُ على تِلْكَ الْفطْرَة الانسانية ثمَّ ازالتها بعد ذَلِك فِيهِ تَعْلِيم لِلْخلقِ باتباعه فان قلت ثمَّ فَارق وَهُوَ الْقَابِل الذى تُؤثر فِيهِ الوسوسة قلت الاكمل والاشرف عدم خلق الْقَابِل كَعَدم خلق القلفة وسلامته من الانزعاج الذى حصل لَهُ عِنْد شقّ الْملك صَدره خُصُوصا فى أَوَان سنّ الطفولية فالمسؤل خلاصكم للسبكى والخلاص من شباك سيدنَا السبكى ولمولانا مُنَاسبَة بِهَذَا الْفَنّ موروثه وفى الْبَقِيَّة دُرَر على طنافس الْفضل مبثوثه وَالسَّلَام فَأَجَابَهُ الطبرى مَوْلَانَا الذى اليه مطايا آمال الافاضل تزجى وَمن سحائب سَمَاء فَضله الغيوث المغدقة تؤمل وترجى فيهطل يواكف ترفع لتلقيه الاكف المبسوطه وتتألق عَن بارق يضئ بِهِ مظلم وَجه الارض البسيطه ويرعد بِمَا ينتجع اليه اذا سمع ثِقَة بوعده ويشرق بذكاء ذكاء أكسبت الْبَدْر سَاطِع ضيائه وطالع سعده ويرهف سمهرى الْقَلَم فى كَتِيبَة الْكِتَابَة بالمداد الاسود والاحمر ويرعف عضب اللِّسَان فى معرك المناظرة والمناضلة فنال مَا لم ينله اللدن الاسمر امام البلاغة رب الْكَلِمَات المصاغة دَامَت فرائد فَوَائده عقوداً للنحور واستمرت وطفاء غيثه ممدة للبحور وافى المشوق المشرف المدبج المفوف فوقفت لَهُ أَقْدَام الافهام حيارى وأضحت تالية وَترى النَّاس سكارى
وَمَا هم بسكارى غير انها درأت مَا ألم بهَا بارتشاف سلسبيله واستضأت بمصباحه لسلوك سَوَاء سَبيله فَرَأَيْت بعد التَّكَلُّف فى التَّوْفِيق بَين عبارَة مَوْلَانَا وَبَين مُرَاده انه لَا مُعَارضَة بِمَا أَشَارَ اليه من ختان من منح الله تَعَالَى الْخلق باسعافه واسعاده أما أَولا فلانهم اخْتلفُوا فى أَنه هَل ولد مختونا أَو انه ختن بعد وِلَادَته وَقد قَالَ بِكُل من الْقَوْلَيْنِ طَائِفَة فَأَما على القَوْل الثانى فَلَا اعْتِرَاض بالمعارضة الْمَذْكُورَة واما على الاول فَالْكَلَام فى جُزْء من الْخلقَة البشرية من الاجزاء الشَّرِيفَة الَّتِى لَا تمكن الْحَيَاة بِدُونِهَا فى الْعَادة فانها هى المكملة للخلقة فى الْحَقِيقَة وَأما القلفة فهى كالاظفار والشعور مِمَّا لَا يَتَرَتَّب على وجوده مَا يَتَرَتَّب على مثل الْعلقَة المستكنة فى ذَلِك الْموضع بِالنِّسْبَةِ الى الْحَيَاة وَأَيْضًا الْكَلَام فِيمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ الاحكام فان الْعلقَة حَيْثُ كَانَت مَحل وَسْوَسَة الشَّيْطَان فى الْبشر رُبمَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ عدم الايمان عياذا بِاللَّه وَلَا كَذَلِك القلفة وَأَيْضًا خلق القلفة وازالتها بعد ذَلِك قد وَقع لغيره
كابراهيم عليه السلام فَلَو وجدت فِيهِ
ثمَّ أزيلت لم يكن فى ذَلِك كَبِير مزية بِخِلَاف الشق الْمَذْكُور واخراج الْعلقَة الْمَذْكُورَة نعم يرد على كَلَام السبكى حَيْثُ قرر انه لم يكن للشَّيْطَان مِنْهُ
حَظّ وان خلق الْعلقَة فِيهِ لتكميل الْخلق انه لَا معنى لازالتها بعد ذَلِك حَيْثُ لم تكن مِنْهُ
مَظَنَّة لَهُ فَلَا يتم حِينَئِذٍ مَا قَرَّرَهُ على ذَلِك النمط هَذَا مالاح ودعا اليه داعى الْفَلاح قلت فِيهِ بعض مناقشة أما نَقله الِاخْتِلَاف فى كَونه ولد مختونا فَلم يكن اليه دَاع اذ الاشكال انما هُوَ وَارِد على مُقَابِله فَلَا معنى لنفى الِاعْتِرَاض وَدَعوى كَون الْعلقَة من الاجزاء الَّتِى لَا يُمكن بَقَاء الْحَيَاة بِدُونِهَا مَمْنُوعَة وَمَا أورد على كَلَام السبكى لَيْسَ بوارد عَلَيْهِ فان فى ازالتها مَعَ منع الشَّيْطَان عَنْهَا حِكْمَة هى قطع طمع وُصُوله اليه وَالله أعلم بِالصَّوَابِ وَلَقَد فحصت عَن وَفَاة صَاحب التَّرْجَمَة فَلم أظفر بهَا وَقد علم انه كَانَ فى سنة اثنتى عشرَة وَألف مَوْجُودا وَمَا عَاشَ بعْدهَا كثيرا رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن حسن الْمَعْرُوف بِابْن تركمان حسن التركمانى الاصل الدمشقى من أَعْيَان جند الشَّام وسراتهم وَكَانَ شجاعا عَاقِلا مهذبا حسن الاخلاق معاشرا سنحى النَّفس كَانَ وَالِده كتخدا الْجند الشامى وَسكن فى محلّة بَاب الْمصلى وَأَنْشَأَ دَارا عَظِيمَة وهى الْآن أكبر دَار بِدِمَشْق ورزق أَوْلَادًا كَثِيرَة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة
عينهم وأنبلهم وأوجههم صَار أَولا من آحَاد الْجند بِالشَّام واشتهر بالفروسية وينقل عَنهُ فِيهَا أَشْيَاء غَرِيبَة جدا مِنْهَا ان الْحَافِظ نَائِب الشَّام كَانَ قصد أَن يُمَيّز بَينه وَبَين كنعان الْكَبِير الْمَشْهُور بالفروسية والشجاعة فَخرج بهما الى ميدان الوادى الاخضر وَأمر أَن يوضع تَحت قدم كل وَاحِد مِنْهُمَا فَوق ركابه وَهُوَ رَاكب دِرْهَم وَأَمرهمَا بالسباق فَمَا برحا يتسابقان من بعيد الظّهْر الى قبيل الْغُرُوب ثمَّ استدناهما وَنظر الى الدرهمين فَوجدَ الذى كَانَ تَحت قدم كنعان قد وَقع والذى تَحت قدم مُحَمَّد بَاقِيا فى الْمَكَان الذى وضع فِيهِ فأنعم عَلَيْهِ وقربه وَبلغ من ثمَّ الشُّهْرَة الْبَالِغَة وَاخْتَلَطَ بالعقلاء وعاشر الْفُضَلَاء ثمَّ صَار بلو كباشى وَولى السردارية بِبَاب قاضى الْقُضَاة وخدم الْمولى مصطفى بن عزمى قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق وعاشره فاكتسب من آدابه ثمَّ سَافر مَعَ وَالِده الى بِلَاد الْعَجم فى زمن السُّلْطَان أَحْمد وَلما دارت رحى الْحَرْب بَين الْفَرِيقَيْنِ طرح بعض الاعاجم أَبَاهُ فخلصه مُحَمَّد مِنْهُ وَقتل عَدو وَالِده لكنه أُصِيب فى عينه بِسَهْم أَصَابَهُ وَاتفقَ لَهُ انه سَافر إِلَى روان فى بِلَاد الْعَجم أَيَّام السُّلْطَان مُرَاد فَوَقع لَهُ مَا وَقع لابيه وَقبض عَلَيْهِ بعض الاعجام فخلصه ثانى اولاده وأشجعهم مُوسَى الذى صَار آخرا أَمِير الْحَاج وسيأتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى ثمَّ رَجَعَ الى دمشق وَصَارَ كتخدا الْجند فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَلما ولى حُكُومَة الشَّام عُثْمَان باشا جفتلر لى عَزله وحبسه فى قلعة دمشق ثمَّ اطلقه بشفاعة شيخ الاسلام مُحَمَّد البهائى قاضى الشَّام وَجعل لَهُ علوفة فى الخزينة الشامية ثمَّ صاريياً باشى وَعظم قدره بَين الْعَسْكَر وَصَارَ كَبِيرهمْ وَصَارَت أَوْلَاده كباشيه وأخواه يباباشيين وطنت حَصَاة شهرتهم فى الْآفَاق وَكَانُوا فى الْجُمْلَة زِينَة المواكب وَرُبمَا انهم كَانُوا مَعَ توابعهم ولواحقهم يقاربون ربع الْعَسْكَر وَسَار الى الْحَج سردارا سبع مَرَّات ثمَّ بعد ان قتل عبد السَّلَام السَّابِق ذكره تنزل عَن سموهُ وَانْفَرَدَ بَين الْعَسْكَر وَلم يبْق من أقرانه أحد وَأُصِيب بولدين كَانَا أَنْجَب أَوْلَاده وهما رَجَب وخضر وَأخذ مِنْهُ مَال كَانَ لزمَه من مَال المقاطعات الَّتِى بِيَدِهِ ونفدت جَمِيع عقاراته وأمواله وغدر بِهِ الزَّمَان فبقى منزويا الى أَن مَاتَ وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة وَتوفى فى سنة احدى وَسبعين وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير عِنْد أَبِيه تجاه دَارهم بِالْقربِ من الْمصلى
الامام مُحَمَّد بن الْحسن بن الامام الْقَاسِم بن مُحَمَّد على قَالَ القاضى أَحْمد بن ابى
الرِّجَال فى تَرْجَمته قَائِد الجحافل وَوَاحِد المحافل السُّلْطَان المسعود وانسان الاعلام الْمَحْمُود كَانَ سريا حولا قلبا حنكته التجازب وَعرف المصادر والموارد وصحبته السَّعَادَة فى الصغر وَالْكبر وَلم يزل حميدا فى الْحَالين واستمرت أَيَّامه على نمط وَاحِد غير مَا لابد مِنْهُ فى أَوَائِل الْعُمر من الْوُقُوف فى الْكتاب للْقِرَاءَة وَأما مذ اميطت عَنهُ التمائم فَمَا هُوَ الا مسود مقدم محفوف بالجنود والبنود تولى صعده ونواحيها وَمَا ذَر الشّعْر بعارضيه فحمدت سيرته واتصل بِهِ الْفُضَلَاء وفداليه الاخيار وَنكى الاعداء فى ذَلِك الاقليم على شراستهم وابائهم وغزا مغازى محمودة الاثر وَقَرَأَ فى اثناء هَذِه الْمدَّة أَكثر الْكتب الْمُعْتَمدَة على شُيُوخ كالقاضى أَحْمد بن يحيى بن حَابِس والفقيه صديق بن رسام السوادى وَمَا ترك من مهمات الْعُلُوم فَنًّا الا وابلغ جهده فى الطّلب وقيلت فِيهِ المدائح الغر أَيَّام اقامته بصعدة وَأَجَازَ الجوائز السنيات وَلما توفى وَالِده وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة يَوْمئِذٍ آيبا من زيارته الى عَمه الامام الْمُؤَيد بِاللَّه مُحَمَّد بن الْقسم فَلَمَّا بلغ امام مَرضه نفذه الى جِهَة ضوران فَوَقفهُ فى الديار اليمنية مترددا بَين ضوران وذمار ثمَّ سكن مدينتى آب وذى جيله وَجمع جندا جرارا من وُجُوه الْعَسْكَر وكبراء الامراء من أَعْيَان دولة أَبِيه حَتَّى توفى الامام الْمُؤَيد فَدَعَا صَاحب التَّرْجَمَة الى مُحَمَّد الامام المتَوَكل على الله اسماعيل بن الْقسم وَسلم الامر طَوْعًا لَهُ على يَد أَخِيه السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن وولاه الامام ولَايَة عظمى فى أقاليم وحصون ومدن فاستمر على خَال حميدة محفوفا بعساكر يضيق عَنْهَا الرحب فى رفاهية ودعة لما لَهُ من الاسعاد وَاسْتمرّ حَاله كَذَلِك على نمو وازدياد من حُدُود سنة أَربع وَخمسين الى سنة تسع وَسبعين وَكَانَ يَجْعَل شطر الاقامة بذمار واليمن الاسفل وشطرها بِصَنْعَاء كَمَا كَانَ يفعل طَاوس الْفَقِيه من الاقامة أَيَّام الشتَاء بالحبذ وَأَيَّام الرّبيع وَمَا وَرَاءَهَا بصنعا وَقَرَأَ فى هَذِه الْمدَّة الْمُتَأَخِّرَة تذكرة الْعَلامَة النحوى على عَلامَة الْيمن مُحَمَّد بن صَلَاح السلامى وكملها على أَحْمد بن سعيد الهبل وَقَرَأَ الْفُصُول اللؤلؤية على ابراهيم السحولى وَمن مؤلفاته سَبِيل الرشاد الى معرفَة رب الْعباد مُخْتَصر مُفِيد فى علم الْكَلَام وَشرح مرقاة الْوُصُول الى علم الاصول لجده الامام الْقَاسِم سَمَّاهُ بالتسهيل وَجَوَاب مَبْسُوط فى حَدِيث سَتَفْتَرِقُ أمتى سَأَلَهُ عَنهُ الْعَلامَة أَحْمد بن مطير الشافعى وفى سنة تسع وَسبعين طلع من الْيمن الى صنعاء وصادف قدوم عَمه الامام اسمعيل من شهارة مُتَوَجها الى ضوران
فامتلأت الساحات بالخلائق وامتلأت الْقُلُوب بالمسرة فَمَا كَانَ أسْرع من ان أَصَابَهُ ألم أَحْسبهُ ذَات الْجنب وَاخْتَارَ الله لَهُ جواره بداره بدرب السلاطين من أَعمال الرَّوْضَة فى الثُّلُث الاول من لَيْلَة الْخَمِيس ثامن عشر شهر ربيع الاول سنة تسع وَسبعين وَألف فَاجْتمع السادات بداره والامام هُنَالك وَدفن بِقرب دَاره وَكَانَ الْخطب جسيما لَوْلَا حُضُور الامام فانه جبر الخواطر واشتغل بصلاح شَأْن أَوْلَاده وَعرض عَلَيْهِم الْولَايَة وحاول أَن أَخَاهُ السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن يلم الشعث ويحفظ الْبِلَاد والجند فعف عَن الْبِلَاد قبل أَن يعرف الامام قدرهَا فَتَأَخر عَن الْجَمِيع وبقى أَوْلَاد مُحَمَّد بن الْحسن وهما يحيى واسمعيل بعد أَن بعد صيتهما وذكرا فى النَّاس ذكر آبائهما وَقد كَانَا توليا ولايات من والدهمافلذلك كَانَ مقامهما قد كبر فَاخْتَارَ الله ليحيى جواره وَكَانَ قد ناهز الاشد وَمهر فى علم الطِّبّ خُصُوصا وَلما مَاتَ بقى فى يَد أَخِيه اسمعيل جِهَة العدين من مخلاف جَعْفَر فَتوجه اليها عَن امْر الامام فَلم يصل اليها الا وَقد ألم بِهِ الالم وَتوفى فى مذيخرة فَكَانَ ذَلِك أنكى للقلوب وأبكى للعيون فسبحان من لَهُ الْبَقَاء والدوام وَلما كَانَ ذَلِك كَذَلِك أوت العساكر الى أَخِيه احْمَد بن الْحسن وَأَعْطَاهُ الامام الى بِلَاده بلادا فاستوثق الامر وانتظم ونظمت فى صَاحب التَّرْجَمَة المراثى البليغة ووصلت التعازى الى الامام من مَكَّة وَمِمَّنْ رثاه وَلَده اسمعيل وَذكر فى مرثيته الْحَال وَذكر صنوه يحيى وَمَا أجد أوقع فى النُّفُوس مِنْهَا لانها عين الْحَقِيقَة وَلَا كلفة فِيهَا وَعَلَيْهَا مسحة الْحزن وَرب شَاعِر يشْعر ويجيد وَلَا نجد تِلْكَ المسحة على غَيرهَا من مرثية أَو موعظة أَو غزل وَأما هَذِه فَانْظُر بقلبك وهى
(هَل أقَال الْمَوْت ذَا حذره
…
سَاعَة عِنْد انتها عمره)
(أَو ترَاخى عَن كحيل رنا
…
فاق كل الغيد فى حوره)
(أَو رثى يَوْمًا لمرضعة
…
طفلها مَا دب فى حجره)
(أَو ترَاهُ هائبا ملكا
…
صائلا قد عز فى نفره)
(أَو تناسى من لَهُ نظر
…
تصدر الاشياء عَن نظره)
(أَو تحامى روح سيدنَا
…
مصطفى الرَّحْمَن فى بشره)
(وأبى السبطين حيدرة
…
وكبار الْآل من عتره)
(بل دهى من كَانَ منتظرا
…
قربه أَو غير منتظره)
(وسقاه كأس سطوته
…
مدهقا من كف مقتدره)
(مَا ترى عَن الانام ثوى
…
حُفْرَة اذ آب من سَفَره)
(لم يقم فى قصره زَمنا
…
غير وَقت زَاد فى قصره)
(بعد مَا قد كَانَ عزته
…
ترشد السارى الى وطره)
(وندى كفيه منهمرا
…
مذهلا للروض عَن مطره)
(كَانَ طودا لَا يحركه
…
أى خطب جلّ فى خطره)
(كَانَ بحرا طالما الْتقط الطَّالِب الْمُحْتَاج من درره
…
)
(شادركن الدّين ملتمسا
…
لرضى الرَّحْمَن من صغره)
(وحوى الدُّنْيَا وديدنه
…
طلب الاخرى الى كبره)
(فسقى الرَّحْمَن تربته
…
صيبا ينهل فى سحره)
(وعماد الدّين أزعجه
…
بعده يَغْدُو على أَثَره)
(لم ينل فى الْعُمر بغيته
…
لَا وَلَا أفْضى الى وطره)
(لم يذقْ فى دهره أبدا
…
صفو عَيْش صين عَن كدره)
(مَا أرَاهُ الدَّهْر مطلبه
…
ليته أخلاه من غَيره)
(رحم الرَّحْمَن مصرعه
…
ووقاه الْحر من سقره)
(كَيفَ أنسى شمس مفخرنا
…
وَأرى السلوان عَن قمره)
(فهما قد أضرّ مَا لهبا
…
فى فؤادى طَار من شرره)
(وأسالا مدمعا بخلت
…
أدمعى دهرا بمهمره)
(لَا أفى يَوْمًا بحقهما
…
لَو أسلت الرّوح عَن قطره)
(غير أَن الصَّبْر شِيمَة من
…
صوب الرَّحْمَن فى قدره)
(لينال الاجر مِنْهُ اذا
…
ذاق طعم الصاب من صبره)
(نسْأَل الرَّحْمَن خَاتِمَة
…
بِرِضا الرَّحْمَن فى صَدره)
ورثاه الشَّيْخ البليغ صارم الدّين ابراهيم الهندى المهتدى بقصيدة فجيمة مِنْهَا
(قضى الفخار فَلَا عين وَلَا أثر
…
واحلو لَك الْخطب لَا شمس وَلَا قمر)
(أمهبط الوحى مَا هَذَا الذى صنعت
…
يَد الْقَضَاء وماذا أحدث الْقدر)
(وَمَا الذى مادت الدُّنْيَا لصدمته
…
تفجعا وتوارى النَّجْم وَالشَّجر)
(وَمَا الذى مِنْهُ ماج الْكَوْن واضطربت
…
لَهُ الْجبَال وريع الرَّاد وَالسحر)
(وَمَا الذى جزر الْبَحْر الكهام لَهُ
…
واستشعر الْحَشْر مِنْهُ البدو والحضر)
(ياناعى الْجُود وَالْمجد الاثيل صه
…
مَاذَا زعمت لفيك للترب وَالْحجر)
(أفق فان جنَاح الْجَيْش منخفض
…
مِمَّا ذكرت وقلب الْملك منكسر)
(مهلا رويدك فِيمَا قد صدعت بِهِ
…
دهياء يذهب مِنْهَا السّمع وَالْبَصَر)
(مَاتَ الامام أيو يحيى وحسبك من
…
رزية تتحامى حرهَا سقر)
(مَاتَ الذى كَانَ للوراد منتجعا
…
وللعفاة اذا مَا أخلف الْمَطَر)
(مَاتَ المليك الذى كَانَت موارده
…
للورادين عذَابا مابها كدر)
(هدت مبانى المعالى يَوْم مصرعه
…
ومربع الْمجد والعلياء مندمر)
(وأقلعت يَا لعمرى من أنامله
…
سحب شآبيبها الابريز والبدر)
(وغاض بَحر عُلُوم مِنْهُ كم حفظت
…
مسَائِل هن فى جيد العلى دُرَر)
(وَكَانَ فى صَدره حلم يحقر مَا
…
يجى المسئ وَلَكِن لات يقْتَصر)
(من للرعيل وللبخيل الْعتاق وَمن
…
يزهو لَدَيْهِ بهَا التحجيل وَالْغرر)
وَمِنْهَا
(لم أنس نعشا لَهُ أمست تشيعه الافلاك والشهب والاملاك والبشر
…
)
(وَمن دُعَاء أَمِير الْمُؤمنِينَ لَهُ
…
وَسِيلَة وهى الزلفاء وَالظفر)
(طود تحمله ظهر السرير وَمَا
…
تحملت جبلا من قبله السرر)
مِنْهَا
(يَا أَيهَا الْملك الْمولى الْخَلِيفَة يَا
…
من بقاه لنا المأمول والوطر)
(تعز فى عز دين الله سَيْفك من
…
كَانَت بِهِ تزهر الآصال وَالْبكْر)
(وآس فِيهِ أَخَاهُ الاحمدى وَقل
…
يَا أَحْمد الْقَوْم أَنْت الصارم الذّكر)
(وَشد أزر عماد الدّين خير فَتى
…
لَهُ مخائل فضل كلهَا غر)
(وآس أَيْضا ضِيَاء المكرمات تَجِد
…
مهذبا طَابَ من الْخَبَر وَالْخَبَر)
مُحَمَّد بن حسن بن على بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِالْحرِّ العاملى الشامى الاديب الْمَشْهُور ذكره ابْن مَعْصُوم فى السلافة فَقَالَ فى حَقه لَهُ شعر يستلب نهى الْعُقُول بسحره وَيحل من الْبَيَان بَين صَدره ونحره فَهُوَ أرق من خصر هيفاء مجدولة وادق وأصفى من صهباء يشعشعها اغن ذُو مقلة مكحولة الحدق قدم مَكَّة فى سنة سبع أَو ثَمَان وَثَمَانِينَ وَألف وفى الثَّانِيَة مِنْهُمَا قتلت الاتراك بِمَكَّة جمَاعَة من الْعَجم لما اتهموهم بتلويث الْبَيْت الشريف حِين وجد ملوثا بالعذرة وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة قد أَنْذرهُمْ قبل الْوَاقِعَة بيومين وَأمرهمْ بِلُزُوم بُيُوتهم لمعرفته على مَا زَعَمُوا بالرمل فَلَمَّا حصلت المقتلة فيهم خَافَ على نَفسه فالتجأ الى السَّيِّد مُوسَى بن سُلَيْمَان أحد أَشْرَاف مَكَّة
الحسنيين وَسَأَلَهُ أَن يُخرجهُ من مَكَّة الى نواحى الْيمن فَأخْرجهُ مَعَ أحد رِجَاله اليها قلت وَهَذِه الْقِصَّة الَّتِى قد ذكرهَا أفضح فضيحة وَمَا أَظن أَن أحدا مِمَّن فِيهِ شمة من الاسلام بل فِيهِ شمة من الْعقل يجترى على مثلهَا وحاصلها أَن بعض سدنة الْبَيْت شرفه الله تَعَالَى اطلع على التلويث فأشاع الْخَبَر وَكثر اللَّغط بِسَبَب ذَلِك وَاجْتمعَ خَاصَّة أهل مَكَّة وشريفها الشريف بَرَكَات وقاضيها مُحَمَّد ميرزا وتفاوضوا فى هَذَا الامر فانقدح فى خواطرهم ان يكون هَذَا التجرى من الرفضة وجزموا بِهِ وأشاروا فِيمَا بَينهم أَن يقتل كل من وجد مِمَّن اشْتهر عَنهُ الرَّفْض ووسم بِهِ فجَاء الاتراك وَبَعض أهل مَكَّة الى الْحرم فصادفوا خَمْسَة أَنْفَار من الْقَوْم وَفِيهِمْ السَّيِّد مُحَمَّد مُؤمن وَكَانَ كَمَا أخْبرت بِهِ رجلا مسنا متعبدا متزهدا الا أَنه مَعْرُوف بالتشيع فَقَتَلُوهُ وَقتلُوا الاربع الاخر وَفَشَا الْخَبَر فاختفى الْقَوْم المعروفون بأجمعهم وَوَقع التفتيش على بعض المتعينين مِنْهُم وَمِنْهُم صَاحب التَّرْجَمَة فالتجأوا الى الاشراف ونجوا وَرَأَيْت بِخَط بعض الْفُضَلَاء أَن صَاحب التَّرْجَمَة رَجَعَ بعد الْقِصَّة الى الْعَجم وَأنْشد لَهُ من شعره قَوْله
(فضل الْفَتى بالجود والاحسان
…
والجود خير الْوَصْف للانسان)
(أَو لَيْسَ ابراهيم لما أَصبَحت
…
أَمْوَاله وَقفا على الضيفان)
(حَتَّى اذا أفنى اللهى أَخذ ابْنه
…
فسخا بِهِ للذبح والقربان)
(ثمَّ ابْتغى النمرود احراقا لَهُ
…
فسخا بمهجته على النيرَان)
(بِالْمَالِ جاد وبابنه وبنفسه
…
وبقلبه للْوَاحِد الديَّان)
(أضحى خَلِيل الله جل جلاله
…
ناهيك فضلا خلة الرَّحْمَن)
(صَحَّ الحَدِيث بِهِ فيالك رُتْبَة
…
تعلو بأخمصها على التيجان)
أصل هَذَا حَدِيث قدسى رَوَاهُ أَبُو الْحسن المسعودى فى أَخْبَار الزَّمَان قَالَ ان الله أوحى الى ابراهيم عليه السلام انك لما سلمت مَالك للضيفان وولدك للقربان ونفسك للنيران وقلبك للرحمن اتخذناك خَلِيلًا وَمن شعره قَوْله
(يراكم بِعَين الشوق قلبى على النَّوَى
…
فيحسده طرفى فتنهل أدمعى)
(ويحسد قلبى مسمعى عِنْد ذكركُمْ
…
فتذكو حرارات الجوى بَين أضلعى)
وَقَوله موريا بلقبه
(قلت لما لجئت فى هجود هر
…
بذلك الْجهد فى احتفاظ الجهول)
(كَيفَ لَا أشتكى صروف زمَان
…
ترك الحسر فى زَوَايَا المخول)
قلت للشعراء الْمُتَقَدِّمين أشعار كَثِيرَة تتَعَلَّق بِأَسْمَائِهِمْ وألقابهم من ذَلِك قَول السراج الْوراق
(بنى اقْتدى بِالْكتاب الْعَزِيز
…
فَزَاد سُرُورًا وزدت ابتهاجا)
(فَمَا قَالَ لى أُفٍّ فى عمره
…
لكونى أَبَا ولكونى سِرَاجًا)
وَقَول الشهَاب الخفاجى
(قَالُوا نرَاك سَقَطت من رتب
…
أَتَرَى الزَّمَان بِمثل ذَا غَلطا)
(قلت الشَّيَاطِين اللئام علوا
…
وَلذَا الشهَاب من العلى سقطا)
وَرَأَيْت للْحرّ هَذِه الابيات وفيهَا لُزُوم مَالا يلْزم فأثبتها لَهُ وهى
(لَاحَ وَجه من ربع ليلى جميل
…
وركاب الركاب والركب ميل)
(بَعْدَمَا كَاد أَن يلم بِنَا الْيَأْس فَزَاد الرَّجَاء والتأميل
…
)
(وظننا الحبيب لَاحَ وَقُلْنَا
…
ذَاك مَا تشْتَهى النُّفُوس فَمِيلُوا)
(ذَلِك السؤل والهوى والامانى
…
للبرايا وَالْقَصْد والمأمول)
(حدثونا فَذا حَدِيث عَجِيب
…
حسن مُجمل رَوَاهُ جميل)
(كل دمع فرض على كل عين
…
وعَلى العيس وخدها والزميل)
(ثمَّ ملنا الى ربيع ربوع
…
نَحْوهَا أنفس الجماد تميل)
(وَكَأن السهاد للْقَوْم كحل
…
وَكَانَ الطَّرِيق للْقَوْم ميل)
(بى نقص من الْكَمَال وَمِنْهُم
…
للمحب التتميم والتكميل)
(كل حى فى ذَلِك الحى نشوان هوى وَهُوَ عَامل مَعْمُول
…
)
(عمهم يَا ابْن عمى من ألم الْحبّ عُمُوم من الْهوى وشمول
…
)
(كلهم عاشق يمِيل ومعشوق أمالته من هَوَاهُ شُمُول)
(كل شخص مِنْهُم بدا قلت هَذَا
…
مستمال فى الْحبّ بل مستميل)
(كل من مَاتَ فى الْهوى اكسبوه
…
شهرة لَيْسَ يعتريها خمول)
(من رَآهُمْ فى النّوم أَو يقظة هام وأضحى ودمعه مهمول
…
)
(جنَّة قد تجمعت فى حماها
…
شهوات النُّفُوس والمأمول)
(كم بِتِلْكَ المحامل استأسروا قلبا غَدا وَهُوَ فى الْحمال حميل
…
)
(حملوه وَحَمَلُوهُ البلايا
…
فى الْهوى فَهُوَ حَامِل مَحْمُول)
(بعدوا بالحمول عَنَّا فَلم تبْق احْتِمَالا للقرب تِلْكَ الحمول
…
)
وَقَوله
(وغانية شكل الْعَرُوس بوجهها
…
يُقيم عَلَيْهَا لحظها كل برهَان)
(يبين خداها لنا باشارة
…
الى رَابِع الاشكال أوضح تبيان)
(بسالفها مَعَ حاجبيها بَدَت لنا
…
براهين أشكال تُشِير الى الثانى)
(وحاجبها لِلْحسنِ شكل متمم
…
فيا ليته مقرون حسن باحسان)
وَقَوله
(قد كنت أستنشق من مطلكم
…
عرف شذا خيبة آمالى)
(فَالْآن قد بَان بتصريحكم
…
انى لنيران الجفا صالى)
(انى رَأَيْت الْيَأْس عزا وفى
…
كل رَجَاء نوع اذلال)
(رجاؤكم غل وَهَا أَنْتُم
…
أطلقتم عَنى أغلالي)
(وَالْمَال ظلّ حَائِل زائل
…
لَا دردر الْجَامِع المَال)
(فى مَذْهَب المجدودين العلى
…
سيان اكثارى واقل الى)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِالْيمن أَو الْعَجم فى سنة تسع وَسبعين وَألف
مُحَمَّد بن حسن القسطمونى الاصل القسطنطينى المولد الْمَعْرُوف بِحسن زَاده أحد أفاضل موالى الرّوم ثمَّ أَخذ طَرِيق مَوْلَانَا خدا وندكار وَصَارَ شَيخا بزاويتهم بِالْقَاهِرَةِ كَانَ من السراة النحارير وَله شهرة بِالْفَضْلِ طنانة وَكَانَ شَاعِرًا بليغا لَهُ بالتركية أشعار كَثِيرَة ونظم الشّعْر العربى وَله مخلص على طَريقَة شعراء الرّوم وَهُوَ شفائى نَشأ فى تربية أَبِيه وَكَانَ أَبوهُ فى الذرْوَة الْعَالِيَة من الْعلم وَهُوَ أستاذ الاستاذين أَخذ عَنهُ كثير من الْعلمَاء وَمِنْهُم وَلَده هَذَا وَبِه برع واشتهر صيته من حِين بلغ الْحلم ثمَّ لَازم من شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَأخذ طَرِيق الخلوتية عَن الشَّيْخ الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى عبد الْمجِيد السيواسى ولازمه مُدَّة وَحكى عَن السيواسى انه قَالَ سَوف يحصل لهَذَا وعناه فيض فى طَرِيق الصُّوفِيَّة وَكَانَ النَّاس يعْجبُونَ من قَوْله لِأَنَّهُ كَانَ فى أَوَائِله مُتَّهمًا بِبَعْض الْمُنْكَرَات ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى مدرسة السُّلْطَان سليم الْقَدِيم وَاسْتمرّ مدرسا بهَا سِتَّة أَعْوَام لعذر حصل لَهُ ثمَّ نقل الى السليمانية وَولى مِنْهَا قَضَاء ازمير برتبة الْمَدِينَة المنورة ثمَّ ولى قَضَاء أَيُّوب برتبة بروسه وَلما صَار الْمولى حُسَيْن الرمال معلما للسُّلْطَان ابراهيم وَكَانَ أَولا من جملَة طلبة صَاحب التَّرْجَمَة نَهَضَ بِهِ الْحَظ وَصَارَ مرجعا فى المهام وَأعْطى قَضَاء الغلطة برتبة أدرنه وَنقل الى مصر فَأَقَامَ بهَا ثَلَاثَة أشهر وعزل وَلما ولى البهائى الافتاء كَانَ لَهُ بِهِ علاقَة كُلية من حَالَة الصغر واتحاد تَامّ فصيرة قَاضِيا بِالشَّام فى سنة سِتِّينَ وَأقَام بهَا
ثَمَانِيَة عشر يَوْمًا ثمَّ أعْطى قَضَاء مصر ثَانِيًا ثمَّ عزل وَجَاء الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة أَرْبَعَة أشهر وَكَانَ قصد أَن يحجّ فَمَا تيَسّر لَهُ وأعيد البهائى الى الْفتيا فَوجه اليه رُتْبَة قَضَاء قسطنطينية ثمَّ ولى قضاءها اسْتِقْلَالا فِي سنة سِتّ وَسِتِّينَ وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى ثمَّ ارتحل بنية الْحَج وَلما وصل الى قونية أَخذ طَرِيق المولوية عَن ابْن مَوْلَانَا وَلبس تاجهم وَقدم الى دمشق فى سنة احدى وَسبعين وَسَار الى الْحَج مَعَ الركب الشامى وَعَاد الى مصر صُحْبَة ركبهَا والقى بهَا عَصا ترحاله وَأعْرض عَن الدُّنْيَا واستوطن مصر وَاشْترى بهَا دَارا وَبَاعَ دَاره الَّتِى بقسطنطينية بمحلة السُّلْطَان سليم وطلق زَوجته الَّتِى بالروم ولازم على الْعِبَادَة والاوراد وَلم يزل بِمصْر الى أَن مَاتَ وَكَانَ بَينه وَبَين أَبى محبَّة وصداقة وَكَانَت رسائل كل مِنْهُمَا لَا تنفك عَن الآخر ومنشآته بالتركية فى غَايَة اللطافة وَأما آثاره الْعَرَبيَّة فَلم أر لَهُ مِنْهَا الا هَذِه الابيات كتبهَا على مؤلف للقاضى عمر المغربى المالكى خَليفَة الحكم بِمصْر سَمَّاهُ المصابيح على الْجَامِع الصَّحِيح وهى
(كتاب لانواع الْمسَائِل جَامع
…
وَجمع لَا شتات المباحث نَافِع)
(وَفِيه لطلاب الحَدِيث كِفَايَة
…
كَمَا فِيهِ للشَّيْخ النبيه مَنَافِع)
(جزى رَبنَا خير الجامعه غَدا
…
باذن لمن يَوْم الجزا هُوَ شَافِع)
عليه السلام التَّام مِنْهُ وَآله
…
وَأَصْحَابه مَا دَامَ يشفع شَافِع)
وَكَانَت وِلَادَته سنة أَربع عشرَة وَألف وَتوفى بعد الْخمس والثمانين بِقَلِيل رَحمَه الله تَعَالَى
السَّيِّد مُحَمَّد بن حسن الشهير بِابْن عجلَان الحسينى الشافعى الدمشقى نقيب الاشراف بِدِمَشْق كَانَ غزير الْفضل فصيح الْعبارَة حسن الْفَهم كثير الْمَحْفُوظ وَله فى التَّفْسِير يَد طائلة اشْتغل على الشَّمْس مُحَمَّد بن مُحَمَّد العيثى وعَلى الشَّيْخ مَنْصُور السطوحى الصابونى وَأخذ عَن جمَاعَة وَحصل ودأب ثمَّ ولى نقابة الاشراف فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وعزل بعد مُدَّة فارتحل الى الرّوم وَولى الْمدرسَة السليمية وَرجع وتملك دَارا بِالْقربِ من الشَّيْخ عَمُود دَاخل بَاب الْجَابِيَة وسكنها وَلما مَاتَ السَّيِّد مُحَمَّد بن حَمْزَة نقيب الشَّام نَهَضَ بِهِ حَظه فَكَانَ تَارَة يلى النقابة وَتارَة يعْزل الى أَن اسْتَقل بهَا مُدَّة وروجع فى الامور كثيرا وَكَانَ كَامِل الْعقل خَبِيرا بِمَا يصنع ونفذت كَلمته عِنْد الاعيان وأرباب الحكومات وَولى نِيَابَة الْقَضَاء وَقَضَاء الْمَوَارِيث وَوَقع فى
آخر أَيَّامه ان رجلا سبّ النبى
وتعصب جمَاعَة فى تبرئته وَأَرَادُوا أَن يرغموا الشُّهُود فى كتم الشَّهَادَة فَقَامَ بِهَذَا الامر وَأثبت عَلَيْهِ السب عِنْد القاضى فَقتل وَكَانَ ذَا مفاكهة عذبة ممتعا فى حَدِيثه وتملك كتبا كَثِيرَة واقرأ التَّفْسِير فى السليمية والبخارى فى بَيته وَكَانَ كثير المطالعة لَا يمل من الْبَحْث وَلَا يفتر عَن المذاكرة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من المميزين فى الْفضل وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف وَتوفى بكرَة نَهَار الِاثْنَيْنِ ثامن عشر الْمحرم سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف وَدفن بمدفن خَاص بهم بِالْقربِ من مَسْجِد الذبان وَكَانَ آخر درس أقرأه فى تَفْسِير سُورَة مَرْيَم قَوْله تَعَالَى {واذا مت فَسَوف أبْعث حَيا} وَلم يخلف ذكرا وَبَنُو عجلَان طَائِفَة بِالشَّام مَشْهُورُونَ بِصِحَّة النّسَب واسلافهم كَانُوا قدمُوا من مصر وَسَكنُوا بزاوية الرفاعية بمحلة ميدان الْحَصَى وهى الزاوية الْمَعْرُوفَة بزاوية شيخ الْمَشَايِخ عِنْد مَزَار سيدى حسن بن الرفاعى وهى زَاوِيَة كَبِيرَة فسيحة وَكَانَت خربَتْ بِسَبَب فتْنَة صدرت فى أَوَاخِر دولة الجراكسه فى سنة عشْرين وَتِسْعمِائَة وَذَلِكَ ان السُّلْطَان الغورى أرسل حَاكما الى دمشق يُقَال لَهُ النَّائِب وَكَانَ بهَا حَاكم غَيره فَمَا أَرَادَ تَسْلِيمه فتحصن النَّائِب الْمَذْكُور فى زَاوِيَة ابْن الرفاعى الْمَذْكُورَة فَرمى نَائِب القلعة على الزاوية بأحجار المدافع الْكَبِيرَة فَهد ايوان الزاوية قَالَه البورينى وَالله أعلم
مُحَمَّد بن حسن بن أَحْمد بن أَبى يحيى الكواكبى الحلبى الحنفى مفتى حلب ورئيسها والمقدم فِيهَا فى الْفُنُون النقلية والعقلية مَعَ سَعَة الجاه وَالْمَال وشهرة الصيت والاناة والحلم وَكَانَ أعظم رجل جمع كل صفة حميدة وألم بِكُل منقبة سامية انْتَهَت اليه مَكَارِم الاخلاق والبشاشة وَصدق الْوَعْد وَكَانَ مَعَ علمه الزاخر وعلو سنه وَقدره لين قشرة المعاشرة مخالطا يحضر مجَالِس المداعبة والغنا وَيَقُول رب مَعْصِيّة أورثت ذلا وافتقارا خير من طَاعَة أورثت عزا واستكباراً نَشأ بحلب وَأخذ بهَا عَن جمع من مُحَقّق عصره مِنْهُم الشَّيْخ جمال الدّين البابولى وجد كثيرا حَتَّى نَالَ الرُّتْبَة الْعَظِيمَة وَكَانَ حَدِيد الْفَهم سريع الاخذ للاشياء الغامضة حكى انه دخل يَوْمًا الى مجْلِس النَّجْم مُحَمَّد ابْن مُحَمَّد الحلفاوى خطيب حلب فَسَأَلَهُ عَن مسئلة فى الاصول فَلم يدرها وَكَانَ النَّجْم قصد أَن يظْهر زيفه وَيعرف انه لم يشْتَغل فى الاصول فَقَامَ من الْمجْلس وَانْفَرَدَ بِنَفسِهِ مُدَّة فى دَاره وانكب على مطالعة الاصول حَتَّى عرف من نَفسه انه حصله وَأخذ باطراً فَمه ثمَّ ذهب الى النَّجْم وناطره فى مسَائِل كَثِيرَة من هَذَا الْعلم فأربى عَلَيْهِ وَشهد لَهُ
النَّجْم بمعرفته وَكَانَ النَّجْم الْمَذْكُور فى هَذَا الْعلم مِمَّن لَا يدْرك شاوه وَمَا زَالَ بعد ذَلِك يترقى فى الْفضل حَتَّى انْفَرد وَولى افتاء حلب وتصدر بهَا وَأفَاد ودرس وَأَلْقَتْ اليه علماؤها أَعِنَّة التَّسْلِيم وتواتر خبر فَضله وبلغنى ان السَّيِّد عبد الله بن الحجازى الْمُقدم ذكره كَانَ طلب من الْوَزير الْفَاضِل ايام انضمامه اليه أَن يشفع لَهُ فى منصب الْفتيا عَن الكواكبى عِنْد شيخ الاسلام يحيى المنقارى فَلَمَّا فاوضه الْوَزير فى ذَلِك قَالَ لَهُ المنقارى اذا عزل الكواكبى نضطر الى ان نوجه اليه منصبا يَلِيق بِهِ وَلَا يَلِيق بِهِ الا منصبى وَقصد بذلك أَن يكف الْوَزير عَن هَذَا الامر فَلم يذكرهُ لَهُ بعد ذَلِك وَبقيت عَلَيْهِ الْفَتْوَى الى أَن مَاتَ وَألف المؤلفات العديدة مِنْهَا نظم الْوِقَايَة فى الْفِقْه وَشرح نظمه شرحا مُفِيدا وَله نظم الْمنَار وَشَرحه فى الاصول وحاشية على تَفْسِير البيضاوى الْتزم فِيهَا مناقشة سعدى وَأُخْرَى ناقش فِيهَا عِصَام الدّين وحاشية عل شرح المواقف للسَّيِّد وَغير ذَلِك من التحريرات وَله نظم ونثر فى غَايَة اللطافة فَمن شعره قَوْله
(أورقاء عَن عهد الحبيب تترجم
…
لِيَهنك الف بالغوير مخيم)
(لَئِن تندبى الْفَا وَمَا شط حيه
…
فانى على شط المزار متيم)
(وهب سجعك الْمَوْزُون باللحن مطرب
…
فدمعى أَو فى صَامت يتَكَلَّم)
(لكى مثل فى العندليب وسجعه
…
ولى بالفراش الشّبَه وَالْفرق يعلم)
وَقَوله
(يَا أَيهَا الْبَدْر الْمُنِير اذا بدا
…
واذا رنا يَا ايهذا الريم)
(ومعلم الْغُصْن الرطيب تمايلا
…
رق النسيم لَهَا فكاد يهيم)
(كم ذاتموه عَن صبَابَة عاشق
…
صب على طول الصدود مُقيم)
(فَارْحَمْ ضنى جسدى وَحسن تصبرى
…
وارع الْجَمِيل فَمَا الْجمال يَدُوم)
وَله هَذَا الْمُفْرد
(فَلَا تعجبوا من لكنة فى لِسَانه
…
فَمن حُلْو فِيهِ لَا يُفَارِقهُ الْحَرْف)
وَهَذَا الْمَعْنى أَصله بالتركية وَكنت عربته قبل ان أرى بَيت الكواكبى بقولى
(مَا لكنة فِيهِ تشين وانما
…
تأبى الْحُرُوف فِرَاق شهد لِسَانه)
وللكواكبى مضمنا بيتى أَبى الْعَبَّاس المرسى
(حتام فى ليل الهموم زناد فكرك تقتدح
…
)
(قلب تحرق بالاسى
…
ودموع عين تنسفح)
(ارْفُقْ بِنَفْسِك واعتصم
…
بحمى الْمُهَيْمِن تَنْشَرِح)
(واضرع لَهُ ان ضَاقَ عَنْك خناق حالك تنفسح
…
)
(مَا أم ساحة جوده
…
ذُو محنة الا فح)
(أَو جَاءَهُ ذُو المعضلات بمغلق الا فتح
…
)
(فدع السوى وانهج على
…
نهج السوى المتضح)
(واسمع مقَالَة نَاصح
…
ان كنت مِمَّن ينتصح)
(مَا تمّ الا مَا يُرِيد
…
فدع مرادك واطرح)
(واترك وساوسك الَّتِي
…
شغلت فُؤَادك تسترح)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته فى سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَتوفى يَوْم الْخَمِيس ثَالِث ذى الْقعدَة سنة سِتّ وَتِسْعين وَألف
السَّيِّد مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن حَمْزَة الدمشقى الشافعى نقيب الشَّام وَتقدم تَمام نسبه فى تَرْجَمَة حفيده السَّيِّد حُسَيْن كَانَ السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور شافعيا على مَذْهَب آبَائِهِ اشْتغل هُوَ وَأَخُوهُ السَّيِّد زين العابدين فى الْفِقْه على الشهَاب العيثاوى وَحصل طرفا من الْفِقْه وَكَانَ مشاركا فى غَيره ثمَّ ولى نقابة الاشرف بعد أَخِيه السَّيِّد زين العابدين الْمَذْكُور وَكَانَ شهما عَاقِلا حازما صَاحب رأى وخبرة فى الامور وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا فَحصل جاها ومالا وعقارا فَوق مَا يُوصف وَكَانَ موفورا الحشمة زَائِد المهابة وَلما كَانَ الْوَزير مُرَاد باشا بحلب فى قصَّة الامير على بن جانبولاذ قَصده بهَا فَلَمَّا ذهب الشهَاب العيثاوى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن سعد الدّين وَالشَّيْخ عِيسَى الصمادى الى حلب للشكاية على ابْن معن بِسَبَب مساعدته لِابْنِ جانبولاذ كَانَ السَّيِّد مُحَمَّد الْمَذْكُور والقاضى تَاج الدّين التاجى بهَا وَكَانَ كيوان الطاغية الْمُقدم ذكره ثمَّة فى تبريد الامر عَن ابْن معن فاستعان بهما واستشدهما عِنْد مُرَاد باشا ان الْمَشَايِخ انما جاؤا اليه مكرهين من قبل جند الشَّام وفى الْحَقِيقَة كَانَ للجند باعث كلى على ذَلِك فان ابْن معن كَانَ سَبَب انحطاطهم وَكسر شوكتهم ثمَّ رَجَعَ السَّيِّد مُحَمَّد فَمَرض فى الطَّرِيق فَلَمَّا كَانَ بقرية الطّيبَة من قرى حماة زَاد بِهِ الْمَرَض فَحمل على بغل فَمَاتَ فى أثْنَاء الطَّرِيق وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع صفر سنة سبع عشرَة بعد الالف وَحمل الى حماه وَدفن بهَا وَلم يُجَاوز أَرْبَعِينَ سنة من عمره وَهُوَ وَالِد السَّيِّد كَمَال الدّين مُحَمَّد الآتى ذكره ان شَاءَ الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن حُسَيْن الملقب شمس الدّين الحمامى الدمشقى العاتكى الحنفى من أنبل
فضلاء عصره وأجمعهم لفنون مُتعَدِّدَة وَكَانَ فَاضلا كَامِلا صَالحا دينا خيرا برع وفَاق وَشهد لَهُ أهل وقته بالبراعة والسبق فى مضمار الْجد وَالِاجْتِهَاد اشْتغل فى الْفِقْه وَغَيره على الشَّمْس بن المنقار وَحضر دروسه كثيرا وَلزِمَ دروس جدى القاضى محب الدّين فى التَّفْسِير وَغَيره وَقَرَأَ على المنلا مُحَمَّد بن عبد الْملك البغدادى وَحضر الحَدِيث عِنْد الشَّمْس مُحَمَّد الداودى وَبحث مَعَ الافاضل وَكَانَ لين العريكة منصفا وَكَانَ عِنْد مشايخه الْمَذْكُورين مَقْبُولًا ملتفتا وَصَحب ولى الله تَعَالَى الْعَارِف بِهِ الشَّيْخ مُحَمَّد بن أَبى بكر الْيَتِيم العاتكى السالف ذكره وانتفع بِهِ وَحصل لَهُ بِصُحْبَتِهِ خير كثير دينا وَدُنْيا وَكَانَ يلازم مَعَه الاوراد وَقيام اللَّيْل وَولى من الْوَظَائِف الدِّينِيَّة خطابة جَامع المراديه وامامتها وانتفع بِهِ جمَاعَة وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ من خير خلق الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته نَهَار الاربعاء رَابِع عشر شعْبَان سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَدفن بمقبرة بَاب الصَّغِير رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن حُسَيْن بن عبد الصَّمد الملقب بهاء الدّين بن عز الدّين الحارثى العاملى الهمدانى صَاحب التصانيف والتحقيقات وَهُوَ أَحَق من كل حقيق بِذكر أخباره وَنشر مزاياه واتحاف الْعَالم بفضائله وبدائعه وَكَانَ أمة مُسْتَقلَّة فى الاخذ باطراف الْعُلُوم والتضلع بدقائق الْفُنُون وَمَا أَظن الزَّمَان سمح بِمثلِهِ وَلَا جاد بنده وَبِالْجُمْلَةِ فَلم تتشنف الاسماع بِأَعْجَب من أخباره وَقد ذكره الشهَاب فى كِتَابيه وَبَالغ فى الثَّنَاء عَلَيْهِ وَذكره السَّيِّد على بن مَعْصُوم وَقَالَ ولد ببعلبك عِنْد غرُوب شمس يَوْم الاربعاء لثلاث عشرَة بَقينَ من ذى الْحجَّة سنة ثَلَاث وَخمسين وَتِسْعمِائَة وانتقل بِهِ أَبوهُ الى بِلَاد الْعَجم وَأخذ عَن وَالِده وَغَيره من الجهابذة كالعلامة عبد الله اليزدى حَتَّى أذعن لَهُ كل مناظر ومنابذ فَمَا اشْتَدَّ كَاهِله وصفت لَهُ من الْعلم مناهله ولى بهَا مشيخة الاسلام ثمَّ رغب فى الْفقر والسياحة واستهب من مهاب التَّوْفِيق رياحه فَترك المناصب وَمَال لما هُوَ لحاله مُنَاسِب فحج بَيت الله الْحَرَام وزار النبى عليه الصلاة والسلام ثمَّ أَخذ فى السياحة فساح ثَلَاثِينَ سنة وَاجْتمعَ فى أثْنَاء ذَلِك بِكَثِير من أهل الْفضل ثمَّ عَاد وقطن بِأَرْض الْعَجم وَهُنَاكَ همى غيث فَضله وانسجم فألف وصنف وقرط المسامع وشنف وقصدته عُلَمَاء تِلْكَ الامصار واتفقت على فَضله أسماعهم والابصار وغالت تِلْكَ الدولة فى قِيمَته واستمطرت غيث الْفضل من ديمته فَوَضَعته على مفرقها تاجا وأطلعته فى مشرقها سِرَاجًا وهاجا وتبسمت بِهِ دولة سلطانها شاه عَبَّاس
واستنارت بشموس رَأْيه عِنْد اعتكار حنادس الباس فَكَانَ لَا يُفَارِقهُ سفرا وحضرا وَلَا يعدل عَنهُ سَمَاعا ونظرا الى اخلاق لَو مزج بهَا الْبَحْر لعذب طعما وآراء لَو كحلت بهَا الجفون لم يلف أعمى وشيم هى فى المكارم غرر وأوضاح وكرم بَاقٍ جوده لشائمه لامع وضاح تتفجر ينابيع السماح من نواله ويضحك ربيع الافضال من بكاء عُيُون آماله وَكَانَت لَهُ دَار مشيدة الْبناء رحبة الفناء يلجأ اليها الايتام والارامل ويفد عَلَيْهَا الراحى والآمل فكم مهدبها وضع وَكم طِفْل بهَا رضع وَهُوَ يقوم بنفقتهم بكرَة وعشيا ويوسعهم من جاهه جنَانًا مغشيا مَعَ تمسك من التقى بالعروة الوثقى وايثار الْآخِرَة على الدُّنْيَا وَالْآخِرَة خير وَأبقى وَلم يزل أنفًا من الانحياز الى السُّلْطَان رَاغِبًا فى الغربة عَن الاوطان يؤمل الْعود الى السياحة ويرجو الاقلاع عَن تِلْكَ الساحة فَلم يقدر لَهُ حَتَّى وافاه حمامه وترنم على أفنان الْجنان حمامه وَقد أَطَالَ أَبُو المعالى الطالوى فى الثَّنَاء عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ البديعى وَنَصّ عبارَة الطالوى فى حَقه ولد بقزوين فَانْظُرْهُ مَعَ قَول ابْن مَعْصُوم ببعلبك وَأخذ عَن عُلَمَاء تِلْكَ الدائرة ثمَّ خرج من بَلَده وتنقلت بِهِ الاسفار الى ان وصل الى أصفهان فوصل خَبره الى سلطانها شاه عَبَّاس فَطَلَبه لرياسة علمائها فوليها وَعظم قدره وارتفع شَأْنه الا انه لم يكن على مَذْهَب الشاه فى زندقته لانتشار صيته فى سداد دينه الا أَنه غالى فى حب آل الْبَيْت وَألف المؤلفات الجليلة مِنْهَا التَّفْسِير الْمُسَمّى بالعروة الوثقى والصراط الْمُسْتَقيم وَالتَّفْسِير الْمُسَمّى بِعَين الحياه وَالتَّفْسِير الْمُسَمّى بالحبل المتين فى مزايا الْفرْقَان الْمُبين ومشرق الشمسين وَشرح الاربعين وَالْجَامِع العباسى فارسى ومفتاح الْفَلاح والزبدة فى الاصول والتهذيب فى النَّحْو والملخص فى الْهَيْئَة والرسالة الْهِلَالِيَّة والائنى عشريات الْخمس وخلاصة الْحساب والمخلاة وتشريح الافلاك والرسالة الاسطرلابية وحواشى الْكَشَّاف وحواشى البيضاوى وحاشية على خُلَاصَة الرِّجَال ودراية الحَدِيث والفوائد الصمدية فى علم الْعَرَبيَّة وحاشية الْفَقِيه وَغير ذَلِك من الرسائل المختصرة والفوائد المحرره وَأما اشعاره فسأورد لَك مِنْهَا مَا يعظم عنْدك موقفه وتقف أمانيك عِنْده وَلَا تتجاوزه قَالَ ثمَّ خرج سائحا فجاب الْبِلَاد وَدخل مصر وَألف بهَا كتابا سَمَّاهُ الكشكول جمع فِيهِ كل نادرة من عُلُوم شَتَّى قلت وَقدر رَأَيْته وطالعته مرَّتَيْنِ مرّة بالروم وَمرَّة بِمَكَّة ونقلت مِنْهُ أَشْيَاء غَرِيبَة وَكَانَ يجْتَمع مُدَّة اقامته بِمصْر بالاستاذ مُحَمَّد بن أَبى الْحسن
البكرى وَكَانَ الاستاذ يُبَالغ فى تَعْظِيمه فَقَالَ لَهُ مرّة يَا مَوْلَانَا أنادر وش فَقير كَيفَ تعظمنى هَذَا التَّعْظِيم قَالَ شممت مِنْك رَائِحَة الْفضل وامتدح الاستاذ بقصيدته الْمَشْهُورَة الَّتِى مطْلعهَا
(يَا مصر سقيا لَك من جنَّة
…
قطوفها يانعة دانيه)
(ترابها كالتبر فى لطفه
…
وماؤها كالفضة الصافيه)
(قد أخجل الْمسك نسيم لَهَا
…
وزهرها قد أرخص الغاليه)
(دقيقة أَصْنَاف أوصافها
…
وَمَالهَا فى حسنها ثَانِيه)
(مُنْذُ أنخت الركب فى أرْضهَا
…
أنسيت أصحابى وأحبابيه)
(فيا حماها الله من رَوْضَة
…
بهجتها كَافِيَة شافيه)
(فِيهَا شِفَاء الْقلب أطيارها
…
بنغمة القانون كالداريه)
وَمِنْهَا
(من شَاءَ أَن يحيا سعيدا بهَا
…
منعما فى عيشة راضيه)
(فَليدع الْعلم وَأَصْحَابه
…
وليجعل الْجَهْل لَهُ غاشيه)
(والطب والمنطق فى جَانب
…
والنحو وَالتَّفْسِير فى زاويه)
(وليترك الدَّرْس وتدرية
…
والمتن وَالشَّرْح مَعَ الحاشيه)
(الام يَا دهر وَحَتَّى مَتى
…
تشقى بأيامك أياميه)
(تحقق الآمال مستعطفا
…
وتوقع النَّقْص بآماليه)
(وَهَكَذَا تفعل فى كل ذى
…
فَضِيلَة أَو همة عاليه)
(فان تكن تحسبنى مِنْهُم
…
فهى لعمرى ظنة واهيه)
(دع عَنْك تعذيبى والا فأشكوك الى ذى الحضرة العاليه
…
)
ثمَّ قدم الْقُدس وَحكى الرضى بن أَبى اللطف المقدسى قَالَ ورد علينا من مصر رجل من مهابته مُحْتَرم فَنزل من بَيت الْمُقَدّس بِفنَاء الْحرم عَلَيْهِ سِيمَا الصّلاح وَقد اتسم بلباس السياح وَقد تجنب النَّاس وَأنس بالوحشة دون الايناس وَكَانَ يألف من الْحرم فنَاء الْمَسْجِد الاقصى وَلم يسند اليه أحد مُدَّة الاقامة اليه نقصا فَألْقى فى روعى انه من كبار الْعلمَاء الاعاظم وأجلة أفاضل الاعاجم فَمَا زلت لخاطره أَتَقَرَّب وَلما لَا يرضيه أتجنب فاذا هُوَ مِمَّن يرحل اليه للاخذ عَنهُ وتشد لَهُ الرّحال للرواية عَنهُ يُسمى بهاء الدّين مُحَمَّد الهمدانى الحارثى فَسَأَلته عِنْد ذَلِك الْقِرَاءَة فى بعض الْعُلُوم فَقَالَ بِشَرْط أَن يكون ذَلِك مَكْتُوم وقرأت عَلَيْهِ شَيْئا من
الْهَيْئَة والهندسة ثمَّ سَار الى الشَّام قَاصِدا بِلَاد الْعَجم وَقد خفى عَنى أمره واستعجم قلت وَلما ورد دمشق نزل بمحلة الخراب عِنْد بعض تجارها الْكِبَار وَاجْتمعَ بِهِ الْحَافِظ الْحُسَيْن الكربلائى القزوينى أَو التبريزى نزيل دمشق صَاحب الروضات الذى صنفه فى مزارات تبريز فاستنشده شَيْئا من شعره وَكَثِيرًا مَا سَمِعت انه كَانَ تطلب الِاجْتِمَاع بالْحسنِ البورينى فَأحْضرهُ لَهُ التَّاجِر الذى كَانَ عِنْده بدعوة وتأنق فى الضِّيَافَة ودعا غَالب فضلاء محلتهم فَلَمَّا حضر البورينى الى الْمجْلس رأى فِيهِ صَاحب التَّرْجَمَة بهيئة السياح وَهُوَ فى صدر الْمجْلس وَالْجَمَاعَة محدقون بِهِ وهم متأدبون غَايَة التأدب فَعجب البورينى وَكَانَ لَا يعرفهُ وَلم يسمع بِهِ فَلم يعبأ بِهِ ونحاه عَن مَجْلِسه وَجلسَ غير ملتفت اليه وَشرع على عَادَته فى بَث رقائقه ومعارفه الى أَن وصلوا الْعشَاء ثمَّ جَلَسُوا فابتدر البهائى فى نقل بعض المناسبات وانجر الى الابحاث فأورد بحثا فى التَّفْسِير عويصا فَتكلم عَلَيْهِ بِعِبَارَة سهلة فهمها الْجَمَاعَة كلهم ثمَّ دقق فى التَّعْبِير حَتَّى لم يبْق يفهم مَا يَقُول الا البورينى ثمَّ أغمض فى الْعبارَة فبقى الْجَمَاعَة كلهم والبورينى مَعَهم صموتا جموداً لَا يَدْرُونَ مَا يَقُول غير انهم يسمعُونَ تراكيب واعتراضات وأجوبة تَأْخُذ بالالباب فَعندهَا نَهَضَ البورينى وَاقِفًا على قديمه وَقَالَ ان كَانَ ولابد فانت البهائى الحارثى اذ لَا أجد فى هَذِه المثابة الا ذَاك واعتنقا وأخذا بعد ذَلِك فى ايراد أنفس مَا يحفظان وَسَأَلَ البهائى من البورينى كتمان أمره وافترقا تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لم يقم البهائى فأقلع الى حلب وَذكر الشَّيْخ أَبُو الوفا العرضى فى تَرْجَمته قَالَ قدم حلب مستخفيا فى زمن السُّلْطَان مُرَاد بن سليم مغيرا صورته بِصُورَة رجل درويش فَحَضَرَ دروس الْوَالِد يعْنى الشَّيْخ عمر وَهُوَ لَا يظْهر انه طَالب علم حَتَّى فرغ من الدَّرْس فَسَأَلَهُ عَن أَدِلَّة تَفْضِيل الصّديق على المرتضى فَذكر حَدِيث مَا طلعت الشَّمْس وَلَا غربت على أحد بعد النَّبِيين أفضل من أَبى بكر وَأَحَادِيث مثل ذَلِك كَثِيرَة فَرد عَلَيْهِ ثمَّ أَخذ يذكر أَشْيَاء كَثِيرَة تقتضى تَفْضِيل المرتضى فشتمه الْوَالِد وَقَالَ لَهُ رافضى شيعى وسبه فَسكت ثمَّ ان صَاحب التَّرْجَمَة أَمر بعض تجار المعجم أَن يصنع وَلِيمَة وَيجمع فِيهَا بَين الْوَالِد وَبَينه فَاتخذ التَّاجِر وَلِيمَة ودعاهما فَأخْبرهُ ان هَذَا هُوَ المنلا بهاء الدّين عَالم بِلَاد الْعَجم فَقَالَ للوالد شتمتونا فَقَالَ لَهُ مَا علمت انك المنلا بهاء الدّين وَلَكِن ايراد مثل هَذَا الْكَلَام بِحُضُور الْعَوام لَا يَلِيق ثمَّ قَالَ أَنا سنى أحب الصَّحَابَة وَلَكِن كَيفَ أفعل سلطاننا شيعى وَيقتل الْعَالم السنى قَالَ وَكَانَ كتب قِطْعَة
على التَّفْسِير باسم شاه عَبَّاس فَلَمَّا دخل بِلَاد السّنة قطع الديباجة وبدلها وَذكر أَنه كتب ذَلِك باسم السُّلْطَان مُرَاد وَلما سمع بقدومه أهل جبل بنى عَامل تواردوا عَلَيْهِ أفوجاً فخاف ان يظْهر أمره فَخرج من حلب انْتهى وَسِيَاق كَلَام العرضى يقتضى ان دُخُوله الى حلب كَانَ فى قَدمته من الْعَجم قَاصِدا الْحَج وَالله أعلم وأملى لبَعض الادباء بِالشَّام لغزه الذى جعله لامتحان أفكار الاذكياء من فحول الْعلمَاء وَهَذَا يدل على تبحره فى الْعُلُوم وَقد أوردته برمتِهِ فى كتابى هَذَا تطرية وتنشيطا لمن يعرف مزية الْكَلَام وَهُوَ يَا أَصْحَاب الفطنة القويمه والفطرة المستقيمه والطبيعة الالمعية والروية اللوذعية أخبرونى عَن كتاب بعضه من الْحُرُوف النورانية وَأَكْثَره من حُرُوف الزِّيَادَة وبأحد نصفيه يكمل الرجل وبالنصف الآخر تتمّ الشَّهَادَة ثَانِيَة قَابل لانواع النقط وأوله لَا يقبل الا وَاحِدَة فَقَط تالى أَوله بالكمال مَعْرُوف ومتلو ثَانِيه بالاستحداب مَوْصُوف مضعفه لوسطيه كَمَال شعورى ومضعف آخِره لثالثه كَمَال ظهورى التحسين من مُقَارنَة طَرفَيْهِ مَعْلُوم والتجرب من مقايسة ذَلِك مَفْهُوم ثانى كل حرف مِنْهُ بهيولاتية الْحُرُوف مَشْهُور وَهُوَ فِيمَا بَينهَا بالقطبية مذكوران أعْطى أَوله حليته لثانيه تَسَاويا فى الْعد وان انعكست الْقَضِيَّة زَاد التَّفَاضُل بَينهمَا عَن الْحَد ثالثه اسْم فَاعل ورابعه من أَسمَاء الافعال وَكِلَاهُمَا أَسمَاء الْعدَد الْمَوْصُوف بالكمال ان ضربت أعظم وسطيه فى مجموعهما حصل عدد جمع الافلاك المحدبة بمحدد الْجِهَات وان نقصت من ربعه الرَّابِع عقيم ضروب الشكل الثَّالِث بقى عدد القضايا الموجهات أحد نصفيه فَرد يعادل عدد الاعراض وَالنّصف الآخر زوج يعادل الْعُقُول وَهَذَا مِمَّا لَا ريب فِيهِ وان كَانَ بِحَسب الظَّاهِر غير مَعْقُول كل يساوى انحطاط الشَّمْس من الافق فى آخر غرُوب الشَّفق وَأول الصُّبْح الكذوب ومضروب صَدره فى ضعف عَجزه يعادل عرضا يتَحَقَّق فِيهِ معكوس الطُّلُوع والغروب ان أضفت ثَانِيه الى مضعف ثالثه سَاوَى الْحُرُوف المهموسه وان طرحت مِنْهُ مكعب ثَانِيه عَادل الْمنَازل المنحوسه حرفان مِنْهُ متقاربان يعادلان طَبَقَات الْعين وحرفان متعانقان يساويان أَرْكَان حِسَاب الخطأين مُكَرر نصفه فى ضروب المويسيقى مَعْدُود فان قلبته فَهُوَ طَائِر مَعْهُود وان زِدْت على مربع أَوله مهمله الا نصف ثَانِيه عَادل عِظَام بدن الانسان وان نقصت من مكعب ثالثه مضعف أَوله بقى دِيَة كل من مقاديم الاسنان مضعف أَوله
بِعَدَد أَنْوَاع الْخِيَار ومكعب آخِره كعدد التَّكْبِيرَات فى فَرَائض اللَّيْل وَالنَّهَار مضروبه فى طرفه يساوى فَرِيضَة أَب وَثَلَاث بَنَات ومضروب وسطيه فى ثَانِيهمَا كفريضة الاخوة الْعشْرَة وَالثَّمَانِيَة مَعَ سِتّ زَوْجَات ان أضفت آخِره الى أَوله سَاوَى أَحْوَال الْمسند اليه وان جمعت ثَانِيه مَعَ ثالثه عَادل من يحجّ فى الشَّرْع عَلَيْهِ وان ضعفت رابعه سَاوَى كلم المجازات وان زِدْت على مربع ثالثه نصفه عَادل علاقات المجازات وان نقصت من مربع أَوله خمس آخِره بقى عدد صور الْكَوَاكِب المرصوده وان زِدْت ثَانِيه على طرفه حصل الْمَشْهُور من الْعُرُوق المفصوده مَجْمُوع آخريه يساوى عدد مقادير النبضات وَثلث أوليه يعدل الاجناس الْعَالِيَة للمحميات وان ضممت الى طَرفَيْهِ مربع بعضه سَاوَى بعض الاعداد التامه وان زِدْت عَلَيْهَا وَسطه عَادل الوف القوائم كَمَا اشْتهر على أَلْسِنَة العامه شكله شكل العقلة بَين الاشكال الرمليه وان نصفت ثالثه لم تكذب القضيه ان زِدْت على مضعف آخِره مسطح طَرفَيْهِ سَاوَى رقم المربع الميمون وعادل ارتفاعا يساوى فِيهِ الظل للشاخص أَيْنَمَا يكون مهمل أَوله رمز الى مَا يُوجب للثلج الاشتعال ومعجمه الى مَا هُوَ فى زراعة الذَّهَب كثير الِاسْتِعْمَال ان نقصت من آخِره نصف ثَانِيه سَاوَى الباقى أَنْوَاع التَّرْجِيح وعادل عدد المخصصات الموصولات وفى كل من نصفيه ايماء الى برهَان الزَّوْج والفرد على امْتنَاع تسلسل الْعِلَل والمعلولات ان نقصت من سطح طَرفَيْهِ ثانى مبانيه سَاوَى عرض بلد يساوى غَايَة ارْتِفَاع أول الجدى فِيهِ بعض حُرُوفه يُشِير شكله الى الْبُرْهَان السلمى على تناهى الابعاد فان جعلت زاويته قَائِمَة دلّ على مَا فَوق المُرَاد وان وضعت خُرُوج ضلعها العالى الى غير النِّهَايَة وَمن طرف السافل آخر مثله مقاطعا لَهُ متحركا عَلَيْهِ تمّ الدَّلِيل على ذَلِك الْمطلب بطرِيق لم يسبقنا أحد اليه وان جَعلتهَا ثلثى قَائِمَة أشارت الى الْبُرْهَان الترسى على ذَلِك المرام وان انطبقت على مَرْكَز الْعَالم دلّت على ان التباعد بَين الرؤس أَزِيد من التباعد بَين الاقدام وان أممتها وَجعلت كلا من ضلعها عددا فَردا أَو مت الى الِاسْتِدْلَال على نفى الْجُزْء بشكل الْعَرُوس وامكان اثبات ذَلِك بالبرهان السلمى الْغَيْر مأنوس وان زَاد كل مِنْهُمَا على غَايَة الانفراج وتفارقت أجزاؤهما بالاتصال أمكن أَيْضا اثبات ذَلِك بِدَلِيل خطر لنا بالبال وان جَعلتهَا قَائِمَة حصلت الاشارة الى بعض براهين استعلام المرتفعات وان أَوْمَأت
مَا تُرِيدُ معرفَة بعده عَنْك منتهيا مبلغها الاعلى الى بَصرك حصل الايماء الى طَرِيق معرفَة عرُوض الانهار وَسَائِر الابعاد المتعسرات وان أوترها نصف قطر الارض وَبَينهَا وَبَين مَرْكَز الشَّمْس تماس ظهر عَلَيْك ان بعد الشَّمْس عَنَّا وهى عَلَيْهِ أَزِيد بِكَثِير مِنْهُ حَال كَونهَا على سمت الراس ولاح لديك ان تراكم الْبحار وَهُوَ الْمُوجب للاحساس بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْقيَاس وان وصلت بَين ضلعيها بِخَط مواز لآخر مماس لَهما مخرج من الْجِهَتَيْنِ أمكن اقامة أَدِلَّة عديدة على مُسَاوَاة زَوَايَا مثلث لقائمتين وَفِيه حُرُوف على صُورَة شكل ان أخرجت قطريه أَشَارَ الى نفى الْجُزْء الذى لَا يتجزى بِوَجْه منح لنا وَهُوَ لُزُوم مفسدتين أعنى تلاقى القطرين قبل الْمُرُور بالمركز وعَلى نقطتين ان ألصقت وتريه بقطره أَشَارَ الى نَفْيه أَيْضا بِوَجْه مَا وجد أعظم مِنْهُ قطّ وَهُوَ لُزُوم جَوَاز كَون قطر الْفلك الاعلى ثَلَاثَة أَجزَاء فَقَط وان مَاس مُحِيط وسط ثانى حُرُوفه أشعر بِدَلِيل الْمُتَكَلِّمين على اثبات الْجُزْء كَمَا هُوَ مَشْهُور وَأما الى شبه الظفر من لُزُوم انفراج الحادة قبل قِيَامهَا كَمَا هُوَ على الالسنة مَذْكُور وان وازاه أعظم مِنْهُ وتحرك حَتَّى ماسه تبين لَك غلط صَاحب المواقف فى قدر غلط المتممات وتعجبت من مُوَافقَة الْمُحَقق الدوانى لَهُ فى امثال هَذِه التوهمات وان تحرّك الدَّاخِل ضعف الْخَارِج حصلت الاشاره الى اصل الْكَبِيرَة وَالصَّغِيرَة الذى اخترعه سُلْطَان الْمُحَقِّقين وَلم يسْبقهُ اليه أحد من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وان ساويت بَين وَترى قوسين مِنْهُمَا ظهر لَك ان سهم قَوس الْخَارِج أقصر وان الطاس تسع من المَاء فى أعلا المنارة أقل وفى أَسْفَلهَا أَكثر وَفِيه حرف ان فرضت خُرُوج ذيله الى غير النِّهَايَة أَشَارَ الى برهَان امْتنَاع اللاتناهى فى جِهَة أَو جِهَتَيْنِ وان أَقمت على طرفه عموداً ووصلت بَينهمَا أَشَارَ الى طَرِيق وزن الارض بذى العمودين وَفِيه حرف ان فصلت بَين عَمُود المخرجين بِخَط مخرج الى ألف فَرسَخ فَمَا زَاد حصل لَك الاذعان بِأَن مساحة ظفرك أَزِيد بِكَثِير من مثلث قَاعِدَته بسمرقند وَرَأسه بِبَغْدَاد ولنقتصر على هَذَا الْمِقْدَار من الاطناب فى ذكر أَوْصَاف ذَلِك الْكتاب والعاقل تكف الاشاره وَالْجَاهِل لَا ينْتَفع بِأَلف عباره وَكتب اليه وَالِده حُسَيْن هَذَا اللغز الْغَرِيب فَأَجَابَهُ عَنهُ وَرَأَيْت السَّيِّد مُحَمَّد كبريت المدنى قد بَين السُّؤَال وَالْجَوَاب فى بعض تعاليقه فَذكرت الْجَمِيع وَلَعَلَّ بِمَا بَين السَّيِّد أَن يحتال على اللغز الْمَذْكُور آنِفا وَالسُّؤَال هُوَ هَذَا أَيهَا الْوَلَد الْمُؤَيد بالاكرام والاعزاز الْمُوفق
فى حل المعميات والالغاز أخبرنى عَن اسْم آخر أَوله آخر الْحُرُوف وَآخر ثَانِيه بِهَذَا الْوَصْف مَعْرُوف قلبا آخريه يتوافقان وَقَلْبًا أوليه متعانقان لَوْلَا ثالثه لصار الِاسْم حرفا وَلَوْلَا ثَانِيه لصار الْفِعْل ظرفا وَلَوْلَا رَأسه لَصَارَتْ الرجل من النَّجَاسَات وَلَوْلَا رابعه لم يتَحَقَّق رَابِع القياسات بعضه قَاتل وَبَعضه الآخر نصف قَاتل طرفا أَوله فعل أَمر بطرفين وطرفا ثَانِيه مَا نهيت عَن قَوْله لللأبوين وان نقص ربعه من ربعه بقى ربعه وان زيد ربعه على ربعه حصل ربعه صَدره عَلامَة قلب العاشق وثانيه عَلامَة الرَّقِيب الْمُنَافِق لَوْلَا ربعه لم تتَمَيَّز الْقبلية عَن القابلية وَلم تفترق الْمعَانى عَن عِلّة الفاعلية بعضه يَمِين وَالْبَعْض فى الْيَسَار كمين وبطرف آخِره يَبْتَدِئ الْمقَام وبطرفه الآخر ينتهى الْكَلَام فَأَجَابَهُ بقوله يَا سيدى وأبى واستاذى وَمن اليه فى الْعُلُوم استنادى هَذَا اسْم رباعى الاعضاء ثلاثى الاجزاء اثْنَا عشرى الاصول عديم الْحَرْف المفصول من الاسماء مَعْدُود الى الافعال مَرْدُود لَوْلَا ثلث أَوله لصار السخيف بِالْكَرمِ مَوْصُوفا ولكان كل فَقير بسواد الْوَجْه مَعْرُوفا وَلَوْلَا رابعه لَا تحدت الْمَاهِيّة بالوجود وَلم يتَمَيَّز الْحَاسِد من الْمَحْسُود لَو عدم ثَانِيه لم يكن جمع الثَّمر ثمارا ولصارت قَرْيَة بالرى حمارا وَلَو عدم ربعه لم يكن الْقلب فى الْجَسَد وتبدلت السكينَة بالغل والحسد ولصارت الْهِرَّة بعض الازهار وَلم تتَمَيَّز الْحِنْطَة عَن بعض الثِّمَار أَوله بالعراق وَآخره بِالشَّام وبثلثى ربعه يتم الايمان والاسلام وبثلث ثالثه يبتدى السُّؤَال وبثانى ثَانِيه ينتهى القيل والقال شرح أَلْفَاظ السُّؤَال قَوْله آخر أَوله الح أول الِاسْم قَاف وَآخره بِالنّظرِ الى بَسطه مُسَمّى الْفَاء وَهُوَ آخر حُرُوف كَمَا ترى وَآخر ثَانِيه وَهُوَ الالف كَذَلِك الْفَاء وَهُوَ مَوْصُوف بِهَذَا الْوَصْف لانه هُوَ هُوَ قَوْله قلبا آخريه وهما السِّين وَالْمِيم يتوافقان لَان حقيقتهما الْيَاء وَقَلْبًا أوليه وهما الالف وَاللَّام من قَاف والف حرفان متعانقان لَوْلَا ثالثه وَهُوَ مُسَمّى السِّين لصار الِاسْم حرف عطف وَهُوَ أم أى بعد حذف السِّين من الِاسْم وَلَوْلَا ثَانِيه وَهُوَ الالف لصار الْفِعْل ظرفا وَلَوْلَا رَأسه وَهُوَ الْقَاف وَلَوْلَا رابعه وَهُوَ الْمِيم لم يتَحَقَّق الْقيَاس التمثيلى وَهُوَ رَابِع القياسات بعضه قَاتل وَهُوَ سم وَبَعضه وَهُوَ قانصف قَاتل طرفا أَوله وهما الْقَاف وَالْفَاء أَمر بحرفين وطرفا ثَانِيه الذى هُوَ ألف أُفٍّ قَوْله وان نقص ربعه الذى هُوَ السِّين من ربعه الذى هُوَ الْقَاف بقى ربعه وَهُوَ الْمِيم لَان الباقى بعد طرح سِتِّينَ من مائَة أَرْبَعُونَ وان زيد ربعه عكس الْقَضِيَّة قَوْله صَدره عَلامَة
قلب العاشق أى ثانى حُرُوفه وَهُوَ ألف وَالْمرَاد مِنْهُ جَوْهَر لَفظه وَهُوَ فعل من الالفة وَلم يزل قلب العاشق يألف المعشوق وَكَذَا الرَّقِيب الْمُنَافِق قَوْله لَوْلَا رابعه الذى هُوَ الالف لم تتميزا الْقبلية عَن القابلية لَان بِهِ الْفرق بَين هذَيْن اللَّفْظَيْنِ وَمثله الفعلية والفاعلية قَوْله بعضه يَمِين يعْنى الْمِيم لانه يُقَال م الله فى أَيمن الله أَو المُرَاد مَا عدا الْقَاف وَهُوَ اسْم وَبَعضه وَهُوَ السِّين فى لفظ الْيَسَار كامن قَوْله وبطرف آخِره الاول أَو الآخر يبتدى الْمقَام بل وَيخْتم وبطرف آخِره كَذَلِك ينتهى الْكَلَام لِأَن الْمِيم نِهَايَة لفظ الْكَلَام شرح أَلْفَاظ الْجَواب قَوْله رباعى الاعضاء أى حُرُوف قَاسم أَرْبَعَة ثلاثى الاجزاء أى جملَته تَنْقَسِم ثَلَاثَة من غير عكس اثْنَا عشرى الاصول لَان كل حرف يشْتَمل على ثَلَاثَة حُرُوف قَوْله عديم الْحَرْف المفصول لانه مركب من حرفين فحرفين وَهُوَ مَعْدُود من الاسماء لانه اسْم وضع لمسمى بِعَيْنِه ومردود الى الافعال بِاعْتِبَار أَنه مُشْتَقّ من الْقسم قَوْله لَوْلَا ثلث أَوله الذى هُوَ الْقَاف وَالْمرَاد الْفَاء لصار لفظ السخيف بعد حذف الْفَاء سخيا والسخى مَوْصُوف بِالْكَرمِ قَوْله واذا حذف الْفَاء من لفظ فَقير بقى قير وَهُوَ أسود الظَّاهِر وَالْبَاطِن قَوْله وَلَوْلَا رابعه الذى هُوَ الْمِيم لَا تحدث الْمَاهِيّة بالوجود لَان وجود الشئ هَيئته فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تحدث الْهَيْئَة بالماهية وَفِيه تسَامح لَان المُرَاد من الْمِيم مسماها وَهُوَ مُفْرد فَكيف يُطلق على الْمركب من الْمِيم والالف وَيُمكن أَن يُقَال تعدد المُرَاد فى هَذَا الْبَاب كثير وَهُوَ أَدخل فى الالغاز قَوْله وَلم يتَمَيَّز الْحَاسِد من الْمَحْسُود كالاول لانه لَا فرق بَين الحسود والحاسد فى أصل الْمَعْنى قَوْله لَو عدم ثَانِيه الذى هُوَ الالف من لفظ الثِّمَار بقى ثَمَر فَلم يبْق الْجمع قَوْله قريب بالرى وهى خار واذا لم تكن الالف فِيهِ بقى خر وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ اسْم للحمار قَوْله وَلَو عدم ربعه الذى هُوَ السِّين لم يكن ذَلِك الرّبع قلب الْجَسَد لسقوطه وتبدلت السكينَة فَصَارَت كينه من قَوْله تَعَالَى {فَمَا اسْتَكَانُوا} وفى الصِّحَاح وَبَات فلَان بكينة سوء بِالْكَسْرِ أى بِحَالَة سوء والاستكانة الخضوع قَوْله الْهِرَّة المُرَاد بِهِ سنور بِعَمَل الترادف واذا لم تكن فِيهِ السِّين كَانَ نورا قَوْله الْحِنْطَة المُرَاد مِنْهُ سلت على التسامح قَوْله أَوله بالعراق يعْنى الْقَاف فى لفظ الْعرَاق وَآخره وَهُوَ الْمِيم فى لَفْظَة الشَّام قَوْله وَثلثا ربعه وهما السِّين وَالنُّون من بسط الرّبع الذى هُوَ السِّين يتم بِهِ الايمان لانه تمّ بالنُّون والاسلام لَان تَمَامه بِالسِّين وَلَا يلْزم أَن يكون آخرا قَوْله وَثلث ثالثه الذى هُوَ السِّين وَهُوَ المُرَاد من بَسطه يبتدى السُّؤَال حَقِيقَة كَمَا ترى
وبثانى ثَانِيه وَهُوَ اللَّام من ألف ينتهى القيل والقال انْتهى وأشعار البهائى كَثِيرَة وَأشهر مَا لَهُ قصيدته الكافية الَّتِى سَارَتْ مسير الْمثل ومطلعها
(يَا نديمى بمهجتى أفديك
…
قُم وهات الكؤس من هاتيك)
(خمرة ان ضللت ساحتها
…
فسنا نور كأسها يهديك)
(يَا كليم الْفُؤَاد داوبها
…
قَلْبك الْمُبْتَلى لكى تشفيك)
(هى نَار الكليم فاجتلها
…
واخلع النَّعْل واترك التشكيك)
(صَاح ناهيك بالمدام فدم
…
فى احتساها مُخَالفا ناهيك)
من جُمْلَتهَا
(لست أنساه اذ أَتَى سحرًا
…
وَحده وَحده بِغَيْر شريك)
(طرق الْبَاب خَائفًا وجلا
…
قلت من قَالَ كل مَا يرضيك)
(قلت صرح فَقَالَ تجْهَل من
…
سيف ألحاظه تحكم فِيك)
(قَالَ خُذْهَا فمذ ظَفرت بهَا
…
قلت زدنى فَقَالَ لَا وَأَبِيك)
(ثمَّ وسدته الْيَمين الى
…
أَن دنا الصُّبْح قَالَ لى يَكْفِيك)
(قلت مهلا فَقَالَ قُم فَلَقَد
…
فاح نشر الصِّبَا وَصَاح الديك)
وَقد عَارض بهَا أبياتاً لوالده وَذَلِكَ هُوَ المخترع لهَذَا الروى وأبيات وَالِده هى قَوْله
(فاح عرف الصِّبَا وَصَاح الديك
…
وانثنى البان يشتكى التحريك)
(قُم بِنَا نجتلى مشعشعة
…
تاه من وجده بهَا النسيك)
(لَو رَآهَا الْمَجُوس عاكفة
…
وحدوها وجانبوا التَّشْرِيك)
(ان تسر نحونا نسر وان
…
مت فى السّير دُوننَا نحييك)
وَكتب الى وَالِده وَهُوَ بهراة
(ياساكنى أَرض الهراة أما كفى
…
هَذَا الْفِرَاق بلَى وَحقّ الْمُصْطَفى)
(عودوا على فربع صبرى قد عَفا
…
والجفن من بعد التباعد مَا غفا)
(وخيالكم فى بالى
…
وَالْقلب فى بلبال)
(ان أَقبلت من نحوكم ريح الصِّبَا
…
قُلْنَا لَهَا أَهلا وسهلا مرْحَبًا)
(واليكم قلب المتيم قد صبا
…
وفراقكم للروح مِنْهُ قد سبا)
(وَالْقلب لَيْسَ بخالى
…
من حب ذَات الْخَال)
(يَا حبذا ربع الْحمى من مربع
…
فغزاله شب الغضا فى أضلعى)
(لم أنسه يَوْم الْفِرَاق مودعى
…
بمدامع تجرى وقلب موجع)
(والصب لَيْسَ بسالى
…
عَن ثغره السلسال)
وَكتب اليه
(بقزوين جسمى وروحى ثوت
…
بِأَرْض الهراة وسكانها)
(فَهَذَا تغرب عَن أَهله
…
وَتلك أَقَامَت بأوطانها)
وَسَأَلَهُ بعض أَصْحَابه أَن يُعَارض قصيدة رثى بهَا وَالِد مطْلعهَا
(جارتا كَيفَ تحسنين ملامى
…
أيداوى كلم الحشا بِكَلَام)
فَقَالَ
(خليانى ولوعتى وغرامى
…
يَا خليلى واذهبا بِسَلام)
(قد دعانى الْهوى فلباه قلبى
…
فدعانى وَلَا تطيلا ملامى)
(ان من ذاق نشوة الْحبّ يَوْمًا
…
لَا يبالى بِكَثْرَة اللوام)
(خامرت خمرة الْمحبَّة قلبى
…
وَجَرت فى مفاصلى وعظامى)
(فعلى الْعلم وَالْوَقار صَلَاة
…
وعَلى الْعقل ألف ألف سَلام)
(هَل سَبِيل الى وقوفى بوادى الْجزع يَا صاحبى أَو المامي
…
)
(أَيهَا السائر الْملح اذا مَا
…
جِئْت نجداً فعج بوادى الخزام)
(وَتجَاوز عَن ذى الْمجَاز وعرج
…
عادلا عَن يَمِين ذَاك الْمقَام)
(واذا مَا بلغت حزوى فَبلغ
…
جيرة الحى يَا أخى سلامى)
(وانشدن قلبى الْمَعْنى لديهم
…
فَلَقَد ضَاعَ بَين تِلْكَ الْخيام)
(واذا مَا رثوا لحالى فسلهم
…
أَن يمنوا وَلَو بطيف مَنَام)
(يَا نزولا بذى الاراك الى كم
…
تنقضى فى فراقكم أعوامى)
(مَا سرت نسمَة وَلَا ناح فى الدوح حمام الا وحان حمامى)
(ايْنَ أيامنا بشرقى نجد
…
يَا رعاها الاله من أَيَّام)
(حَيْثُ غُصْن الشَّبَاب غض وَروض
…
الْعَيْش قد طرزته أيدى الْغَمَام)
(وزمانى مساعد وأيادى اللَّهْو نَحْو المنى تجر زمامى
…
)
(أَيهَا المرتقى ذرى الْمجد فَردا
…
والمرجى للفادحات الْعِظَام)
(يَا حَلِيف الندى الذى جمعت فِيهِ مزايا تَفَرَّقت فى الانام)
(نلْت فى ذرْوَة الفخار محلا
…
عسر المرتقى عَزِيز المرام)
(نسب طَاهِر ومجد أثيل
…
وفخار عَال وَفضل سامى)
(قد قرنا مقالكم بمقال
…
وشفعنا كلامكم بِكَلَام)
(ونظمنا لَهَا مَعَ الدرفى سمط
…
وَقُلْنَا العبيرمثل الرغام)
(لم أكن مقَاما على ذَا وَلَكِن
…
كَانَ طَوْعًا لامركم اقدامى)
(عمرك الله يَا نديمى أنْشد
…
جارتا كَيفَ تحسنين ملامى)
وَله يرثى وَالِده وَقد توفى بالمصلى من قرى الْبَحْرين لثمان خلون من شهر ربيع الاول سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَتِسْعمِائَة عَن سِتّ وَسِتِّينَ سنة وشهرين وَسَبْعَة أَيَّام ومولده أول يَوْم محرم سنة ثَمَان عشرَة وَتِسْعمِائَة
(قف بالطلول وسلها أَيْن سلماهما
…
ورو من جرع الاجفان جرعاها)
(ورده الطّرف فى أَطْرَاف ساحتها
…
وأرج الْوَصْل من أَرْوَاح أرجاها)
(فان يفتك من الاطلال مخبرها
…
فَلَا يفوتنك مرآها ورياها)
(ربوع فضل تباهى التبر تربَتهَا
…
وَدَار أنس يحاكى الدّرّ حصباها)
(عدا على جيرة حلوا بساحتها
…
صرف الزَّمَان فأبلاهم وأبلاها)
(بدور تمّ غمام الْمَوْت حللها
…
شموس فضل سَحَاب الترب غشاها)
(فالمجد يبكى عَلَيْهَا جازعا أسفا
…
وَالدّين يندبها وَالْفضل ينعاها)
(يَا حبذا زمن فى ظلهم سلفت
…
مَا كَانَ أقصرها عمرا وأحلاها)
(أَوْقَات أنس قضيناها فَمَا ذكرت
…
الا وَقطع قلب الصب ذكرَاهَا)
(يَا جيرة هجروا واستوطنوا هجرا
…
واها لقلبى الْمَعْنى بعدكم واها)
(رعيا لليلات وصل بالحمى سلفت
…
سقيا لايامنا بالخيف سقياها)
(لفقدكم شقّ جيب الْمجد وانصدعت
…
أَرْكَانه وبكم مَا كَانَ أقواها)
(وخر من شامخات الْعلم أرفعها
…
وانهد من باذخات الْعلم أرساها)
(يَا ثاويا بالمصلى من قرى هجر
…
كُسِيت من حلل الرضْوَان أصفاها)
(أَقمت يَا بَحر بِالْبَحْرَيْنِ فاجتمعت
…
ثَلَاثَة كن أَمْثَالًا وأشباها)
(ثَلَاثَة أَنْت أنداها وأغزرها
…
جودا وأعذبها طعما وأصفاها)
(حويت من دُرَر العلياء مَا حويا
…
لَكِن دَرك أَعْلَاهَا وأغلاها)
(يَا أعظما وطِئت هام السهى شرفا
…
سقاك من ديم الوسمى أسماها)
(وَيَا ضريحا على هام السماك علا
…
عَلَيْك من صلوَات الله أزكاها)
(فِيك انطوى من شموس الْفضل أضوأها
…
وَمن معالم دين الله أسناها)
(وَمن شوامخ أطواد الفتوة أرساها وأرفعها قدرا وأبهاها)
(فاسحب على الْفلك الا على ذيول على
…
فقد حويت من العلياء علياها)
(عَلَيْك منا صَلَاة الله مَا صدحت
…
على غصون أَرَاك الدوح ورقاها)
وَله وَقد رأى النبى
فى مَنَامه
(وليله كَانَ بهَا طالعى
…
فى ذرْوَة السعد وأوج الْكَمَال)
(قصر طيب الْوَصْل من عمرها
…
فَلم تكن الا كحل العقال)
(واتصل الْفجْر لَهَا بَالغا
…
وَهَكَذَا عمر ليالى الْوِصَال)
(اذ أخذت عينى فى نومها
…
وانتبه الطالع بعد الوبال)
(فزرته فى اللَّيْل مستعطفا
…
أفديه بِالنَّفسِ وأهلى وَمَال)
وأشتكى مَا أَنا فِيهِ من الْبلوى وَمَا أَلْقَاهُ من سوء حَال
…
)
(فأظهر الْعَطف على عَبده
…
بمنطق يزرى بنظم اللآل)
(فيا لَهَا من لَيْلَة نلْت فى
…
ظلامها مَا لم يكن فى خيال)
(أمست خفيفات مطايا الرجا
…
بهَا وأضحت بالعطايا ثقال)
(سقيت فى ظلمائها خمرة
…
صَافِيَة صرفا طهُورا حَلَال)
(وابتهج الْقلب بِأَهْل الْحمى
…
وقرت الْعين بِذَاكَ الْجمال)
(ونلت مَا نلْت على أننى
…
مَا كَانَت أستوجب ذَاك النوال)
وَمن بدائعه فى الْغَزل
(وأهيف الْقد لدن الْعَطف معتدل
…
بالطرف والظرف لَا يَنْفَكّ قتالا)
(ان جال أهْدى لنا الْآجَال ناظره
…
أوصال قطع بالهجران أوصالا)
(وان نظرت الى مرْآة وجنته
…
حسبت انسان عينى فَوْقهَا خالا)
(كَأَن عَارضه بالمسك عارضنى
…
أَو ليل طرته فى خَدّه سالا)
(أَو طَاف من نور خديه على بصرى
…
فَخط بِاللَّيْلِ فَوق الصُّبْح أشكالا)
وَقَوله
(أَسحر بابل فى جفنيك مَعَ سقم
…
أم السيوف لقتل الْعَرَب والعجم)
(وَالْخَال مَرْكَز دور للعذار بدا
…
أم ذَاك نضح عثار الْخط بالقلم)
هَذَا أَصله للرامينى الاسترابادى فى قَوْله
(هَل عثرت أَقْلَام خطّ العذار
…
فى مشقها فالخال نضح العثار)
(أم اسْتَدَارَ الخد لما غَدَتْ
…
نقطته مَرْكَز ذَاك الْمدَار)
رَجَعَ
(أم حَبَّة وضعت كَيْمَا تصيد بهَا
…
حب الْقُلُوب فصادت كلم ملتئم)
أحسن مِنْهُ قَول صاحبنا الاديب اللبيب ابراهيم بن مُحَمَّد السّفر جلاتى جمل الله بِهِ
الادب وَأَهله
(لَا يخدعنك تَحت عطفة صُدْغه
…
خَال فَذَاك الْخَال حَبَّة فخه)
رَجَعَ
(أم كالفراش هوى طير الْفُؤَاد على
…
نَار بخدك حَتَّى صَار كالفحم)
وَهَذَا قَول مَأْخُوذ من قَول عون الدّين العجمى
(لهيب الخد حِين بدا العينى
…
هوى قلبى عَلَيْهِ كالفراش)
(فأحرقه فَصَارَ عَلَيْهِ خالا
…
وَهَا أثر الدُّخان على الحواشى)
وللبهاء
(لعينيك فضل كثير على
…
وَذَاكَ لانك يَا قاتلى)
(تعلمت من سحرها فعقدت لِسَان الرَّقِيب من العاذل
…
)
وَمن رباعياته وهى كَثِيرَة قَوْله
(كم بت من المسا الى الاشراق
…
من فرقتكم ومطر بى أشواقى)
(والهم منادمى ونقلى ندمى
…
والدمع مدامتى وجفنى الساقى)
وَقَوله
(لما نظر الجفن ضَعِيفا نهكا
…
من فرقته رق لضعفى وَبكى)
(وارتاح وَقَالَ لى أما قلت لكا
…
مَا يمكنك الْفِرَاق مَا يمكنكما)
وَقَوله
(لَا تبك معاشر انأوا أوالفا
…
الْقَوْم مضوا وَنحن نأتى خلفا)
(بالمهلة أَو تعاقب نتبعهم
…
كالعطف بثم أَو كعطف بالفا)
وَقَوله
(قُم وامض الى الدَّيْر ببخت وسعود
…
لَا يحسن فى الْمدرسَة الْيَوْم قعُود)
(واشرب قدحا وَقل على صَوت الْعود
…
الْعُمر مضى وَلَيْسَ من بعد يعود)
وَقَوله
(يَا ريح اذا أتيت دَار الاحباب
…
قبل عَنى تُرَاب تِلْكَ الاعتاب)
(ان هم سَأَلُوا عَن البهائى فَقل
…
قد ذاب من الشوق اليكم قد ذاب)
وَقَوله
(يَا عاذل كم تطيل فى اعتابى
…
دع لومك وَانْصَرف كفانى مَا بى)
(لولام اذا هَمت من الشوق فلى
…
قلب مَا ذاق فرقة الاحباب)
وَقَوله
(يَا غَائِب عَن عينى لَا عَن بالى
…
الْقرب اليك مُنْتَهى آمالى)
(أَيَّام نواك لَا تسل كَيفَ مَضَت
…
وَالله مَضَت بأسوء الاحوال)
وَقَوله
(لَا بَأْس وان أذبت قلبى بهواك
…
الْقلب وَمن سلته الْقلب فدَاك)
(وليت وَقلت أنعم الله مساك
…
مولاى وَهل ينعم من لَيْسَ يراك)
وَقَوله
(أغتص بريقتى كحسى الحاسى
…
اذ أذكرهُ وَهُوَ لعهدى ناسى)
(ان مت وجمرة الْهوى فى كبدى
…
فالويل اذا الساكنى الارماس)
وَقَوله
(ان كَانَ فراقنا على التَّحْقِيق
…
هذى كبدى أَحَق بالتمزيق)
(لَو دَامَ لى الْوِصَال ألفى سنة
…
مَا كَانَ يفى بساعة التَّفْرِيق)
وَقَوله
(أَهْوى رشأ عرضنى للبلوى
…
مَا عَنهُ لقلبى الْمَعْنى سلوى)
(كم جِئْت لاشتكى فمذ أبصرنى
…
من لَذَّة قربه نسيت الشكوى)
وَقَوله
(يَا بدر دجا بوصله أحيانى
…
اذ زار وَكم بهجره أفنانى)
(بِاللَّه عَلَيْك عجلن سفك دمى
…
لَا طَاقَة لى بليلة الهجران)
وَقَوله
(يَا بدر دجا فِرَاقه الْجِسْم أذاب
…
قد ودعنى فَغَاب صبرا اذ غَابَ)
(بِاللَّه عَلَيْك أى شئ قَالَت
…
عَيْنَاك لقلبى الْمَعْنى فَأجَاب)
وَكتب لبَعض أحبابه وَهُوَ بالمشهد
(يَا ريح اذا أتيت أَرض الْجمع
…
أعنى طوسا فَقل لاهل الرّبع)
(مَا حل بروضة بهائيكم
…
الا وَسَقَى رياضها بالدمع)
وَكتب لبَعض اخوانه بالنجف الاشرف
(يَا ريح اذا أتيت أَرض النجف
…
فالثم عَنى ترابها ثمَّ قف)
(وَاذْكُر خبرى لَدَى عريب نزلُوا
…
واديه وقص قصتى وَانْصَرف)
وَقَالَ أَيْضا
(للشوق الى طيبَة جفنى باكى
…
لَو صَار مقامى فلك الافلاك)
(أستنكف ان مشيت فى روضتها
…
فالمشى على أَجْنِحَة الاملاك)
وَقَالَ
(يَا من ظلم النَّفس وأخطا وأسا
…
هَذَا حرم يغسل عَنْك الدنسا)
(هَذَا حرم مقدس يَخْدمه
…
جِبْرِيل وميكال صباحا ومسا)
وَقَالَ
(يَا قوم الى مَكَّة هَذَا أَنا ضيف
…
ذى زَمْزَم ذى منى وهذاك الْخيف)
(كم أعرك عينى لاستيقن هَل
…
فى الْيَقَظَة مَا أرَاهُ أم هَذَا طيف)
وَقَالَ
(ان هَذَا الْمَوْت يكرههُ
…
كل من يمشى على الغبرا)
(وبعين الْعقل لَو نظرُوا
…
لرأوه الرَّاحَة الْكُبْرَى)
وَكَانَت وَفَاته لاثنتى عشرَة خلون من شَوَّال سنة احدى وَثَلَاثِينَ وَألف بأصفهان وَنقل الى طوس قبل دَفنه فَدفن بهَا فى دَاره قَرِيبا من الخضرة الرضوية وَحكى بعض الثِّقَات انه قصد قبيل وَفَاته زِيَارَة الْقُبُور فى جمع من الاخلاء الاكابر فَمَا اسْتَقر بهم الْجُلُوس حَتَّى قَالَ لمن مَعَه انى سَمِعت شَيْئا فَهَل مِنْكُم من سَمعه فأنكروا سُؤَاله واستغربوا مقاله وسألوه عَمَّا سمع فأوهم وعمى فى جَوَابه وَأبْهم ثمَّ رَجَعَ الى دَاره
وأغلق بَابه فَلم يلبث ان أهاب داعى الردى فَأَجَابَهُ والحارثى نِسْبَة الى حَارِث هَمدَان قَبيلَة وجده وَهُوَ الذى خاطبه أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبُو الْحسن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ بقوله يَا حَار يَا حَارِث تَارَة بالترخيم وَأُخْرَى بالتفخيم وقصته على التَّفْصِيل مَذْكُورَة فى كتاب الامالى لِابْنِ بن بابويه
مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن الامام الْقسم بن مُحَمَّد بن على قَالَ ابْن أَبى الرِّجَال عَالم ابْن عَالم كَانَ من أهل الْعلم ورعاته مطلعا على مَقَاصِد الادباء ومناهجهم وَمَعَ ذَلِك فَهُوَ مكثر من عُلُوم الآراء وتعاطى الاستنباط والتكلم فى الْمسَائِل عَن نظره من غير مُتَابعَة وَذَلِكَ فى آخر أمره واشتغل بشرح آيَات الاحكام الَّتِى جمعهَا السَّيِّد الْمُحدث مُحَمَّد بن ابراهيم ابْن الْوَزير وعددها مِائَتَا آيَة ونيف وَعِشْرُونَ آيَة فَفَسَّرَهَا واستنبط مِنْهَا وَأظْهر عجائب من علمه وَأخرج الاحاديث من أمهاتها وَكَانَ من أَعْيَان الدولة المتوكلية من وُجُوه سَادَات أَهلهَا فى البسطة مِنْهُم وَكَانَ بعد موت وَالِده مُقيما بالبستان غربى صنعاء يحف بِهِ فُقَهَاء وَجَمَاعَة من الْجند وَلما توفى الامام الْمُؤَيد وَحصل مَا حصل من الِاخْتِلَاف قصد حَضْرَة عَمه الامام اسمعيل المتَوَكل الى ضوران وَكَانَ طَرِيقه على أعشار وهى طَريقَة مسلوكة فآنسه الامام وأنزله مَنْزِلَته الَّتِى يَسْتَحِقهَا ثمَّ وَجهه الى حدار للقاء الْعَسْكَر الْخَارِجَة من صنعاء من جَانب السَّيِّد أَحْمد بن الامام الْقسم فاتفقت حروب فى حدار وَمَا زَالَت الحروب مماسية مصابحة لِلْفَرِيقَيْنِ حَتَّى طلع السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن بن الْقسم من دمار لحصار صنعاء فاجتمعا لذَلِك ثمَّ نفذ الى ثلاء وَاتفقَ تَسْلِيم أَحْمد بن الْحسن بثلاء والامير الْجَلِيل النَّاصِر بن عبد الرب ثمَّ عَاد مكرما وَارْتَفَعت حَاله وعلت كَلمته وَاجْتمعت لَهُ جنود مثل جنود أَبِيه وَولى أصقاها عَن أَمر الامام وَأَبِيهِ ثمَّ توجه فى جنده مَعَ السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن الى نجد السّلف لقِتَال سلاطين الشرق واقتضت تهيئته جعله من جَانب مُفْرد فَقضى الامر وَكَانَ النَّصْر الذى لم يعْهَد مثله فى سَاعَة من نَهَار ذهبت سلاطين الشرق على كثرتهم ونجدتهم بَين قَتِيل وأسير فى لمحة الطّرف فَلم يصل الا وَقد انجلت المعركة عَن الْفَتْح والنصر فَلم يزل حَرِيصًا على أَن يظفر بِمِثْلِهَا فَكَانَ فى يافع مَا كَانَ من الْحَرْب لانهم لم يسلمُوا يَوْمئِذٍ تَسْلِيم طَاعَة فَاجْتمعُوا وطلع وتلاه السَّيِّد أَحْمد بن الْحسن وَأَخُوهُ مُحَمَّد وَهُوَ أحد أقطاب الْحَرْب فى نجد السّلف وأبلى بلَاء حسنا فطلعوا جبل يافع وَتمّ النَّصْر واستراح قلب صَاحب التَّرْجَمَة وظفر بِنَصِيب وافر وَعَاد هُوَ وَالسَّيِّد احْمَد ابْن
الْحسن مرّة أُخْرَى الى هُنَالك وَكَانَ النَّصْر الْمُبين والتفت فى آخر عمره الى الْعلم الْتِفَات أَمْثَاله وَكَانَت الشُّيُوخ تفد اليه الى منزله وَاجْتمعَ عِنْده من الْكتب مَا لم يجْتَمع الا للسلاطين وَكَانَت وَفَاته بعد عصر الْجُمُعَة ثامن شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وَألف وَدفن بالتربة الْمَشْهُورَة بالبستان بِبَاب صنعاء الغربى وبجواره فِيهَا السَّيِّد أَحْمد بن على الشامى وَعَمه السَّيِّد يحيى بن الامام الْقسم وَيحيى هَذَا كَانَ سيدا قد تأهل للرياسة وَتَوَلَّى امورا نِيَابَة عَن أَخِيه الْحُسَيْن بن الْقسم وَكَانَت لَهُ مَكَارِم فى ريعان الشَّبَاب وَتوفى عَام وَفَاة صنوه السَّيِّد يُوسُف ابْن الامام الْقسم توفى بالحمى وَدفن هُنَالك هُوَ والرئيس السَّيِّد الهادى بن على الشامى أظنهما فى تَابُوت وَاحِد وَكَانَ يُوسُف هَذَا من كملة أَهله ووجوه السَّادة ذَا مَكَارِم أَخْلَاق وَمَعَ ذَلِك فَكَانَ يزاحم اخوته الثَّلَاثَة الصلاحية والرتبة ومكافحة الاعداء وَكَانَ محببا الى الْملَّة المحمدية وَلَعَلَّ ذَلِك سر محبَّة وَالِده لَهُ فانه كَانَ عِنْده يُوسُف اخوته وكمله الله تَكْمِيل يُوسُف فى الْخلق وَمَات فى عَام مَوْتهمَا السَّيِّد الْحسن بن الشَّهِيد على بن الْقَاسِم وَكَانَ سيدا رَئِيسا يحب المعالى وَتمكن من ركُوب الْخَيل تمكننا عجيبا فِيهِ يضْرب الْمثل وَتوفى بضوران وقبر بالمقبرة الَّتِى تاخذ من جَانب الْقبْلَة الى جَانب الغرب عَن مَدِينَة الحصنى وَكَانَ مَوْتهمْ فى وَقت مُتَقَارب فى حُدُود سنة خمس وَأَرْبَعين وَألف أَو قبلهَا بعام وفى هَذَا الْمَعْنى كتب السَّيِّد الْحُسَيْن بن الْقسم الى أَخِيه الامام المتَوَكل اسمعيل قَوْله
(سادة عجلوا بكاس المنايا
…
عجبا مَا امْر كأس المنيه)
(من فقيدين سيدين بصنعا
…
وبضوران قتل نفس زكيه)
(ثمَّ من بالحمى أجل فقيد
…
يُوسُف ذُو المحاسن اليوسفيه)
(يَا لَهَا أوجها غَدَتْ فى لحود
…
كَالنُّجُومِ الَّتِى تضئ فهى بهيه)
(مَا رعى الْمَوْت فى علاهم ذماما
…
للمعالى وللخلال السنيه)
(أودع الْقلب فقدها حر نَار
…
ضاعف الله أجرهَا من رزيه)
مُحَمَّد بن حُسَيْن بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن عين الْملك الدمشقى الصالحى الشَّاعِر الشهير بالقاق كَانَ شَاعِرًا مجودا عَارِف بأساليب الشّعْر واللغة لكنه خَبِيث اللِّسَان كثير الهجاء والوقوع فى النَّاس لَا يكَاد يسلم من لِسَانه أحد وَجمع ديوانين من شعره أَحدهمَا للمدح وَالْآخر للهجو وسمى الثانى بئس الْمصير وَكَانَ جده مُحَمَّد من أهل الصّلاح صوفى الطَّرِيقَة ووالده من أفاضل الادباء وَلَهُم زَاوِيَة فى الصالحية بَاقِيَة
الى يَوْمنَا هَذَا وَنَشَأ مُحَمَّد هَذَا ودأب فى التَّحْصِيل حَتَّى برع قَالَ والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى تَرْجَمته ثمَّ نبذ بالقاق وَولى النِّيَابَة بنواحى دمشق وَمِنْهَا جُبَّة عَسَّال قلت واياها عَنى الامير المنجكى فِيمَا كتب بِهِ الى قاضى الْقُضَاة بِدِمَشْق وَابْن الحسام يتشفع لَهُ بِتِلْكَ النَّاحِيَة
(عَبدك القاق يشبه السعدى
…
نتفت ريشه يَد الْبرد)
(جد عَلَيْهِ بجبة كرما
…
نَاحيَة تِلْكَ لَا كسا الْبرد)
ثمَّ ولى نيابات المحاكم بِدِمَشْق كالصالحية والميدان والعونى وَكَانَت هَذَا الاخيرة أعظم مَطْلُوبه وَكَانَ ظرفاء الادباء يجعلونها مدارا لنكاتهم اذا قصدوه وَذَلِكَ لَان بِالْقربِ مِنْهَا جَامعا يُقَال لَهُ الجوزة فَكَانَ مِمَّا يُقَال فِيهِ القاق فى الجوزة للعونى تعا ثمَّ سَافر الى الرّوم وَأقَام بهَا مُدَّة ولازم سلك طَرِيق القضا بَعْدَمَا طَار غراب شبابه وَمضى وانفصل عَن قَضَاء حمص بعد مَا ضَبطهَا مُدَّة قَليلَة من الزَّمَان وفى الْمثل كل طير خَارج عَن لغاته لحان وَقد قيل أَرَادَ الْغُرَاب أَن يمشى مشْيَة الحجلة فنسى مشيته الاولى وَلم يصب مشيتهَا فأظهر خجله وَكَانَ كَمَا فى الْمثل الْمَشْهُور أخف حلما من العصفور يبكر الى زِيَارَة الاصحاب وفى الْمثل أبكر من غراب لَهُ مشرب خَاص بِهِ لم يسْلك أحد على أسلوبه وَله شعر كثير غالبه فى الهجاء كَأَنَّهُ منحوت من صَخْر أَو غابة لَيْسَ فِيهَا زهر وَكَانَ دَائِما يهدد بِهِ من حضر وَلَيْسَ بصياح الْغُرَاب يجِئ الْمَطَر وَكَانَ ارتحل الى طرابلس الشَّام وسكنها وَتزَوج بهَا وجاءه أَوْلَاد بِتِلْكَ الديار وَصَارَ بهَا نَائِبا عَن بعض الْقُضَاة فرجم ذَلِك القاضى بالاحجار وفى الْمثل من كَانَ دَلِيله الْغُرَاب رضى بالمنزل الخراب
(اذا كَانَ الْغُرَاب دَلِيل قوم
…
فناووس الْمَجُوس لَهُم مصير)
وفر مِنْهَا صَاحب التَّرْجَمَة طَار الى عشه الاول وَلم يعد عَن اخلاقه السَّيئَة وَلم يتَحَوَّل وَكَانَ وحشيا لَا يألف كل أحد الا بعض أشخاص ألفهم وألفوه وَمن قديم عرفوه ونتفوه وَلَا دباء دمشق فِيهِ أهاج كَثِيره وَلَهُم مَعَه مداعبات مشهوره والطف مَا وقفت عَلَيْهِ مِنْهَا قصيدة كتبهَا الاديب ابراهيم الاكرمى الصالحى الى أَحْمد بن شاهين وَذكر فِيهَا أَسمَاء جملَة من الطُّيُور الى أَن استطرد الى ذكر القاق وهى قصيدة عَجِيبَة فى بَابهَا ومطلعها
(مولاى يَا نسر المعالى رفْعَة
…
يَغْدُو لَدَيْهَا الرخ ذَا اطراق)
(لَك عَزمَة الشاهين حَقًا يَا ابْنه
…
وسطا الْعقَاب بِكُل أخيل زاق)
(أفديك من باز حماه أعز من
…
بيض الانوق أعز ذى اشراق)
(فقت القطامى الْمجد براعة
…
وبلاغة يَا أحوذى سباق)
(يَا مزريا بالببغاء فصاحة
…
أَنا ذَا مطوقك الصدوح الزاقى)
(يَا خير مَسْعُود بأيمن طَائِر
…
يَا دَائِم الافضال والاشفاق)
(يَا بلبل الافراح فى دوح المنى
…
وهزار أنس الواله المشتاق)
(لَا زلت مَا دعت الهديل حمائم
…
قَوَّال صدق لَيْسَ بالمذاق)
(ندعوك للجلى فيجلى خطبهَا
…
لَا زلت مذخور النَّفْع رفاق)
(قل للبغاث الصعو خفاش الدجا
…
حاكى الصدا فى الْخلق والاخلاق)
(ثانى غراب الْبَين آوى منزلا
…
بِحَدِيث زور مُسْند كنفاق)
(يَا أَيهَا الصرد الذى من صافر
…
أدهى وأجبن خل عَنْك شقَاق)
(مَا يدْرك الخطاف فى طيرانه
…
للجو شأو الاجدل الخفاق)
(والمطرب الصداع لست أعده
…
فى الطير قبل الابقع النعاق)
(هَل أَنْت الا كالحبارى خصْلَة
…
فسلاحها بسلاحها الدفاق)
(قبحت يَا خرب الخرائب ذلة
…
يَا مشبه العصفور من دراق)
(أضحى يعرض نَفسه من جَهله
…
للْخَارِج الفتاك ذى الاخفاق)
(أطرق كرا ان النعامة فى الْقرى
…
يرنو اليها الطير بالاحداق)
(نَحن البراة الشهب فى أفق العلى
…
تعنو لَهَا العنقاء بالاعناق)
(ويصفى الطاوس من عجب بِنَا
…
ويغرد القمرى للعشاق)
(وَلنَا الشوارد فالجوارح بَعْضهَا
…
وَالْبَعْض هن سواجع الاوراق)
(فتشان أَقوام وأقوام بهَا
…
تزهو كزهو الْوَرق بالاطواق)
(فَمن الْعَجَائِب وهى عندى جمة
…
عتبى على زاغ بِغَيْر خلاق)
(وَمن استحالت الزَّمَان وقبحه
…
وصفى وطاوط مَالهَا من واق)
(رخم سوانحها بوارح عائف
…
تحكى العقاعق أولعت بشقاق)
(واسلم وَدم فى نعْمَة لبدية
…
أبدية تبقى ومجدك باقى)
(مَا غردت ورق الْحمام فهيجت
…
وجد الْكَرِيم ولاعج الاشواق)
(فلأنت فِينَا نعْمَة بل رَحْمَة
…
يَا أَحْمد الْمَحْمُود بِاسْتِحْقَاق)
وفى ايراد هَذِه القصيدة غنية عَن ذكر مَا هجى بِهِ وَمن أحاسن شعره قَوْله من قصيدة
(سقى الخزاما باللوى والاقاح
…
من عَارض أَبْلَج سجل النواح)
(حَتَّى ترَاهَا وهى مخضلة
…
تغص ريا بالزلال القراح)
(معاهدا للانس كَانَت وَهل
…
لى وَقْفَة بَين جنوب البطاح)
(أَيَّام فى قَوس الصِّبَا منزع
…
وللملاهى غدْوَة أَو رواح)
(والظبية الادماء لى منية
…
وحبذا مرض الْعُيُون الصِّحَاح)
(لم أنس يَوْم الطلح اذ ودعت
…
وأدمت الْقلب بِغَيْر الْجراح)
(يَا وَقْفَة لم يبْق فِيهَا النَّوَى
…
الا ظنونا لَيْسَ فِيهَا نجاح)
(يَا قلب خُذ بى عَن طَرِيق الْهوى
…
ففى مُنَاجَاة المعالى ارتياح)
(فالراح والراحة ذل الْفَتى
…
والعز فى شرب ضريب اللقَاح)
وَمن شعره قَوْله فى دولاب المَاء
(ودولاب روض قد شجانا أنينه
…
وحرك منا لوعة ضمنهَا حب)
(وَلكنه فى بَحر عشق جَهَالَة
…
يَدُور على قلب وَلَيْسَ لَهُ قلب)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وِلَادَته بالصالحية فى سنة سِتّ بعد الالف وَتوفى فى ختام ذى الْحجَّة سنة سِتّ وَسبعين وَألف وَدفن بزاويتهم بسفح قاسيون وَمن غَرِيب خَبره ان تمرض ببستان يعرف بالجور تَحت جوزة فِيهِ وَمَات ثمَّة
مُحَمَّد بن حُسَيْن الملا بن نَاصِر بن حسن بن مُحَمَّد بن نَاصِر بن الشَّيْخ القطب الربانى شهَاب الدّين الاشقر العقيلى الْمَشْهُور الْمَعْرُوف قَبره بِمَدِينَة حماه الحموى الحنفى الْفَاضِل البارع المفنن كَانَ لَهُ صِحَة فهم وذكاء ومشاركة جَيِّدَة فى عُلُوم مُتعَدِّدَة وَطيب محاورة وَصدق لهجة ولد بحماة وَبهَا نَشأ ولازم وَالِده فى الْعُلُوم الْعَقْلِيَّة والنقلية وَتخرج بِهِ وَأخذ عَن خَاله الْخَطِيب أَحْمد بن يحيى علوما مُتعَدِّدَة وتأدب بهما وَلما جارت حكام ذَلِك الاقليم على أَهله هَاجر غالبهم الى دمشق فَكَانَ مِمَّن هَاجر مَعَ وَالِده وَأَهله وتوطن دمشق سِنِين عديدة ورحل الى مصر وَأخذ بهَا عَن شيوخها كالعلامة عَامر الشبراوى وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَالشَّمْس البابلى ولازم فى الْفِقْه حسن الشرنبلالى وَعمر الدفرى وَغَيرهمَا من فُقَهَاء الْحَنَفِيَّة وأجازوه وَكتب بِخَطِّهِ كتبا كَثِيرَة وتكرر تردده الى مصر لطلب الرزق بِالتِّجَارَة على عَادَة أسلافه الْمَارَّة وجاور بالحرمين سِنِين كَثِيرَة ورحل الى الْيمن مرَّتَيْنِ ثمَّ تدير مصر وَأقَام بهَا على
الِاشْتِغَال وَهُوَ خَال صاحبنا الْفَاضِل الاديب الاريب مصطفى بن فتح الله شَقِيق والدته كفله بعد موت أَبِيه ورباه وَبِه تخرج كثيرا وَقَرَأَ عَلَيْهِ طرفا من الْعَرَبيَّة وَذكر ان لَهُ شعرًا كثيرا قَالَ لَكِن لم يحضرنى مِنْهُ الا قَوْله فى غُلَام اسْمه عذيبى
(قد مسنى قلق فى وسط ساعية
…
والبين يجرى دموعى وهى تجرى بى)
(من عشق ذى هيف حلوا للمى غنج
…
أَزورهُ خافيا وَالصُّبْح يغرى بى)
(أَشْكُو إِلَى الله من ممشوق قامته
…
وريق ثغر عذيبى فِيهِ تعذيبى)
وَكَانَت وِلَادَته فى سنة أَربع وَعشْرين وَألف وَتوفى بِمصْر يَوْم الْجُمُعَة تَاسِع جُمَادَى الاولى سنة أَربع وَتِسْعين وَألف وَدفن بمقبرة المجاورين رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن خَلِيل الاحسائى المكى الاديب الشَّاعِر الْمَشْهُور ذكره السَّيِّد على ابْن مَعْصُوم وَقَالَ فى وَصفه قَاض قضى من الادب الارب وحظى باتشاف الضَّرْب من لِسَان الْعَرَب وَمَا زَالَ بكعبة الْفضل طائف حَتَّى تقلد منصب الْقَضَاء بِالطَّائِف وَكَانَ شَدِيد الْعَارِضَة فى علم الْعرُوض مُبينًا لطلابه مِنْهُ السّنَن والفروض مَعَ المام جيد باللغة والاعراب ومفاكهات تنسى مَعهَا نَوَادِر الاعراب وَهُوَ من أبدع النَّاس خطا وأتقنهم للكتب نقلا وضبطا كتب مَا ينوف على الالوف وخطه بالحجاز مَعْرُوف ومألوف وَله شعر أَجَاد فِيهِ وأبدع وأودعه من الاحسان مَا أودع فَمِنْهُ قَوْله مهنيا الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن المرشدى بِالْمَدْرَسَةِ السليمانية لما تقلد تدريسها
(لقد سرنى مَا قد سَمِعت فهزنى
…
بلذته هز المدام فأسكرا)
(وَذَلِكَ لما أَن غَدا الْحق رَاجعا
…
لاهليه من بعد الضلال مكبرا)
(فدونكها مفتى الانام حَقِيقَة
…
وانا لنَرْجُو فَوق ذَلِك مظْهرا)
وَقَوله فى النسيب
(وشادن كالبدر شاهدته
…
عيونه الدعج تميت الانام)
(بدأت بِالتَّسْلِيمِ حباله
…
فَقَالَ بالغنج عَلَيْك السَّلَام)
وَكتب الى القاضى تَاج الدّين المالكى وَقد فوض اليه تَفْرِيق الصَّدقَات الْهِنْدِيَّة
(امام هَذَا الْعَصْر لَا
…
تجْعَل محبك فى الاضاعه)
(مَا خلت حاجاتى اليك وان نأت دارى مضاعه)
(لَا تنس ثدى مودتى
…
بينى وَبَيْنك وارتضاعه)
(فَلَقَد عهدتك فى الْوَفَاء أَخا تَمِيم لاقضاعه
…
)
(علما بأنك لى تود من التفاريق الفقاعه
…
)
(صدقَات قطر الْهِنْد قد
…
صَارَت اليك بِلَا دفاعه)
(لَا تتركنى فى الرعاع اذا تَفَرَّقت البضاعه
…
)
وَكتب اليه مستقضيا مِنْهُ ارسال نعل كَانَ طلبَهَا مِنْهُ وَهُوَ بِالطَّائِف
(قاضى الشَّرْع فقت هَذَا الاناما
…
بحجى ثَابت وَعز فداما)
(وذكاء يُفِيد كل ذكى
…
واطلاع يخجل النظاما)
(ان أهل الْكَمَال عطل وتاج الدّين تَاج يزين الاقواما
…
)
(من أنَاس فى بطن مَكَّة سادوا
…
اذ غدوا يمنحون فضلا لَهَا لما)
(زَينُوا منصب الرياسة وَالْفضل بِفضل ومنطق لن يراما
…
)
(مذ حللت الْحجاز ضاء ومذ غبت راينا عَلَيْهِ حزنا ظلاما
…
)
(كل وَقت لم ننس ذكرك فِيهِ
…
فاحفظن للمحب مِنْك الذماما
…
)
(وادكر حَاجَة الْمُحب وان رك ادكارى لَهَا فحاشى المقاما
…
)
فَرَاجعه القاضى بقوله مداعبا
(وصلت رقْعَة الْحَمِيم وَلَكِن
…
اقْتضى النّظم ان أَقُول الحماما)
(وصلت يقظة عيَانًا وَكَانَت
…
وصلت قبل ذَا مرَارًا مناما)
(أذكرتنى فأذكرت غير نَاس
…
لَا تخلنى أنساك حاشى المقاما)
(وكأنى أَرَاك تعرك بالتفكير فِيهَا مِنْك القذال دواما)
(ان تكن قد ضعفت لما ترَاخى
…
بعثها عَن وصولنا يَا هماما)
(فاعتذارى شحى بأنسك لما
…
كل حِين تَزُورنَا أحلاما)
(يَا لَهَا من مَطِيَّة أمتعتنا
…
بمحياك زَائِرًا بساما)
(قد لعمرى وريت فِيهَا بلطف
…
واحتكمت التنكيت فِيهَا احتكاما)
(كل أبياتها قُصُور وَلَكِن
…
كَانَ بَيت القصيد مِنْهَا الختاما)
(فنشقنا فتيت مسك ختام
…
زَاد نشرا بِمَا افتتحت النظاما)
(عجل الله ذَلِك الفأل مِنْهُ
…
وَأقَام الْمُحب ذَاك المقاما)
فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْجَواب بقوله
(وصلت رورة الفريد على مَا
…
كَانَ فى حليها محبا فقاما)
(وهى فى كَفه يفكر فِيهَا
…
أيرى ذرْوَة لَهَا أم سناما)
(أم يخلى سَبِيلهَا فى عفاء
…
ليرى انها تقيم النظاما)
(واذا احتجتها ليَوْم نزال
…
فحميمى يكون فِيهَا اماما)
(زِينَة يَوْم زِينَة وهى فى الْكَفّ سلَاح اذا أردنَا اللطاما
…
)
الى أَن قَالَ
(ثمَّ لَا زلت من أياديك تمطى
…
كل وجناء لَا تمل الزماما
…
)
(كل يَوْم أرى نوالك يهمى
…
مخجلا حِين يستهل الغماما)
(يَا أَخا الْفضل اننى فى زمَان
…
سل من جوره على الحساما)
(صدعنى فصدعنى صديقى
…
ورآنى لَا أستحق السلاما)
(هَذِه قسمتى جرت من قديم
…
كلما رمته أرَاهُ حَرَامًا)
(وابق يَا سيدى وقرة عينى
…
فى سرُور ونعمة لَا تسامى)
(مَا أَجَاد الْمطَالع الغر ذُو الشّعْر وَمَا أحسن البليغ الختاما
…
)
وأتبع ذَلِك بنثر فَقَالَ وَبعد فقد وصلت المطية الَّتِى هى حَمْرَاء الْوَبر المركوبة فى السّفر والحضر الكافية راكبها مؤونة نَفسهَا فَلَا تشرب المَاء وَلَا ترعى الشّجر فقبلها الْمَمْلُوك وَمَا قبلهَا وأجهدها بعد مَا قبلهَا فَشكر الله فَضلكُمْ وَلَا أعدم أحبابكم طولكم وَالسَّلَام قلت وتشبيه النَّعْل بالمطية وَالرَّاحِلَة وَقع كثيرا فى شعر الْعَرَب من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين فَمِنْهُ قَول بعض الْعَرَب
(رواحلنا سِتّ وَنحن ثَلَاثَة
…
نجنهن المَاء فى كل منزل)
وَقَالَ أَبُو نواس
(اليك أَبَا الْعَبَّاس من بَين من مَشى
…
عَلَيْهَا امتطينا الحضرمى الملسنا)
(قَلَائِص لم تعرف حنينا على طلا
…
وَلم تدر مَا قرع الضّيق وَلَا الهنا)
وَقَالَ أَبُو الطّيب
(لَا ناقتى تقبل الرديف وَلَا
…
بِالسَّوْطِ يَوْم الرِّهَان أجهدها)
(شراكها كورها ومشفرها
…
زمامها والشسوع مقودها)
وَقَالَ أَيْضا
(وحبيت من خوص الركاب بأسود
…
من دارش فَغَدَوْت أمشى رَاكِبًا)
وَلما تولى القاضى مُحَمَّد قَضَاء الطَّائِف فى سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وَألف أرخ ولَايَته الباشا مُحَمَّد رضَا الشهير بعجم زَاده بقوله القاضى مُحَمَّد وأرخه القاضى تَاج الدّين
بقوله قَاض بِالطَّائِف وَكَانَ قد عزل بِهِ القاضى احسان ابْن الْمدرس وَلم يكن مَحْمُود السِّيرَة فَكتب اليه القاضى تَاج الدّين
(قَاض طَرِيقَته المثلى قد اشتهرت
…
فَلَيْسَ يخفى سناها مِنْهُ كتمان)
(تبدى سَرِيرَته مَعْلُوم سيرته
…
كالطرس دلّ على مَا فِيهِ عنوان)
(فحبه لصلاح الْخلق أجمعهم
…
سحية لم يحزها قطّ انسان)
(مَا زَالَ يبْذل فى الْمَعْرُوف قدرته
…
حَتَّى تناقلت الاخبار ركبان)
(فصان عَن فعل احسان حكومته
…
اذ طالما استبعد الاحرار احسان)
قلت وَرَأَيْت بِخَط الاخ ابْن فتح الله هَذِه الابيات كتبهَا القاضى مُحَمَّد الْمَذْكُور الى القاضى تَاج الدّين وَقد طلب شَيْئا من شعره
(لديك أَخا الْعليا وَالْفضل وَالْعلم
…
وَمن جلّ من بَين الاخلاء بالفهم)
(تحل رحال الظاعنين وَمن غَدا
…
اليك بدا فى حاملى الْعلم كالنجم)
(لَئِن كَانَ رب الْعلم كالرأس فى الورى
…
فَأَنت لَهُ تَاج يضئ بِلَا كتم)
(طلبت من النّظم البديع لآلئا
…
فدونكها كالعقد فى الْحسن وَالنّظم)
(تشنف أسماع الروَاة بدرها
…
وتقطع أفلاذ الغبى من السعم)
(فيا أَيهَا القاضى المولد طبعه
…
من الْعلم أفنانا تجل من العقم)
(نَوَائِب هَذَا الدَّهْر غالت قريحتى
…
ودقت عظامى بعد تمزيقها لحمى)
(فَلَو أَن هَذَا الدَّهْر يبدى تعطفا
…
لظل بديع النّظم وَالنّظم فى سهم)
(وَلَو أَن جزأ من همومى مفرق
…
على الْخلق عاموا فى بحار من الْهم)
(وسامح فمنديل الْقَرار مقطع
…
ورق لقلب لَا يقر من الْقدَم)
(وَدم أبدا فى نعْمَة ضد هاله
…
يطَأ طئ رَأْسا فى الرغام الرغم)
وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف
مُحَمَّد بن دَاوُد قاضى الْقُضَاة بِالشَّام الشهير برياضى الاطروش الرومى أوحد فضلاء الرّوم وشعرائهم المفلقين وبنغائهم الموصوفين وديوانه بَينهم سَائِر مَشْهُور مَرْغُوب فِيهِ وَله تذكرة الشُّعَرَاء وهى مَقْبُولَة أَيْضا وَاخْتصرَ من تَارِيخ ابْن خلطان كتابا مُخْتَصرا وَكَانَ يتبجح بتأليفه ولى قَضَاء الشَّام فى يَوْم الاربعاء ثامن عشر جُمَادَى الاولى سنة سِتّ وَعشْرين ودخلها وأرخ تَوليته الشَّيْخ عبد اللَّطِيف المنقارى بقوله
(قَالَ الحيا لما اسْتَقر بجلق
…
قَاض بِهِ فاض عُيُون حياضى)
(أرخت مقدمه فَكَانَ بجلق
…
يَا صَاح تَارِيخا بهاء رياضى)
وَكَانَ مَذْمُوم السِّيرَة فى قَضَائِهِ لِكَثْرَة طمعه وَقلة انصافه وَتصرف فى زَمَنه مِنْهُ يُوسُف ابْن كريم الدّين رَئِيس الْكتاب فى حُقُوق النَّاس وَأَمْوَالهمْ وَجمع أَمْوَالًا كَثِيرَة لانه كَانَ يلْعَب بِهِ لعب الصّبيان بالكرة وَكَانَت لَهُ زَوْجَة مَشْغُولَة باللهو واللعب سمع عِنْدهَا لَيْلَة صَوت الْآلَات فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالَت لَهُ ان المؤذنين يذكرُونَ فى المنارة فَصدق قلوها وَكَانَت متصرفة فى منصبه وفيهَا يَقُول العمادى
(قضايا ابْن دَاوُد فى حرثه
…
على عجل لم تزل جاريه)
(تلقنه الحكم عِنْد القضا
…
فيا ليتها كَانَت القاضيه)
وَقد سبقه الى ذَلِك بعض الشُّعَرَاء فى هجو قَاض كَانَ مَحْكُومًا لامْرَأَته
(بلينا بقاض لَهُ زَوْجَة
…
عَلَيْهِ أوامرها ماضيه)
(فيا ليته لم يكن قَاضِيا
…
وَيَا ليتها كَانَت القاضيه)
ثمَّ عزل عَن قَضَاء الشَّام ورحل الى الرّوم فَلم تطل مُدَّة مكثه بهَا حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى حُدُود سنة ثَمَان وَعشْرين وَألف بقسطنطينية قَالَه النَّجْم الغزى
مُحَمَّد بن زين الدّين النخجوانى الاصل الدمشقى المولد تقدم أَخَوَاهُ ابراهيم وَأحمد الْمَعْرُوف بالمنطقى وَمُحَمّد هَذَا هُوَ الاكبر مِنْهُم كَانَ من أَعْيَان عُلَمَاء الشَّام وكرمائها ورزق الْحَظ الْعَظِيم فى الرياسة أول أمره ونفذت كَلمته وَولى النِّيَابَة بِدِمَشْق مَرَّات عديدة وَكَذَلِكَ قسْمَة الْعَسْكَر وَكَانَ حسن الْخط وَله معرفَة بالانشاء فى اللُّغَة الفارسية والتركية وَفِيه سخاء ولطف وَحسن لِقَاء الا أَنه كَانَ محتالا كذوبا واستبد بعزة وافرة وَلم يسْبقهُ أحد الى التَّصَرُّف الذى كَانَ فِيهِ والاختلاط بالوزراء والحكام وَكَانَ جلّ النَّاس الَّذين يحترمون ساحته ويخشون من أذيته لجسارته فى الامور ولوجود اخيه الاوسط المنطقى فى الرّوم وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ صَدرا من صُدُور الشَّام وَفِيه يَقُول الْفَتْح ابْن النّحاس قصيدته الْمَشْهُورَة وهى من غرر القصائد ومطلعها
(نظر والغايتك الَّتِى لم تلْحق
…
فتحققوا ان العلى للسبق)
(طلبُوا العلى وَسعوا وَلَكِن فتهم
…
وأتيت من طرق لَهَا لم تطرق)
(شابوا وَمَا لَحِقُوا الْغُبَار فحظهم
…
مَا كَانَ غير غُبَار شيب المفرق)
(بأخيك أَو بك أشرقت سبل العلى
…
وتبسمت بالبارق المتألق)
(من للعلى بِمُحَمد وبأحمد
…
حَتَّى تدل بمنظر وبمنطق)
(لَا يبعد الاخوان كل فرقد
…
لَكِن كلا مشرق فى مشرق)
(وهما كَمَا ضاءت بنجمهما العلى
…
ستضئ بالصبحين جبهة جلق)
(أمحمد وكلاكما من دوحة
…
تدلى بفرع فى المعالى معرق)
(حببت عشق الْمجد حَتَّى سامه
…
من كَانَ ذَا عشق وَمن لم يعشق)
(لَكِن تفاوتت الحظوظ فعاشق
…
رزق الْوِصَال وَآخر لم يرْزق)
(انى لَا عذل حاسديك لانهم
…
يترقبون وُقُوع مَا لم يخلق)
(تَعب الذى فى الارض أصبح طاويا
…
للفرقدين حَشا الحسود المحنق)
(لَا تخشهم فالدهران تنقم بهم
…
ينقم وان تعطف لرفق يرفق)
(واذا وجدت من الْعِنَايَة سلما
…
فامدد خطاك وثق بِرَبِّك وارتقى)
(واسلم على خدع الحظوظ موفقا
…
ليدوم من عاداك غير موفق)
وَلما ولى أَخُوهُ المنطقى قَضَاء حلب أرسل يَطْلُبهُ اليه فَرَحل وَأخذ مَعَه أَخَاهُ الاصغر ووالدتهم وأختا لَهُم ثمَّ ولى أَخُوهُ قَضَاء الشَّام فصيره بعد أَيَّام نَائِبا عَنهُ وَوَقعت مِنْهُ هفوة فأهان الشَّيْخ عمر بن قطب الدّين وَهُوَ مَعْرُوف بِصِحَّة الانتساب الى أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رضى الله عَنهُ فاتهم لذَلِك بالرفض وَقتل أَخُوهُ قَرِيبا من ذَلِك فضاقت فى وَجهه الشَّام وَخرج الى حلب وآمد وَأقَام مُدَّة فى تِلْكَ النواحى ثمَّ رَجَعَ الى الشَّام فى سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَألف وَولى قسْمَة الْعَسْكَر ثمَّ عرضت لَهُ أُمُور فَهَاجَرَ الى الرّوم وَأقَام خمس سنوات ثمَّ صَار قَاضِيا بأرزن الرّوم وَلما عزل عَنْهَا جَاءَ الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة وَبَاعَ أَكثر كتبه وأسبابه ورحل الى دَار الْخلَافَة فَلم يطلّ مقَامه بهَا حَتَّى مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى سنة سِتّ وَخمسين وَألف عَن سِتّ وَخمسين سنة
مُحَمَّد بن زين العابدين بن مُحَمَّد بن على أَبُو الْحسن الاستاذ الْكَبِير قطب الاقطاب الشَّمْس البكرى الصديقى المصرى بركَة الدُّنْيَا وسر الْوُجُود ولسان الحضرة ولب الْبَاب الْعرْفَان كَانَ من الْعلم وَالتَّحْقِيق آيَة من آيَات الله تَعَالَى وَمن الْولَايَة والتحقق غَايَة من الغايات وَكَانَ فصيح الْعبارَة طلق اللِّسَان كثيرا الْفَوَائِد جم النَّوَادِر وَكَانَت الْولَايَة ظَاهِرَة عَلَيْهِ مَعَ الدّين المتين وَالْعقل الْكَامِل والتظاهر بِالنعْمَةِ فى الملبس والمأكل والخدمة وَكَانَ من أحسن النَّاس خلقا وخلقا مجللا عِنْد الكبراء والوزراء ذَا جاه عريض مُعْتَقدًا عِنْد عَامَّة النَّاس وخاصتهم مسموع الْكَلِمَة مَقْبُول الشَّفَاعَة يرجع اليه فى مشكلات الامور رفيع الهمة كريم الاخلاق ولد بِمصْر وَنَشَأ بهَا
وَحفظ الْقُرْآن وتأدب واشتغل بِطَلَب الْعُلُوم واتقنها وبرع فى كثير من الْفُنُون سِيمَا علم التَّفْسِير والْحَدِيث وَكَانَ لَهُ فى عُلُوم الْقَوْم وأصول التصوف قدم راسخ وَأَقْبل على التدريس الى أَن صَار رَئِيس الْبَيْت البكرى فَكَانَ يدرس على عَادَة اسلافه فى الْجَامِع الازهر فى الليالى الْمَشْهُورَة كليلة المولد والمعراج وَالنّصف من شعْبَان ثمَّ لما كبر ترك ذَلِك كُله واستقل بالافادة فى بَيتهمْ الْمَعْمُور وَقد ذكره والدى رَحمَه الله تَعَالَى فى رحلته المصرية فَقَالَ فى وَصفه عين أَعْيَان هَذِه القاده وثمين دُرَر هَذِه القلادة فرع غُصْن الدوحة البكريه وفنن الشَّجَرَة الطاهرة الصديقيه الَّتِى لم تزل من الْبركَة والسمو فى النَّمَاء أَصْلهَا ثَابت وفرعها فى السَّمَاء رونق الليالى والايام وتاج رَأس الْعلمَاء الاعلام بهجة الْجَمِيع ورواء حسنها البديع من أضحت لَهُ فى الْعُلُوم الْحَقِيقِيَّة الرُّتْبَة الشامخة وفى المعارف الالهية الْقدَم الراسخه وَلَو لم يكن لَهُ من عُمُوم الشّرف الاخصوص هَذِه النسبه لكفاه ذَلِك فى الْفَخر وعلو الرتبه وناهيك فخرا بِأَنَّهُ من ذُرِّيَّة من اخْتَارَهُ الرَّسُول للصحبة والمصاهرة واصطفاه للخلافة على مِلَّته وشريعته الطاهره فيحق لاهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن يطوفوا ويسعوا الى هَذَا الْبَيْت فى كل وَقت سَاعَة فيا لَهُ بَيت عموده الصُّبْح وطينته المجره وَمن ادّعى بَيْتا يضاهيه فَتلك مِنْهُ معره ان تكافأت الْبيُوت فى الشّرف فعلى شرف هَذَا الْمعول أَو تطاولت فى الانساب فدعائم هَذَا الْبَيْت أعز وأطول وانى لاحمد الله تَعَالَى على ان جبلنى على المغالاة فى حبهم وطبعنى على الْمُوَالَاة لاهل الْبَيْت ولاهل نسبهم انْتهى وَاجْتمعَ بِهِ شَيخنَا الْعَلامَة ابراهيم بن عبد الرَّحْمَن الخيارى المدنى فى مرتحله الى مصر وَذكره فى رحلته الَّتِى ألفها وَقَالَ بعد توصيفه وَقد شرفنى لمناسبة ذكر النّيل بتأليف لَهُ فِيهِ جَدِيد عهد وفريد عقد ذكر فِيهِ النّيل وَمَا ورد فِيهِ من الْآيَات والاحاديث وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من ذكر مبدئه وَمن أَيْن هم أَجَاد فِيهِ كل الاجاده وَحَازَ الْحسنى وزياده وَأما شعره فَمَا العقد الفريد فى أجياد الغيد قد أشرقت فى الخدود ذَات التوريد وَمَا قلائد العقيان تنضدت فى نحور الحسان وَأما نثره فَمَا لرياض النضرة كلل عُيُون زهرها الطل وَنبهَ أحداق الْورْد والنرجس بهَا الوبل وسرى عليل نسيمها مبلل الاذيال بعذب تسنيمها وَمَا زواهر الافق المنتثرة قد لاحت مشرقة فى فلكها مضيئة فى طرائق حبكها تهدى من ضل وتورده من نهر مجرتها النهل والعل
من تتويجهما بجواهر المعارف وتسميطهما باليواقيت من بَحر كل عَارِف تلهج مِنْهُمَا اذ تحلى بهما بعد الآذان السطور والطروس وتتملى بهما الاعيان والقلوب والنفوس وَقد أصبحا بَيت القصيد المشيد العالى ويتيمة سلك الْخَلَاص المنضد بفرائد اللآلى فتخلب الافئدة وَتَشَوُّقِ وَتَدْعُو اليهما الالباب وتسوق وَقد جاوزا الْحَد كَثْرَة وبلاغة وتفننا فى طرق الصِّنَاعَة والصياغه وأفردا بِالْجمعِ فَكَانَا دواوين وحليا كل سمع فَمَا العقد الثمين وانتشرا فى مَشَارِق الارض وَمَغَارِبهَا وَعَما جَمِيع مسالكها ومذاهبها أردْت أَن أسطر شطر مِنْهُمَا فى هَذِه الوريقات ثمَّ أحجمت لَان ذكر الْبَعْض وَحذف الْبَعْض تَقْصِير فى حقوقهما الْوَاجِبَات وَالنَّفس مولعة بالانتقاء والانتقاد وَكلهَا أَفْرَاد جِيَاد وَاسْتِيفَاء الْمَوْجُود كُله لَا ينوء الْمَتْن بِحمْلِهِ فليحج كعبة ديوانه من أَرَادَ أبياته وليسلك فى سَعْيه بالصفا اليه مِيقَاته ليظفر بِالْحجرِ المكرم من ذَلِك الْبَيْت ويفوز بكيمياء السَّعَادَة الَّتِى لَا تفْتَقر الى لَو وَلَا لَيْت ومدحه بقصيدة مطْلعهَا
(لَيْسَ يهدا تشوقى والحريق
…
وفؤادى أودى بِهِ التَّفْرِيق)
(وضلوع من الجوى خافقات
…
حِين عز اللقا وَبَان الْفَرِيق)
(معشر أصبح الْفُؤَاد لديهم
…
فى أسار والدمع فيهم طليق)
(معشر بالنقاو بَان الْمصلى
…
برتاهم قلبى الْمَعْنى رَشِيق)
(لست أنسى معاهدا لظباء
…
لحن فِيهِ والخد مِنْهَا شريق)
(ان تبدوا فَكل ذاتى عُيُون
…
أَو تناءوا فَكل نهج طَرِيق)
(من عذيرى فى حبهم من مجيرى
…
من ولوعى بهم وَكَيف أفِيق)
(غربتنى الحظوظ حَتَّى أطاحت
…
بركابى النَّوَى ونهج سحيق)
(غربَة الشكل وَاللِّسَان مَعَ الاهل وَمن ذَا لبَعض ذَاك يُطيق
…
)
ثمَّ تخلص الى الْمَدْح قلت وَقد وقفت للاستاذ على ديوَان مَجْمُوع أوقفنى عَلَيْهِ غُصْن دوحته الاستاذ الاعظم زين العابدين فى قَدمته الَّتِى شرف بهَا الشَّام لَا برح واطئا فَوق السها بأقدام الاجلال والاعظام وَهَذَا الدِّيوَان قد اشْتَمَل على نفائس القصائد والموشحات والمقاطيع والالغاز وَرَأَيْت الامر فِيهِ كَمَا قَالَ شَيخنَا بَينا يراج انتخاب بعض شئ مِنْهُ يقف الرأى عِنْد جَمِيعه وَالْوَقْت يضيق عَن كِتَابَته فَلم أتشرف مِنْهُ الا بِهَذِهِ الابيات من جملَة قصيدة مدح بهَا شيخ الاسلام يحبى المنقارى
وأرسلها الى الرّوم ومطلعها
(أمسكية الانفاس أم عبقة الند
…
وناسمة الازهار أم نفحة الْورْد)
مِنْهَا فى المديح
(ومعتقل للعز صعدة عزمه
…
أَنا بيبها رعافة بِدَم الاسد)
(ومرسل ارسال العطايا مباريا
…
بأيسرها وَطف الغمائم فى الرفد)
(فيا من لَهُ ودى من النَّاس كلهم
…
وَمن هولى من بَينهم غَايَة الْقَصْد)
(وَمن صرت فى مدحى علاهُ كأننى
…
حمامة جرعا فَوق ميالة الملد)
(على اننى مَا فهت يَوْمًا لماجد
…
سواهُ بِشعر لَا بِقرب وَلَا بعد)
(وَلَكِن دعانى الشوق لبيت مسرعا
…
وَهَذَا وَمَا أخفيه بعض الذى أبدى)
(ألية محنى الضلوع على الاسى
…
تحار الاسى مِمَّا براه من الوجد)
(لَهُ زفرات من فؤاد تضرمت
…
بِهِ نَار شوق دونهَا النَّار فى الوقد)
(لأَنْت الذى مَا حل فى الْقلب غَيره
…
وَلَا حَال حالى فِيهِ من ذَلِك الْعَهْد)
(وَلم ترعينى مثله بعده وَهل
…
يمِيل الى غورفتى عَاشَ فى نجد)
وَكَانَت وَفَاته لَيْلَة الْجُمُعَة ثانى عشرى شهر ربيع الاول سنة سبع وَثَمَانِينَ وَألف وَصلى عَلَيْهِ اماما بِالنَّاسِ الشَّيْخ مَنْصُور الطوخى بالازهر فى مشْهد عَظِيم حافل وَدفن بالقرافة الْكُبْرَى فى قبَّة آبَائِهِ الْمَعْرُوفَة هُنَاكَ رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن سعد الكلشنى نزيل دمشق كَانَ من أدباء الصُّوفِيَّة لَهُ محاضرة رائقه وأخبار عَجِيبَة وَكَانَ فضلاء دمشق يميلون اليه ويعاشرون مِنْهُ رحلا سهلا خلوقا متوددا طارحا للتكلف صَاحب نَوَادِر وآداب وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله شعر مطبوع مِنْهُ قَوْله
(وانى امْرُؤ فى طبعى الْعِزّ والغنا
…
ومذ كنت طفْلا لَا أذلّ وأخضع)
(اذا انصرفت نفسى عَن الشئ لم تكن
…
اليه بِوَجْه مُدَّة الْعُمر ترجع)
وَقَوله
(يَا نَاظر الخيال الْفِكر مفتكرا
…
أَنْت الخيال وفيك السِّرّ فاعتبروا)
(أنظر مُصَور هَذَا الْكَوْن مِنْك ترى
…
مُصَور الْكل فى الاشياء قد ظهرا)
وَقَوله مضمنا
(يَا وَاحِدًا عَم الْوُجُود وجوده
…
وجماله فى الْكَوْن أضحى بَينا)
(أَنْت الذى ظَهرت حَقِيقَة ذَاته
…
فى كل شئ والحجاب تعينا)
(كَالشَّمْسِ يمنعك اجتلاء وَجههَا
…
فاذا اكتست برقيق غيم أمكنا)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته بِدِمَشْق فى سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَألف
مُحَمَّد بن سعيد باقشير المكى الْفَاضِل الاديب الشَّاعِر من ألطف أدباء الْحجاز وَأَكْثَرهم نَوَادِر وتحفا وَقد ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه أديب بارع وشاعر لَهُ فى مناهل الادب مشارع نظم فأجاد وأرزم سَحَاب فَضله فجاد فعلت رتبته فى القريض وسمت وافترت ثغور محاسنه وابتسمت كل ذَلِك عَن غير تكلّف نَحْو وعروض بل عَن قريحة تذلل لَهُ جوامح الْكَلَام وتروض فجَاء نظمه السهل الْمُمْتَنع ونزهة النَّاظر والمستمع ثمَّ ذكر لَهُ قَوْله من قصيدة يمدح بهَا السَّيِّد أَحْمد ابْن مَسْعُود
(علقا أَظُنك بالكعاب الرود
…
أم والها بهوى الظباء الغيد)
(أسبلن أَمْثِلَة الغداف غدائرا
…
سُودًا تطل على الليالى السود)
(وسفرن عَمَّا لَو لطمن بِمثلِهِ
…
خد الظلام لما بدا بالبيد)
(بيض يرنحهن ريعان ريعان الصِّبَا
…
تيها كخوط البانة الا ملود)
(عذر العذول على الْهوى فِيهَا وَقد
…
عنت لنا بَين اللوى وزرود)
(فطفقت أنْشدهُ على تأنيبه
…
أَرَأَيْت أى سوالف وخدود)
(تربت يَد اللوام كم ألظت حَشا
…
دنف بألهوب من التفنيد)
(أَو مادروا أَن الْجمال حبائل
…
مَا ان يصاد بِهن غير الصَّيْد)
(ولرب مهضمة الحشا بهنانة المتنين منعمة الازار حرود)
(ترنو فتحسب أم خشف ثارها القناص عَن خضل الكلا مخضود
…
)
(لله أحداق الحسان وفعلها
…
فى قلب كل متيم معمود)
(الحفننى البرحاء لكنى امْرُؤ
…
وزرى بِرُكْن فى الْمُلُوك شَدِيد)
وَقَوله وَكتب بهَا اليه أَيْضا يصف أمة لَهُ سَوْدَاء مداعبًا
(أَبَت صروف القضا المحتوم وَالْقدر
…
الا اشابة صفو الْعَيْش بالكدر)
(وان من نكد الايام أَن قربت
…
دَار الحبيب وَلَكِن شط عَن نظرى)
(بى من سَطَا الْبَين مَا لَو بالجبال غَدَتْ
…
عهنا وبالسبعة الافلاك لم تدر)
(نوى الاحبة والشوق الشَّديد ولى
…
جوى تجدده مهما انْقَضى فكرى)
(وزادنى الدَّهْر هما لَا يعادله
…
هم بسمراء ألهتنى عَن السمر)
(زنجية من بَنَات الزنج تحسبها
…
حظى تجسم جثمانا من الْبشر)
(كَأَن قامتها ليلى ومنخرها
…
ذيلى فيالك من طول وَمن قصر)
(لَهَا يَد ألفت حطب الكسار وَلَو
…
باتت تحوط بالهندية البتر)
(تسطو على الفرص سطوى غير ذى جبن
…
لَو أَنه بَين نَاب اللَّيْث وَالظفر)
(كم غادرتنى من جوع وَمن سغب
…
جزنا أعض بنان النادم الْحصْر)
(وَرب يَوْم غَدا موتى يجر عَنى
…
كاساته فِيهِ حَتَّى عيل مصطبرى)
(أروضها تَارَة عتبا وأزجرها
…
طورا فَلم يجد تأنيبى ومزدجرى)
(وَرُبمَا أفحمتنى القَوْل قائلة
…
وَلَيْسَ كل مقَال بِالْجَوَابِ حرى)
(تخشى الردى وبنود الْمجد خافقة
…
على ابْن مَسْعُود فرع الْفَرْع من مُضر)
وَقَالَ على مصطلح أَرْبَاب الْحَال وهى قصيدة غَرِيبَة
(رُبمَا عاكف على الخندريس
…
رافل فى ملابس التلبيس)
(جهبذ يمْلَأ الدفاتر علما
…
لم يبل بالتقرير والتدريس)
(أَيّمَا خطة أردْت تَجدهُ
…
قهرمان الْمَعْقُول والمحسوس)
(يعلم السَّابِقين من عهد طسم
…
ويفيد الطلاب عصر جديس)
(علم لم يكن على رَأسه نَار وَلَكِن كالنور فى الحندوس
…
)
(مَاشِيا عمره على نهج الصدْق على مَا بِهِ من التَّدْلِيس
…
)
(دغة مرّة وآونة قس
…
وطورا يمليك عَن ابليس)
(وَعَلِيم بطب عِلّة بقراط ويهز وبجد جالينوس)
(ارمه حَيْثُ شِئْت تلق أَخا النجده من آدم وَمن ادريس
…
)
(لعب الْجد مِنْهُ بِالْجَبَلِ الراسى وبالضيعم الهموس العبوس
…
)
(من هوى ربة الحجال وَمن قد
…
لعبت من دلالها بالنفوس)
(والتى خيمت على كل قلب
…
ورمت كل مهجة برسيس)
(وأبت ان ترى بِعَين محب
…
قطّ الا فى صُورَة ولبوس)
(لَاحَ من نورها الاغر سناء
…
فترا آى فى ناره للمجوس)
(قد بَدَت للكليم نَارا وَلَكِن
…
لَا بحصر ففاز بالتقديس)
(وَغدا المانوى مِنْهَا على رأى صَحِيح لَكِن بِلَا تأسيس
…
)
(وَالنَّصَارَى ظلت على صور شَتَّى فضلت برأيها المعكوس
…
)
(قيدوا مُطلق الْجمال فَبَاتُوا
…
فى قيود الشماس والقسيس)
(كَيفَ من قيدت تقيد والاطلاق قيد والقيد غير مقيس
…
)
(شَأْنهَا فى محبها فتها الاكباد من رائس وَمن مرؤس
…
)
(رب قلب قد تاه فِيهَا فَلم يدر حسيسا وَلم يمل للمسيس
…
)
(ظلّ فِيهَا فى جحفل من سرُور
…
وخميس يلقى الاسى بخميس)
(كلما أسفرت لَهُ عَن نقاب
…
وفنى فى فنائه المأنوس)
(أشرقت من وَرَاء ذَاك لعينيه بمغنى حسن الْجمال النفيس
…
)
(فطوى كشحه على غصص الوجد تقى بَين طامع ويؤوس
…
)
قلت تذكرت بمطلع هَذِه القصيدة وصدرها مَا حَكَاهُ الْعَلامَة الْبَهَاء فى كشكوله وَهُوَ أَن تَاجِرًا من تجار نيسابور أودع جَارِيَة عِنْد الشَّيْخ أَبى عُثْمَان الحميرى فَوَقع نظر الشَّيْخ عَلَيْهَا فعشقها وشغف بهَا فَكتب الى شَيْخه أَبى حَفْص الْحداد بِالْحَال فَأَجَابَهُ بالامر بِالسَّفرِ الى الرى لصحبة الشَّيْخ يُوسُف فَلَمَّا وصل الى الرى وَسَأَلَ النَّاس عَن منزل الشَّيْخ يُوسُف أَكْثرُوا من ملامته وَقَالُوا كَيفَ يسْأَل تقى مثلك عَن بَيت شقى فَاسق مثله فَرجع الى نيسابور وقص على شَيْخه فَأمره بِالْعودِ الى الرى وملاقاة الشَّيْخ يُوسُف الْمَذْكُور فسافر مرّة ثَانِيَة الى الرى وَسَأَلَ عَن منزل الشَّيْخ يُوسُف وَلم يبال بذم النَّاس لَهُ وازدرائهم بِهِ فَقيل لَهُ انه فى محلّة الْخمار فَأتى اليه وَسلم عَلَيْهِ فَرد عليه السلام وعظمه وَرَأى الى جَانِبه صَبيا بارع الْجمال والى جَانِبه الآخر زجاجة مَمْلُوءَة من شئ كَأَنَّهُ الْخمر بِعَيْنِه فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَبُو عُثْمَان مَا هَذَا الْمنزل فى هَذِه الْمحلة فَقَالَ ان ظَالِما شرى بيُوت أصحابى وصيرها خمارة وَلم يحْتَج الى بيتى فَقَالَ مَا هَذَا الْغُلَام وَمَا هَذِه الْخمْرَة فَقَالَ أما الْغُلَام فولدى من صلبى وَأما الزجاجة فَحل فَقَالَ وَلم توقع نَفسك فى مقَام التُّهْمَة بَين النَّاس فَقَالَ لِئَلَّا يعتقدوا انى ثِقَة أَمِين فيستودعونى جواريهم فأبتلى بحبهن فَبكى أَبُو عُثْمَان بكاء شَدِيدا وَعلم قصد شَيْخه انْتهى وبهذه الْحِكَايَة يظْهر معنى صدر هَذِه القصيدة وَيحصل الْجمع بَين مَا فى ظَاهرهَا من الْمَدْح والقدح رَجَعَ وَمن شعر صَاحب التَّرْجَمَة وَهُوَ مُخْتَار من قصيدة لَهُ
(أتعذل فى لمياء والعذر أليق
…
تعشقتها جهلا وَذُو اللب يعشق)
(وَلَا عَيْش الا مَا الصبابة شطره
…
وَصَوت المثانى والسلاف الْمُعْتق)
(وجوبك أجواز الموامى مشمرا
…
الى الْمجد يطويها عذافر معنق)
(وان تتهاداك النعائم معلما
…
تضلك أَو تهديك بيداء سملق)
(وان ترد المَاء الذى شطره دم
…
فتسعى برأى ابْن الْحُسَيْن وترزق)
(وأسوغ مَا بل النهى بعد عيمة
…
وأروى من المَاء الشَّرَاب المروق)
(فدع لجج التعنيف وابك بذى اللوى
…
ديارًا كَأَنَّهَا للتقادم مهرق)
(أحالت مغانيها السنون فَأَصْبَحت
…
قوى لهريق الودق وَالرِّيح مخرق)
(وقفت بهَا وَالْقلب بالوجد موثق
…
كفيت الردى والجفن بالدمع مُطلق)
(أناشدها بينونة الحى عَن حوى
…
بقلب اذا هَب النسائم يخْفق)
(شح تتصاباه الصِّبَا وتلوعه الْجنُوب ويشجوه الْحمام المطوق
…
)
(الى الله أَفعَال الليالى بهَا وبى
…
لقد كنت مِنْهَا دَائِم الدَّهْر أفرق)
(فسم سمة الصَّبْر الْجَمِيل لَعَلَّهَا
…
بديل فان لم تغن فالصبر أخلق)
(فَلَو سلمت من حَادث الدَّهْر دمنة
…
تمطى على هام الدهور الخورنق)
وَمن محاسنه قَوْله فى زيات بديع الْجمال وَقد أَجَاد فى التورية
(أفديه زياتاً رنا وانثنى
…
كالبدر كالشادن كالسمهرى)
(أحسن مَا تبصر بدر الدجى
…
بلعب بالميزان والمشترى)
وَله غير ذَلِك من غرر النَّوَادِر وَكَانَت وَفَاته بِمَكَّة فى سنة سبع وَسبعين وَألف
مُحَمَّد بن سعيد المريغتى السوسى الاصل والمنشا نزيل مراكش وامام مَسْجِد المواسين بهَا كَانَ اماما عَالما فى التَّفْسِير والْحَدِيث وَالْفِقْه وعلوم الْعَرَبيَّة وفى الاوفاق والتنجيم والفلك بحرا لَا سَاحل لَهُ قَرَأَ ببلاده على كثيرين ثمَّ بتافيلات على الشريف عبد الله بن طَاهِر وبمراكش على مفتيها عِيسَى السكتانى ثمَّ تصدر بهَا للتدريس وانتهت اليه بهَا الرياسة فى الْعُلُوم وَكَانَ مكثرا من اقراء الْكتب السِّتَّة والشفا واسماعها لطلبة الحَدِيث النبوى وَأَخذهَا عَنهُ عَالم لَا يُحصونَ وَتخرج بِهِ فى طَرِيق التَّصَرُّف كَثِيرُونَ ولازمه أفاضل عصره من الْمغرب الاقصى والادنى وَمِمَّنْ أَخذ عَنهُ وَتخرج بِهِ الْفَاضِل الْعَلامَة ابراهيم السوسى وَمُحَمّد البوفرانى وَكَانَا كثيرا مَا يديمان ذكره ويحاضران بِهِ فى مجالسهما ويذكران عَنهُ وقائع غَرِيبَة مِنْهَا أَن رجلا شكى اليه والى بَلَده وَذكر لَهُ مظلمته فَقَالَ لَهُ سر اليه وَقل لَهُ يَقُول لَك مُحَمَّد بن سعيد لَا تجْلِس فى الْبَلَد فَلم يبت بهَا وفارقها وَلم يرجع اليها وَبلغ السُّلْطَان خُرُوجه مِنْهَا بِغَيْر اذن مِنْهُ فَأرْسل يَطْلُبهُ فَسَأَلَهُ عَن سَبَب الْخُرُوج فَقَالَ لما أرسل الى لم يسْتَقرّ لى قَرَار بِالْجُلُوسِ وَخرجت بِغَيْر اخْتِيَار فَعَزله عَن عمله وَأرْسل لَهَا واليا آخر وَمِنْهَا أَن رجلا اجْتمع عَلَيْهِ دُيُون كَثِيرَة وَعجز عَن قَضَائهَا فَأتى اليه وَذكر لَهُ ذَلِك فَقَالَ لَهُ
اذْهَبْ الى الْمَكَان الفلانى واقرأ الاخلاص الى أَن يَأْتِيك رجل صفته كَذَا فَقل لَهُ يَقُول لَك مُحَمَّد بن سعيد أعطنى واطلب مِنْهُ مَا تُرِيدُ فَذهب وَأَتَاهُ الرجل فدكر لَهُ ذَلِك فَأعْطَاهُ مَا طلبه وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا منظومة فى الوفق المخمس الخالى الْوسط ومنظومة فى علم الْحجر ومنظومة فى التنجيم ومنظومة فى التصوف ومنظومة فى الْفِقْه وَأُخْرَى فى النَّحْو وَله شعر وانشاء وَكَانَت وَفَاته شَهِيدا بالطاعون فى سنة تسعين وَألف بمراكش وَصلى عَلَيْهِ بالجامع الْمَذْكُور وَدفن بتربة بَاب أغمات وعمره خمس وَتسْعُونَ سنة
مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد الكيلانى القاضى الشَّاعِر الرومى الشهير بحكيمى ذكره ابْن نوعى وَقَالَ أَصله من لاهجان فى خطة كيلان وَقَالَ ابْن الحنائى فى تذكرة الشُّعَرَاء أَصله من أبهر من قصبات قزوين كَانَ فى ابْتِدَاء أمره صحب الْمولى اللارى وبسببه رَحل الى الْهِنْد واتصل بسلطانها هما يون شاه ثمَّ ورد الرّوم فى عصر السُّلْطَان سليم الثانى وَوصل الى معلم ابْنه السُّلْطَان مُرَاد الْمولى ابراهيم ولازمه وفى ذَلِك الاثناء صَار معلما لمُحَمد باشا الْمَعْرُوف ببكلر بَكَى نديم السُّلْطَان ثمَّ ولى التداريس فَصَارَ اولا مدرس الجانبازيه ثمَّ لما تمت مدرسة الْوَزير الاعظم عُثْمَان باشا فى سنة سبع وَتِسْعين وَتِسْعمِائَة أَعْطَيْت لَهُ فَهُوَ أول مدرس بهَا ثمَّ أعْطى مدرسة فَاطِمَة سُلْطَان ثمَّ مدرسة مُحَمَّد باشا باسكدار ثمَّ أعْطى قَضَاء قيصرية وطرابلس الشَّام دفعات وَله شعر وانشاء ذكره مِنْهُ ابْن الحنائى أَشْيَاء نَوَادِر وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر الْمحرم سنة سِتّ وَعشْرين وَألف بِمَدِينَة قسطنيطينية
السَّيِّد مُحَمَّد بن سُلَيْمَان بن مُحَمَّد بن أَبى الْفَتْح بن تَاج الدّين بن أَحْمد بن اسمعيل بن مُوسَى بن يحيى بن مرعى بن اسمعيل بن سُلَيْمَان الميسونى الْمُقِيم ببلدة شبرى بميسون ابْن ابراهيم بن علوان بن بن أَبى بكر بن ادريس ابْن ادريس الاكبر ابْن عُثْمَان بن حُسَيْن بن مُحَمَّد بن مُوسَى بن يحيى بن عِيسَى بن مُحَمَّد التقى عِيسَى أَبى الْحسن العسكرى بن على الهادى بن مُحَمَّد الْجواد بن على الرضاء بن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر بن على زين العابدين بن الْحُسَيْن بن على بن أَبى طَالب رضى الله عَنهُ السَّيِّد الشريف المصرى نزيل الشَّام الْمَعْرُوف بالمسرابى قدم الشَّام وَسكن قَرْيَة مسرابا بِكَسْر الْمِيم ثمَّ سين مُهْملَة سَاكِنة وَرَاء بعْدهَا ألف ثمَّ بَاء مُوَحدَة وَألف مَقْصُورَة من قرى الغوطة وَكَانَ فَاضلا مُتَمَكنًا محققا ورعا زاهد القى من النَّاس
قبولا تَاما وَأَقْبَلت أهالى دمشق عَلَيْهِ وعظموه واعتقدوا فِيهِ وَلَزِمَه جمع من الْفُضَلَاء فَكَانُوا يقصدونه كل يَوْم فى موطنه للْقِرَاءَة مَعَ بعد الْمسَافَة وَبَعْضهمْ يذهب مَاشِيا لاجل التَّبَرُّك وبلغنى أَن بَعضهم الْتزم أَن يذهب اليه حافيا وَكَانَت لَهُ أَحْوَال تدل على صَلَاحه وَعلمه وَكَانَ فى التصوف مُفْرد زَمَانه وَيحل كتب ابْن عربى واضرابه أحسن حل وَلم أسمع أَنه ألف أَو قَالَ شعرًا وَغَايَة مَا يُقَال فِيهِ انه كَانَ من خِيَار خلق الله تَعَالَى وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع شعْبَان سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَألف
مُحَمَّد بن سِنَان الْمَعْرُوف بشيخ زَاده أحد موالى الرّوم البارعين قدم أَبوهُ الى قسطنطينية من بَلَده كيبوزه وهى بليدَة صَغِيرَة على سَاحل الْبَحْر يتَوَصَّل مِنْهَا الى اسكدار على طَرِيق الذَّاهِب من قونية وَبَينهمَا مَسَافَة سبع سَاعَات وَكَانَ شَيخا مُعْتَقدًا واعظا ورزق أَوْلَادًا أكبرهم مُحَمَّد هَذَا فَنَشَأَ مشتغلا بِالْعلمِ حَتَّى عد من الْعلمَاء الْكِبَار وَكَانَ فَقِيها مطلعا على الْمسَائِل قوى الحافظة واشتهر بالفقه مَعَ أَنه فى غَيره أَيْضا من الفائقين ولازم من شيخ الاسلام أَبى الميامن ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا فصيره أَمينا لفتواه وَمهر فى هَذِه الْخدمَة حَتَّى صَار فِيهَا مرجعا يعول عَلَيْهِ وَلما بنى الْمولى يحيى الْمَذْكُور مدرسته بقسطنطينية صيره مدرسها وَهُوَ أول من درس بهَا وَصَحبه مَعَه الى سفر روان وَلم يزل بعْدهَا يترقى فى الْمدَارِس الى أَن ولى السليمانية وَنقل مِنْهَا الى مدرسة أيا صوفيا بتربة دَار الحَدِيث ثمَّ ولى قَضَاء حلب فى سنة اثْنَتَيْنِ وَخمسين وَألف ثمَّ ولى قَضَاء الشَّام ودخلها فى سنة سبع وَخمسين ثمَّ عزل عَنْهَا وَولى بعْدهَا قَضَاء الغلطة ثمَّ أدرنه ثمَّ صَار امين الْفَتْوَى لشيخ الاسلام البهائى ثمَّ صَار قَاضِيا بقسطنطينية ثمَّ أعْطى رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى وَقَضَاء أنقره على وَجه التَّأْبِيد وَلم تطل مُدَّة حَيَاته بعد ذَلِك فتوفى فى شَوَّال سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَألف وَدفن تجاه دَاره بقسطنطينية قريب الْمَكَان الْمَعْرُوف بقرمان
مُحَمَّد بن شعْبَان الطرابلسى الحنفى من أهل طرابلس الْمغرب ذكره ابْن نوعى وَوَصفه بِالْفَصْلِ الباهر وَقَالَ قدم قسطنطينية فى سنة سِتّ عشرَة وَألف وتناظر مَعَ علمائها فظهرت مزيته وروعى حَقه وَأَقْبل عَلَيْهِ شيخ الاسلام صنع الله بن جَعْفَر وَأَعْطَاهُ قَضَاء بَلْدَة بِاعْتِبَار المولوية وأضاف الى الْقَضَاء الْفَتْوَى والتدريس فَتوجه الى وَطنه وَله تآليف باهرة مِنْهَا شرح مجمع الْبَحْرين سَمَّاهُ تشنيف المسمع فى شرح الْمجمع وَجمع مَنَاقِب الشَّيْخ أَبى الْغَيْث القشاش الْمُقدم ذكره وَله غير ذَلِك من الْآثَار
مَا لَيْسَ لَهُ نِهَايَة وفتاويه كلهَا مسلمة وَكَانَت وَفَاته فى سنة عشْرين وَألف
مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن عبد الله بن أَحْمد الغزى الثَّمر تاشى حفيد شيخ الاسلام الشَّمْس مُحَمَّد بن عبد الله صَاحب التَّنْوِير وَغَيره الآتى ذكره قَرِيبا ان شَاءَ الله تَعَالَى كَانَ مُحَمَّد هَذَا من فضلاء الْفُقَهَاء الْحَنَفِيَّة برع فى شبابه وَقد أَخذ بِبَلَدِهِ عَن وَالِده وَعَن ابْن الْمُحب ثمَّ رَحل الى الْقَاهِرَة وتفقه بهَا على الشهَاب أَحْمد الشوبرى وَالْحسن الشرنبملالى وَالشَّيْخ محيى الدّين الغزى الفاروقى وَالشَّيْخ أَبى بكر الجبرتى وَأخذ الحَدِيث عَن الشَّيْخ عَامر الشبراوى وَالشَّيْخ عبد الْجواد الجنبلاطى وَالشَّيْخ أَبى الْحسن بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْخَطِيب الشربينى الشافعى وَالشَّيْخ مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الحموى وَالشَّمْس مُحَمَّد بن الْجلَال البكرى وأبى الْعَبَّاس أَحْمد المقرى المغربى وَالشَّيْخ عبد الرَّحْمَن ابْن يُوسُف البهوتى الحنبلى وَرجع الى بَلَده وَقد بلغ الْغَايَة من الْفضل وَألف فى حَيَاة وَالِده تآليف مِنْهَا شرح الرحبية ونظم الفية فى النَّحْو شرحها أَبوهُ فى حَيَاته وأولها
(قَالَ مُحَمَّد هُوَ ابْن صَالح
…
أَحْمد ربى الله خير فاتح)
وَله منظومة فى المناسخات ورسالة فى تَفْضِيل الانسان وَله شعر كثير وَكَانَت وَفَاته فى سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَألف ووالده مَوْجُود فى الاحياء رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن صَالح بن مُحَمَّد بن أَحْمد أَبُو الْفَتْح شمس الدّين الدجانى القدسى الشافعى كَانَ من الْعلمَاء الراسخين ارتحل الى مصر وَأقَام بالازهر سِنِين عديدة واشتغل بالفقه على مَشَايِخ كثيرين مِنْهُم الشهَاب القليوبى وَالشَّيْخ سُلْطَان المزاحى وَالشَّيْخ على الحلبى صَاحب السِّيرَة وَأخذ عَن الْبُرْهَان اللقانى والشهاب أَحْمد بن عبد الْوَارِث الصديقى وَعبد الْجواد الجنبلاطى وَغَيرهم فى عُلُوم مُتَفَرِّقَة واخذ الحَدِيث عَن أَبى الْعَبَّاس المقرى واشتغل فى أواسط عمره بالتصوف أَخذه عَن جده لابيه وصنف رِسَالَة العقد الْمُفْرد فى حكم الامرد وَله غَيرهَا من التآليف وانتفع بِهِ خلق كثير وَكَانَ فى آخر أمره شرع فى قِرَاءَة الْجَامِع الصَّغِير للسيوطى فَوقف عِنْد حَدِيث أتتكم الْمنية وَتوفى وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَسبعين وَألف
مُحَمَّد الامين بن صدر الدّين الشروانى نزيل قسطنطينية أجل أَفْرَاد الدُّنْيَا فى التَّحْقِيق والتبحر من كل فن لم ترعين من وصل الى ثمَّة من ذكائه وتضلعه من الْعُلُوم فى عصره أَخذ عَن الملا حُسَيْن الخلخالى وَكَانَ يعرض عَلَيْهِ حَاشِيَته على شرح العقائد العضدية للملا جلال الدوانى فيزيفها لَهُ حَتَّى شهد لَهُ بِأَنَّهُ أفضل مِنْهُ وَمن
مؤلفاته تعليقات على أَمَاكِن من تَفْسِير البيضاوى وَكَلَامه فِيهَا يدل على انه جمع الْفُنُون كلهَا وَشرح على جِهَة الْوحدَة الَّتِى للفنرى فى أول شَرحه على ايساغوجى صَعب المسلك وَهُوَ يقْرَأ فى الرّوم واعتنى بِهِ جمَاعَة وَكَتَبُوا عَلَيْهِ حواشى وتحريرات مِنْهُم السَّيِّد الْمَعْرُوف بازميرى أَمِير واعظ جَامع السُّلْطَان بايزيد كَانَ وَقد قرأته بعون الله تَعَالَى مَعَ حَوَاشِيه بالروم وانتفعت بِهِ وَله كتاب سَمَّاهُ بالفوائد الخاقانية مُشْتَمل على ثَلَاثَة وَخمسين علما أَلفه باسم السُّلْطَان أَحْمد وَجعل الْعُلُوم الَّتِى فِيهِ عدد اسْمه وَكَانَ خرج من بِلَاده فوصل الى الْوَزير نصوح وَهُوَ معِين لقِتَال شاه الْعَجم فَعَظمهُ وَبَالغ فى احترامه ورتب لَهُ التعايين الوافرة ثمَّ صَحبه الى الرّوم فَأقبل عَلَيْهِ أَهلهَا ولزموه للاخذ عَنهُ واشتهر حد الاشتهار فولاه السُّلْطَان أَحْمد مدرسته برتبة قَضَاء قسطنطينية وانعكفت عَلَيْهِ الافاضل وَكَانَ يحضر درسه مَا يزِيد على ثلثمِائة تلميذ وحدثنى حفيده الْمولى الْفَاضِل صَادِق قاضى الْقُضَاة بِمصْر أَن جمَاعَة من قَضَاء العساكر كَانُوا يذهبون الى درسه ويستمعون من الشبابيك وَلَا يدْخلُونَ الى دَاخل الدَّرْس حذرا من هضم جانبهم وحضورهم فى زى مستفيد وَحكى لى من فطانته وتحقيقه واستحضاره للمسائل وأجوبتها مَا يبهر الْعقل قَالَ وَلما قدم الى قسطنطينية قاضى زَاده الرومى حضر الى مَجْلِسه فَقيل لَهُ ان قاضى زَاده يُرِيد الدُّخُول اليك فَلم يكترث حَتَّى وصل اليه فَنَهَضَ قَلِيلا ثمَّ جلس فَقَالَ لَهُ قاضى زَاده عندى ثَلَاثُونَ سؤالا فى أَنْوَاع من الْعُلُوم أُرِيد جوابها مِنْك قَالَ وَكَانَ مُضْطَجعا على الوسادة فَقَالَ وَالله لَا رفعت جنبى عَن الوسادة حَتَّى أجيبك عَنْهَا هَات مَا عنْدك فشرع قاضى زَاده يُورد لَهُ السُّؤَال فَقبل أَن يتمه يجِيبه عَنهُ من غير انفعال وَلَا ترو وكل مَا يجِيبه بِهِ يقبله ويكتبه عَنهُ وعَلى الْجُمْلَة فَهُوَ آخر الْمُحَقِّقين وَبِه ختم هَذَا الْبَاب وَسَأَلت حفيده الْمَذْكُور عَن وَفَاته فَقَالَ لى انه توفى فى سنة سِتّ وَثَلَاثِينَ وَألف
السَّيِّد مُحَمَّد الامين بن صنع الله الحسينى القسطنطينى مفتى السلطنة الْمَعْرُوف بصنعى زَاده الْمُحَقق البارع الالمعى كَانَ عَالما فَاضلا كَامِل الْعيار أديبا أريبا عَاقِلا حسن الْخلق مَشْهُور بِالْفَضْلِ مشهودا لَهُ بِهِ وَفِيه يَقُول بعض الادباء مضمنا
(ان ابْن صنعى الذى جلت فضائله
…
لم يلف فى عجم ثَانِيه أَو عرب)
(لَوْلَا عجائب صنع الله مَا نَبتَت
…
تِلْكَ الْفَضَائِل فى لحم وَلَا عصب)
وَلم يرم من المعائب قطّ الا بالشره لما فى ايدى النَّاس من قسم الملبس والامتعة
وَجمع من الْكتب والمتحف مَا لَا يدْخل تَحت حصر حاصر وَكَانَ اشْتغل بتحصيل الْعُلُوم على عُلَمَاء عصره حَتَّى سَاد وَقدم بِخِدْمَة وَالِده الى حلب لما ولى قضاءها فى سنة عشْرين بعد الالف وَهُوَ شَاب فَأخذ عَن بعض علمائها ثمَّ لَازم من الْمولى عمر معلم السُّلْطَان عُثْمَان وَلزِمَ بعد ذَلِك قاضى العساكر مصطفى بن عزمى وانتفع بِهِ وَعَلِيهِ تخرج فى كثير من الْفُنُون وَكَانَ عِنْده فى منزلَة وَلَده وصيره كَاتبا لرسائله وَهُوَ قاضى الْعَسْكَر ثمَّ درس بمدرسة شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَهُوَ ثانى مدرس بهَا واتصل ببانيها وَهُوَ مفت فَأَحبهُ وَأَدْنَاهُ مِنْهُ حَتَّى اشْتهر وَوصل خَبره الى السُّلْطَان مُرَاد وَحكى أَن السُّلْطَان مرَادا كَانَ يتفقده واذا صَارَت سلسلة المدرسين يستخبر هَل وَجه اليه مدرسة أَولا فَلم يزل يترقى فى الْمدَارِس حَتَّى وصل الى الْمدرسَة السليمانية وَولى مِنْهَا قَضَاء سلانيك فى سنة خمسين وَألف وَأَقْبل عَلَيْهِ الْوَزير الاعظم قُرَّة مصطفى باشا فَأعْطى بوسيلته رتبه أدرنه ثمَّ عزل عَنْهَا وَقدم الى دَار الْخلَافَة واقتنى دَارا بِالْقربِ من جَامع السُّلْطَان سليم لَطِيفَة غَايَة ثمَّ ولى قَضَاء حلب وَنقل مِنْهَا الى قَضَاء مصر وَحكى انه كَانَ فى ابْتِدَاء أمره مَعَ مصطفى باشا بن حيدر الْوَزير وَكَانَ من جملَة الْعَسْكَر اذ ذَاك فَقَالَ لَهُ صَاحب التَّرْجَمَة ستصير ان شَاءَ الله تَعَالَى حَاكما بِمصْر فَقَالَ لَهُ وَعَسَى أَن تصير أَنْت قَاضِيا بهَا فى ذَلِك الزَّمَان ونجتمع مَعًا ثمَّ دعيا بذلك فاستجيب دعاؤهما واجتمعا بِمصْر على الحكومتين ثمَّ عزل صَاحب التَّرْجَمَة وَقرر بهَا قبل أَن يخرج مِنْهَا ثمَّ عزل وَولى قَضَاء قسطنطينية فى سنة تسع وَخمسين ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بانا طولى فى سنة خمس وَسِتِّينَ وَاتفقَ ان ابْن خَالَته السَّيِّد مُحَمَّد الْمَعْرُوف بقدسى زَاده صَار قاضى الْعَسْكَر بروم ايلى فتشرف صدر الدِّيوَان بِهَذَيْنِ الصدرين وهما ابْنا خَالَة ثمَّ عزل وَولى قَضَاء روم ايلى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَنقل مِنْهَا الى الْفَتْوَى فى أَوَاخِر السّنة وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد اذ ذَاك فى أدرنه وَقيل فى تَارِيخه أَرخُوا مفن كريم عَالم عَامل وَوَافَقَ تَارِيخ تَوليته امضاءه الذى يَكْتُبهُ على الْفَتَاوَى وَهُوَ لفظ كتبه مُحَمَّد الامين الْفَقِير وَهَذَا من أعجب مَا وَقع من التواريخ ثمَّ عزل فى نَهَار الثُّلَاثَاء تَاسِع شهر ربيع الثانى سنة ثَلَاث وَسبعين وَأمر بالاقامة فى حديقته ببشكطاش فَأَقَامَ بهَا مُدَّة الى أَن مَاتَ وَكَانَت وَفَاته فى رَابِع الْمحرم سنة أَربع وَسبعين وَألف وَدفن باسكدار بِالْقربِ من مرقد الشَّيْخ مَحْمُود الاسكدارى
مُحَمَّد بن الظَّاهِر بن أَبى الْقسم بن أَبى الْغَيْث بن أَبى الْقسم بن أَبى بكر شُعَاع بن على الايبع بن أَحْمد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن النجيب بن حسن بن يُوسُف بن حسن بن يحيى بن سَالم بن عبد الله بن الْحُسَيْن بن على بن آدم بن ادريس بن الْحُسَيْن ابْن مُحَمَّد الْجواد بن على الرِّضَا ابْن مُوسَى الكاظم بن جَعْفَر الصَّادِق بن مُحَمَّد الباقر ابْن على زين العابدين بن الْحُسَيْن ابْن على بن أَبى طَالب كرم الله تَعَالَى وَجهه هَكَذَا نقل نسب بنى الْبَحْر مُحَمَّد بن أَبى بكر الاشخر فى كِتَابه كشف الْغَيْن وان نسبهم هَذَا يجْتَمع فِيهِ ثَلَاثَة عشر قَبيلَة من أَشْرَاف سرو والحسينيين بِالتَّصْغِيرِ يجمعهُمْ الْحسن ابْن يُوسُف وَأم المترجم عَائِشَة بنت أَحْمد بن أَبى الْغَيْث بن أَبى الْقسم الْبَحْر الْمُتَقَدّم السَّيِّد الولى الْمَشْهُور ولد فى ثامن عشر شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وَألف بالمنصورية وهى من أَعمال بَيت الْفَقِيه بن عجيل من قرى اللامين مَعْرُوفَة بَينهَا وَبَين زبيد مرحلة كَامِلَة من جِهَة الْقبْلَة وَكَانَ أسلافه بِمَدِينَة الحرجة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَالرَّاء وَالْجِيم من أَعمال بَيت الْفَقِيه الْكَبِير ابْن حشيبر بِقرب اللِّحْيَة بَلْدَة مَعْرُوفَة خربَتْ قَدِيما وَأول من قدم من أجداده الى المنصورية أَحْمد بن أَبى الْغَيْث بن أَبى الْقسم الْبَحْر وَمَعَهُ أَخُوهُ أَبُو الْقسم بن أَبى الْغَيْث المقبور برباط الشَّيْخ مُحَمَّد بن عمر النهارى الْمَشْهُور بقمر الصَّالِحين وقبره هُنَاكَ يزار ويتبرك بِهِ فسكنوا فى مَحل يُقَال لَهُ منيبر قرب محلتهم الْآن من الشرق وَيُقَال ان ذَلِك باستدعاء عَامر بن عبد الْوَهَّاب وَدخل صَاحب التَّرْجَمَة الى زبيد فى سنة احدى وَعشْرين وَألف للْقِرَاءَة فَقَرَأَ على شيخ الْقُرَّاء عبد الباقى بن عبد الله العدنى لِلشَّيْخَيْنِ ثمَّ لحفص عَن عَاصِم وَقَرَأَ فى الْفِقْه على ابراهيم بن مُحَمَّد جعبمان وعَلى القاضى أَبى الوفا أَحْمد بن مُوسَى الضجاعى وعَلى مُحَمَّد بن أَحْمد المريرى الازهرى وعَلى مُحَمَّد بن أَبى بكر حجر بِهِ الاهدل صَاحب مَقْصُورَة الْجَامِع فى زبيد وفى الْعَرَبيَّة على الشهَاب أَحْمد بن مُحَمَّد بن يحيى المطيب الحنفى وَسمع صَحِيح البخارى وصحيح مُسلم مَرَّات مُتعَدِّدَة على الشَّيْخ الْعَلامَة على بن أَحْمد بن جعمان وَبَعض الْمِنْهَاج والاذكار وَجُمْلَة من البخارى وَحج سنة أَربع وَأَرْبَعين وَألف وَأخذ بمكه عَن الشَّيْخ مُحَمَّد على بن عَلان التَّفْسِير والْحَدِيث وَأَجَازَهُ بمروياته وَله مؤلفات مِنْهَا تحفة الدَّهْر فى نسب الاشراف بنى بَحر وَنسب من حقق نسبه وَسيرَته من أهل الْعَصْر وَكَانَت رفاتا عَشِيَّة الِاثْنَيْنِ رَابِع الْمحرم سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف بالمنصورية وَبهَا دفن عِنْد أسلافه السَّادة روح الله تَعَالَى أَرْوَاحهم
مُحَمَّد بن عبد الباقى بن مُحَمَّد بن محب الدّين بن أَبى بكر تقى الدّين بن دَاوُد المحبى الدمشقى الحنفى ابْن عَم أَبى كَانَ فَاضلا كَامِلا لطيفا أديبا ظريفا ذكيا حسن الْخط وَله صَوت يَأْخُذ بِمَجَامِع الْقُلُوب لم يكن أحسن مِنْهُ وَلَا أندى فى عصره وَكَانَ يعرف الادب والموسيقى معرفَة جَيِّدَة وَله فى الضروب واصطناع الاغانى يَد طائلة وَكَانَ أَبوهُ ذَا ثروة عَظِيمَة وَلما مَاتَ فى سنة سبع وَعشْرين وَألف فِيمَا أَحسب ترك مَالا كثيرا فنفد فى أقل قَلِيل وَهُوَ أَخُو جدى لابيه وَأم مُحَمَّد أُخْته من أمه وهى بنت الشَّيْخ عبد الصَّمد العكارى مفتى طرابلس وَاسْمهَا بديعة الزَّمَان وَكَانَت من الْعلم والمعرفة ونظم الشّعْر فى ذرْوَة سامية اشتغلت الْكثير على جدى القاضى محب الدّين وَأخذت عَنهُ الْفِقْه والعربية وَقَرَأَ عَلَيْهَا ابْنهَا مُحَمَّد المترجم وانتفع بهَا ثمَّ لزم الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن العمادى وَالشَّيْخ عبد اللَّطِيف الجالقى وَأخذ عَنْهُمَا وَتخرج فى الادب على أَبى الطّيب الغزى والقاضى عبد الْكَرِيم الطارانى ثمَّ لَازم من شيخ الاسلام عبد الْعَزِيز بن قره جلى ودرس بدار الحَدِيث الْكُبْرَى وَولى النيابات بِدِمَشْق وَكَانَ فى حَيَاة جدى محب الله مرفه البال رغيد الْعَيْش مكفى الْمُؤْنَة زوجه بابنته عمتى وَبنى قصرا على سوق الرصيف يشرف على الْمدرسَة الامينية وأتقن بناءه وصنع لَهُ تَارِيخا من نظمه كتبه على بعض جدرانه وَهُوَ قَوْله
(مُنْذُ أنشا العَبْد المحبى قصرا
…
من نوال الْمولى الْكَرِيم وَمِنْه)
(قد سما بهجة وَحَازَ بهاء
…
ورقى رفْعَة وفَاق بيمنه)
(وَهُوَ فَرد فزوده فَردا وأرخ
…
قَصرنَا قد زهى برونق حسنه)
وَلما مَاتَ جدي ساءت حَاله وَاسْتولى عَلَيْهِ الْغم فسافر الى الرّوم وَولى قَضَاء بعلبك ثمَّ قَضَاء صيدا وَمَا برح الدَّهْر يصدمه ويزعجه الى أَن مَاتَ وفى ذَلِك يَقُول
(لَوْلَا الامانى اذ أعيش مُسلما
…
للنَّفس فى نيل المرام الا بعد)
(لقضيت من محن الزَّمَان فدأبه
…
جور الفعال على اللبيب الامجد)
وَمن هَذَا الْمَعْنى قَول بَعضهم
(لَوْلَا مواعيد آمال أعيش بهَا
…
لمت يَا أهل هَذَا الحى من زمنى)
(وانما طرف آمالى بِهِ مرح
…
يجرى بوعد الامانى مُطلق الرسن)
وَكَانَت وِلَادَته فى سنة سِتّ عشرَة وَألف وَتوفى وَهُوَ رَاجع من الرّوم بِمَدِينَة حمص فى سنة سِتِّينَ وَألف وَدفن بهَا
السَّيِّد مُحَمَّد بن عبد الْحُسَيْن بن ابراهيم المكنى بأبى عبد الله بن أَبى شَبابَة الحسينى البحرانى أديب الْبَحْرين ومنطيقها والمطلع نفائس درها وجوهرها ذكره ابْن مَعْصُوم فَقَالَ فى وَصفه علم الْفضل ومناره ومقبس الادب ومستناره فرع دوحة الشّرف الناضر الْمقر بسمو قدره كل مناضل ومناظر أَضَاءَت أنوار مجده مآثرا ومناقباً
(كالبدر من حَيْثُ الْتفت رَأَيْته
…
يهدى الى عَيْنَيْك نورا ثاقباً)
وَكَانَ قد نسل الْهِنْد فَاجْتمع بالوالد ومدحه بمدائح وقابله من الاكرام بِمَا استوجبه واستحقه وَذكره عِنْد مَوْلَانَا السُّلْطَان فَعرف لَهُ حَقه ثمَّ رَحل الى ديار الْعَجم وَأقَام بأصفهان الى ان مَاتَ ثمَّ أورد لَهُ هَذِه القصيدة مدح بهَا وَالِده النظام ومستهلها
(أرى علما مَا زَالَ يخْفق بالنصر
…
بِهِ فَوق أوج الْمجد تعلو يَد الْفَخر)
(مضى الْعُمر لَا دنيا بلغت بهَا المنى
…
وَلَا عمل أَرْجُو بِهِ الْفَوْز فى الْحَشْر)
(وَلَا كسب علم فى الْقِيَامَة شَافِع
…
وَلَا ظَفرت كفى بمغن من الوفر)
(وأصبحت بعد الدَّرْس فى الْهِنْد تَاجِرًا
…
وان لم أفز مِنْهَا بفائدة التَّجر)
(طويت دواوين الْفَضَائِل والتقى
…
وصرت الى طى الامانى والنشر)
(وسودت بالاوزار بيض صحائفى
…
وبيضت سود الشّعْر فى طلب الصفر)
(وبعت نَفِيس الدّين والعمر صَفْقَة
…
فيا لَيْت شعرى مَا الذى بهما أشرى)
(اذا جننى اللَّيْل البهيم تَفَجَّرَتْ
…
على عُيُون الْهم فِيهِ الى الْفجْر)
(تَفَرَّقت الاهواء منى فبعضها
…
بشيراز دَار الْعلم وَالْبَعْض فى الْفِكر)
(وبالبصرة الفيحاء بعض وَبَعضهَا القوى بِبَيْت الله والركن وَالْحجر)
(فَمَا لى وللهند الَّتِى مذ دَخَلتهَا
…
محت رسم طاعتى سيول من الْوزر)
(وَلَو أَن جِبْرَائِيل رام سكونها
…
لَا عَجزه فِيهَا الْبَقَاء على الطُّهْر)
(لَئِن صيد أَصْحَاب الحجا بشباكها
…
فقد تَأْخُذ الْعقل الْمَقَادِير بالقهر)
(وَقد تذْهب الْعقل المطامع ثمَّ لَا
…
يعود وَقد عَادَتْ لميس الى العتر)
هَذَا تلميح الى الْمثل الْمَشْهُور وَهُوَ قَوْلهم عَادَتْ الى عترها لميس أى رجعت الى أَصْلهَا والعتر بِكَسْر الْمُهْملَة وَسُكُون الْمُثَنَّاة من فَوق الاصل يضْرب لمن رَجَعَ الى خلق كَانَ قد تَركه وَلَيْسَ هُوَ الْمثل بِعَيْنِه حَتَّى يعْتَرض بِأَن الامثال لَا تغير
(مَضَت فى حروب الدَّهْر غَايَة قوتى
…
فَأَصْبَحت ذَا ضعف عَن الْكر والفر)
(الام بِأَرْض الْهِنْد أذهب لذتى
…
ونضرة عَيْش فى محاولة النَّضر)
(وَقد قنعت نفسى بأوبة غَائِب
…
الى أَهله يَوْمًا وَلَو بيد صفر)
(اذا لم تكن فى الْهِنْد أَضْعَاف نعْمَة
…
ففى هجر أحظى بصنف من التَّمْر)
(على أَن لي فِيهَا حماة عهدتهم
…
بناة الْمَعَالِي بالمثقة السمر)
(إِذا مَا أصَاب الدَّهْر أكناف عزهم
…
رَأَيْت لَهُم غارات تغلب فِي بكر)
(ولى وَالِد فِيهَا اذا مَا رَأَيْته
…
رَأَيْت بِهِ الخنساء تبكى على صَخْر)
(ولكننى أنسيت فى الْهِنْد ذكرهم
…
باحسان من يسلى عَن الْوَالِد الْبر)
(اذا ذعرتنى فى الزَّمَان صروفه
…
وجدت لَدَيْهِ الا من من ذَلِك الذعر)
(وفى بَيته فى كل يَوْم وَلَيْلَة
…
أرى الْعِيد مَقْرُونا الى لَيْلَة الْقدر)
(وَلَا يدْرك المطرى نِهَايَة مدحه
…
وَلَو أَنه قد مد من عمر النسْر)
(وفى كل مضمار لَدَى كل غَايَة
…
من الشّرف الاوفى لَهُ سَابق يجرى)
(اذا مَا بَدَت فى أول الصُّبْح نقمة
…
ترى فَرحا قد جَاءَ فى آخر الْعَصْر)
(فَقل لى أَبيت اللَّعْن ان عَن مفظع
…
أأصبر أم أحتاج للاوجه الغر)
(اذا لَا علت فى الْمجد أَقْدَام همتى
…
وَلَو كَانَ شعرى فِيك من أنفس الشّعْر)
(وانى لأرجو من جميلك عَزمَة
…
تبلغنى الاوطان فى آخر الْعُمر)
(تقر عيُونا بالعراق سخينة
…
وتبرد أكبادا أحر من الْجَمْر)
(وتونس أطفالا صغَارًا تَركتهم
…
لفرقتهم مَا زَالَ دمعى كالقطر)
(وعيشى بهم قد كَانَ حلوا وبعدهم
…
وجدت لذيذ الْعَيْش كالعلقم المر)
(اذا مَا رأونى مُقبلا ورأيتهم
…
نقُول أيوم القر أم لَيْلَة النَّفر)
(وَمَا زلت مشتاقا اليهم وعاجزا
…
كَمَا اشتاق مقصوص الْجنَاح الى الوكر)
(ولكنما حسبى وجودك سالما
…
وَلَو أننى أَصبَحت فى بلد قفر)
(فَمن كَانَ مَوْصُولا بِحَبل ولائكم
…
فَلَيْسَ بمحتاج الى صلَة الْبر)
وَقَوله على لِسَان أهل الْحَال وَقد أَجَاد
(لعمرى لقد ضل الدَّلِيل عَن الْقَصْد
…
وَمَا لَاحَ لى برق يدل على نجد)
(فَبت بلَيْل لَا ينَام ومهجة
…
تقلب فى نَار من الْهم والوجد)
(وَقلت عَسى أَن أهتدى لسبيلها
…
بنفحة طيب من عرار وَمن رند)
(فَلَمَّا أتيت الدَّيْر أَبْصرت رَاهِبًا
…
بِهِ ثمل من خمرة الْحبّ والود)
(فَقلت لَهُ أَيْن الطَّرِيق الى الْحمى
…
وَهل خبر من جيرة الْعلم الْفَرد)
(فَقَالَ وَقد أَعلَى من الْقلب زفرَة
…
وفاضت سيول الدمع مِنْهُ على الخد)
(لَعَلَّك يَا مِسْكين ترجو وصالهم
…
وهيهات لَو أتلفت نَفسك بالكد)
(أرى زمرة العشاق فى مجْلِس الْهوى
…
نشاوى غرام من كهول وَمن مرد)
(ألم تَرَ أَنا من مدامة شوقهم
…
سكارى وَلم نبلغ الى ذَلِك الْحَد)
(فكم ذهبت من مهجة فى طريقهم
…
وَمَا وصلت الاعلى غَايَة الْبعد)
(فَقلت أأدنو قَالَ من كل محنة
…
فَقلت أأرجو قَالَ شَيْئا من الصد)
(ألم ترنا صرعى بدهشة حبهم
…
نقلب فَوق الترب خدا الى خد)
(فكم طامع فى حبهم مَاتَ غُصَّة
…
وَقد كَانَ يرضى بالمحال من الْوَعْد)
وَكَانَت وَفَاته فى سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف بأصفهان وَنقل الى طوس وَدفن بالمشهد الرضوى بِقرب تربة الشَّيْخ بهاء الدّين العاملى
مُحَمَّد بن عبد الْحق بن أَبى اللطف الملقب كَمَال الدّين القدسى الحنفى كَانَ فَاضلا ظريفا رَقِيق حَاشِيَة الْعشْرَة طارحا للتكلف خليعا مَاجِنًا مَقْبُول النادرة وَكَانَ كثير الاسفار قَلما يُقيم بِبَلَدِهِ رَحل الى الْقَاهِرَة وَأقَام بهَا سِنِين عديدة واشتغل على علمائها وبرع ثمَّ سَافر الى الرّوم وَطلب تدريس الْمدرسَة العثمانية بالقدس فوجهت اليه عَن الشَّيْخ زَكَرِيَّا المصرى وَتصرف بهَا وَكَانَ ينظم الشّعْر وشعره // مطبوع جيد // فَمِنْهُ قَوْله من تخميس
(بدا بكأس مدام والدجا حلكا
…
وَعزة النَّفس أرخت فَوْقه شبكا)
(فَقلت لما أَتَى لَا يختشى دركا
…
يَا بدرتم غَدا قلبى لَهُ فلكا)
(ان كنت أبذل روحى فى الْهوى فلكا
…
)
وَسمعت لَهُ قصيدة فى نِهَايَة الْحسن فَلم يعلق فى خاطرى مِنْهَا الا مطْلعهَا وَهُوَ
(أهْدى الزَّمَان الى الانام نفيسا
…
فَالْحق أَن نهدى اليه نفوسا)
وَقد تقدم لَهُ ثَلَاثَة أَبْيَات فى تَرْجَمَة السَّيِّد عبد الرَّحْمَن بن النَّقِيب فى تَشْبِيه القرنفل وهى فى غَايَة الْجَوْدَة وَكَانَ اعتراه مرض الفواق وَهُوَ قادم فى طَرِيق الرّوم لشدَّة الْبرد ففى ثانى يَوْم من دُخُوله الْبَيْت الْمُقَدّس توفى وَكَانَت وَفَاته فى أَوَاخِر ذى الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وَألف وَقد بلغ من الْعُمر سِتِّينَ سنة
مُحَمَّد بن عبد الْحَلِيم الْمَعْرُوف بالبورسوى وبالاسيرى مفتى السلطنة وَرَئِيس
علمائها الْمَشْهُور بِالْعلمِ والتصلب فى الدّين وَكَانَ طودا من الْعلم راسخا متمسكا بِحَبل الله فى سره ونجواه يناضل عَن الْحق ويباحث عَنهُ وَكَانَ كثير الْعِبَادَة والتلاوة لِلْقُرْآنِ مهابا متواضعا أَخذ بِبَلَدِهِ بروسه عَن الْمولى مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن المعيد وَعَن الشَّيْخ الْكَامِل مُحَمَّد حَافظ زَاده ولازم درسه ثمَّ دخل قسطنطينية وتلمذ بهَا للشريف الشروانى وَكَانَ مدرسا بمدرسة أيا صوفيا وسمعته يحْكى مَا كَانَ فِيهِ اذ ذَاك من رقة الْحَال وضنك الْعَيْش ويبالغ ثمَّ اتَّصل بِخِدْمَة شيخ لاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا وَصَارَ من خَواص طلبته ولازم مِنْهُ وَتعين لكتابة الْفَتَاوَى ثمَّ صَار أَمِين الْفَتْوَى وَانْفَرَدَ فى هَذِه الْخدمَة بأَشْيَاء من التفرس وَسُرْعَة الاخذ لم يسْبقهُ اليها أحد وَأَقْبَلت عَلَيْهِ الدُّنْيَا ونفذت كَلمته وشاع ذكره وقصدته النَّاس من أقاصى الْبِلَاد وَوصل خَبره للسُّلْطَان مُرَاد وَكَانَت الوزراء وقضاة العساكر وَمن فى رتبتهم يراجعونه فى المهام ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى مدرسة السُّلْطَان سليم الْقَدِيم وَولى مِنْهَا قَضَاء مَكَّة وسافر وَهُوَ وسنبل أغا حَافظ الْحرم السلطانى بحرا فأسرتهما الفرنج وأخذا الى جَزِيرَة مالطه وَذهب لَهما من الامتعة والاموال شئ كثير وَاسْتمرّ صَاحب التَّرْجَمَة أَسِيرًا قَرِيبا من أَربع سِنِين ثمَّ خلص وَوصل الى دَار الْخلَافَة فَأعْطى قَضَاء مصر وَكَانَ ذَلِك فى سنة تسع وَخمسين وَألف وَقدم الى دمشق وَتوجه الى الْقَاهِرَة فصحبه والدى رَحمَه الله تَعَالَى ونال مِنْهُ قبولا تَاما ثمَّ فَارقه فى مصر كَمَا تقدم فى تَرْجَمَة والدى وعزل فَخرج الى دمشق وَنزل فى دَارنَا وَولد لَهُ ولد سَمَّاهُ يحيى ثمَّ توجه الى الرّوم فَمَاتَ وَلَده هَذَا بانطاكية وَبعد وُصُوله بِمدَّة أعْطى قَضَاء أدرنه وَأخذ بهَا طَرِيق القشاشية عَن الْعَارِف بِاللَّه تَعَالَى الشَّيْخ مصلح الدّين وَلزِمَ الاوراد والاذكار ثمَّ عزل وَنفى الى ينبولى ثمَّ جئ بِهِ وَولى قَضَاء دَار الْخلَافَة وَوجه اليه رُتْبَة قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طول ثمَّ ولى الْقَضَاء أَنا طولى اسْتِقْلَالا وَأَقْبل عَلَيْهِ الْوَزير الاعظم مُحَمَّد باشا الكوبريلى فصيره مفتيا وَلما سَار السُّلْطَان مُحَمَّد الى بورسة وأدرنة كَانَ فى خدمته واستبد بالاقبال التَّام وَوَقع من الْوَزير الْمَذْكُور قتل جماعات فى أَطْرَاف الْبِلَاد وفى مَحل التخت السلطانى فَكَانَ لَا يقدم على ذَلِك حَتَّى يستفتيه وَهَذَا مستفيض على الالسنة وَالله أعلم بِمَا هُنَالك وَكَانَ لما ولى الافتاء استرضاه والدى فرضى وَكتب اليه بالصفح عَن تباعده عَنهُ فَرَاجعه والدى برسالة اقترحها على لِسَان فرس كَانَت عِنْده من مشاهير الْخَيل وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة فى قَدمته الى الشَّام
رَآهَا وَعرفهَا فأظهر اعتذاره عَن التَّقْصِير الذى نسب اليه فى خدمته على لِسَان حَالهَا والرسالة هى هَذِه حَضْرَة الْمولى شيخ الاسلام مفتى الانام الْهمام الْمُقدم فى حلبة الرِّهَان والامام الْمصلى الذى بِهِ يقْتَدى المجلى والتالى فى ميدان الْبَيَان الْغرَّة فى جبهة دهم الليالى وشهب أَيَّامه ربيع المفاخر والمعالى جعل الله تَعَالَى مُجمل سعادته غَنِيا عَن الافصاح وجياد أَوْصَافه الْحَسَنَة متبارية فى ميدان المداح بجاه سيدنَا مُحَمَّد الذى علا على الْبراق وتشرفت بِهِ الْآفَاق وَآله الْكِرَام وَأَصْحَابه الفخام وَبعد فالذى يعرض على عالى حَضرته بعد تَقْبِيل سامى عتبته أَنه لَا يخفى مَا ورد فى الحَدِيث الشريف عَن النبى النبيه أهْدى الله اليه صلَاته وَسَلَامه الْخَيل مَعْقُود فى نَوَاصِيهَا الْخَيْر الى يَوْم الْقيام واننى تِلْكَ الْفرس الاصيلة الطَّرفَيْنِ والحجرة العريقة الْجَانِبَيْنِ المهذبة الاخلاق الْكَرِيمَة الاعراق سبوح لَهَا مِنْهَا عَلَيْهَا شَوَاهِد نشأت فى أراضى الشَّام وشممت ذَلِك العرار والبشام فَأبى من الْعتاق المغبقية وأمى من الصافنات الْجِيَاد السقلاويه مَعْرُوفَة الاب وَالْجد فى تهَامَة ونجد صَحِيحَة النّسَب بَين الْعَرَب
(وَمَا الْخَيل الا كالصديق قَليلَة
…
وان كثرت فى عين من لَا يجرب)
وَقد كَانَ شرفنى الْمولى بالركوب وأملت مِنْهُ الْمَطْلُوب وسبقت الْجِيَاد وفزت بالشرف وَالْمرَاد وَتَقَدَّمت الخدم أمامى وحملت الغاشية قدامى ومشيت بالادب وَالْوَقار وَلم يصدر منى عثار وَلَا نفار وَلَا غروماً لسيوف على مقادير الاعضاء تفرى وَالْخَيْل على حسب فرسانها تجرى
(وَالْخَيْل عَالِمَة مَا فَوق أظهرها
…
من الرِّجَال جَبَانًا كَانَ أَو بطلا)
وفى الْمثل الْخَيل بفرسانها وَالدَّار بسكانها وَقد طرق سمعى ان الْمولى صَار فَارس الميدان وسابق الرِّهَان وامتطى من الصدارة صهوة الاقبال وسحب لَهُ جنيب الْعِزّ والاجلال وَملك زِمَام الامور وَشد حزَام عزمه فى مصَالح الْجُمْهُور فَحصل لى بذلك كَمَال السرُور والنشاط وكدت أَن أفك مَا بى من الرِّبَاط وَأَجد فى الْمسير الى تهنئة جنابه الخطير لَكِن أقعدتنى الايام عَن ذَلِك ومنعتنى عَن سلوك هَذِه المسالك بماحل بى من مُوَاصلَة الصّيام وَالرُّكُوع وَالسُّجُود عِنْد الْقيام وتقدمنى فى الْمسير الرفيق الذى جمعنى واياه هَذَا الطَّرِيق
(ان الْعَوَائِق عقن عَنْك ركائبى
…
فَلَهُنَّ من طرب اليك هديل)
وَكَانَ بلغنى أَنه ركض على فى ميدان حضرتك بعض اللئام وَوضع قدم قَوْله حَيْثُ شَاءَ من الملام ونسبنى الى البطر والجموح وسلك طَرِيق قلَّة الادب الْمَتْرُوك الْمَطْرُوح وان الْبَحْر على تعكر والورد الصافى تكدر
(قد كَانَ لى مشرب يصفو بموردكم
…
فكدرته يَد الايام حِين صفا)
فوَاللَّه لَيْسَ لما قيل أصل أصيل وَكنت أود أننى أتوصل الى بره وأكرع عَن فائض بحره وأرد مواردا حسانه وأفوز بِلُطْفِهِ وامتنانه فَلَا خير فى حب لَا يحمل أقذاؤه وَلَا يشرب على الكدر مَاؤُهُ وَمَعْلُوم حَضرته أَن الْبَهَائِم لَا تعلم شعر أَبى تَمام وَلَا تعرف مَا بلاغة أَبى الطّيب الْهمام وَلَا تطرب الْخَيل الا لسَمَاع الْكَيْل وَلَا تستغنى الاكاديش عَن أكل الْحَشِيش والعلاف لَا يعرف مسَائِل الْخلاف ومالكى وان كَانَ هُوَ الاصيل العريق لكنه مقتر للضيق فى العليق كثير الشّعْر قَلِيل الشّعير ينشد بِلِسَان التَّقْصِير
(ومالى صَنْعَة غير القوافى
…
وَشعر لَا يُبَاع وَلَا يعار)
فالشعير أبعد من الشعرى العبور وَلَا وُصُول اليه وَلَا عبور فالبطن ضامر لَا يشد عَلَيْهِ حزَام والفم خَال لَيْسَ فِيهِ سوى اللجام وَقد بليت بعد الهزال بالخرس وَصَارَ حالى كَمَا قيل الجل خير من الْفرس وغيرى مِمَّن هُوَ دخيل لَيْسَ لَهُ أصل وَلَا فصل وَلَا أدب وَلَا فضل يرتع فى رياض الانعام وَالْبر التَّام
(حمَار يسيب فى رَوْضَة
…
وطرف بِلَا علف يرْبط)
فان أنعم الْمولى دَامَ لَهُ المسار بِمنْصب فى هَذِه الديار فَأكْرم الْخَيل أَشدّهَا حنينا الى وَطنه وَأعْتق الابل أَكْثَرهَا نزاعا نَحْو عطنه فلينتهز فرص الاقتدار ويغتنم التجاوز عَن عثرات الاحرار فالدابة تضرب على النفار لَا على العثار فَلَيْسَ لى سواهُ من أعول عَلَيْهِ وَأَرْفَع قصتى اليه
(وهيهات أَن يثى الى غير بَابه
…
عنان المطايا أَو يشد حزَام)
وَالله سُبْحَانَهُ ولى التَّوْفِيق والهادى بكرمه الى سَوَاء الطَّرِيق وَهُوَ قاضى الْحَاجَات وميسر المرادات وعالم بِكُل الاحوال وَعَلِيهِ فى جَمِيع الامور الاتكال
(وَدم وابق فى سعد وَعز مخلد
…
وخيلك فى أوج السَّعَادَة تسبق)
قلت وَقد حذا فى هَذِه الرسَالَة حَذْو الوهرانى فى رقعته الَّتِى كتبهَا على لِسَان بغلته وعلقها فى عُنُقهَا وسيبها فى دَار الامير عز الدّين موسك وهى من محَاسِن
مخترعاته ولطائف نزعاته يَقُول فِيهَا الْمَمْلُوكَة رَيْحَانَة بغلة الوهرانى تقبل الارض بَين يدى الامير عز الدّين حسام أَمِير الْمُؤمنِينَ نجاه الله من حر السعير وَعظم بداره قوافل العير ورزقه من التِّبْن وَالشعِير وسق مائَة ألف بعير واستجاب فِيهِ أدعية الجم الْغَفِير من الْخَيل وَالْبِغَال وَالْحمير وتنهى اليه مَا تقاسيه من مُوَاصلَة الصّيام والتعب فى اللَّيْل وَالدَّوَاب نيام قد أشرفت مملوكته على التّلف وصاحبها لَا يحمل الكلف وَلَا يُوقن بالخلف وَلَا يَقُول بالعلف وانما يحل بِهِ الْبلَاء الْعَظِيم فى وَقت حاجتى الى القضيم وَالشعِير فى بَيته مثل الْمسك والعبير والاطريفل الْكَبِير أقل من الامانة فى النَّصَارَى الاقباط وَالْعقل فى رَأس قاضى سنباط فشعيره أبعد من الشعرى العبور وَلَا وُصُول اليه وَلَا عبور وقرطه أعز من قرطى ماريه لَا يُخرجهُ صَدَقَة وَلَا هبة وَلَا عَارِية والتبن أحب اليه من الابْن والجلبان أعز عِنْده من دهن البان والقضيم بِمَنْزِلَة الدّرّ النظيم والفصه أجل من سبائك الفضه والفول من دونه ألف بَاب مقفول وَمَا يهون علبه يعلف الدَّوَابّ الا بفنون الاداب وَالْفِقْه اللّبَاب وَالسُّؤَال وَالْجَوَاب وَمَا عِنْد الله من الثَّوَاب وَمن الْمَعْلُوم أَن الدَّوَابّ لَا تُوصَف بالحلوم وَلَا تعيش بِسَمَاع الْعُلُوم وَلَا تطرب بِشعر أَبى تَمام وَلَا تعرف الْحَرْث بن همام وَلَا سِيمَا البغال الَّتِى تسْتَعْمل فى جَمِيع الاشغال شبكة قصيل أحب اليها من كتاب التَّحْصِيل وَقْفَة من الدريس أشهى اليها من فقه مُحَمَّد بن ادريس وَلَو أكل الْبَغْل كتاب المقامات لمات وَلَو لم يجد الا كتاب الرَّضَاع لضاع وَلَو قيل لَهُ أَنْت هَالك لم يَأْكُل موطأ مَالك وَكَذَلِكَ الْجمل لَا يتغذى بشرح أَبْيَات الْجمل ووقوفه فى الكلا أحب اليه من شعر أَبى الْعلَا وَلَيْسَ عِنْده طيب شعر أَبى الطّيب وَأما الْخَيل فَلَا تطرب الا الى اسْتِمَاع الْكَيْل واذا أكلت كتاب الذيل مَاتَت بِالنَّهَارِ قبل اللَّيْل وَالْوَيْل لَهَا ثمَّ الويل وَلَا تستغنى الأكاديش عَن أكل الْحَشِيش بِكُل مَا فى الحماسة من شعر أَبى الخريش واذا أطعمت الْحمار شعر ابْن عمار حل بِهِ الدمار وَأصْبح منفوخا كالطبل على بَاب الاصطبل وَبعد هَذَا كُله فقد رَاح صَاحبهَا الى العلاف وَعرض عَلَيْهِ مسَائِل الْخلاف وَطلب من تبنه عشر قفاف فَقَامَ الى رَأسه بالخفاف فخاطبه بالتقصير وَفسّر لَهُ آيَة العير وَطلب مِنْهُ قفة شعير فَحمل على سُؤَاله ألف بعير فَانْصَرف الشَّيْخ منكسر الْقلب مغتاظا
من الثلب وَهُوَ أخسر من ابْن بنت الْكَلْب فَالْتَفت الى المسكينه وَقد سلبه الغيظ ثوب السكينه وَقَالَ لَهَا ان شِئْت ان تكدى فكدى لَا ذقت شعيرَة مَا دمت عندى فَبَقيت الْمَمْلُوكَة حائرة لَا قَائِمَة وَلَا سائرة فَقَالَ لَهَا العلاف لَا تجزعى من خباله وَلَا تلتفتى الى سباله وَلَا تنظرى الى نَفَقَته وَلَا يكن عنْدك أخس من عنفقته هَذَا الامير عز الدّين سيف الْمُجَاهدين أندى من الْغَمَام وأمضى من الحسام وأبهى من الْبَدْر لَيْلَة التَّمام لَا يرد سَائِلًا وَلَا يخيب آملا فَلَمَّا سَمِعت الْمَمْلُوكَة هَذَا الْكَلَام جذبت اللجام ورفست الْغُلَام وَقطعت الزِّمَام وَشقت الزحام حَتَّى طرحت خدها على الاقدام ورأيك العالى وَالسَّلَام انْتهى رَجَعَ وَلما مَاتَ الْوَزير الكوبريلى الْمَذْكُور عزل عَن منصب الْفَتْوَى وَنفى الى كليبولى وَحكى أَنه جَاءَهُ خبر الْعَزْل يَوْم الْجُمُعَة وَهُوَ فى الْجَامِع والخطيب يخْطب فَلم يُمكنهُ التَّخَلُّف ونهض مسرعا وَأخذ من وقته الى السَّفِينَة فأركب فِيهَا وجهز وَبعد مُدَّة أعْطى قَضَاء رودس وَأمر بِالْمَسِيرِ اليها فَأَقَامَ بهَا مُدَّة تسع سنوات ثمَّ اسْتَأْذن فى الْحَج فَأذن لَهُ وَورد دمشق فى غرَّة رَجَب سنة احدى وَثَمَانِينَ وَألف وَكَانَ وَجه الى أَخِيه شقيقه الْمولى مصطفى قَضَاء مَكَّة فاجتمعا فى دمشق ورحلا صُحْبَة الْحَاج وحجا وجاورا بِمَكَّة سنة ثمَّ فَارقه أَخُوهُ وبقى هُوَ فى الْمَدِينَة سنة أُخْرَى ثمَّ قدم الى دمشق وَأقَام بهَا مُدَّة ثمَّ أعْطى قَضَاء الْقُدس فَتوجه اليها وَحكم بهَا نَحْو سنة ثمَّ عزل وَقدم الى دمشق ثمَّ أَمر بالتوجه الى بَلَده بروسة فَخرج من دمشق وصحبته أَنا الى الرّوم وَكَانَ خروجنا من دمشق فى ثامن صفر سنة سِتّ وَثَمَانِينَ وَألف واستمريت مرافقا لَهُ الى بروسة وفارقته مِنْهَا وَأقَام هُوَ وَأعْطى قَضَاء مطانيه على وَجه التأيد وَاسْتمرّ مُدَّة الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته سنة ثَلَاث وَتِسْعين وَألف
مُحَمَّد بن عبد الْخَالِق المنزلاوى الشافعى الامام الْعَلامَة الصَّالح الولى الزَّاهِد الْجَامِع بَين الْعلم وَالْعَمَل الْمجد فى بَث الْعُلُوم النافعة كَانَ عَالما مفننا وَكَانَ يخْتم فى كل سنة نَحْو عشرَة كتب كبار فى فنون وقراءته تَحت اللَّفْظ لَا يتَعَدَّى الْمَقْصُود بِالذَّاتِ من الْكتاب وَيَقُول الْقِرَاءَة هَكَذَا فى هَذِه الازمان أفود فان الهمم قصرت والافهام كلت مَعَ كَونه اذا سُئِلَ عَن مُشكل فى الْكَلَام أجَاب عَنهُ بِأَحْسَن عبارَة وَمن شُيُوخه الْبُرْهَان اللقانى والنور الزيادى وَسَالم الشبشيرى وَأحمد الغنيمى والنور على الحلبى وَغَيرهم وَعنهُ أخذا أَكثر المدركين من مَشَايِخ الْعَصْر مِنْهُم مَنْصُور
الطوخى وَسليمَان الشامى وَدَاوُد الرحمانى وَأحمد البشيشى وأفلج فى آخر عمره وَاسْتمرّ بِهِ الفالج سِنِين وَهُوَ ببيته وَمَعَ ذَلِك كَانَ يدرس وَهُوَ بِهَذَا الْحَال وَسبب فلجه كَثْرَة انهماكه على الْجِمَاع بِحَيْثُ لَا يتْركهُ لَيْلًا وَلَا نَهَارا وَكَانَ لَهُ عدَّة نسَاء وسرارى قَالَ ونصحنى بعض شيوخى عَن ذَلِك وَقَالَ لى ان كثرته هَكَذَا تورث الفالج بالتتبع فَلم يفدنى ذَلِك حَتَّى كَانَ من أَمر الله تَعَالَى مَا كَانَ وَاجْتمعَ بِهِ صاحبنا الْفَاضِل الاديب مصطفى بن فتح الله وَسمع عَلَيْهِ طرفا من تَفْسِير الجلالين وَمن شرح الالفية للمرادى بِقِرَاءَة شَيْخه الفهامة مُوسَى بن حجازى الْوَاعِظ وَذَلِكَ بعد مَا أفلج وَأَجَازَهُ بمروياته قَالَ وَأخْبرنَا عَن شَيْخه الْعَلامَة طه السفطى انه كَانَ يأتى الى الدَّرْس بعصا يضْرب بهَا من يسْأَله سؤالا غير مُنَاسِب للمقام وَاتفقَ انه كَانَ يَوْمًا يقرئ فى مُخْتَصر خَلِيل فَسَأَلَهُ بعض طلبته سؤالا من ذَلِك فَضَربهُ فَقَالَ بديهة
(لقد نلْت يَا طه مقَاما ورفعة
…
فَمَا نالها بَين الانام أَمِير)
(تقرر فى معنى خَلِيل بمطرق
…
كَأَنَّك تراس وَنحن حمير)
والتراس سائق الْحمير بلغَة المصريين وَكَانَت وَفَاة المنزلاوى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَألف بِمصْر وعمره نَحْو ثَمَانِينَ سنة رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْفَقِيه مُحَمَّد بلفقيه الْمَشْهُور بالاعسم الحضرمى الشَّيْخ الاعظم أحد الْعلمَاء العاملين ذكره الشلى وَأحسن الثَّنَاء عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ ولد بِمَدِينَة تريم وَحفظ الْقُرْآن وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين مِنْهُم عَمه السَّيِّد الْجَلِيل عبد الله بن مُحَمَّد بلفقيه صَاحب الشبيكة وَمن فى زَمَانه من الْعلمَاء كالشيخ أَحْمد بن علوى با جحذب وَالسَّيِّد مُحَمَّد بن حسن وَالشَّيْخ حُسَيْن بن الْفَقِيه عبد الله بَافضل وَكَانَ كثير الْعِبَادَة محبا للصوفية وَكَانَ لَهُ الشَّأْن الْعَظِيم كثير الْمُسَامحَة ظَاهر الْولَايَة وَالصَّلَاح وَاسع الصَّدْر رفيع الْقدر وَكَانَت وَفَاته سنة سبع بعد الالف بتريم وَدفن بمقبرة زنبل والاعسم أفعل من العسم وَهُوَ اليبس فى الْمرْفق وَالله أعلم
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الملقب شمس الدّين الحموى اشْتهر وَالِده بالمكى الحنفى نزيل مصر كَانَ اماما عَالما بالفقه وَالتَّفْسِير والْحَدِيث والقراآت والاصول والنحو كثير الاستحضار للاحاديث النَّبَوِيَّة خُصُوصا الْمُتَعَلّقَة بالاوراد والفضائل أديبا ذكيا فصيحا صَالحا ورعا متواضعا طارحا للتكلف متصوفا كثير الْمُرُوءَة عَظِيم الْبر خُصُوصا لاقاربه كثير الزِّيَارَة والموافاة لاصحابه حسن الصَّوْت بِالْقِرَاءَةِ
صَادِق اللهجة والمحبة والنصح وَكَانَ مَعَ ذَلِك كثير الانبساط حُلْو النادرة وَفِيه دعابة زَائِدَة وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ من كملة الرِّجَال أَخذ عَن النُّور الزيادى وَالشَّمْس مُحَمَّد الخفاجى وَالشَّيْخ مُحَمَّد الوسيمى والصفى الْعُزَّى وَالشَّيْخ طه المالكى وَالشَّمْس مُحَمَّد الدمراوى والسراج ابْن الجائى وأبى النجا السنهورى والشهاب أَحْمد بن خَلِيل السبكى وَقَرَأَ بالروايات على شحاذة الْيُمْنَى المقرى وَأخذ عُلُوم الْعَرَبيَّة عَن أَبى بكر الشنوانى واشتغل بالفقه على عَلامَة عصره على بن غَانِم المقدسى وَغَيرهم وفَاق أهل زَمَانه فى الْفضل وَذكره عبد الْبر الفيومى فى المنتزه فَقَالَ فى وَصفه عَالم نشر ألوية فَضله الزهية فتلقاها بِالْيَمِينِ كل فَاضل رام دقائق الْعَرَبيَّة رَقِيق الطباع دَقِيق الْفِكر بِلَا دفاع علمه متين وعقله رصين وأدبه باهر وشعره زَاهِر لَزِمت درسه وَشهِدت فَضله وأنسه وَألف صنف وزين الاوراق ورصف فحشى المغنى بحاشية لكل طَالب تغنى وَله كتابات أخر مِنْهَا حَاشِيَة على شرح الْقَوَاعِد الهشامية للشَّيْخ خَالِد اختصرها من حَاشِيَة شَيْخه الشنوانى وَله بديعية مطْلعهَا
(هجرى على ولى وصل بأحيانى
…
أماتنى الهجر جَاءَ الْوَصْل أحيانى)
قلت وَله شعر رَقِيق مِنْهُ قَوْله من قصيدة مدح بهَا شيخ الاسلام يحيى بن زَكَرِيَّا لما كَانَ قَاضِيا بِمصْر ومطلعها
(أوجوه غيد أم حسان ربوع
…
وعيون آرام تزيد ولوعى)
(أم نشر زهر ضَاعَ فَامْتَلَأَ الربى
…
عطرا عبيرا أم رياض ربيع)
(وَالْمَاء قد صقل النسيم متونه
…
أم فى جِدَار لَهُ متون دروع)
(والطل قد زَان الشَّقِيق بلؤلؤ
…
أم وجنة مطلولة بدموع)
(والقضب من لطف النسيم تمايلت
…
خجلا فأبدت ذلنى وخضوعى)
(والبدر أشرق فى ثنيات الدجا
…
سحرًا وَبرد اللَّيْل فى توشيع)
(سفر اللثام فلاح فى وجناته
…
ورد الخد فحار فِيهِ بديعى)
(ساجى اللواحظ فاتك بجفونه
…
ذُو خبْرَة فى صَنْعَة التقطيع)
(مَا تمّ مسك عذاره فى خَدّه
…
الا ليظْهر عذر كل خليع)
(والثغر قد حَاز العذيب وبارقا
…
وجواهرا للدر فَغير مضيع)
(يَا قلب خل هوى الحسان وخلننى
…
من ذكر أحباب وَذكر ربوع)
(واقطع أقاويل الوشاة فقطعها
…
سَبَب لوصلة حبلنا الْمَقْطُوع)
(واجنح الى ظلّ الجناب المرتجى
…
قاضى الْقُضَاة الامجد الْمَرْفُوع)
(يحيى الذى يحيي الْوُجُود بجوده
…
سحت يَدَاهُ بسيحا المهموع)
(يعْطى مؤمله بِغَيْر شَفَاعَة
…
مَا رامه من نائل مشفوع)
(مذ شاع فى مصر السَّعَادَة عدله
…
دَامَت لَهُ الاحكام بالتوقيع)
(حلف الزَّمَان ليَأْتِيَن بِمثلِهِ
…
حنثت يَمِين حَدِيثه الْمَوْضُوع)
(كفر يَمِينك يَا زمَان وَلَا تعد
…
لَيْسَ الشريف الْجد مثل وضيع)
مِنْهَا
(يَا من رَجَوْت وَقد أمنت بجاهه
…
من كل خطب للزمان فظيع)
(وَوضعت عَن كتفى السُّؤَال لغيره
…
وَالْمَوْت أطيب من سُؤال وضيع)
(ورجوته بالشعر لما خصنى
…
مِنْهُ جميل اللطف عَم جميعى)
(اسْمَع بمذهبها البديع وهاكها
…
تختال بالتهذيب والترصيع)
(قصرت خطاها عَن سواك وَأَقْبَلت
…
تمشى الى علياك شى سريع)
(فاقبل وزدنى فى العطا مَا غربت
…
شمس النَّهَار وأشرقت بِطُلُوع)
(لَا زلت ممدوح الْخِصَال جَمِيعهَا
…
مَا نَار وجد أضرمت بضلوع)
وَكَانَت وَفَاته بِمصْر يَوْم الاحد تَاسِع عشر شَوَّال سنة سبع عشرَة بعد الالف
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْجمال مُحَمَّد بن الشهَاب أَحْمد بن أَحْمد البونى المكى المالكى الاديب الزكن الماهر قدم جده من الْمغرب وَهُوَ فَقير جدا فقطن الْحجاز وترقى ابْنه بِخِدْمَة الشريف بَرَكَات بن أَبى نمى صَاحب مَكَّة وَكَانَ فِيهِ خير ونفع وقف فى مرض مَوته على البيمارستان المكى بعض الاماكن وَخَلفه ابْنه فى الترقى وَله أَخُوهُ وَكَانَ مُحَمَّد هَذَا على مَذْهَب آبَائِهِ وَكَانَ كَاتبا شَاعِر ولد بِمَكَّة وَبهَا نَشأ وَحفظ أشعار الْعَرَب ونافس أقرانه فى عُلُوم الادب وَله أشعار حسان مِنْهَا قَوْله مجيبا للبرهان ابراهيم المهتار عَن قصيدة خمرية نظمها وأرسلها اليه لبعارضها ومطلعها
(دع الْوُقُوف على الاطلال والنجب
…
وَلَا تعرج على مجهولها الخرب)
فعارضها بقوله
(مَا دَامَ كأس الحميا باسم الشنب
…
فَترك لثمى لَهُ من قلَّة الادب)
(فاستجلها بنت كرم مَعَ ذوى كرم
…
من كف سَاق بِبرد الْحسن محتجب)
(كالبدر يسْعَى بشمس الراح فى يَده
…
فاعجب لبدر سعى بالشمس للهب)
(اذا رنا قلت خشف فى تلفته
…
وان تثنى فغصن مَاس فى الكثب)
(من لى بهَا وهى تجلى فى زجاجتها
…
وَمن سنا مؤنسى باللهو والطرب)
(مَعَ رفْقَة كَالنُّجُومِ الزهر ساطعة
…
حازوا جَمِيع النهى والذوق فى الْعَرَب)
(وَالْوَرق تشدو على الاغصان قائلة
…
باكر صبوحك بالكاسات والنجب)
وَلها تَتِمَّة لم أَقف عَلَيْهَا وَكتب اليه المهتار قصيدة مبدؤها
(بقلبى سيف اللواحظ سنه
…
وأفرض وجدى وهجرى سنه)
فَرَاجعه بقصيدة طَوِيلَة أَولهَا
(أَجَبْتُك مولاى من غير مِنْهُ
…
فذوقك قد حفنى الْفضل مِنْهُ)
(وانى مطيعك فِيمَا أمرت
…
بِهِ وودادى كَمَا تعهدنه)
مِنْهَا
(عجبت لسحر عُيُون الظبا
…
تصيد القساو رمن غابهنه)
(وَهن الدمى الخرد الآنسات
…
وَمن لَهُم الشّعب أضحى مظنه)
(فكم دون أخدارهم مهلك
…
وَكم حَولهمْ من جِيَاد معنه)
(ببيض الصفاح وَسمر الرماح
…
وصفر القسى وزرق الاسنه)
(فحيى حمى الشّعب من عَامر
…
حَيا لم يزل يسقى أطلا لهنه)
(فثم الغوانى الملاح الصَّباح
…
يرن الوشاح باعطافهنه)
(اذا مسن مَا بَين تِلْكَ الْخُدُور
…
يحاكى القنالين أعطا فهنه)
(فطير الحشا لم يزل وَاجِبا
…
عَلَيْهِنَّ ان لحن فى حيهنه)
مَا أحسن قَوْله وَاجِبا بعد قَوْله فطير وطيور الْوَاجِب المتعارفة عِنْد أَرْبَاب الْقوس والبندق أَرْبَعَة عشر وهى الكركى والسبيطر والعنز والسوغ والمرزم والغرنوق وَهَذِه السِّتَّة يُقَال لَهَا قصار السَّبق والنسر وَالْعِقَاب والاوز والتم واللغلغ والانيسه والسلوى يُقَال لَهَا طوال السَّبق وانما قيل لَهَا طيور الْوَاجِب لَان الرامى كَانَ لَا يُطلق عَلَيْهِ لفظ الرامى الا بعد قتل هَذِه بأجمعها بالبندق وجوبا صناعيا
(وَمن ثمَّ أَهْوى بديع الْجمال
…
حوى اللطف والظرف من بينهنه)
(رشا خصره مُضْمر ناحل
…
اذا قَامَ والردف مَا أرجحنه)
(فوجبته مُنْذُ دب العذار
…
حكت يَا ذوى الْعِشْق نَارا وجنه)
وَمن شعره قَوْله
(أنحل الله خصر ذَات الْمِثَال
…
فهى وَالله لَا ترق لحالى)
(وأرانى ألحاظها فى انكسار
…
ولظى جمر خدها فى اشتعال)
وَله غير ذَلِك وَكَانَت وَفَاته فى سنة ثَمَان عشرَة وَألف وَدفن بالمعلاة والبونى نِسْبَة لبونة بالمغرب من أَعمال تونس
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سراج الدّين الملقب جمال الدّين الحضرمى الْفَقِيه الشافعى القاضى كَانَ من الْعلمَاء المبرزين انْتَهَت اليه رياسة الْفِقْه فى جِهَته قَرَأَ الْعلم على وَالِده وَغَيره وارتحل الى الشحر وَأخذ عَن الْفَقِيه على بن على بايزيد ولازمه حَتَّى تخرج بِهِ وتصدر للْفَتْوَى والتدريس وَولى الْقَضَاء فى عدَّة بِلَاد مِنْهَا تريم والشحر وشبام والغرفة وَله رحْلَة طَوِيلَة رَحل الى الْهِنْد فى شبابه والى المسقاص ودوعن وَصَحب جمَاعَة من أكَابِر العارفين أَجلهم الشَّيْخ أَبُو بكر بن سَالم وَأدْركَ الشَّيْخ مَعْرُوف باجمال ولحظه بنظراته وَله نثر ونظم وَولى الخطابة وَكَانَ فصيحا جهورى الصَّوْت عذب الْمنطق لَهُ بسطة فى الْعلم والجسم وَكَانَ مَقْبُولًا عِنْد الْخَاص وَالْعَام كثير الْبكاء والخشوع وَكَانَ زاهدا فى الدُّنْيَا كَرِيمًا يحب الْفُقَرَاء وَتخرج عَلَيْهِ جمَاعَة وَله مؤلفات كَثِيرَة مِنْهَا منظومة الارشاد وَشَرحهَا ومنظومة فى النِّكَاح كبرى وَأُخْرَى صغرى وَله مؤلف فى الْفِقْه صَغِير وَكتاب الْبر الرؤف فى مَنَاقِب الشَّيْخ مَعْرُوف رتبه على مُقَدّمَة وَأَرْبَعَة أَبْوَاب وخاتمة وَجعل الخاتمة فى مَنَاقِب الشَّيْخ أَبى بكر بن سَالم قَالَ وَمن أَرَادَ أَن يَكْتُبهُ مُفردا قليسمة بُلُوغ الظفر والمغانم فى الشَّيْخ أَبى بكر بن سَالم وَجعل الخاتمة فى تراجم بعض الاعيان قَالَ وَمن شَاءَ أَن يفردها فليسمها بالدر الفاخر فى تراجم أَعْيَان الْقرن الْعَاشِر وَله فَتَاوَى كَثِيرَة غير مدونة وَحصل لَهُ فى آخر عمره اعراض عَن الْخلق فَصَارَ كالذاهل وَلم يزل كَذَلِك الى أَن توفى وَكَانَت وَفَاته فى شعْبَان سنه تسع عشرَة بعد الالف بِبَلَدِهِ الغرفة وَدفن بهَا رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد الهادى بن عبد الرَّحْمَن بن أَحْمد شهَاب الدّين بن عبد الرَّحْمَن بن على الْمَعْرُوف بِابْن شهَاب الحضرمى الشافعى الصوفى الباهر الطَّرِيقَة ذكره الشلى فى تَارِيخه الذيل وَقَالَ فى تَرْجَمته ولد بتريم وربى فى حجر وَالِده وَحضر دروسه فى الْفِقْه والْحَدِيث وَأخذ عَنهُ الْعُلُوم الشَّرْعِيَّة وَحفظ الْقُرْآن وتفقه بالشيخ مُحَمَّد بن اسمعيل بَافضل وَأخذ التصوف عَن الشَّيْخ عبد الله بن شيخ العيدروس وَعَن غَيره ثمَّ لبس الْخِرْقَة من كثيرين وَأذن لَهُ جمَاعَة من مشايخه بالافتاء والتدريس وأقرأ كثيرا
وتزهد حَتَّى شاع ذكره وقصدته الطّلبَة من الاقطار وانتفع بِهِ جم غفير مِنْهُم وَلَده السَّيِّد الْجَلِيل أَحْمد بن نزيل مَكَّة وسيدى الصنو أَحْمد وَالشَّيْخ عبد الله بن زين بافقيه وَالسَّيِّد على بن عمر فَقِيه وَغَيرهم من الْعلمَاء والادباء ورزق فى الْعِبَادَة أوفر نصيب وَكَانَ جوادا كَرِيمًا حَلِيمًا عفيفا وَكَانَ بَصيرًا بِزَمَانِهِ متواضعا خلوقا عَظِيم الْقدر والهيبة وَله رسائل فى علم التصوف وَكَانَت وَفَاته فى سنة أَرْبَعِينَ وَألف رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد وَتقدم تَمام نسبه فى تَرْجَمَة ابْن أَخِيه ابراهيم بن أَبى الْيمن البترونى الحلبى مفتى الْحَنَفِيَّة بحلب وَيعرف بمفتى الْعقبَة لسكناه فى محلّة الْعقبَة كَانَ قَلِيل البضاعة فى الْعلم وَتَوَلَّى الْفَتْوَى وَلم يكن أَهلا لَهَا وَسبب ذَلِك أَن الشَّيْخ فتح الله البيلونى كَانَ كثير الْعَدَاوَة لاخى مُحَمَّد الْكَبِير وَهُوَ أَبُو الْجُود الْمُقدم ذكره وَكَانَ البيلونى مُعْتَقد الْوَزير الاعظم نصوح باشا وَشَيْخه وَاتفقَ أَن مُحَمَّدًا صَاحب التَّرْجَمَة ذهب الى الرّوم لطلب المعاش من قَضَاء أَو غَيره فأنزله البيولنى عِنْده وأكرمه وَقَالَ لَهُ اقْضِ مآربك ثمَّ بعد أَيَّام قَالَ لَهُ قد شفعت لَك عِنْد الْوَزير الاعظم وَأخذت لَك منصبا جَلِيلًا وَلَا أُعْطِيك الاوراق حَتَّى تقطع الْبَحْر وأودعك الى أسكدار وأسلمها لَك فَفعل فَلَمَّا ودعه سلمه مَكْتُوب الْفَتْوَى فَامْتنعَ وَقَالَ أَنا لست أَهلا لذَلِك وَهل يمكننى التَّصَرُّف بهَا مَعَ وجود أخى الشَّيْخ أَبى الْجُود فَقَالَ لَهُ ان لم تقبل أسعى على اهانتك ونفيك فَلم يَسعهُ الا الْقبُول وَلما دخل الى أَخِيه قبل أقدامه وَعرض عَلَيْهِ هَذَا الامر فَقَالَ جعله الله مُبَارَكًا وَأَنا أعلم أَن هَذَا من مكر فتح الله فافعل وَلَا تخَالف فاننا نخشى شَره ثمَّ بعد لم يقبلهَا أَبُو الْجُود وَتصرف بهَا مُدَّة مُحَمَّد ووجهت بعده لاخيهما أَبى الْيمن وَكَانَ أَبُو الْيمن وَمُحَمّد بِمَنْزِلَة الخدام عِنْد أخيهما الْكَبِير أَبُو الْجُود الْمَذْكُور وَكَانَت وَفَاة مُحَمَّد فى سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَألف
مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن على بن مُوسَى بن خضر الخيارى المدنى الشافعى الاديب الاريب اللوذعى نَشأ وَحفظ الْقُرْآن وَأخذ بِالْمَدِينَةِ عَمَّن بهَا من الْعلمَاء الاعيان ورحل الى مصر وَالشَّام وَالروم وَكَانَ ينظم الشّعْر وَله شعر وسط مِنْهُ قَوْله بمدح شيخ الاسلام يحيى المنقارى مفتى الرّوم
(فى كل قطر حَيْثُ ذكرك ينشر
…
يَبْدُو الثَّنَاء عَلَيْك مسك أذفر)
(وتود أَرْبَاب الْمقَام بِأَنَّهَا
…
من ترب نعلك دَائِما تتعطر)
(شرفت بك الايام حَتَّى أَنَّهَا
…
ودت تراك الماضيات الاعصر)
(وأتى الزَّمَان اليك عبدا طَائِعا
…
يصغى لما تنهاه عَنهُ وتأمر)
(وَقد اقتصرت على مديح جنابكم
…
اذ مدح خير الْخلق فِيكُم أكبر)
(فى قَوْله الْعلمَاء وَرَثَة قد كفى
…
الصَّادِق المصدوق فِيمَا يخبر)
(واذا أردْت بِأَن أصوغ مدائحا
…
فِيكُم فانى مَا حييت مقصر)
(من أجل هَذَا قَالَ قبلى من مضى
…
بَيْتا وَذَاكَ الْبَيْت فِيكُم أشهر)
(وعَلى تفنن واصفيه بحسنه
…
يفنى الزَّمَان وَفِيه مَالا يحصر)
(فاليك يَا مولاى صغت دراريا
…
تهدى اليك وَأَيْنَ مِنْهَا الْجَوْهَر)
(ضمنتها أوصافك الغر الَّتِى
…
مَا شامها الثَّقَلَان الا كبروا)
(لَا ترتجى الا الْقبُول اجازة
…
واجازة الشُّعَرَاء أَبيض أصفر) 5 وَكَانَت وِلَادَته فى شعْبَان سنة أَرْبَعِينَ وَألف وَتوفى بِالْمَدِينَةِ فى شهر رَمَضَان سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَألف وَدفن بِالبَقِيعِ رَحمَه الله تَعَالَى
مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم بن مُحَمَّد قاضى الْعَسْكَر بن الْمُفْتى عبد الرَّحِيم الْمُقدم ذكره صدر الرّوم ورئيسها وواحدها فى الْفضل والمعرفة وَكَانَ فَاضلا كَامِلا مطلعا على الاشعار الْعَرَبيَّة مائلا اليها أديبا لَهُ طبيعة مطيعة وفطنة قويمة صَاحب همة وجاه عريض صَاحب رابطة متقنة جوالا بِالْحَقِّ بَرِيئًا من الرِّيَاء والمداهنة صافى المشرب حسن الشكل جَريا فى الْكَلَام حكى لى بعض الاخوان من الروميين انه ذكر عِنْد المترجم ثَلَاثَة من الْقُضَاة الْكِبَار فى زَمَانه كَانُوا معروفين بالجور وَتَنَاول الرِّشْوَة فَقَالَ ان ولانى الله تَعَالَى أَمرهم صلبت مِنْهُم فلَانا فى مَكَان كَذَا وَفُلَانًا فى محلّة الْيَهُود وَفُلَانًا فى محلّة النَّصَارَى فَبلغ أحدهم مَا قَالَه فَذهب اليه يستفسر مِنْهُ فى زى متعتب فَقَالَ لَهُ كَيفَ سَمِعت مقالتى قَالَ بلغنى أَنَّك قلت ان وليت حكمه صلبته فى محلّة النَّصَارَى قَالَ انما قلت عَنْك أصلبه فى محلّة الْيَهُود لَان شهرتك بالجور فَوق ذَيْنك الشخصين وَله من هَذَا الْقَبِيل أَشْيَاء أخر وَهُوَ أحد من أَخذ عَن أَبِيه الْعُلُوم ولازم من الْمُفْتى أَبى سعيد وسافر فى خدمَة وَالِده الى يكى شهر لما ولى قضاءها ثمَّ درس بمدارس قسطنطينية الى أَن وصل الى مدرسة وَالِدَة السُّلْطَان مُرَاد فاتح بَغْدَاد وَولى مِنْهَا قَضَاء الغلطة وَكَانَ وَالِده اذ ذَاك مفتيا فَعظم شَأْنه وراجعته النَّاس فى مهماتهم وَلما عزل أَبوهُ عَن الْفَتْوَى أَمر بِالْحَجِّ فَكَانَ مَعَه وَأعْطى رُتْبَة قَضَاء
دَار الْخلَافَة وحجا وعادا من طَرِيق مصر ثمَّ رجعا الى دمشق فَوجه الى وَالِده قَضَاء الْقُدس وَتوجه مَعَه اليها وَأقَام بهَا مُدَّة يسيرَة ثمَّ سَافر الى الرّوم وَولى قَضَاء دَار الْخلَافَة وعزل عَنْهَا فَأعْطى قَضَاء بعض القصبات وَأمر بِالْمَسِيرِ اليها فَأَقَامَ بهَا مِقْدَار نصف سنة ثمَّ اسْتَأْذن فى الذّهاب الى دَار الْملك فَأذن لَهُ ثمَّ ولى قَضَاء الْعَسْكَر بِأَنا طولى فى سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَألف وَاسْتمرّ مُدَّة طَوِيلَة وَأَقْبل عَلَيْهِ الصَّدْر الاعظم الكوبريلى لما رأى من تصلبه واستقامته ثمَّ عزل وَولى بعد ذَلِك قَضَاء الْعَسْكَر بروم ايلى فى سنة خمس وَسبعين والف ثمَّ عزل وَأعْطى قَضَاء اسكدار ثمَّ وَجه اليه قَضَاء روم ايلى مرّة ثَانِيَة وَكَانَ السُّلْطَان مُحَمَّد يَوْمئِذٍ بِمَدِينَة سلانيك فَتوجه اليها ودخلها منحرف المزاج فَلم يلبث كثيرا حَتَّى توفى وَكَانَت وَفَاته فى آخر سنة ثَمَانِينَ وَألف وَدفن بهَا وَولى مَكَانَهُ الْعَالم الْعلم الْمولى مصطفى الْمَعْرُوف بضحكى فَقَالَ شَيخنَا ابراهيم الخيارى المدنى يرثيه وَكَانَ اذ ذَاك بسلانيك
(ان ابْن عبد الرَّحِيم قاضى
…
عَسَاكِر الرّوم دون شكّ)
(رمته عَن قوسها المنايا
…
بِكُل سهم عَظِيم شكّ)
(وَقد أُصِيبَت بِهِ البرايا
…
فَكل عين عَلَيْهِ تبكى)
(مذعمهم غمهم عَلَيْهِ
…
أبدلتهم رَبنَا بضحكى)
تمّ الْجُزْء الثَّالِث من خُلَاصَة الاثر فى أَعْيَان الْقرن الحادى عشر ويليه الْجُزْء الرَّابِع أَوله مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد بن حسن جَان