الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: كلمة عن السيرة
يقول بعض الباحثين (1) : "تسلسل مدلول "السيرة" اللغوي من (المسلك) أو (طريقة الحياة) . والمعنيان يعدان تطورا طبيعيا للأصل سير أي (سلك) أو (ذهب في الأرض) . وفي القرآن الكريم نجد الكلمة قد وردت في موضع واحد (في سورة طه في الآية 21) : {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى، قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} .
فدلت من خلال سياقها في الآية الكريمة على الهيئة والحالة. والذي استقر عليه الاصطلاح في العصور المتأخرة هو: تسليط الضوء على حياة شخص ما من يوم مولده إلى يوم وفاته، مع قراءة شخصيته على ضوء الأحداث التي مر بها.
وإذا كان الجميع – تقريبا – يتفق على هذا القدر من التعريف لمعنى "السيرة" فإن هناك وجهات نظر متعددة تتعلق بتفاصيل هذا المضمون المعرفي
…
فأول ما يثار حوله مِنْ تساؤلات: أية تسمية هي الأوفق
(1) الأستاذة مهدية أمنوح في بحث لها لم ينشر بعد تحت عنوان: "بين الإقصاء والإثبات: قراءة في كتابات إسبانية عن السيرة النبوية"؛ إحسان عباس، فن السيرة، بيروت، دار الثقافة، 1956م، عبد المتعال محمد الجبري، السيرة النبوية وأوهام المستشرقين، القاهرة مكتبة وهبة، 1988م.
"السيرة" أم "الترجمة"؟.. وتساؤل آخر يتعلق بطبيعتها: أين يجب تصنيفها؟
يقول إحسان عباس في كتابه فن السيرة (1)" ففي أحضان التاريخ إذن نشأت السيرة وترعرعت، واتخذت سمتا واضحا، وتأثرت بمفهومات الناس عنه على مر العصور، وتشكلت بحسب تلك المفهمومات، فكانت تسجيلا للأعمال والأحداث والحروب المتصلة بالملوك عند الصينيين والمصريين والأشوريين".
وهناك مقولة أخرى للباحث محمد بيومي مهران (2) : "ولا ريب في أن الدراسات التي تبحث في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه، إنما هي من أعلى الكتابات منزلة، وأكرمها موضوعاً، وأحلاها أخباراً، وأنداها على القلوب المؤمنة روحاً وذكراً، وقد فطن لذلك الحافظ الذهبي فأنزلها المنزلة التي تليق بها، عندما أخذ في تصنيف المؤلفات التاريخية، وما تنطوي عليه من فنون، فأعطى فن السيرة الأولوية في تصنيفه الذي عدد فيه أربعة فنون، تنتهي في موضوعها إلى علم التاريخ، وتدخل في حيز المؤلفات التاريخية".
صحيح أن السيرة - عموماً - قد ابتعدت عن هذا الأصل التاريخي، حين أصبحت غايتها تعليمية أو أخلاقية، ولكن الطابع الغالب على
(1) إحسان عباس: فن السيرة: بيروت، دار الثقافة، 1956م، ص9.
(2)
محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة، بيروت، دار النهضة العربية، 1990م، ص9.
السيرة هو ذلك الفضاء التاريخي الذي يعرض للفرد في نطاق المجتمع، ويعرض الأعمال الجليلة التي قام بها والتي تكون سببا في تغيير مجتمع ما.
وإذا ما أردنا أن نربط موضوع السيرة بسيرة خير رسول، فإن المرء يجزم أن السيرة النبوية جزء لا يتجزأ من تاريخ الأمة بل البشرية كلها. نحن نميل إذن مع رأي بعض الباحثين (أمينة الصاوي وعبد العزيز شرف ومحمد عبد المنعم خفاجي)(1) في أن السيرة النبوية تلخص لنا فترة زاهرة من تاريخ الأمة الإسلامية، بل هي منبع تاريخ الإنسانية كلها. ونضيف إلى ذلك كلمة الشيخ محمد علي الحركان (2) الذي قال:"وسيرته صلى الله عليه وسلم هي أقواله وأفعاله وأخلاقه الكريمة وهي الرسالة التي حملها الرسول الكريم إلى المجتمع البشري"(3) .
وقد كان محمد بن مسلم بن شهاب الزهري أول من استعمل كلمة "سيرة" وقصد بها حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وتتلمذ على يديه كل من موسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق والحق كما ذكر بعض الباحثين (4)"أن فضل هؤلاء الثلاثة لا ينكر على السيرة النبوية".
(1) أمينة الصاوي، وعبد العزيز شرف ومحمد عبد المنعم خفاجي، السيرة النبوية والإعلام الإسلامي، مكتبة مصر (بدون سنة) .
(2)
صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم، 1996 م، دار المؤيد، ص، 5.
(3)
نفس المصدر، ص، 15.
(4)
أمينة الصاوي وعبد العزيز شرف ومحمد عبد المنعم خفاجي، السيرة النبوية والإعلام الإسلامي، مكتبة مصر (بدون سنة) ، ص356 وأيضا محمد بيومي مهران في الصفحات 38-42.