الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني: القرن العشرين قرن الاهتمام بالسيرة:
1-
دراسات أنجزت في أمريكا الجنوبية:
في سنة 1990م أصدرت دار النشر Editorial de Ciencias Sociales la Habana كتابا تحت عنوان محمد والعرب (1) لكاتبه Waldo Dias Garcia وقد كان الكتاب مليئا بالمغالطات والسب والقذف والنيل من شخص رسولنا صلى الله عليه وسلم. ويعد الكتاب نموذجا للكتابات غير العقلانية. ففي الصفحة (135) يقول الكاتب: "إن النبي ترعرع في وسط يسوده الشرك بالله، وبتأثير من اليهودية والنصرانية استطاع أن يصل إلى حقيقة وجود إله واحد". وتحت عنوان اليهودية والنصرانية في شخص محمد قال الكاتب: "عن طريق تأثره بالمسيحية والنصرانية تأكد للنبي صلى الله عليه وسلم ما يلي:
1-
وجود إله واحد عليم لا شريك له (إله النصارى ـ على حد قوله ـ يؤمن بالثالوث ولكنه في الأصل إله واحد) .
2-
أن الله خلق السموات والأرض والإنسان.
3-
أن الإنسان عند موته سيكون مآله إما إلى الجنة في حال إيمانه، أو إلى النار في حال جحوده.
(1) Waldo Diaz Garcia، Mahoma y los arabes، Editorial de Ciencias
.، p Sociales la Habana،
4-
أن الملائكة خلائق موجودة.
5-
تجنب النجاسات في اللباس عندما يكون العبد في اتصال مع الله. (ص 138) .
ماذا يقصد الكاتب بكل هذه العبارات؟ يود Diaz Garcia إيصال فكرة واضحة المعالم: وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ عن اليهود والنصارى. إن الكاتب لم يقرأ نبوات عيسى وموسى عليهما السلام. يعقب محمد رضا على مثل هذه الأقاويل الكاذبة بنصوص قطعية مستمدة من التوراة والإنجيل: فعيسى عليه السلام يقول: (إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي، وأنا أطلب من الآب، فيعطيكم فارقليطا آخر ليمكث معكم إلى الأبد. روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم وفيكم)(1) .
وجاء في وصية موسى عليه السلام (جاء الرب من سيناء، وأشرق من ساعير، واستعلن من فاران ومعه ألوف الأطهار في يمينه سنة من نار. أحب الشعوب جميع الأطهار بيده والذين يقتربون من رجليه يقبلون من تعليمه) ويضيف محمد رضا أيضا: إن الله سبحانه وتعالى أخبر أن عيسى عليه السلام بشر بالصادق الأمين في سورة الصف: {وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف:6] . إن عيسى وموسى عليهما السلام براء
(1) محمد رضا، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بيروت، دار الكتب العلمية، ص 55.
من هذه الأكاذيب وإنه صلى الله عليه وسلم لم يقرأ ولم يكتب قط في حياته كما قلنا في دراسة فائتة:
" إنه مما لا شك فيه أن القرآن الكريم نزل على خير من طلعت عليه الشمس صلى الله عليه وسلم وقد كان الحبيب أميا ودليلنا آيات كثيرة من آي القرآن منها الآيتان (157-158) من سورة الأعراف. وقد أكد الطبيب موريس بوكاي أنه في "كل مرة يتم فيها التأكيد أمام علماء الغرب على هذه الصفة في شخصية محمد، مقارنة بالقيمة الأدبية الرفيعة للقرآن، يثير هذا اهتماما كبيرا مما يبين استحالة أن يكون النبي هو مؤلف القرآن على عكس ما يزعمون في كثير من الأحيان في الغرب. فإذا لم تترجم كلمة أمي إلى Illiterate وإلى كلمة مماثلة فإن هذه الصفة الأساسية من صفات النبي يتم إخفاؤها". وقد حذا المترجمون الإسبان حذو المترجمين الأوروبيين الذين أبوا إلا أن يخفوا حقيقة ثابتة في القرآن والسنة. هذه الترجمة gentiles التي تعني كما قال الطبيب "نبي الوثنيين" تدل على غياب النزاهة العلمية عند هؤلاء المترجمين وغلبة الفكر التعصبي الذي لن يؤدي إلا إلى المزيد من التباعد بين المسلمين وغيرهم لأن هذا "الخطأ" الفادح يؤدي إلى المساس بجوهر الرسالة والإيمان بها"
…
وقبل أن نغلق باب هذا الموضوع الخطير لا بد أن نشير إلى الشروحات والتفسيرات التي يعطيها أبناء جلدتنا قاصدين من ورائها النيل من الإسلام والمسلمين. هؤلاء - للأسف الشديد - نثق بهم وهم يسقوننا سُمًّا مازجين معه العسل.
يقول محمد شحرور في كتابه "الكتاب والقرآن"(1)"إن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً، ولكنه يعرف الكتابة والقراءة". أمي بالنسبة لهذا القائل تعني الإنسان الجاهل بكتب النصارى واليهود. وأيضاً الإنسان الذي لا ينتمي لهاتين الفئتين، فالمهندس والطبيب والمحامي إذا لم يكونوا يهوداً أو نصارى يعدون من الأميين.
فالنبي إذن كان عربيا ولا يعرف كتب أهل الكتاب فهو إذن ليس أميا. هذا التحليل المسموم لقي إقبالاً وترحاباً كبيرا من طرف المستشرقين الذين أصبحوا يعتمدون عليه للرد على أقوال المسلمين " (2) .
إضافة إلى ما سردناه سابقا نقرأ في كتاب "محمد والعرب" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغير بعض الحقائق طبقا للفترة الزمنية التي يعيش فيها: فآيات خلق الإنسان تتغير ويعاد فيها النظر تباعا ودليله ما يأتي: في سورة العلق [الآية: 2] يقول الله تعالى: {خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} في سورة الطارق [الآية: 6،7] تغير المفهوم وأصبح كالآتي {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} وفي سورة القيامة [الآية: 37-38] نجد مفهوما آخر على حد تعبيره {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى، ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} وفي سورة الحجر [الآية: 28] يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ
(1) شحرور محمد، الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة، دمشق، 1994م، ص 139-143.
(2)
محمد برادة، "دراسة ترجمات القرآن الكريم إلى اللغة الإسبانية"، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، 2002، ص.
لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ} {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} فكل هذه الآيات في نظره متناقضة ولا انسجام بينها. وقد تغافل كغيره من الباحثين عن أسباب النزول والتفريق بين الآيات المكية والمدنية، ولا أظنه قرأ القرآن أصلا، وإنما أخذ هذه الأفكار من مفكرين سبقوه كويل وبلاشير ونلدكي وغيرهم من أساتذة نشر البهتان والمعلومات الخاطئة.
وتحت عنوان "الصراع الديني"، ويقصد به غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيه:"لم يقبل اليهود بالدين الجديد، ولم يعتنقوا الإسلام، مما جعلهم يخيبون آمال الرسول، واليهود أيضا تأكدوا من أن الرسول لن يتبع ملتهم. لقد صبر اليهود كثيرا على المسلمين وبعد ذلك دخلوا في صراع معهم. فنعتوا النبي بالكاذب ولم يصدقوا أن الآيات والسور التي تتحدث عن أنبياء بني إسرائيل تنزل من عند الله، وبخاصة السور التي تتكلم على سيدنا موسى وإبراهيم عليهما السلام وأضافوا أن القرآن مليء بالأكاذيب والأخطاء "(ص 161) . وتكلم أيضا على استعمار مكة عوض فتح مكة (ص 189) . أما عن رجوع النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفتح إلى المدينة فقد قال فيه:" فقد كانت (العودة) لخوفه من المسلمين الجدد في مكة فهو ليس في أمان؛ ولهذا لابد له من العودة إلى المدينة للعيش مع الأمناء والمؤمنين حقاً، وأيضاً من أجل نشر الإسلام بين القبائل الأخرى".
أما موته صلى الله عليه وسلم فيقول فيه: إن عمر بن الخطاب أخبر الصحابة بوفاته مذكرا إياهم بالآية التالية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144] .
وأكد في كتابه أن الناس رجعوا إلى عاداتهم الجاهلية، وأن المهاجرين بحكم حسدهم لابد سيفرضون وجهة نظرهم لاختيار الخليفة منهم.
إن المستشرقين الإسبان واللاتينيين يرغبون بكل الوسائل في إيقاف نشر هذا الدين، ويركزون على الهجوم عليه في شخص رسوله، دون إعطاء أي دليل علمي لذلك. فكل دارس للسيرة العطرة يعرف أن أبا بكر هو الذي قال قولته المشهورة:"من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت". فعمر كما نعلم أراد أن يقتل من يشيع خبر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد أبا بكر يذكِّره بالآية التي سردناها من آل عمران. أما خليفة المسلمين فكلنا يعلم أن أبا بكر كان الأحق بها، ولاسيما أنه رفيق الحبيب في الغار، بل الأكثر من هذا أمره بالصلاة عندما كان مريضاً في آخر حياته. فكيف لا يرضى المسلمون بأبي بكر ليسير لهم أمور دنياهم وقد رضيه لهم النبي صلى الله عليه وسلم إماماً؟
أما عيش النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة خوفا من بطش أهل مكة فلنعد أولاً لما كتبه المباركفوري (1) الذي قال: "ولما تم فتح مكة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) صفي الرحمن المباركفوري: الرحيق المختوم، 1996م، دار المؤيد، ص408.
-وهي بلده ووطنه ومولده– قال الأنصار فيما بينهم: أترون رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فتح الله عليه أرضه وبلده أن يقيم بها – وهو يدعو على الصفا رافعا يديه – فلما فرغ من دعائه قال: " ماذا قلتم؟ " قالوا: لا شيء يا رسول الله، فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" معاذ الله المحيا محياكم، والممات مماتكم". إضافة إلى ما قلنا فالنبي صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاث عشرة سنة وكان معه مجموعة قليلة من الصحابة، أما الآن وبعد فتح مكة فالمسلمون كثر، والدولة قوية، والعدل موجود، والأمان أيضاً، فكيف ستسول نفس هذا الإنسان له أن ينوي القيام بهذا الفعل وهو يعلم العواقب الوخيمة لهذا الجرم.
أما كنسينس (1) Cansinos الذي ألف كتابا تحت عنوان "محمد والقرآن" فقد فاق دياز في الكذب والبهتان والتهجم على شخص النبي صلى الله عليه وسلم وبالإمكان محاكمته خائناً في مجال البحث العلمي ومغير لحقائق تاريخية واضحة وموثقة بالتواتر. يقول كنسينس "إن سيرة محمد كسيرة الرجال الكبار من أمثال موسى وبوذا تظهر عليها غمامات ونوع من الغموض والظلامية. وهذا راجع إلى غياب الكتابات المعاصرة، للتناقضات التي حوكمت بها تصرفاته " ثم يضيف كلاما يجرح شعور كل مسلم: "بداية أود أن أقول: إننا نتكلم على إنسان مصطنع، يريد خدع الآخرين
(1) Cansinos-assens، Rafael، Mahoma y el Koran (biografia critica del profeta y estudio y version de su mensaje، Bell، Buenos Aires.
بأهداف باطلة وطموحات شخصية ومع ذلك يناقش الناس القيمة الحقيقية لمؤلفه. هل هو فعلا عبقري؟ " (ص: 35) .
كل صفحات الكتاب منها طعنات قوية تُسيل دماء ضعاف العلم، وتجعل القارئ الإسباني أمام وابل من المعلومات الخاطئة، ونقد لاذع لسيرة خير البشر. إنَّه عندما تحدث عن مولده صلى الله عليه وسلم ابتداء من الصفحة (44) قال: بأن طفولته مأخوذة من كتب مؤسسي الديانات الجديدة، فمولده كان في سنة معجزات: عام الفيل، قصة أمير الحبشة
…
كان النبي فقيرا، ولكن عائلته محترمة حتى يذكر مع نسبه العريق، وفي الوقت نفسه يكون له أتباع فقراء شأن الأنبياء. فمحمد ليس أميراً ولكنه بنسبه أنبل منهم. هذه ترهات مأخوذة من كتب مختلفة هدفها واضح كوضوح النهار. لقد خاض الكاتب في بحر عميق دون معرفة سابقة بفن السباحة، وبعد نهاية كتابة مقالاته غرق ولم يذكر في التاريخ إلا بعدم معرفته بالسباحة. أما ما ألفه فترك لينتقده الباحثون. لقد خاض أثناء سباحته في موضوع مقارنة الأنبياء الذين سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم. فكلهم مُفَضَّلون عليه. أما عيسى فله رسالة سماوية لكل العالم، وهو ليس رسول الله، بل هو ابن الله. ثم يضيف في ص (167) إن محمدا هو مسيح العرب أنشأ لهم دينا، وفرضه عليهم، فهو إذن رسول عرقي étnico.
لقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة ناسخا بشريعته الشرائع الأخرى، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [سبأ: 28] ، وقد كان صلى الله عليه وسلم يبلغ عن ربه مرشدا إلى
الحق وهاديا إلى طريق مستقيم. وما كان الحبيب بدعا من الرسل؛ وإنما جاء لإتمام البناء، فهو اللبنة وهو خاتم النبيين، كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد ردَّ القرآن على مزاعم "مشايخ" Cansinos حينما قال:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الأحقاف: 9] .
وفي (ص 78) يقول الكاتب إن "اليهود دخلوا في الإسلام لأنهم اعتقدوا أن النبي هو المسيح المنتظر، فدخل بعضهم في الدين الجديد ولكن أغلبيتهم رفضوا حتى يتأكدوا من صدق نبوته، فقبل النبي لأنه فكر كرجل استراتيجي، ولكنه فرض عليهم ضريبة للبقاء على دينهم. ولكن بعد مرور العام الأول بدأ يفكر فيهم ويعاديهم حتى يؤمنوا بدينه. وقد طلبوا منه مراراً وتكراراً معجزة من السماء فرفض كما رفض في مكة فولى اليهود ظهورهم ولم يتبعوه. وبعد رفضهم هذا أخذ النبي يتخذ قرارات جذرية radicales فأمر بتغيير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة بمكة ثم أذاع نشر سورة البقرة (لم تنزل في نظره) التي تفضل مكة على القدس. بعدها فرض ثلاث صلوات يومية ثم أرجعها خمسا وتباعا فرض الحج إلى مكة وصوم رمضان عوض اليوم العبراني yom kippur وختم كل هذا بالزكاة ملغيا كل الصدقات التي كانت من قبل
…
وفي قرآنه تناقضات منها مثلا: أن اليهود والنصارى والصابئين سيكونون من الناجين يوم القيامة، وفي أخرى يقول العكس. ويرجع تغيير العبارات في القرآن إلى حالة النبي النفسية، فكان في مكة مثلا يعطي عبارات عامة أما في المدينة فهو يتحدث كرئيس وقائد يعطي أوامر وقوانين ".
إضافة إلى هذه الكهانة والختل فهو يشير إلى أن دراسة السيرة النبوية تعني مرورك بألغام، ولا بد إذن من التأني والتفكير جيدا قبل كتابة أي شيء. نتخيل جيدا لو أن Cansinos لم يفكر جيدا قبل كتابته فيما كتب ما كان علينا إلا أن نشتري كل كتبه ونحرقها قبل أن تحرق قلوب إسبان أبرياء اطلعوا على سيرته، وظنوها المثال المقتدى به في العلم والتعلم.
2.
دراسات أنجزت في إسبانيا:
تقول مهدية أمنوح: " إذا ما قرأنا هذه المصادر بحسب تتابعها الزمني نلاحظ أن الهاجس الديني والتاريخي قد طغى على المؤلفات الأولى على خلاف المتأخرة التي سوف يأطرها الغلاف الفكري على نحو أدق.
وبعد هذا ما هو الشيء الذي يهمنا من هذه الأعمال التي عبرت عنها بـ "كتابات إسبانية"؟ إن المبحوث عنه قي هذه المادة المعرفية هو ملامح صورة معينة وموقع عنصر خاص جدا. فالبحث عن الملامح هو تحديد لحقيقة الشيء المدروس، أما البحث عن الموقع فهو ضبط للموقف تجاه المدروس. إذن فتسليط الضوء على نقطتين من هذه الدرجة: حقيقة وموقف يستحضر مجموعة من العلاقات المتشابكة فيما بينها.
فنحن إزاء ثنائية موقفية تستتبع أو تعكس ثنائية أخرى من طبيعة أكثر تعقيدا وإشكالا.
وبمعنى آخر نركز هنا على إشكالية قراءة الآخر (كتابات إسبانية) لنسيج تاريخي ليس منها وليست منه هو سيرة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم. ومن المعروف عند الجميع أن مخاطرات معرفية من هذا القبيل تستلزم شروطا منهجية – معرفية قاسية جدا حتى تتحقق لها صفة العلمية، وإلا كانت ضربا من العبث الذي تراكم عبر قرون في سجل علاقة الذات بالآخر والتي تمثلها ظاهرة " الاستشراق" في أجلى صورة ممكنة.
ونفوراً من هذا الاصطلاح المثقل بتبعات معرفية – أيديولوجية – سياسية..ارتأيت أن أعبر بـ"كتابات إسبانية" (وقد يدخل فيها المترجَم
من لغات أخرى والمكتوب بهذه اللغة من قبل باحثين غير إسبان) . كي لا أدخل في حديث شائك كله متاهات ومناقضات.
وهذا لا يعني أن الإسبان لم يساهموا في بناء هرم الاستشراق، بل كانوا من الأوائل السباقين إلى التعامل مع الدراسات الإسلامية بشكل خاص بهم."
إن العثور على كتب أنجزها باحثون إسبان يكاد يكون أمراً مستحيلاً ومردُّ ذلك في نظرنا إلى بعض الباحثين الذين لا يرغبون في ذكر الماضي العربي الإسلامي في الأندلس. وقد لاحظنا هذه السنة (2003) مجموعة من الاحتجاجات على بناء مسجد غرناطة؛ وذلك بسبب التخوف من إعادة الذاكرة إلى الوراء. وقد علقت القناة الخامسة الإسبانية على حدث الافتتاح قائلة: بالرغم من تشييد هذه المعلمة لا يزال هناك الشيء الكثير لكي يعود الإسلام إلى الأندلس. كل هذه هواجس نفسية يعيشها بعضهم ناسين بأن التعايش الذي ساد الأندلس يُضْرب به المثل وأيضا –كما قال غيتيسولو: "لم يكن لإسبانيا ذكر في التاريخ، لولا وجود الإسلام على أرض الأندلس".
بعد بحث مستمر في مكتبات شتى عثرنا على كتاب كامل شامل يتحدث عن سيرة الحبيب المصطفى وقد نشر في سنة (1926) تحت
عنوان محمد حياته والقرآن (1) لمؤلفه منترو بدال. الكتاب في مجلدين، وتطرق الكاتب فيهما لحياة خير البشر، ولتاريخ خير كتاب أنزل من فوق سبع سموات ومضمونه.
يقول الكاتب في المجلد الأول ص 255 "كاد حدث الإسراء والمعراج يقضي على دعوة الرسول، فكان أبو بكر هو المنقذ للرسول من صخب قريش واستهوائها". ثم يضيف "بفضل أبي بكر كما قلنا (كان قد ذكر الحدث في صفحات سابقة) وتعقل الرسول عندما حذف هذه القصة (الإسراء والمعراج) من القرآن الكريم وقد عدَّها رؤيا رآها، بفضل كل هذا استطاع تفادي الخطر (نهايته) ".
وفي صفحات لاحقة تكلم على إجماع كفار قريش على قتل النبي صلى الله عليه وسلم وعزا الفشل الفاحش لكفار قريش إلى انتشار الخبر بين أهل مكة ويضيف ساخرا "وهناك من يقول: إنه أتاه الخبر من السماء فنُجي بفضل العناية الربانية" ولكي نرد عليه نرجع إلى ((كتاب الرحيق المختوم)) ص (163) لنقرأ ما يلي: "ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، واخترق صفوفهم، وأخذ حفنة من البطحاء فجعل يذرها على رؤوسهم، وقد أخذ الله أبصارهم عنه فلا يرونه، وهو يتلو:{وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ} [يس:9] ألم تكن فعلا عناية الله سبحانه
(1) Montero Vidal، José de، Mahoma su vida y el Coran، Madrid، Reus،.
وتعالى؟ ولماذا يستهزئ هؤلاء من هذه الأخبار الصحيحة؟ ولماذا لم يأخذوا السيرة من منبعها؟ لماذا لا نترجم الكتب الإسلامية من العربية؟ لماذا ننقل الكتب الأخرى من أصولها؟ ألأنهم لا يعرفون العربية أم لغرض في نفوسهم قضوه؟
وفي المجلد الثاني تحدث عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم وحلمه وتواضعه ومعاملاته مع أزواجه وبناته وحفدته والأطفال الصغار وقد كان الكاتب موضوعيا -نسبيا- في كثير من الأمور. فقال في (ص232) "كان محمد يجلس على الأرض، وكان يصلح ويرفو ثوبه بيديه، وكان يشعل النار ويكنس بيته ويقضي حوائجه بنفسه
…
كانت الألوان المفضلة لديه الأبيض والأخضر، وكان لا يلبس الأحمر والأصفر إلا أثناء الحروب، كان يرتدي أجمل اللباس يوم الجمعة، وكان دائما يتصدق بملابسه القديمة".
قال أيضا في ص 234 بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأكل حتى يسمي الله وكان يأكل بيده اليمنى ويحث أصحابه على ذلك ويوصيهم بعدم ترك الطعام ولعق الصحن في الأخير.
وكان محمد صلى الله عليه وسلم يحب المساكين والفقراء ويحسن إليهم وخاصة أهل الصفة. فقد كان ينادي أحدهم للأكل معه ويرسل الآخرين إلى أصحابه. كان أيضا يحسن إلى الأطفال الصغار: "استقبله ذات يوم عبد الله بن جعفر وحفيداه الحسن والحسين، فحملهم على الجمل حتى دخلوا المدينة
…
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي فجلس الحسين على ظهره، فانتظر حتى نزل الصبي".
بالإضافة إلى هذا ذكر الكاتب سؤال النبي عن أهله كل يوم، وكان يقول:"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" وكان صلى الله عليه وسلم لا يفرق بين أحد من أصحابه، فلم يميز يوما بين عربي وعجمي ولا أبيض ولا أسود ولا ضعيف ولا فقير ولا غني ولا قوي فكان ميزانه عادلا لا يغلبه إلا الحق (ص 239) .
أما زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول فيهن الكاتب: "كان لمحمد خمس عشرة امرأة، وتوفي عن تسع، عائشة وحفصة وسودة وزينب وميمونة وأم حبيبة وصفية وجويرية وأم سلمة" أما الملاحظات التي استقيناها من بحثه فهي كما يلي:
1-
أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج من زينب لافتتانه بها.
2-
لا يُسمَّى كل نساء النبي بأمهات المؤمنين فقد تحدث فقط عن عائشة وخديجة رضي الله عنهما.
3-
أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة جارية منهن:
ريحانة بنت عمرو يهودية من قريش، ذات جمال فتان عاشت معه طوال حياته ولم يعتقها إلا عند موته، كما فعل مع باقي الجاريات. ويضيف لاحقا "هناك من يقول إنه تزوجها عندما أسلمت"(ص 252) .
لقد خاض المستشرقون في موضوع التعدد، وكتبوا فيه ما شاؤوا آملين في الوصول إلى النتيجة التي يرغبون فيها، وهي شهوانيته، وحاشى لله أن يكون الأمر كذلك، ودليلنا ما يلي:
1-
أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج قط على خديجة كما نعلم، وكان سنها يناهز الأربعين.
2-
أن زواجه الأول كان في عنفوان شبابه، ولو كان كما قالوا لتزوج من شاء.
3-
لم يكن الرسول في راحة طوال حياته الدعوية، فقد كان في جهاد مستمر، ولا وقت له للتفكير فيما يظنه أهل الغرب.
4-
كان زواجه صلى الله عليه وسلم لحكمة أرادها الباري تعالى: فمثلا تزوج سودة لكون زوجها توفي عند عودته من هجرته إلى الحبشة. وزوجه الله زينب بنت جحش لإبطال عادة التبني ونسخ تحريم الزواج بامرأة المتبني.
5-
كان لجل الأنبياء نساء كثر، فلماذا يميزون بين الأنبياء؟
إن كتاب Montero Vidal فيه مجموعة من المعلومات المفيدة، استاقها الكاتب من منابع أصلية، ولكنه لم ينس قط هدفه من وراء كتابة هذه السيرة، ألا وهي النيل من الإسلام والمسلمين.
ثاني كتاب شامل ألفه (1) Machordom Comins، alvaro سنة (1979) . وهو كذلك مترجم لمعاني القرآن الكريم.
(1) Machordom Comins، alvaro، Muhammad Madrid، Fundamentos،.
تطرق في هذا البحث لأحداث السيرة كما جاءت في أمهات الكتب المهتمة بالموضوع. فتطرق إلى موقع العرب وأقوام العرب والديانات الموجودة هناك. ثم تحدث عن مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم ودعوته سرا وجهارا، وما لاقاه من إيذاء ومعاناة. كل هذا من دون المس بجوهر البحث العلمي. وسأعلق فقط على عنوان كتبه في الصفحة (127) قال فيه: معجزة واحدة: القرآن الكريم. لقد تحدى الحبيب صلى الله عليه وسلم كل أهل مكة، بل كل أهل الأرض أن يأتوا ولو بسورة، بل ذهب أكثر من هذا فطلب منهم الإتيان بعشر آيات، فعجزوا وولَّوا خائبين مدبرين. فجعله الله له معجزة خالدة أبد الآبدين.
ولكن مع هذه المعجزة العظيمة هناك معجزات أخرى للحبيبب منها على سبيل المثال لا الحصر: انشقاق القمر كما قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ} [القمر: 1- 2] . ومنها أيضا نبع الماء بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وأيضا حنين الجذع كما وقع في مسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأيضا إبراء المرضى وذوي العاهات، وإنزال المطر بدعائه وتكثير الطعام في أكثر من موضع كما وقع في غزوة الخندق (1)
…
فهذه كلها معجزات ما وجدناها في كتب السير التي كتبها الإسبان
(1) طه عبد الرؤوف سعد وسعد حسن محمد علي، معجزات النبي وسيرته، مكتبة الصفا، 2002م.
بالإضافة إلى هذين الكتابين اهتم الإسبان بالسيرة عن طريق مقالات أو فصول خاصة بهذا الغرض. وسنعرج للحديث عن بعضها لأن إحصاءها كلها ضرب من الخيال.
أولى هذه البحوث نقرؤها في كتاب تصحيحي (1) ، هدف من خلاله مؤلفه تغيير مفاهيم خاطئة من الكتب المدرسية الإسبانية. ويتضح ذلك جليا من خلال عنوان الكتاب Mahoma y el Islam en los manuales de Bachillerato espanol وقد كانت تكلفة طبع الكتاب على نفقة فاعل خير من المملكة كما كتب المؤلف في المقدمة.
راجع الكاتب حوالي (168) كتابا مدرسيا ليرى إلى أي حد يتوافق ما كتب وما تزود به التلميذ الإسباني مع الحقائق الإسلامية. وخلص إلى ما يلي:
1-
أن الكتب تتحدث عن جزيرة عربية مليئة بالرحل.
2-
أن سكان الجزيرة العربية ينهبون ويقتلون ويثأرون لأنفسهم.
3-
أن محمداً بدأ دعوته من المدينة حيث أسس دولة عوض التقسيمات السياسية بين القبائل.
4-
انتشر الإسلام بحد السيف عن طريق الجهاد guerra santa.
5-
دخل العرب التاريخ عن طريق عبقرية محمد السياسية والدينية.
(1) Darek Nyumba، Grafesa، Mahoma y el Islam en los manuales de bachillerato espanol،.
وقد رد الكاتب على هذه المزاعم وصحح مفاهيم مغلوطة وأفكارا خاطئة لجيل الغد، عسى ألا تبقى مادة التاريخ الإسلامي معلقة وسببا في عدم وجود حوار حقيقي مع الغرب عموما والإسبان خصوصا.
وبعد ذلك بخمس عشرة سنة، نشر مركز التعاون الدولي بمدريد كتابا يحمل بصمات العديد من الباحثين (1) . وقد كان بمنزلة معين للأساتذة على فهم صحيح للإسلام والمسلمين. وهكذا سهر هؤلاء الباحثون على تقديم معلومات للأساتذة، حتى يلقنوا تلامذتهم علما صحيحا يفهمون في ضوئه سيرة الصادق الأمين.
في هذا الكتاب نقرأ أكاذيب تروج بين التلاميذ والطلبة من مثل:
1-
أن القرآن كتبه محمد في إبان دعوته الدينية.
2-
دخول الناس في دين الله أفواجاً.
3-
أن الجهاد ركن من أركان الإسلام. وعلى المسلم نشر الدين بالقوة.
4-
أن العرب كانوا معتادين الحرب. فمعتقداتهم كانت بدائية.
تصدت الباحثة القديرة Gema Martin وآخرين لمثل هذه الأكاذيب ولخصوا إثر ذلك حياة خير البشر. فأشاروا إلى المعاناة التي لاقاها النبي وأصحابه، ولخصوا ركائز الإسلام الخمس. ولا تخلو هذه التصحيحات
(1) Martin Munoz y Otros، El Islam y el mundo arabe gu?a did?ctica para profesores y formadores، Agencia espanola de Cooperaci?n Internacional، Madrid،.
من هفوات: كإرجاع النصر والتمكين لشخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، ناسين أو متناسين رعاية الله تعالى وإرشاده لنبيه.
في سنة (2000) تم نشر أحد أخطر كتب الاستشراق (1) . وقد تعمد فيه الكاتب العنف والتطاول؛ لأنه خرج من قلم خبيث أراد الضرب الموجع، وظن المسكين أن الضربة ستكون قاضية. ولكن لم يستطع إقناع بني جلدته ودخل معهم في عراك سبب له في الأخير عزلة في قسمه بجامعة أوتونما بمدريد في انتظار عزله عن العالم الثقافي إجمالا.
وقد عنون الكتاب بما يلي: Al- Andalus contra Espana: la forja del mito وفيه أماط بنفسه اللثام عن وجهه وأظهر حقيقته العارية. فقد أقحم في هذا الكتاب كل النصوص السلبية في التاريخ ليعزز فكرته القائلة بأن إسبانيا لم تعش أبدا تاريخا عربيا ولا تعايشت مع ديانات أخرى. ولنأخذ مثالاً على ذلك وهو عن الصادق الأمين الذي ظل يرقى – كما قال الغزالي رحمه الله-في مدارج الكمال حتى بلغ شأوا من سناء القلب واللب، وجلال الخلق والعمل لم يعرف لأحد من المستقدمين والمستأخرين. قلت: جمع هذا "الباحث" نصوصاً لتوضيح ما يكن لنبينا من ضغن وإنكار. فقد كتب في ص (41) ما يلي: "في كتاب Primera Cr?nica General نجد نقدا صريحا ومباشرا للإسلام وقد بدأ تدوين
(1) Fanjul Serafin، Al- Andalus contra Espana: la forja del mito، siglo veintiuno،.
الكتاب سنة 1269 إلا أن الفصول المتعلقة بمحمد -كما قال- Menéndez Pidal كتبت بمداد الملك ألفونسو الملقب بالحكيم
…
وتبعا لموقف الكنيسة الكاثوليكية، فألفونسو لا يعترف بذرَّة واحدة من صدق محمد، ولا يقبل حتى تحركه بنية صادقة. إنه النبي الكاذب بكل تأكيد، وإجرامه يتمثل في إنشاء دين يتسم بالإفك".
وفي معرض حديثه عن الإسراء والمعراج لخص ما جاء في كتاب Estoria de Espana حيث عدَّ بعض من الباحثين الحدث كأكذوبة وسخرية واستهتار ونوع من ملء القرآن للفراغ الذي لحقه لغياب قصص عن حياة الرسول.
أما ألفونسو العاشر فقد صوره الكاتب كالعدو اللدود للرسول. وهكذا يعد الحكيم محمدا رجلا كذابا لسببين اثنين: أولهما لكون الملك مسيحياً وثانيهما لكونه ورث عرش الآباء وهو يعي المسؤولية التي على عاتقه، حيث لا بد من معاداة الإسلام والمسلمين ويركز الكاتب على الفترة الزمنية.
وفي كتاب آخر La Primera cronica سرد الكاتب ما ورد من حادثة الإسراء والمعراج. وعرف الأخطاء الكثيرة في الكتاب منها أن النبي غزا دمشق، وأنه (مؤلف La Primera cronica) لا يميز ما بين خديجة وهداية (عمة الرسول) وأن النبي في هذا الظرف الحرج تلقى الوحي واستغله فيما بعد لدعوته.
وفي النهاية قتل محمد شر قتلة مسموماً، ولم يَفِ بوعده بعودته إلى الحياة بعد ثلاثة أيام.
وقد أسس ألفونسو العاشر –على حد تعبير فنخول في مدينة إشبيلية مدرسة لتعلم اللغة اللاتينية والعربية. وقال الكاتب أن مردَّ ذلك هو التفكير المصلحي؛ لأن الأساتذة العرب في ذلك الوقت كانت لهم تخصصات علمية لا يتوفر عليها الإسبان كالطب.
بالإضافة إلى كل هذا هناك سب وقذف ونيل من شخص الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بحث الكاتب عن هذه النصوص وقرأها قراءته الشاذة حتى لا تبقى "أسطورة" التعايش بين الديانات والأجناس، ولاسيما في بلده إسبانيا.
كل هذه الأفكار مدحوضة ومردودة عليه، ودليلنا أن الملك ألفونسو لم يكن فقط مهتما بالتراث الإسلامي بل كان شغوفا به (1) . وقد ساهم في إنجاح مدرسة طليطلة للترجمة، إحدى أهم المدارس في العالم وقد كان يعمل فيها مسلمون ويهود ونصارى. وقد أمر الملك بترجمة التراث الإسلامي بما فيه من فن وأدب وتاريخ
…
أما الكتب التي ذكر Fanjul فهي فعلا تحوي العديد من المغالطات، وفيها سب وقذف للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد انتقدها العديد من الباحثين القدامى والمستحدثين.
(1) للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى:
Barrada، Mohammed، Traducciones del alcoran: lingüistica y estilistica، Tesis doctoral، pp:.
إن Fanjul كان يعيش عزلة لا مثيل لها ولكي يخرج منها وتعود له الأضواء، كما كانت من قبل ارتأى كتابة كتاب لسب الإسلام والمسلمين؛ لأنه هو الوحيد الكفيل بشهرته. فالإسلام أصبح اليوم تجارة يربح من خلاله ذوي الضمائر الميتة قوتا حراما يقدمونه لأفواه المتعلمين والعنصريين.
3-
دراسات مترجمة:
اشتهر الإسبان بترجمة الكتب في القرن الماضي. وعدد الكتب المترجمة في هذا البلد يفوق بكثير ما يترجم في العالم العربي بأسره. فالترجمة أصبحت سلاحا فتاكا في عصرنا الراهن. من جملة الكتب المترجمة مجموعة كتب ومقالات تتحدث عن حياة خير البشر صلى الله عليه وسلم. سنقتصر على ذكر ثلاثة منها وهي كالآتي:
1-
Para comprender las religiones en nuestro tiempo (1)
لكي نفهم الديانات في عصرنا الراهن.
2-
Compendio historico de la vida del falso profeta Mahoma (2) ملخص تاريخي لحياة النبي غير الحقيقي محمد..
3-
Mahoma (3) محمد.
(1) Samuel، Albert، Para comprender las religiones en nuestro tiempo، Navarra، Verbo Divino،.
(2)
DJDT، Compendio historico de la vida del falso profeta Mahoma، Oficina de Don Antonio de Sancha.
(3)
Rodinson، Maxime، mahoma، Biblioteca Eva.
إن من يطلع على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجده ذلك الرجل الكامل بأخلاقه وحلمه وجهاده وعدله. ولكن إذا كان القارئ أعمى فكيف سيرى هذا الكمال وهذا الجمال؟. لقد ترجم الإسبان كتبا للدفع بعجلة الحقد والكراهية إلى الأمام. فترجموا الكتاب الثاني الذي سردناه ولم يوردوا حتى اسم المترجم لغرض في نفوسهم. وقد ترجمه لصدق الانتقادات الموجودة فيه كما ورد في مقدمة المترجم. ولكيلا أطيل كثيراً أسرد خصائص هذا الكتاب:
1-
لم يُذكر النبي في كل الكتاب إلا مصحوباً بالكذاب (falso apostol) .
2-
كون النبي استغل ذكاءه في نشر دينه. فهو إنسان مثل أهل مكة، ولكنه استطاع بفضل قراءته بعض أمثلة الإنجيل التعالي عليهم وقيادتهم.
3-
إعطاء صبغة القداسة للقرآن حتى يثق الناس في صدق نبوته.
4-
عدم انسجام أفكار محمد لعدم تخميره إياها.
5-
الاستهزاء باللغة العربية عدّها دون المستوى.
أما الكتابان الآخران فقد كانا أقل عنفا، ووصف في أحدهما الصادق الأمين بكونه كاهنا، وأنه كان يمر بأزمة نفسية خطيرة. يقول الكاتب:
no sabemos cuando comenzo a retirarse habitualmente en una caverna de la colina de Hira a pocos quilometros al noreste de Macca، una de esas montanas aridas y desnudas، de fealdad absoluta، con matices sucios o monotonos، que alteraban el amarillo sucio، el
castano palido y sucio y un gris opaco، segun las vio Charles Huber poco antes de morir (Rodinson، p.) .
هذا وصف للمكان الذي كان يخلو فيه الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: جبال قاحلة وعارية، قبيحة المنظر، ذات ألوان باهتة وشاحبة، بها ملل ورتابة
…
وكأن الكاتب يريد أن يقول من خلال هذا الوصف كيف تتوقعون الرجل الذي يوجد في هذا المكان؟ وما الأفكار التي سيأتي بها من هذا المكان؟ ومباشرة يقول: "إن فلاسفة القرن 18 والمتدينين المسيحيين يعدّون محمداً المثال الحقيقي للدجال"(ص 83) .
وقد ازداد سيلان لعابه مع الاسترسال في الكتابة فخاض في الموضوعات التي ظنها تلبي رغباته، فكتب عن زواج النبي، وفكره الاشتراكي
…
4-
دراسات كتبها مسلمون في الغرب:
لقد كثر الباحثون في زماننا هذا وكثرت معهم الفتن، فأخذ أحدهم يُشَرِّق والآخر يُغَرِّب، ولا مناص من هذا. في ظل هذا الإنتاج الغزير يتساءل العاقل أين نحن من كل هذا؟ أين هم كتابنا حتى يردوا على هؤلاء؟ الكثير من كتابنا وعقلائنا منشغلون بردّ بعضهم على بعض. انشغلنا بأنفسنا وبالبحث عن عيوب بعضنا، ونسينا الدفاع عن ديننا ومقدساتنا. وقليلة هي الأقلام التي كتبت عن سيرة الحبيب بالإسبانية وأظنّ أنها لا تكاد تتعدّى خمسة كتب. والغريب أنها لم تردّ ولو جزئياً
على هذه الافتراءات والأكاذيب التي مر عليها زمن طويل. وأهم هذه الكتابات (1) – التي لا تجدها في مكتبات أو جامعات أو معاهد وإنما عليك أن تطلبها من أحد خازنيها - تلك التي نشرها مركز سهيل الإسلامي. وتتسم هذه الكتابات بالنزاهة والتدقيق في الحقائق وأيضا بالقراءة المستفيضة للحدث مع إعطاء عبر وعظات منه. والمؤاخذة الوحيدة على هذه الكتابات هو عدم توزيعها والاستفادة منها. فعلى ذوي النيات الحسنة التدخل لنشر سيرة صحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم.
الكتاب الأول تحت عنوان أضواء على حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لمؤلفه محمد كمال مصطفى، وقام بترجمته ماهر العزيز، فهو إذن كتاب مترجم. بدأ الكاتب بالحديث عن دور السيرة في فهم دين الإسلام. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن عبقريا بل كان رسول الله بوحي ومعونة من الله.
وفي الفصل الأول تحدث محمد كمال عن ميلاد خاتم النبيين والمرسلين وبدأ كلامه بالآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب: 56] . ليذكرنا بالمكانة الرفيعة لهذا الرسول العظيم، ثم استرسل في الحديث عن
(1) محمد كمال مصطفى، أضواء على سيرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، برشلونة، دار الكتاب العربي 2000م.
Maher Safi، Muhammad el enviado de Dios، Centro Islamico en Espana
محمد كمال و Nicolas Nebot، محمد صلى الله عليه وسلم الرجل الذي وقف له التاريخ.
ميلاد خير البشر والأنوار التي أضيئت يوم مولده إيذانا بمقدم الصادق الأمين.
وفي معرض حديثه عن بداية الدعوة أورد العصبية التي دافعت عنها قريش ووقوفهم ضد نصرة الحق ودين الإسلام. بل الأكثر من هذا (انظر ص790) أفاض في الحديث عن إيذاء الصحابة الأبرار الذين مافتئوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم النصرة من الله. وكان جوابه صلى الله عليه وسلم أن يصبروا؛ لأن سلعة الله غالية، ومن أراد الجنة فعليه بالتحمل في هذه الدار الفانية.
وبعد حفظ الله لرسوله عند المؤامرة الكبرى هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ليبني بها دولته ومجتمعه الجديد. وقد قسم الشيخ كمال هذه الحقبة إلى عشرة فصول ليلخص كل سنة في فصل مستقل. ففي السنة الأولى أنعم الله على المؤمنين بالطمأنينة التي افتقدوها في مكة فأمر الله نبيه بزيادة عدد الركعات عند صلاة الظهر والعصر والعشاء. كما أوجب الله تعالى صلاة الجمعة في هذه السنة. وفي السنة الثانية أمر الله نبيه بتغيير القبلة نحو بيت الله الحرام، وفي هذه السنة أيضا أظهر الله دينه الحق في غزوة بدر. وفي الفصل الثالث تحدث محمد كمال عن غزوة أحد والهزيمة التي مني بها المسلمون عندما عصوا أوامر رسولهم. واسترسل في سرد الأحداث واستنباط العظات حتى وصل إلى آخر فصل عند حجة الوداع ومفارقة رسولنا صلى الله عليه وسلم لهذه الدنيا بعد أن أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده.
أما الكتاب الثاني محمد صلى الله عليه وسلم: الرجل الذي وقف له التاريخ فهو كتاب صغير الحجم كثير الفائدة. أبان فيه محمد كمال مصطفى ونكلاس نيبت محنة بعض الصحابة الأطهار كعبد الله بن جحش وأبي لبابة بن المنذر وغيرهم، الذين اختاروا الله والدار الآخرة على البقاء في هذه الدنيا التي لا تساوي جناح بعوضة. عبد الله بن جحش كان يمتلك بيتا في مكة وعند الهجرة إلى دار الإسلام أخذها أبو سفيان وباعها. يخلص الكاتبان إلى أن المؤمن عليه أن يجعل الله غايته، فيجعله وكيلاً وحافظاً ومعيناً ورازقاً.
بالإضافة إلى هذه المعاني الجليلة يستخلص القارئ مجموعة من العبر والعظات من سيرة الصادق الأمين والجيل القرآني الفريد.