المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: اهتمامات الباحثين الإسبان بالسيرة إلى غضون القرن التاسع عشر - دراسات إسبانية للسيرة النبوية

[محمد بن عبد القادر برادة]

الفصل: ‌المبحث الأول: اهتمامات الباحثين الإسبان بالسيرة إلى غضون القرن التاسع عشر

‌الفصل الثاني: الكتابات الإسبانية للسيرة: دراسة ونقد

‌المبحث الأول: اهتمامات الباحثين الإسبان بالسيرة إلى غضون القرن التاسع عشر

قال الباحث الإسباني Forneas (1) عند تقديمه كتاب "الإنجيل والقرآن": "لن يكون للحضارة الإسلامية وجود بدون قرآن " وبدون سيرة لن نفهم هذا القرآن الكريم. هذه حقيقة لا أحد ينكرها.

إن الحضارة العريقة للأندلس اهتمت بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، ودليلنا كثرة المصادر التي تتحدث عن شخصه صلى الله عليه وسلم. إلا أنه ومع كل هذا نميل إلى ما قيل من كون هذه المصادر قليلة بالمقارنة مع ما يتوقعه الباحث. فنادراً ما تجد كتابا جامعا شاملا لسيرة المصطفى، إلا إن كان مترجماً من الفرنسية أو الإنكليزية: " إن الباحث عن المصادر الإسبانية التي تؤرخ لشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم أو تقرؤها (بأسلوب فكري) لا يجد القدر الذي يتصوره، بل يحصل على أسماء قليلة، وذلك مقارنة مع ما يكون في أقطار أخرى (مثل فرنسا، ألمانيا

) كما يُحال على مصادر لو توجه قبلتها لخرج الموضوع عن هدفه ولما تمكن من شيء".

(1) Jomier، Jacques، Biblia y Coran، traduccion espanola Forneas، José Maria، Madrid، Razon y Fe، ، (prologo del traductor) .

ص: 10

كل ما قلناه لا يلغي مشاركة بعض الأندلسيين في تدوين السيرة العطرة على نحو ما نجد عند الفقيه عبد الملك بن حبيب الألبيري، الذي تناول السيرة على نحو مفصل، وأبي الربيع سليمان بن موسى بن سالم الكلاعي البلنسي (1) واهتمامهم أيضا بكتب الرعيل الأول من مؤلفي السيرة العطرة.

كتاب الإسراء والمعراج:

ترجم حادث الإسراء والمعراج (2) إلى اللغة الإسبانية في عهد الملك ألفونسو العاشر الملقب بالحكيم. وقد ترجمه أبراهام الحكيم الملقب بالطليطلي في 1264م. حيث قام بعمل جبار على حد قول النقاد. فقد جمع العديد من الروايات المتداولة في الأندلس لعدم توفره على مخطوطات أصلية، وأنجز على ضوئها كتاب الإسراء والمعراج.

والمثير للغرابة أن حادث الإسراء والمعراج لم يشرب من منبعه، وإنما شربه المستشرقون عموما من كؤوس باريسية أو بريطانية أو إيطالية (3) :

(1) أمينة الصاوي وعبد العزيز شرف ومحمد عبد المنعم خفاجي، السيرة النبوية والإعلام الإسلامي، مكتبة مصر (بدون سنة) ، ص 358 و360.

(2)

للمزيد من المعلومات يجب الرجوع إلى Libro de la Escala de Mahoma، Madrid، Siruela،. (prologo)

(3)

El Fathi، Abderrahman El libro de la Escala de Mahoma: relacines y contextos espanoles del Medievo y del Renacimiento، Universidad Abdelmalek Essadi. Tetuan، ، pp. .

ص: 11

إنَّ حدث الإسراء والمعراج في صيغته المعروفة الآن في الغرب وصل إلينا عن طريق مخطوطات باريس وأكسفورد والفاتيكان، وكلها مخطوطات مترجمة من اللاتينية أو البروفنسال (لغة كانت متداولة في إسبانيا) .

ولكي نعرف الأفكار التي تروج من خلال هذا الكتاب نورد بعض الملاحظات كما جاءت في كتاب عبد الرحمن الفتحي وكتاب الإسراء والمعراج (دار Siruela) . فأولى هذه الملاحظات: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دار زوجه أم هانئ ليلة الإسراء. ثانيها كون الترجمات تحفظت في مسألة رفعه صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ودنوه من الخالق سبحانه وتعالى. ثالثها: إسهابها في وصف جهنم متغافلة حقيقة ما جاء في الأحداث الحقيقية. إضافة إلى كل هذا لم تورد العديد من الترجمات وحتى الأصل اللاتيني حقيقة أو جملة من الحقائق التالية:

1-

الصلاة التي صلاها الصادق الأمين.

2-

تغاضت الطرف أيضاً عن إمامته بالرسل الكرام.

3-

ذكر الأنهار الأربعة الموجودة في الجنة.

4-

رؤيته مالكاً خازن النار.

5-

الحوار الذي دار بين الله تعالى ونبيه وخليله (1) .

(1) للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى كتاب عبد الرحمن الفتحي.

ص: 12

إن الله سبحانه وتعالى أسرى بعبده ورسوله كما جاء في آي القرآن الكريم والسنة العطرة، وعرج به صلى الله عليه وسلم إلى السموات العلا ليطلع على عجائب الملكوت كما قال تعالى:{لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:1] .

إن حادث الإسراء والمعراج الذي جعل منه الغرب كتاباً، وصوَّروا لبعض قرائه أنه "كتاب مقدس" للمسلمين هو حدث أراد به بعض المستشرقين النيل من هذا الدين ويمكن أن ندخلهم في كلمة للشيخ محمد الغزالي حين قال:" إن الاستشراق كهانة جديدة تلبس مسوح العلم والرهبانية في البحث، وهي أبعد أن تكون عن بيئة العلم والتجرد، وجمهرة المستشرقين مستأجرون لإهانة الإسلام وتشويه محاسنه والافتراء عليه (1) ". فالعديد من الباحثين المسلمين ينعتون هذا الكتاب بالمتزن والحيادي ولا أراهم اطلعوا عليه كله.

وقد أثر الحادث في المؤلفات الأدبية والشعرية في إسبانيا، حتى إن الباحث لا يحصي تلك المؤلفات لكثرتها سواء في العصر الوسيط أو عصر النهضة (2) عندهم. ولكي لا أطيل كثيراً أورد مجموعة من الكتاب الذين كتبوا عن الإسراء والمعراج (3) : ألبرو دي كوردوبا، بيدرو دي بينرابلي، ريكلدو دي منتكرسي، سان بيدر بسكوال والكاردينال خوا دي

(1) محمد الغزالي، دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين، نهضة مصر للطباعة والنشر، 1999م مقدمة الطبعة الخامسة.

(2)

لا أرى هذا التقسيم يهم الحضارة الإسلامية لأنها في غنى عنه.

(3)

للمزيد من المعلومات يمكن الرجوع إلى كتاب عبد الرحمن الفتحي.

ص: 13

توركمادا alvaro de Cordoba، Pedro el Venerable، Ricoldo de Montecroce، San Pedro Pascual، El cardenal Juan de Torquemada

يضيف الباحثون كتاباً يتميز -كما قالت أمنوح – "بإبعاد الآخر بعنف شديد ومبالغ فيه. والنماذج على هذا كثيرة، وأبرزها ما جاء في كتاب Verdadero caracter de Mahoma y de su religion justa idea de

este falso profeta sin alavarle con exceso ni deprimirle con odio

المميزة الحقيقية لمحمد ولدينه، الفكرة البارزة لهذا النبي غير الحقيقي، من دون مبالغة في مدحه أو كراهية لحطه وهو لسانطوطوماس دي أكينو Santo Thomas de Aquino.ولا يحتاج الأمر هنا إلى استنطاق نصوص وتأويل عسير بل عناوين البحوث صارخة من خلال مفاتيحها "Falso Profeta"(النبي المكذوب = المدعي = غير الحقيقي) وهو حكم يهدف إلى إبعاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن الحق وإبعاد الحق عن النبي..وإبعاد الفكرة الدينية الإسلامية عن الواقع المسيحي (وبخاصة إسبانيا) وذلك بالتنفير منها.

إقصاء الآخر بالتماس التسويغ؛ لأن شريعة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيها الخطر الكبير والنبي ذاته خطر على الإسبان، ودائما مع التماس نوع من التسويغ الذي يقود إلى التناقض: Falso? Sin odio: أي غير حقيقي دون كراهية. كما أن هاجس الإقصاء (وليس الإلغاء) يقود إلى استعمال المنهج الإسقاطي وسيلة (وهي وسيلة هشة جداً) للتخلص من الطارئ المزعج

ص: 14

الأمر الذي يسبب الوقوع في أخطاء كثيرة في مواضع عدة، وبخاصة منها ما يحتاج إلى توثيق: أسماء، وأحداث، وتواريخ

في الصفحة الأولى لهذا الكتاب نقرأ ما يلي: " ذلك الإنسان (يقصد النبي) المشهور بسلاحه وبسرعة فتوحاته

والذي لا يسقط السلاح الأبيض من يديه، قد وجد أقلام كتاب تدافع عنه بالرغم من أنهم لم يعصبوا له عمامته". إن هذا الكاتب قد غاظه الحال عندما وجد أقلاماً منصفة من بني جلدته وهم يدافعون عن نبي الهدى. فحقده صار مضاعفا وهجومه زاد شراسة لعدم استقطابه هذه الأقلام. بل الأكثر من هذا كتابته في الصفحة (17) " أن الكتابة في هذا الموضوع (سيرة النبي) هو مضيعة للوقت "لأنه لا يستحق اهتماما. ويتساءل الإنسان العاقل كيف بنا ننتقد رسولا كريما ونحن لا نعرف حتى لغته؟ وحتى لو كان من أبناء هذه اللغة، أنملك القدرة على فهم كل ما جاء في هذا الدين إن لم نكن قد تتلمذنا على أيادي علماء مخلصين؟

فهذا الإلغاء للآخر يأتي حسب علماء النفس من ذلك الخوف الكبير الذي يجده ذلك الإنسان في نقصانه. فهو يرى سرعة انتشار الإسلام وكثرة أتباعه وبالرغم من هذا يقول في الصفحة (213) : "إن قانون محمد فيه أكاذيب كثيرة ومعتقدات ضد القانون الطبيعي بالرغم من كل هذا يتمسك المورو (المسلم) بها

إن هذا المورو بليد؛ لأن جمال الدين لا يُرى من خلال ملاحظات أساتذته ولكن من خلال قداسة قانونه".

ص: 15

لقد كان الغرب عموما في صراع كبير مع الذات، وقد كان رجال الدين عندهم عاجزين عن إرجاع الناس إلى تدينهم بعد القطيعة التي عرفوها مع معتقداتهم، فكان الحل الوحيد عندهم هو الهجوم على الإسلام والمسلمين. وهيهات هيهات أن يحصلوا على مبتغاهم، فهذا الدين حفظه الله كما حفظ الذكر الحكيم (سنعود للرد على كتاب أكينوس في المبحث الرابع من الفصل الثاني) .

ص: 16