الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة
في بيان التلازم بين هؤلاء الكلمات الأربع
…
الخاتمة
في بيان التلازم بين الكلمات الأربع
الحمد لله أولاً وآخراً، والشكر له ظاهراً وباطناً على نعمه العديدة وآلائه الكثيرة، ومنها إتمام هذا البحث الذي تحدثتُ فيه عن الكلمات الأربع ((سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلَاّ الله، والله أكبر)) وما ورد في فضلهنَّ إجمالاً وتفصيلاً، وما يتعلّق كذلك بمعانيهنَّ ومدلولهنّ، ولعلَّ من الحسن في ختام الحديث عن هؤلاء الكلمات أن أشير إلى ما بينهنَّ من ترابط وتلازم، وقد علمنا من خلال ما تقدّم أنَّ هؤلاء الكلمات هنَّ أفضل الكلام بعد القرآن الكريم وهنَّ من القرآن الكريم، وتقدّم معنا - أيضاً - الإشارة إلى جملة كبيرة من النصوص الدالة على عظم شأن ذكر الله - تعالى - بهؤلاء الكلمات الأربع وما يترتّب على ذلك من أجور كثيرة وفضائل وفيرة وخير مستمر في الدنيا والآخرة، ولا شك أنَّ هذا فيه أوضح إشارة على قوة الارتباط بين هذه الكلمات الأربع وشدة الصلة بينهنَّ.
وهؤلاء الكلمات كما أوضح أهل العلم "شطران، فالتسبيح قرين التحميد، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم"، أخرجاه في الصحيحين عن أبي هريرة1. وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي ذر: "أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته: سبحان الله وبحمده" 2، وفي القرآن يقول الله - تعالى -:{وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} 3، وقال: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ
1 صحيح البخاري (رقم:6406)، وصحيح مسلم (رقم:2694) .
2 صحيح مسلم (رقم:2731) .
3 سورة البقرة، الآية (30) .
كَانَ تَوَّابًا} 1، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه:"سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، يتأوّل القرآن، هكذا في الصحاح عن عائشة رضي الله عنها-2، فجعل قوله:"سبحانك اللهم وبحمدك" تأويل {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} ، وقد قال تعالى:{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} 3، وقال:{فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} 4، والآثار في اقترانهما كثيرة.
وأمَّا التهليلُ فهو قرينُ التكبيرِ كما في كلمات الأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَاّ الله أشهد أنَّ محمداً رسول الله، ثم بعد دعاء العباد إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلَاّ الله، فهو مشتملٌ على التكبير والتشهد [في] أوله وآخره، وهو ذكر لله تعالى، وفي وسطه دعاء الخلق إلى الصلاة والفلاح، فالصلاة هي العمل، والفلاح هو ثواب العمل، لكن جعل التكبير شفعاً والتشهد وتراً، فمع كلِّ تكبيرتين شهادة، وجعل أوله مضاعفاً على آخره، ففي أول الأذان يكبر أربعاً، ويتشهّد مرّتين، والشهادتان جميعاً باسم الشهادة، وفي آخره التكبير مرتان فقط مع التهليل الذي لم يقترن به لفظ الشهادة.
…
وكما جمع بين التكبير والتهليل في الأذان جمع بينهما في تكبير الإشراف، فكان على الصفا والمروة، وإذا علا شرفاً في غزوة أو حجة أو عمرة يكبر ثلاثاً ويقول: "لا إله إلَاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلَاّ الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وأعزّ
1 سورة النصر، الآية (3) .
2 صحيح البخاري (رقم:817)، وصحيح مسلم (رقم:484) .
3 سورة غافر، الآية (55) .
4 سورة الروم، الآية (17، 18) .
جنده، وهزم الأحزاب وحده" يفعل ذلك ثلاثاً، وهذا في الصحاح1، وكذلك على الدابة كبّر ثلاثاً وهلّل ثلاثاً فجمع بين التكبير والتهليل، وكذلك حديث عدي بن حاتم الذي رواه الترمذي فيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "يا عدي ما يُفِرُّك؟ أيُفِرُّك أن يقال: لا إله إلَاّ الله، فهل تعلم من إله إلَاّ الله؟ يا عدي ما يُفِرُّك؟ أيُفِرُّك أن يقال: الله أكبر فهل من شيء أكبر من الله" فقرن النبي صلى الله عليه وسلم بين التهليل والتكبير "2"3.
ثم إنَّ أفضل هؤلاء الكلمات هو التهليل لاشتماله على التوحيد الذي هو أصل الإيمان، وهو الكلام الفارق بين أهل الجنة وأهل النار، وهو ثمن الجنة، ولا يصلح إسلام أحد إلَاّ به ومن كان آخر كلامه لا إله إلَاّ الله دخل الجنة، ومنزلة التحميد والتسبيح منه منزلة الفرع من الأصل، فالتهليل أصل وما سواه فرع له وتابع، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:"الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلَاّ الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"4. فجعل - صلوات الله وسلامه عليه - التهليل أعلا وأرفع شعب الإيمان، وفي المسند عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "قلت: يا رسول الله أفمن الحسنات لا إله إلَاّ الله؟ قال: هي أفضل الحسنات" 5، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداًّ، وقد تقدّم معنا جملة كبيرة منها.
1 صحيح البخاري (رقم:1797)، وصحيح مسلم (رقم:1344) .
2 سنن الترمذي (2935م) .
3 مجموع الفتاوى (24/231 - 233) .
4 صحيح البخاري (رقم:9)، وصحيح مسلم (رقم:35) .
5 المسند (5/169) .
ولا يعارض هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "أفضل الكلام ما اصطفى الله لملائكته سبحان الله وبحمده" 1؛ إذ لا يلزم منه - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن يكون أفضل مطلقاً بدليل أنَّ قراءة القرآن أفضل من الذكر، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها في الركوع والسجود وقال:"إني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، أما الركوع فعظموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِنٌ أن يستجاب لكم"2.
وها هنا أصل عظيم نبّه عليه شيخ الإسلام رحمه الله وهو أنَّ الشيء إذا كان أفضل من حيث الجملة لم يجب أن يكون أفضل في كل حال ولا لكل أحد، بل المفضول في موضعه الذي شرع فيه أفضل من الفاضل المطلق، كما أنَّ التسبيح في الركوع والسجود أفضل من قراءة القرآن ومن التهليل والتكبير، والتشهد في آخر الصلاة والدعاء بعده أفضل من قراءة القرآن، فالتفضيل مختلف باختلاف الأحوال فقول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل أيُّ الكلام أفضل؟ فقال:"سبحان الله وبحمده"، هذا خرج على سؤال سائل، فربما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حال السائل حالاً مخصوصة.
وعلى كلٍّ فالتفضيل مختلف باختلاف الأحوال، وإن كان التهليل أفضل مطلقاً والأحوال ثلاثة: حال يستحب فيها الإسرار ويكره فيها الجهر لأنَّها حال انخفاض كالركوع والسجود، فهنا التسبيح أفضل من التهليل والتكبير، وكذلك في بطون الأودية، وحال يستحب فيه الجهر والإعلان كالإشراف والأذان فهنا التهليل والتكبير أفضل من التسبيح، وحال يشرع فيه الأمران3.
نسأل الله الكريم أن يوفقنا وجميع المسلمين لكل خير يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
1 صحيح مسلم (رقم:2731) .
2 صحيح مسلم (رقم:479) .
3 انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (24/235 - 239) .