الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّعيم وَالْعَذَاب فِي الْقَبْر للروح وَالْبدن
وَأما كَون الْعَذَاب وَالنَّعِيم للروح وَالْبدن فَأمر مُسلم عِنْد الْجُمْهُور وَلَا يُنَافِي عدم السماع على قَول الْأَئِمَّة الْحَنَفِيَّة وَمن وافقهم فَهَذَا النَّائِم يرى الرُّؤْيَا فتلتذ روحه وبدنه أَو تغتم روحه ويتألم ويضطرب بدنه وَإِذا تكلم عِنْده شخص وَهُوَ فِي تِلْكَ الْحَالة لَا يسمع وَقد وَردت بِهِ الْأَخْبَار فاعتقدته ذَوُو الْأَبْصَار قَالَ ابْن وهبان الْحَنَفِيّ فِي منظومته الشهيرة
(وَحقّ سُؤال الْقَبْر ثمَّ عَذَابه
…
وكل الَّذِي عَنهُ النَّبِيُّونَ أخبروا)
(حِسَاب وميزان صَحَائِف نشرت
…
جنان ونيران صِرَاط ومحشر) وَقَالَ شارحها ابْن الشّحْنَة اشْتَمَل البيتان على مسَائِل
الأولى سُؤال مُنكر وَنَكِير وهما ملكان يدخلَانِ
الْقَبْر فيسألان العَبْد عَن دينه وَنبيه وَهُوَ مِمَّا يجب الْإِيمَان بِهِ لِأَنَّهُ أَمر مُمكن أخبر بِهِ الصَّادِق الْمَعْصُوم صلى الله عليه وسلم وَالْأَحَادِيث فِيهَا ثَابِتَة صَحِيحَة أَي مثل مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن أنس أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن العَبْد إِذا وضع فِي قَبره وَتَوَلَّى عَنهُ أَصْحَابه وَإنَّهُ ليسمع قرع نعَالهمْ أَتَاهُ ملكان فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولَانِ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل لمُحَمد صلى الله عليه وسلم فَأَما الْمُؤمن فَيَقُول أشهد أَنه عبد الله وَرَسُوله فَيُقَال لَهُ انْظُر مَقْعَدك من النَّار قد أبدلك الله تَعَالَى بِهِ مقْعدا من الْجنَّة فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا وَأما الْمُنَافِق وَالْكَافِر فَيُقَال لَهُ مَا كنت تَقول فِي هَذَا الرجل فَيَقُول لَا أَدْرِي كنت أَقُول مَا يَقُول النَّاس فَيُقَال لَا دَريت وَلَا تليت وَيضْرب بمطارق من حَدِيد ضَرْبَة فَيَصِيح صَيْحَة يسْمعهَا من يَلِيهِ غير الثقلَيْن انْتهى
الثَّانِيَة عَذَاب الْقَبْر للْكَافِرِينَ وَبَعض عصاة الْمُؤمنِينَ وتنعيم أهل الطَّاعَة فِي الْقَبْر بِمَا يُعلمهُ الله تَعَالَى ويريده والنصوص فِي ذَلِك صَحِيحَة كَثِيرَة يبلغ مَعْنَاهَا حد التَّوَاتُر قَالَ المُصَنّف وَمن أَكلته السبَاع وَالْحِيتَان فغاية أمره أَن يكون بطن ذَلِك قبرا لَهُ باقتصار
نعم إِن بعض الْعلمَاء ذهب إِلَى عدم إِعَادَة الرّوح إِلَى الْبدن وَقت السُّؤَال وَأَن السُّؤَال للروح فَقَط وَكَذَا التعذيب أَو التَّنْعِيم وَمِنْهُم أَبُو مُحَمَّد بن حزم الظَّاهِرِيّ الشهير فَإِنَّهُ قَالَ فِي كِتَابه الْملَل والنحل من كَلَام طَوِيل مَا لَفظه
وَأَيْضًا فَإِن جَسَد كل إِنْسَان لَا بُد لَهُ من الْعود إِلَى التُّرَاب يَوْمًا كَمَا قَالَ عز وجل {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وفيهَا نعيدكم وَمِنْهَا نخرجكم تَارَة أُخْرَى} فَكل من ذكرنَا من مصلوب أَو غريق أَو محرق أَو أكيل سبع أَو دَابَّة بَحر أَو قَتِيل لم
يقبر فَإِنَّهُ يعود رَمَادا أَو رجيعا أَو يتقطع فَيَعُود إِلَى الأَرْض وَلَا بُد وكل مَكَان اسْتَقَرَّتْ فِيهِ النَّفس إِثْر خُرُوجهَا فَهُوَ لَهَا قبر إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأما من ظن أَن الْمَيِّت يحيى فِي قَبره قبل يَوْم الْقِيَامَة فخطأ لِأَن الْآيَات الَّتِي ذَكرنَاهَا تمنع من ذَلِك وَلَو كَانَ ذَلِك لَكَانَ تَعَالَى قد أماتنا ثَلَاثًا وَأَحْيَانا ثَلَاثًا وَهَذَا بَاطِل وَخلاف الْقُرْآن إِلَّا من أَحْيَاهُ الله تَعَالَى آيَة لنَبِيّ من الْأَنْبِيَاء عليهم السلام ك {الَّذين خَرجُوا من دِيَارهمْ وهم أُلُوف حذر الْمَوْت فَقَالَ لَهُم الله موتوا ثمَّ أحياهم} {كَالَّذي مر على قَرْيَة وَهِي خاوية على عروشها قَالَ أَنى يحيي هَذِه الله بعد مَوتهَا فأماته الله مائَة عَام ثمَّ بَعثه} وَمن خصّه نَص وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {الله يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا وَالَّتِي لم تمت فِي منامها فَيمسك الَّتِي قضى عَلَيْهَا الْمَوْت وَيُرْسل الْأُخْرَى}
إِلَى أجل مُسَمّى) فصح نَص الْقُرْآن أَن أَرْوَاح سَائِر من ذكرنَا لَا ترجع إِلَى جسده إِلَّا إِلَى الْأَجَل الْمُسَمّى وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَكَذَا أخبر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه رأى الْأَرْوَاح لَيْلَة أسرِي بِهِ عِنْد سَمَاء الدُّنْيَا عَن يَمِين أَدَم عليه السلام أَرْوَاح أهل السَّعَادَة وَعَن شِمَاله أَرْوَاح أهل الشقاوة وَأخْبر صلى الله عليه وسلم يَوْم بدر إِذْ خَاطب الْمَوْتَى وَأخْبر أَنهم قد وجدوا مَا وعدهم بِهِ حَقًا قبل أَن يكون لَهُم قُبُور فَقَالَ لَهُ الْمُسلمُونَ يَا رَسُول الله أتخاطب أَقْوَامًا قد جيفوا فَقَالَ صلى الله عليه وسلم مَا أَنْتُم بأسمع لما أَقُول مِنْهُم فَلم يُنكر صلى الله عليه وسلم على الْمُسلمين قَوْلهم قد جيفوا وأعلمهم أَنهم سامعون فصح أَن ذَلِك لأرواحهم فَقَط بِلَا شكّ وَأما الْجَسَد فَلَا حس لَهُ قَالَ الله عز وجل {وَمَا أَنْت بمسمع من فِي الْقُبُور} فنفى عز وجل السّمع عَمَّن فِي الْقُبُور وَهِي الأجساد بِلَا شكّ وَلَا يشك مُسلم فِي أَن الَّذِي نفى الله عز وجل عَنهُ السّمع هُوَ غير الَّذِي أثبت لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم السّمع فَهَذَا هُوَ الْحق وَأما مَا خَالف هَذَا فخلاف لله عز وجل وَلِرَسُولِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ومكابرة لِلْعَقْلِ وللمشاهدة وَلم يَأْتِ قطّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي خبر يَصح أَن أَرْوَاح الْمَوْتَى ترد إِلَى اجسادهم عِنْد المساءلة وَلَو صَحَّ ذَلِك عَنهُ صلى الله عليه وسلم لقلنا بِهِ فَإذْ لم يَصح فَلَا يحل لأحد أَن يَقُوله وَإِنَّمَا انْفَرد بِهَذِهِ الزِّيَادَة من رد الْأَرْوَاح فِي الْقُبُور إِلَى الأجساد الْمنْهَال بن عَمْرو وَحده وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ تَركه شُعْبَة وَغَيره وَقَالَ فِيهِ الْمُغيرَة بن مقسم الضَّبِّيّ وَهُوَ أحد الْأَئِمَّة مَا جَازَت قطّ للمنهال بن عَمْرو شَهَادَة فِي الْإِسْلَام على باقة بقل وَسَائِر الْأَخْبَار الثَّابِتَة على خلاف ذَلِك وَهَذَا
الَّذِي قُلْنَا هُوَ الَّذِي صَحَّ أَيْضا عَن الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم عَنهُ لم يَصح عَن أحد مِنْهُم غير مَا قُلْنَا كَمَا حَدثنَا مُحَمَّد بن سعيد بن نَبَات حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق الْبَصْرِيّ نَا عِيسَى بن حبيب حَدثنَا عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن عبد الله بن يزِيد المقريء عَن جده مُحَمَّد بن عبد الله عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة عَن مَنْصُور بن صَفِيَّة عَن أمه صَفِيَّة بنت شيبَة
قَالَت دخل ابْن عمر الْمَسْجِد فأبصر ابْن الزبير مطروحا قبل أَن يصلب فَقيل لَهُ هَذِه أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَمَال ابْن عمر إِلَيْهَا فعزاها وَقَالَ إِن هَذِه الجثث لَيست بِشَيْء وَإِن الْأَرْوَاح عِنْد الله عز وجل فَقَالَت أَسمَاء وَمَا يَمْنعنِي وَقد أهدي رَأس زَكَرِيَّا إِلَى بغي من بَغَايَا بني إِسْرَائِيل ونا مُحَمَّد بن سعيد بن نَبَات نَا أَحْمد بن عون الله نَا قَاسم بن أصبغ نَا مُحَمَّد بن عبد السَّلَام الْخُشَنِي نَا أَبُو مُوسَى مُحَمَّد بن الْمثنى الزَّمن نَا عبد الرَّحْمَن بن مهْدي نَا سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي اسحاق السبيعِي عَن أبي الْأَحْوَص عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي قَول الله عز وجل {رَبنَا أمتنَا اثْنَتَيْنِ وأحييتنا اثْنَتَيْنِ} قَالَ هِيَ الَّتِي فِي الْبَقَرَة
{وكنتم أَمْوَاتًا فأحياكم ثمَّ يميتكم ثمَّ يُحْيِيكُمْ ثمَّ إِلَيْهِ ترجعون}
فَهَذَا ابْن مَسْعُود وَأَسْمَاء بنت أبي بكر الصّديق وَابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم وَلَا مُخَالف لَهُم فِي الصَّحَابَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم تقطع أَسمَاء وَابْن عمر على أَن الْأَرْوَاح بَاقِيَة عِنْد الله تَعَالَى وَأَن الجثث لَيست بِشَيْء وَيقطع ابْن مَسْعُود بِأَن الْحَيَاة مَرَّتَانِ والوفاة كَذَلِك وَهُوَ قَوْلنَا وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق
وَقد صَحَّ عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم أَنه رأى مُوسَى عليه السلام تِلْكَ اللَّيْلَة فِي السَّمَاء السَّادِسَة أَو السَّابِعَة
وَبلا شكّ أَنه رأى روحه وَأما الْجَسَد فمواري فِي التُّرَاب بلاشك فعلى هَذَا إِن مَوضِع كل روح يُسمى قبرا لَهُ فتعذب الْأَرْوَاح حِينَئِذٍ وتسأل حَيْثُ هِيَ وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيق انْتهى كَلَام ابْن حزم بِحُرُوفِهِ وَلَا تنسى توقف الإِمَام الْأَعْظَم فِي ذَلِك
وَقد رده الْعَلامَة ابْن الْقيم فِي كتاب الرّوح بعد أَن نقل بعضه بقوله
قلت مَا ذكره أَبُو مُحَمَّد فِيهِ حق وباطل أما قَوْله من ظن أَن الْمَيِّت يحيا فِي قَبره فخطأ فَهَذَا فِيهِ إِجْمَال إِن أَرَادَ بِهِ الْحَيَاة الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا الَّتِي يقوم فِيهَا الرّوح بِالْبدنِ وتدبره وتصرفه وَيحْتَاج مَعهَا إِلَى الطَّعَام وَالشرَاب واللباس فَهَذَا خطأ كَمَا قَالَ والحس وَالْعقل يكذبهُ كَمَا يكذبهُ النَّص وَإِن أَرَادَ بِهِ حَيَاة أُخْرَى غير هَذِه الْحَيَاة بل تُعَاد الرّوح إِلَيْهِ إِعَادَة غير الْإِعَادَة المألوفة فِي الدُّنْيَا
ليسأل ويمتحن فِي قَبره فَهَذَا حق ونفيه خطأ
إِلَى أَن قَالَ ابْن الْقيم
إِن الرّوح بِالْبدنِ لَهَا خَمْسَة أَنْوَاع من التَّعَلُّق مُتَغَايِرَة الْأَحْكَام
أَحدهَا تعلقهَا بِهِ فِي بطن جَنِينا
الثَّانِي تعلقهَا بِهِ بعد خُرُوجه إِلَى وَجه الأَرْض
الثَّالِث تعلقهَا بِهِ فِي حَال النّوم فلهَا بِهِ تعلق من وَجه ومفارقة من وَجه
الرَّابِع تعلقهَا بِهِ فِي البرزخ فَإِنَّهَا وَإِن فارقته وتجردت عَنهُ فَإِنَّهَا لم تُفَارِقهُ فراقا كليا بِحَيْثُ لايبقى لَهَا الْتِفَات إِلَيْهِ الْبَتَّةَ
الْخَامِس تعلقهَا بِهِ يَوْم بعث الأجساد وَهُوَ أكمل أَنْوَاع تعلقهَا بِالْبدنِ وَلَا نِسْبَة لما قبله من أَنْوَاع التَّعَلُّق إِلَيْهِ إِذْ هُوَ تعلق لَا يقبل الْبدن مَعَه موتا وَلَا نوما وَلَا فَسَادًا انْتهى وَأطَال فِي الْبَحْث كَمَا هِيَ عَادَته فَمن أَرَادَهُ فَليرْجع اليه
وَتبين أَيْضا مِمَّا نَقَلْنَاهُ عَن أبي مُحَمَّد بن حزم أَنه مُوَافق