المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تحويل القبلة لما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة ظل يصلي - دروس الشيخ عائض القرني - جـ ٢٦١

[عائض القرني]

فهرس الكتاب

- ‌سددوا وقاربوا

- ‌يسر الدين

- ‌اليسر في التفكير

- ‌اليسر في العمل والعبادة

- ‌اليسر في القرآن

- ‌الغلبة للدين

- ‌السداد والمقاربة

- ‌البشرى لمن سدد وقارب

- ‌الاستعانة بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة

- ‌حديث تحويل القبلة

- ‌نزول النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة

- ‌تحويل القبلة

- ‌الإسلام يهدم ما قبله

- ‌شرح الحديث وذكر حديث يؤيد معناه

- ‌الدواوين عند الله ثلاثة

- ‌تكلفة النفس بما تطيق

- ‌معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء

- ‌شرح حديث: عليكم من الأعمال ما تطيقون

- ‌معنى قوله: لا يمل الله حتى تملوا

- ‌فضل لا إله إلا الله

- ‌(لا إله إلا الله) تحتاج إلى الإخلاص للتخلص من النار

- ‌شرح ألفاظ حديث الإخراج من النار

- ‌مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفاته

- ‌المعنى الإجمالي للحديث

- ‌حجة الوداع في يوم الجمعة

- ‌مرض الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌الوداع وموت الرسول

- ‌الأسئلة

- ‌إقبال النفس وإدبارها

- ‌حكم تارك الصلاة

- ‌حكم لبس السراويل الكاشفة للعورة تحت الثوب

- ‌حكم رفع الصوت بقراءة القرآن بين الأذان والإقامة

- ‌حكم السلام على حلقة علم أو قرآن

- ‌حديث (لا صمت إلا في ثلاث)

- ‌الفرق بين الفاسق والعاصي

- ‌حكم الصلاة وراء الإمام المسبل أو الحالق لحيته

- ‌حكم حفظ مقاطع من القرآن لمدة وترك بقيته

- ‌حكم الهجر فوق ثلاثة أيام للمصلحة

- ‌التوفيق بين الحقوق الخاصة والعامة

الفصل: ‌ ‌تحويل القبلة لما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة ظل يصلي

‌تحويل القبلة

لما نزل صلى الله عليه وسلم المدينة ظل يصلي ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، على خلاف بين أهل العلم، منهم من يحسب الكسر في الأيام فيجعلها سبعة عشر شهراً، ومنهم من يلغي بعض الأيام فيجعلها ستة عشر شهراً، كان يصلي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، ولكن كان يحز في نفسه فلا يريد أن يوافق اليهود؛ لأن اليهود يأخذون هذا حجة عليه صلى الله عليه وسلم، ويقولون: انظروا إليه، حتى القبلة يستقبل قبلتنا في فلسطين وهي بيت المقدس، ما عنده قبلة يستقبلها، فكان صلى الله عليه وسلم يدعو الله كثيراً، ويقلب وجهه في السماء، ويدعو أن يحول الله قبلته إلى البيت العتيق، فيقول تبارك وتعالى:{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة:144] فولاه الله سبحانه وتعالى شطر البيت العتيق، فلما انحرف صلى الله عليه وسلم إلى البيت العتيق، قال اليهود:{مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142] فأتى الرد من الله عز وجل: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ} [البقرة:142] سفهاء لا أحلام لهم ولا عقول: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} [البقرة:142] وهل لكم بيت المقدس أو مكة؟ وهل هي من دخلكم أو من صنيعكم؟ يقول الله تبارك وتعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة:142] لله سبحانه وتعالى المشرق والمغرب، له ما كان يولي إليه في بيت المقدس وفلسطين، وله الكعبة ومكة ولا دخل لكم أنتم، قال تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يستقبل البيت العتيق، ويترك بيت المقدس، فوَّلى البيت العتيق، فأتى صلى الله عليه وسلم فلما ولَّى شطر البيت العتيق، أرسل رجلاً ممن كان معه صلى الله عليه وسلم، وقال: اذهب إلى بني سلمة في قباء، وأخبرهم أن القبلة قد حولت فليتحولوا، فأرسل عباد بن بشر رضي الله عنه، وهو من الشباب الذين رباهم صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر، وتركوا كل لذة في الدنيا وكل راحة، وجعلوا أوقاتهم وأيامهم ولياليهم شهادة في سبيل الله تعالى، أرسله صلى الله عليه وسلم في مهمات، فكان يأتي في كل مهمة وهو ناجح ظافر فالح، ويدعو له صلى الله عليه وسلم بالجنة.

أرسله صلى الله عليه وسلم مع رجال معه من الأنصار ليغتال سيد خيبر من كفار اليهود؛ لأنه كان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:{يا عباد! اذهب إلى ذاك} ذهب عباد ونادى ذلك اليهودي في ظلام الليل، فخرج ذلك اليهودي، فقتله بالسيف، ثم عاد عباد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى وجه عباد ذاك الشاب المستنير بالإيمان: {أفلح وجهك يا عباد قال: ووجهك يا رسول الله! قال: ماذا فعلت به؟ قال:

صرخت له فلم يعلم بصوتي وأقبل طالعاً من رأس جدر

فعدت له فقال من المنادي فقلت: أخوك عباد بن بشرِ

فأقبل نحونا يهوي سريعاً فقطعه أبو عبس بن جبر

وكان الله سادسنا فعدنا بأعظم نعمة وأجل نصر

فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال: {اللهم اغفر لهم وأدخلهم الجنة} وبقي عباد رضي الله عنه على العهد، يقوم الليل دائماً، وكان يبكي بصوته إذا قام الليل حتى يقول صلى الله عليه وسلم:{رحم الله عباداً! لقد أذكرني البارحة آية كنت أنسيتها من القرآن} فهو صلى الله عليه وسلم ينسى فترة، ولكن يعود له القرآن لأنه منزل في قلبه لا ينسى منه شيئاً، لكنه ينسَّى ولا ينسى، إلا ما شاء الله.

وحضر عباد معركة اليمامة ضد مسيلمة الدجال الكذاب، وضرب على وجهه بالسيف أكثر من عشر ضربات بعد أن قتل ما يقارب خمسمائة مقاتل حتى ما عرفوه وقتل رضي الله عنه، ولكنه لم يقتل أبداً، قال الله تعالى:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران:170].

أرسله صلى الله عليه وسلم فأتى إلى بني سلمة الذين هم في قباء -الآن المسجد المعروف- وهم يصلون العصر فقال: إن القبلة قد تحولت فتحولوا، فدار الإمام وهو في الصلاة، ولم تبطل صلاتهم؛ لأن الحركة إذا كانت في صالح الصلاة لا تبطل الصلاة، وفيه من الحكم والفوائد:

أن خبر الواحد يقبل، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرسل هذا، فقبلوا خبره وامتثلوا خبره، وتحولوا عن القبلة رضي الله عليهم.

هذا الحديث وهذا ما ورد فيه، ولم نعرج على بعض الخلاف للألفاظ التي لا طائل من ورائها.

ص: 12