المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرفع من الركوع: - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ١٧

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌الرفع من الركوع:

وكان يقول: ((سبحان ربي العظيم)) وتارةً يقول مع ذلك: ((سبحان اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي)) ((سبحان ربي العظيم)) لما نزل قوله تعالى: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [(74) سورة الواقعة] قال: ((اجعلوها في ركوعكم)) ولما نزل قوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [(1) سورة الأعلى] قال: ((اجعلوها في سجودكم)) فالركوع والسجود موضع للتسبيح، وهو التنزيه، ولذا تحرم القراءة، قراءة القرآن في الركوع والسجود، وقد جاء النهي الصحيح عن القراءة في الركوع والسجود، فلا يجوز أن يُقرَأ القرآن في حال الركوع والسجود، وللركوع صفة، وللسجود أخرى:((أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم)) هنا هل مفهوم هذا أننا لا ندعو في الركوع؟ لا يقتضي هذا، لكن يكون أكثر الذكر في هذا الموضع التعظيم، وإلا جاء قوله:((سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)) هذا دعاء في الركوع، لكن ينبغي أن يكون الدعاء في السجود أكثر، يكون التعظيم في الركوع أكثر وفي السجود الدعاء أكثر، ((فقَمِنٌ أن يستجاب لكم)).

وكان ركوعه عليه الصلاة والسلام المعتاد مقدار عشر تسبيحات، وسجوده كذلك، وكان يقول في ركوعه أيضاً:((سبوح قدوس رب الملائكة والروح)) [رواه مسلم]، وتارةً يقول:((اللهم لك ركعت، وبك آمنت، ولك أسلمت، خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي)) [رواه مسلم أيضاً]، لكن قال ابن القيم: أن هذا إنما حُفِظَ عنه في قيام الليل.

‌الرفع من الركوع:

ثم يرفع رأسه بعد ذلك رافعاً يديه، يرفع رأسه من الركوع بعد ذلك، بعد أن يطمئن في ركوعه ويذكر ما ورد من أذكار في الركوع على الوصف الذي ذُكِر يرفع رأسه من الركوع رافعاً يديه، وهذا هو الموضع الثالث من مواضع رفع اليدين، قائلاً:((سمع الله لمن حمده)) فهذا ثلاثة مواضع تُرفَع فيها اليدان، جاءت بها النصوص الصحيحة الصريحة، وعرفنا أن الموضع الرابع هو بعد القيام من التشهد الأول.

ص: 28

فإذا استوى قائماً من ركوعه قال: ((ربنا ولك الحمد)) يقول الإمام: (سمع الله لمن حمده) أثناء الركوع؛ لأنه ذكر الانتقال، مثل التكبير، فإذا استوى قائماً قال:((ربنا ولك الحمد)) وربما قال: ((ربنا لك الحمد)) بدون واو، وربما قال:((اللهم ربنا لك الحمد)) بـ (اللهم) دون الواو، وربما جمع بينهما فقال:((اللهم ربنا ولك الحمد)) فهذه هي أربع صيغ، كلها ثابتة، وإن زعم ابن القيم -رحمه الله تعالى- أن الصيغة الرابعة، وهي الجمع بين اللهم والواو لم تصح، لكنها صحيحة ثابتة في صحيح البخاري، ونعلم أن ابن القيم -رحمه الله تعالى- إنما ألف كتابه زاد المعاد في حال السفر، ليس عنده مراجع ولا كتب، لكنه إمام حافظ، ومن يعرو من الخطأ والنسيان والذهول، فهو ليس بمعصوم -رحمة الله عليه-.

ص: 29

أقول: الجمع بين (اللهم) والواو صحيح ثابت في صحيح البخاري، ويجمع الإمام والمنفرد بين التسميع والتحميد، فيقول كل من الإمام والمنفرد:(سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد) اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، لكن المأموم هل يجمع بينهما؟ ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي، فعند الشافعية يجمع المأموم بين:((سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد)) لأنه ثبت أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (سمع الله لمن حمده) ويقول: (ربنا ولك الحمد) والمأموم مطالب بالاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام والأئتساء به، وغيره يقول: الإمام يقول: (سمع الله لمن حمده) والمأموم يقول: (ربنا ولك الحمد) والإمام أيضاً يقول: (ربنا ولك الحمد) فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: ((سمع الله لمن حمده، اللهم ربنا لك الحمد، ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)) [رواه مسلم]، إذن الإمام والمنفرد يجمع بين التسميع والتحميد، والمأموم يقول:(ربنا ولك الحمد) ولا يقول: (سمع الله لمن حمده) لماذا نقول: لا يقول المأموم (سمع الله لمن حمده)؟ لأنه جاء في الحديث الصحيح: ((فإذا قال سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد)) فهذه وظيفة الإمام، وتلك وظيفة المأموم، قد يقول قائل: الرسول عليه الصلاة والسلام هو القدوة وجمع بينهما؟ نقول: هو قدوة في حاله، وفي مثل حاله عليه الصلاة والسلام، يكون قدوة للإمام في هذا، فهذا وصفه حال كونه إماماً، وما الذي يخرج المأموم؟ يخرجه قوله عليه الصلاة والسلام:((فإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا ولك الحمد)) ((فقولوا)) لأن العطف بالفاء يقتضي الترتيب مع التعقيب، فمجرد ما يقول الإمام:(سمع الله لمن حمده) يقول المأموم: (ربنا ولك الحمد)، كما مضى نظيره ((فإذا قال: ولا الضالين، فقولوا: آمين)) هل معنى هذا أننا مع الإمام نقول: (ولا الضالين)؟ لا، نقول بعد انقطاع نفسه من قوله:(ولا الضالين) نقول: (آمين) وبعد انقطاع نفسه من قوله: (سمع الله لمن حمده) نقول: (ربنا ولك الحمد)

ص: 30