الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن العطف بالفاء يقتضي هذا.
صح عنه أنه كان يقول: ((اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد، ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وباعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب)) وذكر مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم-إذا قال: (سمع الله لمن حمده) قام حتى نقول: قد أوهم، ثم يسجد، ثم يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم.
لأنكم تشاهدون بعض الناس عنده خلل كبير في هذين الركنين، أعني ركن القيام من الركوع والقيام من السجود، فهو مجرد نقر، بعض الناس يفعل هذا بحيث إذا رفع هبط مباشرة. نعم قد يكونون من الناس الوافدين الذين اعتنقوا مذاهب أخرى، قد يوجد هذا، لكن النبي عليه الصلاة والسلام إذا قال:(سمع الله لمن حمده) قام حتى نقول: قد أوهم، وذلك في صحيح مسلم، -يعني يطيل هذا الركن، الذي هو القيام- ثم يسجد، ثم يقعد بين السجدتين حتى نقول: قد أوهم.
وفي حديث أبي حميد: (فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار إلى مكانه) ما المراد بقوله: (إلى مكانه)؟ إلى مكانه إيش قبل الركوع أو قبل الدخول في الصلاة؟ هو الآن قبل الركوع قابض، واضع يديه على صدره، وقبض ركبتيه، ثم رفع من ذلك الركوع، فإذا رفع استوى حتى يعود كل فقار إلى مكانه، هل المراد إلى مكانه قبل الركوع أو قبل الدخول في الصلاة؟ وما الذي يترتب على هذين الاحتمالين؟ إذا قلنا: قبل الركوع، يكون بعد الركوع قابض كما كان قبل الركوع، وهذا هو الأولى، وهو الذي ورد في حديث وائل بن حجر. وإذا قلنا: حتى يعود كل فقار إلى مكانه قبل الدخول في الصلاة، معناه أنه يرسل يديه؛ لأنه قبل الصلاة ما فيه قبض، ولهذا قال بعضهم: أنه لا يقبض يديه بعد الركوع، بل زعم أن ذلك بدعة.
والصواب أنه يقبض يديه بعد الركوع، والمراد:(حتى يعود كل فقار إلى مكانه) ما قبل الركوع، وهو الأقرب.
صفة السجود:
ثم يهوي للسجود دون رفع لليدين، فكان عليه الصلاة والسلام لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، جاء في وصف صلاته عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود، وأما حديث:(كان يرفع مع كل خفض ورفع) فقد قرر الحفاظ أنه وهم من الراوي، وصوابه:(يكبر مع كل خفض ورفع) بل الثابت عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان لا يرفع يديه إذا هوى للسجود.
في حديث وائل بن حجر –وهذه مسألة كثر فيها الكلام، وهي في غاية الأهمية– مسألة ماذا يقدم إذا سجد؟ هل يقدم يديه وإلا يقدم ركبتيه؟ جاء في حديث وائل بن حجر:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) والحديث مخرج في السنن، ومصحح أيضاً (وضع ركبتيه قبل يديه) وعلى هذا إذا سجد المصلي يضع ركبتيه ثم بعد ذلك يضع يديه، وهذا مرجح عند جمع من أهل العلم، وانتصر له ابن القيم.
لكن روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) هذا عكس الحديث السابق، في حديث وائل:(رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) رواه الأربعة، وصححه بعض أهل العلم، لكن روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) وهو أقوى من حديث وائل، حديث أبي هريرة أقوى من حديث وائل، يقول الحافظ ابن حجر: فإن له شاهداً من حديث ابن عمر، صححه ابن خزيمة، وذكره البخاري معلقاً موقوفاً، فهذه المسألة تحتاج إلى بسط، وتحتاج إلى توضيح، الآن عندنا حديثان متضادان في الظاهر، وإذا رأيت من يرجح تقديم الركبتين، كما في حديث وائل، يحكم على الحديث الثاني بأنه ضعيف لأنه مقلوب، وإذا رأيت من يرجح تقديم اليدين على الركبتين، لأنه أقوى من حيث الصناعة وله شواهد، حكم على الحديث الثاني بأنه ضعيف، ابن القيم -رحمه الله تعالى- قال: إن الحديث الثاني حديث أبي هريرة مقلوب، كيف مقلوب؟ يقول:((إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) يقول: إذا وضع يديه قبل ركبتيه، البعير يقدم يديه في بروكه قبل ركبتيه، إذن يكون هذا تناقض، فهو مقلوب؛ لأننا لو أخذناه على ظاهره صرنا متناقضين، هذا تناقض، هكذا قرر ابن القيم، وأطال -رحمه الله تعالى- في تقرير القلب في هذا الحديث، وأجلب على هذه المسألة بكل ما أوتي من قوة وبيان وسعة اطلاع، ليقرر أن الحديث مقلوب.
وبعضهم يرى وينقل عن بعض كتب أهل اللغة أن ركبتي البعير في يديه، لكن افترض أن ركبتي البعير في يديه، هل ينحل الإشكال؟ ما ينحل الإشكال؛ لأنه إذا قدم يديه أشبه بروك البعير في الصورة.
شيخ الإسلام رحمه الله يرى أن الصورتين كلاهما صحيحتان وجائزتان، وسواء قدم الإنسان يديه أو قدم ركبتيه سيان، هذه ثابتة من فعله عليه الصلاة والسلام، وهذه ثابتة من أمره ((وليضع)) اللام لام الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)).
أنا ودي الإخوان ينتبهون شوي؛ لأن هذه المسألة تحتاج إلى دقة فهم، هل الحديث الثاني حديث أبي هريرة مقلوب كما قال ابن القيم؟ أنا أقول: الحديث ليس بمقلوب، وآخره يشهد لأوله ((لا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)) هل فهمنا معنى البروك؟ ما فهمنا معنى البروك، لكي نفهم الحديث، هل طعن أحد من الأئمة المتقدمين في الحديث بأنه مقلوب؟ ما طعن أحد فيه بأنه مقلوب، يعني من تكلم فيه تكلم في إسناده، ما تكلم في متنه، إذن خفيت هذه العلة على المتقدمين؟ ما تخفى، لأنها واضحة، يعني اللي أدركه ابن القيم يمكن أن يدركه آحاد الناس، كل إنسان يشوف البعير يقدم يديه قبل ركبتيه إذا سجد، لكننا ما فهمنا معنى البروك، متى يقال: برك البعير؟ يقال: برك البعير، إذا نزل على الأرض بقوة، أثار الغبار وفرَّق الحصى، فإذا برك بقوة المصلي برك على يديه بقوة وأثار الغبار وفرَّق الحصى وخلخل البلاط كما يفعل بعض الناس نقول: هذا برك مثل ما يبرك البعير، لكن إذا قدم يديه قبل ركبتيه ووضعهما مجرد وضع على الأرض ما يكون برك مثل بروك البعير، امتثل قوله عليه الصلاة والسلام ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) ما برك مثل بروك البعير.
نأتي إلى الحديث الأول، يعني إذا كان تقديم الركبتين أو اليدين الملاحظ مجرد الوضع؛ فإذا نزل الإنسان على الأرض بقوة، فقدم يديه قبل ركبتيه، وسُمِعَ لنزوله على الأرض صوت، لأن بعض الناس تسمع البلاط يتخلل، هذا برك مثل ما يبرك البعير، لكن لو قدم ركبتيه بقوة على الأرض، هل يكون فعل مثل ما فعل النبي عليه الصلاة والسلام ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه))؟
لا يا أخي، نقول: هذا مثل ما يبرك الحمار، يقدم ركبتيه لكن بقوة، وقد نهينا عن مشابهة الحيوانات، أيهما أقوى حديث وائل وإلا حديث أبي هريرة؟ حديث أبي هريرة أقوى ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) يعني نفرق بين مجرد الوضع وبين مشابهة البعير في بروكه على الأرض بقوة، يعني أنت ما تفرِّق بين وضع المصحف على الأرض –وهذا جائز عند أهل العلم- وضع المصحف على الأرض جائز، لكن رمي المصحف على الأرض وإلقاؤه خطر عظيم، بعض أهل العلم يفتي بكفر من يفعل هذا، إذا فعله استخفافاً، فرق بين أن ترمي المصحف، وبين أن تضعه مجرد وضع على الأرض، وهذا جائز، فنريد أن نفهم معنى الوضع، وحينئذ لا يكون هناك تعارض بين أول الحديث ولا آخره.
فنحتاج إلى ترجيح بين الحديثين، الذي يقول: إن حديث أبي هريرة أرجح يقول: نقدم اليدين قبل الركبتين، لكن ما نبرك مثل بروك البعير، ما ننزل على الأرض بقوة، بل نضع اليدين قبل الركبتين، والذي يرجح حديث وائل يقول: النبي عليه الصلاة والسلام كان يضع ركبتيه مجرد وضع على الأرض قبل يديه.
وشيخ الإسلام رحمه الله لحظ مسألة وضع ورفق وهدوء في الصلاة، وسواء قدم الإنسان يديه ولا ركبتيه، المقصود أنه يضع مجرد وضع سيان، والذي يرجح حديث أبي هريرة على حديث وائل، وهو المقتضى، مقتضى ما ذكره الحافظ ابن حجر هنا، يقول: أنا أقدم يديَّ قبل ركبتيَّ برفق، وأضع يديَّ على الأرض قبل ركبتيَّ، وامتثلت هذا الأمر ((وليضع يديه قبل ركبتيه)) والحمد لله، ما صار شيء ما أشبهت البعير، امتثلت الأمر، ولم أشبه البعير.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.