المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تفريغ القلب في الصلاة من الشواغل: - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ١٧

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌تفريغ القلب في الصلاة من الشواغل:

في حديث عمران بن حصين: ‌

((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب))

الحديث دليل على أن القيام مع الاستطاعة لا بد منه في الفريضة، وفي الحديث الآخر:

((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم))

.

قد يقول قائل: لماذا لا نصحح الفريضة على النصف أخذاً بعموم الحديث: ((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) وعمومه يتناول الفريضة والنافلة؟ نقول: عمومه مُعارَض بحديث عمران بن حصين: ((صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً)) فلا تصح الصلاة إلا مع عدم الاستطاعة، ما الذي دلنا على أن المراد بهذه الصلاة النافلة؟ دلنا على ذلك سبب ورود الخبر، النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد والمدينة مُحِمَّة – فيها حمى– فوجدهم يصلون من قعود، فقال عليه الصلاة والسلام:((صلاة القاعد على النصف من أجر صلاة القائم)) فدلنا سبب الورود على أن الصلاة نافلة، كما دلنا أيضاً على أنهم قادرون على أن يصلوا من قيام، فقصرنا الحديث على سببه؛ لأن عمومه مُعارَض بما هو أخص منه حديث عمران بن حصين، قد يقول قائل: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، نقول: صحيح، وهذه القاعدة متفق عليها، نُقِلَ عليها الإجماع، لكن يُعمَل بالعموم ما لم يُعارَض بما هو أخص منه، فإذا عُورِض هذا العموم، قصرنا الخبر على سببه كما سمعنا.

فسبب الورود يدل على أنه في النافلة، النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد وهم يصلون، ولو كانت فريضة ما صلوا قبل حضوره عليه الصلاة والسلام، ودل على أنهم يستطيعون القيام، بدليل أنهم تجشموا القيام فقاموا وهم مرضى، فإذا كان الشخص يستطيع القيام، وصلى النافلة من قعود، صحت صلاته، لكن ليس له من الأجر إلا النصف، وأما الفريضة، فلا تصح إلا من قيام بالنسبة للقادر، وأما العاجز فتصح صلاته فرضاً ونفلاً، وأجره كامل -إن شاء الله تعالى-.

‌تفريغ القلب في الصلاة من الشواغل:

ص: 3

إذا قام – بعد أن توافرت الشروط التي ذكرناها– إذا قام بين يدي ربه عز وجل كبَّر كما في حديث أبي حميد وغيره ماذا يقول: إذا توافرت هذه الشروط أقبل، ونحن نشرح صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على صلاته مفرغاً قلبه من هموم الدنيا، منتظراً لها –لصلاته-، مرتاحاً بها.

هكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام، بخلاف حال كثير من الناس، يأتي وذهنه مشغول بأمور دنياه، يأتي الواحد منا وذهنه مشغول بأمور الدنيا، فأحياناً يدخل الإنسان في صلاته وينصرف منها ما عقل منها شيئاً، وحينئذ لا يكون له من الأجر شيء، من أجر الصلاة، وليس له من صلاته إلا ما عقل، أحياناً يأتي للصلاة وهو مستثقل لها يريد الراحة منها، خلاف حال النبي عليه الصلاة والسلام، الذي يرتاح بها من هموم دنياه؛ لأنه يستحضر بقلبه وقالبه أنه ماثل بين يدي ربه -جل وعلا-.

لكن انشغلنا بأمور دنيانا فعوقبنا بانصراف القلوب عن هذه العبادة العظيمة، ولو استحضرنا مثولنا بين يدي الله -جل وعلا- ما صارت حالنا كهذه، ولما شُغلنا بأدنى شاغل ونحن في الصلاة، أدنى شاغل يشغلنا: تجد الإنسان يدخل المسجد –وهذه قصة واقعة– دخل شخص المسجد فلما كبر الإمام تأمل هذا المصلي المسجد، فوجده مسجداً كبير ومناسب، إلا أنه ليس بجامع؛ فأخذ يخطط لهذا المسجد كيف يكون جامع وهو ليس فيه منبر؟ يخطط للمسجد كيف يكون جامع وما فيه منبر؟ وإذا بجانب المحراب غرفة، فقال: تُزَال هذه الغرفة ويحط منبر. يقول: فرغوا من الصلاة وأنا أنقل العفش اللي في الغرفة إلى آخر المسجد، يعني نأتي إلى الصلاة ونحن بهذه القلوب مع الأسف الشديد، لماذا؟ لأننا شُغِلنا بدنيانا، ولم يكن همنا إرضاء ربنا والإقبال على ما يرضيه.

ص: 4