المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ما ورد من السنة في الأضحية: - دروس الشيخ عبد الكريم الخضير - جـ ٤١

[عبد الكريم الخضير]

الفصل: ‌ما ورد من السنة في الأضحية:

وكأنها أخذت من اسم الوقت الذي شرع ذبحها فيه، وهو الضحى، ثم سمي بها اليوم، يوم العيد، عيد الأضحى، يعني هل نقول: أن الأضحية أخذت من عيد الأضحى؟ لا، لماذا؟ لأنه يلزم عليه الدور، العيد أخذ من الضحايا والهدايا هذه من الضحية؛ لأنه تذبح فيه الأضاحي، والأضحية أخذت من يوم العيد هذا هو الدور، وهذا ممنوع، ترتيب شيء على شيء مترتب عليه ممنوع عند أهل العلم، ولا يمكن، ما يتصور؛ لكن أخذت الأضحية من الضحى من الوقت الثابت المعروف، الذي يلي الصبح الضحى، وقبل الظهيرة أخذت من هذا؛ لأنها تذبح في هذا الوقت، يعني في الغالب بعد الصلاة -صلاة العيد- وقبل الزوال تذبح الضحايا هذا في الغالب، ويجوز ذبحها إلى آخر الوقت الذي جاءت به النصوص، وبعد ذلك أُخذ عيد الأضحى منها، أضيف إليها لأنها تفعل فيه.

‌ما ورد من السنة في الأضحية:

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تدل على مشروعيتها منها:

حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضحي بكبشين أملحين أقرنين، ويسمي ويكبر، ويضع رجله على صفاحِهِما، وفي لفظ:"ذبحهما بيده"[متفق عليه] وفي لفظ: "سمينين" ولأبي عوانة في صحيحه: "ثمينين" الأصل ما جاء في صحيح مسلم "سمينين" وفي صحيح أبي عوانة "ثمينين" نفس الحديث لأن مستخرج أبي عوانة على صحيح مسلم، وهذا مما اختلف فيه المستخرج على أصله، فهل العبرة بالأصل أو بالمستخرج؟ العبرة بالأصل.

ص: 5

أهل العلم يقولون: من فوائد المستخرجات ورود ألفاظ زائدة في المستخرجات لا توجد في الأصل، هذه من فوائد المستخرجات؛ لأنها تزيد ألفاظ وجمل، فهل نقول: إن هذه الزيادة مقبولة وتضم إلى ما في الأصل أو نقول: إن الأصل كلمة واحدة في سياق واحد، فإما سمينين أو ثمينين؟ في الأصل سمينين، لو جاء في المستخرج سمينين ثمينين، قلنا: زيادة؛ لكنها جاءت بدل من اللفظ الأصلي، فتقبل مثل هذه، أو نرجح بين اللفظين؟ أو نقول: لعله ثبت اللفظان، وبعض الروات حفظ لفظاً، وبعضهم حفظ لفظاً آخر، فنجمع بينهما، نلفق من الروايتين سياقاً واحداً، ونطلب من الأضحية أن تكون سمينة ثمينة في الوقت نفسه؟ وعلى هذا لو كانت ثمينة فقط ليست بسمينة لا تكون فاضلة، أو العكس لو كانت سمينة وليست ثمينة لا تكون فاضلة حتى تكون سمينة ثمينة، وعلى رواية مسلم يكفينا أن نتوخى السمينة، ولو كانت رخيصة، وعلى رواية المستخرج نتوخى الثمينة ولو كانت غير سمينة، ولا شك أن كونها سمينة أنفع للفقراء، وكونها ثمينة تدل على طيب نفس باذلها، على طيب نفس المضحي، ولذا جاء الأمر بطيب النفس بها، على ما سيأتي، وإن كان فيه كلام.

المقصود أن على الإنسان أن تطيب نفسه بما يبذله لله -جل وعلا-، ولا شك أن هذا من تعظيم شعائر الله، توخي النافع للفقير مع كونه ثميناً يعني ثمنه مرتفعاً، من غير مباهاة؛ لأنه يوجد في الناس مع الأسف الشديد من يباهي، من يشتري خروف مثلاً بألفين، ثم يتحدث به في المجالس، أنا اشتريت خروف بألفين، في المجالس، وهذه المباهاة لا شك أنها تنقص من الأجر إن لم تقضِ عليه.

وقد اشترى شخص قبل عشرين سنة خروفاً بسبعمائة ريال، فلقيه شخص فقال له: ما هذا؟ قال: هذا أضحية للوالد رحمه الله، قد اشتريتها بسبعمائة ريال، انظر إلى حجمها، انظر إلى ظهرها، قال: لكن في ذمة أبيك دين لي بمقدار خمسمائة ريال، قال: الحقه ما عندي لك شيء، أيهما أهم إبراء ذمته أو التضحية له بهذه الأضحية؟

ص: 6

بلا شك أن إبراء الذمة وقد علق بدينه، ولا شك أن مثل هذه التصرفات لا شك أن لها دلالة على ما في الباطن، وإن كانت القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب؛ لكن هناك دلالات وقرائن تدل على ما وراء الألفاظ تشتري له أضحية في ذلك الوقت، يعني الأضحية يمكن يضحي بمائتين، ويدفع الخمسمائة للدائن، وهذا هو التصرف السليم؛ لكن الآن اشترى هذه الأضحية بسبعمائة، وعينها لوالده لا يستطيع إرجاعها؛ لكن لو رده رداً جميلاً، قال: أنا والله ما عندي خبر من دينك، وأبشر -إن شاء الله- نسعى في سداده، بدلاً من أن يقول: الحقه واتبعه ما عندي لك شيء، فمثل هذه التصرفات لا شك أنها موجودة مع الأسف بين مسلمين، وتجد الإنسان إذا سافر سفر طاعة وأنفق فيه الأموال يتحدث به في المجالس: اعتمرنا في العشر الأواخر، واستأجرنا بخمسين ألف، بستين ألف، ثم بعد ذلك على شان إيش؟ هل تتصور أن هؤلاء المخلوقين الضعفاء الذين لا يقدمون لك نفعاً ولا ضراً تستفيد من كلامك هذا عندهم؟ أبداً، فمثل هذه الأمور الإخلاص يقتضي السر، وعلى هذا نبحث عن السمين الثمين، وشيخ الإسلام سيأتي كلامه في أن الأفضل الثمين مطلقاً، ورواية أبي عوانة تدل على هذا، ولا شك أن هذا يدل على طيب نفس، فرق بين من فكر في الأضحية، أو أهدى للبيت هدية، أو هدياً ثم بعد ذلك يبحث عن أرخص الأشياء، ويجاهد نفسه في إخراج القيمة، وبين من يبادر إذا سمع النص ذهب بحث عن أفضل ما يوجد، ولما أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ابنه تردد؟ تله للجبين، وأمة كاملة بنو إسرائيل يؤمروا بذبح بقرة فذبحوها وما كادوا يفعلون، لا شك أن هذه المبادرة تدل على ارتياح قلبي، وعلى سرعة ومبادرة بالامتثال.

ولمسلم من حيدث عائشة أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بكبش أقرن، يطأ في سواد، ويبرك في سواد، وينظر في سواد، فأتي به ليضحي به فقال لها:((يا عائشة هلمي المُدية)) ثم قال: ((اشحذيها بحجر)) المُدية السكين، ((اشحذيها بحجر)) لتكون حادة ((وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)) ويذبح بكل حاد إلا السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدى الحبشة، كما جاء في الحديث الصحيح.

ص: 7

يعني كون الظفر مدى الحبشة هل معنى هذا أنه ينهى عن استعماله مطلقاً فيما تستعمل به السكين، أو أنه في الذبح خاصة؟

العلة كونه مُدى الحبشة، يعني سكين الحبشة، فلو اشتريت مسواكاً ثم بعد ذلك أردت استعماله فقلت: بظفرك كذا لتزيل اللحى الذي عليه، هل نقول: استعملت مدى الحبشة؟ أو نقول: هذا لا بأس به؟ انظروا للعلة، العلة المنصوصة في الحديث الصحيح، ((أما السن فعظم، وأما الظفر فمُدى الحبشة)) يعني لو أن إنساناً ذبح عصفوراً بظفره مُدى الحبشة، قال: كما يزال لحى السواك بالظفر وكلاهما مُدى الحبشة، وبدل ما استعمل السكين هنا لا تستعملها نفس الشيء، أو نقول: هذا خاص بالذبح؟ يعني استعمال المُدية خاص بالذبح أو عام؟ وإذا استحضرنا هذه العلة في المدية، وأن الظفر مدى الحبشة، هل نقول: أن هذا يمنع في الذبح ويمنع في غيره؟

طالب:. . . . . . . . .

يا إخوان لا نستحضر فيما في أذهاننا، نحن نناقش حديث، هذه العلة المنصوصة، هل هي مطردة في جميع ما يستعمل فيه المدية أو خاصة بالذبح؟

طالب: صدر الحديث نص على الذبح.

قل هذا فرد من أفراد العام في جميع ما يستعمل فيه المدى، التنصيص على فرد لا يعني التخصيص، كون السن عظم هل يمنع من استعماله؟ يعني عندك حبل معقود بقوة تحله بسنك، تقول: عظم، نفس القضية الأولى، يعني كونه عظم يعني لا نستعمله؟ نعم يا إخوان أجيبوا.

يعني قضية العظم وتنجيسه بالدم، يعني إذا استحضرنا لكن ما يمكن يُستحضر كون النهي عن الاستنجاء بعظم وتلويثه وكذا، هل نستحضر مثل هذا ونقرن بين الحكمين؟

طالب: لا.

لماذا؟

طالب: لأن العظم طعام الجن.

يعني طعام الجن، ولن يكون السن في يوم من الأيام طعاماً للجن، يعني هذه العلل هل نقول: أنها مؤثرة مطردة، أو أنها كالتعبدية؟ يعني ما فائدة التنصيص على العلة؟ يعني العلة المنصوصة لها شأن عند أهل العلم بمعنى أنه يدور الحكم معها وجوداً وعدماً، فهل نطرد هذه العلل فيما يستعمل فيه العظم بالنسبة للسن؟ وما تستعمل فيه المدية بالنسبة للظفر؟

طالب: لا.

لماذا؟

طالب: لأن الحكمة تعبدية.

إيه تعبدية لو لم تذكر العلة؛ لكن العلة منصوصة.

طالب: أحسن الله إليك هل الظفر يريح الذبيحة؟

كيف؟

ص: 8

طالب: هل الظفر يريح الذبيحة؟

طيب لو أتينا بمدية غير مشحوذة، يصح وإلا لا؟

طالب: يصح.

ما تريح الذبيحة لكن الذبح صحيح.

طالب: لكن يا شيخ حديث: ((إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة)

مأمورين بهذا؛ لكن أنت افترض أن شخص جاء بمدية كلّة، ثم حرحر الذبيحة إلى أن ذبحها ذبحاً صحيحاً بقطع الودجين والبلعوم، الذبح صحيح، يعني لو ذبحها بمنشار أساء وظلم وتعدى وخالف النهي، ومع ذلك الذبح صحيح، في شيء؟

طالب: السن من جنس الذبيحة.

يعني بحث مثل هذه الأمور ترونه مجدي وإلا نتجاوزه؟ نعم لا سيما قدامنا طلاب علم.

طالب: مجدي بلا شك.

لأن مثل هذا ما أشوف أحد يتطرق له، حتى في الكتب والمؤلفات، ما في أحد تطرق له؛ لكن الذي قدامنا طلاب علم، وتربية طلاب العلم على مثل هذه الأمور لا بد، كيف يتعاملون مع النصوص؟ يعني لو قال لك: علة منصوصة ((أما السن فعظم)) هل نقول: إن اطراد العلة يمشي على جميع العظام فنمنع الذبح بجميع العظام؛ لأن السن عظم وقد نهي عنه، واطراد العلة يكون من هذه الحيثية؟ ولا نطرد العلة بالنسبة للسن فنستعمله استعمال المدية باستمرار؛ لأن عندنا اللفظ فيه تنصيص على العلة، فهل المراد من العلة طرد الحكم في جميع العظام؛ لأن السن عظم فجميع العظام لا تجزئ التذكية بها، ولو جئت بضلع بعير وأردت أن تذبح به قلنا: ما يجوز؛ لأنه عظم، ولو جئت بلحي شاة أو جمل وذبحت به قلنا: ما يجوز؛ لأن السن عظم، وليس الاطراد فيما تستعمل فيه المدية، بقوله:((مدى الحبشة)) وكأن هذا متماثل للاستنباط من الحديث.

وأما بالنسبة للظفر فالمسألة مسألة ذبح، وكونه مدى الحبشة هل يقتضي هذا أننا ممنوعون من جميع ما يستعمله الكفار في الذبح؟

طالب:. . . . . . . . .

ص: 9

أما ما يشترك فيه الشعوب والناس كلهم من مسلمين وكفار وغيرهم هذا ما يقول أحد بمنعه؛ لكن لو عرفنا أن هذه الآلة ما يذبح بها إلا اليهود فقط، أو ما يذبح بها إلا النصارى، أو ما يذبح بها إلا ملة من الملل المخالفة لدين الإسلام تركنها من أجل التشبه بهم، فالظفر نتركه من أجل التشبه بالحبشة، وإذا كان الترك من أجل التشبه فاستعماله في غير هذا الموضع لا يقتضي التشبه، وإذا كان المنع للتشبه ينتفي التشبه لأنهم يذبحون به.

ثم قال: ((اشحذيها بحجر)) ففعلت فأخذها وأخذه فأضجعه ثم ذبحه فقال: ((بسم الله، اللهم تقبل من محمد وآل محمد، ومن أمة محمد)) ثم ضحى به.

التسمية شرط لحل الذبيحة، فالذبيحة التي لا يذكر عليها اسم الله لا يجوز الأكل منها، ميتة، والخلاف بين أهل العلم فيمن نسى التسمية، ومقتضى الاشتراط أنها لا تصح عمداً أو سهواً، إذا تركت.

وقد ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب أضحية النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أقرنين، ويذكر سمينين، إشارة إلى الرواية التي أوردها أبو عوانة، ويذكر سمينين، وقد أوردها الإمام البخاري بصيغة التمريض.

وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية، ومثلما تقدم الذبح عبادة لا يجوز صرفه لغير الله تعالى، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك، وعلى هذا جميع من يعتد بقوله من أهل العلم لا يجيزون الذبح لغير الله -جل وعلا-، كما في قوله سبحانه وتعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لَا شَرِيكَ لَهُ} [(162 - 163) سورة الأنعام] فجعل الذبح مثل الصلاة، لا يصرف لغير الله -جل وعلا-.

يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر الآية: "يأمر الله تعالى نبيه أن يخبر المشركين الذين يعبدون غير الله، ويذبحون لغير اسمه أنه مخالف لهم في ذلك، فإن صلاته لله، ونسكه على اسمه وحده لا شريك له، وهذا كقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] أي: أخلص له صلاتك وذبحك، فإن المشركين كانوا يعبدون الأصنام ويذبحون لها، فأمره الله تعالى بمخالفتهم، والانحراف عما هم فيه، والإقبال بالقصد والنية والعزم على الإخلاص لله تعالى".

ص: 10