الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واختلفوا في حكمها، فذهب أكثر أهل العلم إلى أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه، قال النووي في المجموع شرح المهذب:"هذا مذهبنا -يعني الشافعية- وبه قال أكثر العلماء، منهم أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما- وبلال وابن مسعود البدري -رضي الله تعالى- عن الجميع، وسعيد بن المسيب وعطاء وعلقمة والأسود ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود وابن المنذر"، يعني هذا قول الجمهور، أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة.
وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي هي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى.
وقال محمد بن الحسن: "هي واجبة على المقيم بالأمصار" يعني دون المسافر، ولو لم يكن حاجاً، لأن الحاج بالنسبة لقول أبي حنيفة يكفيه الهدي، وسيأتي في كلام شيخ الإسلام أن الحاج ليس عليه أضحية، وأما بالنسبة لقول محمد بن الحسن أنه مسافر لا شك أن المشقة لاحقة به، والخلاف فيها قوي فلا تجب على المسافر.
والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً، ويقول ابن قدامة في المغني:"أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة" وذكر من تقدم ذكره في الطرفين، يعني من قال بالوجوب، ومن قال بالاستحباب، إلا أنه ذكر مالكاً فيمن أوجبها، يعني مع أبي حنيفة، وهو خلاف المعروف من مذهبه بل مذهبه أنها سنة.
أدلة القائلين بالوجوب:
أما من قال بوجوبها فقد استدل بأدلة، منها: قوله الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(2) سورة الكوثر] وهذا تقدم ذكره، ووجه الاستدلال كما هو واضح في الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
والأمر الثاني: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح)).
((من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى)) يعني لو لم تكن واجبة هل يؤمر بإعادتها؟ ((ومن لم يذبح فليذبح)) واللام في: (فليعد) وفي: (فليذبح) هي لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
ومن ذلكم ما رواه أبو داود في سننه عن عامر أبي رملة، قال:"أخبرنا مخنف بن سليم، قال: ونحن وقوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفات قال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة)) "أتدرون ما العتيرة؟ قال: هي التي يقول الناس: الرجبية".
يقول ابن حجر في الفتح: "أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، إلا أنه قول غير قوي"، يقول الخطابي:"فيه أبو رملة مجهول" ويقول ابن حجر نفسه في التقريب: "أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف" فيكيف يكون قوي وفيه هذا الذي لا يعرف؟
قال الذهبي في الميزان: "عامر أبو رملة فيه جهالة" وقال عبد الحق: "إسناده ضعيف"، وقال أبو داود في سننه بعد سياق الحديث:"العتيرة منسوخة، وهذا خبر منسوخ" ما الناسخ؟ ما رواه الجماعة من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا فرع ولا عتيرة)) والفرع أول النتاج، كان ينتج لهم فيذبحونه، والعتيرة كما قال الترمذي:"ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب، يعظمون بها شهر رجب".
ومن أدلة القائلين بالوجوب ما رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربن مصلانا))، قال ابن حجر في البلوغ في هذا الحديث:"رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم، ورجح الأئمة غيره وقفه"، وقال في فتح الباري: "وأقرب ما يتمسك به لوجوب الأضحية حديث أبي هريرة رفعه: ((من وجد سعة فلم يضحِ فلا يقربن مصلانا)) أخرجه ابن ماجه وأحمد، ورجاله ثقات؛ لكن اختلف في رفعه ووقفه، والموقوف أشبه بالصواب، قاله الطحاوي وغيره، ومع ذلك فليس صريحاً في الإيجاب، يعني على سبيل التنزل، وتصحيح الخبر هل يدل على الوجوب؟ فلا يقربن مصلانا؟ أما على قول من يقول بوجوب صلاة العيد يدل على الوجوب وإلا ما يدل؟
طالب: يدل.
لماذا؟ لأنه في مقابل ترك واجب، ولا يترك الواجب إلا لما هو أوجب منه، وأما على قول من يقول باستحباب صلاة العيد فلا يدل على الوجوب.
نأتي إلى مسألة عكس هذه توضح هذه، هذا الحديث يدل على الوجوب إذا قلنا: بوجوب صلاة العيد، ماذا عن قوله عليه الصلاة والسلام:((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) وصلاة الجماعة واجبة؟ يعني هل نقول: إن صلاة الجماعة ليست واجبة؛ لأنه مُنع منها من يأكل الثوم والبصل وإلا لو قلنا: بوجوب صلاة الجماعة، وهو القول الحق الذي لا مراء فيه، والأدلة عليه متظاهرة متكاثرة؛ لكن هذا على سبيل المناقشة يعني مع طلاب علم، وإلا تقرير المسألة مفروغ منها، وصلاة الجماعة واجبة، ولا يعذر منها إلا العاجز عنها.
((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) فنحن بين أمرين، إما أن نقول: إن صلاة الجماعة ليست بواجبة، أو نقول: إن الثوم والبصل حرام كما يقول ابن حزم؟ لأنه لا يمنع من صلاة الجماعة الواجبة إلا لأمر أعظم منه، والثوم والبصل لما ذكره النبي عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم قيل له: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) ابن حزم لا شك أنها تضاربت عنده النصوص، وهو ممن يرى أن صلاة الجماعة شرط لصحة الصلاة، يعني أقوى مما يذهب إليه أهل التحقيق، فلا يمنع من الجماعة التي هي شرط لصحة الصلاة إلا لأمر محرم.
فالذي يقول بوجوب صلاة الجماعة هل يلزمه أن يقول: بتحريم أكل الثوم والبصل؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، يعني تركهما واجب إذاً أكلهما محرم، ولا يتم الإتيان لصلاة الجماعة إلا بتركهما، فتركهما واجب إذاً أكلهما محرم ضد الواجب؟
وهل في مثل هذه النصوص ترخيص لمن فعل هذه المخالفات في ترك الجماعة؟ أو أنه تعزير وطرد له عن الجماعة؟ لكن لما خف الأمر في نفوس الناس كان هذا الأمر عظيم جداً عند المسلمين أن يطرد من المسجد، لكن لما خف الأمر عند كثير من المسلمين ظنوه ترخيص، وإلا لو كان جالساً في مجلس بين ملأ من القوم ثم قيل له: اخرج، هذا سهل عليه؟! هذا ليس بسهل عليه، فكيف يمنع من دخول المسجد ويرى الأمر سهل؟ هذا ليس بالسهل، إنما هو تعزير له، وعلى هذا فهذا ليس بصريح في الوجوب من قوله:((فلا يقربن مصلانا)) كما أن قوله عليه الصلاة والسلام: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) ليس صريحاً في التحريم، وقد نص النبي عليه الصلاة والسلام على الإباحة، ومع ذلك سماهما شجرتين خبيثتين، فهل وصفهما بالخبث يقتضي إدخالهما في قوله -جل وعلا-:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [(157) سورة الأعراف] أو أن الخبث يطلق بإزاء أمور متعددة؟ يطلق على الدون، على الأقل {وَلَا تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(267) سورة البقرة] يعني لو كان عندك تمر فاخر وتمر أقل منه، ثم أنفقت من الأقل، أنت منهي عن هذا؛ لكن ما في أجر إذا أنفقت؛ لكن هذا نهي إرشاد، يعني أنفق {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(92) سورة آل عمران] ومع ذلك لا تيمموا الخبيث الرديء، وإن كان نافعاً للمحتاج، بعض الناس يقصد الخبيث الرديء، يقصد الرديء ويكثر منه، يقول: بدلاً من أن أشتري مائة كيلو من التمر الجيد أشتري خمسمائة كيلو من التمر الوسط وأنفع أكبر قدر من الفقراء، هذا مقصد حسن، هل نقول: أنه ترك الطيب ولجأ إلى الخبيث؟ المقصود أن مثل هذه الأمور لا شك أن هذه أحوال تنزل منازلها، فإذا رأينا أن المحتاجين أكثر من أن يحصر القدر الطيب فيهم ويعمهم نتوجه إلى ما هو أقل منه بحيث نكثر ونستوعب أكبر قدر من الفقراء، ومع ذلك هو خبيث بالنسبة لما فوقه، فالخبث نسبي وإلا فهو طيب حلال، داخل في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(157) سورة الأعراف] يعني لو نظرنا إلى أسعار التمر مثلاً تجد بمائة ريال الكيلو، وكيلو بمائة ريال وتجد بريالين، وعندك أسر كثيرة