المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث عشر - الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية - ط المكتب الإسلامي

[أبو حفص البزار]

الفصل: ‌الفصل الثالث عشر

‌الْفَصْل الثَّالِث عشر

فِي أَن الله جعله حجَّة فِي عصره ومعيارا للحق وَالْبَاطِل ومريد الاجل وَغير مُؤثر العاجل

وَهَذَا امْر قد اشْتهر وَظهر فَإِنَّهُ رضي الله عنه لَيْسَ لَهُ مُصَنف وَلَا نَص فِي مَسْأَلَة وَلَا فَتْوَى إِلَّا وَقد اخْتَار فِيهِ مَا رَجحه الدَّلِيل النقلي والعقلي على غَيره وتحرى قَول الْحق الْمَحْض فبرهن عَلَيْهِ بالبراهين القاطعة الْوَاضِحَة الظَّاهِرَة بِحَيْثُ إِذا سمع ذَلِك ذُو الْفطْرَة السليمة يثلج قلبه بهَا ويجزم بِأَنَّهَا الْحق الْمُبين وتراه فِي جَمِيع مؤلفاته إِذا صَحَّ الحَدِيث عِنْده يَأْخُذ بِهِ وَيعْمل بِمُقْتَضَاهُ ويقدمه على قَول كل قَائِل من عَالم ومجتهد

وَإِذا نظر الْمنصف اليه بِعَين الْعدْل يرَاهُ وَاقِفًا مَعَ الْكتاب وَالسّنة لَا يميله عَنْهُمَا قَول أحد كَائِنا من كَانَ وَلَا يراقب فِي الاخذ بعلومهما أحدا وَلَا يخَاف فِي ذَلِك اميرا وَلَا سُلْطَانا وَلَا سَوْطًا وَلَا سَيْفا وَلَا يرجع عَنْهُمَا لقَوْل أحد وَهُوَ متمسك بالعروة الوثقى وَالْيَد الطُّولى وعامل بقوله تَعَالَى {فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا}

ص: 78

وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا اختلفتم فِيهِ من شَيْء فَحكمه إِلَى الله}

وَمَا سمعنَا انه اشْتهر عَن اُحْدُ مُنْذُ دهر طَوِيل مَا أشتهر عَنهُ من كَثْرَة مُتَابَعَته للْكتاب وَالسّنة والامعان فِي تتبع معانيهما وَالْعَمَل بمقتضاهما وَلِهَذَا لَا يرى فِي مَسْأَلَة اقوالا للْعُلَمَاء إِلَّا وَقد أفتى بأبلغها مُوَافقَة للْكتاب وَالسّنة وتحرى الاخذ بأقومها من جِهَة الْمَنْقُول والمعقول

وَلما من الله عَلَيْهِ بذلك جعله حجَّة فِي عصره لاهله حَتَّى ان اهل الْبَلَد الْبعيد عَنهُ كَانُوا يرسلون اليه بالاستفتاء عَن وقائعهم ويعولون عَلَيْهِ فِي كشف مَا الْتبس عَلَيْهِم حكمه فيشفى غلتهم بأجوبته المسددة ويبرهن على الْحق من اقوال الْعلمَاء الْمقيدَة حَتَّى إِذا وقف عَلَيْهَا كل محق ذُو بَصِيرَة وتقوى مِمَّن قد وفْق لترك الْهوى اذعن بقبولها وَبَان لَهُ حق مدلولها وَإِن سمع عَن أحد من أهل وقته مُخَالفَته فِي حَقه الْمَشْهُور يكون مِمَّن قد ظهر عَلَيْهِ للخاصة وللعامة فعل الشرور والاشتغال بترهات الْغرُور وَمن اراد تَحْقِيق مَا ذكرته فليمعن النّظر ببصيرته فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يرى عَالما من أَي أهل بلد شَاءَ مُوَافقا لهَذَا الامام معترفا بِمَا منحه الله تَعَالَى من صنوف الالهام مثنيا عَلَيْهِ فِي كل محفل ومقام إِلَّا وَرَاءه من

ص: 79

اتبع عُلَمَاء بَلَده للْكتاب وَالسّنة وأشغلهم بِطَلَب الاخرة وارغبهم فِيهَا وابلغهم فِي الاعراض عَنْهَا وأهملهم لَهَا وَلَا يرى عَالما مُخَالفا لَهُ منحرفا عَنهُ ملتبسا بالشحناء لَهُ إِلَّا وَهُوَ من أكبرهم نهمة فِي جمع الدُّنْيَا وأوسعهم حيلا فِي تَحْصِيلهَا وَأَكْثَرهم رِيَاء وأطلبهم سمعة واشهرهم عِنْد ذِي اللب أحوالا ردية وأشدهم على ذَوي الحكم وَالظُّلم دهاء ومكرا وابسطهم فِي الْكَذِب لِسَانا

وَإِن نظ الى محبيه ومبغضيه من الْعَوام رَآهُمْ كَمَا وصفت من اخْتِلَاف القبيلين الاولين وَلَقَد امعنت فكري ونظري فِيمَا ذكرته فرأيته كَمَا وَصفته لَا وَالله مَا اتحرج فِي اُحْدُ مِنْهُمَا وَمن ارتاب فِي ذَلِك فليعتبر هُوَ بِنَفسِهِ فَإِنَّهُ يرَاهُ كَذَلِك إِن أزاح عَنهُ غطاء الْهوى وَمَا كَانَ ذَلِك كَذَلِك إِلَّا لما علم الله سُبْحَانَهُ من حسن طوية هَذَا الامام وإخلاص قَصده وبذل وَسعه فِي طلب مرضاة ربه ومتابعة سنة نبيه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ وعَلى آله وَصَحبه

ص: 80