المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي هَيئته ولباسه   كَانَ رضي الله عنه متوسطا فِي لِبَاسه - الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية - ط المكتب الإسلامي

[أبو حفص البزار]

الفصل: ‌ ‌الْفَصْل الثَّامِن فِي هَيئته ولباسه   كَانَ رضي الله عنه متوسطا فِي لِبَاسه

‌الْفَصْل الثَّامِن

فِي هَيئته ولباسه

كَانَ رضي الله عنه متوسطا فِي لِبَاسه وهيئته لَا يلبس فاخر الثِّيَاب بِحَيْثُ يرمق ويمد النّظر إِلَيْهِ وَلَا أطمارا وَلَا غَلِيظَة تشهر حَال لَا بسها ويميز من عَامَّة النَّاس بِصفة خَاصَّة يرَاهُ النَّاس فِيهَا من عَالم وعابد بل كَانَ لِبَاسه وهيئته كغالب النَّاس ومتوسطهم وَلم يكن يلْزم نوعا وَاحِدًا من اللبَاس فَلَا يلبس غَيره بل كَانَ يلبس مَا اتّفق وَحصل وَيَأْكُل مَا حضر وَكَانَت بذاذة الايمان عَلَيْهِ ظَاهِرَة لَا يرى متصنعا فِي عِمَامَة وَلَا لِبَاس وَلَا مشْيَة وَلَا قيام وَلَا جُلُوس وَلَا يتهيأ لأحد يلقاه وَلَا لمن يرد عَلَيْهِ من بلد

وَمن الْعجب اني كنت قد رايته قبل لقِيه بِمدَّة فِيمَا يرى النَّائِم وَنحن جُلُوس نَأْكُل طَعَاما على صفة مُعينَة فحال لقيتي لَهُ ودخولي عَلَيْهِ وجدته يَأْكُل مثل ذَلِك الطَّعَام على نَحْو من الصّفة الَّتِي رَأَيْت فأجلسني وأكلنا جَمِيعًا كَمَا رَأَيْت فِي الْمَنَام

وَأَخْبرنِي غير وَاحِد أَنه مَا رَآهُ وَلَا سمع أَنه طلب طَعَاما قطّ وَلَا

ص: 53

غداء وَلَا عشَاء وَلَو بَقِي مهما بَقِي لشدَّة اشْتِغَاله بِمَا هُوَ فِيهِ من الْعلم وَالْعَمَل بل كَانَ يُؤْتِي بِالطَّعَامِ وَرُبمَا يتْرك عِنْده زَمَانا حَتَّى يلْتَفت اليه وَإِذا أكل أكل شَيْئا يَسِيرا

قَالَ وَمَا رَأَيْنَاهُ يذكر شَيْئا من ملاذ الدُّنْيَا وَنَعِيمهَا وَلَا كَانَ يَخُوض فِي شَيْء من حَدِيثهَا وَلَا يسْأَل عَن شَيْء من معيشتها بل جعل همته وَحَدِيثه فِي طلب الاخرة وَمَا يقرب الى الله تَعَالَى

وَهَكَذَا كَانَ فِي لِبَاسه لم يسمع أَنه أَمر ان يتَّخذ لَهُ ثوب بِعَيْنِه بل كَانَ أَهله يأْتونَ بلباسه وَقت علمهمْ باحتياجه الى بدل ثِيَابه الَّتِي عَلَيْهِ وَرُبمَا بقيت عَلَيْهِ مُدَّة حَتَّى تتسخ وَلَا يَأْمر بغسلها حَتَّى يكون أَهله هم الَّذين يسألونه ذَلِك

وَأخْبر أَخُوهُ الَّذِي كَانَ ينظر فِي مَصَالِحه الدُّنْيَوِيَّة أَن هَذَا حَاله فِي طَعَامه وَشَرَابه ولباسه وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ مِمَّا لَا بُد مِنْهُ من أُمُور الدُّنْيَا

وَمَا رَأَيْت احدا كَانَ أَشد تَعْظِيمًا للشَّيْخ من أَخِيه هَذَا أَعنِي

ص: 54

الْقَائِم بأوده وَكَانَ يجلس بِحَضْرَتِهِ كَأَن على رَأسه الطير وَكَانَ يهابه كَمَا يهاب سُلْطَانا وَكُنَّا نعجب مِنْهُ فِي ذَلِك ونقول من الْعرف وَالْعَادَة أَن اهل الرجل لَا يحتشمونه كالاجانب بل يكون انبساطهم مَعَه فضلا عَن الاجنبي وَنحن نرَاك مَعَ الشَّيْخ كتلميذ مبالغ فِي احتشامه واحترامه فَيَقُول إِنِّي ارى مِنْهُ اشياء لَا يَرَاهَا غَيْرِي أوجبت عَليّ ان أكون مَعَه كَمَا ترَوْنَ

وَكَانَ يسْأَل عَن ذَلِك فَلَا يذكر مِنْهُ شَيْئا لما يعلم من عدم إِيثَار الشَّيْخ لذَلِك

ص: 55