المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي ذكر بعض كراماته وفراسته   أَخْبرنِي غير وَاحِد من الثِّقَات - الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية - ط المكتب الإسلامي

[أبو حفص البزار]

الفصل: ‌ ‌الْفَصْل التَّاسِع فِي ذكر بعض كراماته وفراسته   أَخْبرنِي غير وَاحِد من الثِّقَات

‌الْفَصْل التَّاسِع

فِي ذكر بعض كراماته وفراسته

أَخْبرنِي غير وَاحِد من الثِّقَات بِبَعْض مَا شَاهده من كراماته وَأَنا أذكر بَعْضهَا على سَبِيل الِاخْتِصَار وأبدأ من ذَلِك بِبَعْض مَا شاهدته

فَمِنْهَا اثْنَيْنِ جرى بيني وَبَين بعض الْفُضَلَاء مُنَازعَة فِي عدَّة مسَائِل وَطَالَ كلامنا فِيهَا وَجَعَلنَا نقطع الْكَلَام فِي كل مَسْأَلَة بِأَن نرْجِع الى الشَّيْخ وَمَا يرجحه من القَوْل فِيهَا

ثمَّ أَن الشَّيْخ رضي الله عنه حضر فَلَمَّا هممنا بسؤاله عَن ذَلِك سبقنَا هُوَ وَشرع يذكر لنا مَسْأَلَة مَسْأَلَة كَمَا كُنَّا فِيهِ وَجعل يذكر غَالب مَا أوردناه فِي كل مسأله وَيذكر اقوال الْعلمَاء ثمَّ يرجح مِنْهَا مَا يرجحه الدَّلِيل حَتَّى أَتَى على آخر مَا أردنَا ان نَسْأَلهُ عَنهُ وَبَين لنا مَا قصدنا أَن نستعلمه مِنْهُ فَبَقيت أَنا وصاحبي وَمن حَضَرنَا أَولا مبهوتين متعجبين مِمَّا كاشفنا بِهِ وأظهره الله عَلَيْهِ مِمَّا كَانَ فِي خواطرنا

ص: 56

وَكنت فِي خلال الايام الَّتِي صحبته فِيهَا إِذا بحث مسأله يحضر لي إِيرَاد فَمَا يستتم خاطري بِهِ حَتَّى يشرع فيورده وَيذكر الْجَواب من عدَّة وُجُوه

وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح المقريء أَحْمد بن الحريمي أَنه سَافر الى دمشق قَالَ فاتفق اني لما قدمتها لم يكن معي شئ من النَّفَقَة الْبَتَّةَ وانا لَا اعرف احدا من أَهلهَا فَجعلت أَمْشِي فِي زقاق مِنْهَا كالحائر فَإِذا بشيخ قد أقبل نحوي مسرعا فَسلم وهش فِي وَجْهي وَوضع فِي يَدي صرة فِيهَا دَرَاهِم صَالِحَة وَقَالَ لي انفق هَذِه الْآن وخلي خاطرك مِمَّا انت فِيهِ فَإِن الله لَا يضيعك ثمَّ رد على أَثَره كَأَنَّهُ مَا جَاءَ إِلَّا من أَجلي فدعوت لَهُ وفرحت بذلك

وَقلت لبَعض من رَأَيْته من النَّاس من هَذَا الشَّيْخ

فَقَالَ وكأنك لَا تعرفه هَذَا ابْن تَيْمِية لي مُدَّة طَوِيلَة لم أره اجتاز بِهَذَا الدَّرْب

وَكَانَ جلّ قصدي من سَفَرِي الى دمشق لقاءه فتحققت أَن الله أظهره عَليّ وعَلى حَالي فَمَا احتجت بعْدهَا الى اُحْدُ مُدَّة إقامتي بِدِمَشْق بل فتح الله عَليّ من حَيْثُ لَا احتسب واستدللت فِيمَا بعد عَلَيْهِ وقصدت زيارته وَالسَّلَام عَلَيْهِ فَكَانَ يكرمني ويسألني عَن حَالي فاحمد الله تَعَالَى اليه

ص: 57

وحَدثني الشَّيْخ الْعَالم المقريء تَقِيّ الدّين عبد الله ابْن الشَّيْخ الصَّالح المقريء احْمَد بن سعيد قَالَ سَافَرت إِلَى مصر حِين كَانَ الشَّيْخ مُقيما بهَا فاتفق أَنِّي قدمتها لَيْلًا وَأَنا مثقل مَرِيض فأنزلت فِي بعض الامكنة فَلم ألبث أَن سَمِعت من يُنَادي باسمي وكنيتي فاجبته وَأَنا ضَعِيف فَدخل إِلَيّ جمَاعَة من أَصْحَاب الشَّيْخ مِمَّن كنت قد اجْتمعت ببعضهم فِي دمشق فَقلت كَيفَ عَرَفْتُمْ بقدومي وَأَنا قدمت هَذِه السَّاعَة فَذكرُوا أَن الشَّيْخ أخبرنَا بأنك قدمت وَأَنت مَرِيض وأمرنا ان نسرع بنقلك وَمَا رَأينَا أحدا جَاءَ وَلَا أخبرنَا بِشَيْء

فَعلمت أَن ذَلِك من كرامات الشَّيْخ رضي الله عنه

وحَدثني ايضا قَالَ مَرضت بِدِمَشْق اذ كنت فِيهَا مرضة شَدِيدَة منعتني حَتَّى من الْجُلُوس فَلم اشعر إِلَّا وَالشَّيْخ عِنْد رَأْسِي وَأَنا مثقل مشتد بالحمى وَالْمَرَض فَدَعَا لي وَقَالَ جَاءَت الْعَافِيَة

فَمَا هُوَ إِلَّا أَن فارقني وَجَاءَت الْعَافِيَة وشفيت من وقتي

وحَدثني قَالَ كنت قد استكبت شعرًا لبَعض من انحرف عَن الْحق فِي الشَّيْخ قد تنقصه فِيهِ وَكَانَ سَبَب قَول ذَلِك الشّعْر أَنه نسب إِلَيّ قائلة شعر وَكَلَام يدل على الرَّفْض فَأخذ الرجل وَأثبت ذَلِك عَلَيْهِ فِي وَجهه عِنْد حَاكم من حكام الشَّرْع المطهر فامر بِهِ فشهر حَاله بَين النَّاس فَتوهم ان الَّذِي كَانَ سَبَب ذَلِك الشَّيْخ فَحَمله ذَلِك على ان قَالَ فِيهِ ذَلِك الشّعْر وَبَقِي عِنْدِي وَكنت رُبمَا أورد بعضه فِي بعض الاحيان فَوَقَعت فِي عدَّة أَشْيَاء

ص: 58

من الْمَكْرُوه وَالْخَوْف متواترة وَلَوْلَا لطف الله تَعَالَى بِي فِيهَا لأتت على نَفسِي فنطرت من ايْنَ دهيت فَلم أر لذَلِك سَببا إِلَّا إيرادي لبَعض ذَلِك الشّعْر فعاهدت الله ان لَا اتفوه بشئ مِنْهُ فَزَالَ عني أَكثر مَا كنت فِيهِ من المكاره وَبَقِي بعضه وَكَانَ ذَلِك الشّعْر عِنْدِي فاخذته وحرقته وغسلته حَتَّى لم يبْق لَهُ أثر واستغفرت الله تَعَالَى من ذَلِك فَأذْهب الله عني جَمِيع مَا كنت فِيهِ من الْمَكْرُوه وَالْخَوْف وابدلني الله بِهِ عَكسه وَلم أزل بعد ذَلِك فِي خير وعافية

وَرَأَيْت ذَلِك حَالا من أَحْوَال الشَّيْخ وَمن كرامته على الله تَعَالَى

وحَدثني أَيْضا قَالَ أَخْبرنِي الشَّيْخ ابْن عماد الدّين الْمُقْرِئ الْمُطَرز قَالَ قدمت على الشَّيْخ وَمَعِي حِينَئِذٍ نَفَقَة فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ ورحب بِي وأدناني وَلم يسألني هَل مَعَك نَفَقَة ام لَا

فَلَمَّا كَانَ بعد أَيَّام ونفدت نفقتي أردْت أَن اخْرُج من مَجْلِسه بعد ان صليت مَعَ النَّاس وَرَاءه فَمَنَعَنِي وأجلسني دونهم فَلَمَّا

ص: 59

خلا الْمجْلس دفع الي جملَة دَرَاهِم وَقَالَ انت الْآن بِغَيْر نَفَقَة فارتفق بِهَذِهِ فعجبت من ذَلِك

وَعلمت ان الله كشفه على حَالي أَولا لما كَانَ معي نَفَقَة وآخرا لما نفدت واحتجت الى نَفَقَة

وحَدثني من لَا أَتَّهِمهُ ان الشَّيْخ رضي الله عنه حِين نزل الْمغل بِالشَّام لاخذ دمشق وَغَيرهَا رجف أَهلهَا وخافوا خوفًا شَدِيدا

وَجَاء اليه جمَاعَة مِنْهُم وسألوه الدُّعَاء للْمُسلمين فَتوجه الى الله ثمَّ قَالَ أَبْشِرُوا فَإِن الله يأتيكم بالنصر فِي الْيَوْم الْفُلَانِيّ بعد ثَالِثَة حَتَّى ترَوْنَ الرؤوس معبأة بَعْضهَا فَوق بعض

قَالَ الَّذِي حَدثنِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ اَوْ كَمَا حلف مَا مضى إِلَّا ثَلَاث مثل قَوْله حَتَّى راينا رؤوسهم كَمَا قَالَ الشَّيْخ على ظَاهر دمشق معبأة بَعْضهَا فَوق بعض

وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح الْوَرع عُثْمَان بن احْمَد بن عِيسَى النساج أَن الشَّيْخ رضي الله عنه كَانَ يعود المرضى بالبيمارستان بِدِمَشْق فِي كل اسبوع فجَاء على عَادَته فعادهم فوصل الى شَاب مِنْهُم فَدَعَا لَهُ فشفي سَرِيعا وَجَاء الى الشَّيْخ يقْصد السَّلَام عَلَيْهِ فَلَمَّا رَآهُ هش لَهُ وَأَدْنَاهُ ثمَّ دفع اليه نَفَقَة وَقَالَ قد شفاك الله فعاهد الله أَن تعجل الرُّجُوع الى بلدك أَيجوزُ أَن تتْرك زَوجتك

ص: 60

وبناتيك أَرْبعا ضَيْعَة وتقيم هَا هُنَا فَقبل يَده وَقَالَ يَا سَيِّدي أَنا تائب الى الله على يدك وَقَالَ الْفَتى وَعَجِبت مِمَّا كاشفني بِهِ وَكنت قد تَركتهم بِلَا نَفَقَة وَلم يكن قد عرف بحالي أحد من أهل دمشق

وحَدثني من أَثِق بِهِ ان الشَّيْخ رضي الله عنه أخبر عَن بعض الْقُضَاة انه قد مضى مُتَوَجها الى مصر المحروسة ليقلد الْقَضَاء وَأَنه سَمعه يَقُول حَال مَا اصل الى الْبَلَد قَاضِيا احكم بقتل فلَان رجل معِين من فضلاء اهل الْعلم وَالدّين قد أجمع النَّاس على علمه وزهده وورعه وَلَكِن حصل فِي قلب القَاضِي مِنْهُ من الشحناء والعداوة مَا صوب لَهُ الحكم بقتْله فَعظم ذَلِك على من سَمعه خوفًا من وُقُوع مَا عزم عَلَيْهِ من الْقَتْل لمثل هَذَا الرجل الصَّالح وحذرا على القَاضِي ان يوقعه الْهوى والشيطان فِي ذَلِك فَيلقى الله متلبسا بِدَم حرَام وفتك بِمُسلم مَعْصُوم الدَّم بِيَقِين وكرهوا وُقُوع مثل ذَلِك لما فِيهِ من عَظِيم الْمَفَاسِد فأبلغ الشَّيْخ رضي الله عنه هَذَا الْخَبَر بِصفتِهِ

فَقَالَ إِن الله لَا يُمكنهُ مِمَّا قصد وَلَا يصل الى مصر حَيا فبقى بَين القَاضِي وَبَين مصر قدر يسير وأدركه الْمَوْت فَمَاتَ قبل وصولها كَمَا اجرى الله تَعَالَى على لِسَان الشَّيْخ رَضِي الله عَنهُ

ص: 61

قلت وكرامات الشَّيْخ رضي الله عنه كَثِيرَة جدا لَا يَلِيق بِهَذَا الْمُخْتَصر اكثر من ذكر هَذَا الْقدر مِنْهَا وَمن اظهر كراماته أَنه مَا سمع بِأحد عَادَاهُ اَوْ غض مِنْهُ إِلَّا وابتلي بعدة بلايا غالبها فِي دينه وَهَذَا ظَاهر مَشْهُور لَا يحْتَاج فِيهِ الى شرح صفته

ص: 62