المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصلفي تهاون الناس في صلاة الفجر - الإبانة عن أسباب الإعانة على صلاة الفجر وقيام الليل

[رقية المحارب]

الفصل: ‌فصلفي تهاون الناس في صلاة الفجر

- فيما يعودُ على المسلمِ من قيامِ الليلِ في الدُّنيا والآخرةِ.

- الأسبابَ المعينةَ على قيامِ الليلِ.

- الترهيبَ من تركِ قيامِ الليلِ.

- ما جاء عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في قيامِ الليلِ.

- بعضَ الآثارِ عن السَّلفِ الصَّالحِ في قيامِ الليلِ.

‌فصلٌ

في تهاونِ النَّاسِ في صلاةِ الفجرِ

أعتقد أنَّه لا يُخالفني أحدٌ في أنَّ حضورَ صلاةِ الفجرِ جماعةً، أو أداءَها في وقتها أقلُّ من غيرِه من الفروضِ؛ فمن يرى المصلين في صلاةِ المغربِ أو العشاءِ، ويراهم في صلاةِ الفجرِ؛ يدركْ مدى التهاونِ في صلاةِ الفجرِ، وكم نسبة المتهاونين فيها.

إنّ مؤدِّي صلاةِ الفجرِ لا يبلغون ربعَ (1) مؤدِّي صلاةِ المغربِ - مثلاً- فلمَ ذلك؟!

أليستا في الفرضيِّةِ سواءٌ؟ أليستا في الأجرِ سواءٌ؟! بل خُصَّت صلاةُ الفجرِ بشرفِ شهودِ اللهِ لها، وبأنَّها صلاةٌ مشهودةٌ، ومن صلَّاها جماعةً فكأنَّما صلَّى الليلَ كلَّه، كما أخبرَ بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، وشرفُ شهودِ صلاةِ الفجرِ أخبر عنه سبحانه بنصِّ الآيةِ، حيث قال:(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا)[الإسراء:78]، قال المفسرون: قرآنُ الفجرِ، صلاةُ الصبحِ، وسمِّيت بذلك لكثرةِ ما يُقرأ فيها من القرآنِ، ومشهودًا: أي تشهده ملائكةُ الليلِ وملائكةُ النهارِ (2) .

إنَّ هذا التفريطَ مدعاةٌ لغضبِ الربِّ سبحانه، فإنَّه ينزلُ إلى السماءِ الدُّنيا في ثُلثِ الليلِ الأخيرِ حتى يُصلَّى الفجرُ. فكيف لا يغضبُ اللهُ تعالى وهو يرى من عبادِه الزهدَ في لقائِه، وإيثارَ النومِ والراحةِ على القيامِ لمناجاتِه وسؤاله، وهو المتفضلُ ذو الجلالِ والإكرامِ.

(1) نشرت مجلة الدعوة بتاريخ 20/10/1411 تحقيقًا بعنوان "صلاة الفجر الحد الأعلى ربع المصلين" وقد أجريت مقابلات مع عدد من أئمة المساجد شهدوا بذلك. فراجعه إن شئت العدد 1290

(2)

تفسير الشوكاني

ص: 5

أين نحنُ من رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ الذي غُفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّرَ، وكان يقومُ حتى تتفطَّرَ قدماه، فيُقالُ له، فيقولُ: أفلا أكونُ عبدًا شكورًا.

روى المغيرةُ بنُ شعبةَ –رضي الله عنه قال: (قام رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حتى تفطرت قدماه فقيل له: أمَا قد غُفر لك ما تقدم من ذنبِك وما تأخر؟، قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا) متفق عليه،

قال الغزاليُّ –رحمه الله:" يظهرُ من معناه أنَّ ذلك كنايةٌ عن زيادةِ الرُّتبةِ، فإنَّ الشكرَ سببُ المزيدِ، قال تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7] "(1) .

يظهرُ من هذا الحديثِ مدى حرصِ المصطفى – صلى الله عليه وسلم على عبادةِ ربِّه، ومع هذا فلم تزل تتنزَّلُ عليه الآياتُ التي هي أشدُّ على صدرِه من وقعِ الجبالِ (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) [المزمّل:5] .

اللهُ أكبرُ!! كيف نتصوَّرُ تلقِّي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لقولِه تعالى: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا * وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلا * إِذًا لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا)[الإسراء:73-75]

كيف نتصوَّرُ تلقِّي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لقولِه تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الزمر:65]

كيف نتصوَّرُ تلقِّيه صلى الله عليه وسلم لقولِه تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)[المائدة:67]

(1) إحياء علوم الدين (1/353)

ص: 6

بل كيف نتصوَّرُ تلقِّيه صلى الله عليه وسلم لقولِه تعالى: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[الأنفال:67،68]

اللهُ أكبرُ؛ كيف يتحمَّلُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلقّيَ هذه الآيةِ؟! إنَّه الصبرُ.. إنَّه الصلاةُ.. إنَّه الإيمانُ العظيمُ الراسخُ.. إنَّه الاجتهادُ والمجاهدةُ لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا، وليقامَ شرعُ اللهِ في الأرضِ.. إنه كمالُ المحبةِ.. وكفى!!.

كمالُ المحبةِ الذي يجعله صلى الله عليه وسلم يقومُ الليلَ وثلثيه ونصفَه وثُلثَه.. يرتل القرآنَ ترتيلاً، باكيًا، خاشعًا، خائفًا على أمتِه. إنَّ هذا الوقوفَ بين يدي اللهِ في هدأةِ العيونِ وظُلَمِ الليالي والسكونِ؛ لهو أكبرُ دليلٍ على محبةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لربِّه تعالى، مع أنَّه غَفرَ له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّرَ. إنَّها لذةُ المناجاةِ للحبيبِ التي لا يعرفُها إلا من ذاقَها.

إنّ هذه الوقفةَ والمناجاةَ تحقِّقُ لذةً في القلبِ أثناءَها وبعدَها، ونورًا في الوجهِ على الرغمِ من السَّهَرِ؛ حيث يشعرُ العبدُ بالغِبطةِ والسَّعادةِ. وسرُّ ذلك رضا اللهِ سبحانه وتعالى حيث يضحكُ ويعجبُ لمن يترك فراشَه الوثيرَ، وزوجتَه الحسناءَ، رغبةً فيما عند اللهِ وطلبًا لمرضاته.

وكيف لا يرضى وهو الذي يقولُ: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا)[النساء:147]

إن شكرتمُ!!

تأملي أختي، وتأملْ أخي هذه الكلمةَ وتأملْ قولَه صلى الله عليه وسلم:(أفلا أكون عبدًا شكورًا) .

ص: 7