الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
سُورَةُ الضُّحَى
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى.
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ يُوهِمُ ظَاهِرُهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ ضَالًّا قَبْلَ الْوَحْيِ، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [30] ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فُطِرَ عَلَى هَذَا الدِّينِ الْحَنِيفِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُهَوِّدْهُ أَبَوَاهُ وَلَمْ يُنَصِّرَاهُ وَلَمْ يُمَجِّسَاهُ، بَلْ لَمْ يَزَلْ بَاقِيًا عَلَى الْفِطْرَةِ حَتَّى بَعَثَهُ اللَّهُ رَسُولًا، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَنَّ أَوَّلَ نُزُولِ الْوَحْيِ كَانَ وَهُوَ يَتَعَبَّدُ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَذَلِكَ التَّعَبُّدُ قَبْلَ نُزُولِ الْوَحْيِ دَلِيلٌ عَلَى الْبَقَاءِ عَلَى الْفِطْرَةِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: ضَالًّا فَهَدَى أَيْ غَافِلًا عَمَّا تَعْلَمُهُ الْآنَ مِنَ الشَّرَائِعِ وَأَسْرَارِ عُلُومِ الدِّينِ الَّتِي لَا تُعْلَمُ بِالْفِطْرَةِ وَلَا بِالْعَقْلِ، وَإِنَّمَا تُعْلَمُ بِالْوَحْيِ، فَهَدَاكَ إِلَى ذَلِكَ بِمَا أَوْحَى إِلَيْكَ، فَمَعْنَى الضَّلَالِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الذَّهَابُ عَنِ الْعِلْمِ.
وَمِنْهُ بِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى [2 282] .
وَقَوْلُهُ: لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى [20 \ 52]، وَقَوْلُهُ: قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ [12 \ 95]، وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَتَظُنُّ سَلْمَى أَنَّنِي أَبْغِي بِهَا
…
بَدَلًا أَرَاهَا فِي الضَّلَالِ تَهِيمُ
وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ [42 \ 52] ، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ شَرَائِعُ دِينِ الْإِسْلَامِ.
وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ [12 \ 3]، وَقَوْلُهُ: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
[4 \ 113] ، وَقَوْلُهُ وَمَا كُنْتَ
تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [28 \ 86] .
وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: «ضَالًّا» ، ذَهَابُهُ وَهُوَ صَغِيرٌ فِي شِعَابِ مَكَّةَ، وَقِيلَ: ذَهَابُهُ فِي سَفَرِهِ إِلَى الشَّامِ، وَالْقَوْلُ الْأَوَّلِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَنِسْبَةُ الْعِلْمِ إِلَى اللَّهِ أَسْلَمُ.