الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من صفات طالب العلم
لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإن المؤمن في هذه الدنيا في جهاد وفي ابتلاء وامتحان، يقول الله جل وعلا {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} (1){وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (2) المؤمن في هذه الدنيا في جهاد، جهاد مع نفسه، هذه النفس التي بين جنبيه هو في جهاد معها ليكونها نفسا بتوفيق الله تلومه على ترك الخير وفعل الشر، ثم يرتقي بها إلى أن تكون نفسا مطمئنة، تطمئن للخير وترتاح له، إنه في جهاد مع عدو سلط عليه من القدم، عدو متربص به الدوائر، عدو قعد له في كل طريق يثبطه عن الخير ويصده عنه، عدو أنظره الله إلى يوم الدين فهو في جهاد ليتخلص من وساوسه ومن أباطيله ومن ضلالاته، إنه جهاد منع الأهواء التي إن ابتلي بها صرفته عن طريق الله المستقيم. قال تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} (3) .
والمخرج من الفتن بعد توفيق الله لا يكون إلا بالعلم الشرعي والحرص على طلبه والعمل به، وطالب العلم يتميز بأمور:
فهو حريص على الخير أينما كان، طالب العلم متميز بحبه للخير وسعيه في الخير ودعوته الناس إلى الخير.
طالب العلم هو ذلك الرجل الذي يعرف عند المواقف بحكمته وبصيرته وأناته وتفهمه لكل قضية لكي يعالجها على ضوء الكتاب والسنة.
(1) سورة العنكبوت الآية 2
(2)
سورة العنكبوت الآية 3
(3)
سورة الجاثية الآية 23
طالب العلم متميز؛ لأنه عند كل قضية تحل به، فلا تراه مندفعا بلا روية، ولا تراه متسرعا، تراه بعيدا عن حلم وأناة، إن في قلبه غيرة، وفي قلبه حمية لدين الله، وفي قلبه نصرة لدين الله، لكنه يتعقل في أموره كلها، فينطق بالحق من غير شطط وجور، وهو بعيد عن قيل وقال وبئس مطية القوم زعموا.
طالب العلم ينظر في أقواله التي يقولها، وألفاظه التي يتلفظ بها، فيزنها بالميزان الشرعي العادل.
طالب العلم إذا أراد أن يعالج خطأ أو ينبه على خطأ، فإن الاتزان يصحبه في أموره كلها، لا ترى طالب العلم يكيل للناس الأقوال من غير روية، ولا يحكم على الناس بحكم عام من غير بصيرة، فالأحكام على الناس تحتاج إلى دليل يعتمد عليه القائل إلى دليل مادي واقعي يعتمد عليه فيما يقول وفيما يتصرف، ومن وزن أقواله قبل أن يقول، ووزن ألفاظه قبل أن ينطق بها، استطاع بتوفيق من الله أن يحقق مراده.
طالب العلم دائما يقرأ قول الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (1) وطالب العلم يحكم بالحق والعدل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا} (2) .
ولا يسيء الظن بالناس مطلقا، ولا يكيل لهم التهم مطلقا، ولكن يتبصر في الأمر ويحاول الدعوة إلى الخير وإصلاح الخطأ بالطريق الشرعي لا بطريق عاطفة تحمله على تصرفات خاطئة، فيتزن في أموره كلها ويحكم على الأشياء من منظار سليم ومن منظار صحيح، لا يكون ممن يتحكم الناس في قوله فينشر كل ما يقولون، ولكن يزن الأمور والأقوال على الميزان العادل حتى يقول كلمة الحق الواضحة التي لا إفراط فيها ولا تفريط.
(1) سورة الحجرات الآية 6
(2)
سورة المائدة الآية 8
لا شك في وجود عدو لنا وعدو لديننا وهذا أمر لا أحد ينازع فيه، ولكن الأمة مطالبة قبل كل شيء بإصلاح نفسها، بإصلاح وضعها، أن نصلح أخطاء أنفسنا، وكل منا خطاء وكل منا واقع في خطأ، فنسأل الله أن يوفقنا لإصلاح أنفسنا قبل كل شيء، الله تعالى قال لنبيه وأصحابه {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (1) فبين تعالى أن مصابهم كان من تلقاء أنفسهم لما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قد فروا عن الثغر الذي ألزمهم النبي صلى الله عليه وسلم البقاء فيه، فبين الله لهم أن هذا من أنفسهم، قال بعض الصحابة ما كنا نظن ذلك حتى سمعنا هذه الآية فتبصرنا في أنفسنا فعلمنا من أين أتينا.
إن المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والإسلام، بلد وفقه الله للخير وأنعم الله عليه نعمة الإسلام، بأن حكم شريعة الله ومحاكمه تحكم بشرع الله وتقيم حدود الله، وبلد حوى الحرمين الشريفين، وبلد يمثل قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وبلد من الله عليه بالأمن والاستقرار والهدوء والانضواء تحت قيادة نسأل الله لها التوفيق والعون والرشاد.
(1) سورة آل عمران الآية 165
نحن لا نؤيد الأخطاء، لكن لسنا نجزم بأن هناك عدوا في داخلنا، نحن أمة واحدة، وجماعة واحدة، وإن وجد أخطاء عند بعضنا فعياذا بالله أن نقول هؤلاء أعداء، لا شك أن الأخطاء لا يقرها أحد ولكن هل نقول عند كل خطأ بتقسيم أنفسنا إلى صراع بيننا، لا يا إخوة، نحن أمة واحدة، ونحن ولله الحمد في هذا البلد المبارك أمة واحدة، لكن كون أحد منا يخطئ، الخطأ واقع من الناس ولا بد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«كلكم خطاء وخير الخطائين التوابون (1) » وقال عليه الصلاة والسلام: «لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم (2) » . فالله تعالى بين لنا أنه خلق أبانا آدم بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه وأسكنه جنته، وقال: كل الجنة لك سوى هذه الشجرة، فآدم علم ولكن طبيعة ابن آدم الخطأ والنسيان {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} (3){وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} (4){ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (5) .
فانظر إلى أبينا آدم أبي البشر من له تلك المميزات ومع هذا وقع في الخطأ، فوقوع الأخطاء في أي زمان وفي أي مجتمع ليس أمرا غريبا، إنما الغريب أن يستمر الناس على الخطأ، والغريب أن لا يعالج الخطأ، ولكن كيف يعالج الخطأ؟ إنه لا يعالج إلا بالأسلوب الحكيم والبصيرة في الأمور كلها.
(1) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2499) ، سنن ابن ماجه الزهد (4251) ، مسند أحمد بن حنبل (3/198) ، سنن الدارمي الرقاق (2727) .
(2)
صحيح مسلم التوبة (2749) ، مسند أحمد بن حنبل (2/305) .
(3)
سورة البقرة الآية 36
(4)
سورة طه الآية 121
(5)
سورة طه الآية 122
والمنتسبون إلي العلم يعالجون كل قضية بحكمة وبصيرة وروية، يدرسونها، وينظرونها من كل الجوانب فإذا تصوروا الأمر التصور الصحيح ووضح عندهم وضوحا بينا وأدركوا القضية، وما يترتب عليها في الحاضر وما عسى أن سيكون- لأن علم الغيب عند الله- ودرسوها دراسة جيدة وتوصلوا إلى حلول مناسبة تعالج أي قضية، تقدموا إلى المسئولين بطريقة حكيمة، والمسئولون ولله الحمد لم يغلقوا أبوابهم أمامنا، ولم يوصدوها أمامنا بل هم يقبلون النصيحة، لكن الأمور تحتاج منا إلى حكمة، وتحتاج منا إلى روية، ويحتاج طالب العلم أن ينطلق من تصوره المنطلق الصحيح، لا شك أن هناك غيورين ومتحمسين يحملهم دين وتقى لا شك، لكن قد يفقدون الحكمة أحيانا، وقد يوسعون الهوة أحيانا، وقد يتسببون في حدوث تصادم أحيانا، وهذا أمر لا يليق، إنما طلاب العلم يتميزون برويتهم في الأمور وتبصرهم في المواقف وعلاجهم للقضايا على مستوى من العقل والعلم والإدراك، وأما أن نشيع أن هناك عدوا داخليا، وأن هناك وأن هناك حتى لو قدر أني أعلم شيئا من هذا فليست مهمتي أن أضخم هذه الأمور وأن أخيف الناس بكذا، لأني لا أريد أن أشيع الفاحشة بين المؤمنين، ولا أريد أن أفتح هوة، أقول إن مجتمعنا منفصل، لا، مجتمعنا مجتمع إسلامي إن شاء الله، ومجتمعنا مجتمع متوحد إن شاء الله، والزلات والهفوات هذه أمور لا يمكن أن يخلو أي زمن منها.
إن العالم الإسلامي واجه مثل هذه الأمور في القرن الثاني بعد التابعين وتابعيهم عندما قال قوم بخلق القرآن، وماذا نتج عن ذلك، وكيف كان الإمام أحمد وأمثاله يعالجون هذه القضية بحكمة وبصيرة إلى أن وفقهم الله فصبروا وكان صبرهم عن علم حتى اتضح الحق وانجلى وافتضح الباطل واندمر.
إن علماء الأمة قديما لا يعالجون القضايا بتعظيمها وتضخيمها، نحن نعلم أن الدنيا لا تخلو من خطأ والله تعالى أخبرنا أن أولادنا قد يكونون أعداء لنا وأنهم فتنة لنا، هل نقول الأولاد أعداء فنهجرهم، هذا لا يصح؛ لأن الله تعالى أخبر أنهم نعمة، ولكن منهم من قد يكون عدوا لأبيه، وما نوع تلك العداوة، إنه لا ينبغي لطلاب العلم إذا حلت مشكلة أن يصوروها بشيء ربما يستثير عواطف من لا يحسن ولا يتبصر، وإنما تعالج القضايا بين أروقة العلماء، وفي مجتمعاتهم الخاصة دراسة وتبصرا وإدراكا للعواقب وتصورا للنتائج، ثم رفع ذلك إلى ولاة الأمر بطريقة أدبية يقصد من خلالها تحقيق المصلحة العامة، أما العواطف والحماس الذي قد يخرج عن طوره وقد لا ينضبط وقد يترك أثرا غير سليم فلا أوصي به إخواني ولا أنصحهم بذلك، وإنما نصيحتي لكم أيها الإخوة، أن نكون على اتصال دائم فيما بيننا، وصلة فيما بيننا، وتدارس للمشاكل فيما بيننا، وأما أخطاء الصحافة، أو كتاب الصحافة، وتجاهل بعضهم، وسوء عبارة بعضهم، فهذا خطأ منهم لا يمكن أن ننسبه لغيرهم، هؤلاء أخطئوا والواجب نصحهم وتحذيرهم، وإن شاء الله لن يتكرر ذلك، لكن أن أجعل هذه القضية دليلا على أن هناك عدوا منتصبا، هذا لا ينبغي، المجتمع مجتمع خير إن شاء الله، وقيادته حريصة على الخير أينما كان، إنها قيادة إسلامية وحريصة على ما ينفع هذا المجتمع، ولكن الأمور يجب أن تأخذ مسارها من الطرق السليمة والقنوات الصادقة والمخلصة، وأن يكون بيد أهل العلم يدرسون كل قضية دراسة متأنية، والدارسون حريصون على أن يجدوا حلولا مناسبة ثم يتقدمون بها، وسوف يحققون إن شاء الله الخير.
إنه لا ينبغي أن نفتح للمغرضين والفارغين وقاصري الفكر أبوابا يدخلون من خلالها، فيصعبون الأمور، ويتوقعون ما لا يكون، ونحن ولله الحمد مسلمون، وأما أن نقارن عدونا اليهودي بعدو بيننا فهذا أمر خطير لا ينبغي المجازفة فيه، أخوك المسلم يخطئ، فنعم، والمسلم يكون فيه خطأ وصواب، وإيمان وفسق كما قرر العلماء، وأما أن نقول هذا عدو يهودي خارجي، وهذا عدو مثله داخلي ونحو ذلك، فأنا لا أحب لطلبة العلم أن يجازفوا بالأقوال من غير روية ولا بصيرة، ولو سئل بعضهم، حدد العدو الداخلي، وما هي أهدافه، وأين يكون، لم تر جوابا، وإنما هي مجرد أقوال تتلقف. . قال تعالى {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} (1) .
فأوصي طلبة العلم بتقوى الله والتمسك بدين الله وأن يكونوا دعاة إلى دين الله على علم وبصيرة، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
(1) سورة النور الآية 15