الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العلم
لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن العلم هو أجل ما طلب، وأهم ما اكتسب، كيف لا والعلم هو شرط تحقيق التوحيد لله رب العبيد، يقول الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (1) ، والله عز وجل حين شهد لنفسه سبحانه بالوحدانية استشهد على ذلك خاصة خلقه وهم الملائكة المقربون، ثم استشهد من البشر أفضلهم وخاصتهم وهم العلماء، يقول الله تعالى:{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (2) .
(1) سورة محمد الآية 19
(2)
سورة آل عمران الآية 18
ومن اكتسب علما وحصله فقد حاز خيرا عظيما، وربنا عز وجل نفى مساواة العالم بغير العالم في قوله تعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (1) .
ومن كان من أهل العلم، فإنه مؤهل ليكون أخشى لله عز وجل وأتقى له سبحانه، لما يعلمه من آياته ومخلوقاته، ولما يعرفه من حق الله تبارك وتعالى عليه، يقول سبحانه:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (2) ، والعلم الشرعي هو ميراث نبينا صلى الله عليه وسلم، بل هو ميراث الأنبياء عليهم السلام جميعا، كما قال نبينا صلى الله عليه وسلم:«وإن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر (3) » .
والمتحدث عن فضل العلم لا يجد عناء في بيان فضله، إذ الجميع متفق على ذلك العالم، والجاهل؛ فإن الجاهل ينفر من صفة الجهل ولا يرضى أن يوصم بها، وإذا ما وسم بالعلم فإنه يفرح بذلك، وما ذاك إلا لإقراره بمكانة العلم وفضله، والعلم الحقيقي، هو العلم بالله عز وجل وأسمائه وصفاته، وما يجب له من حق على عباده، والتفكر في مخلوقاته، والنظر في آياته الشرعية للعمل بما فيها من الأوامر اتباعا، والنواهي اجتنابا، ومن ثم دعوة الخلق إلى ذلك ونشره فيهم فإن هذا العلم هو الذي يورث العبد زيادة في الإيمان، ورضا من ربه الرحيم الرحمن، ومنزلة عالية في الجنان.
والعلم الحقيقي ليس بتزويق الألفاظ، وتنميق العبارات، ورصف الجمل، واختيار التراكيب المعقدة، وحوشي الكلام، والألفاظ نادرة الاستعمال، مما يجعل طريق الوصول إلى المعنى وعرا، ومن ثم يكون فهمه متعسرا إن لم يكن متعذرا، وربما كانت العبارة حمالة أوجه، بلا بيان يسفر عن الوجه المراد، ولا مرجح يمكن من اعتماد أحد معانيه، وإنما العلم الحقيقي كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(بحث محقق، أو نقل مصدق، وما سوى ذلك فهذيان مزوق) .
(1) سورة الزمر الآية 9
(2)
سورة فاطر الآية 28
(3)
رواه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث أبي الدرداء رضي الله عنه برقم 21208.
وهذا ما سار عليه سلف هذه الأمة، وأخذ ذلك عنهم الخلف الصالح، حتى كان سمة بارزة في علمهم، حتى قيل عنهم: كلام السلف قليل، كثير الفائدة، وعلى هذا سار علماء الأمة يتبعون في ذلك آثار سلفهم، وممن سار على هذا الطريق، ونهج هذا النهج أئمة الدعوة السلفية في نجد - غفر الله لهم ورحمهم -، وورث ذلك عنهم طلابهم في هذه البلاد وخارجها، إلى هذا العصر، وقد كانت جهود هؤلاء العلماء الأفاضل متواكبة مع تأييد حكام هذه البلاد المباركة الذين أيدوا هذه الدعوة السلفية ونصروها، ومن تأييدهم لها إنشاء هيئة لكبار العلماء في هذه البلاد، لتكون مرجعا للفتوى في هذه البلاد المباركة، وهذه الهيئة تضطلع بأعمال جليلة، منذ إنشائها عام 1391هـ وحتى الآن، وقد صدر عنها بحوث مفيدة، وفتاوى هامة، جمعت بعض البحوث منها فخرجت في سبعة مجلدات، ومما يتبع لهذه الهيئة مجلة البحوث الإسلامية، التي تعنى بنشر فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وفتاوى المفتي العام، وفتاوى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله، وفتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والفتاوى الصادرة منا، وما يستجد من قرارات هيئة كبار العلماء إضافة إلى عنايتها بالبحوث العلمية الموثقة التي يكتبها الباحثون ويرسلونها فيتم تحكيمها من قبل لجنة المحكمين، وتنشر بعد تحكيمها في المجلة.
وهذه المجلة المباركة صدر أول عدد منها عام 1395هـ بناء على المرسوم الملكي رقم (1 / 137) وتاريخ 8 / 7 / 1391هـ الذي تشكل به لأول مرة مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وبيان لائحة سير العمل في هيئة كبار العلماء
…
ونصت المادة (11) من اللائحة على إصدار مجلة دورية، وهي مجلة علمية دورية محكمة، تصدر كل أربعة أشهر مؤقتا، وقد صدر من أعدادها إلى الآن (81) عددا، ورأس تحريرها في بداية إصدارها الشيخ عثمان الصالح رحمه الله، إلى العدد الخامس، وقد أثرى المجلة بخبراته وسار بها سيرا حثيثا إلى أن سلمها إلى معالي الدكتور/ محمد بن سعد الشويعر، الذي تولى رئاسة التحرير من العدد السادس الذي صدر في عام 1403هـ وحتى الآن - مد الله في عمره على طاعته - وكان لخبرة معالي الدكتور الطويلة في الإعلام - إضافة إلى علميته وسعة أفقه، وجده في العمل أثر كبير في تطوير المجلة والانتقال بها مرحلة مرحلة لتصل إلى ما وصلت إليه الآن.
هذا وإن هذه المجلة المباركة وهي تصدر الآن عددها (الواحد والثمانين) لتعد من أهم المراجع العلمية، والبحثية لطلاب العلم، نظرا لثرائها بالبحوث المحكمة إضافة إلى ما تميزت به من نشر فتاوى العلماء، وما سبقت به من متابعة لقرارات هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية وبحوثها.
وإني إذ أحمد الله عز وجل على هذه النعمة، لأشكر لأخي معالي الدكتور جهوده المتواصلة والحثيثة في هذا السبيل، وأشكر لجميع الإخوة العاملين في المجلة، وقبل ذلك أشكر أصحاب المعالي والفضيلة في لجنة تحكيم البحوث، كما أشكر كل من تواصل مع المجلة ببحث، أو فائدة، أو استدراك، أو اقتراح، والمجلة ترحب بذلك كله سعيا وراء الارتقاء بمستوى المجلة، واستمرار قوتها العلمية، ورائد الجميع تقوى الله عز وجل، والحرص على نشر الدين والدعوة إليه.
أسأل الله عز وجل أن يوفق ولاة أمرنا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعلهم هداة مهتدين ويعلي بهم منار الدين، كما أسأله سبحانه أن يوفقنا وإخواننا العلماء لما فيه نصر دينه وبيانه للناس وأن يسددنا في أقوالنا وأعمالنا، وأن يبارك في جهود الجميع، وأن يجعل هذه المجلة منبر هدى، ومنار خير إنه سبحانه سميع مجيب.
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ