المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[استعمال المرأة ما يسقط الحيض] - رسالة في الدماء الطبيعية للنساء

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌[المقدمة]

- ‌الفصل الأول: في معنى الحيض وحكمته

- ‌[الفصل الثاني في زمن الحيض ومدته]

- ‌[السن الذي يأتي فيه الحيض]

- ‌[مدة الحيض]

- ‌[حيض الحامل]

- ‌[الفصل الثالث في الطوارئ على الحيض]

- ‌[الفصل الرابع في أحكام الحيض]

- ‌[الأول الصلاة]

- ‌[الثاني الصيام]

- ‌[الثالث الطواف بالبيت]

- ‌[الرابع طواف الوداع]

- ‌[الخامس المكث في المسجد]

- ‌[السادس الجماع]

- ‌[السابع الطلاق]

- ‌[الثامن اعتبار عدة الطلاق بالحيض]

- ‌[التاسع الحكم ببراءة الرحم]

- ‌[العاشر وجوب الغسل]

- ‌[الفصل الخامس الاستحاضة وأحكامها]

- ‌[تعريف الاستحاضة]

- ‌[أحوال الاستحاضة]

- ‌[حال من تشبه المستحاضة]

- ‌[أحكام الاستحاضة]

- ‌[الفصل السادس في النفاس ومدته]

- ‌[تعريف النفاس]

- ‌[أحكام النفاس]

- ‌[الفصل السابع استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه وما يمنع الحمل أو يسقطه]

- ‌[استعمال المرأة ما يمنع حيضها]

- ‌[استعمال المرأة ما يجلب الحيض]

- ‌[استعمال المرأة ما يمنع الحمل]

- ‌[استعمال المرأة ما يسقط الحيض]

- ‌[فتاوى مهمة في أحكام الحيض]

الفصل: ‌[استعمال المرأة ما يسقط الحيض]

كثيرة الحمل، والحمل يرهقُها، فتحبُّ أن تنظم حملها كل سنتين مرة، أو نحو ذلك فهذا جائز، بشرط أن يأذن به زوجها وألا يكونَ به ضرر عليها، ودليله أن الصحابة كانوا يعزلون عن نسائهم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ألا تحمل نساؤهم، فلم ينهوا عن ذلك. والعزل أن يجامع زوجته وينزع عند الإنزال فينزل خارج الفرج.

[استعمال المرأة ما يسقط الحيض]

وأما استعمال ما يسقط الحمل فهو على نوعين:

الأول: أن يقصد من إسقاطه إتلافه، فهذا إن كان بعد نفخ الروح فيه فهو حرام، بلا ريب، لأنه قتل نفس محرَّمةٍ بغير حق وقتل النفس المحرمة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين. وإن كان قبل نفخ الروح فيه فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجازَه، ومنهم من مَنعه، ومنهم من قال يجوزُ ما لم يكن علَقَة أي ما لم يمض عليه أربعون يومًا، ومنهم من قال يجوزُ ما لم يتبيّن فيه خلْقُ إنسان.

والأحوط المنع من إسقاطه إلا لحاجة كأن تكون الأم

ص: 56

مريضة لا تتحمل الحمل أو نحو ذلك، فيجوزُ إسقاطه حينئذ إلا إن مضى عليه زمن يمكنُ أن يتبين فيه خلْقُ إنسان فيمنعُ، والله أعلم.

الثاني: ألا يقصد من إسقاطه إتلافه بأن تكون محاولة إسقاطه عند انتهاء مدة الحمل وقُرْب الوضع فهذا جائز، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على الأم، ولا على الولد. ولا يحتاج الأمر إلى عملية، فإن احتاج إلى عملية فله حالات أربع:

الأولى: أن تكون الأم حيةً والحمل حيًّا، فلا تجوزُ العملية إلا للضرورة، بأن تتعسر ولادتها فتحتاجُ إلى عملية، وذلك لأن الجسم أمانة عند العبد، فلا يتصرف فيه بما يخشى منه إلا لمصلحة كبرى؛ ولأنه ربما يظنُّ ألا ضرر في العملية فيحصل الضرر.

الثانية: أن تكون الأم ميتة والحمل ميتًا، فلا يجوزُ إجراء العملية لإخراجه لعدم الفائدة.

الثالثة: أن تكون الأم حيةً والحمل ميتًا، فيجوزُ إجراء

ص: 57

العملية لإخراجه، إلا أن يخشى الضرر على الأم لأن الظاهر - والله أعلم - أن الحمل إذا مات لا يكادُ يخرجُ بدون العملية، فاستمراره في بطنها يمنعُها من الحمل المستقبل، ويشُقُّ عليها، وربما تبقى أيِّمًا إذا كانت معتدَّة من زوج سابق.

الرابعة: أن تكون الأم ميتة والحمل حيًّا، فإن كان لا ترجى حياته لم يجزْ إجراء العملية.

وإن كان ترجى حياته، فإن كان قد خرج بعضه شُقَّ بطن الأم لإخراج باقيه، وإن لم يخرجْ منه شيء فقد قال أصحابنا رحمهم الله لا يشق بطن الأم لإخراج الحمل، لأن ذلك مُثلة، والصواب أنه يُشَقُّ البطن إن لم يكنْ إخراجه بدونه، وهذا اختيار ابن هبيرة قال في الإنصاف (1) وهو أولى.

قلت ولا سيما في وقتنا هذا فإن إجراء العملية ليس

(1) الإنصاف 2: 556.

ص: 58

بمثلة، لأنه يُشَقُّ البطن ثم يُخَاط، ولأن حرْمَة الحي أعظم من حُرْمَة الميت، ولأن إنقاذ المعصوم من الهَلَكة واجب. والحمل إنسان معصوم فوجب إنقاذه. والله أعلم.

تنبيه: في الحالات التي يجوزُ فيها إسقاط الحمل فيما سبق لا بدَّ منْ إذن من له الحمل في ذلك كالزوج.

وإلى هنا انتهى ما أردْنا كتابته في هذا الموضوع المهم، وقد اقتصرنا فيه على أصول المسائل وضوابطها وإلا ففروعها وجزيئاتها وما يحدث للنساء من ذلك بحر لا ساحل له، ولكن البصير يستطيعُ أن يَرُد الفروع إلى أصولها والجزئيات إلى كلياتها وضوابطها، ويقيس الأشياء بنظائرها.

وليعلم المفتي بأنه واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ ما جاءتْ به رُسُلهُ، وبيانه للخلْق، وأنه مسئول عما في الكتاب والسنة، فإنهما المصدران اللذان كُلِّفَ العبد فهمهما، والعمل بهما، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو خطأ، يجبُ رَدُّه على قائله، ولا يجوز العمل به،

ص: 59

وإن كان قائله قد يكون معذورًا مجتهدًا فيؤجر على اجتهاده لكن غيره العالم بخطئه لا يجوز له قبوله.

ويجب على المفتي أن يخلص النية لله تعالى، ويستعين به في كل حادثة تقع به، ويسأله تعالى الثبات والتوفيق للصواب.

ويجب عليه أن يكون موضع اعتباره ما جاء في الكتاب والسنة، فينظر ويبحث في ذلك أو فيما يستعانُ به من كلام أهل العلم على فهمهما.

وإنه كثيرًا ما تحدث مسألة من المسائل، فيبحث عنها الإنسان فيما يقدرُ عليه من كلام أهل العلم، ثم لا يجدُ ما يطمئن إليه في حكمها، وربما لا يجدُ لها ذكرًا بالكلية، فإذا رجع إلى الكتاب والسنة، تبين له حكمهما قريبًا ظاهرًا وذلك بحسب الإخلاص والعلم والفهم.

ويجب على المفتي أن يتريَّث في الحكم عند الإشكال، وألا يتعجل، فكم من حكم تعجل فيه، ثم تبين له بعد النظر القريب، أنه مخطئ فيه، فيندم على

ص: 60

ذلك، وربما لا يستطيعُ أن يستدرك ما أفتى به.

والمفتي إذا عرف الناس منه التأني والتثبت وثقوا بقوله واعتبروه، وإذا رأوه متسرعًا، والمتسرع كثير الخطأ، لم يكن عندهم ثقة فيما يفتي به فيكون بتسرعه وخطئه قد حَرَمَ نفسه وحرم غيره ما عنده من علم وصواب.

نسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم. وأن يتولانا بعنايته. ويحفظنا من الزلل برعايته، إنه جواد كريم؛ وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

تم بقلم الفقير إلى الله:

محمد الصالح العثيمين

في ضُحى يوم الجمعة

الموافق 14 شعبان سنة 1392 هـ.

ص: 61