الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع
في فروع متفرقة ومولدات
منها: هل تبطل الصلاة بحملها، وذلك ينبني على نجاستها، وطهارتها، وقد سبق. وقال القرافي رحمه الله: سئل بعض فقهاء العصر عمن صلى والحشيشة معه، هل تبطل صلاته فأجاب، إن صلى بها قبل أن تحمَّص أو تصلق صحت صلاته، أو بعد ذلك بطلت؛ لأنها إنما تغيِّب العقل بعد التحميص أو الصلق، أما قبله فهو ورق أخضر فلا، بل هي كالعصير للعنب، وتحميصه كغليانه.
قال: وسألت عن هذا الفرق جماعة ممن يعانيها فاختلفوا على قولين: منهم من سلمه، ومنهم من قال: يؤثر مطلقاً، وإنما تحمص لإصلاح طعمها، وتعديل صفتها خاصة.
فعلى القول بعدم الفرق تبطل الصلاة، وعلى القول به يكون الحق ما قاله المفتى عن صح أنها مسكرة، وإلا صحت بها الصلاة مطلقاً.
قال: والذي
أعتقده أنها لا تبطل الصلاة مطلقاً كالبنج.
وهذا قاله بناء على اعتقاده أنها مفسدة وليست بمسكرة.
ومنها: هل يحرم يسيرها الذي لا يسكر؟
وصرح النووي في " شرح المهذب " بأنه لا يحرم أكل القليل من الذي لا يسكر.
والفرق أن الحشيش طاهر، والخمر نجس، فلا يجوز شرب قليله للنجاسة.
وكلام " التنبيه " يفهم جواز أكل قليل الحشيش فإنه قال: وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله، وقليلها طاهر لا ضرر في أكله. ولذلك صرح القرافي رحمه الله فقال: إنه يجوز تناول اليسير منها.
كل ذلك بناء على اعتقاده أنها ليست بمسكرة.
أما الشيخ محيى الدين رحمه الله، وغيره ممن يعتقد أنها مسكرة فلا يحسن منه إطلاق تجويز القليل، وقد صح في الحديث الصحيح:(ما أسكر كثيره فقليله حرام)
والمتجه أنه لا يجوز تناول شيء من الحشيش لا قليل ولا كثير، وهو أشد ضرراً من الخمر.
ومنها: أنه هل يجب على آكله التقيؤ منها؟
إن قلنا: إنها مسكرة، ولنا خلاف في وجوب التقيؤ من شرب الخمر، ومحله إذا شرب قدراً لا يسكر، أو أكل نجاسة.
فإن شرب منها قدراً لو ترك في باطنه لأسكره، وجب تقيؤه بلا خلاف، لأن إزالة العقل تحرم قطعاً.
وحينئذ فنقول: إن من أكل من الحشيش قدراً
يسكره، وجب التقيؤ منها كالخمر قطعاً، وإلا لم يجب للطهارة.
ومنها: تجويز أكلها للمضطر إذا جاع، ولا يفرع على الخلاف في الخمر للعطش؛ لأن الخمر إنما امتنعت لكون شربها يزيد في العطش، وأكل الحشيش لا يزيد في الجوع، وغاية ما فيها أنها تغطي العقل، وتغطية العقل للدواء ونحوه جائز، عند اليد المتآكلة، فيجب أكلها حفظا للروح.
ومنها: لو لم يتضرر شخص بأكل الحشيش، ولا يسكر به؟
فالظاهر أنها لا تحرم عليه للطهارة، وعدم الضرر، وقد صرح الإمام بذلك في الشخص الذي لا يضره أكل السموم الضارة، فقال: لا يحرم عليه
تعاطيها.
وهذا بخلاف الخمر، يحرم شربها على من لا يسكر بها، وإن لم يتضرر بها للنجاسة.
ومنها: جواز التداوي بها، إن ثبت أنها تنفع من بعض الأدواء، وقد قيل: إنها تحلل النفخ، وتنقي الأبرية من الرأس عند غسله بها، والأبرية مرض يحدث بسطح الرأس، وهي بثور بيض مبصرة، والعلة في فعلها لذلك ما اشتملت عليه من الحرارة واليبس، وينبغي الجزم بالجواز.
قال الزعفراني: والمحمودة وغيرها مما يقتل كثيرة، قد أجمع
الناس على تناول القليل منه للحاجة.
ثم رأيت الروياني في " البحر " صرح بذلك فقال: ويجوز التداوي به وإن أفضى إلى السكر إذا لم يكن منه بد.
قال: وما يسكر مع غيره ولم يسكر بنفسه إن لم تنتفع به في دواء أو غيره فيحرم أكله، وإن كان ينتفع به حل التداوي به.
ونص الإمام الشافعي رضي الله عنه على أنه لا يجوز أكل الدرياق المعمول من لحوم الحيات، إلا في حالة الضرورة، بحيث يجوز له أكل الميتة.
فائدة: تحص مما سبق أنه يجوز تناولها في خمسة مواضع:
أكل يسيرها على ما قاله النووي رحمه الله، وأكلها لمن لا يسكر بها، وأكلها لمن يتداوى بها، وأكلها عند قطع اليد المتآكلة، وأكلها عن المخمصة. ويجب إن لم يجز.
ومنها: أنه يحرم، إطعامها الحيوان، كما يحرم إسكاره، وقد قيل: إنها لا تأكلها، ومنها أنه يجوز بيع اليسير منها.
نعم بيعها لأنها تنفع من الأدوية كالسقمونيا والأفيون بشرط أن يكون يسيراً.
نعم بيعها لمن يتحقق منه تعاطيها حرام، كما في بيع العنب لعاصر الخمر، وقياس قولهم أنها مسكرة بطلان البيع وإن كانت طاهرة، كآلات الملاهي.
ومنها: زراعتها لغرض الاستعمال والإسكار حرام، ويجوز لغرض التداوي، وقد أفتى تقي الدين بن تيمية بتحريم زراعة العنب الذي
لا يتزبب ولا يمكن أن يجيء إلا خمرا ببعض نواحي الشام.
ومنها: أنه يقع طلاق آكلها، ولا يخفى حكمه مما تقدم.
وقال الروياني في " البحر ": لو شرب دواء أو نجساً لا للتداوي، بل للهو والمجون، فلا نص للشافعي رضي الله عنه، ولكن قياس قوله: في أنه يقضي الصلاة أنه كالسكران.
وقال في " الحاوي ": فيه وجهان: أحدهما أنه كالسكران، والثاني وبه قال أبو حنيفة: لا يقع طلاقه، وإن كان عاصياً.
وقال الجرحاني في " الشافي ": لو شرب مختاراً أو شرب البنج تهزيا أو تطربا فزال عقله، وقع طلاقه؛ لأن فعله معصية، فلزمه ما تولد منه كسراية القطع في القصاص والسرقة.
وفي فتاوى " المرغيناني " للحنفية: لو سكر من البنج لا تنفد تصرفاته لأن نفاد التصرف شُرِع زاجرا، ولا حاجة إليه، وصار كمن ضرب رأس نفسه حتى ذهب عقله.
ومنها قال القاضي حسين رحمه الله في باب صلاة المسافر من " تعليقته ": إذا شرب البنج وغيره مما يزل العقل فعليه قضاء الصلاة والصيام بعد الإفاقة كالسكران؛ لأنه جلب إزالة بنفسه فيؤاخذ به.
والله سبحانه وتعالى أعلم.