المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحكمة في تحريم المسكرات والمخدرات: - سبيل الدعوة الإسلامية للوقاية من المسكرات والمخدرات

[جمعة علي الخولي]

الفصل: ‌الحكمة في تحريم المسكرات والمخدرات:

كما يرى ابن حزم جواز التداوي بالمخدرات أيضا لأن التداوي بالمحرم بمنزلة الضرورة عنده وقد قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} 1.

أما الحنابلة فقد سئل الإمام ابن تيمية عن التداوي بالخمر ولحم الخنزير وغير ذلك من المحرمات هل يباح للضرورة أم لا؟ وهل الآية {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْه} في إباحة ما ذكر أم لا..

فأجاب: لا يجوز التداوي بذلك بل قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الخمر يتداوى بها فقال أنها داء وليست بدواء، وفي السنن أنه نهى عن الدواء بالخبيث، وقال:"إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها.." ثم قال: وليس ذلك بضرورة فإنه لا يتيقن الشفاء بها كما يتقين الشبع باللحم المحرم، ولأن الشفاء لا يتعين له طريق من الأدوية وبغير ذلك، بخلاف المخمصة فإنها لا تزول إلا بالأكل"2 ومعروف أن ابن تيمية يذهب إلى أن"هذه الحشيشة الملعونة من أعظم المنكرات، وهي شر من الشراب المسكر من بعض الوجوه، والمسكر شر منها من وجه آخر"3.

والنتيجة التي يمكن التوصل إليها أنه لا يجوز التداوي بالمحرم وكل خبيث إلا أن التخدير الآن بات أمرا أساسيا في إجراء العمليات الجراحية، وعليه فلا مانع من القول بإباحة استعمال البنج المخدر المعروف الآن في المستشفيات والمستخدم في شئون العلاج والتطيب، ولا يسوغ أن نقول بمنعه الآن لأن في استعماله واستخدامه مصلحة محققة وغرضا شرعيا صحيحا، ثم إن كثيرا من الفقهاء كما رأيت من أقوالهم لا يمنعون من التداوي بالمخدرات عموما.

أما تعاطي المخدرات وتناولها أكلا أو شربا فنحن مع ابن تيمية في القول بمنعه، وهناك بدائل كثيرة يمكن استخدامها في مجال العلاج، وقد قيل من استشفى بالأدوية الخبيثة كان دليلا على مرض قلبه 4.

1 الفتاوى ج 24/271.

2 المرجع السابق.

3 المرجع السابق 34 /205، 206.

4 المرجع السابق ج24 /275.

ص: 91

‌الحكمة في تحريم المسكرات والمخدرات:

لم يضيق الله على عباده واسعاً، ولم يحرمهم طيباً.. وإنما أباح لهم من طيبات الحياة وخيراتها ما يزيد عن حاجتهم ورغائبهم.. وكم في الأرض من خيرات وكنوز وزروع. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} (البقرة آية 168)

ص: 91

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (البقرة آية 172){فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (النحل آية 114) .

ومن رحمة الله بعبده أنه يصونه مما يضره ويحميه مما يتلفه ولذا حرم عليه ما يعود بالضرر على بدنه أو نفسه أو عقله أو ماله، كالخمر وسائر المسكرات والمخدرات..

ولقد كشف البحث الإنساني أضرارا بالغة من وراء تعاطي شيئا من هذه الأشياء المحرمة جعلت محمد فريد وجدي يقول:"لو عمل إحصاء عام عمن في مستشفيات العالم من المصابين بالجنون والأمراض العضالة بسبب الخمر، وعمن انتحر أو قتل غيره بسبب الخمر، وعمن يشكو في العالم من آلام عصبية ومعدية بسبب الخمر، وعمن أورد نفسه موارد الإفلاس بسبب الخمر، وعمن تجرد من أملاكه بيعا أو غشا بسبب الخمر.. لو عمل إحصاء بذلك أو ببعضه لبلغ حدا هائلا تجد كل نصح بإزائه صغيرا"1.

وحق لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول:"اجتنبوا الخمر فإنها مفتاح كل شر"2.

و"لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر"3 و"الخمر أم الخبائث"4.

وتأمل كلمة الرسول صلى الله عليه وسلم الجامعة العامة"مفتاح كل شر"وقوله"أم الخبائث"لتدرك أن شرب الخمر مفتاح لمصائب فادحة وكرب جسام.

وكذلك كل مادة يثبت إسكارها أو تخديرها للعقل ينطبق عليها نفس الحكم الذي تقرر للخمر..

ومن حق الله تعالى وهو المنعم المتفضل بالخلق والرزق أن يتعبد عباده بما يشاء من التكاليف دون أن يسأل عما يفعل، فذلك حق ربوبيته جل وعلا، لكن من رحمة الله بخلقه ولطفه بهم أنه جعل التحريم يتبع الخبث والضرر فما يعود علينا بالمصلحة والفائدة أحله، وما يعود بالخبث أو الضرر حرمه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لاعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (البقرة آية 220) .

{يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَات} (المائدة آية 4) .

فالله لم يحل إلا الطيب النافع ولم يحرم إلا الخبيث الضار، ولهذا كان من أوصاف

1 دائرة معارف القرن العشرين 3 / 791.

2 الحاكم.

3 ابن ماجة والبيهقي عن شهر بن حوشب.

4 الطبراني الأوسط _ انظر: الجامع الصغير.

ص: 92