المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثانيا: غرس الشعور بقبحها وأضرارها حتى تعافها النفوس: - سبيل الدعوة الإسلامية للوقاية من المسكرات والمخدرات

[جمعة علي الخولي]

الفصل: ‌ثانيا: غرس الشعور بقبحها وأضرارها حتى تعافها النفوس:

روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذي تسمونه الفضيخ، إني لقائم أسقي أبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في بيتنا إذ جاءه رجل، فقال: هل بلغكم الخبر؟ فقلنا: لا فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال: يا أنس أرق هذه القلال قال: فما سألوا عنها، ولا راجعوها بعد خبر الرجل.

وهكذا يفعل الإيمان بأهله.

ص: 97

‌ثانيا: غرس الشعور بقبحها وأضرارها حتى تعافها النفوس:

كل عاقل يحب حياة الصحة والعافية، ويبتعد عن كل ما يتعب بدنه أو يشقى نفسه.

وقد أثبت المختصون من أضرار المسكرات والمخدرات ما ينفر من مجرد رؤية شيء منها إذ من الذي يحب أن يجلب على نفسه أسباب الهلاك والأمراض إنه لا يفعل ذلك إلا مخبول العقل مأفون.

لقد جمع عليه الصلاة والسلام ما تجلبه المسكرات على الإنسان من آفات في هذه العبارة الجامعة.."الخمر أم الخبائث".

وعن عبد الله بن عمرو قال: الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر ومن شرب الخمر ترك الصلاة، ووقع على أمه وخالته وعمته.

وروى الطبراني في الكبير من حديث عبد الله بن عمرو وابن عباس بلفظ"من شربها وقع على أمه".

وقال الزهري حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال سمعت عثمان بن عفان يقول: "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد ويعتزل الناس فعلقته امرأة فأرسلت إليه جاريتها أن تدعوه لشهادة فدخل معها فطفقت كلما دخل باب أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر، فقالت: إني والله ما دعوتك لشهادة، ولكن دعوتك لتقع علي أو تقتل هذا الغلام أو تشرب هذا الخمر وإلا صحت وفضحتك فلما رأى أنه لابد من ذلك قال: اسقني خمرا فسقته كأسا فقال: زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه" ذكره ابن كثير في تفسيره ونسبه إلى البيهقي وقال إسناده صحيح.

وذكره السيوطي في الدر المنثور

ص: 97

كما ذكر السيوطي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أن ملكا من ملوك بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر أو يقتل نفسا أو يزني أو يأكل لحم خنزير أو يقتلوه فاختار الخمر وأنه لما شربه لم يمتنع من شيء أرادوه منه".

وهكذا تكون الخمر أم البلاء ورأس كل مصيبة.. فإذا أضيف إلى ذلك ما أكده البحث الطبي والتجريبي الحديث من مضار المسكرات والمخدرات على القلب والبدن لنفر منها العقلاء.. وفروا منها فرارهم من كل وباء أو هلاك.

وماذا تقول في مواد تتلف الكبد والبنكرياس، وتضعف القلب وتخل حركته، وتؤثر على خلايا المخ والأعصاب، وتسبب فقر الدم وإضعاف العضلات وتجلب السل ومرض السكر واضطراب الأمعاء.

ما ظنك بمواد تذهب بالعفة والشرف، وتقتل النخوة والمروءة وتشيع الفوضى واللامبالاة، وتضيع الثروة والمال..

إن هذه المساوئ جميعا هي بعض ما تجلبه المسكرات والمخدرات في بيئة بني الإنسان.

ولذا فإنه لو عمقت هذه الآثار ووعي البشر خبث المواد المسكرة والمخدرة بأسلوب علمي يعتمد على الحقائق العلمية والتجارب المعملية بعيدا عن المبالغات والزيادات لأدرك الناس قبحها، ووقفوا على خطرها وضررها فيبتعدوا عنها.. وينفروا منها..

لقد كره الإسلام أتباعه في الخمر وسائر المسكرات حتى ول كانت للتطبيب والعلاج..

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول اله صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بالمحرم"1.

وفي السنن عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الداء الخبيث 2.

وذكر البخاري في صحيحه عن ابن مسعود إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم 3.

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدعو على من يتداوى بحرام كخمر فيقول: "من تداوى بحرام كخمر لم يجعل الله فيه شفاء"4.

1 أبو داود في الطب.

2 أبو داود والترمذي.

3 البخاري في الطب.

4 انظر: الجامع الصغير للسيوطي ونسبه إلى أبي نعيم في الطب.

ص: 98

إنه في الوقت الذي يعل فيه الجسم ويتمنى الإنسان الخروج من علته بأي سبب أو طريق ينهي الإسلام عن التطلع إلى الشفاء بحرام، سدا لذريعة تناول المحرم بكل وجه، وقفلا لهذا الباب أمام النفس لاسيما وأن النفوس قد تميل إلى الشيء الحرام رغبة في الشفاء مما يجعلها تتناوله بشهوة أو لذة، وهذا ضد مقصود الشرع ثم إنه داء كما نصت عليه الأحاديث فلا يجوز أن يتخذها دواء.

في صحيح مسلم عن طارق بن سويد الجعفي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء، فقال:"إنه ليس بدواء، ولكنه داء"1.

وعن طارق بن سويد الحضرمي قال: قلت يا رسول الله إن بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها، قال: لا، قال: فراجعته قلت: إنا نستشفي للمريض، قال: إن ذلك ليس بشفاء ولكنه داء 2.

بل لقد ذهبت الشريعة أبعد من هذا.. حين نهت عن مجرد الاستعانة بالمسكر في بعض الأدوية.

ففي السنن أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الخمر يجعل في الدواء فقال: "إنها داء وليست بالدواء.."3.

أرأيت: إنه في الوقت الذي قد يظن فيه أن النفس قد تميل إلى الاستشفاء بمحرم يقطع الإسلام عليها هذا الطريق، ويبغضها فيه ولو في أوقات الشدة والمرض فكيف بأوقات الصحة والعافية، إن احتقاره والنفرة منه أشد وأولى.

ولقد أشارا ابن القيم إلى معنى دقيق هنا في كون المحرمات لا يستشفى بها، قال:"إن شرط الشفاء بالدواء تلقيه بالقبول واعتقاد منفعته وما جعل الله فيه من بركة الشفاء، فإن النافع هو المبارك، وأنفع الأشياء أبركها.

ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها ومنفعتها، وبين حسن ظنه بها، وتلقى طبعه لها بالقبول، بل كلما كان العبد أعظم إيمانا كان أكره لها، وأسوأ اعتقادا فيها، وطبعه أكره شيء لها، فإذا تناولها في هذه الحال كانت داء له لا دواء، إلا أن يزول اعتقاد الخبث فيها، وسوء الظن والكراهية لها بالمحبة، وهذا ينافي الإيمان فلا يتناولها المؤمن قط إلا على وجه داء 4.

1 مسلم في الأشربة.

2 أحمد وابن ماجة.

3 أبو داود والترمذي.

4 زاد المعاد ج4 /158 ط سنة 1399هـ.

ص: 99