المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الصُّلْحِ ــ بابُ الصُّلْحِ فائدة: الصُّلْحُ عِبارَةٌ عن مُعاقَدَةٍ يُتَوَصَّلُ بها إلى - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٣

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الصُّلْحِ ــ بابُ الصُّلْحِ فائدة: الصُّلْحُ عِبارَةٌ عن مُعاقَدَةٍ يُتَوَصَّلُ بها إلى

‌بَابُ الصُّلْحِ

ــ

بابُ الصُّلْحِ

فائدة: الصُّلْحُ عِبارَةٌ عن مُعاقَدَةٍ يُتَوَصَّلُ بها إلى إصْلاحٍ بينَ مُخْتَلِفَين (1). قاله

(1) في الأصل، ط:«محيلين» .

ص: 123

الصُّلْحُ فِي الْأَمْوَالِ قِسْمَانِ؛ أَحَدُهُمَا، صُلْحٌ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَهُوَ نَوْعَانِ؛ أَحَدُهُمَا، الصُّلْحُ عَلَى جِنْسِ الْحَقِّ، مِثْلَ أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِدَينٍ، فَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَهُ، أَوْ بِعَينٍ، فَيَهَبَ لَهُ بَعْضَهَا، وَيَأْخُذَ

ــ

المُصَنِّفُ وغيرُه. قال ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» : هو المُوافَقَةُ بعدَ المُنازَعَةِ. انتهى. والصُّلْحُ أنْواعٌ؛ صُلْحٌ بينَ المُسْلِمِين وأهْلِ الحَرْبِ. وتقدَّم في الجِهادِ. وصُلْحٌ (1) بينَ أهْلِ البَغْي والعَدْلِ. ويأْتِي. وبينَ الزَّوْجَين إذا خِيفَ الشِّقاقُ بينَهما، أو خافَتِ الزَّوْجَةُ إعْراضَ الزَّوجِ عنها. ويأْتِي أيضًا. وبينَ المُتَخاصِمَين في غيرِ المالِ، أو في المالِ. وهو المُرادُ هنا، وهو قِسْمان؛ صُلْحٌ على الإِقْرارِ، وصُلْحٌ على الإنْكارِ. وقِسْمٌ بالمالِ؛ وهو الصُّلْحُ مع السُّكُوتِ عنه.

قوله: وصُلْحُ الإِقْرارِ نَوْعان (2)؛ أحَدُهما، الصُّلْحُ على جِنْسِ الحَقِّ، مِثْلَ أنْ

(1) في ط: «ويأتي» .

(2)

زيادة يقتضيها السياق.

ص: 124

الْبَاقِي، فَيَصِحَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَرْطٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي الْبَاقِي. أَو يَمْنَعَهُ حَقَّهُ بِدُونِهِ.

ــ

يُقِرَّ له بدَينٍ، فيَضَعَ عنه بعضَه، أو بعَينٍ، فيَهَبَ له بعضَها، ويَأخُذَ الباقِيَ، فيَصِحَّ إنْ لم يَكُنْ بشَرْطٍ، مِثْلَ أنْ يَقُولَ: على أنْ تُعْطيَنِي الباقِيَ، أو يَمْنَعَه حَقَّه بدُونِه. إذا أقَرَّ له بدَينٍ أو بعَينٍ، فوضَع عنه بعضَه، أو وهَب له بعضَها، مِن غيرِ شَرْطٍ، فهو صَحيحٌ؛ لأنَّ الأوَّلَ إبْراءٌ، والثَّاني هِبَةٌ بلا نِزاعٍ، لكِنْ لا يصِحُّ بلَفْظِ: الصُّلْحِ. [على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّه هَضْمٌ للحَقِّ. قال في «الفُروعِ»: لا بلَفْظِ: الصُّلْحِ](1). على الأصحِّ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ. وهو مُخْتارُ القاضي، وابنِ عَقِيلٍ، وغيرِهما. قال القاضي: وهو مُقْتَضَى قَوْلِ أحمدَ: ومَنِ اعْتَرفَ بحَقٍّ فصالحَ على بعضِه، لم يكُنْ صُلْحًا؛ لأنَّه هَضْمٌ للحَقِّ. وقدَّمه في «التَّلْخيصِ» وغيرِه، وهو مُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِيِّ، وابنِ أبِي مُوسى. انتهى. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، يصِحُّ بلَفْظِ: الصُّلْحِ. وهو ظاهِرُ ما في «المُوجَزِ» ، و «التَّبْصِرَةِ» . واخْتارَه ابنُ البَنَّا في «خِصالِه» .

(1) زيادة من: ا.

ص: 125

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: ظاهِرُ. كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ الصُّلْحَ على الإِقْرارِ لا يُسَمَّى صُلْحًا. وقاله ابنُ أبِي مُوسى. وسَمَّاه القاضي وأصحابُه صُلْحًا. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: والخِلافُ في التَّسْمِيَةِ، وأمَّا المَعْنَى؛ فمُتَّفَقٌ عليه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وصُورَتُه الصَّحِيحَةُ عندَهم؛ أنْ يَعْتَرِفَ له بعَينٍ، فيُعاوضَه عنها، أو يَهَبَه بعضَها، أو بدَينٍ، فيُبْرِئَه مِن بعضِه، ونحو ذلك، فيَصِحَّ إنْ لم يَكُنْ بشَرْطٍ، ولا امْتِناعٍ مِن أداءِ الحقِّ بدُونِه. انتهى. وقَوْلُ المُصَنِّفِ: إنْ لم يَكُنْ بشَرْطٍ. له صُورَتان؛

ص: 126

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إحْداهما، أنْ يمْنَعَه حقَّه بدُونِه. فالصُّلْحُ في هذه الصُّورَةِ باطِلٌ، قوْلًا واحدًا. والثَّانيةُ، أنْ يقولَ: على أنْ تُعْطِيَنِي الباقِيَ أو كذا. وما أشْبَهَه. فالصُّلْحُ أيضًا في

ص: 127

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذه الصُّورَةِ باطِلٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع

ص: 128

وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ ممَّنْ لَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ؛ كَالْمُكَاتَب، وَالْمَأْذُونِ لَهُ، وَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، إلا فِي حَالِ الْإِنْكَارِ وَعَدَمِ الْبَيِّنَةِ.

ــ

به الأكثرُ. وقيل: يصِحُّ الصُّلْحُ والحالةُ هذه.

قوله: ولا يَصِحُّ ذلك ممَّن لا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ؛ كالمُكاتَبِ والمَأْذُونِ له -

ص: 129

وَلَوْ صَالحَ عَنِ الْمُؤجَّلِ بِبَعْضِهِ حَالًّا، لَمْ يَصِحَّ.

ــ

ونَحوهما- إلَّا في حالِ الإِنكارِ وعَدَمِ البَيِّنَةِ هو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ (1)، بلا نِزاعٍ فيهما.

وقوله: ووَلِيِّ اليَتِيمِ، إلَّا في حالِ الإِنْكارِ وعَدَمِ البَيِّنَةِ. هو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يصِحُّ الصُّلْحُ أيضًا. قطَع به في «التَّرْغِيبِ» .

فائدة: يصِحُّ الصُّلْحُ عمَّا ادَّعَى على (2) مُوَلِّيه، وبه بَيِّنَةٌ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يصِحُّ.

قوله: ولو صالحَ عنِ المُؤَجَّلِ ببعضه حَالًّا، لم يَصِحَّ. هذا المذهبُ. نقَلَه

(1) سقط من: ط.

(2)

في الأصل، ط:«عليه» .

ص: 130

وَإنْ وَضَعَ بَعْضَ الْحَالِّ وَأَجَّلَ بَاقِيَهُ، صَحَّ الإِسْقَاطُ دُونَ التَّأْجِيلِ.

ــ

الجماعَةُ عن أحمدَ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وفي «الإرْشادِ» ، و «المُبْهِجِ» ، رِوايَةٌ، يصِحُّ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لبَراءَةِ الذِّمةِ هنا، وكدَينِ الكِتابَةِ. جزَم به الأصحابُ في دَينِ الكِتابَةِ. ونقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ. وهي مُسْتَثْناةٌ مِن عُمومِ كلامِ المُصَنِّفِ.

قوله: وإنْ وضَع بعضَ الحالِّ، وأجَّل باقِيَه، صَحَّ الإسقاطُ دُونَ

ص: 131

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَّأْجيلِ. أمَّا الإِسْقاطُ؛ فيَصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، لا يصِحُّ الإِسْقاطُ. وأمَّا التَّأْجِيلُ؛ فلا يصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ؛ لأنَّه وَعْدٌ. وعنه، يصِحُّ. ذكَر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ رِوايَةً بتَأْجِيلِ الحالِّ في المُعاوَضَةِ، لا التَّبَرُّعِ. قال في «الفُروعِ»: والظَّاهِرُ أنَّها هذه الرِّوايَةُ. وأطْلَقَ في «التَّلْخيصِ» الرِّوايتَين في صِحَّةِ الصُّلْحِ. ثم قال: والذي أراه أنَّ الرِّوايتَين في البَراءَةِ؛ وهو الإِسْقاطُ. فأمَّا الأجَلُ في الباقِي، فلا يصِحُّ بحالٍ؛ لأنَّه وَعْدٌ. انتهى. واعْلَمْ أنَّ أكثرَ الأصحابِ قالُوا: لا يصِحُّ الصُّلْحُ في هذه المَسْأَلَةِ. وصحَّحه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الكافِي» وغيرِه. وقدَّمه ناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، فقال:

والدَّيْنُ إنْ يُوصَفُ بالحُلولِ

فالصُّلْحُ لا يصِحُّ في المَنْقُولِ

عليه بالبَعْضِ مع التَّأْجيلِ

رجَّحَه الجُمْهورُ بالدَّليلِ

وقال بالجَزْمِ به في «الكافِي»

وفصَّل المُقْنِعَ للخِلافِ

فصَحَّحَ الإِسْقاطَ دُونَ الآجِلِ

وذاك نصُّ الشَّافِعِيِّ يَنْجَلِي

فائدة: مِثْلُ ذلك، خِلافًا ومذهبًا، لو صالحَه عن مِائَةٍ صِحاحٍ بخَمْسِين

ص: 132

وَإِنْ صَالحَ عَنِ الْحَقِّ بِأَكْثَرَ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ، مِثْلَ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دِيَةِ الْخَطَأ، أَوْ عَنْ قِيمَةِ مُتْلَفٍ بِأَكْثَرَ مِنْهَا مِنْ جِنْسِهَا، لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ صَالحَهُ بِعَرْضٍ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْهَا، صَحَّ فِيهِمَا.

ــ

مُكَسَّرَةٍ، هل هو إبْراءٌ مِنَ الخَمْسِين أو وَعْدٌ في الأُخْرَى؟

قوله: وإنْ صالحَ عنِ الحَقِّ بأكثرَ منه مِن جِنْسِه، مثلَ أنْ يُصالِحَ عن دِيَةِ الخَطَأ، أو عن قِيمَةِ مُتْلَفٍ بأكثرَ منها مِن جِنْسِها، لم يَصِحَّ. وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ الصِّحَّةَ في ذلك، وأنَّه قِياسُ قَوْلِ أحمدَ كعِوَضٍ، وكالمِثْلِيِّ. قال في «الفُروعِ»: ويُخَرَّجُ على ذلك تأْجِيلُ القِيمَةِ. قاله القاضي وغيرُه. وذكَر المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ومَن تَبِعَهما، رِوايَةً بالصِّحَّةِ فيما إذا صالحَ عن المِائَةِ الثَّابِتَةِ بالإِتْلافِ بمِائَةٍ مُؤَجلَةٍ.

قوله: وإنْ صالحَه بعَرْضٍ قِيمَتُه أكثرُ منها، صَحَّ فيهما. بلا نِزاعٍ.

ص: 133

وَإِنْ صَالحَةُ عَنْ بَيتٍ عَلَى أَن يَسْكنَة سَنَةً، أَوْ يَبْنِيَ لَة فَوْقَهُ غرْفَةً، لَمْ يَصِحَّ.

ــ

فائدة: لو كانَ في ذِمَّتِه مِثْلِيًّا، مِن قَرْضٍ أو غيرِه، لم يَجُزْ أنْ يُصالِحَ عنه بأكثرَ منه مِن جِنْسِه. وإنْ صالحَ عن قِيمَةِ ذلك بأكثرَ منها، جازَ. قطَع به في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَة» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «المُحَرَّرِ» وغيرِه، ككَلامَ المُصَنِّفِ.

ص: 134

وَإِنْ قَال: أَقِرَّ لِي بِدَينِي، وَأُعْطِيكَ مِنْهُ مِائَةً. فَفَعَلَ، صَحَّ الإِقْرَارُ، وَلَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 135

وَإنْ صَالحَ إِنْسَانًا لِيُقِرَّ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، أَو امْرأَةً لِتُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، لَمْ يَصِحَّ.

ــ

قوله: وإنْ صالحَ إنْسانًا ليُقِرَّ له بالعُبُودِيَّةِ، أو امْرَأَةً لتُقِرَّ له بالزَّوْجِيَّةِ، لم يَصِحَّ. بلا نِزاعٍ أعْلَمُه.

ص: 136

وَإِنْ دَفَعَ المُدَّعَى عَلَيهِ الْعُبُودِيَّةُ إِلَى الْمُدَّعِي مَالًا صُلْحًا عَنْ دَعْوَاهُ، صَحَّ.

ــ

ومفْهومُ قوْلِه: وإنْ دفَع المُدَّعَى عليه العُبُودِيَّةُ إلى المُدَّعِي مالًا صُلْحًا عن

ص: 137

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

دَعْواه، صَحَّ. أنَّ المرْأَةَ لو دَفَعَتْ مالًا صُلْحًا عن دَعْواه عليها الزَّوْجِيَّةَ، لم يصِحَّ. وهو أحَدُ الوَجْهَين، وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُذْهَبِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم. وكلامُهم ككَلامِ المُصَنِّفِ. والوَجْهُ الثَّانِي، يصِحُّ. ذكَرَه أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ. وهو الصَّحيحُ. جزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الكافِي» وغيرِه. وصحَّحه في «النَّظْمِ» وغيرِه. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ومتى صالحَتْه على ذلك، [ثم ثَبَتَتِ الزَّوْجِيَّةُ](1) بإقْرَارِها، أو ببَيِّنَةٍ؛ فإنْ قُلْنا: الصُّلْحُ باطِلٌ. فالنِّكاحُ باقٍ بحالِه. وإنْ قُلْنا: هو صَحيحٌ. احْتَمَلَ ذلك أيضًا. قلتُ: وهو الصَّوابُ. واحْتَمَلَ أنْ تَبِينَ منه بأَخْذِ العِوَضِ عمَّا يَسْتَحِقُّه مِن نِكاحِها، فكانَ خُلْعًا. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» .

فائدة: لو طَلَّقَها ثلاثًا، أو أقلَّ، فصَالحَها على مالٍ، لتَتْرُكَ (2) دَعْواها، لم يَجُزْ. وإنْ دَفَعَتْ إليه مالًا ليُقِرَّ بطَلاقِها، لم يَجُزْ، في أحَدِ الوَجْهَين. قلتُ: هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وفي الآخَرِ، يجوزُ، كما لو بذَلَتْه ليُطَلِّقَها ثلاثًا. قلتُ: يجوزُ لها أنْ تدْفَعَ إليه، ويَحْرُمُ عليه أنْ يأْخُذَ. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» .

(1) في ط: «تثبتت الزوجة» .

(2)

في ط: «ليترك» .

ص: 138

النَّوْعُ الثَّانِي، أَنْ يُصَالِحَ عَنِ الْحَقِّ بِغَيرِ جِنْسِهِ، فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ، فَإِنْ كَانَ بأَثْمَانٍ عَنْ أَثْمَانٍ، فهُوَ صَرْفٌ، وَإِنْ كَانَ بِغَيرِ الْأَثْمَانِ، فَهُوَ بَيعٌ، وَإِنْ كَانَ بِمَنْفَعَةٍ، كَسُكْنَى دَارٍ، فَهُوَ إِجَارَةٌ تَبْطُلُ بِتَلَفِ الدَّارِ، كَسَائِرِ الْإِجَارَاتِ.

ــ

تنبيه: قوْلُه: النَّوعُ الثَّاني، أنْ يُصالِح عنِ الحَقِّ بغيرِ جِنْسِه، فهو مُعاوَضَةٌ، فإنْ كانَ بأثْمانٍ عن أثْمانٍ، فهو صَرْفٌ. يُشْترَطُ فيه ما يُشْتَرطُ في الصَّرْفِ.

ومفْهومُ قوْلِه: وإنْ كانَ بغيرِ الأثْمانِ، فهو بَيعٌ. أنَّ البَيعَ يصِحُّ بلَفْظِ: الصُّلْحِ. وهو ظاهِرُ كلامِ القاضِي في «المُجَرَّدِ» ، وابنِ عَقِيلٍ في «الفُصولِ». وقاله في «التَّرْغيبِ». وقال في «التَّلْخيصِ»: وفي انْعِقادِ البَيعِ بلَفْظِ الصُّلْحِ تَرَدُّدٌ؛ يَحْتَمِلُ أنْ يصِحَّ، ويَحْتَمِلُ أنْ لا يصِحَّ. وعلَّلَهما. وتقدَّم ذلك في كتابِ البَيع.

ص: 139

وَإنْ صَالحَتِ الْمَرْأةُ بِتَزويجِ نَفْسِهَا، صَحَّ. فَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ عَيبٍ في مَبِيعِهَا، فَبَانَ أنهُ لَيسَ بِعَيبٍ، رَجَعَتْ بِأرْشِهِ لَا بِمَهْرِهَا.

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، يجوزُ الصُّلْحُ عن دَينٍ بغيرِ جِنْسِه مُطْلَقًا، ويَحْرُمُ بجِنْسِه بأكثرَ أو أقل، على سَبِيلِ المُعاوَضَةِ. وتقدَّم قَرِيبٌ مِن ذلك. الثانيةُ، لو صالحَ بشيءٍ في الذِّمةِ، حَرُمَ التّفَرُّقُ قبلَ القَبْضِ.

قوله: وإن صالحَه بمنْفَعةٍ، كسُكْنَى دارٍ، فهو إجارَة، تَبْطُلُ بتَلَفِ الدارِ، كسائِرِ الإجاراتِ. قاله الأصحابُ. وذكَر صاحِبُ «التعْلِيقِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، لو صالحَ الورَثَةُ مَن وَصّى (1) له بخِدْمَة أو سُكْنَى، أو حَمْلِ أمَةٍ، بدَراهِمَ مُسَماةٍ، جازَ، لا بَيعًا.

قوله (2): وإنْ صالحَتِ المَرْأةُ بتَزْويجِ نَفْسِها، صَحَّ، فإنْ كانَ الصُّلْحُ عن

(1) في الأصل، ط:«رضي» .

(2)

من هنا إلى قوله: فحمدت الله على موافقة ذلك. في آخر الصفحة بعد التالية ليس في الأصل، ط.

ص: 140

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عَيبٍ في مَبِيعِها، فبانَ أنَّه ليس بعَيبٍ، رَجَعَتْ بأرْشِه لا بمَهْرِها. وهكذا رأيتُ في نُسْخَةٍ قُرِئَتْ على المُصَنِّفِ، والمُصَنِّفُ مُمْسِكٌ للأصْلِ، وعليها خَطُّه. وكذا قال في «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، وغيرِهم. قال في «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس»: فبانَ صَحِيحًا. وفي «مُنَوِّرِ الآدَمِيِّ» ، و «مُنْتخَبِه»: فبانَ أنْ لا عَيبَ. وفي «تَجْريدِ العِنايَةِ» : فبانَ بخِلافِه. وعليها شرَح الشارِحُ. فمَفْهومُ كلامِ هؤلاءِ، أنَّه لو كانَ به عَيبٌ حَقِيقَة، ثم زال عندَ المُشْتَرِي، أنَّه لا يرْجِعُ بالأرْشِ. قال ابنُ نَصْرِ الله، في «حَواشِي الوَجيزِ»: بلا خِلافٍ. ووُجِدَ في نُسَخ: فزال، أي العَيبُ. وكذا في «الكافِي» ، و «الوَجيزٍ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. فظاهِرُ كلام هؤلاء، أنَّه إنْ كان به عَيبٌ حَقِيقَة، ثم زال، كالحُمى مثَلًا، والمرَضِ، ونحوهما. لكِنْ أَوَّلَه ابنُ مُنَجَّى، في «شَرْحِه» ، وقال: معْنَى زال، تبَين. وذكَر أنه لمَصْلَحَةِ مَن أذِنَ له في إصْلاحه، كالنسْخَةِ الأولى. ومَثَّله بما إذا كان المَبِيعُ أمَةً ظنها حامِلا لانْتِفاخِ بَطنها، ثم زال. وقال: صرح به أبو الخَطابِ في «الهِدايَةِ» . ثم قال: فعلى هذا، إنْ كان مَوْجودًا، أي العَيبُ، عندَ العَقْدِ، ثم زال، كمَبِيعِ طير مَرِيضًا، فتَعافَى، لا شيءَ لها. وزَوالُ العَيب بعدَ ثُبوتِه حال العَقْدِ، لا يُوجبُ بُطْلانَ الأرْشِ. لكِن تأويلَه مُخالِفٌ لظاهِرِ اللَّفْظِ. وهو مُخالِفٌ لما صرّح به في «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «المُذْهَبِ» ، و «النظْمِ» ، فإنهم ذكَرُوا الصورَتَين،

ص: 141

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجعَلُوا حُكْمَهما واحِدًا. إذا تحَقَّقَ ذلك، فهنا صُورَتان؛ إحْداهما، إذا تَبَينَ أنه ليس بعَيب؛ فهذه لا نِزاعَ فيها في ردِّ الأرْشِ. الثَّانيةُ، إذا كان العَيبُ مَوجودًا، ثم زال، فهذه محَل الكَلامِ والخِلافِ. فحكَى في «الرِّعايتَين» فيها وَجْهَين، وزادَ في «الكُبْرَى» قولًا ثالِثًا؛ أحدُها، أنَّه حيثُ زال، يرُدُّ الأرْشَ. وهو الذي قطَع به في «المُذْهَبِ» ، و «الحاويَيْن» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وهو ظاهِرُ قوْلِه في «الوَجيزِ» ، و «الكافِي» ، و «الفُروعِ»؛ لاقْتِصارِهم على قوْلِهم: فزال. والقَوْلُ الثَّاني، أنَّ الأرْشَ قدِ اسْتقَرَّ لمَن أخَذَه، ولو زال العَيبُ، ولا يَلْزَمُه ردُّه. وهذا ظاهِرُ ما في «الخُلاصَةِ» ، و «المُقْنِعِ» ، في نسْخَةٍ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوس» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «المُنْتَخَبِ» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ»؛ لاقْتِصارِهم على قوْلِهم: فتَبَين أنَّه ليس بعَيبٍ. اخْتارَه ابنُ مُنَجّى. وقال ابنُ نَصْرِ اللهِ: لا خِلافَ فيه. وكأنه ما اطَّلَعَ على كلامِه في «المُذْهَبِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . ولنا قَوْل ثالث في المَسْألةِ، اخْتارَه ابنُ حَمْدانَ في «الكُبْرَى» ، فقال: قلتُ: إنْ زال العَيبُ، والعَقْدُ جائر، أخَذَه، وإلا فلا. انتهى. قلتُ: وهو أقْرَبُ مِنَ القَوْلَين؛ ويُزادُ: إذا زال سَرِيعًا عُرْفًا. والله أعلمُ. وبعدَه القَوْلُ بعَدَمِ الرَّدِّ. والقَوْلُ بالرَّدِّ مُطْلَقًا، إذا زال العَيبُ، بعيدٌ؛ إذْ لا بدَّ مِن حَدٍّ يُرَدُّ فيه، ثم وَجَدْتُه في «النَّظْمِ» قال: إذا زال سَرِيعًا. فحَمِدْتُ الله على مُوافَقَةِ ذلك (1).

(1) نهاية السقط.

ص: 142

وإنْ صَالحَ عَمَّا في الذِّمَّةِ بِشيْءٍ في الذِّمَّةِ، لَمْ يَجُزِ التَّفَرُّقُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لأنَّهُ بَيعُ دَينٍ بِدَينٍ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 143

وَيَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهولِ بِمَعْلومٍ، إِذَا كَانَ مِمَّا لَا يمْكِن مَعْرِفته لِلْحَاجَةِ.

ــ

قوله: ويَصِحُّ الصُّلْحُ عنِ المَجْهُولِ بمَعْلُوم، إذا كانَ مما لا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُه للحاجَةِ. وسواء كان عَينًا أو دَينًا، أو كان الجَهْلُ مِنَ الجانِبَين، أو ممَّن عليه. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي. وابنُ عَقِيل،

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقطَع به كثيرٌ منهم. وخرَّج (1) القاضي، في «التَّعْلِيقِ» ، وأبو الخَطابِ، في «الانْتِصارِ» ، وغيرُهما، عدَمَ الصِّحَّةِ في صُلْحِ المَجْهولِ، والإنْكارِ مِنَ البَراءَةِ مِنَ المَجْهولِ. وخرجه في «التبصِرَةِ» مِنَ الإبراءِ مِن عَيبٍ لم يَعْلَما به. وقيل:

(1) في الأصل، ط:«فأخرج» .

ص: 146

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا يصِحُّ عن أعْيانٍ مَجْهولَةٍ؛ لكَوْنِه إبْراءً، وهي لا تَقْبَلُه. وقال (1) في «التّرْغِيبِ»: وهو ظاهِرُ كلامِه. واخْتارَه في «التَّلْخيصِ» ، وقال: قالَه القاضي في «التّعْلِيقِ الكَبِيرِ» .

(1) في الأصل، ط:«قاله» .

ص: 147

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: مَفْهومُ كلامِه، أنَّه إذا أمْكَنَ مَعْرِفَةُ المَجْهولِ، لا يصِحُّ الصُّلْحُ عنه. وهو صحيحٌ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم؛ لعدَمِ الحاجَةِ، كالبَيعِ. قال في «الفُروعِ»: وهو ظاهِرُ نُصوصِه. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الإرْشادِ» وغيرِه.

ص: 148

فَصْل: الْقِسْمُ الثَّانِي، أن يَدَّعِيَ عَلَيهِ عَينًا أو دَينًا، فَيُنْكِرَهُ ثُمَّ

ــ

والذي قدَّمه في «الفُروعِ» ، أنَّه كبَراءَةٍ مِن مَجْهولٍ. قال في «التَّلْخيصِ»: وقد نزَّلَ أصحابُنا الصُّلْحَ عنِ المَجْهولِ المُقَرِّ به بمَعْلُوم مَنْزِلَةَ الإبراءِ مِنَ المَجْهولِ، فيَصِحُّ على المَشْهورِ؛ لقَطْعِ النِّزاعِ. وإنْ قُلْنا: لا يصِحُّ الإبراءُ مِنَ المَجْهولِ. فلا يصِحُّ الصُّلْحُ عنه.

فائدة: حيثُ قُلْنا: يصحُّ الصلْحُ عنِ المَجْهولِ. فإنَه يصِحُّ بنَقْدٍ ونَسِيئَةٍ.

جزَم به في «الفُروعِ» ، وغيرُه مِنَ الأصحابِ.

قوله: القِسْمُ الثَّانِي، أنْ يَدَّعِيَ عليه عَينًا، أو دَينًا، فيُنْكِرَه -أو يسْكُتَ- ثم

ص: 149

يُصَالِحَهُ عَلَى مَالٍ، فَيَصِحَّ، وَيَكُونَ بَيعًا في حَقِّ الْمُدَّعِي، حَتَّى إِنْ وَجَدَ بِمَا أخَذَهُ عَيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ.

ــ

يُصالِحَه على مَالٍ، فيَصحَّ، ويَكُونَ بيعًا في حَقِّ المُدَّعِي، حتى إنْ وجَد بما أخَذَه عَيبًا، فله رَدُّه وفَسْخُ الصُّلْحِ، وإنْ كانَ شِقْصًا مَشْفُوعًا، ثَبَتَتْ فيه الشفْعَةُ -وإنْ صالحَ ببعضِ العَينِ المُدَّعَى بها، فهو كالمُنْكِرِ. قاله الأصحابُ. قال في

ص: 150

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفُروعِ» : وفيه خِلافٌ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى (1)» : فهو كالمُنْكِرِ. وفي صِحَّتِه احْتِمالان -ويَكُونُ إبْراء في حَقِّ الآخَرِ، فلا يُرَدُّ ما صالحَ عنه بعَيبٍ، ولا

(1) سقط من: ط.

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يُؤْخَذُ بشُفْعَةٍ. اعْلَمْ أنَّ الصحيحَ مِنَ المذهبِ، صِحّةُ الصُّلْحِ على الإنْكارِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وعنه، لا يصِحُّ الصُّلْحُ عنِ الانْكارِ. فعلى المذهبِ، يَثْبُتُ فيه ما قال المُصَنِّفُ، وعليه الأصحابُ. لكِنْ قال في «الإرْشادِ»: يصِحُّ هذا الصُّلْحُ بنَقْدٍ ونَسِيئَةٍ. لأنَّ المُدَّعِيَ مُلْجَأ إلى التأخيرِ بتَأخيرِ خَصْمِه. قال في «التّلْخِيصِ» ، و «الترْغِيبِ»: وظاهِرُ ما ذكَرَه ابنُ أبِي مُوسى، أن أحْكامَ البَيعِ والصَّرْفِ لا تَثْبُتُ في هذا الصُّلْحِ، إلَّا فيما يَخْتَصُّ بالبَيعِ؛ من شفْعَةٍ عليه، وأخْذِ زِيادَةٍ، مع اتِّحادِ جِنْس المُصالحِ عنه والمُصالحِ به؛ لأنّه قد أمْكَنَه أخْذُ حقِّه بدُونِها، وإنْ تأخَّرَ. واقْتَصرَ صاحِبُ «المُحَررِ» على قوْلِ أحمدَ: إذا صالحَه على بعضِ حقِّه بتَأخير، جازَ. وعلى قولِ ابنِ أبِي مُوسى: الصُّلْحُ جائزٌ بالنَّقْدِ والنَّسيئَةِ. ومَعْناه ذكَرَه أبو بَكْر؛ فإنَّه قال: الصُّلْحُ بالنسِيئَةِ. ثم ذكَر رِوايَةَ مُهَنا، يَسْتَقيمُ أنْ يكونَ صُلْحًا بتَأخير، فإذا أخَذَه منه، لم يُطالِبْة بالبَقِيةِ. انتهى. قلتُ: ممَّن قطَع بصِحَّةِ صُلْحِ الإنْكارِ بنَقْدٍ ونَسِيئَةٍ؛ ابنُ حَمْدانَ، في «الرِّعايَةِ» ،

ص: 152

وَإنْ كَانَ شِقْصًا مَشْفُوعًا، ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، وَيَكُونُ إبْرَاءً في حَقِّ الْآخَرِ، فَلَا يَرُدُّ مَا صَالحَ عَنْهُ بِعَيب، وَلَا يُؤْخَذُ بِشُفْعَةٍ.

ــ

وذكَرَه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيص» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم، عن ابنِ أبِي مُوسى، واقْتَصرُوا عليه.

ص: 153

وَمَتَي كَانَ أحدُهُمَا عَالِمًا بِكَذِبِ نَفْسِهِ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ في حَقِّهِ، وَمَا أَخَذَهُ حَرَام عَلَيهِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 154

وَإنْ صَالحَ عَنِ الْمُنْكِرِ أجْنَبِيٌّ بِغَيرِ إِذْنِهِ، صَحَّ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَيهِ في أصَحِّ الْوَجْهَينِ.

ــ

قوله: وإنْ صالحَ عنِ المُنْكِرِ أجْنَبِي بغيرِ إذْنِه، صَحَّ. إذا صالحَ عنِ المُنْكِرِ أجْنَبِيٍّ، فتارَة يكونُ المُدَّعَى به دَينًا، وتارَةً يكونُ عَينًا، فإنْ كان المُدعى به دَينًا، صحَّ الصلْحُ عندَ الأصحابِ، وجزَم [به الأكثرُ، منهم صاحِبُ «الفُروعِ». وقيل: لا يصِح؛ لأنه بَيعُ دَين لغيرِ المَدْيونِ. ذكَرَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وإنْ كان عَينًا](1)، ولم يَذْكُرْ أن المُنْكِرَ وَكَّلَه، فظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، صِحَّةُ الصلْحِ. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِه في «الوَجيزِ» وغيرِه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . وقدمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ». وقيل: لا يصِح إنْ لم يدعِ أنَّه وَكَّلَه. جزَم به

(1) سقط من: الأصل.

ص: 155

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاويَيْن» ، وهو ظاهِرُ ما جزَم به ابنُ رَزِين في «نِهايته» . وأطْلَقَهما في «الفُروعَ» .

قوله: ولم يَرْجِعْ عليه، في أصَحِّ الوَجْهَين. قال في «الخُلاصَةِ»: لا يصِح في الأصَحِّ. وصحَّحه ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» :

ص: 156

وَإنْ صَالحَ الْأجْنَبِيُّ لِنَفْسِهِ؛ لِتَكُونَ الْمطَالبَة لَه، غَيرَ مُعْتَرِفٍ

ــ

أظْهَرُهما، لا يرْجِعُ. واخْتارَه في «الحاوي الكَبِيرِ». وهو ظاهرُ ماجزَم به في «الحاوي الصَّغِيرِ»؛ فإنَّه قال: ورجَع إنْ كان أذِنَ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، و «الشَّرْحِ» . والوَجْهُ الثَّانِي، يرْجِعُ إنْ نوَى الرُّجوعَ، وإلَّا فلا. قال المُصَنِّفُ، ومَن تَبِعَه: وخرجه القاضي (2)، وأبو الخَطَّابِ على الروايتَين، فيما (1) إذا قضَى دينَه الثَّابتَ بغيرِ إذْنِه. قال المُصَنِّفُ: وهذا التَّخْرِيجُ لا يصِحُّ. وفرَّقه بينَهما. قال في «الفائقِ» : والتَّخْرِيجُ باطِل. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «الفُروعِ» .

قوله: وإنْ صالحَ الأجْنَبِي لنَفْسِه؛ لتَكُونَ المطالبَةُ له، غيرَ مُعْتَرِفٍ بصِحَّةِ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 157

بِصِحَّةِ الدَّعْوَى، أَوْ مُعْتَرِفًا بِهَا عَالِمًا بِعَجْزِهِ عَنِ اسْتِنْقَاذِهَا، لَمْ يَصِحَّ. وإنْ ظَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَيهِ، صَحَّ. ثُمَّ إِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، فَهُوَ مُخيَّرٌ بَينَ فَسْخِ الصُّلْحِ وإمْضَائِهِ.

ــ

الدَّعْوَى، أو مُعْتَرِفًا بها، عالِمًا بعَجْزِه عنِ اسْتِنْقاذِها، لم يَصِحَّ. إذا لم يَعْتَرِفِ الأجْنَبِيُّ للمُدَّعِي بصِحةِ دَعْواه، فالصُّلْحُ باطِل، بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. وإنِ اعْتَرَفَ له بصِحةِ الدعْوَى، وكان المُدَّعَى به دَيْنًا، لم يصِح أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ

ص: 158

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، ومِنَ الأصحابِ مَن قال: يصِحُّ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشّرْحِ»: وليس بجَيِّدٍ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : وليس بشيءٍ. وإنْ كان المُدَّعَى به عَينًا، فقال الأجْنَبِي للمُدَّعِي: أنا أعْلَمُ أنَّك صادِقٌ، فصالِحْنِي عنها، فإنِّي قادِرٌ على اسْتِنْقاذِها مِنَ المُنْكِرِ. صحَّ الصُّلحُ. قاله الأصحابُ. فإنْ عجَز عنِ انْتِزاعِه،

ص: 159

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فله الفَسْخُ، كما قال المُصَنِّفُ هنا. قال في «المُغْنِي»: ويُحْكَى أنَّه إنْ تبَيَّنَ أنه لا يقْدِرُ على تَسْليمِه، تبَيَّنَ أنَّ الصُّلْحَ كان فاسِدًا. وهذه طَرِيقَةُ المُصَنِّفِ، والشارِحِ، وغيرِهما، في هذه المَسْألةِ. وقال في «الفُروعِ»: ولو صالحَ

ص: 160

فَصْلٌ: يَصِحُّ الصُّلْحُ عَنِ الْقِصَاصِ بِدِيَاتٍ وَبِكُلِّ مَا يَثْبُتُ مَهْرًا.

ــ

الأجْنَبِيُّ؛ ليَكُونَ الحقُّ له، مع تَصْديقِه المُدَّعِيَ، فهو شِراءُ دَين أو مَغْصُوبٍ. تقدَّم بَيانُه. وكذا قال في «الرِّعايَةِ» ، و «الحاوي» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وهو الصَّوابُ، والذي تقدّم في آخِرِ بابِ السَّلَمِ، عندَ قوْلِه: ويجوزُ بَيعُ الدين المُسْتَقِر لمَن هو في ذِمتِه.

قوله: ويَصِحُّ الصُّلْحُ عنِ القِصاصِ بدِياتٍ، وبكُل ما يُثْبِتُ مَهْرًا. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ،

ص: 161

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يصِحُّ بمُبْهَم مِن أعْيانٍ مُخْتَلِفَةٍ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : ويَحْتَمِلُ مَنْعُ صِحَّةِ الصُّلْحِ بأكثرَ منها. قال أبو الخَطَّابِ، في «الانْتِصارِ»: لا يصِحُّ الصُّلْحُ؛ لأن الدِّيةَ تجِبُ بالعَفْو والمُصالحَةِ، فلا يجوزُ أخْذُ أكثرَ مِنَ الواجِبِ مِنَ الجِنْسِ. وقال في «الترْغِيبِ» ، و «التَّلْخيصِ»: يصِحُّ بما يَزِيدُ على قَدرِ الدِّيَةِ، إذا قُلْنا: يجِبُ القَوَدُ عَينًا. أو

ص: 162

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اختارَه الوَليُّ، على القولِ بوُجوبِ أحَدِ (1) شَيئَين. وقيل: الاخْتِيارُ يصِحُّ على غيرِ جِنْسِ الدوريةِ، ولا يصِحُّ على جِنْسِها إلَّا بعدَ تَعْيِينِ الجِنْسِ؛ مِن إبِل أو غَنَم؛ حذَرًا مِن رِبا النَّسِيئَةِ، ورِبا الفَضْلِ. انتهى. وتابَعَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفائقِ» ، وجماعَةٌ. ويأتِي التنبِيهُ على ذلك في أوائلِ بابِ العَفْو عنِ القِصاصِ، وتقدّم الصُّلْحُ عن دِيَةِ الخَطَأ، أنّه لا يصِحُّ بأكثرَ منها مِن جِنْسِها.

فوائد؛ الأولَى، قال في «الفُروعِ»: وظاهِرُ كلامِهم، يصِحُّ حالًّا ومُؤجَّلًا. وذكره صاحِبُ «المُحَررِ». قلتُ: قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : ويصِحُّ الصُّلْحُ عنِ القَوَدِ بما يُثْبتُ مَهْرًا، ويكونُ حالًا في مالِ القاتِلِ. الثَّانيةُ، لو صالحَ عنِ القِصاصِ بعَبْدٍ أَو غيرِه، فخرَج مُسْتَحَقا أو حُرًّا، رجَع بقِيمَتِه،

(1) في ط: «أخذ» .

ص: 163

وَلَوْ صَالح سَارِقًا لِيُطْلِقَهُ، أوْ شَاهِدًا لِيَكْتُمَ شَهَادَتَهُ، أوْ شَفِيعًا عَنْ شُفْعَتِهِ، أَوْ مَقْذُوفًا عَنْ حَدِّهِ، لَمْ يَصِحَّ الصُّلْحُ، وَتَسْقُطُ الشّفْعَةُ. وَفِي الْحَدِّ وَجْهَانِ.

ــ

ولو عَلِما كوْنَه مُسْتَحَقًّا أو حُرًّا، أو كان مَجْهولًا، كدارٍ وشَجَرَةٍ، بطَلَتِ التَّسْمِيَةُ، ووَجَبَتِ الدِّيَةُ، أو أرْشُ الجَرْحِ. وإنْ صالحَ على حَيوانٍ مُطْلَقٍ، مِن آدَمِي وغيرِه، صحَّ ووجَب الوَسَطُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وخُرِّجَ بُطْلانُه. الثَّالثةُ، لو صالحَ عن دارٍ ونحوها بعِوَض، فبانَ العِوَضُ مُسْتَحَقًّا، رجَع بالدَّارِ ونحوها، أو بقِيمَتِه إنْ كان تالِفًا؛ لأنَّ الصُّلْحَ هنا بَيعٌ حَقِيقَةً، [إذا كان الصلْحُ عن إقْرارٍ. وإنْ كان عن إنْكارٍ، رجَع بالدَّعْوَى](1). قال في «الرعايَةِ» : قلتُ: أو قِيمَتِه مع الإنْكارِ. وحَكاه في «الفُروعِ» قوْلًا؛ لأنَّه فيه بَيعٌ.

قوله: وإنْ صالحَ سارِقًا -وكذا شارِبًا- ليُطْلِقَه، أو شاهِدًا ليَكْتُمَ. شَهادَتَه -أو لئلَّا يَشْهَدَ عليه، أو ليَشْهَدَ بالزُّورِ- أو شَفِيعًا عن شُفْعَتِه، أو مَقْذُوفًا عن حدِّه، لم يصِحَّ الصلْحُ. بلا نِزاعٍ. وكذا لو صالحَه بعِوَض عن خِيارٍ.

(1) زيادة من: 1.

ص: 164

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: وتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال في «الرِّعايتَين»: وتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ في الأصحِّ. قال في «الحاويَيْن» : وتَسْقُطُ في أصحِّ الوَجْهَين. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا تَسْقُطُ. اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيل. قال في «تَجْرِيدِ العِنايَةِ»: وتَسْقُطُ في وَجْهٍ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . ويأتِي ذلك أيضًا في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ الشُّفْعَةِ، في الشَّرْطِ الثَّالثِ. وأمَّا سقُوطُ حدِّ القَذْفِ؛ فأطلَقَ المُصَنِّفُ فيه وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وهما مَبْنِيَّان عندَ أكثرِ الأصحابِ على أن حدَّ القَذْفِ،

ص: 165

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هل هو حق للهِ أو للآدَمِيِّ؟ وفيه رِوايَتان، يأتِيان، إنْ شاءَ اللهُ، في كلامِ المُصَنِّفِ، في أوائلِ باب القَذْفِ. فإنْ قُلْنا: هو حق للهِ. لم يسْقُطْ، وإلَّا سقَط. والصحيحُ مِنَ المذهبِ، أنه حق للآدَمِيِّ، فيَسْقُطُ الحَدُّ هنا. على الصحيحِ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وتَسْقُطُ الشُّفْعَةُ في الأصحِّ. وكذا الخِلافُ في سقوطِ

ص: 166

وَإنْ صَالحَهُ عَلَى أن يُجْرِيَ عَلَى أرْضِهِ. أَوْ سَطْحِهِ مَاءً مَعْلُومًا، صَحَّ.

ــ

حَدِّ القَذْفِ. وقيل: إنْ جُعِلَ حَقَّ آدَمِي، سقَط، وإلَّا وجَب.

قوله: وإنْ صالحَه على أنْ يُجْرِيَ على أرْضِه أو سَطْحِه ماءً مَعْلُومًا، صَحَّ. بلا نِزاعٍ أعْلَمُه، لكِنْ إذا صالحَه بعِوَض؛ فإنْ كان مع بَقاءِ مِلْكِه، فهي إجارَةٌ، وإلَّا بَيعٌ. وإنْ صالحَه على مَوْضِعِ قَناةٍ مِن أرْضِه يُجْرِي فيها ماءً، وبيَّنا مَوْضِعَها

ص: 167

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعَرْضَها وطُولَها، جازَ، ولا حاجَةَ إلى بَيانِ عُمْقِه (1)، ويُعْلَمُ قَدْرُ الماءِ بتَقْدِيرِ السَّاقِيَةِ، وماءِ مطَرٍ، برُؤيَةِ ما يزُولُ عنه الماءُ ومِساحَتِه، ويُعْتَبرُ فيه تقْدِيرُ ما يَجْرِي فيه الماءُ، لا قَدْرُ المُدَّةِ للحاجَةِ كالنِّكاحِ.

(1) بياض في: الأصل، ط.

ص: 168

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأولَى، إذا أرادَ أنْ يُجْرِيَ ماءً في أرْضِ غيرِه مِن غيرِ ضَرَرٍ عليه، ولا على أرْضِه، لم يَجُزْ له ذلك إلا بإذْنِ رَبِّها، إنْ لم تكُنْ حاجَة ولا ضَرُورَة، بلا نِزاعٍ، وإنْ كان مَضْرُورًا إلى ذلك، لم يَجُزْ أيضًا إلَّا بإذْنِه. على الصحيح مِنَ المذهبِ. قال المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الحاوي الكَبِيرِ» ، والشَّارِحُ: هذا أقْيَسُ وأوْلَى. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، يجوزُ، ولو مع حَفْر. اخْتارَه الشَيخُ تَقِي الدينِ وصاحِبُ «الفائقِ» . وقدَّمه في «الرعايَةِ الكُبْرَى» . وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . فعلى الروايَةِ الثَّانيةِ، لا يجوزُ فِعْلُ ذلك إلَّا للضَّرُورَةِ. وهو ظاهِرُ ما قطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» . وجزَم به في

ص: 169

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الفائقِ» . وقيل: يجوزُ للحاجَةِ. وصاحِبُ «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ (1)» ، إنَّما حَكَوا الرِّوايتَين في الحاجَةِ. وأطْلَقَ القَوْلَين في «الفُروعِ» ، وأطْلَقَهما ابنُ عَقِيل في حَفْرِ بِئْرٍ، أو إجْراءِ نَهْر أو قَناةٍ. نقَل أبو الصَّقْرِ، إذا أساحَ عَينًا تحتَ أرْض، فانْتَهَى حَفْرُه إلى أرْض لرَجُل أو دارٍ، فليس له مَنْعُه مِن ظَهْرِ الأرْضِ ولا بَطها، إذا لم يَكُنْ عليه مَضَرَّة. الثَّانيةُ، لو كانتِ الأرْضُ في يَدِه بإجارَةٍ، جازَ للمُسْتَأجِرِ أنْ يُصالِحَ على إجْراءِ الماءِ فيها في ساقِيَةٍ مَحْفُورَةٍ، مُدَّةً (3)

(1) زيادة من: ا.

ص: 170

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لا تُجاوزُ مُدَّةَ الإجارَةِ. وإنْ لم تَكُنِ السَّاقِيَةُ مَحْفُورَةً، لم تَجُزِ المُصالحَةُ على ذلك. وكذا (1) حُكْمُ المُسْتَعِيرِ. ولا يصِح منهما (2) الصلْحُ على إجْراءِ ماءِ المَطَرِ على سَطْح. وفيه على أرْض، بلا ضَرَرٍ، احْتِمالان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» و «الحاوي الكَبِيرِ». قلتُ: الصَّوابُ عدَمُ

(1) في الأصل، ط:«وأما» .

(2)

في الأصل، ط:«فيها» .

ص: 171

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الجَوازِ. ثم رأيتُ ابنَ رَزِين في «شَرْحِه» قدَّمه. وإنْ كانتِ الأرْضُ التي في يَدِه وَقْفًا، فقال القاضي، وابنُ عَقِيل: هو كالمُسْتَأجِرِ (1). وجزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وهو ظاهِرُ ما قدمه في «الفُروعِ» ، وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه». وقال المُصَنفُ: يجوزُ له حَفْرُ السَّاقِيَةِ (2)؛ لأنَّ الأرْضَ له، وله التصَرُّفُ فيها كيف شاءَ، ما لم ينْقُلِ المِلْكَ فيها إلى غيرِه، بخِلافِ المُسْتَأجِرِ. قال في «الفُروعِ»: فدَلَّ أنَّ البابَ، والخَوْخةَ، والكُوةَ، ونحوَ ذلك، لا يجوزُ فِعْلُه (3) في دارٍ مُؤجَرَةٍ، وفي مَوْقُوفَةٍ الخِلافُ، [أو يجوزُ](4) قوْلًا واحدًا. وهو أوْلَى؛ لأن تَعْلِيلَ الشَّيخِ -يعْنِي به المُصَنفَ- لو لم يَكُنْ مُسلَّمًا (5) لم يُفِدْ، وظاهِرُه لا تُعْتَبرُ المَصْلَحَةُ وإذْنُ الحاكِمِ، بل عدَمُ الضرَرِ، وأنَّ إذنه يُعْتَبرُ لدفْعِ الخِلافِ. ويأتِي كلامُ ابنِ عَقِيل في الوَقْفِ، وفيه أذنه فيه لمَصْلَحَةِ المأذُونِ المُمْتازِ (6) بأمْرٍ شَرْعِيٍّ، فلمَصْلَحةِ المَوْقوفِ أو المَوْقوفِ عليه أوْلَى. وهو مَعْنَى نَصِّه في تجْدِيدِه

(1) في الأصل، ط:«كالمستأجرة» .

(2)

في الأصل، ط:«الساحة» .

(3)

في الأصل، ط:«فعليه» .

(4)

في الأصل، ط:«ويجوز» .

(5)

في الأصل، ط:«سلما» .

(6)

في الأصل: «المهار» .

ص: 172

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لمَصْلَحَةٍ (1). وذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ عن أكثرِ الفُقَهاءِ في تَغْيِيرِ صِفَاتِ الوَقْفِ لمَصْلَحَةٍ كالحاكُورةِ، وعَمِلَه حُكامُ الشَّامِ، حتى صاحِبُ «الشرْحِ» ، في الجامِعِ المُظَفرِيِّ. وقد زادَ عمرُ وعثمانُ، رضي الله عنهما، في مَسْجِدِ النَّبِيِّ، صلى الله عليه وسلم، وغيَّرا بِناءَه، ثم عمرُ بنُ عَبْدِ العِزيزِ وزادَ فيه أبْوابًا، ثم المَهْدِيُّ، ثم المَأمُونُ. الثالثةُ، لو صالحَ رَجُلًا على أنْ يَسْقِيَ أرْضَه مِن نَهْرِ الرجُلِ يَوْمًا أو يَوْمَين، أو مِن عَينه، وقدَّرَه بشيء يُعْلَمُ به، لم يَجُزْ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأن الماءَ ليس بمَمْلُوكٍ، ولا يجوزُ بَيعُه، فلا يجوزُ الصُّلْحُ عليه. اخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يجوزُ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، ومالا إليه. قلتُ: وهو الصوابُ، وعَمَلُ النَّاسِ عليه قدِيمًا

(1) في الأصل، ط:«ما صلحه» .

ص: 173

وَيَجُوزُ أنْ يَشتَرِيَ مَمَرًّا في دَارٍ، وَمَوْضِعًا في حَائِطِهِ يَفْتَحُهُ بَابًا، وَبُقْعَةً يَحْفِرُهَا بِئْرًا، وَعُلْوَ بَيتٍ يَبْنِي عَلَيهِ بُنْيَانًا مَوْصُوفًا. فَإِنْ كَانَ الْبَيتُ غَيرَ مَبْنِيٍّ، لَمْ يَجُزْ في أَحَدِ الْوَجْهَينِ.

وَفِي الْآخَرِ، يَجُوزُ إِذَا وُصِفَ الْعُلْوُ وَالسُّفْلُ.

ــ

وحَدِيثًا. الرابعةُ، إذا صالحَه على سَهْم مِنَ العَينِ، أو النَّهْرِ؛ كالثُّلُثِ، والرُّبْعِ، ونحوهما، جازَ، وكان بَيعًا (1) للقَرارِ، والماءُ تابعٌ له. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.

قوله: ويجوزُ أنْ يَشْتَرِيَ مَمَرًّا في دارٍ، ومَوْضِعًا في حائِطِه يَفْتَحُه بابًا، وبُقْعَةً

(1) في الأصل، ط:«تبعًا» .

ص: 174

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يَحْفِرُها بئْرًا، وعُلْوَ بَيتٍ يَبْنِي عليه بُنْيانًا مَوْصُوفًا. بلا نِزاع. وقال المُصَنِّفُ، ومَن تَبِعَه، في وَضْعِ خَشَبٍ أو بِناءٍ: يجوزُ إجارَةً، مُدَّةً معْلُومَةً، ويجوزُ صُلْحًا أبدًا.

قوله: فإنْ كانَ البَيتُ غيرَ مَبْنِي، لم يَجُزْ في أحدِ الوَجْهَين. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، يجوزُ، أي يصِح، إذا وصَف العُلْوَ والسفْلَ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: والأصحُّ، يصِحُّ إذا كان مَعْلُومًا. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، وابنُ عَبْدُوس في «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُهم. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، وغيرِهما. والوَجْهُ الثَّاني، لا يجوزُ، أي لا يصِحُّ. قاله القاضي. وتقدَّم التنبِيهُ على ذلك كلِّه في كتابِ البَيعِ، في الشَّرْطِ الثَّالثِ، فإنّه داخِل في كلامِه هناك على وَجْهِ العُمومِ، وهنا مُصَرَّحٌ به. وبعضُ الأصحابِ ذكَر المَسْألةَ هناك، وبعضُهم ذكَرَها هنا، وبعضُهم عبَّر بالصُّلْحِ عن ذلك، وهو كالبَيعِ هنا. فالنَّقْلُ فيها مِنَ المَكانَين.

تنبيه: حيثُ صحَّحْنا ذلك، فمتى زال، فله إعادَتُه مُطْلَقًا، ويَرْجِعُ بأجْرَةِ مُدَّةِ زَوالِه عنه. وفي الصُّلْح، على زَوالِهْ، وعدَمِ عَوْدِه.

فائدة: حُكْمُ المُصالحَةِ في ذلك كله، حُكْمُ البَيعِ. لكِنْ قال في «الفُنُونِ»: فإذا فرَغَتِ المُدَّةُ يَحْتَمِلُ أنَّه ليس لرَبِّ الجِدارِ مُطالبَته بقَلْعِ خَشَبه. قال: وهو الأشْبَهُ كإعارَتِه لذلك؛ لما فيه مِنَ الخُروجِ عن حُكْمِ العُرْفِ؛ لأنَّ العُرْفَ وضَعَها

ص: 175

وَإنْ حَصَلَ في هَوَائِهِ أغْصَانُ شَجَرَةِ غَيرِهِ، فَطَالبَهُ بِإِزَالتِهَا، لَزِمَهُ. فَإنْ أبَى، فَلَهُ قَطْعُهَا.

ــ

للأبَدِ، فهو كإعارَةِ الأرْضِ للدفْنِ. ثم إمَّا أنْ يَتْرُكَه بعدَ المُدَّةِ بحُكْمِ العُرْفِ بأجْرَةِ مِثْلِه إلى حينِ نَفادِ الخَشَبِ؛ لأنَّه العُرْفُ فيه، كالزَّرْعِ إلى حَصادِه؛ للعُرْفِ فيه، أو يُجَدِّدَ إجارةً بأجْرَةِ المِثْلِ؛ وهي المُسْتَحَقةُ بالدوامِ بلا عَقْدٍ.

قوله: وإنْ حصَل في هوائِه أغْصَانُ شَجَرَةِ غيرِه، فطالبَه بإزالتِها، لَزِمَه. فإنْ أبى، فله قَطْعُها. قال الأصحاب: له إزالتها بلا حُكْم حاكِم. قال في «الوَجيزِ» : فإنْ أبى، لَواه، إنْ أمْكَنَ، وإلَّا فله قَطْعُه. وكذا قال غيرُه. وقيلَ لأحمدَ: يَقْطعه هو؟ قال: لا، يقُولُ لصاحِبِه حتى يقْطَعَ.

فائدة: إذا حصَل في مِلْكِه أو هَوائِه أغْصانُ شَجَرَةٍ، لَزِمَ المَالِكَ إزالته إذا طالبَه بذلك. بلا نِزاعٍ، لكِنْ لو امْتَنعَ مِن إزالتِه، فهل يُجْبَرُ عليه، ويضْمَنُ ما تَلِفَ به؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ؛ أحدُهما، لا يُجْبَرُ، ولا يَضْمَنُ ما تَلِفَ به. وهو الصحيحُ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، في عدَمِ الإجْبارِ. والثاني، يُجْبَرُ على

ص: 176

فَإِنْ صَالحَهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَض، لَمْ يَجُزْ.

ــ

إزالتِه، ويَضْمَنُ ما تَلِفَ به. [وهو احْتِمال](1) في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقال ابنُ رَزِين: ويَضْمَنُ ما تَلِفَ به، إنْ أُمِرَ بإزالتِه فلم يَفْعَلْ. وكذا قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» .

قوله: وإنْ صالحَه عن ذلك بعِوَضٍ، لم يَجُزْ. وهو أحَدُ الوُجوهِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «نهايَةِ ابنِ رَزِين». وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: يجوزُ. قال المُصَنفُ في «المُغْنِي» : اللائقُ بمذهبِنا صِحَّتُه. واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وابنُ عَقِيلٍ.

(1) في الأصل: «وهو الصحيح قدمه» .

ص: 177

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «المُحَررِ» ، و «الشرْحِ» ، و «الفُروعِ». وقيل: إنْ صالحَه عن رُطَبِه، لم يَجُزْ، وإنْ كان يابِسًا، جازَ. اخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» . وقدَّم في «التَّلْخيصِ» ، عدَمَ الجَوازِ في الرَّطْبَةِ؛ لأنها تَتَغيَّر. وأطْلَقَ الوَجْهَين في اليابِسَةِ. وقال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن»: وإنْ صالحَه عن رَطْبَةٍ، لم يَجُزْ. وقيل: في الصُّلْحِ عن غُصْنِ الشجَرَةِ وَجْهان. انتهيا. وأطْلَقَ الأوْجُهَ الثلاثةَ في «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» .

ص: 178

وَإنِ اتَّفَقَا عَلَى أنَّ الثَّمَرَةَ لَهُ أوْ بَينَهُمَا، جَازَ، وَلَمْ يَلْزَمْ.

ــ

واشْتَرطَ القاضي للصِّحةِ، أنْ يكونَ الغُصْنُ مُعْتَمِدًا على نَفْسِ الحائطِ، ومنَع إذا كان في نَفْسِ الهَواءِ؛ لأنه تابعٌ للهَواءِ المُجَرَّدِ. وقال في «التبصِرَةِ»: يجوزُ مع مَعْرِفَةِ قَدْرِ الزِّيادَة بالأذْرُعِ.

قوله: وإنِ اتفَقَا على أن الثَّمَرَةَ له، أو بينَهما، جازَ، ولم يَلْزَمْ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفائقِ». قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: جازَ في الأصَحِّ. وقيل: لا يجوزُ. قال الإمامُ أحمدُ، في جَعْلِ الثمَرَةِ بينَهما: لا أدْرِي. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «المُغْني» ، و «الشرْحِ» ، وأطْلَقَهما في «الفُروعِ». وقال المُصَنِّفُ: والذي يَقْوَى عندِي، أن ذلك إباحَة، لا صُلْحٌ.

ص: 179

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، حُكْمُ عُروقِ الشَّجَرَةِ في غيرِ أرْضِ مالِكِها، حُكْمُ الأغْصانِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النظْمِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل عنه: حُكْمُها حُكْمُ الأغْصانِ إذا حصَل ضَرَرٌ (1)، وإلَّا فلا. الثَّانيةُ، صُلْحُ مَن مال

(1) في الأصل، ط:«من» .

ص: 180

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حائطُه، أو زلَق مِن خَشَبِه إلى مِلْكِ غيرِه، كالأغْصانِ. قاله في «الفُروعِ». وقال: وهو ظاهِرُ رِوايَةِ يَعْقُوبَ. وفي «المُبهِجِ» في بابِ الأطْعِمَةِ، ثَمَرَةُ غُصْن في هَواءِ طَرِيقٍ عام، للمُسْلِمِين.

ص: 181

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرَعَ إِلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ جَنَاحًا، وَلَا سَابَاطًا، وَلَا دكَانًا.

ــ

قوله: ولا يجوزُ أنْ يَشْرَعَ إلى طَرِيقٍ نافِذٍ جَناحًا ولا ساباطًا. وكذا لا يجوزُ. أنْ يُخْرِجَ دَكَّةً. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، نصَّ عليه، في رِوايَةِ أبِي طالِبٍ، وابنِ مَنْصُورٍ، ومُهَنَّا، وغيرِهم. انتهى. وعينه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ

ص: 182

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

منهم. وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وحُكِيَ عن أحمدَ جَوازُه بلا ضَرَرٍ. ذكَرَه الشَيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في «شَرْحِ العُمْدَةِ» ، واخْتارَه هو، وصاحِبُ «الفائق» . فعلى المذهبِ فيهما وفي المِيزابِ -الآتِي حُكْمُه- يَضْمَنُ ما تَلِفَ بهم. ويأتِي ذلك في كلامِ المُصَنِّفِ، في آخرِ بابِ الغصْبِ. وفي سُقُوطِ نِصْفِ الضمانِ، بِناءً على أصْلِه، وَجْهان. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، في بابِ الغَصْبِ. قلتُ: الصَّوابُ ضَمانُ الجميعِ. ثم وَجَدْتُ المُصَنِّفَ، والشارحَ، في كتابِ الغَصْبِ، قالا لمَن قال مِن أصحاب الشَّافِعِي: يَضْمَنُ النِّصْفَ. لأنّه إخْراجٌ في يضْمَنُ به البَعْضَ، فضَمِنَ به الكُل؛ لأنه المَعْهودُ في الضمانِ. وقال الحارِثِيُّ: وقال الأصحابُ: وبأنَّ النِّصْفَ (1) عُدْوانٌ. فأوْجَبَ كلَّ الضَّمانِ. وظاهِرُ ما قالُوا: إنّه يَضْمَنُ الجميعَ.

(1) في الأصل، ط:«النصب» .

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لا يجوزُ إخْراجُ المَيازِيبِ إلى الطريقِ النَّافِذِ، ولا إلى دَرْبٍ غيرِ نافِذٍ إلَّا بإذْنِ أهْلِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: هو كإشْراعِ الأجْنِحَةِ عندَ الأصحابِ. وهو كما قال. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وفي «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» احْتِمالْ بالجَوازِ، مع انْتِفاءِ الضَّرَرِ. وحُكِيَ رِوايَةً عن أحمدَ، ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ في «شَرْحِ العُمْدَةِ» ، كما تقدَّم. قلتُ: وعليه العَمَلُ في كلِّ عَصْر ومِصْر. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيةِ» : واخْتارَه طائِفَة مِنَ المُتَأخرِين. قال الشيخُ تَقِي الدِّينِ: إخْراجُ المَيازِيبِ إلى الدَّرْبِ، هو السُّنَّةُ. واخْتارَه، وقدَّمه في «النَّظْمِ» . فعلى هذا، لا ضَمانَ.

تنبيه: محَلُّ عدَمِ الجَوازِ والضَّمانِ في الجَناحِ والسَّاباطِ والمَيازِيبِ، إذا لم يَأذَنْ فيه الإمامُ أو نائِبُه. فأما إنْ أذِنَ أحدُهما فيه، جازَ ذلك إنْ لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ، عندَ جماهيرِ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: وجوَّزَ ذلك الأكثرُ بإذْنِ الإمامِ.

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقاله في «القَواعِدِ» ، عنِ القاضي، والأكثرِ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. قال الحارِثِيُّ: جزَم به القاضي في «المُجَرَّدِ» ، و «التَّعْلِيقِ الكَبيرِ» ، وابنُ عَقِيل في «الفُصولِ». وقيل: لا يجوزُ، ولو أذِنَ فيه. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاويَيْن» . وقال الحارِثِيُّ، في بابِ الغَصْبِ: والمذهبُ المَنْصُوصُ، عدَمُ الإباحَةِ مُطْلَقًا، كما تقدَّم في بابِ الصُّلْحِ. انتهى. وقدَّمه في «القاعِدَةِ الثَّامِنَةِ والثمانِين» ، وقال: نصَّ عليه في رِوايَةِ أبِي طالب، وابنِ مَنْصُورٍ، ومُهَنَّا، وغيرِهم. وقاله القاضي في «المُجَرَّدِ». قلتُ: بل هو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ. وقال المَجْدُ في «شَرْحِه» ، في كتابِ الصَّلاةِ: إنْ كان لا يضُرُّ بالمارَّةِ، جازَ. وهل يَفْتَقِرُ إلى إذْنِ الإِمام؟ على رِوايَتْين. الثَّانيةُ، لم يذْكُرِ الأصحابُ مِقْدارَ طُولِ الجِدارِ الذي يُشْرَعُ عَليه الجَناحُ والمِيزابُ والسَّاباطُ، إذا قُلْنا بالجَوازِ، لكِنْ حيثُ انْتَفَى الضَّرَرُ، جازَ. وقال في «التَّلْخيصِ» ،

ص: 185

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الترْغِيبِ» : يكونُ بحيثُ يُمْكِنُ عُبورُ مَحْمِل. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . واخْتارَه الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال بعضُ الأصحابِ: يكونُ بحيثُ يُمْكِنُ مُرورُ رُمْحٍ قائِمًا بيَدِ فارِسٍ.

قوله: ولا دُكَّانًا. لا يجوزُ أنْ يشْرَعَ دُكَّانًا في طَرِيقٍ نافِذٍ، سواء أذِنَ فيه الإمامُ، أو لا. على الصَّحيحِ مِنَ المَذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «الحاوي الكَبِيرِ»: لا نَعْلَمُ فيه خِلافًا. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وقيل: حُكْمُه حكمُ الجَناحِ ونحوه. قال في «الفُروعِ» : مع أن الأصحابَ لم يُجَوِّزُوا حَفرَ البِئرِ والبِناءَ في ذلك لنَفسِه، وكأنه لما فيه مِنَ الدَّوامِ. قال: ويتَوَجَّهُ مِن هذا الوَجْهِ، تخْرِيجٌ. يعْنِي، في جَوازِ حَفْرِ البِئْرِ والبِناءِ. وظاهِرُ كلامِه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، جَوازُ إخْراجِ الدُّكَّانِ، وإنْ

ص: 186

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَنعْناه مِن غيرِه، على المُقدَّمِ؛ فإنَّه قال: وليس لأحَدٍ أنْ يُخْرِجَ إلى دَرْبٍ نافِذٍ مِن مِلْكِه رَوْشَنًا، ولا كذا، ولا كذا. وقيل: ولا دُكَّانًا. ولعَلَّه سَهْوٌ، إنْ لم يَكُنْ في النُّسْخَةِ غلَطٌ.

[تنبيه: ممَّن ذكَر الدُّكَّانَ كالمُصَنِّفِ، واقْتَصرَ عليه، أبو الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ»، و «المُسْتَوْعِبِ»، وجَمْعٌ كثير. وممَّنْ ذكَر الدَّكَّةَ، واقْتَصرَ عليها، ولم يذْكُرِ الدكانَ، جماعَةٌ؛ منهم ابنُ حَمْدانَ، في «الرِّعايَةِ الصغْرَى»، وصاحِبُ «الحاوي الصَّغِيرِ». وقد فسَّر ابنُ مُنَجَّى الدُّكَّانَ في كلامِ المُصَنِّفِ بالدكةِ. قال في «المُطْلِعِ»: قال أبو السَّعاداتِ (1): الدكانُ، الدكةُ المَبْنِيةُ للجُلُوسِ عليها. وقال في «البَدْرِ المُنِيرِ»: الدّكَّةُ، المَكانُ المُرْتَفِعُ يُجْلَسُ عليه، وهو المَصْطَبَةُ. وجمَع ابنُ حَمْدانَ، في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» بينَهما، فقال: وليس لأحَدٍ أنْ يُخْرِجَ إلى طَرِيقٍ نافِذ دَكَّةً. وقيل: ولا دُكَّانًا. انتهى. فغايرَ بينَهما. وقد قال الجَوْهَرِيُّ: الدكانُ؛ الحانُوتُ. انتهى. فهو غِيرُ الدكةِ عندَه. وقال في «البَدْرِ المنيرِ»: والدكانُ يُطْلَقُ على الحانُوتِ، وعلى الدكةِ التي يُقْعَدُ عليها. انتهى. وقال في «القامُوسِ» (2): الدكةُ بالفَتْحِ، والدكانُ بالضَّمِّ، بِناءٌ يُسْطَحُ أعْلاه للمَقْعَدِ. انتهى](3).

(1) هو هبة الله بن علي بن محمَّد، أبو السعادات، المعروف بابن الشجري. كان أوحد زمانه في علم العربية ومعرفة اللغة، صنف كتاب «الأمالي» ، وله في النحو عدة تصانيف. توفي سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة.

بغية الوعاة، للسيوطي 2/ 324.

(2)

القاموس المحيط 3/ 312.

(3)

في هامش ا: «زيادة من هامش نسخة المصنف» .

ص: 187

وَلَا أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ في مِلْكِ إِنْسَانٍ، وَلَا دَرْبٍ غَيرِ نَافِذٍ إلا بِاذْنِ أهْلِهِ.

ــ

قوله: ولا أنْ يَفْعَلَ ذلك في دَرْبٍ غيرِ نَافِذٍ، إلَّا بإذْنِ أهْلِه. بلا نِزاع. وكذا

ص: 188

فَإِنْ صَالحَ عَنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ، جَازَ في أحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

لا يجوزُ أنْ يَفْعَلَ ذلك هَواءِ جارِه إلَّا بإذْنِه.

قوله: فإنْ صالحَ عن ذلك بعِوَض، جازَ، في أحدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. قال في «الفُروعِ»: ويصِحُّ صُلْحُه عن مَعْلُومِه بعِوَض في الأصحِّ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . واخْتارَه أبو الخَطَّابِ وغيرُه. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. والوَجْهُ الثَّاني،

ص: 189

وَإذَا كَانَ ظَهْرُ دَارِهِ في دَرْب غَيرِ نَافِذٍ، فَفَتَحَ فِيهِ بَابًا لِغَيرِ الاسْتِطْرَاقِ، جَازَ. وَيَحْتَمِلُ ألا يَجُوزَ.

ــ

لا يجوزُ. اخْتارَه القاضي، وجزَم به في «نِهايَةِ ابنِ رَزِنٍ» ، ورَدَّه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» .

قوله: وإنْ كانَ ظَهْرُ دارِه في دَرْبٍ غيرِ نافِذٍ، ففتَح فيه بابًا لغيرِ الاسْتِطْراقِ،

ص: 190

وَإنْ فَتَحَهُ للِاسْتِطْرَاقِ، لَمْ يَجُزْ، إلا بِإِذْنِهِمْ في أحَدِ الْوَجْهَين وإنْ صَالحَهُمْ، جَازَ.

ــ

جازَ. وهو المذهبُ، نصّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يجوزَ إلَّا بإذْنِهم، وهو لابنِ عَقِيل، واخْتارَه بعضُ الأصحابِ.

قوله: وإنْ فتَحَه للاسْتِطْراقِ، لم يَجُزْ، إلَّا بإذْنِهم، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ، نصّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وصححه في «التصْحيحِ» وغيرِه.

ص: 191

وَلَوْ أنَّ بَابَهُ في آخِرِ الدَّرْبِ، مَلَكَ نَقْلَهُ إِلَى أوَّلِهِ، وَلَمْ يَمْلِكْ نَقْلَهُ إِلَى دَاخِل مِنْهُ في أحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. قال في «الفائقِ»: لم يَجُزْ في أصحِّ الوَجْهَين. والوَجْهُ الثَّاني، يجوزُ بغيرِ إذْنِهم.

قوله: ولو أنَّ بابَه في آخِرِ الدَّرْبِ، ملَك نَقْلَه إلى أوَّلِه. يعْنِي، إذا لم يَحْصُلْ ضَرَر [مِن فَتْحِه مُحاذِيًا لبابِ غيرِه ونحوه](1). وهو المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقال في «التَّرْغِيبِ»: وقيل: لا يجوزُ مُحاذِيا لبابِ غيرِه. [فظاهِرُه أنَّه قدم الجَوازَ مُطْلَقًا. وهو ضَعِيف](1).

(1) زيادة من: ا.

ص: 192

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: ولم يَمْلِكْ نَقْلَه إلى داخِل منه، في أحدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. والوَجْهُ الثاني، يجوزُ. قال في «الحاوي الكَبِيرِ»: اخْتارَه صاحِبُ «المُغْنِي» ، لكِنْ لا يفْتَحُه قُبالةَ بابِ غيرِه. نصَّ عليه. وقال ابنُ أبي مُوسى: يجوزُ، إنْ سَدَّ البابَ الأولَ. وهو ظاهِرُ نَقْلِ يَعْقوبَ.

تنبيه: محَل الخِلافِ، إذا لم يأذَنْ له مَن فوقَه. فأمَّا إنْ أذِنُوا، ارْتفَعَ الخِلافُ. على الصَّحيحِ. وقيل: لا بدَّ أيضًا مِن إذنِ مَن هو أسْفَلُ منه. وهو بعيد. وحيثُ قُلْنا بالإذْنِ، وأذِنُوا، فيكُونُ إعارَةً. قال في «الفُروعِ»: ويكونُ إعارَةً في الأشْبَهِ. وكذا قال قبلَه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .

ص: 193

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، لو كان لرَجُلٍ داران؛ ظَهْرُ كلِّ واحِدَةٍ منهما إلى ظَهْرِ الأُخْرَى، وبابُ كلِّ واحِدَةٍ منهما إلى دَرْبٍ غيرِ نافِذٍ، فرفَع الحاجِزَ بينَهما، وجعَلَهما دارًا واحدَةً، جازَ. وإنْ فتَح مِن كلِّ واحِدَةٍ منهما بابًا إلى الأُخْرَى؛ ليَتمَكَّنَ مِنَ التَّطَرُّق مِن كلِّ واحِدَةٍ منهما إلى كلا الدَّارَين، فقال القاضي: لا يجوزُ. وجزَم به في «المُذْهَبِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . قال في «الرِّعايَةِ

ص: 194

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكُبْرَى»: لم يَجُزْ في الأصحِّ. قال في «الصُّغْرَى» : جازَ في وَجْهٍ. وقيل: يجوزُ. قال المُصَنِّفُ: والأشْبَهُ الجَوازُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «النَّظْمِ» : وهو الأقْوَى. وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وأطْلَقَهما في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاويَيْن» . الثَّانيةُ، الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الجارَ يُمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ في مِلْكِه بما يَضُرُّ بجارِه؛ كحَفْرٍ كَنِيفٍ إلى جَنْبِ حائطِ جارِه، وبِناءِ حَمَّام إلى جَنْبِ دارِه، يتَأذَّى بذلك، ونصْبِ تنورٍ يتَأذَّى باسْتِدامَةِ دُخانِه، وعمَلِ دُكَّانِ قِصارَةٍ وحِدادَةٍ، يتَأذَّى بكَثْرَةِ دَقِّه، أو رَحًى، أو حَفْرِ بِئْر ينْقَطِعُ به ماءُ بِئْرِ جارِه، [ونحو ذلك. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في](1)

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 195

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[«المُحَرَّرِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي»، و «الشَّرْحِ»، و «الرِّعايتَين»، و «الحاويَيْن»، و «الفُروعِ»، وغيرِهم. فإنْ حفَر بِئْرًا في مِلْكِه، فانْقَطَعَ ماءُ بِئرِ جارِه](1)، أمِرَ بسَدِّها؛ ليَعُودَ ماءُ البِئْرِ الأولَةِ. على الصَّحيحِ. فإنْ لم يَعُدْ، كُلِّفَ صاحِبُ البِئْرِ الأوَّلَةِ حَفْرَ البِئْرِ التي سُدَّتْ لأجْلِه مِن مالِه. وعنه، لا يُكَلَّفُ سدَّ بِئْرِه، ولو انْقَطَعَ ماءُ بِئْرِ جارِه. قال القاضي: فيُخَرَّجُ في المَسائلِ التي قبلَها؛ مِنَ الحَمَّامِ، والتَّنُّورِ، ودُكَّانِ القِصارَةِ، والحِدادَةِ، ونحوها، رِوايَتان. قال ابنُ رَزِين: عدَمُ المَنْعِ في الجَميعِ أقْيَسُ. وقال في «التَّلْخيصِ» ، في بابِ إحْياءِ المَواتِ: يُمْنَعُ مِن ذلك. ثم قال: وفيه رِوايَةٌ أخْرَى، لا يُمْنَعُ مِن ذلك. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، ذكَرَه أبو إسْحاقَ في «تَعاليقِه» عنه. وأطْلَقَ الروايتَين في الجَميعِ في «الفائقِ» . الثَّالثَةُ، لو ادَّعَى أنَّ بِئْرَه فسَدَتْ مِن خَلاءِ جارِه، أو بالُوعَتِه، طُرِحَ في الخَلاءِ أو البالُوعَةِ نِفْطٌ؛ فإنْ لم يَظْهَرْ طَعْمُ النفْطِ ولا رائِحَتُه في البِئْرِ، عُلِمَ أن فَسادَها بغيرِ ذلك. وإنْ ظهَر طَعْمُه أو رائِحَتُه فيها، كُلِّفَ صاحِبُ الخَلاءِ والبالُوعَةِ نقْلَ ذلك، إنْ لم يُمْكِنْ إصْلاحُها. هذا إذا كانتِ البِئْرُ أقْدَمَ منهما.

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 196

وَلَيسَ لَهُ أَنْ يَفْتَحَ في حَائِطِ جَارِهِ، وَلَا في الْحَائِطِ الْمُشْتَرَكِ رَوْزَنَةً وَلَا طَاقًا، إلَّا بإِذْنِ صَاحِبِه.

ــ

وعلى الرِّوايَةِ الأخْرَى، لا تلْزَمُ مالِكَ الخَلاءِ والبالوعَةِ تَغْيِيرُ ما عَمِلَه في مِلْكِه بحالٍ. قاله في «الحاويَيْن» وغيرِه. الرَّابعةُ، ليس له مَنْعُه مِن تَعْلِيَة دارِه، في ظاهِرِ ما ذكَرَه المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، ولو أفْضَى إلى سَدِّ الفَضاءِ عن جارِه. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ مِن قَوْلِ أحمدَ: لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ. مَنْعُه. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: ليس له مَنْعُه؛ خوْفًا مِن نَقص أجْرَةِ مِلْكِه، بلا نِزاع. وقد قال في «الفُنُونِ»: من أحْدَثَ في دره دِباغَ الجُلودِ، أو عمَلَ الصَّحْناةِ (1)، يحْتَمِلُ المَنْعَ. وقال ابنُ عَقِيل أيضًا: لا يجوزُ أنْ يُحْدِثَ في مِلْكِه قَناةً تَنِزُّ إلى حِيطانِ النَّاسِ.

قوله: وليس له أنْ يَفْتَحَ في حائطِ جارِه، ولا الحائطِ المُشْتَرَكِ روْزَنَةً، ولا طاقًا، إلَّا بإذْنِ صاحِبِه. يَحْرُمُ عليه التَّصَرُّفُ في ذلك حتى بضَرْبِ وَتَدٍ، ولا يُحْدِثُ سُتْرَةً. قال في «الفُروعِ»: ذكَرَه جماعَةٌ. وحمَل القاضي قَوْلَ أحمدَ: يَلْزَمُ الشَّرِيكَ النَّفَقَةُ مع شَرِيكِه على السُّتْرَةِ. على سُتْرَةٍ قَديمةٍ انْهدَمَتْ. واخْتارَ في «المُستَوْعِبِ» وُجوبَها مُطْلَقًا على نصِّه، فقال: وعندِي، أن السُّتْرَةَ واجِبَة على كلِّ حالٍ، على ما نصَّ عليه مِن وُجوبِها.

(1) إدام يتخذ من السمك الصغار.

ص: 197

وَلَيسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَيهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورةِ، بِأنْ لَا يُمْكِنَهُ التَّسْقِيفُ إلا بِهِ.

ــ

فائدة: يَلْزَمُ الأعْلَى بِناءُ سُتْرَةٍ تَمْنَعُ مُشارَفَةَ الأسْفَلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. ونقَلَه ابنُ مَنْصُورٍ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَررِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الرعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «تَجْرِيدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرعايَةِ الكُبْرَى». وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. وقيل: يُشارِكُه الأسْفَلُ. وأما إذا تَساوَيا، فإن المُمْتَنِعَ يُلْزَمُ بالمُشارَكَةِ.

قوله: وليس له وَضْعُ خَشَبِه عليه -يعْنِي، على حائطِ جارِه، أو الحائطِ المُشْتَرَكِ- إلَّا عندَ الضرُورَةِ، بأنْ لا يُمْكِنَه التسْقِيفُ إلَّا به. إذا أرادَ أنْ يضَعَ

ص: 198

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خشَبَه على جِدارِ جارِه، أو الجِدارِ المُشْتَرَكِ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يتَضَرَّرَ الحائطُ بذلك، أو لا؛ فإنْ تَضَرَّرَ بذلك، مُنِعَ. بلا نِزاعٍ. وإنْ لم يتَضَرَّرْ، فلا يَخْلُو؛ إما أنْ يكونَ صاحِبُ الخَشَبِ مُسْتَغْنِيًا عن ذلك؛ لإمْكانِه وَضْعُه على غيرِه، أو لا؛ فإنْ كان مُسْتَغْنِيًا عن وَضْعِه، وأرادَ وَضْعَه عليه، مُنِعَ منه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: عليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه

ص: 199

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفُروعِ» . وصحَّحه في «الرِّعايَةِ» وغيرِها. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقال ابنُ عَقِيل: يجوزُ. وأطْلَقَ أحمدُ الجَوازَ، وكذا صاحِبُ «المُحَرَّرِ» وغيرُه. وإنْ لم يكُنْ مُسْتَغْنِيًا، ودَعَتِ الضَّرُورَةُ إلى ذلك عندَ الأكثرِ -وفي «المُغْني» ، و «الشرْحِ» ، ودَعَتِ الحاجَةُ إلى ذلك- فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، له وَضْعُه عليه. نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. فعلى هذا، لا يجوزُ لرَبِّ الجِدارِ مَنْعُه، وإنْ منَعَه، أجْبَرَه الحاكِمُ. وقد نصَّ الإمامُ أحمدُ على عدَمِ اعْتِبارِ إذْنِه في الوَضْعِ، ولو صالحَه عنه بشيءٍ، جازَ. قال في «الرِّعايَةِ»: جازَ في الأصحِّ. انتهى. وقيل: لا يجوزُ له وَضْعُه بغيرِ إذْنِه. وخرَّجَه أبو الخَطابِ مِن رِوايَةِ المَنْعِ مِن وَضْعِه على جِدارِ المَسْجِدِ. وهو قَوْلُ المُصَنِّفِ. وهذا تَنْبِيهٌ على أنَّه لا يَضَعُه على جِدارِ جارِه؛ لأنَّ

ص: 200

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له في المَسْجِدِ حقًّا، وحقُّ اللهِ مَبْنِيٌّ على المُساهَلَةِ. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الحاويَيْن» .

فائدة: ذكَر أكثرُ الأصحابِ الضَّرُورَةَ، مِثْلَ أنْ يكونَ للجارِ ثَلاثَةُ جُدُرٍ، وله جِدارٌ واحدٌ (1)؛ منهم القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ» . وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وليس هذا في كلامِ أحمدَ، إنَّما قال في رِوايَةِ أبِي داودَ: لا يَمْنَعُه إذا لم يَكُنْ ضَرَرٌ، وكان الحائطُ يَبْقَى. ولأنَّه قد يَمْتَنِعُ التَّسْقِيفُ على حائطَين، إذا كانا غيرَ مُتَقابِلَين، أو كان البَيتُ واسِعًا يَحْتاجُ أنْ يجعلَ فيه جِسْرًا، ثم يضَعَ الخَشَبَ على ذلك الجِسْرِ. قال المُصَنِّفُ: والأوْلَى اعْتِبارُه بما ذكَرْنا، مِنِ امْتِناعِ التَّسْقيفِ بدُونِه. ولا فَرْقَ فيما ذكَرْنا بينَ البالِغِ واليَتِيمِ والعاقلِ والمَجْنُونِ.

(1) في ط: «أوجد» .

ص: 201

وعَنْهُ، لَيسَ لَهُ وَضْعُ خَشَبِهِ عَلَى جِدَارِ الْمَسجِدِ. وَهَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضَعُ عَلَى جِدَارِ جَارِهِ.

ــ

تنبيه: ظاهِرُ قوْلِه: وعنه، ليس له وَضْعُ خَشَبِه على جِدارِ المَسْجِدِ. [أنَّ المُقَدَّمَ جَوازُ](1) وَضْعِه عليه، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الحاويَيْن» ، وهو إحْدَى الرِّوايتَين أو الوَجْهَين. وهو المذهبُ عندَ ابنِ مُنَجَّى في «شَرْحِه» . وجزَم به في «المُنَوِّرِ» . وهو احْتِمالٌ في «المُذْهَبِ» . والرِّوايَةُ الأُخْرَى، ليس له وَضْعُه على جِدارِ المَسْجِدِ، وإنْ جازَ وَضْعُه على جِدارِ غيرِه. وهي التي ذكَرَها المُصَنِّفُ هنا. واخْتارَها أبو بَكْرٍ، وأبو محمدٍ الجَوْزِيُّ. وصحَّحه في «الرِّعايتَين» . وجزَم

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 202

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

به في «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «المُذْهَبِ» . وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، و «الشرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الكافِي» .

فوائد؛ إحْداها، لو كان له حقُّ ماءٍ يَجْرِي على سَطْحِ جارِه، لم يَجُزْ له تَعْلِيَةُ سَطْحِه ليَمْنَعَ الماءَ. ذكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغيرُه. وليس له تَعْلِيَتُه لكَثْرَةِ ضَرَرِه. الثَّانيةُ، يجوزُ له الاسْتِنادُ إلى حائطِ جارِه وإسْنادُ قُماشِه إليه. وذكَر في «النِّهايَةِ» في مَنْعِه احْتِمالين. وله الجُلُوسُ (1) في ظِلِّه، ونظَرُه في ضَوْءِ سِراجِه. ونقَل المَرُّوذِيُّ، يَسْتَأْذِنُه، أعْجَبُ إليَّ، فإنْ منَعَه، حاكَمَه. ونقَل جَعْفَرٌ، قيلَ له: أيَضَعُه، ولا يَسْتَأْذِنُه؟ قال: نعم، أيشِ يَسْتَأْذِنُه؟ قال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: العَينُ والمَنْفَعَةُ التي لا قِيمَةَ لها عادةً، لا يصِحُّ أنْ يرِدَ عليها عقَدُ بَيعٍ وإجارَةٍ اتِّفاقًا، كمَسْأَلتِنا. الثَّالثةُ، لو ملَك وَضْعَ خَشَبِه على حائطٍ، فزال بسُقوطِه، أو قَلْعِه، أو سُقوطِ

(1) في ط: «الحلول» .

ص: 203

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحائطِ، ثم أُعِيدَ، فله إعادَةُ خَشَبِه، إنْ حصَل له ضَرَرٌ بتَرْكِه، ولم يُخْشَ على الحائطِ مِن وَضْعِه عليه، وإنْ خِيفَ سُقوطُ الحائطِ بعدَ وَضْعِه عليه، لَزِمَ إزالتُه. الرَّابعةُ، لو كانَ له وَضْعُ خَشَبِه على جِدارِ غيرِه، لم يَمْلِكْ إجارَتَه، ولا إعارَتَه، ولا يَمْلِكُ أيضًا بَيعَه، ولا المُصالحَةَ عنه للمالِكِ ولا لغيرِه. ولو أرادَ صاحِبُ الحائطِ إعارَتَه أو إجارَتَه، على وَجْهٍ يَمْنَعُ هذا المُسْتَحِقَّ مِن وَضْعِ خَشَبِه، لم يَمْلِكْ ذلك. فيُعايَىَ بها. ولو أرادَ هَدْمَ الحائطِ مِن غيرِ حاجَةٍ، لم يَمْلِكْ ذلك. الخامسةُ، لو أذِنَ صاحِبُ الحائطِ لجارِه في البِناءِ على حائطِه، أو وَضْعِ سُتْرَةٍ عليه، أو وَضعِ خَشَبِه عليه في المَوْضِعِ الذي يَسْتَحِقُّ وَضْعُه، جازَ، وصارَتْ عارِيَّةً لازِمَةً، يأْتِي حُكْمُها في بابِ العارِيَّةِ. وإنْ أذِنَ في ذلك بأُجْرَةٍ، جازَ. سواءٌ كانتْ إجارَةً أو صُلْحًا، على وَضْعِه على التَّأْبِيدِ، ومتى زال فله إعادَتُه (1). ويُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ البِناءِ

(1) في ط: «إعارته» .

ص: 204

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والعَرْضِ والطُّولِ، والسُّمْكِ والآلاتِ. السَّادسةُ، لو وجَد بِناءَه أو خَشَبَه على

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

حائطٍ مُشْتَرَكٍ، أو حائطِ جارِه، ولم يَعْلَمْ سبَبَه، فمتى زال، فله إعادَتُه. وكذا

ص: 206

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لو وجَد مَسِيلَ ماءٍ يَجْرِي في أرْضِ غيرِه، أو مَجْرَى ماءِ سَطْحِه على سَطْحِ غيرِه، وما أشْبَهَه. فإنِ اخْتَلَفا، فالقَوْلُ قوْلُ صاحِبِ الخَشَبِ، ونحوه.

ص: 207

وَإِنْ كَانَ بَينَهُمَا حَائِطٌ فَانْهَدَمَ، فَطَالبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ بِبِنَائِهِ مَعَهُ، أُجْبِرَ عَلَيهِ. وَعَنْهُ، لَا يُجْبَرُ،

ــ

قوله: وإنْ كان بينَهما حائطٌ، فانْهدَمَ، فطالبَ أحَدُهما صاحِبَه ببِنائِه معه، أُجْبِرَ عليه. هذا المذهبُ بلا رَيبٍ. ونصَّ عليه، في رِوايَةِ ابنِ القاسِمِ، وحَرْبٍ، وسِنْدِيٍّ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه أصحابُنا. قال ابنُ عَقِيلٍ: عليه أصحابُنا. قال القاضي: هذا أصحُّ. قال (1) في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : لَزِمَ الآخَرَ على الأصحِّ. قال في «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ،

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 208

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وغيرِهم: أُجْبِرَ، في أصحِّ الرِّوايتَين. قال ابنُ رَزِينٍ: اخْتارَه أكثرُ الأشْياخِ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» : هذا المذهبُ، نصَّ عليه في رِوايَةِ جَماعَةٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في، «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، وغيرِهم. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. وعنه، لا يُجْبَرُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وقالا: هو أقْوَى في النَّظرَ. واخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ أيضًا. قال ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» : وهو أظْهَرُ، كبِناءِ حائطٍ بينَ مِلْكَيهما (1). فعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ، قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: لو بَناه، ثم أرادَ نَقْضَه؛ فإنْ كان

(1) في الأصل، ط:«ملكهما» .

ص: 209

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بَناه بآلَتِه، لم يَكُنْ له ذلك. وإنْ كان بَناه مِن عندِه، فله نَقْضُه، فإنْ قال الشَّرِيكُ: أنا أدْفَعُ إليك نِصْفَ قِيمَةِ البِناءِ ولا تَنْقُضْه. لم يُجْبَرْ على ذلك. وإنْ أرادَ غيرُ البانِي نَقْضه، أو إجْبارَ بانِيه على نَقْضه، لم يَكُنْ له ذلك، على كلا الرِّوايتَين. انتهيا. ويأَتِي الحُكْمُ، إذا قُلْنا: يُجْبَرُ. في آخِرِ المَسْأَلةِ. وعلى الرِّوايَةِ الثَّانيةِ أيضًا، ليس له مَنْعُه مِن بِنائِه، لكِنْ إنْ بَناه بآلَتِه، فهو بينَهما، وليس له مَنْعُه مِنَ الانْتِفاعِ به قبلَ أنْ يُعْطِيه نِصْفَ قِيمَةِ عَمَلِه. على الصَّحيحِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: ليس له مَنْعُه مِنَ الانْتِفاعِ، في الأشْهَرِ، كما ليس له نَقْضُه. قال في «الكافِي»: عادَ بينَهما، كما كان برُسومِه وحُقوقِه؛ لأنَّه عادَ بعَينِه. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةِ والسَّبْعِين»: هو قَوْلُ القاضي في «المُجَردِ» ، وابنِ عَقِيل، والأكْثرَين. وقدَّمه في «النِّهايَةِ» ، و «التّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين». وقيل: له مَنْعُه مِنَ الانْتِفاعِ به حتى يُعْطِيَه

ص: 210

لَكِنْ لَيسَ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ بِنَائِهِ. فَإِنْ بَنَاهُ بِآلَتِهِ، فَهُوَ بَينَهُمَا، وَإنْ بَنَاهُ بِآلَةٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَهُوَ لَهُ، وَلَيسَ لِلْآخَرِ الانْتِفَاع بِهِ. فَإِنْ طَلَبَ ذَلِكَ، خُيِّرَ الْبَانِي بَينَ أَخذِ نِضفِ قِيمَتِهِ مِنْهُ وَبَينَ أَخْذِ آلَتِهِ.

ــ

نِصفَ قِيمَةِ العمَلِ. جزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُجَرَّدِ» ، و «الحاويَيْن» . وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفائقِ» . وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ أبِي مُوسى، والقاضي في «خِلافِه» . وحَكاه في «التَّلْخيصِ» ، عن بعضِ مُتَأَخِّرِي الأصحابِ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: وفيما ذكَرَه الأصحابُ -مِن عدَمِ مَنْعِه مِنَ الانْتِفاعِ به قبلَ أنْ يُعْطِيَه نِصفَ قِيمَةِ عمَلِه- نَظَرٌ، بل يَنْبَغِي أنَّ الثَّانِيَ يَمْلِكُ مَنْعَ شَرِيكِه مِنَ التَّصَرُّفِ فيه، حتى يُؤدِّيَ ما يخُصُّه مِنَ الغَرامَةِ الواقِعَةِ بأُجْرَةِ المِثْلِ؛ لأنَّه لو لم يكُنْ كذلك، لأدَّى إلى ضَياعِ حقِّ الشرِيكِ. انتهى. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال في «الوَجيزِ» : وإذا بنَى أحدُهما الحائطَ بأنْقاضِه، فهو بينَهما، إنْ أدَّى الآخَرُ نِصفَ قِيمَةِ التَّالِفِ.

قوْلُه على الروايَةِ الثَّانيةِ: وإنْ بَناه بآلَةٍ مِن عندِه فهو له -ولا يَحْتاجُ إلى إذْنِ حاكِمٍ في بِنائِه. صرَّح به القاضي في «خِلافِه» . وقدَّمه في «القَواعِدِ» . واعْتَبرَ

ص: 211

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «المُجَرَّدِ» إذْنَ الحاكمِ. ونصَّ أحمدُ على أنَّه يُشْهِدُ على ذلك -وليس للآخَرِ الانْتِفاعُ به. فله مَنْعُ شَرِيكِه مِنَ الانْتِفاعِ به، ومِن وَضْعِ خَشَبِه ورُسومِه حتى يَدْفَعَ ما يجِبُ عليه. صرَّح بذلك في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «القَواعِدِ». قال في «الفائقِ»: اخْتَصَّ به وبنَفْعِه دُونَ أرْضِه. قال في «الحاويَيْن» : ملَكَه البانِي خاصَّةً، وليس لشَرِيكِه الانْتِفاعُ به. فإنْ كان لغيرِ البانِي رَسْمُ طَرْحٍ (1) أخْشابٍ، فالبانِي مُخَيَّرٌ [بينَ أنْ يُمَكِّنَهْ](2) مِن وَضْعِ أخْشابِه -

(1) في ط: «صرح» .

(2)

في الأصل، ط:«إما يملكه» .

ص: 212

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ويأْخُذَ منه نِصْفَ قِيمَةِ الحائطِ- وبينَ أنْ يأْخُذَ بِناءَه ليُعِيدَ البِناءَ بينَهما، أو يَشتَرِكان في الطَّرْحِ. انتهى. وقال في «الفُروعِ»: وإنْ بَناه بغيرِها، فله مَنْعُه مِن غيرِ رَسْمِ طَرْحِ خَشَبٍ. فظاهِرُ كلامِه، عدَمُ المَنْعِ مِنَ الرُّسُومِ. وقد صرَّح المُصَنِّفُ وغيرُه

ص: 213

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالمَنْعِ. والظَّاهِرُ أنَّ مُرادَ صاحِبِ «الفُروعِ» بالجَوازِ، إذا كان له حَقٌّ في ذلك، وأرادَ الانْتِفاعَ بعدَ بِنائِه. وقد صرَّح المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، بعد كلامِهما الأوَّلِ، بقَرِيبٍ مِن ذلك؛ فقالا: فإنْ كان على الحائطِ رَسْمُ انْتِفاعٍ، أو وَضْع خَشَب، قال له: إمَّا أنْ تأْخُذَ مِنِّي نِصْفَ قِيمَتِه، أو تُمَكِّنَنِي مِن انْتِفاعِي، وإمَّا أنْ تقلَعَ حائِطَك لنُعِيدَ البِناءَ بينَنا. فيَلْزَمُ الآخَرَ إجابَتُه؛ لأنَّه لا يمْلِكُ إبْطال رُسومِه وانْتِفاعِه ببِنائِه. انتهيا. وكذا قال غيرُهما.

فائدة: قال في «القاعِدَةِ السَّادسةِ والسَّبْعِين» : فإنْ قيلَ: فعندَكم لا يجوزُ للجارِ مَنْعُ جارِه مِنَ الانْتِفاعِ بوَضْعِ خَشَبِه على جِدارِه، فكيف مَنَعْتُمْ هنا؟ قُلْنا: إنَّما مَنَعْنا هنا مِن عَوْدِ الحق القَديمِ المُتَضَمِّنِ لمِلْكِ الانْتِفاعِ قَهْرًا، سواء كان مُحْتاجًا إليه أو لم يَكُنْ. وأمَّا التَّمْكِينُ مِنَ الوَضْعِ للارْتِفاقِ، فتلك مَسْأَلَةٌ أُخْرَى، وأكثرُ الأصحابِ يَشْتَرِطُون فيها الحاجَةَ أو الضَّرُورَةَ، على ما تقدَّم.

قوله: فإنْ طلَب ذلك -يعْنِي، الشَّرِيكُ الذي لم يَبْنِ، الانْتفِاعَ- خُيِّرَ البانِي بينَ أخْذِ نِصْفِ قِيمَتِه منه، وبينَ أخْذِ آلَتِه. وهذا بلا نِزاع. لكِنْ لو اخْتارَ الأخْذَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يأْخُذُ نِصْفَ قِيمَةِ بِنائِه. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه يَدْفَعُ ما يخُصُّه كغَرامَةٍ؛ لأنَّه نائبُه مَعْنًى. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .

ص: 214

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ إحْداها، إذا قُلْنا: يُجْبَرُ على بِنائِه معه. وهو المذهبُ، وامْتَنَع، أجْبَرَه الحاكِمُ على ذلك، فإنْ لم يَفْعَلْ، أخَذ الحاكِمُ مِن مالِه وأنْفَقَ عليه، فإنْ لم يَكُنْ له عيَنُ (1) مالٍ، باعَ مِن عُروضِه، فإنْ تعَذَّرَ، اقْتَرضَ عليه. وإنْ عمَرَه شَرِيكُه بإذْنِه أو إذْنِ حاكِمٍ، رجَع عليه، وإنْ أرادَ بِناءَه، لم يَمْلِكِ الشَّرِيكُ مَنْعَه. وما أنْفَقَ، إنْ تبَرَّعَ به، لم يَكُنْ له الرُّجوعُ، وإنْ نوَى الرُّجوعَ به، فهل له الرُّجوعُ؟. قال في «الشرْحِ»: يَحْتَمِلُ وَجْهَين؛ بِناءً على ما إذا قضَى دَينَه بغيرِ إذْنِه. انتهى. [قال في «الفُروعِ»: وفيه -بنِيَّةِ رُجوعِه على الأوَّلِ- الخِلافُ](2). وإنْ بَناه

(1) في ط: «غير» .

(2)

زيادة من: ا.

ص: 215

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لنَفْسِه بآلَتِه، فهو بينَهما، وإنْ بَناه بآلَةٍ مِن عندِه، فهو له خاصَّةً، فإنْ أرادَ نَقْضَه، فله ذلك، إلَّا أنْ يَدْفَعَ إليه شَرِيكُه نِصْفَ قِيمَتِه، فلا يكونُ له نَقْضُه (1). الثَّانيةُ، يُجْبَرُ الشَّرِيكُ على العِمارَةِ مع شَرِيكِه في الأمْلاكِ المُشْتَرَكَةِ. على الصَّحِيحَ مِنَ المذهبِ، والرِّوايتَين. قاله في «الرِّعايَةِ» وغيرِها. وعنه، لا يُجْبَرُ. الثَّالثةُ، لو اسْتُهْدِمَ جِدارُهما، أو خِيفَ ضرَرُه، نقَضاه؛ وإنْ أبَى أحدُهما، أجْبَرَه

(1) في الأصل، ط:«بعضه» .

ص: 216

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحاكِمُ، وإنْ تعَذَّرَ (1)، ضَمِنَ ما تَلِفَ به إذا أشْهَدَ على شَرِيكِه، وإلَّا فلا. وقيل: بلَى، إنْ تقدَّم إليه بنَقْضِه، وأيُّهما هدَمَه (2) إذَنْ بغيرِ إذْنِ صاحِبِه، فهَدَرٌ. وقيل: يَلْزَمُه إعادَتُه على صِفَتِه، كما لو هدَمَه مِن غيرِ حاجَةٍ إلى هَدْمِه. واخْتارَه ابنُ البَنَّا. ويأْتِي ذلك في أواخِرِ الغَصْبِ، في كلامِ المُصَنِّفِ، ونُبَيِّنُ الرَّاجِحَ في المذهبِ هناك. الرَّابعةُ، لو أرادَ بِناءَ حائطٍ بينَ مِلْكَيهما، لم يُجْبَرِ المُمْتَنِعُ منهما، ويَبْنِي الطالِبُ في مِلْكِه إنْ شاءَ. رِوايَةً واحِدَةً. قاله المُصَنِّفُ ومَنْ تابَعَه. وقال في «الفائقِ»: ولم يُفَرِّقْ بعضُ الأصحابِ، [اخْتارَه شيخُنا](3). يعْنِي به الشَّيخَ تَقِيَّ الدِّينِ. الخامِسَةُ، لو اتَّفَقا على بِناءِ حائطٍ مُشْتَرَكٍ بينَهما نِصْفَين، على أنَّ ثُلُثَه لواحِدٍ، وثُلُثَيه لآخَرَ، لم يصِحَّ. وإنِ اتَّفَقا على أنْ يُحَمِّلَه كل واحِدٍ منهما ما شاءَ، لم يصِحَّ لجَهالتِه، وإنْ وصَفا الحِمْلَ، ففي الصِّحةِ وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: وإنِ

(1) في الأصل، ط:«تعدد» .

(2)

في ط: «هذه» وفي الأصل: «اختاره» .

(3)

سقط من: الأصل، ط.

ص: 217

وَإنْ كَانَ بَينَهُمَا نَهْرٌ، أوْ بِئْرٌ، أوْ دُولَابٌ، أو نَاعُورَةٌ، أَوْ قَنَاةٌ، وَاحْتَاجَ إلَى عِمَارَةٍ، فَفِي إِجْبَارِ الْمُمْتَنِعِ رِوَايَتَانِ.

ــ

اتَّفَقا على أنْ يكونَ بينَهما نِصْفَين، صحَّ (1).

قوله: وإنْ كان بينَهما نَهْرٌ، أو بِئْرٌ، أو دُولابٌ، أو ناعُورَةٌ، أو قَناةٌ، واحْتاجَ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 218

وَلَيسَ لأحَدِهِمَا مَنْعُ صَاحِبِهِ مِنْ عِمَارَتِهِ، فَإِذَا عَمَرَهُ، فَالْمَاءُ بَينَهُمَا عَلَى الشَّرِكَةِ.

ــ

إلى عِمارَةٍ، ففي إجْبارِ المُمْتَنِعِ رِوايَتان. إحْداهما، يُجْبَرُ. وهو المَذْهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، نصَّ عليه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. والثَّانيةُ، لا يُجْبَرُ. واعْلَمْ أنَّ الحُكْمَ هنا والخِلافَ، كالخِلافِ في الحائطِ المُشْتَرَكِ إِذا انْهَدَمَ، على ما تقدَّم، نَقْلًا ومذهبًا وتَفْصِيلًا. قاله أكثرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي، والمُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الْمُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال ابنُ أبِي مُوسى: يُجْبَرُ هنا، قوْلًا واحدًا. وحكَى الرِّوايتَين في الحائطِ. قال في «القَواعِدِ»: والفَرْقُ أنَّ الحائطَ يُمْكِنُ قِسْمَتُه، بخِلافِ القَناةِ والبِئْرِ.

قوله: وليس لأحَدِهما مَنْعُ صاحِبِه مِن عِمارَتِه. بلا نِزاع.

ص: 219

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله: فإذا عمَرَه، فالماءُ بينَهما على الشَّرِكَةِ. هذا المذهبُ؛ لأنَّ الماءَ باقٍ على ما كان عليه مِنَ المِلْكِ والإِباحَةِ. وعليه جماهيرُ الأصحابِ؛ منهم القاضي، في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيل، والمُصَنِّفُ، في «المُغْنى» ، و «الشَّرْحِ» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم. وفي «الخِلافِ الكَبِيرِ» للقاضي، و «التَّمامِ» لأبِي الحُسْيَنِ، له المَنْعُ مِنَ الانْتِفاعِ بالقَناةِ. قال في «القَواعِدِ»: ويَشْهَدُ له نصُّ أحمدَ بالمَنْعِ مِن سُكْنَى السُّفْلِ إذا بَناه صاحِبُ العُلْو، ومَنْعُ الشَّرِيكِ مِنَ الانْتِفاعِ بالحائطِ إذا أُعِيدَ بآلَتِه العَتِيقَةِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

فوائد؛ الأولَى، لو اتَّفَقا على بِناءِ حائطِ بُسْتانٍ، فبنَى أحدُهما، فما تَلِفَ مِنَ الثَّمَرَةِ بسَبَبِ إهْمالِ الآخرِ، يَضْمَنُه الذي أهْمَلَ. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. الثَّانيةُ، لو كان السُّفْلُ لواحِدٍ، والعُلْوُ لآخَرَ، فالسَّقْفُ بينَهما، لا لصاحِبِ العُلْو. على الصَّحِيحِ مِنَ المذهبِ. والإِجْبارُ، إذا انْهَدَمَ السَّقْفُ، كما تقدَّم في الحائطِ الذي بينَهما إذا انْهَدَمَ. ولو انْهَدَمَ الجَميعُ، فلرَبِّ العُلْو إجْبارُ صاحِبِ السُّفْلِ على بِنائِه. على الصَّجيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «البُلْغَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ»: أُجْبِرَ في أصحِّ الرِّوايتَين. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في

ص: 220

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الحاويَيْن» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ، و «القَواعِدِ» . وعنه، لا يُجْبَرُ. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ،

ص: 221

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الفُروعِ» . فعلى المذهبِ، هل يَنْفَرِدُ صاحِبُ السُّفْلِ ببِناءِ السُّفْلِ، أو يَشْرَكُه فيه صاحِبُ العُلْو، ويُجْبَرُ عليه إذا طلَبَه صاحِبُ السُّفْلِ؟ فيه رِوايَتان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «القَواعِدِ» ؛ إحْداهما، يَنْفَرِدُ صاحِبُ السُّفْلِ بالبِناءِ إلى حدِّه، ويَنْفَرِدُ صاحِبُ العُلْو ببِنائِه. وهو المذهبُ. قدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايَتَين» ، و «الحاويَيْن» . [وجزَم به في «المُغْنِي»، و «الشّرْحِ»](1). والثَّانيةُ، يَشْرَكُه صاحِبُ العُلْو فيما يُحَمِّلُه منه، ويُجْبَرُ عليه إذا امْتَنَع. وعلى الثَّانيةِ، في أصْلِ المَسْأْلَةِ -وهو أنَّه لا يُجْبَرُ- لصاحِبِ العُلْو بِناءُ السُّفْلِ، وفي مَنْعِه السُّكْنَى ما سلَف مِنَ الخِلافِ فيما إذا كان بينَهما حائطٌ. الثَّالثةُ، لو كان بينَهما طبَقَةٌ ثالِثَةٌ، فهل يَشْتَرِكُ الثَّلاثةُ في بِناءِ السُّفْلِ، والاثْنان في بِناءِ الوَسَطِ؟ فيه الروايَتان المُتَقَدِّمَتان، حُكْمًا ومذهبًا. وكذا الطَّبقَةُ الرَّابِعَةُ فأكْثرُ. وصاحِبُ الوَسَطِ، مَن فوْقَه كمَن تحتَه معه. قال فىَ «الفُروعِ»: إذا كانُوا ثلاثَ طِباقٍ، فإنْ بنَى رَبُّ العُلْو، ففي مَنْعِ ربِّ السُّفْلِ الانْتِفاعَ بالعَرَصَةِ قبلَ أخْذِ القِيمَةِ احْتِمالان. قلتُ: الأوْلَى المَنْعُ. واللهُ أعلمُ.

(1) زيادة من: ا.

ص: 222