المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌بَابُ الْوَكَالةِ ــ بابُ الوكالةِ فائدة: الوَكالةُ عِبارَة عن إذْنٍ في تَصَرُّفٍ يَمْلِكُه - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف - ت التركي - جـ ١٣

[المرداوي]

الفصل: ‌ ‌بَابُ الْوَكَالةِ ــ بابُ الوكالةِ فائدة: الوَكالةُ عِبارَة عن إذْنٍ في تَصَرُّفٍ يَمْلِكُه

‌بَابُ الْوَكَالةِ

ــ

بابُ الوكالةِ

فائدة: الوَكالةُ عِبارَة عن إذْنٍ في تَصَرُّفٍ يَمْلِكُه الإذِنُ فيما تَدْخُلُه النِّيابَةُ. قاله في «الرعايةِ الكُبْرى» . وقال في «الوَجيزِ» : هي عِبارَة عنِ اسْتِنابَةِ الجائزِ التَّصَرُّفَ مِثْلَه، فيما له فِعْلُه حال الحَياةِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هي في الاصْطِلاحِ، التَّفْويضُ في شيء خاصٍّ في الحَياةِ. وليس بجامِع. وقال في «المُسْتَوْعِبِ»: هي عِبارَةٌ عنِ اسْتِنابَةِ الغَيرِ فيما تَدْخُلُه النِّيابَةُ.

ص: 435

تَصِحُّ الْوَكَالةُ بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الإذْنِ، وَكُلِّ قَوْلٍ أو فِعْل يَدُلُّ عَلَى الْقَبُولِ.

ــ

قوله: تَصِحُّ الوَكالةُ بكُل قَوْلٍ يَدُلُّ على الإذْنِ. كقَوْلِه: وَكَّلْتُك في كذا. أو: فَوَّضْتُه إليك. أو: أذِنْتُ لك فيه. أو: بِعْه. أو: أعْتِقْه. أو: كاتِبْه. ونحو ذلك.

ص: 436

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. ونقَل جَعْفَرٌ، إذا قال: بعْ هذا. ليس بشيءٍ، حتى يقولَ: وَكَّلْتُك. وتأوَّلَه القاضي على التَّأكيدِ؛ لنَصِّه على انْعِقادِ البَيعِ باللَّفْظِ والمُعاطاةِ، وكذا الوَكالةُ. قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا دَأْبُ شيخِنا، أنْ يَحْمِلَ كلامَ أحمدَ على أظْهَرِه، ويصْرِفَه عن ظاهِرِه، والواجِبُ أنْ يُقال: كلُّ لَفْظٍ رِوايَةٌ. ويُصَحِّحَ الصَّحيحَ (1). قال الأزَجِي: يَنْبَغِي أنْ يُعَوَّلَ في المذهبِ على هذا؛ حتى لا يَصِيرَ المذهبُ رِوايَةً واحدَةً. وقال الناظِمُ:

وكلُّ مَقالٍ يُفْهِمُ (2) الإذْنَ صَحِّحَنْ

به عقْدَها مِن مُطْلَق ومُقَيَّدِ

وعنه: سِوى فوَّضْتُ أمْرَ كذا له

[ووكَّلْتُ فيهِ فاردُدَنْهُ وبَعِّدِ](3)

تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ وغيرِه، عدَمُ صِحَّةِ الوَكالةِ بالفِعْلِ الدَّالِّ عليها مِنَ المُوَكِّلِ. وهو صحيحٌ. وقال في «الفروعِ»: دلَّ كلامُ القاضي المُتقَدِّمُ على انْعِقادِ الوَكالةِ بالفِعْلِ، مِنَ المُوَكلِ، الدَّالِّ عليها، كالبَيعِ. قال: وهو ظاهرُ كلامِ الشيخِ، يعْنِي به المُصَنفَ، في مَن دفَع ثَوْبَه إلى قَصَّارٍ، أو خَيَّاطٍ. وهو أظْهَرُ. انتهى.

(1) في الأصل، ط:«التصحيح» .

(2)

في النسخ: «يفهم منه» ، وهي زيادة على الوزن.

(3)

كذا في النظم. وفي النسخ: «ووكلته فيه ارددنه فبعد» .

ص: 437

وَيَصِحُّ الْقَبُولُ عَلَى الْفَوْرِ وَالتَّرَاخي، بِأنْ يُوَكِّلَهُ فِي بَيعِ شَيْءٍ، فَيَبِيعَهُ بَعْدَ سَنَةٍ، أو يُبَلِّغَهُ أَنَّهُ وَكَّلَهُ مُنْذُ شَهْر، فَيَقُولَ: قَبِلْتُ.

ــ

قوله: وكُل قَوْلٍ أو فِعْل يَدُلُّ على القَبُولِ. يصِحُّ القَبُولُ بكُلِّ قوْلٍ مِنَ الوَكِيلِ يدُلُّ عليه، بلا نِزاعٍ. وكذا كل فِعْل يدُلُّ عليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه، وصحَّحه وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «القَواعِدِ»: صرح به الأصحابُ. وقيل: لا ينْعَقِدُ القَبُولُ بالفِعْلِ.

فوائد؛ الأُولَى، مِثْلُ ذلك سائرُ العُقودِ الجائزَةِ؛ كالشرِكَةِ، والمُضارَبَةِ، والمُساقاةِ، في أن القَبُولَ يصِحُّ بالفِعْلِ. قال في «القواعِدِ»: ظاهِرُ كلامِ صاحبِ

ص: 438

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«التَّلْخيصِ» ، أو صَرِيحُه، أنَّ هذه العُقُودَ مِثْلُ الوَكالةِ. الثَّانيةُ، يُشْترَطُ لصِحَّةِ الوَكالةِ تَعْيِينُ الوَكيلِ. قاله القاضي، وأصحابُه، وغيرُهم، في مَسْأَلَةِ: تصَدَّقْ

ص: 439

وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ وَالتَّوَكُّلُ فِي شَيْءٍ، إلا مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ.

ــ

بالدَّيْنِ الذي عليك. وقال أبو الخَطَّابِ في «الانْتِصارِ» : لو وَكَّلَ زيدًا، وهو لا يعْرِفُه، أو لم يعْرِفِ الوَكِيلُ مُوَكِّلَه، لم تصِحَّ. الثَّالثةُ، تصِحُّ الوَكالةُ مُؤَقَّتَةً، بلا نِزاعٍ، ومُعَلَّقَةً بشَرْطٍ -على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وقطَع به أكثرُهم؛ كوَصِيَّةٍ، وإباحَةِ أكْل، وقَضاءٍ، وإمارَةٍ، وكتَعْليقِ تصَرُّفٍ- كقَوْلِه: وَكلْتُك الآنَ أنْ تَبِيعَ بعدَ شَهْر. أو: تَعْتِقَه إذا جاءَ المَطَرُ. أو: تُطَلِّقَ هذه إذا جاءَ زَيدٌ. وقال في «عُيونِ المَسائلِ» ، في تَعْلِيقِ وَقْفٍ بشَرْطٍ: لا يصِحُّ تَعْلِيقُ تَوْكيل؛ لأنَّه علَّقه بصفَةٍ، وأنه يصِحُّ تَعْلِيقُ تصَرُّفٍ. وقيل: لا يصِحُّ تَعْليقُ فَسْخٍ. الرابعةُ، لو أبَى أنْ يقْبَلَ الوَكالةَ؛ قوْلًا أو فِعْلًا، فهو كعَزْلِه نفْسَه. قاله في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قلتُ: ويَحتَمِلُ لا.

قوله: ولا يجوزُ التَّوْكِيلُ والتَّوَكلُ في شيءٍ، إلَّا مِمَّن يَصِحُّ تَصَرُّفُه فيه. وهذا المذهبُ مِن حيثُ الجُمْلَةُ. فعلى هذا، لو وَكَّلَه في بَيعِ ما سيَمْلِكُه، أو في طَلاقٍ ممن يَتزَوَّجُها، لم يصِحَّ؛ إذِ البَيعُ والطَّلاقُ لم يَمْلِكْه في الحالِ. ذكَرَه الأزَجِيُّ. وذكَر غيرُه؛ منهم صاحِبُ «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، لو قال: إنْ تزَوَّجْتُ هذه، فقد وَكَّلْتُك في طَلاقِها، وإنِ اشْتَرَيتُ هذا العَبْدَ، فقد وَكَّلْتُك في عِتْقِه. صح إنْ قُلْنا:

ص: 440

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يصِحُّ تعْلِيقُهما على مِلْكِهما. وإلَّا فلا. وقال في «التَّلْخيصِ» : قِياسُ المذهبِ، صِحةُ ما إذا قال: إنْ تَزَوجْتُ فُلانَةَ، فقد وَكَّلْتُك في طَلاقِها. قال في «القَواعِدِ»: ويتخَرجُ وَجْه، لا يصِحُّ.

تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن هذه القاعِدَةِ صِحَّةُ تَوْكيلِ الحُر الواجِدِ الطَّوْلَ في قَبُولِ نِكاحِ الأمَةِ لمَن تُباحُ له، وصِحَّةُ تَوْكيلِ الغَنِيِّ في قبْضِ الزكاةِ لفَقِيرٍ؛ لأنَّ سَلْبَهما القُدْرَةَ تَنْزِيهُ، لمَعْنًى يقْتَضِي مَنْعَ الوَكالةِ. قاله الأصحابُ. وليس للمَرأةِ أنْ تُطَلِّقَ نفْسَها،

ص: 441

وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي كُلِّ حَقِّ آدَمِي مِنَ الْعُقُودِ، وَالْفُسُوخِ، وَالْعِتْقِ،

ــ

ويجوزُ أنْ تُطَلِّقَ نفْسَها بالوَكالةِ، وامْرأةً غيرَها. ويجوزُ للرَّجُلِ أنْ يقْبَلَ نِكاحَ أُخْتِه مِن أبِيه لأَجْنَبِيٍّ، ونحو ذلك. قاله في «الوَجيزِ» وغيرِه.

فائدة: صِحَّةُ وَكالةِ المُمَيِّزِ في الطَّلاقِ وغيرِه، مَبْنيٌّ على صِحَّتِه منه. على الصَّحيح مِنَ المذهبِ. وفي «الرِّعايةِ» ، فيه لنَفْسِه، أو غيرِه رِوايَتان بلا إذْنٍ، وفيه في المذهبِ لنَفْسِه رِوايَتان. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، لو وَكَّلَ العَبْدُ في شِراءِ نفْسِه مِن سيِّدِه. وأحْكامٌ أُخرُ.

قوله: ويجوزُ التَّوْكِيلُ في حَق كُل آدَمِيٍّ؛ مِنَ العُقُودِ، والفُسُوخِ، والعِتْقِ، والطلاقِ، والرجْعَةِ. يشْمَلُ كلامُه؛ الحَوالةَ، والرهْنَ، والضمان، والكَفالةَ،

ص: 442

وَالطَّلاقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَتَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ مِن الصَّيدِ وَالْحَشِيشِ، وَنَحْوهِ، إلا الظِّهَارَ، وَاللِّعَانَ، وَالْأَيمَانَ.

ــ

والشَّرِكَةَ، والوَدِيعَةَ، والمُضارَبةَ، والجَعالةَ، والمُساقاةَ، والإجارَةَ، والقَرْضَ، والصُّلْحَ، والهِبَةَ (1)، والصَّدقَةَ، والوَصِيَّةَ، والإبراءَ، ونحوَ ذلك. لا نعْلَمُ فيه خِلافًا. وكذا المُكاتَبَةُ، والتَّدْبِيرُ، والإنْفاقُ، والقِسْمَةُ، والحُكومَةُ. وكذا الوَكالةُ في الوَقْفِ. ذكَرَه الزَّرْكَشِيُّ، وابنُ رَزِينٍ. وحَكاه في الجميعِ إجْماعًا.

تنبيه: قولُه: والعِتْقِ، والطلاقِ. يجوزُ التَّوْكيلُ في العِتْقِ، والطَّلاقِ، بلا نِزاعٍ. لكنْ لو وَكَّلَ عبْدَه أو غَرِيمَه أو امْرأْته في إعْتاقِ عَبِيدِه، وإبْراءِ غُرَمائِه، وطَلاقِ

(1) في الأصل: «الهدنة» ، في ط:«الهدية» .

ص: 443

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نِسائِه، لم يَمْلِكْ عِتْقَ نَفْسِه، ولا طَلاقَها، ولا إبْراءَها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: يَمْلِكُ ذلك. وجزَم به الأَزَجِيُّ في العِتْقِ والإبْراءِ.

فائدتان؛ إحْداهما، لو أذِنَ له أنْ يتَصَدَّقَ بمالٍ، لم يَجُزْ له أنْ يأْخُذَ منه لنَفْسِه، إذا كان مِن أهْلِ الصَّدقَةِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. نصَّ عليه، في رِوايَةِ ابنِ بَخْتانَ. ويَحْتَمِلُ الجوازَ. ويَحْتَمِلُ الجَوازَ إنْ دلَّتْ قَرِينَة على إرادَةِ أخْذِه منه، ويَحْتَمِلُ الجوازَ مُطْلَقًا. ذكَرَهما في «المُغْنِي» . ويأْتِي في أرْكانِ النِّكاحِ، هل للوَكِيلِ في النِّكاحِ أنْ يُزَوِّجَ نفْسَه، أم لا؟ الثَّانيةُ، يجوزُ التَّوْكِيلُ في الإقْرارِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أن الوَكالةَ فيه إقْرارٌ به. جزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، والفَخْرُ في «طَرِيقَتِه». قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»: والتَّوْكيلُ في الإقْرارِ إقْرارٌ، في الأصحِّ. وقال في «الكُبْرَى»: وفي صِحَّةِ التَّوْكيلِ في الإقْرارِ والصُّلْحِ وَجْهان. وقيل: التَّوْكيلُ في الإقْرارِ إقْرارٌ.

ص: 444

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقيل: بقَوْلِ: جعَلْتُه مُقِرًّا. انتهى. وظاهرُ كلامِ الأكْثَرِين، أنَّه ليس بإقْرارٍ. وهو ظاهرُ ما قدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال الأزجِيُّ: لا بُدَّ مِن تَعْيِينِ ما يُقِرُّ به، وإلَّا رجَع في تفْسِيرِه إلى المُوَكِّلِ.

قوله: وتَمَلُّكِ المُبَاحاتِ؛ مِنَ الصَّيدِ والحَشِيشِ، ونحوه. كإحْياءِ المَواتِ، واسْتِقاءِ الماءِ. يعْنِي، أنَّه يجوزُ التَّوْكِيلُ في تَمَلُّكِ المُباحاتِ؛ لأنَّه يَمْلِكُ بسَبَبٍ لا يتَعَيَّنُ عليه، فجازَ، كالابتِياعِ، والاتِّهابِ. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: وتصِحُّ الشَّرِكَةُ والوَكالةُ في تَمَلُّكِ مُباحٍ في الأصحِّ، كالاسْتِئْجارِ عليه. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا يصِح. قلتُ: والنَّفْسُ تَمِيلُ إلى ذلك؛ لأنَّ المُوَكِّلَ لا يَمْلِكُه عندَ الوَكالةِ، وهو مِنَ المُباحاتِ، فمَنِ

ص: 445

وَيَجُوزُ أنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبَلُ لَهُ النِّكَاحَ، وَمَنْ يُزَوِّجُ وَلِيَّتَهُ إِذَا كَانَ الْوَكِيلُ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَمُوَلِّيَتهِ.

ــ

اسْتَوْلَى عليه ملَكَه. قال. في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : وقيل: مَن وَكَلَ في احْتِشاشٍ واحْتِطابٍ، فهل يَمْلِكُ الوَكِيلُ ما أخَذَه أو مُوَكِّلُه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. انتهى.

قوله: إلَّا الظِّهارَ واللِّعانَ والأَيمانَ. وكذا الإيلاءُ، والقَسامَةُ، والشَّهادَةُ، والمَعْصِيَةُ. ويأْتِي حُكْمُ الوَكالةِ في العِباداتِ.

قوله: ويجوزُ ان يُوَكِّلَ مَن يَقْبَلُ له النِّكاحَ، ومَن يُزَوِّجُ وَلِيَّتَه. هذا المذهبُ

ص: 446

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بشَرْطِه، فيُشْترَطُ لصِحَّةِ عَقْدِ النِّكاحِ تَسْمِيَةُ المُوَكِّلِ في صُلْبِ العَقْدِ. ذكَرَه في «الانْتِصارِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقال في «الرعايةِ الكُبْرى»: وإنْ قال: قَبِلْتُ هذا النِّكاحَ. ونوَى أنَّه قَبِلَه لمُوَكِّلِه، ولم يَذْكُرْه، صحَّ. قلت: ويَحْتَمِلُ ضِدَّه، بخِلافِ البَيعِ. انتهى. وفال في «التَّرْغيبِ»: لو قال الوَكِيلُ: قَبِلْتُ نِكاحَها. ولم يقُلْ: لفُلانٍ. فوَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . ويأْتِي ذلك أيضًا في بابِ أرْكانِ النِّكاحِ، عندَ قوْلِه: ووَكِيلُ كلِّ واحدٍ مِن هؤلاءِ يقُومُ مَقامَه، وإنْ كان حاضِرًا. بأَتَمَّ مِن هذا.

ص: 447

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: إذا كان مِمَّن يَصحُّ منه ذلك لنَفْسِه ومُوَلِّيَتِه. فعلى هذا، لا يصحُّ توْكِيلُ فاسِقٍ في إيجابِ النكاحِ، إلا على رِوايَةِ عدَمِ اشْتِراطِ عَدالةِ الوَلِيِّ. على ما يأْتِي في بابِ أرْكانِ النكاحِ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وأمَّا قَبُولُ النِّكاحِ منه، فيَصِحُّ لنَفْسِه، فكذا يصحُّ لغيرِه. وهو ظاهرُ كلامِ المُصَنفِ هنا. وفي قوْلِه: ولا يَصحُّ التَّوْكِيلُ ولا التَّوَكلُ في شيءٍ إلَّا ممَّن يَصحُّ تَصَرُّفُه فيه. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، وابنُ عَقِيلٍ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهو القِياسُ. وقدَّمه في «الكافِي» . وقال القاضي: لا يصحُّ قَبُولُه لغيرِه. قال في «التَّلْخيصِ» : اخْتارَه أصحابُنا إلا ابنَ عَقِيلٍ. وقدمه في «الرِّعايةِ

ص: 448

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الكُبْرى»، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين». وصحَّحه النَّاظِمُ. قال في «الوَجيزِ»: ولا يُوَكِّلُ فاسِقٌ في نِكاحٍ. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . ويأْتِي ذلك أيضًا في أرْكانِ النِّكاحِ. وأما السَّفِيهُ، فقِيل: يصِحُّ أنْ يكونَ وَكِيلا في الإيجابِ والقَبُولِ. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقيل: لا يصِحُّ فيهما. قدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وصحَّحه الناظِمُ. وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن». وقيل: يصِحُّ في قَبُولِ النِّكاحِ دُونَ إيجابه. قال في «الرعايةِ الكُبْرى» : قلتُ: إنْ قُلْنا: يتَزَوَّجُ السَّفِينهُ بغيرِ إذْنِ وَلِيِّه. فله أَنْ يُوَكِّلَ ويَتَوكَّلَ في إيجابِه وقَبُولِه، وإلَّا فلا. انتهى. وهو الصَّوابُ، وظاهِرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ، وهو ظاهِرُ كلام المُصَنِّفِ هنا. وقد تقدَّم في البابِ الذي قبلَه، هل للوَلِيِّ أنْ يُزَوِّجَه بغيرِ إذْنِه، أَم لا؟ وهل يُباشِرُ العَقْدَ، أم لا؟. ويأْتِي في أرْكانِ النِّكاحِ، هل للوَكِيلِ المُطْلَقِ في النكاحِ أنْ يتَزَوجَها لنَفْسِه، أم لا؟

ص: 449

وَيَصِحُّ فِي كُلِّ حَقٍّ لِلّهِ تَعَالى تَدْخُلُهُ النِّيابَةُ، مِنَ الْعِبَادَاتِ وَالْحُدُودِ، فِي إِثبَاتِهَا وَاسْتِيفَائِهَا.

ــ

قوله: ويَصِحُّ في كلِّ حَقٍّ للهِ تَعالى، تَدْخُلُه النِّيابَةُ مِنَ العِباداتِ. كالصَّدَقاتِ والزَّكَوَاتِ والمَنْذُورَاتِ والكفَّاراتِ. بلا نِزاعٍ أعْلَمُه. وأمَّا العِباداتُ البدَنِيَّةُ

ص: 450

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَحْضَةُ؛ كالصّلاةِ، والصَّوْمِ، والطهارَةِ مِنَ الحدَثِ، فلا يجوزُ التَّوْكِيلُ فيها، إلَّا الصَّوْمَ المَنْذُورَ، يُفْعَلُ عنِ المَيِّتِ، على ما تقدَّم في بابِه، وليس ذلك بوَكالةٍ. ويصِحُّ التَّوْكِيلُ في الحَجِّ، ورَكْعَتَي (1) الطَّوافِ فيه تدْخُلُ تَبَعًا له.

قوله: والحُدودِ في إثْباتِها واسْتِيفائِها. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحاب. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «النَّظْمِ» . واخْتارَه القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، ونَصَرُوه. وقدَّمه ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه». وقال أبو الخَطَّابِ: لا تصِحُّ الوَكالةُ في إثْباتِه، وتصِحُّ في اسْتِيفائِه. جزَم به في «الهِدايةِ» ،

(1) في الأصل، ط:«وركنى» .

ص: 451

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ». وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ». قال ابنُ رَزِين في «شَرْحِه»: وليس بشيءٍ. وأطْلَقهما في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» .

ص: 452

وَيَجُوزُ الاسْتِيفَاءُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ وَغَيبَتِهِ، إلا الْقِصَاصَ وَحَدَّ الْقَذْفِ عِنْدَ بَعْضِ أصْحَابِنَا، لَا يَجُوزُ فِي غَيبَتِهِ.

ــ

قوله: ويجوزُ الاسْتِيفاءُ في حَضْرَةِ المُوَكلِ وغَيبَتِه، إلَّا القِصَاصَ، وحَدَّ القَذْفِ، عندَ بعضِ أصحابنا، لا يَجُوزُ في غَيبَتِه. منهم ابنُ بَطَّةَ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. ذكَرَ ما ابنُ أبِي مُوسى، ومَن بعدَه. قال ابنُ رَزِين، عن هذا القَوْلِ: وليس بشيءٍ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، جَوازُ

ص: 453

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

اسْتِيفائِهما في غَيبَةِ المُوَكِّلِ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه»: هذا ظاهرُ المذهبِ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وصاحِبُ «الفائقِ»: هذا المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. فعلى المذهبِ، لو اسْتُوفِيَ القِصاصُ بعدَ عَزْلِه، ولم يَعْلَمْ، ففي ضَمانِ المُوكِّلِ وَجْهان. قال أبو بَكْرٍ: لا ضَمانَ على الوَكِيلِ. فمِنَ الأصحابِ مَن قال: لعَدَم تَفْريطِه. ومنهم مَن قال: لأن عَفْوَ مُوَكِّلِه لم يصِحَّ؛ حيثُ حصَل على وَجْهٍ أيُمْكِنُ اسْتِدْراكُه، فهو كما لو عَفا بعدَ الرَّمْي. قال أبو بَكْرٍ: وهل يَلْزَمُ المُوَكِّلَ؟ على قَوْلَين. وللأصحابِ طريقَةٌ ثانيةٌ، وهي البِناءُ على انْعِزالِه قبلَ العِلْمِ؛ فإنْ قُلْنا: لا يَنْعَزِلُ. لم يصِحَّ العَفْوُ. وإنْ قُلْنا: يَنْعَزِلُ. صحَّ العَفْوُ، وضَمِنَ الوَكِيلُ، وهل يَرْجِعُ على المُوَكِّلِ؟ على وَجْهَين، أحدُهما، يرْجِعُ؛ لتَغْرِيرِه (1). والثَّاني، لا. فعلى هذا، فالديةُ على عاقِلَةِ الوَكِيلِ، عندَ أبِي الخَطَّابِ؛ لأنَّه خَطَأُ. وعندَ القاضي، في مالِه، وهو بعيدٌ. وقد يقالُ: هو شِبْهُ عَمْدٍ. قاله المُصَنِّفُ. وللأصحابِ طريقَةٌ ثالثةٌ، وهي؛ إنْ قُلْنا: لا يَنْعَزِلُ. لم يَضْمَنِ الوَكِيلُ. وهل يضْمَنُ العامِّيُّ؟ على وَجْهَين، بِناءً على صِحَّةِ عَفْوه، وترَدُّدًا بينَ تَغْريرِه وإحْسانِه. وإنْ قُلْنا: يَنْعَزِلُ. لَزِمَتْه الديةُ. وهل تكونُ في مالِه، أو على عاقِلَتِه؟ فيه وَجْهان. وهي طريقَةُ أبِي الخَطَّابِ، وصاحِبِ «التَّرْغيبِ» ، وزادَ، وإذا قُلْنا: في مالِه. فهل يرْجِعُ بها على المُوَكِّلِ؟ على وَجْهَين.

(1) في ط: «لتعزيره» .

ص: 454

وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلُهُ بِنَفْسِهِ، إلَّا بِإِذْنِ الْمُوَكِّلِ. وَعَنْهُ يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ الْوَصِي وَالْحَاكِمُ. وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ فِيمَا لَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ، أوْ يَعْجِزُ عَنْهُ لِكَثْرَتِهِ.

ــ

قوله: ولا يجوزُ للوَكيلِ التوْكِيلُ فيما يَتَوَلَّى مِثلُه بنَفْسِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يجوزُ. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشرْحِ» ، و «قَواعِدِ ابنِ رَجَبٍ» ، وغيرِهم.

قوله: وكذلك الوَصِيُّ والحاكِمُ. يَعْنِي، أنَّه إذا أوْصَى إليهم في شيءٍ، هل له أنْ يُوَكِّلَ مَن يَعْلَمُه؟ وهل للحاكِمِ أنْ يَسْتَنِيبَ غيرَه فيما يتَوَلَّى مِثْلُه؟ فقطَع المُصَنِّفُ، أنَّ الوَصِي في جوَازِ التَّوْكِيلِ وعدَمِه كالوَكِيلِ، خِلافًا ومذهبًا. وهو إحْدَى الطَّرِيقَتين. وهو المذهبُ. وهي طَريقَةُ القاضي، وابنِ عَقِيلٍ، وصاحِبِ «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وابنِ رَزِينٍ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، وغيرِه. وقدَّمها في «الفُروع» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. والطَّرِيقَةُ الثانيةُ، يجوزُ للوَصِي التَّوْكِيلُ، وإنْ منَعْناه

ص: 455

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الوَكِيلِ. ورَجَّحه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وأبو الخَطَّابِ أيضًا. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «النظْمِ». قلتُ: وهو الصَّوابُ؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ بالولايةِ، وليس وَكِيلًا مَحْضًا، فإنَّه مُتَصَرِّفٌ بعدَ المَوْتِ، بخِلافِ الوَكِيلِ؛ ولأنَّه تُعْتَبَرُ عَدالته وأمانته. وأمَّا إسْنادُ الوَصِيَّةِ مِنَ الوَصِي إلى غيرِه، فيَأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ المُوصَى إليه. وأما الحاكِمُ، فقطَع المُصَنِّفُ أيضًا؛ أنَّه كالوَكيلِ في جَوازِ اسْتِنابَةِ غيرِه. وهو المذهبُ. وهو إحْدَى الطرِيقَتين أيضًا. وهي طَريقَةُ القاضي في «المُجَرَّدِ» ، و «الخِلافِ» ، وصاحبِ «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، والمُصَنِّفِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. والطَّريقَةُ الثَّانيةُ، يجوزُ له الاسْتِنابَةُ والاسْتِخْلافُ، وإنْ منَعْنا الوَكِيلَ فها. وهي طَرِيقَةُ القاضي في «الأحكام السُّلْطانِيَّةِ» ، وابنِ عَقِيلٍ. واخْتارَه النَّاظِمُ. وقدَّمه في «لمُحَرَّرِ». ونصَّ عليه في رِوايَةِ مُهَنَّا. قال ابنُ رَجَب في «قَواعِدِه»: بناءً على أنَّ القاضيَ ليس بنائبِ الإِمامِ، بل هو ناظِر للمُسْلِمينَ لا عن ولايةٍ؛ ولهذا لا يَنْعَزِلُ

ص: 456

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بمَوْتِه ولا بعَزْلِه، فيَكونُ حُكْمُه في ولايته حُكْمَ الإمامِ، بخِلافِ الوَكِيلِ؛ ولأنَّ الحاكِمَ يَضِيقُ عليه تَوَلِّي جميعِ الأحْكام بنَفْسِه، ويُؤدِّي ذلك إلى تَعْطيلِ مَصالحِ النَّاسِ العامَّةِ، فأشْبَهَ مَن وَكَّلَ فيما لا يُمكِنُه مُباشَرَتُه عادة لكَثْرَتِه. انتهى. وألْحَقَ بالحاكمِ أمينَه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» .

فوائد تُشْبِهُ ما تقدَّم؛ منها، الشَّرِيكُ، والمُضارِبُ، هل لهما أنْ يُوَكِّلا، أم لا؟ ويأْتِي ذلك في كَلامِ المُصَنِّفِ في شَرِكَةِ العِنانِ، ونتَكَلَّمُ عليها هناك. ومنها، الوَلِيُّ في النِّكاحِ، هل له أنْ يُوَكِّلَ، أو لا؟ فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ مُجْبَرًا، أو لا؛ فإنْ كان مُجْبَرًا، فلا إشْكال في جَوازِ تَوْكِيلِه؛ لأنَّ ولايتَه ثابِتَة شَرْعًا مِن غيرِ جِهَةِ المَرْأةِ، وكذلك لا يُعْتَبَرُ معه إذْنُها. وقطَع بهذا الجُمْهورُ. وقيل: لا يجوزُ. حكَاه في «الرعايةِ الكُبْرى» . وإنْ كان غيرَ مُجبرٍ، ففيه طَرِيقان؛ أحدُهما، يجوزُ له التَّوْكِيلُ، وإنْ منَعْنا الوَكِيلَ مِنَ التَّوْكِيلِ؛ لأنَّ ولايتَه ثابِتَة بالشَّرْعِ مِن غيرِ جِهَةِ المرْأةِ، فلا تتَوَقفُ اسْتِنابَتُه على إذْنِها كالمُجْبَرِ، وإنَّما افْتَرَقا على اعْتِبارِ إذْنِها في صِحَّةِ

ص: 457

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

النِّكاحِ، ولا أثَرَ لها هنا. وهذه طَريقَةُ المُصَنِّفِ، والشَّارِحِ، وصاحِبِ «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، وغيرِهم. قلتُ: وهو أقْوَى دَليلًا. وهو المذهبُ. والطَّريقُ الثَّاني، أنَّ حُكْمَه حكمُ الوَكِيلِ، خِلافًا ومَذْهَبًا. قدَّمه في «الفُروعِ» ، وقدَّم في بابِ أرْكانِ النِّكاحِ الأوَّلَ، فناقَضَ. قال ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» ، عن هذه الطريقَةِ: فيها

ص: 458

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ضَعْفٌ. وأطْلَقَ في «التَّلْخيصِ» في إذْنِها وعدَمِه رِوايتَين. ويأْتِي ذلك في أرْكانِ النِّكاحِ، عندَ قوْلِه: ووَكِيلُ كلِّ واحدٍ مِن هؤلاءِ يقُومُ مَقامَه، وإنْ كانَ حاضِرًا. بأَتَمَّ مِن هذا. ومنها، العَبْدُ والصَّبِيُّ المَأْذُونُ لهما، هل لهما أنْ يُوَكِّلا؟ وتقَدَّم الكَلامُ عليهما في آخِرِ بابِ الحَجْرِ.

قوله: ويجوزُ تَوكِيلُه فيما لا يَتَوَلَّى مثلَه بنَفْسِه، أو يَعْجِزُ عنه لكَثْرَتِه. بلا نِزاعٍ. لكِنْ هل يَسوغُ له التَّوْكِيلُ في الجميعِ؟ وهو الصحيحُ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزينٍ» ، و «الفُروعِ» . وفي القَدْرِ المَعْجُوزِ عنه خاصةً؟ اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» .

فوائد؛ الأُولَى، حيثُ جوَّزْنا له التَّوْكِيلَ، فمِن شَرْطَ الوَكيل الثَّاني، أنْ يكونَ أمِينًا، إلَّا أنْ يُعَينه المُوَكِّلُ الأولُ. الثَّانيةُ، لو قال المُوَكِّلُ للوَكِيلِ: وَكِّلْ عنك. صحَّ، وكان وَكِيلَ وَكِيلهِ. جزَم به في «المُغْنِي» ،

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعَ» ، و «الرِّعايةِ» ، و «شَرْحِ ابنَ رَزِينٍ» ، وغيرِهم. وإنْ قال: وَكِّلْ عنِّي. صحَّ أيضًا، وكان وَكِيلَ مُوَكلِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قطَع به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الرِّعايةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يكونُ وَكِيلَ وَكِيلِه

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أيضًا، كالأولَى. هذا، نقَلَه في «الفُروعِ» . وقال في «التَّلْخيصِ» ، فيما إذا قال: وَكِّلْ عَنِّي: أنَّه وَكِيلُ المُوَكِّلِ. وقطَع به. وقال، فيما إذا قال: وَكِّلْ عنك. هل يكون وَكِيلَ المُوَكِّلِ، أو وَكِيلَ الوَكِيلِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. فتَعاكَسا في محَلِّ الخِلافِ. فلعَلَّ ما في «التَّلْخيصِ» غلَطٌ مِنَ النَّاسِخِ، فإنَّ الطَّرِيقَةَ الأُولَى أصْوَبُ، وأوْفَقُ للأُصولِ، أو يكونُ طرِيقَةً، وهو بعيدٌ. وإنْ قال: وَكِّلْ. ولم

ص: 461

وَيَجُوزُ تَوْكِيلُ عَبْدِ غَيرِهِ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَجُوزُ بِغَيرِ إِذْنِهِ.

ــ

يقُلْ: عَنِّي. ولا: عنك. فهل يكونُ وَكِيلَ الوَكِيلِ كالأُولَى، أو وَكِيلَ المُوَكِّلِ كالثَّانِيَةِ؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «التَّلْخيص» ، و «الرِّعايةِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، يكونُ وَكِيلًا للمُوَكِّلِ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، وابنُ رَجَبٍ، في آخرِ «القاعِدَةِ الحادِيَةِ والسِّتِّين» . والثَّاني، يكونُ وَكِيلَ الوَكيلِ. وأمَّا إذا وَكَّلَ فيما يتَوَلَّى مِثْلُه بنَفْسِه، أو يَعْجِزُ عنه لكَثْرَتِه، أو قُلْنا: يجوزُ له التَّوْكيلُ مِن غيرِ إذْنٍ. ووَكَّلَ، فإنَّ الوَكِيلَ الثَّانِيَ وَكِيلُ الوَكِيلَ. جزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. الثَّالثةُ، حيثُ حكَمْنا بأنَّ الوَكيِلَ الثَّانِيَ وَكِيل للمُوَكِّلِ، فإنَّه يَنْعَزِلُ بعَزْلِه، وبمَوْتِه ونحوه، ولا يَمْلِكُ الوَكِيلُ الأوَّلُ عَزْلَه، ولا ينْعَزِلُ بمَوْتِه. وحيثُ قُلْنا: هو وَكِيلُ الوَكِيلِ. فإنَّه يَنْعَزِلُ بعَزْلِه وبمَوْتِه، ويَنْعَزِلُ بعَزْلِ المُوَكِّلِ أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «التَّلْخيصِ». وغيرِه. قال في «الفُروعَ»: والأصحُّ له عَزْلُ وَكِيلَ وَكِيلِه. وقال في «الرِّعايَةِ» : له عزْلُه في أصحِّ الوَجْهَين. وقيل: ليس له عَزْلُه.

قوله: ويجوزُ تَوْكِيلُ عَبْدِ غيرِه بإذْنِ سَيِّدِه، ولا يجوزُ بغيرِ إذْنِه. بلا نِزاعٍ في الجُمْلَةِ. وفي صِحَّةِ تَوْكِيلِه في نِكاحٍ بلا إذْنِ سيِّدِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، وأطْلَقهما في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» ،

ص: 462

وَإنْ وَكَّلَهُ بِإِذْنِهِ فِي شِرَاءِ نَفْسِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

و «الفائقِ» ، في صِحَّةِ قَبُولِه، أحدُهما، لا يصِحُّ التوْكيلُ في الإيجابِ ولا القَبُولِ. جزَم به في «التَّلْخيصِ». قال في «الشَّرْحِ»: ولا يجوزُ تَوْكيلُ العَبْدِ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه. وهو ظاهرُ كلامِه في «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» . وقدمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، و «القواعِدِ الأصُولِيَّةِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يصِحَّان منه. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». وقيل: يصِحُّ في القَبُولِ دُونَ الإيجابِ. وهو ظاهرُ كلامِه في «المُغْني» .

فائدة: لا يُشْترَطُ إذْنُ سيِّدِه فيما يَمْلِكُه وحدَه، فيجوزُ تَوْكِيلُه في الطلاقِ مِن غيرِ إذْنِ سيِّده، كما يجوزُ له الطلاقُ مِن غيرِ إذنِه. وكذلك السَّفِيهُ.

قوله: وإنْ وَكَّلَه بإذْنِه في شِراءِ نَفْسِه مِن سَيِّدِه، فعلى وَجْهَين. وكذا حَكاهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وحَكاهما رِوايتَين في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهبِ» ،

ص: 463

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، يصِحُّ. وهو المذهبُ. وجزَم به في «الكافِي» . وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» . واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشارِحُ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». وجزَم به في «الوَجيزِ». قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: صحَّ في الأصحِّ. قال في «القواعِدِ الأصُولِيَّةِ» : الصَّحيحُ الصِّحَّةُ. وقدَّمه في «الصُّغْرى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» .

ص: 464

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والوَجْهُ الثاني، لا يصِحُّ. فعلى المذهبِ، لو قال: اشْتَرَيتُ نَفْسِي لزَيدٍ». وصدَّقاه، صحَّ. ولو قال السَّيِّدُ: ما اشْتَرَيتَ نَفْسَك إلَّا لنَفْسِك. عتَق، ولَزِمَه الثَّمَنُ. وإنْ صدَّقَه السَّيِّدُ في الأولَى، و (1) كذَّبَه زَيدٌ، نظَرْتَ في تَكْذِيبِه؛ فإنْ كذبه في الوَكالةِ، حلَف وبَرِئَ، وللسَّيِّدِ فَسْخُ البَيعِ. وإنْ صدَّقه في الوَكالةِ، وقال: ما اشْتَرَيتَ نَفْسَك لي. فالقَوْلُ قوْلُ العَبْدِ. قاله في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: لو قال: ما اشْتَرَيتَ نَفْسَك مِنِّي إلَّا لك. فقال: بلْ لزَيدٍ. فكَذَّبه زيدٌ، عتَق، ولَزِمَه الثَّمَنُ. وإنْ صدَّقَه، لم يَعْتِقْ. قلتُ: بلَى. انتهى.

تنبيه: مَفْهومُ قوْلِه: وإنْ وَكلَه بإذْنِه في شِراءِ نَفْسِه. أنَّه لا يصِحُّ تَوْكِيلُه بغيرِ إذْنِ سيِّدِه في شِراءِ نَفْسِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، قدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وجزَم به كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. وقيل: يصِحُّ. وأطْلَقهما في «القواعِدِ الأُصولِيَّةِ» .

(1) في الأصل، ط:«أو» .

ص: 465

وَالْوَكَالةُ عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَينِ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا.

ــ

فائدة: لو وَكّلَ عَبْدَ غيرِه بإذْنِ سيِّدِه في شِراءِ عبْدِ غيرِه مِن سيِّدِه، فهل يصِحُّ؟ على رِوايتَين. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ إحْداهما، يصِحُّ. وهو المذهبُ. جزَم به في «الكافِي». قال في «الوَجيزِ»: ومَن وكلَ عَبْدَ غيرِه بإذْنِ سيِّدِه، صحَّ وقدَّمه في «المُغْنِي» . والروايةُ الثَّانيةُ، لا يصِحُّ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» .

قوله: والوَكالةُ عَقْدٌ جائِزٌ مِنَ الطرَفَين لكل واحدٍ منهما فَسْخُها. بلا نِزاع. فلو قال: وَكَّلْتُك، وكُلَّما عزَلْتُك فقد وَكَّلْتُك. انْعَزَلَ بقَوْلِه: عزَلْتُك وكُلَّما

ص: 466

وَتَبْطُلُ بِالْمَوْتِ، وَالْجُنُونِ، وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ عَقْدٍ جَائِزٍ، كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ. وَلَا تَبْطُلُ بِالسُّكْرِ، وَالإغْمَاءِ، وَالتَّعَدِّي.

ــ

وَكَّلْتُك فقد عزَلْتُك. وتُسَمَّى الوَكالةُ الدَّوْرِيَّةُ؛ وهو فَسْخ مُعَلَّقٌ بشَرْطٍ. قاله في «الفُروعِ» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، صِحَّتُها. وجزَم به في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ». قال في «التَّلْخيصِ»: قِياسُ المذهبِ، صِحَّةُ الوَكالةِ الدَّوْرِيَّةِ، بِناءً على أن الوَكالةَ قابِلَةٌ للتَّعْليقِ عندَنا، وكذلك فَسْخُها. وقال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لا تصِحُّ؛ لأنه يُؤَدِّي إلى أنْ تَصِيرَ العُقودُ الجائِزَةُ لازِمَةً، وذلك تَغْيِيرٌ لقاعِدَةِ الشَّرْعِ، وليس مَقْصودُ المُعَلِّقِ إيقاعَ الفَسْخِ، وإنَّما قَصْدُه الامْتِناعُ مِنَ التوْكيلِ، وحَلُّه قبلَ وُقوعِه، والعُقودُ لا تُفْسَخُ قبلَ انْعِقادِ ما. ذكَرَه ابنُ رَجَبٍ في «القاعِدَةِ الثامِنَةَ عشَرَة بعدَ المِائَةِ» .

قوله: وتَبْطُلُ بالمَوْتِ والجُنُونِ. تَبْطُلُ الوَكالةُ بمَوْتِ الوَكيلِ أو المُوَكِّلِ،

ص: 467

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بغيرِ خِلافٍ نعْلَمُه. لكِنْ لو وَكَّلَ وَلِيُّ اليَتيمِ وناظِرُ الوَقْفِ، أو عقَد عقْدًا جائِزًا غيرَها؛ كالشرِكَةِ، والمُضارَبَةِ، فإنها لا تَنْفَسِخُ بمَوْتِه؛ لأنَّه مُتَصَرِّفٌ على غيرِه. قطَع به في «القاعِدَةِ الحادِيَةِ والسِّتِّين» . وتَبْطُلُ بالجُنونِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: تَبْطُلُ بالجُنونِ المُطْبِقِ، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناه. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا تَبْطُلُ به. وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَررِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ». وقال في «الرعايةِ الكُبْرى»: وفي جُنونِه، وقيل: المُطبِقِ.

ص: 468

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَجْهان. وقال النَّاظمُ:

وفِسْقٍ مُنافٍ للْوَكالةِ مُبْطِلٌ

كذا بجُنونٍ مُطبقٍ مُتَأَطِّدِ

قوله: وكذلك كل عَقْدٍ جائِز -يعنِي، مِنَ الطَّرَفَين- كالشَّرِكَةِ والمضارَبَةِ. وكذا الجَعالةُ، والسَّبْقُ، والرَّمْيُ، ونحوُهما.

قوله: ولا تَبْطُلُ بالسُّكْرِ والإغْماءِ. أمَّا السُّكْرُ، فحيثُ قُلْنا: يَفْسُقُ به. فإن الوَكالةَ تَبْطُلُ فيما يُنافِي الفِسْقَ، كالإيجابِ في عَقْدِ النِّكاحِ ونحوه، وإلَّا فلا. وأما الإغْماءُ، فلا تَبْطُلُ به، قوْلًا واحدًا. قال في «الفُصولِ»: لا تَبْطُلُ في قِياسِ المذهبِ. واقْتَصرَ عليه.

قوله: والتَّعَدِّي. يعْنِي، لا تَبْطُلُ الوَكالةُ بالتَّعدِّي؛ كلُبْسِ الثوْبِ، ورُكُوبِ

ص: 469

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الدَّابَّةِ، ونحوهما. وهذا المذهبُ. جزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». قال. في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والأرْبَعِين»: والمَشْهورُ، أنَّها لا تَنْفَسِخُ. قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرى»: تَفْسُدُ في الأصح. انتهى. وذلك لأن الوَكالةَ إذْنٌ في التصَرُّفِ مع اسْتِئْمانٍ، فإنْ زال أحدُهما، لم يَزُلِ الآخَرُ. وقيل: تَبْطُلُ الوَكالةُ به. حَكاه ابنُ عَقِيلٍ في «نظرِيَّاتِه» وغيرُه. وجزَم به القاضي في «خِلافِه» . وأطْلَقهما في «المُحَررِ» ، و «الرَّعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاوي الصغِيرِ» . وقال في «المُسْتَوْعِبِ» ، ومَن تابعَه: أطْلَقَ أبو الخَطَّابِ القَوْل أنَّهَا لا تَبْطُلُ بتَعَدِّي الوَكيلِ

ص: 470

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيما وكِّلَ فيه. وهذا فيه تَفْصِيل. ومُلَخَّصُه، أنَّه إنْ أتْلَفَ بتَعَدِّيه عَينَ (1) ما وُكِّلَ فيه، بطَلتِ الوَكالةُ، وإنْ كانتْ عَينُ (2) ما تعَدَّى فيه باقِيَةً، لم تَبْطُلْ. وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما، وهو مُرادُ أبِي الخَطَّابِ وغيرِه. وقال في «القاعِدَةِ الخامِسَةِ والأرْبَعِين»: وظاهرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ، أن المُخالفَةَ مِنَ الوَكِيلِ تَقْتَضِي فَسادَ الوَكالةِ، لا بُطْلانَها، فيَفْسُدُ العَقْدُ، ويَصيِرُ مُتَصَرفًا بمُجَردِ الإذْنِ. فعلى المذهبِ، لو تعَدَّى زالتِ الوَكالةُ، وصارَ ضامِنًا، فإذا تصَرَّفَ كما قال مُوَكِّلُه، بَرِئَ بقَبْضِه العِوَضَ، فإنْ رُدَّ عليه بعَيب، عادَ الضمانُ. قال في «القواعِدِ»: وعلى المَشْهورِ؛ إنَّما يَضْمَنُ ما فيه التعَدِّي خاصةً، حتى لو باعَه وقبَض ثَمَنَه، لم يَضْمَنْه؛ لأنَّه لم يَتَعدَّ في عَينه. ذكَرَه في «التَّلْخيصِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . ولا يزُولُ الضَّمانُ عن عَينِ (2) ما وقَع فيه التَّعَدِّي بحالٍ، إلَّا على طَرِيقَةِ ابنَ الزَّاغُونِيِّ في الوَدِيعَةِ.

(1) في الأصل، ط:«غير» .

ص: 471

وَهَلْ تَبْطُلُ بِالرِّدَّةِ، وَحُرِّيَّةِ عَبْدِهِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

قوله: وهل تَبْطُلُ بالرِّدَّةِ، وحُرِّيَةِ عَبْدِه؟ على وَجْهَين. أطْلَقَ المُصَنِّفُ في بُطْلانِ الوَكالةِ بالرِّدَّةِ وَجْهَين، وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا تَبْطُلُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» . والوَجْهُ الثَّاني، تَبْطُلُ. وقيل: تَبْطُلُ برِدَّةِ المُوَكِّلِ دُونَ الوَكِيلِ. قال في «المُسْتَوْعِبِ» : ولا تَبْطُلُ برِدَّةِ الوَكِيلِ، وإنْ لَحِقَ بدارِ الحَرْبِ. وهل تَبْطُلُ برِدَّة المُوَكِّلِ؟ على وَجْهَين؛ أصْلُهما، هل يزُولُ مِلْكُه، ولا يَنْفُذُ تَصَرُّفُه، أو يكونُ مَوْقُوفًا؟ على ما يأْتِي في الرِّدَّةِ. قال في «الفائِدَةِ السَّادِسَةَ عشَرَةَ»: إنْ قُلْنا: يزُولُ مِلْكُه. بطَلَتْ وَكالته. وأطْلَقَ المُصَنِّفُ أيضًا في بُطْلانِ الوَكالةِ بحُرِّيةِ عَبْدِه وَجْهَين، وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،

ص: 472

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الهادِي» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايةِ الصغْرى» ، و «الحاويَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ؛ أحدُهما، لا تَبْطُلُ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «التصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ». وقيل: تَبْطُلُ. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» .

ص: 473

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: وكذا الحُكْمُ لو باعَ عَبْدَه. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى» : قلت: أو وهَبَه، أو كاتَبَه. انتهى. وكذا لو وَكَّلَ عَبْدَ غيرِه، فباعَه الغَيرُ. وأمَّا إذا وَكَّلَ عَبْدَ غيرِه، فأعْتَقَه ذلك الغيرُ، لم تَبْطُلِ الوَكالةُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم.

فوائد؛ منها، لو وَكَّلَ امْرأتَه، ثم طَلَّقَها، لم تَبْطُلِ الوَكالةُ. ومنها، لو جحَد أحدُهما الوَكالةَ، فهل تَبْطُلُ؛ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ؛ أحدُهما، تَبْطُلُ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، فيما إذا

ص: 474

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

جُحِدَ التَّوْكِيلُ. والوَجْهُ الثَّاني، لا تَبْطُلُ. جزَم به في «الوَجيزِ». وقيل: تَبْطُلُ إنْ تعَمَّدَ، وإلَّا فلا. ومنها، لا تَبْطُلُ الوَكالةُ بالإباقِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، وقل: تَبْطُلُ (1). وتقدَّم نَظِيرُها في أحْكامِ العَبْدِ، في البابِ

(1) في الأصل، ط:«لا تبطل» .

ص: 475

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الذي قبلَه. ومنها، لو وَكَّلَه في طَلاقِ زَوْجَتِه، فوَطِئَها، بطَلَتِ الوَكالةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ والروايتَين. وعنه، لا تَبْطُلُ. فعلى المذهبِ، في بُطْلانِها بقُبْلَةٍ، ونحوها خِلافٌ، بِناءً على الخِلافِ في حُصُولِ الرَّجْعَةِ به، على ما يأْتِي في بابِه، إنْ شاءَ الله تعالى. ومنها، لو وَكَّلَه في عِتْقِ عَبْدٍ، فكاتَبَه أو دَبَّرَه، بطَلَتِ الوَكالةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ويَحْتَمِلُ صِحَّةُ عِتْقِه.

ص: 476

وَهَلْ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِالْمَوْتِ وَالْعَزْلِ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.

ــ

قوله: وهل يَنْعَزِلُ الوَكِيلُ بالمَوْتِ والعَزْلِ قبلَ عِلْمِه؟ على رِوايتَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعاية الكُبْرى» ، و «الفُروع» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْح المَجْدِ» ، و «شَرْحِ المُحَرَّرِ» ؛ إحْداهما، يَنْعَزِلُ. وهو المذهبُ، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. قال في

ص: 477

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهب»: انْعَزَلَ في أصحِّ الرِّوايتَين. وصحَّحه في «الخُلاصَةِ» . واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والشَّرِيفُ، وابنُ عَقِيلٍ. قال في «الفُروعِ»: اخْتارَه الأكثرُ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: هذا أشْهَرُ. قال القاضي: هذا أشْبَهُ بأُصولِ المذهبِ، وقِياسٌ لقَوْلِنا: إذا كان الخِيارُ لهما، كان لأحَدِهما الفَسْخُ مِن غيرِ حُضُورِ الآخَرِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «نِهايةِ ابنِ رَزِينٍ» ، وغيرِهم. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يَنْعَزِلُ. نصَّ عليها، في رِوايَةِ ابنِ

ص: 478

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مَنْصُورٍ، وجَعْفَرِ بنِ محمدٍ، وأبِي الحارِثِ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الرَّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن». قلتُ: وهو الصَّوابُ. وقيل: يَنْعَزِلُ بالمَوْتِ لا بالعَزْلِ. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال القاضي: محَلُّ الرِّوايتَين فيما إذا كان المُوَكَّلُ فيهْ باقِيًا في مِلْكِ المُوَكِّلِ، أمَّا إنْ أخْرَجَه مِن مِلْكِه بعِتْقٍ أو بَيعٍ، انْفَسَخَتِ الوَكالةُ بذلك. وجزَم به. وفرَّقَ القاضي بينَ مَوْتِ المُوَكلِ، بأنَّ الوَكيلَ لا يَنْعَزِلُ على رِوايَةٍ، وبينَ (1) إخْراجِ المُوَكَّلِ فيه مِنَ المُوَكلِ بعِتْقٍ أو بَيعٍ، بأنَّه يَنْعَزِلُ جَزْمًا، بأنَّ المِلْكَ في العِتْقِ والبَيعِ قد زال، وفي مَوْتِ المُوَكِّلِ، السِّلْعَةُ باقِيَةٌ على حُكْمِ مِلْكِه. قال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وفيه نَظَر، فإنَّ الانْتِقال بالمَوْتِ أقْوَى منه بالبَيعِ والعِتْقِ، فإنَّ هذا يُمْكِنُ المُوَكلَ الاحْتِرازُ منه، فيَكُونُ بمَنْزِلَةِ عَزْلِه بالقَوْلِ، وذاك زال بفِعْلِ اللهِ فيه.

فوائد؛ منها، يَنْبَنِي على الخِلافِ، تَضْمِينُه وعدَمُه؛ فإنْ قُلْنا: يَنْعَزِلُ. ضَمِنَ، وإلَّا فلا. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الذينِ: لا يَضْمَنُ مُطْلَقًا. قلتُ: وهو

(1) في الأصل، ط:«وهي» .

ص: 479

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّوابُ؛ لأنَّه لم يُفَرِّطْ. ومنها، جعَل القاضي، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وجماعةٌ، محَلَّ الخِلافِ في نَفْسِ انْفِساخِ عَقْدِ الوَكالةِ قبلَ العِلْمِ. وجعَل المَجْدُ، والنَّاظِمُ، وجماعةٌ، محَلَّ الخِلافِ في نُفوذِ التَّصَرُّفِ، لا في نَفْسِ الانْفِساخِ. وهو مُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِي. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهذا أوْفَقُ للنصوصِ. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: والخِلافُ لَفْظِيٌّ ومنها، لا يَنْعَزِلُ مُودَعٌ قبلَ عِلْمِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، خِلافًا لأبي الخَطَّابِ، فما بيَدِه أمانَةٌ. وقال: مِثْلُه المُضارِبُ. ومنها، لو قال شَخْصٌ لآخَرَ: اشْتَرِ كذا بينَنا. فقال: نعَمْ. ثم قال لآخَرَ: نعم. فقد عزَل نَفْسَه مِن وَكالةِ الأوَّلِ، ويكونُ ذلك له وللثَّانِي. ومنها، عُقودُ المُشارَكاتِ؛ كالشَّرِكَةِ والمُضارَبَةِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّها تَنْفَسِخُ

ص: 480

وَإذَا وَكَّلَ اثْنَينِ، لَمْ يَجُزْ لأحَدِهِمَا الانْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إلَّا أَنْ

ــ

قبلَ العِلْمِ، كالوَكالةِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: الأَلْيَقُ بمَذْهَبِنا في المُضارَبَةِ، والشَّرِكَةِ، لا تَنْفَسِخُ بفَسْخِ المُضَارِبِ، حتى يعْلَمَ رَبُّ المالِ والشرِيكُ؛ لأنَّه ذَرِيعَةٌ إلى عامَّةِ الأضْرارِ، وهو تَعْطِيلُ المالِ عنِ الفَوائدِ والأرْباحِ.

فائدة: لو عُزِلَ الوَكِيلُ، كان ما في يَدِه أمانَةً. وكذلك عُقُودُ الأماناتِ كلُّها؛ كالوَدِيعَةِ، والشَّرِكَةِ، والمُضارَبَةِ، والرهْنِ، إذا انْتَهَتْ أو انْفَسَخَتْ، والهِبَةِ إذا رجَع فيها الأبُ. وهو المذهبُ. صرَّح به القاضي، وابنُ عَقِيلٍ في الرَّهْنِ. وصرَّح به القاضي، وأبو الخَطابِ، في «خِلافَيهما» (1)، في بَقِيَّةِ العُقودِ، وأنَّها تَبْقَى أمانَةً. وقيل: تَبْقَى مَضْمُونَةً إنْ لم يُبادِرْ بالدَّفْعِ إلى المالِكِ، كمَن أطارَتِ الرِّيحُ إلى دارِه ثَوْبًا. وصرَّح به القاضي في مَوضِع مِن «خِلافِه» ، في الوَدِيعَةِ والوَكالةِ. وكلامُ القاضي، وابنِ عَقِيلٍ يُشْعِرُ بالفَرْق بينَ الوَدِيعَةِ والرَّهْنِ، فلا يَضْمَنُ في الرَّهْنِ، ويَضْمَنُ في الوَدِيعَةِ.

قوله: وإنْ وكَّل اثنَين، لم يَجُزْ لأحَدِهما أنْ ينَفْرَدَ بالتصَرُّفِ، إلَّا أنْ يَجْعَلَ

(1) في الأصل، ط:«خلافهما» .

ص: 481

يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيهِ.

ــ

ذلك إليه. وهو المذهبُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: لا يجوزُ لأحَدِهما الانْفِرادُ بالتَّصَرُّفِ إلَّا في الخُصُومَةِ. قال في «الفُروعِ» : وقيل: إنْ وَكَّلَهما في خُصُومَةٍ، انْفَرَدَ أحدُهما؛ للعُرْفِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ.

ص: 482

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: حُقوقُ العَقْدِ متَعَلِّقَة بالمُوَكلِ. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثير منهم؛ لأنَّه لا يَعْتِقُ قَرِيبُ وَكيل عليه، ويَنْتَقِلُ المِلْكُ إلى المُوَكِّلِ، ويُطالبُ بالثمَنِ، ويُرَدُّ بالعَيبِ، ويَضْمَنُ العُهْدَةَ، وغير ذلك. قال المُصَنفُ: وإنِ اشْتَرى وَكِيلٌ (1) في شِراءٍ في الذِّمَّةِ، فكضامِنٍ. وقال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، في مَن وُكِّلَ في بَيع، أو اسْتئجارٍ: فإنْ لم يُسَمِّ مُوَكلَه في العَقْدِ، فَضامِنٌ، وإلا فرِوايَتان. وقال: ظاهِرُ المذهبِ يَضْمَنُه. قال: ومِثْله الوَكِيلُ في الاقْتِراضِ.

(1) في الأصل، ط:«وكل» .

ص: 483

وَلَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ فِي الْبَيعِ أن يَبِيعَ لِنَفْسِهِ. وَعَنْهُ، يَجُوزُ إِذَا زَادَ عَلَى مَبْلَغِ ثَمَنِهِ فِي الندَاءِ، أوْ وَكَّلَ مَنْ يَبِيعُ وَكَانَ هُوَ أَحَدَ الْمُشْتَرِينَ.

ــ

قوله: ولا يجوزُ للوَكيلِ في البَيعِ أنْ يَبِيعَ لنَفْسِه. هذا المذهبُ، وعليه الجُمْهورُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وصححه في «المُذْهَبِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَررِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروع» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ، والشَّرِيفُ، وابنُ عَقِيلٍ، والخِرَقِي، وغيرُهم. وعنه، يجوزُ، كما لو أَذِنَ له. على الصَّحيحِ،

ص: 484

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إذا زادَ على مَبْلَغِ ثَمَنِه في النِّداءِ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، أو وَكَّلَ مَن يَبِيعُ، حيثُ جازَ التَّوْكِيلُ، وكان هو أحَدَ المُشْتَرِيَين. وكذا قال في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفائقِ». وقال في «المُحَررِ»: وعنه، له البَيعُ مِن نَفْسِه إذا زادَ على ثَمَنِه في النِّداءِ. وقال في «الفُروعِ»: وعنه، يصِحُّ أنْ مِن نَفْسِه إذا زادَ على ثَمَنِه في النِّداءِ. وقيل: أو وَكَّلَ بائِعًا. وهو ظاهِرُ ما نقَلَه حَنْبَلٌ. وقيل: لهما. انتهى. وحكَى الزَّرْكَشِيُّ، إذا زادَ على مَبْلَغِ ثَمَنِه في النِّداءِ رِوايَة، وإذا وَكلَ في البَيعِ، وكان هو أحدَ المُشْتَرِيَين رِوايَةً أُخْرَى. وقال في «القاعِدَةِ السَّبْعِين»: وأمَّا رِوايَةُ الجَوازِ، فاخْتُلِفَ في حِكايَةِ شُرُوطِها على طُرُقٍ؛ أحدُها، اشتِراطُ الزِّيادَةِ على الثمَنِ الذي تَنتهِي إليه الرَّغَباتُ في النِّداءِ، وفي اشْتِراطِ أنْ يتَوَلَّى النِّداءَ غيرُه وَجهْان. وهي طَرِيقَةُ القاضي

ص: 485

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «المُجَرَّدِ» ، وابنِ عَقِيلٍ. والثَّاني، أنَّ المُشْتَرَطَ التَّوْكِيلُ المُجَرَّدُ، كما هي طَرِيقَةُ ابنِ أبي مُوسى، والشيرَازِيِّ. والثَّالثُ، أنَّ المُشْتَرَطَ أحَدُ أمْرَين؛ إمَّا أنْ يُوَكِّلَ مَن يبَيِعُه، على قَوْلِنا: يجوزُ ذلك. وإمَّا الزيادَةُ على ثَمَنِه في النِّداءِ. وهي طَرِيقَةُ القاضي في «خِلافِه» ، وأبِي الخَطَّابِ. وأطْلَقَ الرِّوايتَين في «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» . وذكَر الأزَجِيُّ احْتِمالًا، أنهما لا يُعْتَبران؛ لأنَّ دِينَه وأمانَتَه تَحْمِلُه على الحَق، ورُبَّما زادَ خَيرًا. وعنه رِوايَةٌ رابعَةٌ، يجوزُ أنْ يُشارِكَه فيه، لا أنْ يَشْتَرِيَه كلَّه. ذكَرَها الزَّرْكَشِيُّ وغيرُه. ونقَلَها أبو الحارِثِ.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ، إذا لم يَأْذَنْ له، فإنْ أذِنَ له في الشِّراءِ مِن نَفْسِه، جازَ. ومُقْتَضَى تَعْليلِ الإمامِ أحمدَ في الرِّوايةِ التي تقولُ بالجَوازِ فيها ويُوَكِّلُ، لا يجوزُ؛

ص: 486

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأنَّه يأْخُذُ بإحْدَى يدَيه مِنَ الأُخْرَى.

فائدتان؛ إحْداهما، وكذا الحُكْمُ في شِراءِ الوَكِيلِ مِن نَفْسِه للمُوَكِّلِ. وكذا الحاكِمُ وأمِينُه، والوَصِيُّ، وناظِرُ الوَقْفِ، والمُضارِبُ، كالوَكِيلِ. ولم يذْكُرِ ابنُ أبِي مُوسى في الوَصِيِّ سِوَى المَنْعِ. وقال في «القاعِدَةِ السَّبْعِين»: يتَوَجَّهُ

ص: 487

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

التَّفْرِيقُ بينَ الحاكمِ وغيرِه؛ فإنَّ الحاكِمَ ولايتُه غيرُ مُسْتَنِدَةٍ إلى إذْنٍ، فتَكونُ عامَّةً، بخِلافِ غيرِه. الثَّانيةُ، حيثُ صحَّحْنا ذلك، صحَّ أنْ يتَوَلَّى طَرَفَي العَقْدِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وصحَّحه المُصَنفُ، والشارِحُ. وقيل: لا يصِحُّ.

فائدة: وكذا الحُكْمُ لو وُكِّلَ في بَيعِ عَبْدٍ أو غيرِه، ووَكلَه آخَرُ في شِرائِه مِن نَفْسِه، في قِياسِ المذهبِ. قاله المُصَنفُ، والشارِحُ، وقالا: ومِثْلُه لو وَكَّلَه

ص: 488

وَهَلْ يَجُوزُ أنْ يَبِيعَهُ لِوَلَدِهِ، أو وَالِدِهِ، أو مُكَاتَبِهِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

المُتدَاعِيان في الدَّعْوَى عنهما؛ لأنَّه يُمْكِنُه الدَّعْوَى عن أحَدِهما، والجَوابُ عن الآخَرِ، وإقامَةُ حجَّةٍ لكُلِّ واحدٍ منهما. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال الأزَجِيُّ: لا يصِح في الدَّعْوَى مِن واحدٍ التَّضادِّ.

قوله: وهل يَجُوزُ أنْ يَبِيعَه لوَلَدِه، أو والِدِه، أو مُكاتَبِه؟ على وَجْهَين. وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «الهِدايةِ» . وأطْلَقَ الوَجْهَين في «الفُروعِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التلْخيصِ» ، و «الرِّعايةِ الصغْرى» ، و «المُحَررِ» و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ

ص: 489

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مُنَجَّى»؛ أحدُهما، لا يجوزُ. أي لا يصِحُّ، كنَفْسِه. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التصْحيح» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، وغيرِهم. قال المَجْدُ في «شَرْحِه»: اخْتارَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. قال المُصَنّف في «المُغْنِم» ، و «الكافِي» ، والشارِحُ: الوَجْهان هنا مَبْنِيَّان على الرِّوايتَين في أصْلِ المَسْأَلَةِ. قلتُ: الصَّوابُ أنَّ الخِلاف هنا مَبْنِيٌّ على القَوْلِ بعَدَمِ

ص: 490

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ نَسَاءً، وَلَا بِغَيرِ نَقْدِ الْبَلَدِ. وَيَحْتَمِلُ أن يَجُوزَ، كَالْمُضَارِبِ.

ــ

الصِّحَّةِ هناك. وهو ظاهِرُ كلام أكثرِ الأصحابِ. والوَجْهُ الثَّاني، يجوزُ. أي يصِحُّ، وإنْ منَعْنا الصِّحَّةَ في شِراءِ الوَكِيلِ مِن نَفْسِه لنَفْسِه.

تنبيه: محَلُّ الخِلافِ في هذه المَسْأَلَةِ، وفي التي قبلَها، إذا لم يَأْذَنْ له المُوَكِّلُ في ذلك، فأمَّا إنْ أذِنَ له، فإنَّه يجوزُ، ويصِحُّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يصِحُّ أيضًا. حَكاه المَجْدُ. قلتُ: وهو بعيدٌ في غيرِ الوَكِيلِ.

تنبيه: مَفْهومُ كلامِه جَوازُ بَيعِه لإخْوَتِه وسائرِ أقارِبِه. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وهو ظاهرُ كلامِ الأصحاب، وصرَّح به جماعَة. وذكَر الأزَجِيُّ فيهم وَجْهَين. قلتُ: حيثُ حصَلَتْ تُهْمَةٌ في ذلك، لا يصِحُّ.

قوله: ولا يجوزُ -أي لا يصِحُّ- أنْ يَبِيعَ نَساءً، ولا بغيرِ نَقْدِ البَلدِ. وكذا لا يجوزُ أنْ يَبِيعَ بغيرِ غالِبِ نَقْدِ البَلَدِ إنْ كان فيه نُقودٌ. ومُرادُه، إذا أطْلَقَ الوَكالةَ.

ص: 491

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهذا المذهبُ في ذلك، نصَّ عليه. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ، و «الشَّرْحِ» ، وقال: هو أوْلَى. ويَحْتَمِلُ أنْ يجوزَ، كالمُضارِبِ. وهو لأبِي الخَطَّابِ في «الهِدايَةِ» ، وهو تخرِيجٌ في «الفائقِ» ، وهو رِوايَة في «المُحَرَّرِ» وغيرِه، واخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وذكَر ابنُ رَزِينٍ في «النِّهايةِ» ، أن الوَكِيلَ يَبِيعُ حالًّا بنَقْدِ بَلَدِه، وبغيرِه، لا نَساءً. وذكَر في «الانْتِصارِ» ، أنَّه يَلْزَمُه النَّقْدُ أو ما نقَص.

تنبيه: أفادَنا المُصَنِّفُ، رحمه الله، جَوازَ بَيعِ المُضارِبِ نَساءً؛ لكَوْنِه جعَلَه هنا أصْلًا للجوازِ. وهو صحيحٌ، وهو الصحيحُ مِنَ المذهبِ، على ما يَأْتِي إنْ شاءَ اللهُ تعالى في بابِ الشركَةِ. لكِنْ أطْلَقَ هناك الخِلافَ في شَرِكَةِ العِنانِ، والمُضارَبَةُ مِثْلُها. فالحاصِلُ أنَّ الصَّحيحَ مِنَ المذهبِ في الوَكالةِ، عدَمُ الجَوازِ، وفي المُضارَبَةِ، الجَوازُ. وفرقَ المُصَنِّفُ، والشارِحُ بينَهما بأنَّ المَقْصودَ مِنَ المُضارَبَةِ الرِّبْحُ، وهو في النساءِ أكثرُ، ولا يتَعَيَّنُ في الوَكالةِ ذلك، بل رُبَّما كان

ص: 492

وَإنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ أوْ بِأَنْقَصَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ، صَحَّ، وَضَمِنَ النَّقْصَ. وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَصِحَّ.

ــ

المَقْصودُ تَحْصيلَ الثَّمَنِ لدَفْعِ حاجَتِه، ولأن اسْتِيفاءَ الثَّمَنِ في المُضارَبَةِ على المُضارِبِ، فيَعُودُ ضَرَرُ التَّأْخيرِ في التَّقاضِي عليه، بخِلافِ الوَكالةِ، فيَعودُ ضَرَرُ الطلَبِ على المُوَكِّلِ.

فائدة: إذا أطْلَقَ الوَكالةَ، لم يصِحَّ أنْ يَبيعَ بمَنْفَعَةٍ، ولا بعَرْضٍ (1) أيضًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ. وفي العَرْضِ احْتِمالٌ بالصِّحَّةِ. وهو رِوايَةٌ في «المُوجَزِ». ويأْتِي في كلام المُصَنِّفِ: إذا قال للوَكِيل: أَذِنْتَ لِي في البَيعِ نَساءً، وفي الشِّراءِ بخَمْسَةٍ. وأنْكَرَ المُوَكِّلُ.

قوله: وإنْ باعَ بدُونِ ثَمَنِ المِثْلِ، أو بأَنْقَصَ مِما قدَّرَه، صَحَّ، وضَمِنَ النَّقْصَ. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. واخْتارَه الخِرَقِيُّ،

(1) في الأصل، ط:«بقرض» .

ص: 493

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والقاضي في «الخِلافِ» وغيرُهما. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : هذا المذهبُ. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ؛ و «ناظِمِ المُفْرَداتِ» ، وقال: قاله الأكْثَرُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ.

قوله: ويَحْتَمِلُ أنْ لا يصِحَّ. وهو رِوايَةٌ مَنْصوصَةٌ عن أحمدَ. واخْتارَه المُصَنِّفُ. وصحَّحه القاضي في «المُجَردِ» ، وابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، وقال: إنه الذي تَقْتَضِيه أُصولُ المذهبِ. وقدَّمه الشَّارِحُ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، وابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وأطْلَقهِما في «الكافِي» . وقال في «المُحَررِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهما: ويتَخرَّجُ أنَّه كتَصَرُّفِ الفُضُولِيِّ. قال في «الفُروعِ» : قيلَ: إنه كفُضُولِيٍّ. نصَّ عليه، فإنْ تَلِفَ وضَمِنَ الوَكِيلُ، رجَع على مُشْتَر لتَلَفِه عندَه. وقيل: يصِحُّ. نصَّ عليه. انتهى. ويأْتِي قرِيبًا في كلامِ المُصَنِّفِ: لو وَكلَه في الشِّراءِ، فاشْترَى بأكْثَرَ مِن ثَمَن المِثْلَ.

ص: 494

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تنبيه: جمَع المُصَنِّفُ بينَ ما إذا وَكَّلَه في البَيعِ وأطْلَقَ، وبينَ ما إذا قدَّرَه له، فجعَل الحُكْمَ واحِدًا. وهو أصحُّ الطَّرِيقتَين. وصرَّح به القاضي، وغيرُه. ونصَّ عليه، في رِوايَةِ الأَثْرَمِ، وأبي داودَ، وابنِ مَنْصُورٍ. وقيل: يَبْطُلُ العَقْدُ مع مُخالفَةِ التَّسْمِيَةِ، ولا يَبْطُلُ مع الإطْلاقِ. وممَّن قال ذلك؛ القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ في «فُصولِه» . قاله في «الفائِدَةِ (1) العِشْرِين» .

تنبيه: مُرادُه بقَوْلِه: وإنْ باعَ بدُونِ ثَمَنِ المِثْلِ. ممَّا يتَغابَنُ النَّاسُ بمِثْلِه، فأمَّا ما لا يتَغابَنُ النَّاسُ بمِثْلِه؛ كالدِّرْهَمِ في العَشَرَةِ، فإنَّ ذلك مَعْفُوٌّ عنه إذا لم يَكُنِ المُوَكِّلُ قد قدَّرَ الثمَنَ.

قوله: وضَمِنَ النَّقْصَ. في قَدْرِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «الكافِي» ؛ أحدُهما، هو ما بينَ ما باعَ به وثَمَنِ المِثْلِ. قال الشارِحُ: وهذا أقْيَسُ. واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ. ذكَرَه عنه في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . والوَجْهُ الثَّاني، هو ما بينَ ما يتَغابَنُ به النَّاسُ وما لا يتَغابَنُون. فعلى المذهبِ، في أصْلِ

(1) في النسخ: «القاعدة» ، وانظر: القواعد 456.

ص: 495

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المَسْأَلَةِ، لا يَضْمَنُ عَبْدٌ لسَيِّدِه، ولا صَبِيٌّ لنَفْسِه، ويصِحُّ البَيعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ» . وفيه احْتِمالٌ، أنَّه يَبْطُلُ. قال في «الفُروعِ»: وهو أظْهَرُ. قلتُ: فعلى الأولِ، يُعايىَ بها في الصَّبِيِّ.

فائدتان؛ إحْداهما، قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرى»: لو وَكَّلَه في بَيعِ شيءٍ إلى أجَلٍ، فزادَه أو نقَصَه، ولا حَظَّ فيه، لم يصِحَّ. قال في «الفُروعِ»: وإنْ أمَر بشِراءِ كذا حالًّا، أو يَبيعُ بكذا نَساءً، فخالفَ في حُلُولٍ وتأْجِيلٍ، صحَّ في الأصحِّ.

ص: 496

وَإنْ بَاع بِأَكْثَرَ مِنْهُ، صَحَّ، سَوَاءٌ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جنْسِ الثَّمَنِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ، أوْ لَمْ تَكُنْ.

ــ

وقيل: إنْ لم يتَضَرَّرْ. انتهى. الثَّانيةُ، لو حضَر مَن يَزِيدُ على ثَمَنِ المِثْلِ، لم يَجُزْ أنْ يَبِيعَ بثَمَنِ المِثْلِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْء» ، و «الرِّعايةِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قلتُ: فيُعايىَ بها. وهي مَخْصوصَة مِن مَفْهومِ كلامِ المُصَنِّفِ وكلامِ غيرِه، مِمَّن أطْلَقَ. ولو باعَه بثَمَنِ مِثْلِه، فزادَ عليه آخَرُ في مُدةِ الخِيارِ، لم يَلْزَمْه الفَسْخ. قال في «الرعايةِ»: قلتُ: ويَحْتَمِلُ لُزُومُه إنْ صحَّ بَيعُه على بَيعِ أخِيه. انتهى. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: ويَحْتَمِلُ أن يَلْزَمَه ذلك. وقال في «الفُروعِ» : وفيه وَجْه، يَلْزَمُه.

قوله: وإنْ باعَ بأكْثَرَ منه، صَحَّ، سَواءٌ كانَتِ الزِّيادَةُ مِن جِنْسِ الثمَنِ الذي أمَرَه به أولم تَكُنْ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثير منهم. قال في «التَّلْخيصِ»: فأَظْهَرُ الاحْتِمالين الصِّحَّةُ. قال القاضي: وهو المذهبُ. وقيل: إنْ كانتِ الزيادَةُ مِن جِنْسِ الثمَنِ، صح، وإلَّا فلا. قال في

ص: 497

وَإنْ قَال: بِعْهُ بِدِرْهَمٍ. فَبَاعَهُ بِدِينَارٍ، صَحَّ، فِي أحَدِ الْوَجْهَينِ.

ــ

«التَّلْخيصِ» : قال القاضي: ويَحْتَمِلُ أنْ يَبْطُلَ في الزيادَةِ مِن غيرِ الجِنْسِ بحِصَّتِه مِنَ الثَّمَنَ.

قوله: وإنْ قال: بعْه بدِرْهَمٍ. فباعَه بدِينارٍ، صَحَّ في أحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. صحَّحه في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهبِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «التَّصْحيحِ» ، و «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» . وجزَم به في

ص: 498

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» . والوَجْهُ الثَّاني، لا يصِحُّ. اخْتارَه القاضي. وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «المُغْنِي» ، وظاهِرُ ما قطَع به ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الكافِي» .

ص: 499

وَإِنْ قَال: بِعْهُ بِأَلْفٍ نَسَاءً. فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ حَالَّةً، صَحَّ، إِنْ كَانَ لَا يَسْتَضِرُّ بِحِفْظِ الثَّمَنِ في الْحَالِّ.

ــ

فائدة: لو قال: اشْتَرِه بمِائَةٍ، ولا تَشْتَرِه بخَمْسِين. صحَّ شِراؤُه بما بينَهما. وكذا بدُونِ الخَمْسِين. على الصَّحيحِ. قدَّمه ابنُ رَزِينٍ. وهو الصَّوابُ. وقيل: لا يصِحُّ بدُونِ الخَمْسِين. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» .

قوله: وإنْ قال: بِعْه بأَلْفٍ نَساءً، فباعَه بأَلْفٍ حَالةً، صَحَّ إنْ كان لا يَسْتَضِرُّ بحِفْظِ الثَّمَنِ في الحالٌ. وهو أَحَدُ الوَجْهَين. صحَّحه في «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . والوَجْهُ الثَّاني، يصِحُّ مُطْلَقًا ما لم يَنْهَه.

ص: 500

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضي. قال في «الفُروعِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ»: صحَّ في أصحِّ الوَجْهَين. قال ابنُ رَزِين في «نِهايَتِه» : صحَّ في الأظْهَرِ. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ». وقيل: لا يصِحُّ مُطقًا. وأطْلَقهُنَّ في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، ويأْتِي عَكْسُ هذه المَسْأَلَةِ في كلامِ المُصَنِّفِ قرِيبًا.

ص: 501

وَإِنْ وَكَّلَهُ في الشِّرَاءِ، فَاشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ، أَوْ بِأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَهُ لَهُ، أَوْ وَكَّلَهُ في بَيعِ شَيْءٍ، فَبَاعَ نِصْفَهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْكُلِّ، لَمْ يَصِحَّ.

ــ

قوله: وإنْ وَكَّلَه في الشِّراءِ، فاشْتَرَى بأكْثَرَ مِن ثَمَنِ المِثْلِ، أو بأَكْثَرَ مِمَّا قَدَّرَه له، لم يَصِحَّ. وهو أَحَدُ الوَجْهَين. اخْتارَه القاضي في «الجامِعِ» ، وجزَم به في «المُسْتَوْعِب» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِين» ، والشَّارِحُ، وقال: هو كتَصَرُّفِ الأجْنَبِيِّ. واخْتارَه المُصَنِّفُ. قاله ناظِمُ «المُفْرَداتِ» .

ص: 502

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والوَجْهُ الثَّانِي، يصِحُّ. وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». وصحَّحه النَّاظِمُ. قال ناظِمُ «المُفْرَداتِ»: هو المَنْصوصُ، وعليه الأكثرُ. انتهى. وذلك؛ لأنَّ حُكْمَه حكْمُ ما لو باعَ بدُونِ ثَمَنِ المِثْلِ، أو بأَنْقَصَ ممَّا قدَّرَه له. ذكَرَه الأصحابُ. وتقدَّم هناك، أنَّ المذهبَ صِحَّةُ البَيعِ، فكذا هنا؛ لأنَّ المَنْصوصَ في المَوْضِعَين الصِّحَّةُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. لكِنَّ المُصَنِّفَ قدَّم هناك الصِّحَّةَ، وقدَّم هنا عدَمَها؛ فلذلك قال ابنُ مُنَجَّى: الفَرْقُ بينَ المَسْأَلتَين على ما ذكَرَه المُصَنِّفُ عَسِرٌ. انتهى. والذي يَظْهَرُ، أنَّ المُصَنِّفَ هناك إنَّما قدَّم تَبَعًا للأصحابِ، وإنْ كان اخْتِيارُه مُخالِفًا له، وهذا يقَعُ له كثيرًا. وقدَّم هنا نَظرًا إلى ما اخْتارَه، لا إلى الفَرْقِ بينَ المَسْألتَين، فإنَّ اخْتِيارَه في المَسْألتَين واحِدٌ، والحُكْمُ عندَه فيهما واحِدٌ. وأطْلَقَ الوَجْهَين في المَسْأَلتَين في «الفُروعِ» . وظهَر ممَّا تقدَّم، أنَّ للأصحابِ في المَسْألتَين طَرِيقَتَين؛ التَّساوي، وهو الصَّحيحُ. والصِّحَّةُ هناك، وعدَمُها هنا. وهي طَرِيقَتُه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «ابنِ رَزِينٍ» ، وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. وذكَر الزَّرْكَشِيُّ فيهما ثَلاثَةَ أقْوالٍ؛ ثالِثُها الفَرْقُ، وهو ما قاله المُصَنِّفُ في هذا الكِتابِ.

ص: 503

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قوله: أو وَكَّلَه في بَيعِ شيءٍ، فباعَ نِصْفَه بدُونِ ثَمَن الكُلِّ، لم يَصِحَّ. إذا وَكَّلَه في بَيعِ شيءٍ، فباعَ بعضَه، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يَبيعَ البعضَ بثَمَنِ الكُلِّ، أوْ لا، فإنْ باعَه بثَمَنهِ كلِّه، صحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: لا يصِحُّ. قدَّمه في «الفائقِ» . وهو ظاهرُ ما قطَع به في «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وظاهِرُ ما قدَّمه في

ص: 504

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. قلتُ: وهذا القَوْلُ ضَعيفٌ. فعلى المذهب، يجوزُ له بَيعُ الباقِي. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه في «المُغنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . ويَحْتَمِلُ أنْ لا يجوزَ. وإنْ باعَ البعضَ بدُونِ ثَمَن الكُلِّ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يَبِيعَ الباقِيَ، أوْ لا؛ فإنْ باعَ الباقِيَ، صحَّ البَيعُ، وإلَّا لم يصِحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ فيهما. قدَّمه في «الفُروعِ» . وجزَم به في «المُسْتَوْعِبِ» ، وقال: نصَّ عليه. قال في «التَّلْخيصِ» : والذي نقَلَه الأصحابُ في ذلك، أنَّه لا يصِحُّ إذا لم يَبعِ الباقِيَ؛ دَفْعًا لضَرَرِ المُشارَكَةِ بما بَقِيَ. وقوْلُهم: إذا لم يَبعِ الباقِيَ. يدُلُّ على أنَّه إذا باعَه ينْقَلِبُ صَحيحًا. وفيه عندِي نَظَرٌ. انتهى. وقيل: لا يصِحُّ مُطْلَقًا. وهو ظاهِرُ ما قطَع به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» .

ص: 505

وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِمَا قَدَّرَهُ لَهُ مُؤَجَّلًا، أَوْ قَال: اشْتَرِ لِي شَاةً بدِينَارٍ.

ــ

تنبيه: يُسْتَثْنَى مِن محَلِّ الخِلافِ فيما تقدَّم، ومِن عُمومِ كلامِ المُصَنِّفِ، لو وَكَّلَه في بَيعِ عَبِيدٍ، أو صُبْرَةٍ، ونحوهما، فإنَّه يجوزُ له بَيعُ كلِّ عَبْدٍ مُنْفَرِدًا، وبَيعُ الجميعِ صَفْقَةً واحِدَةً، وبَيعُ بعضِ الصُّبْرَةٍ مُنْفرِدَةً، وبَيعُها كلِّها جُمْلَةً واحدةً. قاله الأصحابُ، إنْ لم يَأْمُرْه ببَيعِها صَفْقَةً واحدةً.

تنبيه: قوْلِي عن كلامِ المُصَنِّفِ: بدُونِ ثَمَنِ الكُلِّ. هو في بعضِ النُّسَخِ، وعليها شرَح الشَّارِحُ. وفي بعضِها، بإسْقاطِها، تَبَعًا لأبِي الخَطَّابِ، وعليها شرَح ابنُ مُنَجَّى، لكِنْ قيَّدها بذلك مِن كلامِه في «المُغْنِي» .

قوله: وإنِ اشْتَراه بما قَدَّرَه له مُؤجَّلا، صحَّ. وهو المذهبُ مُطْلَقًا. قال في «الفُروعِ»: صحَّ في الأصحِّ. وجزَم به في «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . وقدَّمه. في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن». وصحَّحه في «النَّظْمِ». وقيل: لا يصِحُّ إنْ حصَل ضَرَرٌ، وإلَّا صحَّ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» .

ص: 506

فَاشْتَرَى شَاتَيْنِ تُسَاوي إِحْدَاهُمَا دِينَارًا، أَو اشْتَرَى شَاةً تُسَاوي دِينَارًا بِأَقلَّ مِنْهُ، صَحَّ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ.

ــ

وجزَم به في «الوَجيزِ» . قلتُ: وهو الصَّوابُ. فالأوَّلُ ضَعيفٌ. وأطْلَقهما في «الرِّعايةِ الكُبْرى» .

قوله: وإنْ قال: اشْتَرِ لي شاةً بدِينارٍ، فاشْتَرَى له شاتَين تُساوي إِحْداهما دِينارًا، أو اشْتَرَى شاةً تُسَاوي دِينارًا بأَقَلَّ منه، صَحَّ -وكان للمُوَكِّلِ- وإلَّا لم يَصِحَّ.

ص: 507

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يعْنِي، وإنْ لم تُساو إحْداهما دِينارًا، لم يصِحَّ. وهذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه الأصحابُ. وفي «المُبْهِجِ» رِوايَةٌ في المَسْأَلَةِ الأُولَى، أنَّه كفُضُولِيٍّ. وقال في «عُيونِ المَسائلِ»: إنْ ساوَتْ كلُّ واحِدَةٍ منهما نِصْفَ دِينارٍ، صحَّ للمُوَكِّلِ لا للوَكِيلِ، وإنْ كانَتْ كلُّ واحِدَةٍ منهما لا تُساوي نِصْفَ دِينارٍ، فرِوايَتان؛

ص: 508

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

إحْداهما، يَقِفُ على إجازَةِ المُوَكِّلِ. وقال في «الرعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الحاويَيْن»: وقيل: الزَّائِدُ على الثَّمَنِ والمُثَمَّنِ المُقَدَّرَين للوَكِيلِ. فعلى المذهبِ، لو باعَ إحْدَى الشَّاتَين بغيرِ إذْنِ المُوَكِّلِ، فقِيلَ: يصِحُّ إنْ كانتِ الباقِيَةُ تُساوي دِينارًا؛ لحَدِيثِ عُرْوَةَ (1). قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، لأنَّه أخَذ بحَديثِ عُرْوَةَ. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى». وقيل: لا يصِحُّ مُطْلَقًا. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ». وقيل: يصِحُّ مُطْلَقًا. ذكَرَه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» وقدَّمه. وقال

(1) تقدم تخريجه في: 11/ 56.

ص: 509

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في «الفائِدَةِ العِشْرين» : لو باعَ إحْداهما بدُونِ إذْنِه، ففيه طَرِيَقان؛ أحدُهما، يُخرَّجُ على تَصَرُّفِ الفُضُولِيِّ. والثَّاني، أنَّه صحيحٌ، وَجْهًا واحِدًا. وهو المَنْصوصُ.

ص: 510

وَلَيسَ لَهُ شِرَاءُ مَعِيبٍ، فَإِنْ وَجَدَ بِمَا اشْتَرَى عَيبًا، فَلَهُ الرَّدُّ.

ــ

قوله: وليس له شِراءُ مَعِيبٍ. بلا نِزاعٍ. فإنْ فعَل، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ جاهِلًا أو عالِمًا، فإنْ كان جاهِلًا به فيَأْتِي. وإنْ كان عالِمًا، لَزِمَ الوَكِيلَ ما لم يَرْضَ المُوَكِّلُ، وليس له ولا لمُوَكِّلِه رَدُّه. وإنِ اشْتَرَى بعَينِ المالِ، فكشِراءِ فُضُولِيٍّ. وهذا المذهبُ في ذلك كلِّه، وعليه الأصحابُ. وقال الأَزَجِيُّ: إنِ اشْتَراه مع عِلْمِه بالعَيبِ، فهل يقَعُ عنِ المُوَكِّلِ؛ لأنَّ العَيبَ إنَّما يُخافُ منه نَقْصُ المالِيَّةِ -فإذا كان مُساويًا للثَّمَنِ، فالظَّاهِرُ، أنَّه يَرْضَى به- أم لا يقَعُ عنِ المُوَكِّلِ؟ فيه وَجْهان.

قوله: وإنْ وجَد بما اشْتَرَى عَيبًا، فله الرَّدُّ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ولم يَضْمَنْه. وقال الأَزَجِيُّ: إنْ جَهِلَ عَيبَه، وقدِ اشْتَرَى بعَينِ المالِ، فهل يقَعُ عنِ المُوَكِّلِ؟ فيه خِلافٌ. انتهى. وله رَدُّه وأخْذُ سَليمٍ بدَلَه، إذا لم يُعَيِّنْه المُوَكِّلُ، على ما يأْتِي قرِيبًا.

ص: 511

فَإِنْ قَال الْبَائِعُ: مُوَكِّلُكَ قَدْ رَضِيَ بِالْعَيبِ. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَكِيلِ

ــ

فائدتان؛ إحْداهما، لو أسْقَطَ الوَكِيلُ خِيارَه، فحضَر مُوَكِّلُه، فرَضِيَ به، لَزِمَه، وإلَّا فله رَدُّه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقال في «المُغْنِي» (1): وله رَدُّه على وَجْهٍ. الثَّانيةُ، لو ظهَر به عَيبٌ، وأنْكَرَ البائعُ أنَّ الشِّراءَ وقَع للمُوَكِّلِ، لَزِمَ الوَكِيلَ، وليس له رَدُّه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يَلْزَمُ المُوَكِّلَ، وله أَرْشُه، فإنْ تَعَذَّرَ مِنَ البائعِ، لَزِمَ الوَكِيلَ.

قوله: فإنْ قال البائعُ: مُوَكِّلُك قد رَضِيَ بالعَيبِ. فالقَوْلُ قَوْلُ الوَكِيلِ مع يَمِينِه أَنَّه لا يَعْلَمُ ذلك. وهذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في

(1) انظر: المغني 7/ 253، 254.

ص: 512

مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ. فَإِنْ رَدَّهُ، فَصَدَّقَ الْمُوَكِّلُ الْبَائِعَ في الرِّضَا بِالْعَيبِ، فَهَلْ يَصِحُّ الرَّدُّ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

«الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَقِفُ الأمْرُ على حَلِف مُوَكِّلِه، وللحاكِمِ إلْزامُه حتى يَحْضُرَ مُوَكِّلُه.

فائدتان؛ إحْداهما، مِثْل ذلك خِلافًا ومذهبًا، قَوْلُ غَرِيمٍ لوَكِيلٍ غائبٍ، في قَبْضِ حقِّه: أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك. أو قبَضَه. ويُحْكَمُ عليه ببَيِّنةٍ إنْ حُكِمَ على غائبٍ. الثَّانيةُ، لو ادَّعَى الغرِيمُ أنَّ المُوَكِّلَ عزَل الوَكِيلَ في قَضاءِ الدَّينِ، أو ادَّعَى مَوْتَ المُوَكِّلِ، حلَف الوَكِيلُ على نَفْي العِلْمِ، في أصَحِّ الوَجْهَين. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». وقيل: يُقْبَلُ قوْلُه مِنْ غيرِ يَمِينٍ.

قوله: فإنْ رَدَّه، فصَدَّقَ المُوَكِّلُ البائِعَ في الرِّضَا بالعَيب، فهل يَصِحُّ الرَّدُّ؟

ص: 513

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

على وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ الرَّدُّ، وهو باقٍ للمُوَكِّلِ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «المُغْنِي» . والثَّاني، يصِحُّ، فيُجَدِّدُ المُوَكِّلُ العَقْدَ. صحَّحه في «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ:

ص: 514

وَإِنْ وَكَّلَهُ في شِرَاءِ مُعَيَّنٍ، فَاشْتَرَاهُ وَوَجَدَهُ مَعِيبًا، فَهَلْ لَهُ رَدُّهُ قَبْلَ إِعْلَامِ الْمُوَكِّلِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

يصِحُّ الرَّدُّ، بِناءً (1) على أنَّ الوَكِيلَ لا يَنْعَزِلُ قبلَ عِلْمِه. وقال أبو المَعالِي في «النِّهايَةِ»: يَطَّرِدُ رِوايَتان مَنْصوصَتان في اسْتِيفاءِ حَدٍّ وقَوَدٍ وغيرِهما مِنَ الحُقوقِ، [مع غَيبَةِ المُوَكِّلِ، وحُضورِ وَكِيلِه](2). وحَكاهما غيرُه في حَدٍّ وقَوَدٍ على ما تقدَّم.

فائدة: رِضَى المُوَكِّلِ الغائبِ بالمَعِيبِ عَزْلٌ لوَكِيلِه عن رَدِّه.

قوله: وإنْ وَكَّلَه في شِراءِ مُعَيَّنٍ، فاشْتَراه، ووجَدَه مَعِيبًا، فهل له الرَّدُّ قبلَ إعْلامِ المُوَكِّلِ؟ على وجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،

(1) زيادة من: 1.

(2)

في الأصل، ط:«ومع غيبة الموكل وحضور» .

ص: 515

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «المُحَرَّر» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ؛ أحدُهما، له الرَّدُّ. وهو الصَّحيحُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . والوَجْهُ الثَّاني، ليس له الرَّدُّ. قال في «الرِّعايتَين»: هذا أَوْلَى. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» . قلتُ: وهو الصَّوابُ. فلو عَلِمَ عَيبَه قبلَ شِرائِه، فهل له شِراؤُه؟ فيه وَجْهان مَبْنيَّان على الوَجْهَين اللَّذين قبلَهما؛ فإنْ قُلْنا: يَمْلِكُ الرَّدَّ في الأُولَى. فليس له شِراؤُه. وإنْ قُلْنا: لا يَمْلِكُ هناك. فله الشِّراءُ هنا. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «الفُروعِ»: فإنْ ملَكَه، فله شِراؤُه إنْ عَلِمَ عَيبَه قبلَه. وهو مُخالِفٌ لما قالاه. وقد تقدَّم أنَّه إذا لم

ص: 516

وَإنْ قَال: اشْتَرِ لِي بِعَينِ هَذَا الثَّمَنِ. فَاشْتَرَى لَهُ في ذِمَّتِهِ، لَمْ يَلْزَمَ الْمُوَكِّلَ.

ــ

يَكُنْ مُعَيَّنًا، أنَّ له الرَّدَّ وأخْذَ بدَلِه مِن غيرِ إعْلامِ المُوَكِّلِ.

قوله: وإِنْ قال له: اشْتَرِ لي بعَينِ هذا الثَّمَنِ. فاشْتَرَى له في ذِمَّتِه، لم يَلْزَمِ المُوَكِّلَ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، إنْ أجازَه المُوَكِّلُ، لَزِمَه، وإلَّا فلا. وعلى كلِّ قَوْلٍ، البَيعُ صحيحٌ، وحيثُ لم يَلْزَمِ المُوَكِّلَ، لَزِمَ الوَكِيلَ.

فائدة: لو قال: اشْتَرِ لي بهذِه الدَّراهِمِ كذا. ولم يَقُلْ: بعَينِها. جازَ له أنْ يَشْتَرِيَ له في ذِمَّتِه، وبعَينِها. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. فليس له العَقْدُ مع فَقِيرٍ، وقاطِعِ طَريقٍ، إلَّا بأَمْرِه. نقَلَه الأَثرَمُ.

ص: 517

وإنْ قَال: اشْتَرِ لِي في ذِمَّتِكَ، وَانْقُدِ الثَّمَنَ. فَاشْتَرَى بِعَينِهِ، صَحَّ.

ــ

قوله: وإِنْ قال: اشْتَرِ لي في ذِمَّتِك وانْقُدِ الثَّمَنَ. فاشْتَرَى بعَينِه، صَحَّ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما: ذكَرَه أصحابُنا. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، وقال: إنْ لم يَكُنْ للمُوَكِّلِ غَرَضٌ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وقيل: لا يصِحُّ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ،

ص: 518

وَإِنْ أَمَرَهُ بِبَيعِهِ في سُوقٍ بِثَمَنٍ، فَبَاعَهُ بِهِ في آخَرَ، صَحَّ. وَإِنْ قَال: بِعْهُ لِزَيدٍ. فَبَاعَهُ مِنْ غيرِهِ، لَمْ يَصِحَّ.

ــ

و «الشَّرْحِ» ، ومالا إليه. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: وقيل: إنْ رَضِيَ به، وإلَّا بطَل. وهو أوْلَى.

فائدة: يُقْبَلُ إقْرارُ الوَكِيلِ بعَيب فيما باعَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. [وجزَم به في](1)«الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، وغيرِهم، ذكَرُوه في الشَّرِكَةِ. [وقال في «المُنْتَخَبِ»] (2): لا يُقْبَلُ. واخْتارَه المُصَنِّفُ. فلا يُرَدُّ على مُوَكِّلِه. [وإنْ رُدَّ بنُكُولِه](3)، [ففي رَدِّه على مُوَكِّلِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ». قلتُ: الصَّوابُ ردُّه على المُوَكِّلِ] (4).

قوله: وإنْ أمَرَه ببَيعِه في سُوقٍ بثَمَنٍ، فباعَه به في آخَرَ، صَحَّ. إنْ لم يَنْهَه عنه، ولم يَكُنْ له فيه غَرَضٌ. بلا نِزاعٍ.

(1) في الأصل، ط:«وقال في المنتخب و» .

(2)

سقط من: الأصل، ط.

(3)

سقط من: الأصل، وفي ط:«قوله» .

(4)

سقط من: الأصل.

ص: 519

وَإِنْ وَكَّلَهُ في بَيعِ شَيْءٍ مَلَكَ تَسْلِيمَهُ، وَلَمْ يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِهِ إلا بِقَرِينَةٍ، فَإِنْ تَعَذَّرَ قَبْضُهُ، لَمْ يَلْزَمِ الْوَكِيلَ شَيْءٌ.

ــ

قوله: وإنْ وَكَّلَه في بَيعِ شيءٍ، ملَك تَسْلِيمَه. بلا نِزاعٍ.

ص: 522

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله: ولم يَمْلِكْ قَبْضَ ثَمَنِه إلَّا بقَرِينَةٍ. هذا أحَدُ الوُجوهِ. جزَم به في «الوَجيزٍ» ، وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، على ما يأْتِي. واخْتارَه المُصَنِّفُ، وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وهو الصَّوابُ. والوَجْهُ الثَّاني، لا يَمْلِكُ قَبْضَ ثَمَنِه مُطْلَقًا. وهو المذهبُ، كالحاكِمِ وأَمِينِه. اخْتارَه القاضي وغيرُه. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» . وقدَّمه في «الفُروعِ» . والوَجْهُ الثَّالِثُ، يَمْلِكُه مُطْلَقًا. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وقال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ»: وفي قَبْضِه ثَمَنَه بلا قَرِينَةٍ وَجْهان. وقال ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» : له قَبْضُ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَتْ قَرِينَةُ المَنْعِ. فعلى

ص: 523

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبِ، إنْ تعَذَّرَ قَبْضُ الثَّمَنِ مِنَ المُشْتَرِي، لم يَلْزَمِ الوَكِيلَ شيءٌ، كما لو ظهَر المَبِيعُ مُسْتَحَقًّا أو مَعِيبًا. وعلى الثَّالثِ، ليس له تَسْليمُ المَبِيعِ إلَّا بقَبْض الثَّمَنِ، أو حُضورِه، وإنْ سلَّمَه قبلَ قَبْضِ ثَمَنِه، ضَمِنَه. وعلى الأوَّلِ، إنْ دَلَّتْ قَرِينَةٌ على قَبْضِه ولم يَقْبِضْه، ضَمنَه، وإلَّا فلا.

فائدتان؛ إحْداهما، وكذا الحُكْمُ لو وَكَّلَه في شِراءِ سِلْعَةٍ، هل يقْبِضُها أم لا؟ أم يقْبِضُها إنْ دلَّتْ قَرِينَةٌ عليه؟ وإنْ أخَّرَ تَسْلِيمَ ثَمَنِه بلا عُذْرٍ، ضَمِنَه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وقيل: لا يَضْمَنُ. الثَّانيةُ، هل للوَكِيلِ في البَيعِ أو الشِّراءِ فِعْلُ ذلك بشَرْطِ الخِيارِ له، وقيل: مُطْلَقًا. أم لا؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . قال في «الرِّعايةِ» : وإنْ وُكِّلَ في شِراءٍ، لم يَشْرُطِ الخِيارَ للبائعِ. وهل له شَرْطُه لنَفْسِه، أو لمُوَكِّلِه؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَين. انتهى. وظاهرُ كلامِه في «المُجَرَّدِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، في البَيعِ، صِحَّةُ ذلك، ويكونُ للمُوَكِّلِ. فإذا شرَط الخِيارَ، فهو لمُوَكِّلِه، وإنْ شرَطَه لنَفْسِه، فهو لهما،

ص: 524

وَإنْ وَكَّلَهُ في بَيعٍ فَاسِدٍ،

ــ

ولا يصِحُّ شَرْطُه له وحدَه. ويَخْتَصُّ الوَكِيلُ بخِيارِ المَجْلِسِ، ويَخْتَصُّ به المُوَكِّلُ، إنْ حضَرَه وحجَر عليه. جزَم به في «الفُروعِ». وقال في «التَّلْخيصِ»: وإنْ حضَر المُوَكِّلُ في المَجْلِسِ، وحجَر على الوَكِيلِ في الخِيارِ، رجَعَتْ حَقِيقَةُ الخِيارِ إلى المُوَكِّلِ، في أظْهَرِ الاحْتِمالين. وتقدَّم ذلك في خِيارِ الشَّرْطِ، ومَسائِلَ أُخَرَ، عندَ قَوْلِه: وإنْ شرَط الخِيارَ لغيرِه، جازَ.

قوله: وإنْ وَكَّلَه في بَيعٍ فاسِدٍ، أو في كلِّ قَلِيلٍ وكَثيرٍ، لم يَصِحَّ. إذا وَكَّلَه

ص: 525

أَوْ كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ، لَمْ يَصِحَّ.

ــ

في بَيعٍ فاسِدٍ، فباعَ بَيعًا صحيحًا، لم يصِحَّ، قطَع به الأصحابُ. وإنْ وَكَّلَه فيه كلِّ قَليلٍ وكثيرٍ، لم يصِحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، كما قطَع به المُصَنِّفُ هنا، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم. وقال في «النِّهايةِ»: لم يصِحَّ باتِّفاقِ الأصحابِ. وقيل: يصِحُّ، كما لو وَكَّلَه في بَيعِ مالِه كلِّه، أو المُطالبَةِ بحُقوتِه كلِّها، أو الإِبْراءِ منها، أو بما شاءَ منها.

ص: 526

وَإِنْ وَكَّلَهُ في بَيعِ مَالِهِ كُلِّهِ، صَحَّ. وَإنْ قَال: اشْتَرِ لِي مَا شِئْتَ. أَوْ: عَبْدًا بمَا شِئْتَ. لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَذْكُرَ النَّوْعَ وَقَدْرَ الثَّمَنِ. وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ.

ــ

قوله: وإنْ قال: اشْتَرِ لي ما شِئْتَ، أو عَبْدًا بما شِئْتَ. لم يَصِحَّ حتى يَذْكُرَ النَّوْعَ وقَدْرَ الثَّمَنِ. هذا إحْدَى الرِّوايتَين. وهو المذهبُ. اخْتارَه القاضي وغيرُه. قاله في «التَّلْخيصِ». وجزَم به في «الوَجيزِ». قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه»: هذا المذهبُ. وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . وعنه، ما يدُلُّ على أنَّه الأصَحُّ. قال أبو الخَطَّابِ: ويَحْتَمِلُ أنْ يجوزَ، على ما قاله أحمدُ، رحمه الله، في رَجُلَين، قال كلُّ واحدٍ منهما لصاحبِه: ما اشْتَرَيتَ مِن شيءٍ، فهو بَينِي وبينَك. إنَّه جائزٌ، وأعْجَبَه، وقال: هذا توْكِيلٌ

ص: 527

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في كلِّ شيءٍ. وكذا قال ابنُ أبِي مُوسى: إذا أطْلَقَ وَكالتَه، جازَ تَصَرُّفُه في سائرِ حُقوقِه، وجازَ بَيعُه عليه، وابْتِياعُه له، وكانَ خَصْمًا فيما يَدَّعِيه لمُوَكِّلِه، ويُدَّعَىَ

ص: 528

وَإِنْ وَكَّلَهُ في الْخُصُومَةِ، لَمْ يَكُنْ وَكِيلًا في الْقَبْضِ.

ــ

عليه، بعدَ ثُبوتِ وَكالتِه منه. انتهى. وقيل: يَكْفِي ذِكْرُ النَّوْعِ فقِط. اخْتارَه القاضي. نقَلَه عنه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وأطْلَقهُنَّ في «الفُروعَ». وقال في «الرِّعايةِ»: وقيل: يَكْفِي ذِكْرُ النَّوْعِ، أو قَدْرُ الثَّمَنِ.

قوله: وإنْ وَكَّلَه في الخُصُومَةِ، لم يَكُنْ وَكِيلًا في القَبْضِ. ولا الإِقْرارِ عليه مُطْلَقًا. نصَّ عليه، وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقَعُوا به. وقطَع به ابنُ البَنَّا في «تَعْليقِه» ، أنَّه يكونُ وَكِيلًا في القَبْضِ؛ لأنَّه مَأْمورٌ بقَطْعِ الخُصومَةِ، ولا تَنْقَطِعُ إلَّا به. انتهى. قلتُ: الذي يَنْبَغِي، أنْ يكونَ وَكِيلًا في القَبْضِ، إنْ دَلَّتْ عليه قَرِينَةٌ. كما اخْتارَه المُصَنِّفُ، وجماعَةٌ، فيما إذا وَكَّلَه في بَيعِ شيءٍ، أنَّه لا يَمْلِكُ قَبْضَ ثَمَنِه إلَّا بقَرِينَةٍ.

ص: 529

وَإِنْ وَكَّلَهُ في الْقَبْضِ، كَانَ وَكِيلًا في الْخُصُومَةِ، في أَحَدِ

ــ

قوله: وإِنْ وَكَّلَه في القَبْضِ، كانَ وَكيِلًا في الخُصُومَةِ، في أَحَدِ الوَجْهَين. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في

ص: 530

الْوَجْهَينَ.

ــ

«الوَجيزِ» ، و «الهِدايَةِ» . وقدَّمه في «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» . ومال إليه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. والوَجْهُ الثَّانِي، لا يكونُ وَكِيلًا في الخُصومَةِ. وأطْلَقهما في «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِه» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وقال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: يَحْتَمِلُ، إنْ كان المُوَكِّلُ عالِمًا بجَحْدِ (1) مَن عليه الحَقُّ، أو مَطْلِه، كان تَوْكِيلًا (2) في تَثْبِيتِه والخُصومَةِ فيه؛ لعِلْمِه بتَوَقُّفِ القَبْضِ عليه، وإلَّا فلا.

فائدتان؛ إحْداهما، أفادَنا المُصَنِّفُ، رحمه الله، صِحَّةَ الوَكالةِ في الخُصومَةِ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ عليه. لكِنْ قال في «الفُنونِ»: لا يصِحُّ ممَّن عَلِمَ ظُلْمَ مُوَكِّلِه في الخُصومَةِ. واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» . وهذا ممَّا لا شَكَّ فيه. قال في «الفُروعِ» : وظاهرُه يصِحُّ إذا.

(1) في الأصل، ط:«بحجر» . انظر: المغني 7/ 211.

(2)

في الأصل، ط:«وكيلا» . انظر: المغني 7/ 211.

ص: 531

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لم يَعْلَمْ ظُلْمَه، فلو ظَنَّ ظُلْمَه، جازَ. ويتَوَجَّهُ المَنْعُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. قال: ومع الشَّكِّ يتَوَجَّهُ احْتِمالان، ولعَلَّ الجَوازَ أوْلَى، كالظَّنِّ في عدَمِ ظُلْمِه؛ فإنَّ الجَوازَ فيه ظاهِرٌ، وإنْ لم يَجُزِ الحُكْمُ مع الرِّيبَةِ في البَيِّنَةِ. وقال القاضي، في قَوْلِه تَعالى:{وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا} (1): يدُلُّ على أنَّه لا يجوزُ لأحَدٍ أنْ يُخاصِمَ عن غيرِه في إثبْاتِ حقٍّ أو نَفْيِه، وهو غيرُ عالِمٍ بحَقِيقَةِ أمْرِه. وكذا قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، والشَّارِحُ، في الصُّلْحِ عنِ المُنْكِرِ: يُشْتَرَطُ أنْ يَعْلَمَ صِدْقَ المُدَّعِي، فلا تَحِلُّ دَعْوَى ما لا يَعْلَمُ ثُبوتَه. الثَّانيةُ له إثْبات وَكالتِه مع غَيبَةِ مُوَكِّلِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وقيل: ليس له ذلك. ويأْتِي، في باب أقْسامِ المَشْهودِ به، ما تَثْبُتُ به الوَكالةُ، والخِلافُ فيه. وإنْ قال له: أَجِبْ عَنِّي خَصْمِي. احْتَمَلَ أنَّها كالخُصومَةِ، واحْتَمَلَ بُطْلانُها. وأطْلَقهما في «الفُروعَ». قلتُ: الصَّوابُ الرُّجوعُ في ذلك إلى القَرائنِ، فإنْ لم تدُلَّ قَرِينَةٌ، فهو إلى الخُصومَةِ أَقْرَبُ.

(1) سورة النساء 105.

ص: 532

وَإِنْ وَكَّلَهُ في قَبْضِ الْحَقِّ مِنْ إِنْسَانٍ، لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْضُهُ مِنْ وَارِثِهِ وَإِنْ قَال: اقْبِضْ حَقِّيَ الَّذِي قِبَلَهُ. فَلَهُ الْقَبْضُ مِنْ وَارِثِهِ. وَإِنْ قَال: اقْبِضْهُ الْيَوْمَ. لَمْ يَمْلِكْ قَبْضَهُ غَدًا.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 533

وَإِنْ وَكَّلَهُ في الإِيدَاعِ، فَأَوْدَعَ وَلَمْ يُشْهِدْ، لَمْ يَضْمَنْ.

وَإِنْ وَكَّلَهُ فِي قَضَاءِ دَينٍ، فَقَضَاهُ وَلَمْ يُشْهِدْ، وَأَنْكَرَهُ الْغَرِيمُ، ضَمِنَ، إلا أَنْ يَقْضِيَهُ بِحَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ.

ــ

قوله: وإنْ وَكَّلَه في الإِيداعِ، فأوْدَعَ، ولم يُشْهِدْ، لم يَضْمَنْ. هذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: ذكَرَه أصحابُنا. قال في «الفُروعِ» : لم يصِحَّ في الأصحِّ. وقيل: يَضْمَنُ. وذكَرَه القاضي رِوايَةً.

قوله: وإنْ وَكَّلَه في قَضاءِ دَيَنٍ، فقَضاه ولم يُشْهِدْ، وأنْكَرَ الغَرِيمُ، ضَمِنَ

ص: 534

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

هذا المذهبُ بشَرْطِه، وعليه أكثرُ الأصحابِ، كما لو أمَرَه بالإِشْهادِ فلم يَفْعَلْ. قال في «التَّلْخيصِ»: ضَمِنَ، في أصحِّ الرِّوايتَين. وهو ظاهِرُ ما جزَم به في

ص: 535

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

«الوَجيزِ» ، و «الخِرَقِيِّ» ، وجزَم به في «العُمْدَةِ» وغيرِها. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وقال: هذا المذهبُ. وقال القاضي وغيرُه مِنَ الأصحابِ: وسواءٌ صدَّقَه المُوَكِّلُ أو كذَّبَه. وعنه، لا يَضْمَنُ، سواءٌ أمْكَنَه الإِشْهادُ، [أوْ لا. اخْتارَه ابنُ عَقِيل. وقيل: يَضْمَنُ إنْ أمْكَنَه الإشْهادُ] (1) ولم يُشْهِدْ، وإلَّا فلا. وقال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ احْتِمالٌ، يَضْمَنُه إنْ كذَّبَه المُوَكِّلُ، وإلَّا فلا. قال الزَّرْكَشِيُّ: وهذا مُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِيِّ.

قوله: إلَّا أَنْ يَقْضِيَه بحَضْرَةِ الموَكِّلِ. يعْني، أنَّه إذا قَضاه بحَضْرَةِ المُوَكِّلِ، مِن غيرِ إشْهادٍ، لا يَضْمَنُ. وهذا المذهبُ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. قال في «الرعايةِ الكُبْرى» ، و «الفُروعِ»: لم يَضْمَنْ في الأصحِّ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا الصَّحيحُ. وقيل: يَضْمَنُ؛ اعْتِمادًا على أنَّ السَّاكِتَ لا يُنْسَبُ

(1) سقط من: الأصل، ط.

ص: 536

فَصْلٌ: وَالْوَكِيل أَمِينٌ، لَا ضَمَانَ عَلَيهِ فِيمَا تَلِفَ في يَدِهِ بِغَيرِ تَفْرِيطٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ في الْهَلَاكِ وَنَفْي التَّفْرِيطِ.

ــ

إليه قَوْلٌ. وتقدَّم نَظِيرُ هذه المَسْأَلَةِ فيما إذا قضَى الضَّامِنُ الدَّينَ، وتقدَّم هناك، إذا أشْهَدا، وماتَ الشُّهودُ، ونحوُ ذلك. والحُكْمُ هنا كذلك. وتقدَّم أيضًا في الرَّهْنِ، فيما إذا قَضَى العَدْلُ المُرْتَهِنَ. وتقدَّم أيضًا في الرَّهْنِ، مَن طُلِبَ منه الرَّدُّ، وقُبِلَ قوْلُه، هل له التَّأْخيرُ ليُشْهِدَ، أم لا؟ وما يتَعَلَّقُ بذلك، عندَ قوْلِه: إذا اخْتَلَفا في رَدِّ الرَّهْنِ. والأصحابُ يذْكُرون المَسْألَةَ هنا.

قوله: والوَكِيلُ أمِينٌ، لا ضَمانَ عليه فيما يَتْلَفُ في يَدِه بغيرِ تَفْريطٍ، والقَوْلُ قَوْلُه مع يَمينه في الهَلاكِ ونَفْي التَّفْرِيطِ. هذا المذهبُ مُطْلَقًا، وعليه الأصحابُ

ص: 537

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في الجُمْلَةِ. قال القاضي: إلَّا أنْ يَدَّعِيَ تلَفًا بأَمْرٍ ظاهرٍ؛ كالحَرِيقِ والنَّهْبِ، ونحوهما، فعليه إقامَةُ البَيِّنَةِ على وُجودِ ذلك في تلك النَّاحِيَةِ، ثم يكونُ القَوْلُ قَوْلَه في تَلَفِها به. وجزَم به في «المُحَررِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: ويُقْبَلُ قَوْلُه في

ص: 538

وَلَوْ قَال: بِعْتُ الثَّوْبَ، وَقَبَضْتُ الثَّمَنَ، فَتَلِفَ. فَالْقَوْلُ قَولهُ.

ــ

التَّلَفِ، وكذا إنِ ادَّعاه بحادِثٍ ظاهرٍ، وشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بالحادِثِ، قُبِلَ قوْلُه مع يَمِينِه. وفي اليَمِينِ رِوايَةٌ، إذا أثْبَتَ الحادِثَ الظَّاهِرَ، ولو باسْتِفاضَةٍ، أنَّه لا يَحْلِفُ. ويأْتِي نَظيرُ ذلك في الوَديعَةِ (1).

قوله: ولو قال: بِعْتُ الثَّوْبَ، وقَبَضْتُ الثَّمَنَ، فتَلِفَ. فالقَوْلُ قَوْلُه. هذا المذهبُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ. قال في «الفائقِ»: قُبِلَ قَوْلُه في أصح الوَجْهَين.

(1) في الأصل: «الرد بعينه» ، وفي 1:«الرد بعيبه» . وسيأتي ذلك في، كتاب الوديعة.

ص: 539

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «النَّظْمِ». قال في «الرِّعايتَين»: قُبِلَ قَوْلُ الوَكِيلِ، في الأشْهَرِ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: لا يُقْبَلُ قَوْلُه. وهو احْتِمال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وأطْلَقهما في «الكافِي» .

فائدة: لو وَكَّلَه في شِراءِ عَبْدٍ، فاشْتَراه، واخْتَلَفا في قَدْرِ الثَّمَنِ؛ فقال: اشْتَرَيتُه بأَلْفٍ. فقال المُوَكِّلُ: بل بخَمْسِمِائَةٍ. فالقَوْلُ قَوْلُ الوَكِيلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ». وقال القاضي: القَوْلُ قَوْلُ المُوَكِّلِ، إلَّا أنْ يكونَ عَيَّنَ له الشِّراءَ بما ادَّعاه الوَكِيلُ، فيكونَ القَوْلُ قوْلَه.

ص: 540

وَإِنِ اخْتَلَفَا في رَدِّهِ إِلَى الْمُوَكِّلِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ إِنْ كَانَ مُتَطَوِّعًا.

وَإِنْ كَانَ بِجُعْلٍ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

قوله: وإنِ اخْتَلَفا في رَدِّه إلى المُوَكِّلِ، فالقَوْلُ قَوْلُه، إِنْ كانَ مُتَطَوِّعًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به الأكثرُ. وقيل: لا يُقْبَلُ قَوْلُه إلّا ببَيِّنَةٍ. ذكَرَه في «الرِّعايةِ» .

وإنْ كانَ بجُعْلٍ، فعلى وَجْهَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،

ص: 541

وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ في الْأَجِيرِ وَالْمُرْتَهِنِ.

ــ

و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، يُقْبَلُ قَوْلُه مع يَمِينِه، كالوَصِيِّ. نصَّ عليه، وهو المذهبُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . واخْتارَه القاضي في «خِلافِه» ، وابنُه أبو الحُسَينِ، والشَّرِيفُ أبو جَعْفَرٍ، وأبو الخَطَّابِ في «خِلافِه» ، وغيرُهم، وسواءٌ اخْتَلَفا في رَدِّ العَينِ أو ردِّ ثَمَنِها. والوَجْهُ الثَّاني، لا يُقْبَلُ قَوْلُه إلَّا ببَيِّنَةٍ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وابنُ أبِي مُوسى، والقاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهم.

قوله: وكذلك يُخَرَّجُ في الأجِيرِ والمُرْتَهِنِ. وكذا قال في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. قال في «الفائقِ»: والوَجْهان في الأجيرِ والمُرْتَهِنِ. انتهى. وكذا. المُسْتَأْجِرُ، والشَّرِيكُ، والمُضارِبُ، والمُودِعُ، ونحوُهم. قاله في «الرِّعايةِ» وغيرِها.

ص: 542

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتقدَّم في كلام المُصَنِّفِ، أنَّ القَوْلَ قوْلُ الرَّاهِنِ إذا ادَّعَى المُرْتَهِنُ ردَّه، وأنَّه المذهبُ. وتقدَّمَ في البابِ الذي قبلَه، أنَّ القَوْلَ قوْلُ الوَلِيِّ في دَفْعِ المالِ إلى المُوَلَّى عليه، على الصَّحيحِ. ويأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في المُضارَبَةِ، أنَّ القَوْلَ قولُ رَبِّ المالِ في رَدِّ المالِ إليه، ويأْتِي الخِلافُ فيه. ويأْتِي في كلام المُصَنِّفِ، في بابِ الوَدِيعَةِ، أنَّ القَوْلَ قولُ المُودِعِ في الرَّدِّ، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ.

فائدة: لو ادَّعَى الرَّدَّ إلى غيرِ مَنِ ائْتَمَنَه بإذْنِ المُوَكِّلِ، قُبِلَ قَوْلُ الوَكِيلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. واخْتارَه أبو الحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، قاله في

ص: 543

وَإِنْ قَال: أَذِنْتَ لِي في الْبَيعِ نَسَاءً، وَفِي الشِّرَاءِ بِخَمْسَةٍ. فَأَنْكَرَهُ، فَعَلَى وَجْهَينِ.

ــ

«القاعِدَةِ الرَّابعَةِ والأَرْبَعِين» . وقيل: لا يُقْبَلُ قوْلُه. فقِيلَ: لتَفْريطِه بتَرْكِ الإِشْهادِ على المَدْفُوعِ إليه، فلو صدَّقَه الآمِرُ على الدَّفْعِ، لم يَسْقُطِ الضَّمانُ. وقيل: بل لأنَّه ليس أمِينًا للمَأْمورِ بالدَّفْعِ إليه، فلا يُقْبَلُ قوْلُه في الرَّدِّ إليه، كالأَجْنَبِيِّ. وكلٌّ مِنَ الأقوْالِ الثَّلاثةِ قد نُسِبَ إلى الخِرَقِيِّ. هذا كلامُه في «القواعِدِ». وقال في «الفُروعِ»: فلا يُقْبَلُ قَوْلُه في دَفْعِ المالِ إلى غيرِ رَبِّه، وإطْلاقهم، ولا في صَرْفِه في وُجوهٍ عُيِّنَتْ له مِن أُجْرَةٍ لَزِمَتْه. وذكَرَه الآدَمِيُّ البَغْدادِيُّ. انتهى. وجزَم به في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، أنَّه لا يُقْبَلُ قَوْلُ كلِّ مَنِ ادَّعَى الرَّدَّ إلى غيرِ مَنِ ائْتمَنَه.

قوله: وإنْ قال: أَذِنْتَ لي في البَيعِ نَساءً، وفي الشِّراءِ بخَمْسَةٍ. فأنْكَرَه، فعلى وَجْهَين. وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» ؛ أحدُهما، القَوْلُ قَوْلُ الوَكِيلِ. وهو

ص: 544

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

المذهبُ، نصَّ عليه في المُضارِبِ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: صِدْقُ الوَكِيلِ في الإِشْهَادِ حَلِفٌ. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . والوَجْهُ الثَّاني، القَوْلُ قَوْلُ المالِكِ. اخْتارَه القاضي. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الكافِي» .

ص: 545

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فائدة: وكذا الحُكْمُ لو قال: أَذِنْتَ لي في البَيعِ بغيرِ نَقْدِ البَلَدِ. أو اخْتَلَفا في صِفَةِ الإِذْنِ. وكذا حُكْمُ المُضارِبِ في ذلك كلِّه. نصَّ عليه، واخْتارَه المُصَنِّفُ. فعلى الوَجْهِ الثَّانِي، إذا حلَف المالِكُ، بَرِئَ مِنَ الشِّراءِ. فلو كان المُشْتَرَى جارِيَةً، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ الشِّراءُ بعَينِ المالِ، أو في الذِّمَّةِ؛ فإنْ كان بعَيْنِ المالِ، فالبَيعُ باطِلٌ، وتُرَدُّ الجارِيَةُ على البائعِ، إنِ اعْتَرفَ بذلك. وإنْ كذَّبه في الشِّراءِ لغيرِه، أو بمالِ غيرِه بغيرِ إذْنِه، فالقَوْلُ قولُ البائعِ. فلو ادَّعَى الوَكيلُ عِلْمَه بذلك، حلَف أنَّه لا يَعْلَمُ أنَّه اشْتَراه بمالِ مُوَكِّلِه، فإذا حلَف مضَى البَيعُ، وعلى الوَكِيلِ غَرامَةُ الثَّمَنِ لمُوَكِّلِه، ودَفْعُ الثَّمَنِ إلى البائعِ، وَتبْقَى الجارِيَةُ

ص: 546

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في يَدِه، لا تحِلُّ له، فإنْ أرادَ اسْتِحْلالها، اشْتَراها ممَّن هي له في الباطِنِ؛ لتَحِلَّ له ظاهِرًا وباطِنًا. فلو قال: بِعْتُكها، إنْ كانَتْ لي. أو: إنْ كُنْتُ أَذِنْتُ لك في شِرائِها بكذا، فقد بِعْتُكها. ففي صِحَّتِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «القَواعِدِ» ؛ أحدُهما، لا يصِحُّ؛ لأنَّه بَيعٌ مُعَلَّق على شرْطٍ. اخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . والوَجْهُ الثَّاني، يصِحُّ؛ لأنَّ هذا واقِعٌ يعْلَمان وُجودَه، فلا يَضُرُّ جَعْلُه شَرْطًا، كما لو قال: بِعْتُك هذه الأَمَةَ. إنْ كانتْ أمَةً. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وهو احْتِمال في «الكافِي» ، ومال إليه هو، وصاحِبُ «القَواعِدِ» . وكذا كل شَرْطٍ عَلِما وُجودَه، فإنَّه لا يُوجِبُ وُقوفَ البَيعَ، ولا يُؤَثِّرُ فيه شَكًّا أصلًا. وقد ذكَر ابنُ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، أنَّ أصْلَ هذا قوْلُهم في الصَّوْم: إنْ كان غدًا مِن رَمَضانَ، فهو فرْضِي، وإلَّا فنَفْلٌ. وذكَر في «التَّبْصِرَةِ» ، أنَّ التَّصَرفاتِ كالبَيعِ نَساءً. انتهى.

تنبيه: لو امْتَنَعَ مِن بَيعِها مَن هي له في الباطِنِ، رفَع الأمْرَ إلى الحاكمِ؛ ليَرْفُقَ به ليَبِيعَه إياها، ليثْبُتَ له المِلْكُ ظاهِرًا وباطِنًا، فإنِ امْتَنَعَ، لم يُجْبَرْ عليه، وله بَيعُها

ص: 547

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

له ولغيرِه. قال في «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصولِ»: ولا يَسْتَوْفِيه مَن تحتَ يدِه، كسائرِ الحُقوقِ. قال الأَزَجيُّ: وقيل: يَبِيعُه، ويأْخُذُ ما غَرِمَه مِن ثَمَنِه. وقال في «التَّرْغيبِ»: الصَّحيحُ، أنَّه لا يحِلُّ. وهل تُقَرُّ بيَدِه، أو يأْخُذُها الحاكِمُ كمالٍ ضائعٍ؟ على وَجْهَين. انتهى. وإنِ اشْتَراها في الذِّمَّةِ، ثم نقَد الثَّمَنَ، فالبَيعُ

ص: 548

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صحيحٌ، ويَلْزَمُ الوَكِيلَ في الظَّاهِرِ. فأمَّا في الباطِنِ؛ فإنْ كان كاذِبًا في دَعْواه، فالجارِيَةُ له، وإنْ كان صادِقًا، فالجارِيَةُ لمُوَكِّلِه، فإنْ أرادَ إحْلالها، توَصَّلَ إلى شِرائِها منه كما ذكَرْنا أوَّلًا. وكلُّ مَوْضِعٍ كانتْ للمُوَكِّلِ في الباطِنِ، وامْتَنَعَ مِن بَيعِها للوَكِيلِ، فقد حصَلَتْ في يَدِ الوَكِيلِ وهي للمُوَكِّلٍ، وفي ذمَّتِه ثَمَنُها للوَكِيلِ. فأَقْرَبُ الوُجوهِ، أنْ يأْذَنَ الحاكِمُ في بَيعِها، ويُوَفِّيَه حقَّه مِن ثَمَنِها،

ص: 549

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فإنْ كانتْ للوَكِيلِ، فقد بِيعَتْ بإذْنِه، وإنْ كانتْ للمُوَكِّلِ، فقد باعَها الحاكِمُ في إيفاءِ دَينٍ امْتنَعَ المَدِينُ مِن وَفائِه. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وقد قيلَ غيرُ

ص: 550

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ذلك. وهذا أقْرَبُ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى. وإنِ اشْتَراها الوَكِيلُ مِنَ الحاكمِ بما له على المُوَكِّلِ، جازَ. وقال الأَزَجِيُّ: إنْ كان الشِّراءُ في الذِّمَّةِ، وادَّعَى أنَّه يَبْتاعُ بمالِ الوَكالةِ، فصَدَّقَه البائعُ أو كذَّبهَ، فقِيلَ: يَبْطُلُ، كما لو كان الثَّمَنُ مُعَينًا، وكقَوْلِه: قُبِلَ النِّكاحُ لفُلانٍ الغائبِ. فيُنْكِرُ الوَكالةَ. وقيل: يصِحُّ، فإذا حلَف المُوَكِّلُ ما أَذِنَ له، لَزِمَ الوَكِيلَ.

ص: 551

وَإِنْ قَال: وَكَّلْتَنِي أَنْ أتَزَوَّجَ لَكَ فُلَانَةً، فَفَعَلْتُ. وَصَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ، فَأَنْكَرَهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ بِغَيرِ يَمِينٍ. وَهَلْ يَلْزَمُ الْوَكِيلَ نِصْفُ الصَّدَاقِ؟ عَلَى وَجْهَينِ.

ــ

قوله: وإِنْ قال: وَكَّلْتَنِي أَنْ أَتَزَوَّجَ لك فُلانَةً، ففَعَلْتُ. وصَدَّقَتْه المَرْأةُ، فأنْكَرَه، فالقَوْلُ قَوْلُ المُنْكِرِ -نصَّ عليه- بغيرِ يَمِينٍ. قال الإِمامُ أحمدُ: لا يُسْتَحْلَفُ. قال القاضي: لأنَّ الوَكِيلَ يدَّعِي حقًّا لغيرِه. فأمَّا إنِ ادَّعَتْه المَرْأَةُ، فيَنْبَغِي أنْ تُسْتَحْلَفَ؛ لأنَّها تدَّعِي الصَّداقَ في ذِمَّتِه. وقاله الأصحابُ بعدَه. وهو صحيحٌ.

قوله: وهل يَلْزَمُ الوَكِيلَ نِصفُ الصَّداقِ؟ على رِوايتَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «الفُصولِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ،

ص: 552

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الفائقِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «شَرْحِه» ؛ إحْداهما، لا يَلْزَمُه. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» ، والمُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الكافِي» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يَلْزَمُه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «نِهايَتِه» ، و «نَظْمِها» . وصحَّحه في «النَّظْمِ» .

ص: 553

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فوائد؛ الأُولَى، يَلْزَمُ الوَكِيلَ تَطْلِيقُها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. صحَّحه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». وقيل: لا يَلْزَمُه. وهما احْتِمالان مُطْلَقان (1) في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . الثَّانيةُ، لو اتَّفَقَ على أنَّه وَكَّلَه في النِّكاحِ، فقال الوَكِيلُ: تَزَوَّجْتُ لك. وأنْكَرَه المُوَكِّلُ، فالقَوْلُ قَوْلُ

(1) في الأصل، ط:«مطلقًا» .

ص: 554

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الوَكِيلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «الفائقِ» . وعنه، القَوْلُ قَوْلُ المُوَكِّلِ؛ لاشْتِراطِ البَيِّنَةَ. اخْتارَه القاضي وغيرُه. وجزَم به في «الحاوي الصَّغِيرِ». قال في «الرِّعايتَين»: قُبِلَ قَوْلُ المُوَكِّلِ في الأقْيَسِ. وذكَرَه في «التَّلْخيصِ» ، و «التَّرغيِب» ، عن أصحابِنا، كأصْلِ الوَكالةِ. فعلى هذه الرِّوايةِ، يَلْزَمُ المُوَكِّلَ طَلاتُها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، كالأُولَى. وقيل: لا يَلْزَمُه. وعلى الرِّوايةِ الثَّانيةِ، لا يَلْزَمُ الوَكِيلَ نِصْفُ المَهْرِ إلَّا بشَرْطٍ. الثَّالثةُ، لو قال: وَكَّلْتَني في بَيعِ كذا. فأنْكَرَ المُوَكِّلُ، وصدَّقَ البائعُ، لَزِمَ وَكِيلَه، في ظاهرِ كلامِ المُصَنِّفِ. قاله في «الفُروعِ» ، وقال: وظاهِرُ كلامِ

ص: 555

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

غيرِه، أنَّه كمَهْرٍ، أو لا يَلْزَمُه شيءٌ؛ لعَدَمِ تَفْريطِه بتَرْكِ البَيِّنَةِ. قال: وهو أظْهَرُ. الرَّابعةُ، قوْلُه: فلو قال: بعْ ثَوْبِي بعَشَرَةٍ، فما زادَ، فلكَ. صَحَّ. نَصَّ عليه. قال الإِمامُ أحمدُ: هل هذا إلَّا كالمُضارَبَةِ؟ واحْتَجَّ له بقَولِ ابنِ عَبَّاسٍ، يعْنِي، أنَّه أجازَ ذلك، وهو مِن مُفْرَداتِ المذهبِ. لكِنْ لو باعَه نسِيئَةً بزِيادَةٍ؛ فإنْ قُلْنا: لا يصِحُّ البَيعُ. فلا كلامَ. وإنْ قُلْنا: يصِحُّ. اسْتَحَقَّ الزِّيادَةَ. جزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. الخامِسةُ، يَسْتَحِقُّ الجُعْلَ قبلَ قَبْضِ الثَّمَنِ، ما لم يَشْتَرِطْ

ص: 556

وَيَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِجُعْلٍ وَبِغَيرِهِ، فَلَوْ قَال: بِعْ ثَوْبِي بِعَشَرَةٍ، فَمَا زَادَ فَلَكَ. صَحَّ. نَصَّ عَلَيهِ.

ــ

عليه المُوَكِّلُ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» وقال في «الفُروعِ»: وهل يَسْتَحِقُّ الجُعْلَ قبلَ تَسْليمِ ثَمَنِه؟ يتَوَجَّهُ فيه خِلافٌ. السَّادسةُ، يجوزُ تَوْكِيلُه بجُعْلٍ مَعْلوم أيَّامًا معْلُومَةً، أو يُعْطِيه (1) مِنَ الألْفِ شيئًا مَعْلومًا، لا مِنْ كلِّ ثَوْبٍ كذا، لم يصِفْه، ولم يُقَدِّرْ ثَمَنَه في ظاهرِ كلامِه، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» ، وله أَجْرُ مِثْلِه، وإنْ عيَّن الثِّيابَ المُعَيَّنَةً في بَيعٍ، أو شِراءٍ

(1) في الأصل، ط:«بعضه» . انظر الفروع 4/ 372.

ص: 557

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مِن مُعَيَّنٍ، ففي الصِّحَّةِ خِلافٌ. قاله في «الفُروعِ» . السَّابعةُ، لا يصِحُّ التَّوْكِيلُ بجُعْلٍ مَجْهولٍ، ولكِنْ يصِحُّ تَصَرُّفُه بالإِذْنِ، ويَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ المِثْلِ.

ص: 558

فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ عَلَيهِ حَقٌّ لإِنْسَانٍ، فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّه وَكِيلُ صَاحِبِهِ في قَبْضِهِ، فَصَدَّقَهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ الدَّفْعُ إِلَيهِ.

ــ

قوله: فإنْ كانَ عليه حَقٌّ لإنْسانٍ، فادَّعَى رَجُلٌ أنَّه وَكِيلُ صاحِبِه في قَبْضِهِ، فصَدَّقَه، لم يَلْزَمْه الدَّفْعُ إليه، وإنْ كذَّبَه، لم يُسْتَحْلَفْ -بلا نِزاعٍ، كدَعْوَى وَصِيَّةٍ- فإنْ دفَعَه إليه، فأنْكَرَ صاحِبُ الحَقِّ الوَكالةَ، حلَف، ورجَع على الدَّافِعِ

ص: 563

وَإِنْ كَذَّبَهُ، لَمْ يُسْتَحْلَفْ. فَإِنْ دَفَعَهُ إِلَيهِ، فَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْوَكَالةَ، حَلَفَ، وَرَجَعَ عَلَى الدَّافِعَ وَحْدَهُ.

ــ

وحدَه. فإن كان المَدْفوعُ وَدِيعَةً، فوجَدَها، أخَذَها، وإنْ تَلِفَتْ، فله تَضْمِينُ مَن شاءَ منهما، ولا يَرْجِعُ مَن ضَمِنَه على الآخَرِ. وقال في «الفُروعِ»: ومتى أنْكَرَ رَبُّ الحقِّ الوَكالةَ، حلَف، ورجَع على الدَّافِعَ، وإنْ كان دَينًا، وهو على الوَكِيلِ، مع بَقائِه أو (1) تَعَدِّيه، وإنْ لم يتَعَدَّ فيه، مع تَلَفِه، لم يَرْجِعْ على الدَّافِعِ. وإنْ كان عَينًا، أخَذَها، ولا يَرْجِعُ مَن ضَمِنَه على الآخَرِ. انتهى.

فائدة: متى لم يُصَدِّقِ الدَّافِعُ الوَكِيلَ، رجَع عليه. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ وفاقًا، وقال: مُجَرَّدُ التَّسْليمِ ليس تَصْدِيقًا. وقال: وإنْ صدَّقَه، ضَمِنَ أيضًا،

(1) في الأصل، ط:«و» . انظر الفروع 4/ 374.

ص: 564

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في أحَدِ القَوْلَين، في مذهبِ أحمدَ، بل نَصَّه؛ لأنَّه إنْ لم يتَبَيَّنْ صِدْقُه، فقد غرَّه. ولو أخْبَرَ بتَوْكِيلٍ، فظَنَّ صِدْقَه، تصَرَّفَ وضَمِنَ، في ظاهرِ قوْلِه. ذكَرَه في «الفُروعِ». وقال الأَزَجِيُّ: إذا تصَرَّفَ بِناءً على هذا الخَبَرِ، فهل يَضْمَنُ؟ فيه وَجْهان. ذكَرَهما القاضي في «الخِلافِ» ؛ بِناءً على صِحَّةِ الوَكالةِ وعدَمِها، وإسْقاطِ التُّهْمَةِ في شَهادَتِه لنَفْسِه. والأصْلُ في هذا، قَبُولُ الهَدِيةِ إذا ظَنَّ صِدْقَه، وإذْنُ الغُلام في دُخولِه بِناءً على ظَنِّه. ولو شَهِدَ بالوَكالةِ اثْنان، ثم قال أحدُهما: قد عزَلَه. لَم تَثْبُتِ الوَكالةُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ» : ويتَوَجَّهُ، بلَى، كقَوْلِه بعدَ حُكْمِ الحاكمِ بصِحَّتِها، وكقَوْلِ واحدٍ غيرِهما. ولو أقاما الشَّهادَةَ حَسْبُ بلا دَعْوَى الوَكيلِ، فشَهِدا عندَ الحاكمِ، أنَّ فُلانًا الغائِبَ وَكَّلَ هذا الرَّجُلَ في كذا؛ فإنِ اعْتَرفَ، أو قال: ما عَلِمْتُ هذا، وأَنا أتَصَرَّفُ عنه، ثبَتَتْ وَكالتُه. وعَكْسُه: ما أعْلَمُ صِدْقَهما. فإنْ أطْلَقَ، قِيلَ: فَسِّرْ.

ص: 565

وَإِنْ كَانَ الْمَدْفُوعُ وَدِيعَةً، فَوَجَدَهَا، أَخَذَهَا، فَإِنْ تَلِفَتْ، فَلَهُ تَضْمِينُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا، وَلَا يَرْجِعُ مَنْ ضَمِنَهُ عَلَى الْآخَرِ.

ــ

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 566

وَإِنْ كَانَ ادَّعَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ أَحالهُ بِهِ، فَفِي وُجُوبِ الدَّفْعِ إِلَيهِ مَعَ التَّصْدِيقِ، وَالْيَمِينِ مَعَ الإِنْكَارِ وَجْهَانِ.

ــ

قوله: وإنْ كانَ ادَّعَى أنَّ صاحِبَ الحَقِّ أحاله به، ففي وُجُوبِ الدَّفْعِ إليه مع التَّصْدِيقِ، واليَمينِ مع الإِنْكارِ، وَجْهان. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «عُقودِ ابنِ البَنَّا» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ،

ص: 567

وَإِنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَاتَ، وَأَنَّهُ وَارِثُهُ، لَزِمَهُ الدَّفْعُ إِلَيهِ مَعَ التَّصْدِيقِ، وَالْيَمِينُ مَعَ الإِنْكَارِ.

ــ

و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «نِهايةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «نَظْمِها» ، و «إدْراكِ الغايةِ» ؛ أحدُهما، لا يجِبُ الدَّفْعُ إليه مع التَّصديقِ، ولا اليَمِينُ مع الإِنْكارِ، كالوَكالةِ. قال في «الفُروعَ»: هذا أوْلَى. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: هذا أشْبَهُ وأوْلَى؛ لأنَّ العِلَّةَ في وُجُودِ الدَّفْعِ إلى الوارِثِ، كوْنُه مُسْتَحِقًّا، والدَّفْعُ إليه مُبْرِئٌ، وهو مُتَخَلِّفٌ هنا، وإلحَاقُه بالوَكِيلِ أوْلَى. انتهيا. وجزَم به الآدَمِيُّ في «مُنْتَخَبِه» . وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . وهذا المذهبُ، على ما اصْطَلَحْناه في الخُطْبَةِ. قال في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ»: وذكَر ابنُ مُصَنِّفِ «المُحَرَّرِ» في «شَرْحِ الهِدايةِ» لوالدِه، أنَّ عدَمَ لُزومِ الدَّفْعِ اخْتِيارُ القاضي. والوَجْهُ الثَّاني، يجِبُ الدَّفْعُ إليه مع التَّصْديقِ، واليَمِينُ مع الإِنْكارِ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ». قال في «الرِّعايتَين»: لَزِمَه ذلك في الأصحِّ. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وصحَّحه شيخُنا في «تَصْحيح المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في «تَجْرِيدِ العِنايةِ» .

فائدة: تُقْبَلُ بَيِّنَةُ المُحالِ عليه على المُحِيلِ، فلا يُطالِبُه، وتُعادُ لغائبٍ مُحْتالٍ بعدَ دعْواه. فيَقْضِي بها له إذَنْ.

قوله: وإنِ ادَّعَى أَنَّه ماتَ، وأنا وارِثُه، لَزِمَه الدَّفْعُ إليه، مع التَّصدِيقِ، واليَمِينُ مع الإِنْكارِ. وهذا بلا نِزاعٍ، وسَواءٌ كان دَينًا أو عَينًا، وَدِيعَةً أو غيرَها. وقد تقدَّم الفَرْقُ بينَ هذه المَسْأَلَةِ وبينَ مسْأَلَةِ الحَوالةِ. واللهُ أعلمُ.

ص: 568