الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحَجْر
وَهُوَ عَلَى ضَرْبَينِ؛ حَجْرٌ لِحَقِّ الْغَيرِ، نَذْكُرُ. مِنْهُ
ــ
كِتابُ الحَجْرِ
فائدتان؛ إحْداهما، الحَجْرُ عِبارَة عن مَنْعِ الحاكِمِ مَن عليه دَينٌ حالٌّ يعْجِزُ عنه مالُه المَوْجودُ مُدَّةَ الحَجْرِ مِنَ التَّصَرُّفِ فيه.
الثَّانيةُ، قوْلُه: وهو على ضَربَين، حَجْرٌ لحَقِّ الغيرِ. وحَجْرٌ لحَقِّ نَفْسِه.
هَهُنَا الْحَجْرَ عَلَى الْمُفْلِسِ.
ــ
فالحَجْرُ لحَقِّ الغَيرِ؛ كالحَجْرِ على المُفْلِسِ، والمَريضِ بما زادَ على الثُّلُثِ، والعَبْدِ، والمُكاتَبِ، والمُشْتَرِي إذا كانَ الثَّمَنُ في البَلَدِ، على ما تقدَّم في كلامِ المُصَنِّفِ، في آخرِ فَصْلِ خِيارِ التَّوْلِيَةِ والرهْنِ (1)، والزَّوْجَةِ بما زادَ على الثُّلُثِ في التَّبَرُّعِ، على ما يأْتِي في البابِ. والحَجْرُ لحَظِّ نَفْسِه؛ كالحَجْرِ على الصَّغِيرِ والمَجْنُونِ، والسَّفِيهِ. فهذه عَشَرَةُ أسْبابٍ للحَجْرِ. وقال في «الفُروعِ»: ولا يَحْجُرُ الحاكِمُ على مُقَتِّرٍ على نَفْسِه وعِيالِه. واخْتارَ الأزَجِيُّ، بلَى. فيكونُ هذا سَبَبًا آخَرَ، على قوْلِه.
(1) في ا: «الراهن» .
وَمَنْ لَزِمَهُ دَينٌ مُؤجَّلٌ، لَمْ يُطَالبْ بِهِ قَبْلَ أجَلِهِ، وَلَمْ يُحْجَرْ عَلَيهِ مِنْ أجْلِهِ. فَإِنْ أرَادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّينُ قَبْلَ مُدَّتِهِ، فَلِغَرِيمِهِ مَنْعُهُ، إلا أَنْ يُوَثِّقَهُ بِرَهْنٍ أوْ كَفِيلٍ.
ــ
تنبيه: قوْلُه: فإنْ أرادَ سَفَرًا يَحِلُّ الدَّينُ قبلَ مُدَّتِه، فلغَريمِه مَنْعُهْ، إلا أنْ يُوَثِّقَه برَهْنٍ، أو كَفِيلٍ. بلا نِزاعٍ. لكِنْ مِن شَرْطِ الكَفِيلِ، أنْ يكونَ مَلِيئًا. ذكَرَه الأصحابُ. وهو واضحٌ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَحِلُّ قَبْلَهُ، فَفِي مَنْعِهِ رِوَايَتَانِ.
ــ
قوله: وإنْ كان لا يَحِلُّ قبلَه، ففي مَنْعِه رِوايَتان. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «خِصالِ ابنِ البَنَّا» ، و «الشرْحِ» ، و «الفاسِّ» ، و «الحاوي» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم؛ إحْداهما، له مَنْعُه. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: فله مَنْعُه على الأصَحِّ. وصحَّحَه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «البُلْغَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ». واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه». وقدَّمه في «المُحَرَّرِ». قال في «المُذْهَبِ»: مُنِعَ في ظاهرِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المذهبِ. والثَّانيةُ، ليس له مَنْعُه. وهو ظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، و «العُدَّةِ» . واخْتارَه القاضي. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» .
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ الرِّوايَتَين في السَّفَرِ، سواءٌ كان مَخُوفًا أو غيرَ مَخُوفٍ. وهو ظاهرُ كلامِه في «لهِدايَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. ولعَلَّه الصَّوابُ. ومحَلُّهما عندَ صاحِبِ «الفُروعِ» ، إذا كان السَّفَرُ مَخُوفًا، كالجِهادِ ونحوه. وحكَى في السَّفَرِ غيرِ المَخُوفِ وَجْهَين. قال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ»: فإنْ أرادَ سفَرًا مُدَّةً قبلَ أجَلِ الدَّينِ، جازَ كالجِهادِ. وأدْخَلَ صاحِبُ «الواضِحِ» في السَّفَرِ المَخُوفِ، الحَجَّ. ومحَلُّهما عندَ المُصَنِّفِ و «المُغْنِي» ، وابنِ البَنَّا، وصاحِبِ «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاوي الكَبِيرِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، في غيرِ الجِهادِ، [فأمَّا في الجِهادِ](1)، فيُمْنَعُ، حتى يُوَثِّقَه برَهْنٍ أو ضَمِينٍ، على رِوايَةٍ واحِدَةٍ. وظاهرُ كلامِه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، أنَّ محَلَّ الخِلافِ في غيرِ الجِهَادِ، وأنَّ الجِهادَ لا يُمْنَعُ منه، قوْلًا واحِدًا؛ لأنَّه قال: ومَن عليه دَينٌ مُوجَّلٌ، فله السَّفَرُ دُونَ أجَلِه. وعنه، لا يُسافِرُ غيرُ مُجاهِدٍ، حتى يأْتِيَ برَهْنٍ أو ضَمِينٍ.
(1) في الأصل، ط:«وأما الجهاد» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وتقدَّم كلامُه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، فإنَّ ظاهِرَه كذلك. فلَعلَّهما أرادا إذا تعَيَّنَ عليه، وإلَّا فبَعِيدٌ. وقد تقدَّم في أوَّلِ كتابِ الجِهادِ، أنَّه لا يُجاهِدُ مَن عليه دَينٌ لا وَفاءَ له، إلَّا بإذْنِ غَرِيمِه. على الصَّحيحِ. وذكَرْنا هناك الخِلافَ، وأنَّ لنا قوْلًا: لا يَسْتَأْذِنُه في الجِهادِ إذا كان الدَّينُ مُؤجَّلًا. وقَوْلًا: إذا كان المَدْيُونُ جُنْدِيًّا مَوْثُوقًا به، لا يَسْتَأذِنُه، ويَسْتَأذِنُه غيرُه. ومَحَلُّهما عندَ المُصَنِّفِ أيضًا، والشَّارِحِ، وجماعَةٍ، إذا كانَ السَّفَرُ طَويلًا؛ لأنَّهم علَّلُوا رِوايَةَ عدَمِ المَنْعِ، فقالُوا: لأنَّ هذا السَّفَرَ ليس بأمارَةٍ على مَنْعِ الحَقِّ في محِلِّه، فلم يَمْلِكْ مَنْعَه منه، كالسَّفَرِ القَصِيرِ. ولعَلَّه أوْلَى. فهذه سِتُّ طُرُقٍ في محَلِّ الخِلافِ.
فائدتان؛ إحْداهما، اخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، أنَّ مَن أرادَ سفَرًا، وهو عاجِزٌ عن وَفاءِ دَينِه، أنَّ لغَرِيمِه مَنْعَه حتى يُقِيمَ كَفِيلًا ببَدَنِه. قال في «الفُروعِ»: وهو مُتَّجِهٌ. قلتُ: مِن قَواعِدِ المذهبِ، أنَّ العاجِزَ عن وَفاءِ دَينِه، إذا كان له حِرْفةٌ، يُلْزَمُ بإيجارِ نَفْسِه لقَضاءِ الدَّيْنِ. فلا يبْعُدُ أنْ يُمْنَعَ، ليَعْمَلَ. الثَّانيةُ، لو طُلِبَ منه دَينٌ حالٌّ يقْدِرُ على وَفائِه، فسافَرَ قبلَ وَفائِه، لم يَجُزْ له أنْ يَترَخَّصَ. على الصَّحيحِ
وَإنْ كَانَ حَالًّا، وَلَهُ مَالٌ يَفِي بِهِ، لَمْ يُحْجَرْ عَلَيهِ، وَيَأْمُرُهُ الْحَاكِمُ بِوَفَائِهِ، فَإِنْ أَبَى حَبَسَهُ.
ــ
مِنَ المذهبِ. وقيل: يجوزُ. وإنْ لم يُطْلَبْ منه الدَّينُ الحالُّ، أو يحِلَّ في سفَرِه. فقيلَ: له القَصْرُ والتَّرَخُّصُ، لِئَلَّا يُحْبَسَ قبلَ ظُلْمِه، كحَبْسِ الحاكمِ. وقيل: لا يجوزُ له ذلك إلَّا أنْ يُوَكِّلَ في قَضائِه، لِئَلَّا يَمْنَعَ به واجِبًا. ذكَر هذَين الوَجْهَين ابنُ عَقِيل. وأطْلَقَهما في «القاعِدَةِ الثالِثَةِ والخَمْسِين» ، وأطْلَقَهما ابنُ تَمِيمٍ في بابِ قَصْرِ الصَّلاةِ، وكذا ابنُ حَمْدانَ. وقيل: إنْ سافَرَ وَكِيلٌ في القَضاءِ، لم يتَرَخَّصْ. قلتُ: يحْتَمِلُ أنْ يُبْنَى الخِلافُ هنا على الخِلافِ في وُجوبِ الدَّفْعِ قبلَ الطَّلَبِ وعدَمِه، على ما تقدَّم في آخِرِ باب القَرْضِ. والمذهبُ، لا يجِبُ قبلَ الطلَبِ، فله القَصْرُ. وأطْلَقَهُنَّ في «الفُروعِ» .
قوله: وإنْ كان حَالًّا، وله مَالٌ يَفِي به، لم يُحْجَرْ عليه، ويَأْمُرُه الحاكِمُ بوَفائِه،
فَإِنْ أَصَرَّ، بَاعَ مَالهُ، وَقَضَى دَينَهُ.
ــ
فإنْ أبى، حبَسَه. القَوْلُ بالحَبْسِ، اخْتارَه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به أكثرُهم، وعليه العَمَلُ. وهو الصَّوابُ. ولا تخْلُصُ الحُقوقُ في هذه الأزْمِنَةِ غالِبًا إلَّا به، وبما هو أشَدُّ منه. وقال ابنُ هُبَيرَةَ في «الإفْصاحِ»: أوَّلُ مَن حبَس على الدَّينِ، شُرَيحٌ القاضي، ومضَتِ السُّنَّةُ في عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وأبِى بَكْرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، أنَّه لا يُحْبَسُ على الدُّيونِ، لكِنْ يتَلازَمُ (1) الخَصْمان. وأمَّا الحَبْسُ الآنَ كل الدَّينِ، فلا أعْلَمُ أنَّه يجوزُ عندَ أحَدٍ مِنَ المُسْلِمِين. وتكَلَّمَ على ذلك وأطال. ذكَرَه في «الفُروعَ» ، و «الطَّبَقَاتِ» .
فائدة: إذا حُبِسَ، فليس للحاكِمِ إخْراجُه حتى يَتَبَيَّنَ له أمْرُه، أو يُبَرِّئَه غَرِيمُه، أو يَرْضَى بإخْراجِه. فإذا تبَيَّنَ أمْرُه، لم يسَعِ الحاكِمَ حَبْسُه، ولو لم يَرْضَ غَرِيمُه؛ لأنَّه ظُلْمٌ محْضٌ.
قوله: فإنْ أصَرَّ، باعَ ما لَه، وقضَى دَينَه. إذا أصَرَّ على الحَبْسِ، فقال المُصَنِّفُ هنا: يَبِيعُ الحاكِمُ ماله، ويقْضِي دَينَه، مِن غيرِ ضَرْبٍ (2). قال في «الفائقِ»:
(1) في الأصل، ط:«لا يتلازم» .
(2)
في الأصل، ط:«ضرر» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أبَى الضَّرْبَ الأكْثَرُون. وقال جماعةٌ مِنَ الأصحابِ: إذا أصَرّ على الحَبْسِ، وصبَر عليه، ضرَبَه الحاكِمُ. نقَلَه حَنْبَلٌ. ذكَرَه عنه في «المُنْتَخَبِ» وغيرِه. قال في «الفُصولِ» وغيرِه: يَحْبِسُه، فإنْ أبَى، عزَّرَه. قال: ويُكَرِّرُ حَبْسَه وتَعْزِيرَه حتى يَقْضِيَه. قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: نصَّ عليه الأئمَّةُ مِن أصحابِ أحمدَ وغيرِهم، ولا أعْلَمُ فيه نِزاعًا، لكِنْ لا يُزادُ في كل يَوْم على أكثرِ التَّعْزيرِ، إنْ قِيلَ بتَقْديرِه.
انتهى.
فائدتان؛ إحْداهما، متى باعَ الحاكِمُ عليه، فقال في «الفُروعِ»: ذكَر جماعَةٌ أنَّه يُحْبَسُ، فإنْ لم يَقْضِه، باعَ الحاكِمُ وقَضاه. فظاهِرُه، يجِبُ على الحاكِمِ بَيعُه. نقَل حَنْبَلٌ، إذا تَقاعَدَ بحُقوقِ النَّاسِ، يُباعُ عليه، ويُقْضَى. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لا يَلزَمُه أنْ يَبِيعَ عليه. وقال أيضًا: مَن طُولِبَ بأداءِ حقٍّ عليه، فطَلَب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
إمْهالًا، أُمْهِلَ بقَدْرِ ذلك اتِّفاقًا، لكِنْ إذا خافَ غَرِيمُه منه، احْتاطَ عليه بمُلازَمَةٍ، أو كَفِيلٍ، أو تَرْسيمٍ عليه. الثَّانيةُ، لو مطَل غَرِيمَه حتى أحْوَجَه إلى الشِّكايَةِ، فما غَرِمَه بسَبَبِ ذلك يَلزَمُ (1) المُماطِلَ. جزَم به في «الفُروعِ». قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا. قلتُ: ونَظِيرُ ذلك ما ذكَرَه المُصَنِّفُ، والأصحابُ، في بابِ اسْتِيفاءِ القِصاصِ، في أثْناءِ فَصْلِ، ولا يُسْتَوْفَى القِصاصُ إلَّا بحَضْرَةِ السُّلْطانِ. ثم قال:[وإلَّا أمَرَه](2) بالتَّوْكِيلِ، وإنِ احْتاجَ إلى أُجْرَةٍ، فمِن مالِ الجانِي. وكذا أُجْرَةُ القَطْعِ في السَّرِقَةِ على السَّارِقِ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، في بابٍ مِنَ الدَّعاوَى: وإنْ أحْضَرَ المُدَّعَى به، ولم يَثْبُتْ للمُدَّعِي، لَزِمَه مُؤْنَةُ إحْضارِه ورَدِّه، وإلَّا لَزِما المُنْكِرَ. وتقدَّم كلامُ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ في الضَّمانِ، إذا تَغَيَّبَ المَضْمونُ عنه حتى غَرِمَ الضَّامِنُ شيئًا بسَبَبِه، أو أنْفَقَه في الحَبْسِ، أنَّه يَرْجِعُ به على المَضْمونِ عنه. وقال أيضًا: لو غَرِمَ بسَبَبِ كَذِبٍ عليه عندَ وَلِيِّ الأمْرِ، رجَع به على الكاذِبِ. ذكَرَه عنه في «الفُروعِ» ، في أوائلِ الفَصْلِ الأوَّلِ، مِن كتابِ الغَصْبِ.
(1) في الأصل، ط:«فلا يلزم» . انظر: الفروع 4/ 292. ومجموع فتاوى ابن تيمية 30/ 25.
(2)
في الأصل، ط:«والأمر» .
وَإنِ ادَّعَى الإِعْسَارَ، وَكَانَ دَينهُ عَنْ عِوَضٍ، كَالْبَيعِ وَالْقَرْضِ، أَوْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ سَابِقٌ، حُبِسَ، إلا أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى نَفَادِ مَالِهِ وَإِعْسارِهِ. وَهَلْ يَحْلِفُ مَعَهَا؟ عَلَى وَجْهَينِ. وَإنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، حَلَفَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ.
ــ
قوله: وإنِ ادَّعَى الإِعْسارَ، وكان دَينُه عن عِوَضٍ، كالبَيعِ والقَرْضِ، أو عُرِفَ له مَالٌ سابِقٌ، حُبِسَ، إلَّا أنْ يُقِيمَ البَيَّنَةَ على نَفادِ مَالِه، أو إعْسَارِه، وهل يَحْلِفُ معها؟ على وَجْهَين. إذا ادَّعَى الإعْسارَ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ دَينُه عن عِوَضٍ، أو يُعْرَفَ له مالٌ سابِقٌ، أو غيرَ ذلك. فإنْ كان دَينُه عن عِوَضٍ؛ كالبَيعِ، والقَرْضِ، ونحوهما، والغالِبُ بَقاؤُه، أو عن غيرِ مالٍ، كالضَّمانِ، ونحوه، وأقَرَّ أنَّه مَلِئٌ، أو عُرِفَ له مالٌ سابِقٌ، لم يُقْبَلْ قوْلُه إلا ببَيِّنَةٍ. ثم إن البَيِّنَةَ. لا تَخْلُو؛ إمَّا أنْ تَشْهَدَ بنَفادِ مالِه، أو إعْسارِه. فإنْ شَهِدَتْ بنَفادِ مالِه أو تنفِه، حلف معها، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، أنْ لا مال له في الباطِنِ. قال في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: ويَحْلِفُ معها على الأصحِّ. قال في «الفائقِ» : حلَف معها في أصحِّ الوَجْهَين. وجزَم به في «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» . وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصغْرَى» ، و «الحاويَيْن» . والوَجْهُ الثَّانِي، لا يَحْلِفُ مع بَيِّنَةٍ هنا. وإنْ شَهِدَتْ بإعْسارِه، فلا بُدَّ أنْ تكونَ البَيِّنَةُ ممَّن يُخْبِرُ باطِنَ حالِه؛ لأنَّها شَهادَةٌ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
على نَفْي، قُبِلَتْ للحاجَةِ، ولا حَلِفَ معها. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «الفُروعِ»: ولم يَحْلِفْ معها، على الأصحِّ؛ لئَلَّا يكونَ مُكَذِّبًا لبَيِّنَتِه. وجزَم به في «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» . وقدَّمه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» . والوَجْهُ الثَّانِي، يحَلِفُ معها. وذكَر ابنُ أبِي مُوسى، عن بعضِ الأصحاب، أنَّه يَحْلِفُ مع بَيِّنَتِه أنَّه مُعْسِرٌ؛ لأنَّها تَشْهَدُ بالظَّاهرِ.
فوائد؛ إحْداها، يُكْتَفَى في البَيِّنةِ أنْ تَشْهَدَ بالتَّلَفِ، أو بالإِعْسارِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المُحَقَّقُ؛ وفاقًا للمَجْدِ وغيرِه. قلتُ: وجزَم به المُصَنِّفُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، أنه لا يُكْتَفَى في الشَّهادَةِ بالإِعْسارِ، بل لا بدَّ مِنَ الشهادَةِ بالتَّلَفِ والإِعْسارِ معًا. وكذا قال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، فإنَّهم قالُوا: تَشْهَدُ بذَهابِه وإعْسارِه، لا أنَّه لا يَمْلِكُ شيئًا. الثَّانيةُ، تُسْمَعُ بَينةُ إعْسارِه ونحوُها قبلَ حَبْسِه وبعدَه، ولو بيَوْمٍ. قاله الأصحابُ. الثَّالِثَةُ، إذا لم يَكُنْ لمُدَّعِي الإِعْسارِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بَيِّنَةٌ، والحالةُ ما تقدَّم، كان القَوْلُ قَوْلَ غَرِيمِه مع يَمِينِه؛ أنَّه لا يَعْلَمُ عُسْرَتَه بدَينِه، وكان له حَبْسُه، ومُلازَمتُه. قاله في «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وغيرِهم. وقال في «التَّرْغِيبِ»: إنْ حلَف أنه قادِرٌ، حبَسَه، وإلَّا حلَف المُنْكِرُ عليهما، وخُلِّيَ. ونقَل حَنْبَلٌ، يُحْبَسُ إنْ عُلِمَ له ما يَقْضِي. وفي «المُسْتَوْعِبِ» ، إنْ عُرِفَ بمالٍ، أو أقَرَّ أنَّه (1) مَلِئٌ به، وحلَف غَرِيمُه أنَّه لا يعْلَمُ عُسْرَتَه، حُبِسَ. وفي «الرِّعايَةِ»: يَحْلِفُ أنَّه مُوسِرٌ بدَينِه، ولا يعْلَمُ إعْسارَه به. وفي «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، إذا حلَف أنه ذو مالٍ، حُبِسَ. وقال في
(1) في الأصل، ط:«به» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» : وظاهِرُ كلامِ جماعَةٍ، أنَّه لا يَحْلِفُ إلَّا أنْ يَدَّعِيَ المَدْيونُ تَلَفًا أو إعْسارًا، أو يَسْأَلَ سُؤاله، فتَكُونُ دَعْوَى مُسْتَقِلَّةً. فإنْ كان له ببَقاءِ مالِه أو قُدْرَتِه بَيِّنَةٌ (1)، فلا كَلامَ، وإلَّا فيَمِينُ صاحِبِ الحقِّ بحَسَبِ جَواب المَدْيونِ كسائرِ الدَّعاوَى. قال في «الفُروعِ»: وهذا أظْهَرُ، وهو مُرادُهم، لأنَّه ادَّعَى الإعْسارَ، وأنَّه يعْلَمُ ذِلك، وأنْكَرَه. انتهى. وحيثُ قُلْنا: يَحْلِفُ صاحِبُ الحقِّ. وأبَى، حلَف الآخرُ، وخُلِّيَ سَبِيلُه. الرَّابعَةُ، يُكْتَفَى في البَيِّنَةِ هنا باثْنَين. على الصَّحيحِ
(1) في الأصل، ط:«عليه» . وانظر الفروع 4/ 293.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يَكْفِي أقَلُّ مِن ثَلاثةٍ، كمَن يُرِيدُ أخْذَ الزَّكاةِ، وكان مَعْروفًا بغِنًى، وادَّعَى الفَقْرَ. على ما تقدَّم في أواخِرِ باب ذِكْرِ أهْلِ الزَّكاةِ.
قوله: وإنْ لم يَكُنْ كذلك، حلَف وخُلِّيَ سَبِيلُه. أي، وإنِ ادَّعَى الإعْسارَ، ولم يُعْرَفْ له مالٌ سابِقٌ، ودَينُه عن غيرِ عِوَضٍ، ولم يُقَرَّ بالمَلاءَةِ به، أو عُرِفَ له مالٌ سابِقٌ والغالِبُ ذَهابُه. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه حماهيرُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الأصحابِ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَعْروفُ في المذهبِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال في «التَّرْغِيبِ»: يُحْبَسُ إلى ظُهورِ إعْسارِه. وقال في «البُلْغَةِ» : إلى أنْ يَثْبُتَ إعْسارُه. وظاهرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، أنَّ حُكْمَه حُكْمُ مَن عُرِفَ بمالٍ، أو كان دَينُه عن عِوَض. على ما تقدَّم.
فائدتان؛ إحْداهما، لو قامَتْ بَيِّنَةٌ للمُفْلِسِ بمالٍ مُعَيَّنٍ، فأنْكَرَ، ولم يُقِرَّ به لأحَدٍ، وقال: هو لزَيدٍ فكَذَّبَه زَيدٍ، قُضِيَ دَينُ المُفْلِسِ منه. وإنْ صدَّقَه زَيدٌ، فهل يُقْضَى دَينُ المُفْلِسِ منه؟ على وَجْهَين. وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يُقْضَى منه، ويكونُ لزَيدٍ مع يَمِينِه؛ لاحْتِمالِ التَّواطُؤ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «ابنِ رَزِينٍ» ، و «النَّظْمِ». قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فإنْ أقَرَّ أنَّه لزَيدٍ مُضارَبَةً، قُبِلَ قوْلُه مع يَمِينِه، إنْ صدَّقَه زَيدٌ، أو كان غائبًا. والثَّاني، يُقْضَى منه دَينُه. وعلى الوَجْهَين، لا يَثْبُتُ المِلْكُ للمَدِينِ؛ لأنَّه لا يدَّعِيه. قال في «الفُروعِ»: فظاهِرُ هذا، أن البَيِّنَةَ هنا لا يُعْتَبرُ لها تقدُّمُ دَعْوَى، وإنْ كانَ للمُقَر له المُصَدِّقِ بَيِّنَة، قُدِّمَتْ؛ لإقْرارِ رَبِّ اليَدِ. وفي «المُنْتَخَبِ» ، بَيِّنَةُ المُدَّعِي؛ لأنَّها خارِجَةٌ. الثَّانيةُ، يَحْرُمُ على المُفْلِسِ أنْ يَحْلِفَ أنَّه لا حَقَّ عليه، ويَتأوَّلَ. جزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. قلتُ: لو قِيلَ بجَوازِه -إذا تحَقَّقَ ظُلْمُ رَبِّ الحقِّ له، وحَبْسُه، ومَنْعُه مِنَ القِيامِ على عِيالِه- لكان له وَجْهٌ.
وَإنْ كَانَ لَهُ مَالٌ لَا يَفِي بِدَينِهِ، فَسَألَ غُرَمَاؤُهُ الْحَاكِمَ الْحَجْرَ عَلَيهِ، لَزِمَتْهُ إِجَابَتُهُمْ.
ــ
قوله: وإنْ كان له مالٌ لا يَفِي بدَينِه، وسأَل غُرَماؤُه الحَاكِمَ الحَجْرَ عليه، لَزِمَه إجابَتُهم. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. واخْتارَ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، إنْ ضاقَ مالُه عن دُيونِه، صارَ مَحْجُورًا عليه بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ. وهو رِوايَةٌ عن أحمدَ. ويأْتِي مَعْنَى ذلك قَرِيبًا.
تنبيهات؛ أحدُها، قوْلُه: وإنْ كان له مالٌ لا يَفِي بدَينِه. هكذا عِبارَةُ أكثرِ الأصحابِ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : ومَن له دُونَ ما عليه مِن دَينٍ حالٍّ، أو قَدْرُه، ولا كَسْبَ له، ولا ما يُنْفِقُ منه غيرَه، أو خِيفَ تَصَرُّفُه فيه. الثَّاني، ظاهرُ قوْلِه: فسألَ غُرَماؤُه الحَجْرَ. أنَّه لو سَألَه البعضُ الحَجْرَ عليه، لم يَلْزَمْه
وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُهُ وَالإِشْهَادُ عَلَيهِ.
ــ
إجابَتُهم. وهو ظاهِرُ «المُغْنِي» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاوي» ، وجماعَةٍ. وهو أحَدُ الوَجْهَين. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . والوَجْهُ الثَّانِي، يَلْزَمُه إجابَتُهم أيضًا. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: لَزِمَ الحَجْرُ عليه بطَلَبِ غُرَمائِه. والأصحُّ، أو بعضِهم. قال في «تَجْريدِ العِنايَةِ»: هذا الأظْهَرُ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» . وهو الصَّوابُ. الثَّالثُ، ظاهِرُ كلامِه أيضًا،
أنَّ المُعْسِرَ لو طلَب الحَجْرَ على نَفْسِه مِنَ الحاكِمِ، لا يَلْزَمُه إجابَتُه إلى ذلك. وهو
فَصْل: وَيَتَعَلَّقُ بِالْحَجْرِ عَلَيهِ أرْبَعَةُ أَحْكَامٍ، أَحَدُهَا، تَعَلُّقُ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ، فَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ، إلا الْعِتْقَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَينِ.
ــ
ظاهِرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. وقال في «المُسْتَوْعِبِ» : إنْ زادَ دَينُه على المالِ، وقيل: أو طلَب المُفْلِسُ الحَجْرَ مِنَ الحاكِمِ. لَزِمَه. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : وإنْ طلَبَه المُفْلِسُ وحْدَه، احْتَمَلَ وَجْهَين. قال في «تَجْرِيدِ العِنايَةِ»: وبسُؤالِه في وَجْهٍ.
قوله: ويَتَعَلَّقُ بالحَجْرِ عليه أرْبَعَةُ أحْكامٍ؛ أحَدُها، تَعَلُّقُ حَقِّ الغُرَماءِ بمالِه، فلا يُقْبَلُ إقْرَارُه عليه، ولا يَصِح تَصَرُّفُه فيه، إلَّا بالعِتْقِ على إحْدَى الرِّوايتَين. اعْلمْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنَّه إذا كان عليه دَينٌ أكثرُ مِن مالِه، وتَصَرَّفَ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ تصَرُّفُه قبلَ الحَجْرِ عليه، أو بعدَه؛ فإنْ كان قبلَ الحَجْرِ عليه، صحَّ تصَرُّفُه، على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم، ولو اسْتَغْرَقَ جميعَ مالِه، حتى قال في «المُسْتَوْعِبِ» وغيرِه: لا يَخْتَلِفُ المذهبُ في ذلك. وقيل: لا يَنْفُذُ تصَرُّفُه. ذكَرَه الشيخُ تَقِي الدِّينِ، وحَكاه رِوايةً، واخْتارَه. وسألَه جَعْفَر: مَن عليه دَين، يتَصَدَّقُ بشيءٍ؛ قال: الشَّيء اليَسِيرُ، وقَضاءُ دَينهِ أوْجَبُ عليه. قلتُ: وهذا القَوْلُ هو الصَّوابُ، خُصوصًا وقد كَثُرَتْ حِيَلُ النَّاسِ. وجزَم به في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةِ والخَمْسِين» ، وقال: المُفْلِسُ إذا طلَب البائعُ منه سِلْعَتَه التي يَرْجِعُ بها قبلَ الحَجْرِ، لم يَنْفُذْ تَصرُّفُه. نصَّ عليه. وذكَر في ذلك ثَلاثَةَ نُصُوصٍ، لكِنَّ ذلك مَخْصوصٌ بمُطالبَةِ البائعِ. وعنه، له مَنْعُ ابنِه مِن التَّصَرُّفِ في مالِه بما يَضُرُّه. ونقَل حَنْبَلٌ في مَن تصَدَّقَ وأبَواه فَقِيران، رُدَّ عليهما، لا لمَن دُونَهما. ونصَّ في رِوايَةٍ، على أن مَن أوْصَى لأجانِبَ، وله أقارِبٌ مُحْتاجُونَ، أنَّ الوَصِيَّةَ تُرَدُّ عليهم. قال في «القاعِدَةِ الحادِيَةَ عَشَرَ»: فيُخَرَّجُ مِن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك، أن مَن تبَرَّعَ وعليه نفَقَةٌ واجِبَةٌ لوارِثٍ، أو دَينٌ، وليس له وَفاءٌ، أنَّه يُرَدُّ. ولهذا يُباعُ المُدَبَّرُ في الدَّينِ خاصَّةً، على رِوايَةٍ. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، في مَن تصَدَّقَ عندَ مَوْتِه بمالِه كلِّه، قال: هذا مَرْدُودٌ، ولو كان في حَياتِه، لم أُجَوِّزْ إذا كان له وَلَدٌ. فعلى المذهبِ، يَحْرُمُ عليه التَّصَرُّف إنْ أضَرَّ بغَرِيمِه. ذكَرَه الآدَمِيُّ البَغْدادِيُّ، واقْتصَرَ عليه في «الفُروعِ» ، وهو حَسَنٌ. وإنْ تصَرَّفَ بعدَ الحَجْرِ عليه، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يتَصَرَّفَ بالعِتْقِ أو بغيرِه، فإنْ تصَرَّفَ بالعِتْقِ، فأطْلقَ المُصَنِّفُ في صِحَّةِ عِتْقِه رِوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغةِ» ، وغيرِهم؛ إحْداهما، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والزَّرْكَشِيُّ، في كتابِ العِتْقِ: هذا أصحُّ. واخْتارَه أبو الخَطَّابِ في «رُءُوسِ المَسائلِ» ، وابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «والمُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأزَجِيِّ» ، وغيرِهم. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الصُّغْرَى»، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» . والرِّوايَةُ الثَّانيَةُ، يصِحُّ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضي، والشَّرِيفُ. قاله الزَّرْكَشِيُّ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: يصِحُّ عِتْقُه على الأقْيَسِ. وإنْ تصرَّفَ بغيرِ العِتْقِ، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ بتَدْبِيرِ رَقيقِه أو غيرِه؛ فإنْ كان بالتَّدْبيرِ، صحَّ، بلا نِزاع أعْلَمُه. وإنْ كان بغيرِه، فلا يَخْلُو؛ إمَّا أنْ يكونَ بالشَّيءِ اليَسِيرِ، أو غيرِه؛ فإنْ كان بالشَّيءِ اليَسِيرِ، لم يَنْفُذْ تصرُّفُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وفي «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ» ، يصِحُّ تصرُّفُه بالصَّدقَةِ في الشَّيءِ اليَسِيرِ. زادَ في «الرِّعايَةِ» ، بشَرْطِ أنْ لا يَضُرَّ. قلتُ: إذا كانتِ العادَةُ ممَّا جرَتْ به، وسامَحَ بمِثْلِه، فيَنْبَغِي أنْ يصِحَّ تصرُّفُه بلا خِلافٍ. وفي «الرِّعايَةِ» وغيرِها: تصِحُّ وَصِيَّتُه، بشَرْطِ أنْ لا يَضرَّ بمالِه. انتهى. وإنْ كان تصرُّفُه بغيرِ اليَسِيرِ، لم يصِحَّ تصَرفُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، ونصَّ
وَإنْ تَصَرَّفَ فِي ذِمَّتِهِ بِشِرَاءٍ، أَوْ ضَمَانٍ، أو إِقْرَارٍ، صَحَّ. وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ.
ــ
عليه. ونقَل مُوسى بنُ سَعِيدٍ، إنْ تصَرَّفَ قبلَ طَلَبِ رَبِّ العَينِ لها، جازَ، لا بعدَه.
فائدتان؛ إحْداهما، لو باعَ ماله لغَرِيمٍ بكُلِّ الدَّينِ الذي عليه، ففي صِحَّتِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ». قال في «الرِّعايَةِ»: يَحْتَمِلُ وَجْهَين؛ أحدُهما، يصِحُّ لرِضاهما به. وهو ظاهِرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، رحمه الله. والوَجْهُ الثَّانِي، لا يصِحُّ؛ لاحْتِمالِ ظُهورِ غَرِيمٍ آخَرَ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. الثَّانيةُ، يَمْلِكُ رَدَّ مَعِيبٍ اشْتَراه قبلَ الحَجْم، ويَمْلِكُ الرَّدَّ بخِيارٍ، غيرَ مُتَقَيِّدٍ بالأحَظِّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «التَّلْخيصِ»: ولا يتَقَيَّدُ بالأحَظِّ على الأظْهَرِ. قال في «الفائقِ» : هذا أصحُّ الوَجْهَين وهو ظاهِرُ ما جزَم به في «الحاويَيْن» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»؛ فإنَّهما قالا: وله رَدُّ ما اشْتَراه قبلَ الحَجْرِ بعَيبٍ أو خِيارٍ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو المَشْهورُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، في الثَّانيةِ. وقيل: إنْ كان فيه حَظٌّ نفَذ تصَرُّفُه، وإلَّا فلا. قال في «التَّلْخيصِ»: وهو قِياسُ المذهبِ. قلتُ: وهو الصَّوابُ.
قوله: وإنْ تَصَرَّفَ في ذِمَّتِه بشِراء أو ضَمانٍ، أو إقْرَارٍ، صَحَّ، ويُتْبَعُ به بعدَ فَكِّ الحَجْرِ عنه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. فلا يُشارِكُون مَن كان دَينُه
وَإنْ جَنَى، شَارَكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيهِ الْغُرَمَاءَ، وَإنْ جَنَى عَبْدُهُ، قُدِّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيهِ بِثَمَنِهِ.
ــ
قبلَ الحَجْرِ. وفي «المُبْهِجِ» ، في جاهِلٍ به وَجْهان. وعنه، يصِحُّ إقْرارُه إنْ أضافَه إلى ما قبلَ الحَجْرِ، أو ادَّانَه عامِلٌ قبلَ قِراضِه. قاله الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وقال في «الرِّعايَةِ»: ويَحْتَمِلُ أنْ يُشارِكَهم مَن أقرَّ له بدَينٍ لَزِمَه قبلَ الحَجْرِ. وقال أيضًا: وإنْ أقَرَّ بمالٍ مُعَيَّن، أو عَين، احْتَمَلَ وَجْهَين. وتقدَّم نَقْلُ مُوسى بن سَعِيدٍ. وتقدَّم في بابِ الضَّمانِ، أنَّ صاحِبَ «التَّبْصِرَةِ» حكَى رِوايَةً بعَدَمِ صِحَّةِ ضَمانِه. قال في «الفُروعِ»: ويتَوَجَّهُ عليها عدَمُ صِحَّةِ تصَرُّفِه في ذِمَّتِه. انتهى.
تنبيه: ظاهرُ كلامِه، أنَّ مَن عامَلَه بعدَ الحَجْرِ، لا يَرْجِعُ بعَينِ مالِه. وهو أحَدُ الوُجوهِ، وهو ظاهرُ كلامِ كثيرٍ مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقيل: يَرْجِعُ أيضًا. وأطْلَقَهما في «الفائقِ» . وقيل: يَرْجِعُ مع جَهْلِه الحَجْرَ. قاله الزَّرْكَشِيُّ. وهو حَسَنٌ. وهذا الأخِيرُ المذهبُ. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه.
فَصْلٌ: الثَّانِي، أَنْ مَنْ وَجَدَ عِنْدَهُ عَينًا بَاعَهَا إِيَّاهُ، فَهُوَ أحَقُّ
ــ
قوله: الثَّاني، أن مَن وجَد عندَه عَينًا باعَها إيَّاه، فهو أحَقُّ بها، بشَرْطِ أنْ يكونَ المُفْلِسُ حَيًّا، ولم يَنْقُدْ مِن ثمَنِها شَيئًا، والسِّلْعَةُ بحالِها، لم يَتْلَفْ بعضُها، ولم تَتَغَيَّرْ صِفَتُها بما يُزِيلُ اسْمَها، كنَسْجِ الغَزْلِ، وخَبْزِ الدَّقِيقِ، ولم يَتَعَلَّقْ بها حَقٌّ، مِن شُفْعَةٍ، أو جِنايَةٍ، أو رَهْنٍ، ونحوه، ولم تَزِدْ زِيادَةً مُتَّصِلَةً، كالسِّمَنِ، وتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ. ذكَر المُصَنِّفُ، لاخْتِصاصِ رَبِّ العَينِ المُباعَةِ المَوْجودَةِ بعدَ الحَجْرِ في المَحْجُورِ عليه شُروطًا؛ منها، أنْ يكونَ المُفْلِسُ حيًّا. فلو ماتَ كان صاحِبُها أُسْوَةَ الغُرَماءِ مُطْلَقًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقيل: ذلك إذا مات قبلَ الحَجْرِ.
بِهَا، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْلِسُ حَيًّا، وَلَمْ يَنْقُدْ مِنْ ثَمَنِهَا شَيئًا، وَالسِّلْعَةُ بِحَالِهَا لَمْ يَتْلَفْ بَعْضُهَا، وَلَمْ تتَغَيَّرْ صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، كَنَسْجِ الْغَزْلِ وَخَبْزِ الدَّقِيقِ.
ــ
تنبيه: ظاهرُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّ رَبَّ العَينِ لو ماتَ، كان لوَرَثَتِه أخْذُ السِّلْعَةِ، كما لو كان صاحِبُها حيًّا. وهو صحيح، وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الفروعِ» ، وظاهِرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ، منهم صاحِبُ «الحاويَيْن». قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو ظاهرُ كلامِ الشَّيخَين؛ المُصَنِّفِ والمَجْدِ؛ لعَدَمِ اشْتِراطِهم ذلك. وقال في «التَّرْغِيبِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: فلرَبِّه دُونَ ورَثَتِه، على الأصحِّ، أخْذُه. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ». وقال في «التَّلْخيصِ»: مِنَ الشُّروطِ، أنْ يكونَ البائعُ حيًّا؛ إذْ لا رُجوعَ للوَرَثَةِ؛ للحَدِيثِ. وحكَى أبو الحَسَنِ الآمِدِيُّ رِوايَةً أُخْرَى، أنَّهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَرْجِعُون. انتهى. ومنها، أنْ لا يكونَ نقَد مِن ثَمَنِها شيئًا، فإنْ كان نقَد منه شيئًا، كان أُسْوَةَ الغُرَماءِ، لا أعْلَمُ فيه خِلافًا. ومنها، أنْ تكونَ السِّلْعَةُ بحالِها، لم يَتْلَفْ بعضُها، وكذا لم يزُلْ مِلْكُه عن بعضِها ببَيعٍ أو هِبَةٍ أو وَقْفٍ، أو غيرِ ذلك، إنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كان عَيْنًا واحِدَةً. وإنْ كان المَبِيعُ عَينَين؛ كعَبْدَين، أو ثَوْبَين ونحوهما، فتَلِفَ أحدُهما، أو نقَص ونحوُه، رجَع في العَينِ الأُخْرَى. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُنَوِّرِ» . و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . وعنه، له أُسْوَةُ الغُرَماءِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنفِ هنا، وجماعَةٍ. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ». وقال: ولعلَّ مَبْناهما أنَّ العَقْدَ، هل يَتَعَدَّدُ بتَعَدُّدِ المَبِيعِ أم لا؟ وحُكْمُ انْتِقالِ البعضِ ببَيع ونحوه، حُكْمُ التَّلَفِ. انتهى. قلتُ: تقدَّم في كتابِ البَيعِ، بعدَ قوْلِه: إذا جمَع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بينَ كِتابَةٍ وبَيعٍ. أن الصَّفْقَةَ تتَعدَّدُ بتَعَدُّدِ المَبِيعِ. على الصحيحِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيه: مِن صُورِ تَلَفِ البَعْضِ، إذا اسْتَأْجَرَ أرْضًا للزَّرْعِ، فأفْلَسَ بعدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لمِثْلِها (1) أُجْرَةٌ، تَنْزِيلًا للمُدَّةِ مَنْزِلَةَ المَبِيعِ، ومُضِيِّ بعضِها بمَنْزِلَةِ تَلَفِ بعضِها. وهذا المذهبُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وابنُ رَزِينِ، وغيرُهم. وقال القاضي، وصاحِبُ «التَّلْخِيصِ»: له الرُّجوعُ. [وهل يَلْزَمُه تَبْقِيَةُ](2) زَرْعِ المُفْلِسِ؟ فيه وَجْهان، وأطْلَقَهما الزَّرْكَشِيُّ بأُجْرَةِ المِثْلِ. ثم هل يُضْرَبُ (3) له مع الغُرَماءِ، اخْتارَه القاضي، أو يُقَدَّمُ بها عليهم؟ قاله في «التَّلْخيص» .
فوائد؛ إحْداها، لو وَطِئَ البِكْرَ، امْتَنَعَ الرُّجوعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وغيرُه. وجزَم به في «التَّلْخيصِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». وقيل:
(1) بياض في: الأصل، ط.
(2)
في الأصل، ط:«ويلزمه ببقية» .
(3)
في الأصل: «يصرف» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يمْتَنِعُ. اخْتارَه القاضي، وأطْلَقَهما في «الفائقِ» . وكذا الحُكْمُ إذا جُرِحَ العَبْدُ. فعلى المذهبِ، لا يَرْجِعُ. وعلى قَوْلِ القاضي، يَرْجِعُ. فإنْ كان ممَّا لا أرْشَ له؛ كالحاصِلِ بفِعْلِ اللهِ تعالى، أو فِعْلِ بَهِيمَةٍ، أو جِنايَةِ المُفْلِسِ، أو عَبْدِه، أو جِنايَةِ العَبْدِ على نَفْسِه، فلا أرْشَ له مع الرُّجوعِ. وإنْ كان الجِراحُ مُوجِبًا للأرْشِ، كجِنايَةِ الأجْنَبِيِّ، فللبائعِ إذا رجَع أنْ يَضْرِبَ مع الغُرَماءِ بحِصَّةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ما نقَص مِنَ الثَّمَنِ. وعلى المذهبِ أيضًا، لو وَطِئ الثَّيِّبَ، كان له الرُّجوعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحّابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفائقِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: فله الرُّجوعُ في الأصحِّ، إذا لم تَحْمِلْ. وفيه وَجْهٌ آخَرُ، يَمْتَنِعُ الرُّجوعُ. ذكَرَه ابنُ أبي مُوسى. وأطْلَقهما في «التَّلْخيصِ» ، و «المُسْتَوعِبِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» . الثَّانيةُ، لا يَمْنَعُ الأخْذُ تَزْويجَ الأمَةِ، فإذا أخَذَها البائعُ، بطَل النِّكَاحُ في الأقْيَسِ. قاله في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قلتُ: الصَّوابُ عدَمُ البُطْلانِ. الثَّالثةُ، لو خرَجَتِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السِّلْعَةُ عن مِلْكِه قبلَ الحَجْرِ، ورجَعَتْ بعدَ الحَجْرِ، فقيلَ: له الرُّجوعُ. قال النَّاظِمُ: عادَ الرُّجوعُ على القَويِّ. قال في «التَّلْخيصِ» : هو كعَوْدِ المَوْهُوبِ إلى الابنِ بعدَ زَوالِه؛ هل للأبِ الرُّجوعُ، أم لا؟ قلتُ: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ له الرُّجوعَ. على ما يَأْتِي. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه». وقيل: ليس له الرُّجوعُ مُطْلَقًا. وقيل: إنْ عادَتْ إليه بسَبَبٍ جديدٍ؛ كبَيع، وهِبَةٍ، وإرْثٍ، ووَصِيَّةٍ، لم يَرْجِعْ. وإنْ عادَتْ إليه بفَسْخ؛ كالإِقالةِ، والرَّدِّ بالعَيبِ، والخِيارِ، ونحوه، فله الرُّجوعُ. ويأْتِي في الهِبَةِ نَطرُ ذلك في رُجوعِ الأبِ إذا رجَع إلى الابنِ بعدَ وَفاتِه، والصَّحيحُ مِن ذلك. وأطْلَقهُنَّ في «المُغْني» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، و «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ، وأطْلَقَ الوَجْهَين الأوَّلَين في «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ». وحيثُ قُلْنا: له الرُّجوعُ. لو اشْتَراها، ثم باعَها، ثم اشْتَراها، فقيلَ: يخْتَصُّ بها البائعُ الأوَّلُ؛ لسَبْقِه. وقيل: يُقْرَعُ بينَه وبينَ البائعِ الثَّانِي. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . ومنها، بَقاءُ صِفَةِ السِّلْعَةِ. فلو تغَيَّرَتْ بما يُزِيلُ اسْمَها؛ كنَسْجِ الغَزْلِ، وخَبْزِ الدَّقيقِ، وطَحْنِ الحِنْطَةِ، وعمَلِ الزَّيتِ صابُونًا، أو قَطْعِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّوْبِ قَميصًا، أو نَجْرِ الخَشَبِ أَبْوابًا، أو عَمَلِ الشَّريطِ إبَرًا، أو نحو ذلك، امْتَنَع الرُّجوعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه جماهِيرُ الأصحّابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال في «المُوجَزِ»: إنْ أحْدَثَ صَنْعَةً؛ كنَسْجِ غَزْلٍ، وعَمَلِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الدُّهْنِ صابُونًا، فرِوايَتان. وقال في «التَّبْصِرَةِ»: لا يأْخُذُه. وعنه، بلَى، ويُشارِكُه المُفْلِسُ في الزِّيادَةِ. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، مِن عندِه: إنْ لم تَزِدْ قِيمَةُ الحَبِّ بطَحْنِه، والدَّقيقِ بخَبْزِه، والغَزْلِ بنَسْجِه، رجَع، وإلَّا فلا.
فائدتان؛ إحْداهما، لو كان حبًّا، فصارَ زَرْعًا، أو بالعَكْسِ، أو نَوًى، فنبَت شَجَرًا، أو بَيضًا، فصارَ فَرْخًا، سقَط الرُّجوعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال القاضي: لا يَمْنَعُ ذلك الرُّجوعَ. واخْتارَه في «التَّلْخيصِ» ، ورَدَّه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . الثَّانيةُ، لو خلَط المَبِيعَ أو بعضَه بما لا يتَمَيَّزُ منه، فقال المُصَنِّفُ، والشارِحُ، وغيرُهما: سقَط حقُّه مِنَ الرُّجوعِ؛ لأَنَّه لم يَجِدْ عَينَ (1) مالِه. وقال الزَّرْكَشِي: وقد يُقالُ: يَنْبَنِي على الوَجْهَين في أنَّ الخَلْطَ، هل
(1) في ط: «غير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هو بمَنْزِلَةِ الإِتْلافِ أم لا؟ ولا نُسَلِّمُ أنَّه لم يَجِدْ عَينَ مالِه، بل وجَدَه حُكْمًا. انتهى. قلتُ: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ الخَلْطَ ليس بإتْلافٍ، وإنَّما هو اشْتِراكٌ، على ما يَأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في بابِ الغَصْبِ، في قوْلِه: وإنْ خلَط المَغْصُوبَ بمالِه على وَجْهٍ لا يتَمَيَّزُ. ومنها، أنْ لا يتَعلَّقَ بها حقُّ شُفْعَةٍ. فإنْ تعَلَّقَ بها حقُّ شُفْعَةٍ، امْتَنَع الرُّجوعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، و «الرِّعايتَين» ، في مَوْضِعٍ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفائقِ». قال في «الفُروعِ»: فله أُسْوَةُ الغُرَماءِ في الأصحِّ. وقيل: لا يَمْتَنِعُ الرُّجوعُ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اخْتارَه ابنُ حامِدٍ. وقال في «الكُبْرَى» ، في مَوْضِع آخَرَ: وإنِ اشْتَرَى شِقْصًا مَشْفُوعًا، فلبائعِه الرُّجوعُ. وقيل: الشَّفِيعُ أحقُّ به. وقيل: إنْ طلَب الشَّفِيعُ، امتْنَعَ، وإلَّا فلا. وأطْلَقَهُنَّ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِي» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . ومنها، أنْ لا يتَعَلَّقَ بها حقُّ رَهْنٍ. فإنْ تعَلَّقَ بها حقُّ رَهْنٍ، امْتَنَعَ الرُّجوعُ. لا أعْلَمُ فيه خِلافًا. لكِنْ إذا كان الرَّهْنُ أكثرَ مِنَ الدَّينِ، فما فضَل منه، رُدَّ على المالِ، وليس لبائعِه الرُّجوعُ في الفاضِلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. ويأْتِي قَرِيبًا في كلام المُصَنِّفِ مَجْزُومًا به. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرِهم. وقال القاضي: له الرُّجوعُ؛ لأنَّه عَينٌ له. قال المُصَنفُ، والشَّارِحُ: وما ذكَرَه القاضي لا يُخَرَّجُ على المذهبِ؛ لأنَّ تلَف بعضِ المَبِيعِ يَمْنَعُ الرُّجوعَ، فكذلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذَهابُ بعضِه بالبَيعِ. فلو كان المَبِيعُ عَينَين؛ فرهَن أحدَهما، فهل يَمْلِكُ البائعُ الرُّجوعَ في الأخْرَى؟ على وَجْهَين؛ بِناءً على الرِّوايتَين فيما إذا تَلِفَ أحدُ العَينَين، على ما تقدَّم. وقد عَلِمْتَ أنَّ المذهبَ، له الرُّجوعُ هناك. فكذا هنا.
فائدة: لو ماتَ الرَّاهِنُ، وضاقَتِ التَّرِكَةُ عنِ الدُّيونِ، قُدِّمَ المُرْتَهِنُ برَهْنِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، ونصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وعنه، هو أُسْوَةُ الغُرَماء. نصَّ عليه أيضًا. وأطْلَقَهما الزَّرْكَشِيِّ، آخِرَ الرَّهْنِ. ومنها، أنْ لا يتَعَلَّقَ بها حقُّ جِنايَةٍ؛ بأنْ يَشْتَرِي عَبْدًا، ثم يُفْلِسَ بعدَ تعَلقِ أرْشِ الجِنايَةِ برَقَبَتِه، فيمْتَنِعُ الرُّجوعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِب» ، و «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «الفائقِ» ، و «الكافِي». وقيل: له الرُّجوعُ؛ لأَنَّه حقٌّ لا يَمْنَعُ تصَرُّفَ المُشْتَرِي فيه، بخِلافِ الرَّهْنِ. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» . فعلى المذهبِ، حُكْمُه حُكْمُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّهْنِ. وعلى الثَّانِي، هو مُخَيَّرٌ؛ إنْ شاءَ رجَع فيه ناقِصًا بأرْشِ الجِنايَةِ، وإنْ شاءَ ضرَب بثَمَنِه مع الغُرَماءِ، فإنْ أَبرَأ الغَرِيمَ مِنَ الجِنايَةِ، فللبائعِ الرُّجوعُ. قال في «القاعِدَةِ السَّادِسَةَ عَشَرَ»: لو تعَلَّقَ بالعَينِ المَبِيعَةِ حقُّ شُفْعَةٍ، أو جِنايَةٍ، أو رَهْن، ثم أفْلَسَ، ثم أسْقَطَ المُرْتَهِنُ، أو الشَّفِيعُ، أو المَجْنِيُّ عليه حقَّه، فالبائعُ أحقُّ بها مِنَ الغُرَماءِ؛ لزَوالِ المُزاحَمَةِ، على ظاهِرِ كلام القاضي، وابنِ عَقِيل. ذكَرَه المَجْدُ في «شَرْحِه» . ويتَخَرَّجُ فيه وَجْهٌ آخَرُ، أَنَّه أُسْوَةُ الغُرَماء. انتهى. ومنها، أنْ لا يَزِيدَ زِيادَةً مُتَّصِلَةً. فإنْ زادَ زِيادَةً مُتَّصِلَةً، كالسِّمَنِ، وتعَلُّمِ صَنْعَةٍ؛ كالكِتابَةِ، والقُرْآنِ، ونحوهما، امْتنَعَ الرُّجوعُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه الخِرَقِيُّ، والشِّيرَازِيُّ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الهادِي» ، و «الكافِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْح» ، و «الفُروعِ» . ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، ورَدَّا غيرَه. قال القاضي، في كتابِ الهِبَةِ مِن «خِلافِهِ»: وهو مَنْصُوصُ أحمدَ. وعنه، أنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الزِّيادَةَ لا تَمْنَعُ الرُّجوعَ. نصَّ عليه في رِوايَةِ المَيمُونِيِّ. وقاله القاضي وأصحابُه، وابنُ أبِي مُوسى. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «تَجْريدِ العِنايَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الهِدايَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» ، وقال: وهو القِياسُ. قال في «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبُوكِ الذَّهَبِ»: هذا ظاهِرُ المذهب، ولعَله المذهبُ؛ لأنَّه المَنْصُوصُ، وعليه الأكثُر. فعليها، يَأْخُذُها بزِيادَتِها. وَأطْلَقهما ابنُ البَنَّا في «الخِصالِ» ، وصاحِبُ «الحاويَيْن» .
وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ مِنْ شُفْعَةٍ، أوْ جِنَايَةٍ، أوْ رَهْنٍ، وَنَحْوهِ،
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وَلَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ. وَعَنْهُ، أنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَأمَّا الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ، وَالنَّقْصُ بِهُزَالٍ، أوْ نِسْيَانِ صَنْعَةٍ، فَلَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ، وَالزِّيَادَةُ لِلْمُفْلِسِ. وَعَنْهُ، لِلْبَائِعِ.
ــ
قوله: فأمَّا الزِّيادَةُ المُنْفَصِلَةُ، فلا تَمْنَعُ الرجُوع. وهو المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به كثيرٌ منهم. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لا تَمْنَعُ الرُّجوعَ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بغيرِ خِلافٍ بينَ أصحابِنا. وذكَر في «الإرْشادِ» ، و «التَّبْصِرَةِ» ، و «المُوجَزِ» ، في مَنْعِ المُنْفَصِلَةِ مِنَ الرُّجوعِ، رِوايتَين. وعندَ ابنِ أبِي مُوسى، يَمْنَعُ الوَلَدُ الرُّجوعَ في أُمِّه.
فائدة: لو كان حَمْلًا عندَ البَيعِ، أو عندَ الرُّجوعِ، فوَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» . قال في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: إنْ كان حَمْلًا عندَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
البَيْعِ والرُّجوعِ، لم يَمْنَعِ الرُّجوعَ، كالسِّمَنِ. وإنْ كان حَمْلًا عندَ البَيعِ، مُنْفَصِلًا عندَ الرُّجوعِ، فوَجْهان. وأطْلَقهما في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَينِ» ، و «الفائقِ» . ومع الرُّجوعِ لا أرْشَ، على الأظْهَرِ. وإنْ كانتْ حائلًا عندَ البَيعِ، حامِلًا عندَ الرُّجوع، فقال في «الكُبْرَى»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوَجْهان. وقال في «التَّلْخيصِ» : هو كالسِّمَنِ، والأظْهَرُ، يَتْبَعُ في الرُّجوعِ كالبَيعِ. انتهى. وقال المُصَنِّفُ: قال القاضي: إنِ اشْتَراها حامِلًا، وأفْلَسَ بعدَ وَضْعِها، فله الرُّجوعُ فيهما مُطْلَقًا. قال المُصَنِّفُ: والصَّحيحُ أنَّا إذا قُلْنا: لا حُكْمَ للحَمْلِ. فهو زِيادَة مُنْفَصِلَةٌ. وإنْ قُلْنا: له حُكْمٌ. وهو الصَّحيحُ، فإنْ كان هو والأُمُّ قد زادا بالوَضْعِ، فزِيادَةٌ مُتَّصِلَة، وإنْ لم يَزِيدا، جازَ الرُّجوعُ فيهما. وإنْ زادَ أحدُهما دُونَ الآخرِ، خُرِّجَ على الروايتَين فيما إذا كان المَبِيعٍ عَينَين تَلِفَ بعضُ أحدِهما، على ما تقدَّمَ. وإنْ كانتْ عندَ البَيعِ حائلًا، وحامِلا عندَ الرُّجوعِ، وزادَتْ قِيمَتُها، فزِيادَة مُتَّصِلَةٌ، وإنْ أفْلَسَ بعدَ الوَضْعِ، فزِيادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ. وقال
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القاضي: إنْ وجَدَها حامِلًا، انْبَنَى على أنَّ الحَمْلَ، هل له حُكْمٌ، فيكونُ زِيادَةً مُنْفَصِلَةً، يَتَرَبَّصُ به حتَّى تضَعَ، أوْ لا حُكْمَ له، كزِيادَةٍ مُتَّصِلَةٍ؟ انتهى كلامُ المُصَنِّفِ مُلْخَّصًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: والزِّيادَةُ للمُفْلِسِ. هذا ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ، واخْتِيارُ ابنِ حامِدٍ، والقاضي، في «رِوايَتَيه» ، و «المُجَرَّدِ» ، والشَّرِيفِ، وأبي الخَطَّابِ في «خِلَافَيهِما» ، وابنِ عَقِيلٍ في «الفُصولِ» ، والمُصَنِّفِ. وقال: لا يَنْبَغِي أنْ يكونَ فيه خِلافٌ. قال في «الكافِي» : هذا ظاهِرُ المذهبِ. قال الشَّارِحُ: هذا أصحُّ، إنْ شاءَ الله. وجزَم به في «الوَجيزِ» . وعنه، أنَّها للبائعِ. وهي المذهبُ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضي في «الجامِعِ» ، و «الخِلافِ» ، وابنُ عَقِيل. وجزَم
وَإنْ صَبَغَ الثَّوْبَ أو قَصَرَهُ، لَمْ يُمْنَعِ الرُّجُوعَ، والزِّيَادَةُ
ــ
به في «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «المُحَرِّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وهو ظاهِرُ ما قدَّمه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» . وأطْلَقهما الزَّرْكَشِيُّ. ويأْتِي نَظِيرُ ذلك في الهِبَةِ واللُّقَطَةِ. فعلى الأولِ، إذا كانتِ الزِّيادَةُ المُنْفَصِلَةُ وَلَدًا صَغِيرًا، أُجْبِرَ البائعُ على بَذْلِ قِيمَتِه. وكذا إنْ كان كَبيرًا، وقُلْنا: يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ. فإنْ أبَى، بطَل الرُّجوعُ، في أحَدِ الوَجْهَين. وفي الآخَرِ، يُباعَان، ويُصْرَفُ إليه ما خَصَّ الأُمَّ. قاله في «التَّلْخيصِ» . وقال في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَينِ» ، و «الفائقِ»: فلو كانتِ الزِّيادَةُ المُنْفَصِلَةُ وَلَدَ أمَةٍ، فله أخْذُه بقِيمَتِه، أو بَيعُ الأمِّ معه، وله قِيمَتُها ذاتُ وَلَدٍ بغيرِ وَلَدٍ. زادَ في «الفائقِ» ، ويَحْتَمِلُ مَنْعُ الرُّجوعِ في الأمِّ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وقيل: إنْ لم يَدْفَعْ قِيمَتَه، فلا رُجوعَ.
قوله: وإنْ صبَغ الثَّوْبَ أو قصَرَه، لم يُمْنَعِ الرُّجُوعَ، والزِّيادَةُ للمُفْلِسِ. هذا
لِلْمُفْلِسَ.
ــ
المذهبُ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الوَجيزِ» ، و «شَرْء ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهُم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه القاضي وغيرُه. قال صاحِبُ «التَّلْخيصِ» وغيرُه: هذا المذهبُ. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: إذا صبَغ الثَّوْبَ، أو لَتَّ السَّويقَ بزَيتٍ، فقال أصحابُنا: لبائعِ الثَّوْبِ والسَّويقِ الرُّجوعُ في أعْيانِ أمْوالِهما. قال المُصَنِّفُ: ويَحْتَمِلُ أنْ لا يكونَ لهما
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرُّجوعُ إذا زادَتِ القِيمَةُ، كسِمَنِ العَبْدِ. وقالا: وإنْ قَصَرَ الثَّوْبَ، فإْنْ لم تَزِدْ قِيمَتُه، فللبائعِ الرُّجوعُ فيه، وإنْ زادَتْ، فليس له الرُّجوعُ، في قِياسِ قَوْلِ الخِرَقِيِّ. وقال القاضي، وأصحابُه: له الرُّجوعُ. انتهيا. وقال ابنُ أبِي مُوسى: إذا زادَتِ العَينُ بقَصارَةٍ، أو صِناعَةٍ، ونحوهما، امْتنَعَ الرُّجوع. وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقِيِّ. وقال في «الفُروعِ»: وإنْ صبَغَه أو قصَرَه، فله أُسْوَةُ الغُرَماءِ في وَجْهٍ فيهما، كنَقْصِه بهما في الأصحِّ. وقال في «الفائقِ»: وإنْ صبَغ الثَّوْب، أو قصَرَه، لم يَمْنَعْ، ويُشارِكه المُفْلِسُ في الزِّيادَةِ. وقيل: لا رُجوعَ إنْ زادَتِ القِيمَةُ. وقال في «المُسْتَوْعِبِ» : وإنْ كانتْ ثِيابًا، فصبَغَها أو قَصَرَها، فذكَر ابنُ أبِي مُوسى، أنَّه يكونُ أُسْوَةَ الغُرَماءِ. وقال القاضي: لا يَمْنَعُ الرُّجوعَ. وقال في «الرِّعايَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكُبْرَى»: إنْ قصَر الثَّوْبَ، وقُلْنا: يرْجِعُ في الأقْيَسِ. فزادَتْ قِيمَتُه، رجَع فيه ربُّه في الأصحِّ، والزِّيادَةُ للمُفْلِسِ في الأقْيَسِ، فله مِنَ الثَّوْبِ بِنِسْبَةِ ما زادَ مِن قِيمَتِه. وقيل: بل أُجْرَةُ القِصارَةِ، إلَّا أنْ يَتْلَفَ بيَدِه، فيَسْقُطَ. وقيل: القِصارَةُ كالسِّمَنِ، وفي أُجْرَتِها وَجْهان. وإنْ لم تَزِدْ ولم تَنْقُصْ، فله الرُّجوعُ، أو يُشارِكُه الغُرَماءُ. وقال في صَبْغِ الثَّوْبِ: وإنْ صبَغَه، فزادَتْ قِيمَتُه بقَدْرِ قِيمَةِ الصِّبْغِ، رجَع البائعُ في الأصحِّ، وشارَكَ المُفلِسَ فيه بقِيمَةِ صَبْغِه، إلَّا أنْ يَدْفَعَها البائعُ، فإنْ أَبَى دَفْعَها، أُجْبِرَ على بَيعِ حقِّه. وإنْ نقَصَتْ عن قِيمَةِ الصِّبْغِ؛ فالنَّقْصُ مِنَ المُفْلِسِ، وإنْ زادَتْ قِيمَتُها، فالزِّيادَةُ، مع قِيمَةِ الصِّبْغِ، له. وقيل: يَشْتَرِكان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منه بالنِّسْبَةِ. وإنْ لم تَزِدْ قِيمَتُه، فلرَبِّه أخْذُه مجانًا، أو يكونُ كالغُرَماءِ. وإنْ نقَصَتْ قِيمَتُه، لم يَرْجِعْ في الأقْيَسِ. انتهى.
فائدتان؛ إحْداهما، لو كانتِ السِّلْعَةُ صِبْغًا، فصبَغ به، أو زَيتًا فلَتَّ به، فلا رُجوعَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفائقِ» فلا رُجوعَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في الأصحِّ. وقَدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وجزَم به في «الكافِي» وغيرِه. قال القاضي: له الرُّجوعُ. وجزَم في «المُغْني» ، و «الكافِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم، بأنه إذا خلَطَه بمِثْلِه على وَجْهٍ لا يتَمَيَّزُ، يَمْتَنِعُ الرُّجوعُ، كخَلْطِ الزَّيتِ والقَمْحِ ونحوهما بمِثْلِه. الثَّانيةُ، لو كان الثَّوْبُ والصبْغُ مِن واحدٍ، قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: قال أصحابُنا: هو كما لو كان الصِّبْغُ مِن غيرِ بائِعٍ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّوْبِ. فعلى قوْلهم، يَرْجِعُ في الثَّوْبِ وحدَه، ويكونُ المُفْلِسُ شَرِيكًا بزِيادَةِ الصبْغِ، ويَضْرِبُ مع الغُرَماءِ بثَمَنِ الصبْغِ. قال: ويَحْتَمِلُ أنْ يَرْجِعَ فيهما ها هنا، كما لو اشْتَرَى دُفوفًا (1) ومَسامِيرَ مِن واحدٍ، فسَمَرَها بها، فإنَّه يَرْجِعُ فيهما.
(1) كذا كالنسخ.
وَإِنْ غَرَسَ الْأرْضَ، أوْ بَنَى فِيهَا، فَلَهُ الرُّجُوعُ وَدَفْعُ قِيمَةِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ، فَيَمْلِكُهُ، إلا أَنْ يَخْتَارَ الْمُفْلِسُ وَالْغُرَمَاءُ الْقَلْعَ وَمُشَارَكَتَهُ بِالنَّقْصِ.
ــ
قوله: فإنْ غرَسَ الأرْضَ، أو بنَى فيها، فله الرُّجوعُ ودَفْعُ قِيمَةِ الغِراسِ والبِناءِ، فيَمْلِكُه، إلا أنْ يَخْتارَ المُفْلِسُ والغُرَماءُ القَلْعَ ومُشارَكَتَه بالنَّقْصِ. إذا اتَّفَقا على قَلْعِ الغرْسِ والبِناءِ، فلهم ذلك، فإذا فعَلُوه، فللبائعِ الرُّجوعُ في أرْضِه، فإن أرادَ الرُّجوعَ قبلَ القَلْعِ، فله ذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: والأصحُّ له الرُّجوعَ قبلَ قَلْعِ غرْسٍ وبِناءٍ. وقدَّمه في «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» . وهو ظاهِرُ ما جزَم به كثيرٌ مِنَ الأصحابِ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَسْتَحِقَّه إلَّا بعدَ القَلْعِ. فعلى المذهبِ، يَلْزَمُهم تَسْويَةُ الأرْضِ، وأَرْشُ نَقْصِها الحاصِلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
به، ويَضْرِبُ بالنَّقْصِ مع الغُرَماءِ. وعلى الثَّانِي، لا يَلْزَمُهم ذلك. فلو امْتَنَعَ المُفْلِسُ والغُرَماءُ مِنَ القَلْعِ، لم يُجْبَرُوا عليه. وإنْ أبَى المُفْلِسُ القَلْعَ، فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ للبائعِ أخْذَه وقَلْعَه وضَمانَ نَقْصِه. وقيل: ليس له ذلك. وعلى المذهبِ، لو بذَل البائعُ قِيمَةَ الغِراسِ والبِناءِ ليَمْلِكَه، أو قال: أنا أقْلَعُ، وأضْمَنُ النَّقْصَ. فله ذلك. وعلى الثَّاني، ليس له ذلك.
وَإنْ أَبَوُا الْقَلْعَ، وَأَبَى دَفْع الْقِيمَةِ، سَقَطَ الرُّجُوعُ.
ــ
قوله: فإنْ أَبَوُا القَلْعَ، وأبَى دَفْعَ القِيمَةِ، سقَط الرُّجوعُ. وهو المذهبُ. اخْتارَه ابنُ حامِدٍ. ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الخُلاصَةِ». وصحَّحه في «النَّظْمِ». وقال القاضي: له الرُّجوعُ في الأرْضِ، ويكونُ ما فيها للمُفْلِسِ. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» . فعلى المذهبِ، لا تَفْرِيعَ. وعلى الثَّانِي، إنِ اتَّفَقا على البَيعِ بِيعا لهما، وإنْ أبَى أحدُهما،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: يَحْتَمِلُ أنْ يُجْبَرَ، فيُباعَ الجميعُ. واحْتَمَلَ لا، فيَبِيعُ المُفْلِسُ غِراسَه وبِناءَه مُفْرَدًا. قال في «الفُروعِ»: وهل يُباعُ الغرْسُ مُفْرَدًا، أو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجَميعُ، ويُقْسَمُ الثَّمَنُ على القِيمَةِ؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» ، و «الحاويَينِ» ، وغيرِهم؛ أحدُهما، يُباعُ الجَميعُ. قدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» . والوَجْهُ الثَّانِي، يُباعُ الغَرْسُ والبِناءُ مُفْرَدًا. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .
فوائد؛ إحْداها، قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: لو كان المَبِيعُ شَجَرًا أو نَخْلًا، فله أرْبَعَةُ أحْوالٍ؛ أحدُها، أفْلَسَ وهي بحالِها، فله الرُّجوعُ. الثَّانِي، كان فيها وَقْتَ البَيعِ ثَمَرٌ ظاهِرٌ، أو طَلْعٌ مُؤَبَّرٌ، واشْتَرَطَه المُشْتَرِي فأَكَلَه، أو تَصَرَّفَ فيه، أو تَلِفَ بجائحَةٍ، ثم أفْلَسَ، فهذا في حُكْمِ ما لو اشْتَرَى عَينَين، وتَلِفَ أحدُهما، على ما تقدَّمَ. الثَّالِثُ، أطْلَعَ ولم يُؤبَّرْ، أو كان فيه ثَمَرٌ لم يظْهَرْ وَقْتَ البَيعِ، فَيدْخُلُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في البَيعِ؛ فلو أفْلَسَ بعدَ تَلَفِه أو بعضِه، أو زادَ، أو بَدا صَلاحُه، فحُكْمُه حُكمُ تَلَفِ بعضِ المَبِيعِ وزِيادَتِه المُتَّصِلَةٌ، على ما تقدَّم. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: فهو زِيادَة مُتَّصِلَةٌ في الأصحِّ. الرَّابعُ، باعَه نَخْلًا حائلا، فأطْلَعَتْ، أو شَجَرًا، فأثْمَرتْ، فهو على أرْبَعَةِ أقْسامٍ؛ الأوَّلُ، أفْلَسَ قبلَ تَأْثِيرِها، فالطَّلْعُ زِيادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. الثَّانِي، أفْلَسَ بعدَ التَّأْبِيرِ وظُهُورِ الثَّمَرَةِ، فلا يَمْنَعُ الرُّجوعَ، والطَّلْعُ للمُشْتَرِي. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، خِلافًا لأبِي بَكْر. ولو باعَه أرْضًا فارِغَة، فزرَعَها المُشْتَرِي، ثم أفْلَسَ، رجَع في الأرْضِ دُونَ الزَّرْعِ، وَجْهًا واحِدًا. الثَّالثُ، أفْلَسَ، والطَّلْعُ غيرُ مُؤبَّرٍ، فلم يَرْجِعْ حتَّى أُبِّرَ، فليس الرُّجوعُ فيه، كما لو أفْلَسَ بعدَ التَّأْبِيرِ. فلو ادَّعَى الرُّجوعَ قبلَ التَّأْبِيرِ، وأنْكَرَ المُفْلِسُ، فالقَوْلُ قَوْلُه. وإنْ قال البائعُ: بِعْتُ بعدَ التَّأْبِيرِ. وقال المُفْلِسُ: بل قبلَه. فالقَوْلُ قوْلُ البائعِ. الرَّابِعُ، أفْلَسَ بعدَ أخْذِ الثَّمَرَةِ، أو ذَهابِها بجائحَةٍ أو غيرِها، فله الرُّجوعُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في الأصْلِ، والثَّمَرَةُ للمُشْتَرِي، إلا على قَوْلِ أبِي بَكْرٍ. الثَّانيةُ، كلُّ مَوْضِعٍ لا يَتْبَعُ الثَّمَرُ الشَّجَرَ إذا رجَع البائعُ، فليس له مُطالبَةُ المُفْلِسِ بقَطعِ الثَّمَرَةِ قبلَ أوانِ الجَدادِ. وكذا إذا رجَع في الأرْضِ وفيها رَزْعٌ للمُفْلِسِ، وليس على صاحِبِ الزَّرْعِ أُجْرَةٌ. فإذا ثبَت هذا، فإنِ اتَّفَقَ المُفْلِسُ والغُرَماءُ على التَّبْقِيةِ أو القَطْعِ، فلهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك. وإنِ اخْتَلَفُوا، وكان مِمَّا لا قيمَةَ له، أو قيِمَتُه يَسيرَةً، لم يُقْطَعْ. وإنْ كانتْ قِيمَتُه كثِيرَةً، قُدِّمَ قَوْلُ مَن طلَب القَطْعَ، في أحَدِ الوُجوهِ. اخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . والثَّانِي، يُنْظَرُ ما فيه الأَحَظُّ، فيُعْمَلُ به. قلتُ: وهو الصَّوابُ. والثَّالثُ، إنْ طلَب الغُرَماءُ القَطْعَ، وجَب، وإنْ كان المُفْلِسُ -فكان التَّأْخِيرُ أحَظَّ له- لم يَقْطَعْ. الثَّالثةُ، إذا كمَلَتِ الشُّروطُ: فله أخْذُه مِن غيرِ حُكْمِ حاكِمٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ؛ لتَعَيُّنِها كوَدِيعَةٍ، وسواءٌ زادَتْ قِيمَتُها أو نقَصَتْ، ولو بذَل الغُرَماءُ ثَمَنَها كلَّه، وهو يُساوي المَبِيعَ أو دُونَه أو فوْقَه. وقيل: لا يأْخُذُها إلَّا بحُكْمِ حاكِمٍ؛ بِناءً على تَسْويغِ (1) الاجْتِهادِ. الرَّابعةُ، لو حكَمَ حاكِمٌ بكَوْنِه أُسْوَةَ الغُرَماءِ، نُقِضَ حُكْمُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وفيه احْتِمالٌ: لا يُنْقَضُ. الخامسةُ، يكونُ الاسْتِرْجاعُ في السِّلْعَةِ بالقَوْلِ (2)، فلو أقْدَم على
(1) في الأصل، ط:«تسوية» .
(2)
في الأصل، ط:«كالقول» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّصَرُّفِ فيها ابْتِداءً لم ينْعَقِدْ، ولم يَكُنِ اسْتِرْجاعًا. وكذا الوَطءُ. ذكَرَه القاضي في «الخِلافِ» ؛ لتَمامِ مِلْكِ المُفْلِسِ. وفي «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصولِ»: يكونُ الوَطْءُ اسْتِرْجاعًا، وأنَّ فيه احْتِمالًا آخَرَ بعَدَمِه. قاله في «القاعِدَةِ الخامسَةِ والخَمْسِين» . السَّادسةُ، يُسْتَثْنَى مِن جَوازِ الأخْذِ، بعدَ كَمالِ الشُّروطِ، مَسْأَلَةٌ، وهي ما إذا كان المَبِيعُ صَيدًا، والبائعُ مُحْرِمًا، فإنَّه ليس له الرُّجوعُ فيه؛ لأنَّه تَمَلَكَ الصَّيدَ، فلم يَجُزْ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحبُ «الرِّعايَةِ» ، وقطَعُوا به. قلتُ: فيُعايَى بها. ولعَلَّهم أرادُوا على القَوْلِ بأنَّ الفَسْخَ [على الفَوْرِ في تلك الحالِة](1). وهو الظَّاهِرُ، وإلَّا فلا وَجْهَ له. السَّابِعةُ، الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّ أخْذَ السِّلْعَةِ على التَّراخِي، كخِيارِ العَيبِ. قدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: على الفَوْرِ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» : أخْذُه على الفَوْرِ في الأَقيَسِ. وصحَّحَه الناظِمُ. ونصَرَه القاضي وغيرُه. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ،
(1) في الأصل، ط:«في ملك الخيار» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الفائِقِ» . قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: الوَجْهان هنا مَبْنِيَّان على الرِّوايتَين في خِيارِ الرَّدِّ بالعَيبِ. الثَّامِنةُ، حيثُ أخَذ البائعُ سِلْعَتَه، فرُجوعُه فَسْخٌ للعَيبِ، فلا يَحْتاجُ إلى مَعْرِفَةِ المَبِيعِ، ولا إلى القُدْرَةِ على تَسْليمِه. فلو رجَع في مَن أَبق، صحَّ، وصارَ له، فإنْ قدَر عليه، أخَذَه، وإن تَلِفَ، فمِن مالِه، وإنْ تبَيَّنَ أنَّه كان تالِفًا حينَ اسْتِرْجاعِه، بطَل رُجوعُه. وإنْ رجَع في مَبِيعٍ اشْتَبَهَ بغيرِه، قُدِّمَ تَعْيِينُ المُفْلِسِ؛ لإِنْكارِه دَعْوَى اسْتِحْقاقِ البائعِ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. التَّاسعةُ، متى قُلْنا: له الرُّجوعُ. فلو كان ثَمَنُ المَبِيعِ المَوْجودِ مُؤْجَّلًا على المُفْلِسِ، وقُلْنا: لا يحِلُّ بالفَلَسِ. فالصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يأْخُذُ المَبِيعَ عندَ الأَجَلِ. نصَّ عليه. وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشرْحِ» ، وقالا: هو أوْلَى. قال الزَّرْكَشِي: عليه الجُمْهُورُ. وقيل: يأخُذُه في الحالِ. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى. وقيل: يُباعُ. اخْتارَه أبو بَكْر في «التَّنْبَيهِ» ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» . وقدَّمه الزَّرْكَشِيُّ. وهو تَخْريجٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: إنْ لم تَزِدْ قِيمَتُه، رجَع فيه مجانًا. ذكَرَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . العاشرةُ، ذكَر المُصَنِّفُ هنا حُكْمَ السِّلْعَةِ المَبِيعَةِ إذا وجَدَها. وبهذا حُكْمُ القَرْضِ وغيرِه إذا وجَد عَينَه. قال في «الرِّعَايَةِ»: لو كان دَينُه سَلَمًا، فأدْرَك الثَّمَن بعَينِه، أخَذَه. قال في «التَّلْخيصِ»: الرُّجوعُ ثابِتٌ في كلِّ ما هو في مَعْنَى البَيعِ مِن عُقودِ المُعاوَضاتِ المَحْضَةِ؛ كالإجارَةِ والسَّلَمِ والصُّلْحِ بمَعْنَى البَيعِ. وكذلك الصَّداقُ، كأن يصْدُقَ امْرأةً عَينًا، وتحْصُلُ الفُرْقَةُ مِن جِهَتِها، وقد أفْلَسَتْ. وكذا لو وجَد عَينًا مُؤجَرَةً لم يَمْض مِنَ المُدَّةِ شيءٌ، فلو مضَى بعضُ المُدَّةِ، فله أُسْوَةُ الغُرَماءِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: يَخْتَصُّ بها. الحادَيةَ عشَرَ، لو كان للمُفْلِسِ عَينٌ مُؤْجَرَةٌ، كان المُسْتَأْجِرُ أحقَّ بالمَنافِعِ مُدَّةَ الإجارَةِ، فإنْ تعَطَّلَتْ في أثْناءِ المُدَّةِ، ضُرِبَ له بما بَقِيَ مع الغُرَماءِ. قاله الأصحابُ.
فَصْلٌ: الْحُكْمُ الثَّالِثُ، بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالهُ وَقَسْمُ ثَمَنِهِ، وَيَنْبَغِي أنْ يُحْضِرَهُ وَيُحْضِرَ الْغُرَمَاءَ، وَيَبِيعَ كُلَّ شَيْءٍ في سُوقِهِ،
ــ
قوله: الحُكْمُ الثَّالِثُ، بَيعُ الحاكِمِ ماله -بمَعْنى، إنْ كان مِن غيرِ جِنْسِ الدَّينِ- وقَسْمُ ثَمَنِه. يعْنِي، يجِبُ ذلك على الحاكِمِ، ويكونُ على الفَوْرِ.
قوله: ويَنْبَغِي أنْ يُحْضِرَه ويُحْضِرَ الغُرَماءَ. بمَعْنَى يُسْتَحَبُّ. ذكَرَه الأصحَابُ.
قوله: ويَبِيعَ كلَّ شَيءٍ في سُوقِه. بشَرْطِ أنْ يَبِيعَه بثَمَنِ مِثْلِه المُسْتَقِرِّ في وَقْتِه أو أَكْثرَ. ذكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ وغيرُه، واقْتَصَر عليه في «الفُروعِ» .
وَيَتْرُكَ لَهُ مِنْ مَالِهِ مَا تَدْعُو إِلَيهِ حَاجَتُهُ مِنْ مَسْكَنٍ وَخَادِمٍ.
ــ
قوله: ويَتْرُكَ له مِن مالِه ما تَدْعُو إليه حاجَتُه مِن مَسْكَنٍ. بلا نِزاعٍ. لكِنْ إنْ كان واسِعًا يفْضُلُ عن سُكْنَى مِثْلِه، بِيعَ، واشْتُرِيَ له مَسْكَنُ مِثْلِه. ولابنِ حَمْدانَ احْتِمالٌ، أنَّ مَنِ ادَّانَ ما اشْتَرَى به مَسْكَنًا، أنَّه يُباعُ، ولا يُتْرَكُ. ولو كانَ المَسْكَنُ عَينَ (1) مالِ بعضِ الغُرَماءِ، أخَذَه بالشُّروطِ المُتَقَدِّمَةِ.
(1) في الأصل، ط:«غير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله (1): وخادِمٍ. بلا نِزاعٍ. لكِنْ بشَرْطِ أنْ لا يكونَ نَفِيسًا، وكذا المَسْكَنُ. نصَّ عليهما.
(1) في الأصل، ط:«فائدة» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة (1): يُتْرَكُ له أيضًا آلةُ حِرْفَةٍ، فإنْ لم يَكُنْ صاحِبَ حِرْفَةٍ، تُرِكَ له ما يَتْجُرُ به. نصَّ عليه. وجزَم به ناظِمُ «المُفْرَداتِ» وغيرُه، وهو منها. وقال في «المُوجَزِ» ، و «التَّبْصِرَةِ»: ويترَكُ له أيضًا فَرسٌ يَحْتاجُ إلى رُكُوبِها. وقال في «الرَّوْضَةِ» : يُتْرَكُ له دَابَّةٌ يحْتاجُها. ونقَل عَبْدُ اللهِ، يُبَاعُ الكُلُّ إلَّا المَسْكَنَ، وما يُوازيه مِن ثِيابٍ، وخادِمٍ يحْتاجُه.
(1) في الأصل، ط «تنبيه» .
وَيُنْفِقَ عَلَيهِ بِالْمَعْرُوفِ إِلَى أَنْ يَفْرَغَ مِنْ قَسْمِهِ بَينَ غُرَمَائِهِ.
ــ
تنبيه (1): مُرادُ المُصَنِّفِ وغيرِه بتَرْكِ المَسْكَنِ والخادِمِ وغيرِهما، إذا لم يَكُنْ عَينَ (3) مالِ الغُرَماءِ. وأمَّا إنْ كان عَينَ (2) مالِهم، فإنَّه لا يُتْرَكُ له منه شيءٌ، ولو كان مُحْتاجًا إليه. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهما. وهو واضِحٌ. فكَلامُهم هنا مَخْصُوصٌ بما تقدَّم.
قوله: ويُنفِقَ عليه بالمَعُروف إلى أنْ يَفْرَغَ مِن قَسْمِه بينَ غُرَمائِه. يعْنِي، عليه وعلى عِيالِه. ومِنَ النَّفَقَةِ كُسْوَتُه وكُسْوَةُ عِيالِه. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ مُطْلَقًا، وعليه أكْثَرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في
(1) في الأصل، ط «قوله» .
(2)
في الأصل، ط:«غير» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«الفُروعِ» وغيرِه. وقال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: محَلُّ هذا إذا لم يَكُنْ له كَسْبٌ، وأما إنْ كان يقْدِرُ على التَّكَسُّبِ، لم يُتْرَكْ له شيءٌ مِنَ النَّفَقَةِ. وقطَعا به. وهو قَويٌّ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: لو ماتَ، جُهِّزَ مِن مالِه، كنَفَقَةٍ. قاله في «الفائقِ» وغيرِه.
وَيَبْدَأُ بِبَيعِ مَا يُسْرِعُ إِلَيهِ الْفَسَادُ، ثُمَّ بِالحَيَوانِ، ثُمَّ بِالْأَثَاثِ، ثُمَّ بِالْعَقَارِ. وَيُعْطِي الْمُنَادِيَ أُجْرَتَهُ مِنَ الْمَالِ.
ــ
قوله: ويُعْطِي المُنادِي -يعْنِي ونحوَه- أجْرتَه مِنَ المالِ. والمُرادُ، إذا لم يُوجَدْ مُتَطَوِّعٌ. وهذا المذهبُ، وعليه أكثَرُ الأصحابِ، منهم ابنُ عَقِيلٍ. وجزَم به في «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقيل: إنَّما يُعْطى مِن بَيتِ المالِ إنْ أمْكَنَ؛ لأنَّه مِنَ المَصالِحِ. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «إدْراكِ الغايَةِ» . وقَدَّمه في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». قال في «الفائقِ»: وأُجْرَةُ المُنادِي مِنَ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَ مُتَطَوِّعٌ. وقيل: مِن بَيتِ المالِ إنْ تعَذَّرَ. قال في «الحاويَيْن» : وحقُّ المُنادِي مِنَ الثَّمَنِ، إنْ فُقِدَ مَن يتَطَوَّعُ بالنِّداءِ، وتعَذَّرَ مِن بَيتِ المالِ. وقدَّمه
وَيَبْدأُ بِالْمَجْنِيِّ عَلَيهِ، فَيَدْفَعُ إِلَيهِ الْأَقَلَّ مِنَ الْأرْشِ أَوْ ثَمَنِ الْجَانِي، ثُمَّ بِمَنْ لَهُ رَهْنٌ، فَيُخَصُّ بِثَمَنِهِ، فَإنْ فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ، ضَرَبَ بِهِ مَعَ الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ، رُدَّ عَلَى الْمَالِ.
ــ
في «التَّلْخيصِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى». وقال ابنُ عَقِيل: هي مِن مالِ المُفْلِسِ ابْتِداءً. انتهى. وفي القَوْلِ الثَّانِي، نَظَرٌ. ولعَلَّ النُّسْخَةَ مَغْلُوطَةٌ.
تنبيه: مُرادُه بقَوْله: ويَبْدَأُ بالمَجْنِيِّ عليه. إذا كان الجانِي عَبْدَ المُفْلِسِ، بدَليلِ قوْلِه: فيَدْفَعُ إليه الأقَلَّ مِنَ الأرْشِ أو ثَمَنِ الجانِي. وسواءٌ كانتِ الجِنايَةُ عليه قبلَ الحَجْرِ أو بعدَه. جزَم به في «الفُروعِ» وغيرِه. وأمَّا إنْ كان المُفْلِسُ هو الجانِي، فالمَجْنِيُّ عليه أُسْوَةُ الغُرَماءِ؛ لأنَّ حقَّه مُتَعَلِّقٌ بالذِّمَّةِ.
قوله: ثم بمَن له رَهْنٌ، فيَخْتَصُّ بثَمَنِه. ظاهِرُه، أنَّه سواءٌ كان الرَّهْنُ لازِمًا،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أوْ لا. وهو ظاهِرُ كلامِه في «المُحَرَّرِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. قال في «الفُروعِ»: ولم يُقَيِّدْه جماعَةٌ باللُّزومِ. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنه لا يَخْتَصُّ بثَمَنِه إلَّا إذا كان لازِمًا. قدَّمه في «الفُروعِ» . وعنه، إذا ماتَ الرَّاهِنُ أو أفْلَسَ، فالمُرْتَهِنُ أحَقُّ به. ولم يَعْتَبِرْ وُجودَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَبْضِه بعدَ مَوْتِه أو قبلَه. وقال في «الفائقِ» : ثم يخْتَصُّ مَن له رَهْنٌ بثَمَنِه، في أصحِّ الوَجْهَين. وقال في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى»: يَخْتَصُّ بثَمَنِ الرَّهْنِ، على الأصحِّ. فحكَى الخِلافَ رِوايتَين. وذكَرَهما ابنُ عَقيل وغيرُه في صُورَةِ المَوْتِ؛ لعَدَمِ رِضاه بذِمَّتِه، بخِلافِ مَوْتِ بائعٍ وجَد مَتاعَه: وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، بعدَ أنْ قدَّم المذهبَ: وعنه، أنَّه بعدَ المَوْتِ أُسْوَةُ الغُرَماءِ مُطْلَقًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: فإنْ فضَل له فَضْلٌ، ضرَب به مع الغُرَماءِ، وإنْ فضَل منه فَضْلٌ، رُدَّ على المالِ. وتقدَّم أن الفاضِلَ يُرَدُّ على المالِ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ، كما جزَم به هنا، وأنَّ القاضِيَ اخْتارَ أنَّ بائعَه أحقُّ بالفاضِلِ، وله الرُّجوعُ فيه.
ثُمَّ بِمَنْ لَهُ عَينُ مَالٍ يَأْخُذُهَا، ثُمَّ يَقْسِمُ الْبَاقِي بَينَ بَاقِي الْغُرَمَاءِ عَلَى قَدْرِ دُيُونِهِمْ.
ــ
قوله: ثم بمَن له عَينُ مالٍ يأْخُذُها. يعْنِي، بالشُّروطِ المُتقَدِّمَةِ. وكلامُه هنا أعَمُّ؛ فيَدْخُلُ عَينُ القَرْضِ، ورَأْسُ مالِ السَّلَمِ، وغيرُهما، كما تقدّم. وكذا
فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ، لَمْ يَحِلَّ. وَعَنْهُ، أنَّهُ يَحِلُّ، فَيُشَارِكُهُمْ.
ــ
المُسْتَأْجِرُ مِنَ المُفْلِسِ أحقُّ بالمَنافِعِ مُدَّةَ الإجارَةِ مِن بَقِيَّةِ الغُرَماءِ، على ما تقدَّم قَرِيبًا.
قوله: ثم يَقْسِمُ الباقِيَ بينَ باقِي الغُرَماءِ على قَدْرِ دُيُونِهم؛ فإنْ كان فيهم مَن له دَيْنٌ مُؤجَّلٌ، لم يَحِلَّ. هذا إحْدَى الرِّواياتِ. وهو المذهبُ. قال الزَّرْكَشِيُّ:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
هذا المذهبُ المَشْهورُ. قال ابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» : هذا المذهبُ. وهو أصحُّ. قال القاضي: لا يحِلُّ الدَّينُ بالفَلَسِ، رِوايَةً واحِدةً. قال في «التَّلْخِيصِ»: لا يحِلُّ الثَّمَنُ المُؤجَّلُ بالفَلَسِ، على الأصحِّ. قال في «الخُلاصَةِ»: وإنْ كان له دَينٌ مُؤجَّلٌ، لم يُشارِكْ، على الأصحِّ. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وجزَم به في «العُمْدَةِ» وغيرِه. وعنه، يَحِلُّ. ذكَرَها أبو الخَطَّابِ. قال ابنُ رَزِينٍ: وليس بشيءٍ. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» . وعنه، لا يَحِلُّ إذا وُثِّقَ برَهْنٍ، أو كَفِيلٍ مَلِئٍ، وإلَّا حَلَّ. نقَلَها ابنُ مَنْصُورٍ. فمتى قُلْنا: يَحِلُّ. فهو كبَقِيَّةِ الدُّيونِ الحالَّةِ. ومتى قُلْنا: لا يَحِلُّ. لم يُوقَفْ لرَبِّه شيءٌ، ولا يَرْجِعُ على الغُرَماءِ به إذا حَلَّ. لكِنْ إنْ حَلَّ قبلَ القِسْمَةِ، شارَكَ الغُرَماءَ، وإنْ حَلَّ بعدَ قِسْمَةِ البعضِ، شارَكَهم أيضًا، وضرَب بجَمِيعِ دَينِه، وباقِى الغُرَماءِ ببَقِيَّةِ دُيُونِهم. قاله الزَّرْكَشِيُّ وغيرُه مِنَ الأصحابِ.
وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيهِ دَيْنٌ مُؤجَّلٌ، لَمْ يَحِلَّ إِذَا وَثَّقَ الْوَرَثَةُ. وَعَنْهُ، يَحِلُّ.
ــ
قوله: ومَن ماتَ وعليه دَين مُؤَجَّلٌ، لم يَحِل إذا وَثَّقَ الوَرَثَةُ. يعْنِي، بأقَلِّ الأمْرَين مِن قِيمَةِ التَّرِكَةِ أو الدَّينِ. هذا المذهبُ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: هذا أشْهَرُ الروايتَين. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ والمُخْتارُ للأصحابِ مِنَ الرِّوايتَين. ونصَرَه المُصنِّفُ، والشَّارِحُ. وقطَع به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«العُمْدَةِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وغيرُهم. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وعنه، يَحِلُّ هنا مُطْلَقًا، ولو قتَلَه رَبُّه، ولو قُلْنا: لا يَحِلُّ بالفَلَسِ. اخْتارَه ابنُ أبِي مُوسى. وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» ، ومال إليه. فعلى المذهبِ، إنْ تعَذَّرَ التَّوَثُّقُ، حَلَّ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وعنه، لا يَحِلُّ. اخْتارَه أبو محمدٍ الجَوْزِيُّ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». قال ناظِمُ «المُفْرَداتِ»: ولا يحِلُّ ما على المَدْيونِ بمَوْتِه مِن آجِلِ الدُّيونِ. وقال في «الانْتِصارِ» : يتَعلَّقُ الحَقُّ بذِمَّتِهم -وذكَره عن أصحابِنا في الحَوالةِ- فإنْ كانتْ مَلِيئَةً، وإلَّا وَثَّقُوا. وقال أيضًا: الصَّحيحُ أنَّ الدَّينَ في ذِمَّةِ المَيِّتِ والتَّرِكَةِ. فعلى المذهبِ، يَخْتَصُّ أرْبابُ الدُّيونِ الحالَّةِ بالمالِ. وعلى الثَّانيةِ، يُشارِكُون به. وقال في «الرِّعايَةِ»: ومَن ماتَ، وعليه دَينٌ حالٌّ، ودَين مُؤجَّلٌ، وقُلْنا: لا تحلُّ بمَوْتِه. ومالُه بقَدْرِ الحالِّ، فهل يترَكُ له ما يخُصُّه؛ ليَأْخُذَه إذا حل دَينُه، أو يُوَفِّي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الحالُّ، ويَرْجِعُ على رَبِّه صاحِبُ المُؤجَّلِ إذا حَلَّ بحِصَّتِه، أو لا يَرْجِعُ؟ يَحْتَمِلُ ثَلاثَةَ أوْجُهٍ. فوائد؛ الأولَى، إذا لم يَكُنْ له وارِثٌ، فقال القاضي في «المُجَرد» ، وابنُ عَقِيلٍ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي»: يحِلُّ الدَّينُ؛ لأنَّ الأصْلَ يَسْتَحِقُّه الوارِثُ، وقد عُدِمَ هنا. وقدَّمه في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ». وذكَر القاضي في «خِلافِه» احْتِمالين. قال في «الفُروعِ»: ولو وَرِثَه بَيتُ المالِ، احْتَمَلَ انْتِقالُه، ويَضْمَنُ الإمامُ للغُرَماءِ، واحْتَمَلَ حِلُّه. وذكَرَهما في «عُيونِ المَسائلِ» . وذكَرَهما القاضي في «التَّعْليقِ» ؛ لعدَمِ وارِثٍ مُعَيَّنٍ. وأطْلَقَ في «الفائقِ» وَجْهَين، فيما إذا لم يَكُنْ له وارِثٌ. الثَّانيَةُ، قال في «التَّلْخيصِ»: حُكْمُ مَن طرَأ عليه جُنونٌ حُكْمُ المُفْلِسِ والمَيِّتِ، في حُلولِ الدَّينِ وعدَمِه. الثَّالثةُ، متى قُلْنا بحُلولِ الدَّينِ المُؤجَّلِ، فإنَّه يأْخُذُه كلَّه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفائقِ» ، وقال: والمُخْتارُ سُقوطُ جُزْء مِن رِبْحِه مُقابِلَ الأجَلِ بقِسْطِه، وهو مأْخُوذ مِنَ الوَضْعِ والتَّأْجِيلِ. انتهى. وهو حَسَنٌ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّابعةُ، هل يَمْنَعُ الدّينُ انْتِقال التَّرِكَةِ إلى الوَرَثَةِ، أم لا يَمْنَعُ؟ فيه رِوايَتان؛ إحْداهما، لا يَمْنَعُ، بل تَنْتَقِلُ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ، والقاضي، وأصحابُه. قال ابنُ عَقِيلٍ: هي المذهبُ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هو المَنْصوصُ المَشْهورُ المُخْتارُ للأصحاب. وقد نصَّ الإمامُ أحمدُ، أنَّ المُفْلِسَ إذا ماتَ، سقَط حقُّ البائعِ مِن غيرِ مالِه؛ لأنَّ المال انْتَقَلَ إلى الوَرَثَةِ. قال في «القَواعِدِ الفِقْهِيَّةِ»: أشْهَرُ الرِّوايتَين الانْتِقالُ. والرِّوايَةُ الثَّانيةُ، لا تَنْتَقِلُ. نقَلَها ابنُ مَنْصُورٍ. وصحَّحه النَّاظِمُ. ونصَرَه في «الانْتِصارِ» . ويأتي ذلك في آخِرِ القِسْمَةِ بأتَمَّ مِن هذا. ولهذا الخِلافِ فَوائدُ، يأْتِي بَيانُها قَرِيبًا. ولا فَرْقَ في ذلك بينَ دُيونِ اللهِ تَعالى، ودُيونِ الآدَمِيِّين، ولا بينَ الدُّيونِ الثَّابِتَةِ في الحَياةِ، والمُتَجَدِّدَةِ بعدَ المَوْتِ بسَبَب يَقْتَضِي الضَّمانَ؛ كحَفْرِ (1) بِئْرٍ ونحوهِ. صرَّح به القاضي. وهل يُعْتَبرُ كَوْنُ الدَّينِ مُحِيطًا بالتَّرِكَةِ، أمْ لا؟ قال في «القَواعِدِ»: صرَّح به جماعَةٌ؛ منهم صاحِبُ «التَّرْغِيبِ» ، في التَّفْليسِ. وقال في «الفَوائدِ»: ظاهِرُ كلامِ طائفَةٍ، اعْتِبارُه؛ حيثُ فرَضُوا المَسْأْلةَ في الدَّينِ المُسْتَغْرِقِ. ومنهم مَن صرَّح بالمَنْعِ مِنَ الانْتِقالِ، وإنْ لم يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا. ذكَرَه في مَسائلِ الشُّفْعَةِ. وعلى القَوْلِ
(1) من هنا وحتى قوله: «ذكره في الانتصار» في صفحة 331 سقط من: الأصل، ط.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالانْتِقالِ، يتَعَلّقُ حقُّ الغُرَماء بها جَمِيعِها، وإنْ لم يَسْتَغْرِقْها الدَّينِ. صرَّح به في «التَّرْغِيبِ» . وهل تعَلَّقُ حَقِّهم بها تعَلُّقُ رَهْنٍ، أو جِنايَةٍ؟ فيه خِلافٌ. قال في «القَواعِدِ»: صرَّح الأكثَرون، أنَّه كتَعَلُّقِ الرَّهْنِ، ويُفَسَّرُ بثَلاثَةِ أشْياءَ. وقال في «الفَوائدِ»: يتَحَرَّرُ الخِلافُ بتَحْريرِ مَسائلَ؛ إحْداها، هل يتَعَلَّقُ جميعُ الدَّينِ بالتَّرِكَةِ، وبكُلِّ جُزْءٍ مِن أجْزائها، أم يَتقَسَّطُ؟ صرَّح القاضي في «خِلافهِ» بالأوَّلِ، إنْ كان الوارِثُ واحِدًا، وإنْ كان مُتَعدِّدًا، انْقَسَمَ على قَدْرِ حُقوقِهم، وتعَلَّقَ بحِصَّةِ كلِّ وارِثٍ منهم قِسْطُها مِنَ الدَّينِ، وبكُلِّ جُزْءٍ منها، كالعَبْدِ المُشْتَركِ إذا رهَنَه الشَّرِيكان بدَينٍ عليهما. والثَّانيةُ، هل يَمْنَعُ هذا التَّعَلُّقُ مِن نُفُوذِ التَّصَرُّفِ؟ سيَأْتِي ذلك في فَوائدِ الرِّوايتَين. والثَّالِثَةُ، هل يتعَلَّقُ الدَّينُ بعَينِ التَّرِكَةِ مع الذِّمَّةِ؟ فيه ثَلاثَةُ أوْجْهٍ. وقال في مَوْضِعٍ آخَرَ: هل الدَّينُ باقٍ في ذِمَّةِ المَيِّتِ، أو انْتَقَلَ إلى ذِمَمِ الوَرَثَةِ، أو هو مُتَعلِّقٌ بأعْيانِ التَّرِكَةِ، لا غيرُ؟ فيه ثَلاثَةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، يَنْتَقِلُ إلى ذِمَمِ الوَرَثَةِ. قاله القاضي في «خِلافِه» ، وأبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» ، وابنُ عَقِيل. وقيّده القاضي في «المُجَرَّدِ» بالمُؤَجَّلِ. قال في «الفُروعِ»: وفي «الانْتِصارِ» ، الصَّحيحُ، أنَّه في ذمَّةِ المَيِّتِ في الترِكَةِ. انتهى. ومنهم مَن خصَّه بالقَوْلِ بانْتِقالِ التَّرِكَةِ إليهم. والوَجهُ الثَّانِي، هو باقٍ في ذِمةِ المَيِّتِ. ذكَرَه القاضي أيضًا، والآمِدِيُّ، وابنُ عَقِيلٍ في «فُنونِه» ، والمُصَنِّفُ في «المُغْنِي» . وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحابِ في ضَمانِ دَينِ المَيِّتِ. والوَجْهُ الثَّالثُ، يتَعَلَّقُ بأعْيانِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
التَّرِكَةِ فقط. قاله ابنُ أبِي مُوسى. ورُدَّ بلُزومِ بَراءَةِ ذِمَّةِ المَيِّتِ فيها بالتَّلَفِ. ويأْتي هذا أيضًا في بابِ القِسْمَةِ. إذا عُرِفَ هذا، فللخِلافِ في أصْلِ المَسْأَلةِ -وهو كَوْنُ الدَّينِ يَمْنَعُ الانْتِقال أم لا؟ فَوائِدُ كثيرةٌ. ذكَرَها ابنُ رَجَبٍ في «الفَوائدِ» مِن «قَواعِدِه» ؛ منها، نُفُوذُ تصَرُّفِ الوَرَثَةِ فيها ببَيعٍ أو غيرِه مِنَ العُقودِ. فعلى الثَّانيةِ، لا إشْكال في عدَمِ النُّفوذِ. وعلى المذهبِ، قيلَ: لا يَنْفُذُ. قاله القاضي في «المُجَرَّدِ» ، وابنُ عَقِيلٍ، في بابِ الشَّرِكَةِ مِن «كِتابَيهما». وحمَل القاضي في «المُجَرَّدِ» رِوايَةَ ابنِ مَنْصُورٍ على هذا. وقيلَ: يَنْفُذُ. قاله القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، في الرَّهْنِ والقِسْمَةِ، وجعَلاه المذهبَ. قال في «القاعِدَةِ الثَّالِثَةِ والخَمْسِين»: أصحُّ الوَجْهَين، صِحَّةُ تصَرُّفِهم. انتهى. وإنَّما يجوزُ لهم التَّصَرُّفُ بشَرْطِ الضَّمانِ. قاله القاضي. قال: ومتى خَلَّى الوَرَثَةُ بينَ التَّرِكَةِ وبينَ الغُرَماءِ، سَقَطَتْ مُطالبَتُهم بالدُّيونِ، ونصَّبَ الحاكِمُ مَن يُوَفِّيهم منها، ولم يَمْلِكْها الغُرَماءُ بذلك. وهذا يدُلُّ على أنَّهم إذا تصَرفُوا فيها، طُولِبوا بالدُّيونِ كلِّها. وفي «الكافِي» ، إنَّما يَضْمَنُون الأقَلَّ مِن قِيمَةِ التَّرِكَةِ أو الدَّينِ. وعلى الأوَّلِ، يَنْفُذُ العِتْقُ خاصَّةً، كعِتْقِ الرَّاهِنِ. ذكَرَه في «الانْتِصارِ» (1). وحكَى القاضي في «المُجَرَّدِ» ، في بابِ العِتْقِ، في نُفوذِ العِتْقِ مع عدَمِ العِلْمِ، وَجْهَين، وأنَّه (2)
(1) آخر السقط.
(2)
في الأصل، ط:«لأنه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لا يَنْفُذُ مع العِلْمِ. وجعَل المُصَنِّفُ في «الكافِي» مأْخَذَهما، أن حُقوقَ الغُرَماءِ المُتعَلِّقَةَ بالترِكَةِ، هل يَمْلِكُ الْورَثَةُ إسْقاطَها بالْتِزامِهم الأداءَ مِن عندِهم، أم لا؟ وفي «النَّظَريَّاتِ» لابنِ عَقِيلٍ: عِتْقُ الوَرَثَةِ يَنْفُذُ مع يَسارِهم، دُونَ إعْسارِهم؛ اعْتِبارًا بعِتْقِ مَوْرُوثِهم في مَرَضِه وهل يصِحُّ رَهْنُ التَّرِكَةِ عندَ الغُرَماءِ؟ قال القاضي في «المُجَرَّدِ»: لا يصِحُّ. ومنها، نَماءُ التَّرِكَةِ. فعلى الثَّانيةِ، يتَعَلَّقُ حقُّ الغُرَماءِ به أيضًا. وعلى المذهبِ، فيه وَجْهان؛ هل يتَعَلَّق حقُّ الغُرَماءِ بالنَّماءِ، أم لا؟ وأطْلَقَهما في «القَواعِدِ». وقال في «القاعِدَةِ الثَّانيةِ والثَّمانِين»: إنْ قيلَ: إنَّ التَّرِكَةَ باقِيَةً على حُكْمِ مِلْكِ المَيِّتِ. تعَلَّقَ حقُّ الغُرَماءِ بالنَّماءِ، كالمَرْهُونِ. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ. ويَنْبَغِي أنْ يُقال: إنْ قُلْنا: تعَلُّقُ الدَّينِ بالتَّرِكَةِ تعَلُّقُ رَهْنٍ يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ فيه. فالأمْرُ كذلك. وإنْ قُلْنا: تعَلُّقُ جِنايَةٍ لا يَمْنَعُ التَّصَرُّفَ. فلا يتَعَلَّقُ بالنَّماءِ. وأمَّا إنْ قُلْنا: لا تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلى الوَرَثَةِ بمُجَرَّدِ المَوْتِ. لم تتَعَلَّقْ حُقوقُ الغُرَماءِ بالنَّماءِ. ذكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيل. وخرَّج الآمِدِيُّ، وصاحِبُ «المُغْنِي» ، تعَلُّقَ الحَقِّ بالنَّماءِ مع الانْتِقالِ أيضًا، كتَعَلُّقِ الرَّهْنِ. وقد يَنْبَنِي ذلك مِن أصْل آخَرَ، وهو أنَّ الدَّينَ هل هو باقٍ في ذِمَّةِ المَيِّتِ، أو انْتَقَلَ إلى ذِمَّةِ الوَرَثَةِ، أو هو مُتَعَلِّقٌ بأعْيانِ التَّرِكَةِ لا غيرُ؟ وفيه ثَلاثةُ أوْجُهٍ. وقد تقَدَّمَتْ قبلَ الفَوائدِ. قال: فعلى القَوْلِ الثَّالِثِ، يتَوَجَّهُ أنْ لا تتَعَلَّقَ الحُقوقُ بالنَّماءِ؛ إذ هو كتَعَلُّقِ الجِنايَةِ. وعلى الأوَّلَين، يتَوَجَّهُ تعَلُّقُها بالنَّماءِ، كالرَّهْنِ. ومنها، لو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ماتَ وعليه دَيْنٌ، وله مالٌ زَكَويٌّ، فهل تَبْتَدِئُ الوَرَثَةُ حوْلَ الزَّكاةِ مِن حينِ المَوْتِ، أم لا؟ فعلى الثَّانيةِ، لا إشْكال في أنَّه لا تَجْرِي في حَوْلِه حتى تَنْتَقِلَ إليه. وعلى المذهبِ، يُبْنَى على أنَّ الدَّينِ؛ هل هو مَضْمُونٌ في ذِمَّةِ الوارِثِ، أم هو في ذِمَّةِ المَيِّتِ خاصَّةً؟ فإن قُلْنا: هو في ذِمَّةِ الوارِثِ. وكان ممَّا يَمْنَعُ الزَّكاةَ، انْبَنَى على الدَّينِ المانِعِ؛ هل يَمْنَعُ انْعِقادَ الحَوْلِ في ابتدائِه، أو يَمْنَعُ الوُجوبَ في انْتِهائِه خاصَّةً؟ فيه رِوايَتان. ذكَرَهما المَجْدُ في «شَرْحِه» . والمذهبُ أنَّه يَمْنَعُ الانْعِقادَ، فيَمْتَنِعُ انْعِقادُ الحَوْلِ على مِقْدارِ الدَّينِ مِنَ المالِ. وإنْ قُلْنا: إنما يَمْنَعُ وُجوبَ الزَّكاةِ في آخِرِ الحَوْلِ. منَع الوُجوبَ هنا آخِرَ الحَوْلِ، في قَدْرِه أيضًا. وإنْ قُلْنا: ليس في ذِمَّةِ الوارِثِ شيءٌ. فظاهِرُ كلامِ أصحابِنا، أنَّ تعَلُّقَ الدَّينِ بالمالِ مانِعٌ. ومنها، لو كان له شَجَرٌ، وعليه دَينٌ، فماتَ، فهنا صُورَتان؛ إحْداهما، أنْ يمُوتَ قبلَ أنْ يُثْمِرَ، ثم يُثْمِرَ قبلَ الوَفاءِ؛ فيَنْبَنِي على أنَّ الدَّينَ، هل يتَعَلَّقُ بالنماءِ؟ فإنْ قُلْنا: يَتَعَلَّقُ به. خُرِّجَ على الخِلافِ في مَنْعِ الدَّينِ الزَّكاةَ في الأموالِ الظَّاهِرَةِ، على ما تقدَّمَ. وإنْ قُلْنا: لا يتَعَلَّقُ به. فالزَّكاةُ على الوارِثِ. وهذا كلُّه بِناءً على القَوْلِ بانْتِقالِ المِلْكِ إليه. أمَّا إنْ قُلْنا: لا يَنْتَقِلُ المِلْكُ. فلا زَكاةَ عليه، إلَّا أنْ يَنْفَكَّ التَّعَلُّقُ قبلَ بُدُوِّ الصَّلاحِ. الصُّورَةُ الثَّانيةُ، أنْ يموتَ بعدَ ما أثْمَرَتْ، فيتَعَلَّقَ الدَّينُ بالثَّمَرَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ثم إنْ كانَ موْتُه بعدَ وَقْتِ الوُجوبِ، فقد وجَبَتْ عليه الزَّكاةُ، إلَّا أنْ نقولَ: إنَّ الدَّينَ يَمْنَعُ الزَّكاةَ في المالِ الظَّاهِرِ. وإنْ كان قبلَ الوُجوبِ، فإنْ قُلْنا: تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ إلى الوَرَثَةِ مع الدَّينِ. فالحُكْمُ كذلك. وإنْ قُلْنا: لا تَنْتَقِلُ. فلا زَكاةَ عليهم. وهذه المَسْأَلةُ تدُلُّ على أنَّ النَّماءَ المُنْفَصِلَ يتَعَلَّقُ به حقُّ الغُرَماءِ، بلا خِلافٍ. وقال في «الفُروعِ»: وإنْ ماتَ بعدَ أنْ أثْمَرَتْ، تعَلَّقَ بها الدَّينُ، ثم إنْ كان بعدَ وَقْتِ الوُجوبِ، ففي الزَّكاةِ رِوايَتان. وكذا إنْ كان قبلَه، وقُلْنا: تَنْتَقِلُ التَّرِكَةُ مع الدَّينَ. وإلَّا فلا زَكاةَ. انتهى. وكذا قال ابنُ تَمِيمٍ، وابنُ حَمْدانَ، في بابِ زَكاةِ الزُّروعِ والثِّمارِ. ومنها، لو ماتَ، وله عَبيدٌ، وله دَينٌ، وأهَلَّ هِلالُ الفِطْرِ. فعلى المذهبِ، فِطْرَتُهم على الوَرَثَةِ. وعلى الثَّانيةِ، لا قِطْرَةَ لهم على أحَدٍ ومنها، لو كانتِ التَّرِكَةُ حَيوانًا. فعلى المذهبِ، النَّفَقَةُ عليهم. وعلى الثَّانيَةِ، مِنَ التَّرِكَةِ كمُؤْنَةٍ. وكذلك مُؤْنَةُ المالِ؛ كأُجْرَةِ المَخْزَنِ ونحوهِ. ومنها، لو ماتَ المَدِينُ وله شِقْصٌ، فباعَ شَرِيكُه نَصِيبَه (1) قبلَ الوَفاءِ، فعلى المذهبِ، لهم الأخْذُ. بالشُّفْعَةِ. وعلى الثَّانيَةِ، لا. ولو كان الوارِثُ شَرِيكَ المَوْرُوثِ، وبِيعَ نَصِيبُ المَوْرُوثِ في دَينِه، فعلى المذهبِ، لا شُفْعَةَ للوارِثِ. وعلى الثَّانيةِ، له الشُّفْعَةُ. ومنها، لو وَطِئَ الوارِثُ الجارِيَةَ المَوْرُوثَةَ -والدَّينُ يَسْتَغْرِقُ التَّرِكَةَ- فأوْلَدَها، فعلى المذهبِ، لا حَدَّ، ويَلْزَمُه قِيمَتُها. وعلى الثَّانيةِ، لا حَدَّ أيضًا؛ لشُبْهَةِ المِلْك،
(1) في الأصل، ط:«نصفه» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعليه قِيمَتُها ومَهْرُها. ذكَرَه في «الانْتِصارِ» . ففائدَةُ الخِلافِ حِينَئذٍ في المَهْرِ. ومنها، لو تَزوَّجَ الابنُ أمَةَ أبِيه (1)، ثم قال: إنْ ماتَ أبِي، فأنْتِ طالِقٌ. وقال أبُوه: إنْ مِتُّ، فأنْتِ حُرَّةٌ. ثم ماتَ وعليه دَينٌ يَسْتَغْرِقُ التَرِكَةَ، لم تَعْتِقْ. وهل يقَعُ الطَّلاقُ؟ قال القاضي في «المُجَرَّدِ»: يقَعُ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يقَعُ. فقَوْلُ ابنِ عَقِيل مَبْنِيٌّ على المذهبِ، وقَوْلُ القاضي مَبْنِيٌّ على الثَّانيَةِ. وكذلك إذا لم يُدَبِّرْها الأبُ سَواءً. وقيل: يقَعُ الطَّلاقُ على المذهبِ أيضًا. ومنها، لو أقَرَّ لشَخْصٍ، فقال: له في مِيراثِه ألَفٌ. فالمَشْهورُ، أنَّه مُتَناقِضٌ في إقْرارِه. وقال في «التَّلْخيصِ»: يَحْتَمِلُ أنْ يَلْزَمَه؛ إذِ المَشْهورُ عندَنا، أنَّ الدَّينَ لا يَمْنَعُ المِيراثَ، فهو كما لو قال: له في التَّرِكَةِ ألْفٌ. فإَّنة إقْرارٌ صحيحٌ. وعلى هذا، إذا قُلْنا: يَمْنَعُ الدَّينُ المِيراثَ. كان مُناقِضًا، بغيرِ خِلافٍ. ومنها، لو ماتَ وترَك ابْنَين وألْفَ دِرْهَمٍ، وعليه ألْفُ دِرْهَمٍ دَينًا، ثم ماتَ أحدُ الابنَين، وترَك ابنًا، ثم أبْرَأ الغَرِيمُ الوَرَثَةَ، فذَكَر القاضي، أنَّ [ابنَ الابنِ](2) يَسْتَحِقُّ نِصْفَ التَّرِكَةِ
(1) في الأصل، ط:«ابنه» .
(2)
في الأصل، ط:«الابن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بمِيراثِه عن أبِيه (1)، وذكَرَه في مَوْضِع إجْماعًا، وعلَّلَه في مَوْضِعٍ بأنَّ التَّرِكَةَ تَنْتَقِلُ مع الدَّينِ، فانْتقَلَ مِيراثُ الابنِ إلى ابنِه. ويُفْهَمُ مِن هذا، أنَّه على الثَّانيةِ، يَخْتَصُّ به وَلَدُ الصُّلْبِ؛ لأنَّه هو الباقِي (2) مِنَ الوَرَثَةِ. ومنها، رُجوعُ بائع المُفْلِسِ في عَينِ مالِه بعدَ مَوْتِ المُفْلِسِ. ويَحْتَمِلُ بِناؤُه على هذا الخِلافِ؛ فإنْ قُلْنا: يَنْتَقِلُ. امْتنَعَ رُجوعُه. وإنْ قُلْنا: لا يَنْتَقِلُ. رجَع، ولا سِيَّما والحَقُّ هنا مُتَعَلِّقٌ في الحَياةِ تعَلُّقًا مُتَأَكَّدًا. ومنها، ما نُقِلَ عنِ الإِمامِ أحمدَ، أنَّه سُئِلَ عن رَجُلٍ ماتَ، وخلَّفَ ألْفَ دِرْهَمٍ، وعليه ألْفَا دِرْهمٍ، وليس له وارِثٌ غيرُ ابنِه، فقال ابنُه لغُرَمائِه: اتْرُكُوا هذه الأَلْفَ بيَدِي، وأخِّرُونِي في حقوقكِم ثَلاثَ سِنِين، حتى أُوَفِّيَكم جميعَ حُقُوقِكم. قال: إذا كانُوا اسْتَحَقُّوا قَبْضَ هذه الألْفِ، وإنَّما يُؤخِّرُونه ليُوَفِّيَهم لأجَلٍ، فترَكُوها في يدَيه، فهذا لا خَيرَ له فيه، إلَّا أنْ يَقْبِضُوا الألْفَ منه، ويُؤخِّرُونه في الباقِي ما شاءُوا. قال في «القَواعِدِ»: قال بعضُ شُيوخِنا: تُخَرَّجُ هذه الرِّوايَةُ على القَوْلِ بأنَّ التَّرِكَةَ لا تَنْتَقِلُ. قال: وإنْ قُلْنا: تَنْتَقِلُ. جازَ. وهو أقْيَسُ بالمذهبِ، وعلَّلَه في «القَواعِدِ» . ومنها، ولايةُ المُطالبَةِ بالتَّرِكَةِ إذا كانتْ دَينًا ونحوَه. فنَصَّ أحمدُ في وَدِيعَةٍ، لا يَدْفَعُها إلَّا إلى الغُرَماءِ والوَرَثَةِ جميعًا. وهو يدُلُّ على أنَّ للغُرَماءِ ولايةَ المُطالبَةِ والرُّجوعِ على المُودَعِ إذا سلَّم الوَدِيعَةَ إلى الوَرَثَةِ. وحمَلَه القاضي على الاحْتِياطِ. قال في «القَواعِدِ»: وظاهِرُ كلامِه،
(1) في الأصل: «ابنه» ، وط:«ابنيه» .
(2)
في الأصل، ط:«الثاني» .
وَإنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ قَسْمِ مَالِهِ رَجَعَ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ.
ــ
إنْ قُلْنا: التَّرِكَةُ مِلْكٌ لهم. فلهم ولايةُ الطَّلَبِ والقَبْضِ. وإنْ قُلْنا: ليستْ مِلْكًا لهم. فليس لهم الاسْتِقْلالُ بذلك. وقال المَجْدُ: عندِي أنَّ النَّصَّ على ظاهِرِه؛ لأنَّ الوَرَثَةَ والغُرَماءَ تتَعَلَّقُ حُقوتُهم بالتَّرِكَةِ؛ كالرَّهْنِ والجانِي، فلا يجوزُ الدَّفْعُ إلى بعضِهم. انْتَهى الكلامُ على الفَوائدِ مُلَخَّصًا.
قوله: وإنْ ظهَر غَرِيمٌ بعدَ قَسْمِ مالِه، رجَع على الغُرَماءِ بقِسْطِه. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. لكِنْ قال المُصنِّفُ، والشَّارِحُ: هذه قِسْمَة بانَ الخَطَأُ (1) فيها، فأشْبَهَ ما لو قسَم أرْضًا أو ميِراثًا بينَ شُرَكاءَ، ثم ظهَر شَرِيكٌ آخَرُ، أو (2)
(1) في الأصل: «الخلط» ، وفي ط:«الخلطاء» .
(2)
في الأصل، ط:«و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وارِثٌ آخَرُ. قال الأزَجِيُّ: فلو كان له ألْفٌ، اقْتَسمَها غرِيماه نِصْفينِ، ثم ظهَر ثالِثٌ دَينُه كدَينِ أحدِهما، رجَع على كلِّ واحدٍ بثُلُثِ ما قبَضَه مِن غيرِ زِيادَةٍ. وأصْلُ هذا، ما لو أقَرَّ أحدُ الوارِثَين بوارِثٍ؛ فإنَّه يأْخُذُ ما في يَدِه إذا كان ابنًا، وهما ابنان. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. وهو كما قال في الثَّانيَةِ، بل هو خَطَأٌ فيها. قال في «الفُروعِ»: فظاهِرُ كلامِهم، يَرْجِعُ على مَن أتْلَفَ ما قبَضَه بحِصَّتِه. ثم قال: ويتَوَجَّهُ كمَفْقُودٍ رجَع بعدَ قِسْمَةٍ وتَلَفٍ. وفي فَتاوَى المُصَنِّفِ، لو وصَل مالُ الغائبِ، فأقامَ رجُلٌ بَينةً أنَّ له عليه دَينًا، وأقامَ آخَرُ بَينةً أنَّ له عليه دَينًا أيضًا، فقال: إنْ طالبا جميعًا، اشْتَرَكا، وإنْ طالبَ أحدُهما، اخْتَصّ به لاخْتِصاصِه بما يُوجِبُ التَّسْلِيمَ، وعدَمِ تعَلَّقِ الدَّينِ بمالِه. قال في «الفُروعِ»: ومُرادُه، ولم يُطالِبْ أصْلًا، وإلَّا شارَكَه ما لم يَقبِضْه.
وَإنْ بَقِيَتْ عَلَى الْمُفْلِسِ بَقِيَّةٌ، وَلَهُ صَنْعَةٌ، فَهَلْ يُجْبَرُ عَلَى إيجَارِ نَفْسِهِ لِقَضَائِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
قوله: وإنْ بَقِيَ على المُفْلِسِ بَقِيَّةٌ وله صَنْعَةٌ، فهل يُجبَرُ على إيجارِ نَفْسِه لقَضائِها؟ على رِوايتَين. وأطْلَقَهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ؛ إحْداهما، يُجْبَرُ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «نَظْم المُفْرَداتِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الآدَمِيِّ» . وقدَّمه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاوبَين» . وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «النَّظْمِ» . ونصَرَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. والرِّوايَةُ الثَّانيَةُ، لا يُجْبَرُ. قدَّمه في «إدْراكِ الغايَةِ» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» . كما لا يُجْبَرُ على قَبُولِ الهَدِيَّةِ والصَّدَقَةِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والقَرْضِ والهِبَةِ والوَصِيَّةِ والخُلْعِ والتَّزْويجِ، حتى أُمِّ وَلَدِه، وأخْذِ الدَّيَةِ على قَوَدٍ. وقيل: لا تَسْقُطُ دِيَتُه بعَفْوه على غيرِ مالٍ أو مُطْلَقًا، إنْ قُلْنا: يجبُ بالعَمْدِ أحدُ شَيئَين. وتقدَّم أنَّه لا يُجْبَرُ على رَدِّ مَبِيعٍ، إذا كان فيه الأحَظُّ. قال في «التَّلْخيصِ»: هو قِياسُ المذهبِ. فعلى المذهبِ، يَبْقَى الحَجْرُ عليه ببَقاءِ دَينِه إلى الوَفاءِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فائدة: الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه يُجْبَرُ على إيجارِ مَوْقُوفٍ عليه، وإيجارِ أُمِّ وَلَدِه، إذا اسْتَغْنَى عنها. قال في «الفُروعِ»: ويُجْبَرُ على إيجارِ ذلك في الأصحِّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «القَواعِدِ» ، في أُمِّ الوَلَدِ. وقيل: لا يُجْبَرُ. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» .
وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إلا بِحُكْمِ حَاكِمٍ،
ــ
قوله: ولا يَنْفَكُّ عنه الحَجرُ إلا بحُكْمِ حاكِم. هذا المذهبُ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: ويَفْتَقِرُ زَوالُه إلى حُكْمٍ في الأصحِّ. جزَم به في «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . وفيه وَجْهٌ آخَرُ، يزُولُ الحَجْرُ بقَسْمِ مالِه.
فَإِذَا فَكَّ عَنْهُ الْحَجْرَ، فَلَزِمَتْهُ دُيُونٌ، وَحَجَرَ عَلَيهِ، شَارَكَ غُرَمَاءُ الْحَجْرِ الْأَوَّلِ غُرَمَاءَ الْحَجْرِ الثَّانِي. وَإنْ كَانَ لِلْمُفْلِسِ حَقٌّ لَهُ بِهِ شَاهِدٌ، فَأَبَى أن يَحْلِفَ مَعَهُ، لَمْ يَكُنْ لِغُرَمَائِهِ أنْ يَحْلِفُوا.
ــ
تنبيه: يُؤخَذُ مِن قوْله: وإنْ كان للمُفْلِسِ حَقٌّ له به شاهِدٌ، فأبَى أنْ يَحْلِفَ معه، لم يكنْ لغُرَمَائِه أنْ يَحْلِفُوا. عدَمُ وُجوبِ اليَمِينِ عليه، وهو كذلك؛ لاحْتِمالِ شُبْهَةٍ.
فَصْلٌ: الْحُكْمُ الرَّابعُ، انْقِطَاعُ الْمُطَالبَةِ عَنْهُ، فَمَنْ أقْرَضَهُ شَيئًا، أوْ بَاعَهُ، لَمْ يَمْلِكْ مُطَالبَتَهُ حَتَّى يُفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ.
ــ
قوله: الحُكْمُ الرَّابعُ، انْقِطاعُ المُطَالبَةِ عنِ المُفْلِسِ، فمَن أقْرَضَه شيئًا، أو باعَهَ، لم يَمْلِكْ مُطالبَتَه حتى يُفَكَّ الحَجْرُ عنه. هذا المذهبُ. وتقدَّم كلامُه في «المُبْهِجِ» ، في الجاهِلِ. وتقدَّم رِوايَةٌ بصِحَّةِ إقْرارِه إذا أضافَه إلى ما قبلَ الحَجْرِ، عندَ قوْلِه: وإنْ تصَرَّفَ في ذِمَّتِه بشِراءٍ أو ضَمانٍ أو إقْرارٍ، صحَّ، ويُتْبَعُ به بعدَ
فَصْلٌ: الضَّرْبُ الثَّانِي، الْمَحْجُورُ عَلَيهِ لحَظِّهِ؛ وَهُوَ الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّفِيهُ،
ــ
فَكّ الحَجْرِ عنه.
قوله: الضَّرْبُ الثَّانِي، المَحْجُورُ عليه لحَظِّه؛ وهو الصَّبِيُّ، والمَجْنونُ، والسَّفِيهُ، فلا يَصِحُّ تَصَرُّفُهم قبلَ الإذْنِ. وهذا المذهبُ في الجُمْلَةِ، وعليه الأصحابُ. وظاهِرُه أنَّ هِبَةَ الصَّبِيِّ لا تصِحُّ، ولو كان مُمَيِّزًا. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. وسُئِلَ أحمدُ: متى تصِحُّ هِبَةُ الغُلامِ؟
فَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمْ قَبْلَ الإذْنِ. وَمَنْ دَفَعَ إِلَيهِمْ مَالهُ بِبَيعٍ أو قَرْضٍ، رَجَعَ فِيهِ مَا كَانَ بَاقِيًا، وَإنْ تَلِفَ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ مَالِكِهِ، عَلِمَ بِالْحَجْرِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ.
ــ
قال: ليس فيه اختِلافْ إذا احْتَلَمَ، أو يَصِيرُ ابنَ خَمْسَ عشْرَةَ سنَةً. وذكَر بعضُ الأصحابِ رِوايَةً في صِحَّةِ إبْرائِه. فالهِبَةُ مِثْلُه. ويأْتِي، هل تصِحُّ وَصِيَّتُه وغيرُها، أمْ لا؟.
قوله: ومَن دفع إليهم -يَعْنِي، إلى الصَّبِيِّ، والمَجْنونِ، والسَّفِيهِ- ماله
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ببَيعٍ، أو قَرْض، رجَع فيه ما كان باقِيًا، وإنْ تَلِفَ، فهو مِن ضَمانِ مالِكِه، عَلِمَ بالحَجْرِ أو لم يَعْلَمْ. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، وقيل: يَضْمَنُ المَجْنونُ. وقيل: يَضْمَنُ السَّفِيهُ إذا جَهِلَ أنَّه مَحْجُورٌ عليه. واخْتارَ في «الرِّعايَةِ الصُّغْرى» الضَّمانَ مُطْلَقًا، واخْتارَه ابنُ عَقِيل. ذكَره الزَّرْكَشِيُّ. قلتُ: وهو الصَّوابُ، كتَصَرفِ العَبْدِ بغيرِ إذْنِ سَيِّدِه، والفَرْقُ على المذهبِ عُسْرٌ.
تنبيه: محَلُّ هذا، إذا كان صاحِبُ المالِ قدْ سلَّطَه عليه، كالبَيعِ والقَرْضِ، ونحوهما. قال المُصَنِّفُ: فأمَّا إنْ حصَل في أيدِيهم باخْتِيارِ صاحبِه مِن غيرِ تَسْليطٍ، كالوَدِيعَةِ، والعارِيَّةِ، ونحوهما، أو أعارَ عَبِيدًا مالًا فأتْلَفُوه، فقيلَ: لا يَضْمَنُون
وَإنْ جَنَوْا، فَعَلَيهِمْ أرْشُ الْجِنَايَةِ.
ــ
ذلك. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ» ، في باب الوَدِيعَةِ. وهو احْتِمالٌ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وقيل: يَضْمَنُون. اخْتارَه القاضي. وقيل: يَضْمَنُ العَبْدُ وحدَه. وقد قطَع في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُقْنِعِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، وغيرِهم، بضَمانِ العَبْدِ إذا أتْلَفَ الوَدِيعَةَ. وأطْلَقَ في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، الخِلافَ في ضَمانِ الصَّبِيِّ الوَدِيعَةَ إذا أتْلَفَها، وكذلك أطْلَقَه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ». وقيل: يَضْمَنُ العَبْدُ، والسَّفِيهُ. وأطْلَقَهُنُّ في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» . وأطْلَقَهُنَّ في «المُحَرَّرِ» ، في بابِ الوَديعَةِ. ويأْتِي ذلك في كلامِ المُصَنفِ هناك بأَتَمَّ مِن هذا مُحَرَّرًا.
قوله: فإنْ جَنَوْا، فعليهم أرْشُ الجِنايَةِ. بلا نِزاع. ويَضْمَنُون أيضًا، إذا أتْلَفُوا شيئًا، لم يُدْفَعْ إليهم.
وَمَتَى عَقَلَ الْمَجْنُونُ، وَبَلَغَ الصَّبِيُّ، وَرَشَدَا، انْفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُمَا بِغَيرِ حُكْمِ حَاكِمٍ، وَدُفِعَ إِلَيهِمَا مَالُهُمَا، وَلَا يَنْفَكُّ قَبْلَ ذَلِكَ بِحَالٍ.
ــ
قوله: ومتى عقَل المَجْنونُ، وبلَغ الصَّبِيُّ، ورشَدا، انْفَكَّ الحَجْرُ عنهما بغيرِ حُكْمِ حاكِمٍ. وهو المذهبُ، وعليه جماهِيرُ الأصحابِ، ونصَّ عليه. وقيل: لا يَنْفَكُّ إلَّا بحُكْمِ حاكِمٍ. اخْتارَه القاضي. وقيل: لا يَنْفَكُّ في الصَّبِيِّ إلَّا بحُكْمِ حاكِم، ويَنْفَكُّ في غيرِه بمُجَرَّدِ رُشْدِه.
وَالْبُلُوغُ يَحْصُلُ بِالاحْتِلَامِ، أوْ بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أَوْ نَبَاتِ الشَّعَرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْقُبُلِ، وَتَزِيدُ الْجَارِيَةُ بِالْحَيضِ وَالْحَمْلِ.
ــ
قوله: والبُلُوغُ يَحْصُلُ بالاحْتِلامِ -بلا نِزاعٍ- أو بُلُوغِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أو نَباتِ الشَّعَرِ الخَشِنِ حولَ القُبُلِ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، ونقَلَه الجماعَةُ عن أحمدَ. وحُكِيَ عنه رِوايَةٌ، لا يَحْصُلُ البُلوغُ بالإنْباتِ. وقال في «الفائقِ»: ويَحْصُلُ البُلُوغُ بإكْمالِ خَمْسَ عشْرَةَ سَنَةً. وعنه، الذَّكَرُ وحدَه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قوله: وتَزِيدُ الجارِيَةُ بالحَيضِ والحَمْلِ. بلا نِزاعٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ»: وحَمْلُها دَلِيلُ إنْزالِها، وقَدْرُه، أقَلُّ مُدَّةِ الحَمْلِ. وكذا قال الزَّرْكَشِيُّ، وغيرُهم. وعنه، لا يَحْصُلُ بُلُوغُها بغيرِ الحَيضِ. نقَلَها جماعَةٌ. قال أبو بَكْر: هذا قَوْلٌ أوَّلُ.
فائدة: لو وُجِدَ مَنِيٌّ مِن ذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ، فهو عَلَمٌ على بُلوغِه، وكَوْنِه رَجُلًا وإنْ خرَج مِن فَرْجِه، أو حاضَ، كان عَلَمًا على بُلوغِه، وكونِه امْرأَةً. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. وجزَم به في «الكافِي» . وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». وصحَّحه في «التَّلْخيصِ». قال في «الرِّعايةِ»: والصَّحيحُ، أنَّ الإِنْزال علامَةُ البُلوغِ مُطْلَقًا. وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه». وقال القاضي: ليس واحِدٌ منهما عَلَمًا على البُلوغِ. قال في «عُيونِ المَسائلِ» : إنْ حاضَ مِن فَرْجِ المرْأَةِ، أو احْتَلَمَ منه، أو أَنْزَلَ مِن ذَكَرِ الرَّجُلِ، لم يُحْكَمْ ببُلوغِه؛ لجَوازِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كَوْنِه خِلْقَةً زائِدَةً، وإنْ حاضَ مِن فَرْجِ النِّساءِ، وأنْزَلَ مِن ذَكَرِ الرَّجُلِ، فبالِغٌ، بلا إشْكالٍ. انتهى. وإنْ خرَج المَنِيُّ مِن ذَكَرِه، والحَيضُ مِن فَرْجِه، فمُشْكِلٌ، ويَثْبُتُ البُلوغُ بذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال القاضي: يَثْبُتُ البُلوغُ به. جزَم به في «التلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، و «الفُروعِ» . وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» ، ذكَرَه في بابِ مِيراثِ الخُنْثَى. وتقدَّم كلامُه في «عُيونِ المَسائلِ». وقيل: لا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يثْبُتُ بذلك البُلوغُ. وأطْلَقَهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وإنْ خرَج المَنِيُّ والحَيضُ مِن مَخْرَج واحدٍ، فمُشْكِلٌ، بلا نِزاعٍ. وهل يَثْبُتُ البُلوغُ بذلك؟ فيه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الفُروعِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفائقِ» ؛ أحدُهما، لا يَحْصُلُ البُلوغُ بذلك. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرى» . والثاني، يَحْصُلُ به. قلتُ: وهو أوْلَى، لأنَّه، إنْ كان ذَكَرًا، فقد أمْنَى، وإنْ كان
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أُنْثَى، فقد أمْنَتْ وحاضَتْ، وكِلاهما يحْصُلُ به البُلوغُ. ثم وَجَدْتُ صاحِبَ «الحاوي الكَبِيرِ» قطعَ بذلك، وعلَّلَه بما قُلْنا.
وَالرُّشْدُ الصَّلَاحُ في الْمَالِ.
ــ
قوله: والرُّشْدُ؛ الصَّلاحُ في المالِ. يعْنِي، لا غيرُ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. وقال ابنُ عَقِيل: الرُّشْدُ؛ الصَّلاحُ في المالِ والدَّينِ. قال: وهو الألْيَقُ بمذهبِنا. قال في «التَّلْخيصِ» : ونصَّ عليه.
وَلَا يَدْفَعُ إِلَيهِ مَالهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ، فَإِنْ كَانَ مِنْ أوْلَادِ التُّجَّارِ، فَبِأَنْ يَتَكَرَّرَ مِنْهُ الْبَيع وَالشِّرَاءُ، فَلَا يُغْبَنَ، وَإنْ كَانَ مِنْ أُوْلَادِ الرُّؤَسَاءِ. وَالْكُتَّابِ، فَبِأَنْ يَسْتَوْفِيَ عَلَى وَكِيلِهِ فِيمَا وَكَّلَهُ فِيهِ. والْجَارِيَةُ بِشِرَائِهَا الْقُطْنَ، وَاسْتِجَادَتِهِ، وَادَفْعِهَا الأُجْرَةَ إِلَى الْغَزَّالاتِ، وَالاستِيفَاءِ عَلَيهِنَّ.
ــ
فائدة: قوْلُه: ولا يَدْفَعُ إليه ماله حتى يُخْتَبرَ -يعْنِي، بما يَلِيقُ به، ويُؤنَسُ
وَأنْ يَحْفَظَ مَا في يَدِهِ عَنْ صَرْفِهِ فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ؛ كَالْغِنَاءِ، وَالْقِمَارِ، وَشِرَاءِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَنَحْوهِ. وَعَنْهُ، لَا يُدْفَعُ إِلَى الْجَارِيَةِ مَالُها بَعْدَ رُشْدِهَا، حَتَّى تَتَزَوَّجَ وتَلِدَ، أوْ تقِيمَ في بَيتِ الزَّوْجِ سَنَةً.
ــ
رُشْدُه- فإنْ كان مِن أوْلادِ التُّجَّارِ، فبأنْ يَتَكَرَّرَ منه البَيعُ والشِّراءُ، فلا يُغْبَنَ. يعْنِي، لا يُغبَنُ في الغالِبِ، ولا يَفْحُشُ.
قوله: وأنْ يَحْفَظَ ما في يدَيه عن صَرْفِه فيما لا فائِدَةَ فيه؛ كالقِمارِ، والغِناءِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وشِراءِ المُحرَّماتِ، ونحوه. قال ابنُ عَقِيلٍ وجَماعَةٌ: ظاهرُ كلامِ أحمدَ، أنَّ التَّبْذِيرَ والإسْرافَ، ما أخْرَجَه في الحَرامِ. قال في «النِّهايَةِ»: أو يَصْرِفُه في صدَقَةٍ
وَوَقْتُ الاخْتِبَارِ قَبْلَ الْبُلُوغِ. وَعَنْهُ، بَعْدَهُ.
ــ
تَضُرُّ بعِيالِه، أو كانَ وحدَه ولم يَثِقْ بإيمانِه. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: أو أخْرَجَه في مُباحٍ قَدْرًا زائِدًا على المَصْلَحَةِ. انتهى. وهو الصَّوابُ.
تنبيه: دخَل في كلامِ المُصَنِّفِ، إذا بلَغَتِ الجارِيَةُ ورشَدَتْ، دفَع إليها مالها. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، كالغُلامِ. وعليه أكثرُ الأصحابِ.
وعنه، لا يَدْفَعُ إلى الجارِيَةِ مالها، ولو (1) بعدَ رُشْدِها، حتى تتَزَوَّجَ وتَلِدَ، أو (2) تُقِيمَ في بَيتِ الزَّوْجِ سنَةً. اخْتارَه جماعة مِنَ الأصحابِ؛ منهم أبو بَكْرٍ، والقاضي، وابنُ عَقِيل في «التَّذْكِرَةِ» ، والشيرازِيُّ في «الإيضاحِ». قال الزَّرْكَشِيُّ: وهو المَنْصوصُ. وأطْلَقهما في «المُذْهَبِ» . فعلى هذه الرِّوايَةِ، إذا لم تتَزَوَّجْ، فقيلَ: يَبْقَى الحَجْرُ عليها. وهو احْتِمالٌ للمُصَنِّفِ وغيرِه. وقيل: تَبْقَى ما لم تَعْنُسْ. قال القاضي: عندِي، إذا لم تتَزَوَّجْ، يُدْفَعْ إليها مالُها، إذا عنَسَتْ وبرَزَتْ للرِّجالِ. وهو الصَّوابُ. واقْتَصرَ عليه في «الكافِي» . وأطْلَقهما في «الفُروعَ» .
قوله: ووَقْتُ الاخْتِبارِ، قبلَ البُلوغِ -هذا المذهبُ بلا رَيبٍ، وعليه أكثرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم- وعنه، بعدَه. وأطْلَقَهما في «الهِدايةِ» ،
(1) في الأصل، ط:«وهو» .
(2)
في الأصل: «و» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «التَّلْخيصِ». وقيل: بعدَه للجارِيَةِ، لنَقْصِ خِبْرَتِها، وقبلَه للغُلامِ.
فائدة: لا يُخْتَبرُ إلَّا المُمَيِّزُ والمُراهِقُ الذي يعْرِفُ البَيعَ والشِّراءَ، والمَصْلَحَةَ والمَفْسَدَةَ. وبَيعُ الاخْتِبارِ (1)، وشِراؤُه، صحيحٌ، بلا نِزاعٍ. وتقدَّم في أوَّلِ كتابِ البَيعِ، التَّنْبِيهُ على ذلك، وحُكْمُ تَصَرُّفِه بإذْنِ وَلِيِّه.
(1) في ط: «الاختيار» .
فَصْلٌ: وَلَا تَثْبُتُ الْولَايةُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إلا لِلْأبِ، ثُمَّ لِوَصِيِّهِ، ثُمَّ لِلْحَاكِمِ.
ــ
قوله: ولا تَثْبُتُ الولايَةُ على الصَّبِيِّ والمجْنُونِ إلَّا للأَبِ. يَسْتَحِقُّ الأبُ الولايَةَ على الصَّغيرِ والمجْنونِ، بلا نِزاعٍ، لكِنْ بشَرْطِ أنْ يكونَ رَشِيدًا، ويَكْفِي كوْنُه مَسْتُورَ الحالِ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم: وَلِيُّهما الأبُ ما لم يُعْلَمْ فِسْقُه. قلت: وهو الصَّوابُ. وقيل: يُشْتَرطُ عدالتُه ظاهِرًا وباطنًا. قال في «المُنَوِّرِ» : ووَلِيُّ الصَّبِيِّ والمَجْنُونِ الأبُ، ثم الوَصِيُّ العَدْلان. وأطْلَقَهما في «الرِّعايَةِ» .
تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: ثم لوَصِيِّه، ثم للحاكِم. أنَّ الجَدَّ والأُمَّ وسائرَ العَصَباتِ ليس لهم ولايةٌ. وهو المذهبُ الذي عليه أكثرُ الأصحابِ. وهو ظاهرُ ما جزَم به في «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» وغيرُه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «المُحَرَّر» و «النَّظْمِ» . وعنه، للجَدِّ ولايةٌ. قال في «الفائقِ»: وهو المُخْتارُ. فعليها، يُقَدَّمُ على الحاكمِ، بلا نِزاعٍ، ويُقَدَّمُ على الوَصِيِّ، على الصَّحيحِ. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». قلتُ: وهو الصوابُ. وجزَم به في «الزُّبْدَةِ» . وقيل: يُقَدَّمُ الوَصِيُّ عليه. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفائقِ» . وذكَر القاضي، أنَّ للأُمِّ ولايَةً. وقيل: لسائرِ العَصَبةِ ولايَةٌ أيضًا بشَرْطِ العَدالةِ. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. ذكَرَه عنه في «الفائقِ» ، ثم قال: قلتُ: ويَشْهَدُ له حَجْرُ الابنِ على أبِيه عندَ خَرَفِه. انتهى. قلتُ: الذي يَظْهَرُ أنَّه حيثُ قُلْنا: للأُمِّ والعَصَبةِ ولايةٌ. أنَّهم كالجَدِّ في التَّقْديمِ على الحاكمِ وعلى الوَصِيِّ. على الصحيحِ.
فائدتان؛ إحْداهما، يُشْتَرطُ في الحاكمِ ما يُشْتَرطُ في الأبِ، فإنْ لم يَكُنْ كذلك، أو لم يُوجَدْ حاكِمٌ، فأمِينٌ يقُومُ به. اخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وقال: الحاكِمُ العاجِزُ كالعَدَمِ. الثَّانيةُ، يَلِي كافِرٌ عَدْلٌ مال وَلَدِه الكافِرِ. على الصَّحيحِ
وَلَا يَجُوزُ لِوَلِيِّهِمَا أنْ يَتَصَرَّفَ في مَالِهِمَا، إلا عَلَى وَجْهِ الْحَظِّ لَهُمَا، فَإِنْ تَبَرَّعَ، أوْ حَابَى، أوْ زَادَ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيهِمَا، أوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُمَا مُؤْنَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ، ضَمِنَ.
ــ
مِنَ المذهبِ، وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، واخْتارَه الأصحابُ. قال في «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ»: ويَلِي الكافِرُ العَدْلُ في دِينهِ مال وَلَدِه. على أصحِّ الوَجْهَين. وصحَّحه شيخُنا في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . وقيل: لا يَلِيه، وإنَّما يَلِيه الحاكِمُ. وأطْلَقَهما في «المُحَرَّرِ» ، و «النَّظْمِ» ، و «الفُروعِ». ويأْتِي: هل يَلِي مال الذِّمِّيَّةِ التي يَلِي نِكاحَها مِن مُسْلِمٍ؟ في بابِ أرْكانِ النِّكاحِ، عندَ قَوْلِه: ويَلِي الذِّمِّيُّ نِكاحَ مُوَلِّيَتِه. مع أنَّ الحُكْمَ هنا يشْمَلُه.
قوله: ولا يجوزُ لوَلِيِّهما أنْ يتَصَرَّفَ في مالِهما، إلَّا على وَجْهِ الحَظِّ لهما -بلا نِزاعٍ- فإن تبَرَّعَ، أو حابَى، أو زادَ على النَّفَقَةِ عليهما، أو على مَن يَلْزَمُهما مُؤْنَتُه
وَلَا يَجُوزُ أن يَشْتَرِيَ مِنْ مَالِهِمَا شَيئًا لِنَفْسِهِ، ولا يَبِيعَهُمَا، إلا الْأَبُ.
ــ
بالمَعْرُوفِ، ضَمِنَ. هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به الأكْثَرُ. وقال في «الرِّعايتَين»: ضَمِنَ في الأصحِّ. وقيل: لا يَضْمَنُ. قلتُ: وهذا ضعيفٌ جِدًّا.
قوله: ولا يجوزُ أنْ يَشْتَرِيَ مِن مالِهما شيئًا لنَفْسِهِ، ولا يَبِيعَهما إلَّا الأبُ. هذا
وَلِوَلِيِّهِمَا مُكَاتَبَةُ رَقِيقِهِمَا، وَعِتْقُهُ عَلَى مَالٍ،
ــ
المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وعنه، يجوزُ للوَصِيِّ الشِّراءُ مِن مالِهما إنْ وَكَّلَ مَن يَبِيعُه هو، ويَسْتَقْصِي في الثَّمَنِ بالنِّداءِ في الأسْواقِ. قاله في «الرِّعايَةِ» .
قوله: ولوَلِيِّهما مُكاتَبَةُ رَقيقِهما. هذا المذهبُ، نصَّ عليه، وعليه الأصحابُ. إلَّا أنَّه قال في «الترْغِيبِ»: يجوزُ ذلك لغيرِ الحاكِمِ.
وَتَزْويجُ إِمَائِهِمَا، وَالسَّفَرُ بِمَالِهِمَا، وَالْمَضَارَبَةُ بِهِ. وَلَهُ دَفْعُهُ مُضَارَبَةً بِجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ،
ــ
تنبيه: مَفْهومُ قوْلِه: وعِتْقُه على مَالٍ. أنَّه لا يجوزُ عِتْقُه مجَّانًا مُطْلَقًا. وهو الصَّحيحُ، وهو المذهبُ، وعليه جَماهيرُ الأصحابِ. وعنه، يجوزُ مجَّانًا لمَصْلَحَةٍ. اخْتارَه أبو بَكْرٍ؛ بأنْ تُساويَ أمَةٌ، وَلَدُها مِائَةً، ويُساويَ أحدُهما مِائَةً.
قلتُ: ولعَلَّ هذا كالمُتَّفَقِ عليه.
فائدة: مِن شَرْطِ صِحَّةِ مُكاتَبَةِ رَقيقِهما وعِتْقِه على مالٍ، أنْ يكونَ فيه حَظٍّ لهما؛ مثلَ أنْ يُساوي ألْفًا، فيُكاتِبَه على ألْفَين، أو يُعْتِقَه عليهما، ونحو ذلك، فإنْ لم يكُنْ فيه حَظٌّ لهما، لم يصِحَّ.
قوله: وتَزْويجُ إمائِهما. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «المُغْنِي» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الشرْح» : وله تَزْويجُ إمائِهما إذا وجَب تَزْويجُهُنَّ؛ بأنْ يطْلُبْنَ ذلك، أو يرَى المَصْلَحَةَ فيه. وقطَعا به. قال في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: له ذلك على الأصحِّ. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وعنه، لا يجوزُ ذلك. وعنه، يجوزُ لخَوْفِ فَسادِه، وإلَّا لم يَجُزْ.
فائدة: العَبِيدُ في ذلك كالإماءِ، خِلافًا ومذهبًا. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، لا يُزَوِّجُ الأمَةَ وإنْ جازَ تَزْويجُ العَبْدِ؛ لتَأَكُّدِ حاجَتِه إليها. قلتُ: يَحْتَمِلُ العَكْسَ؛ لرَفْعِ مُؤْنَتِها، وحُصُولِ صَداقِها، بخِلافِ العَبْدِ.
قوله: والسَّفَرُ بمالِهما. إذا أرادَ الوَلِيُّ السَّفَرَ بمالِهما، فلا يَخْلُوا؛ إمَّا أنْ يُسافِرَ به لتِجارَةٍ، أو غيرِها، فإنْ سافَرَ به لتِجارَةٍ، جازَ. لا أعْلَمُ فيه خِلافًا. جزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الكافِي» ، وغيرِهم، لكِنْ لا يَتْجُرُ إلَّا في المَواضِعِ الآمِنَةِ. وحمَل الشَّارِحُ، وابنُ مُنَجَّى كلامَ المُصَنِّفِ عليه. وإنْ سافَرَ به لغيرِ التِّجارَةِ، مِثْلَ أنْ يَعْرِضَ له سَفَرٌ، جازَ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ، وصاحِبِ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الخُلاصَةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال القاضي في «المُجَرَّدِ»: ولا يُسافِرُ به. وجزَم به في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» . وظاهِرُ كلامِه في «الفُروعِ» ، إجْراءُ الخِلافِ في ذلك، فإنَه قال: وله السَّفَرُ بمالِه، خِلافًا «للمُجَردِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الكافِي» . وليس بمُرادٍ؛ لأنَّه قطَع في «الكافِي» ، و «المُغْنِي» بجَوازِ السَّفَرِ به للتِّجارَةِ، ومنَع مِنَ السَّفَرِ به لغيرِها.
قوله: والمُضارَبَةُ به. يعْنِي، أنَّ للوَلِيِّ أنْ يَبيعَ ويَشتَرِىَ في مالِ المُوَلَّى عليه، بلا نِزاعٍ. لكِنْ لا يَسْتَحِقُّ أُجْرَةً، بل جميعُ الرِّبْحِ للمُوَلَّى عليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: وإنِ اتَّجَرَ بنَفْسِه، فلا أُجْرَةَ له في الأصحِّ. وجزَم به في «الكافِي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» .
وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ،
ــ
وقدَّمه في «المُغْنِي» . وصحَّحه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن». وقيل: يَسْتَحِقُّ الأجْرَةَ. وهو تَخْرِيجٌ في «المُغْنِي» وغيرِه مِنَ الأجْنَبِيِّ. واخْتارَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. ذكَرَه عنه في «الفائقِ» . قلتُ: وهو قَويٌّ.
قوله: وله دَفْعُه مُضَارَبَةً. هذا الصَّحيحُ مِنَ المَذهبِ، وعليه الأصحابُ. وعنه، لا يجوزُ.
قوله: بجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ. هو المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «الكافِي» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: بأُجْرَةِ مثلِه. وقيل: بأقلِّهما. اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ.
وَبَيعُهُ نَسَاءً،
ــ
قوله: وبَيعُه نَسَاءً. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، بشَرطِ أنْ يكونَ فيه مَصْلَحَةٌ. قال في «الفُروعِ»: وله بَيعُه نَساءً على الأصحِّ. قال في «الوَجيزِ» : وبَيعُه نَساءً مَلِيئًا برَهْن يَحْفَظُه. وجزَم به في «الهِداية» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وعنه، ليس له ذلك.
وَقرْضُهُ بِرَهْنٍ،
ــ
قوله: وقَرْضه. يجوزُ قَرْضُه لمَصْلَحَةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، نصَّ عليه. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. قال في «الوَجيزِ»: ولمَصْلَحَةٍ يُقْرِضُه. قال في «الفُروعِ» : وله قَرْضُه، على الأصحِّ، لمَصْلَحَةٍ. قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى»: وله قَرْضُه على الأصحِّ مَلِيئًا. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايَةِ الصُّغْرَى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» . قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: يُقْرِضُه لحاجَةِ سفَرٍ، أو خَوْفٍ عليه، أو غيرِهما، وعنه، لا يُقْرِضُه مُطْلَقًا.
قوله: برَهْنٍ. هذا أحدُ الوَجْهَين. جزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «مَسْبوكِ الذهبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «الرِّعايتَين» ، و «النَّظْمِ» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، فقال: يُقْرِضُه برَهْنٍ. قال ناظِمُ «المُفْرَدَاتِ» : قطَع به في «المُغْنِي» . قال في «الفُروع.» : وسِياقُ كلامِهم، لحَظِّه. وقال في «المُسْتَوْعِبِ»؛ وفي قَرْضِه برَهْنٍ وإشْهادٍ رِوايَتان. وقال في «التَّرْغِيبِ»: وفي قَرْضِه برَهْنٍ رِوايَتان. انتهى. والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، جَوازُ قَرْضِه للمَصْلَحَةِ، سواءٌ كان برَهْنٍ، أوْ لا، وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «الفُروعِ». قال في «المُحَرَّرِ»: ويَمْلِكُ قَرْضَه. قال في «الكافِي» : فإنْ لم يأْخُذْ رَهْنًا، جازَ في ظاهرِ كلامِه. واقْتَصرَ عليه. وأطْلَقهما في «الفائقِ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
فوائد؛ الأولَى، قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: فإنْ أمْكَنَ أخْذُ الرَّهْنِ، فالأوْلَى له أخْذُه احْتِياطًا، فإنْ ترَكَه، احْتَمَلَ أنْ يَضْمَنَ إنْ ضاعَ المالُ؛ لتَفْرِيطِه. واحْتَمَلَ أنْ لا يَضْمَنَ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ سَلامَتُه. وهذا ظاهرُ كلامِ الإِمامِ أحمدَ، لكَوْنِه لم يَذْكُرِ الرَّهْنَ. قلتُ: إنْ رأى المَصْلَحَةَ وأقْرَضَه، ثم تَلِفَ، لم يَضْمَنْ. وأطْلَقهما في «الفائقِ» . الثَّانيةُ، يجوزُ إيداعُه مع إمْكانِ قَرْضِه. ذكَرَه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ». قال في «الفُروعِ»: فظاهِرُه، متى جازَ قَرْضُه، جازَ إيداعُه. وظاهِرُ كلامِ الأكْثَرِ، يجوزُ إيداعُه؛ لقَوْلِهم: يتَصَرَّفُ بالمَصْلَحَةِ. وقد يَراه مَصْلَحَةً، ولهذا جازَ -مع إمْكانِ قَرْضِه- أنْ يَمْلِكَه الشَّرِيكُ، في إحْدَى الرِّوايتَين، دُونَ القَرْضِ، لأنَّه تَبرُّعٌ، والوَدِيعَةُ اسْتِنابَةٌ في حِفْظٍ. لا سِيَّما إنْ جازَ للوَكِيلِ التَّوْكِيلُ. ولهذا يتَوَجَّهُ في المُودِعِ رِوايَةٌ، ويتَوَجَّهُ أيضًا في قَرْض الشَّرِيكِ رِوايَةٌ. قال: وقال في «الكافِي» : لا يُودِعُه إلَّا لحاجَةٍ، ويُقْرِضُه لحَظِّه بلا رَهْنٍ، وأنَّه لو سافَرَ أوْدَعَه، وقَرْضُه أوْلَى. انتهى. الثالثةُ،
وَشِرَاءُ الْعَقَارِ لَهُمَا، وَبنَاؤُهُ بِمَا جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ بَلَدِهِ بِهِ، إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ في ذَلِكَ كُلِّهِ.
ــ
حيثُ قُلْنا: يُقْرِضُه. فلا يُقْرِضُه لمَوَدَّةٍ ومُكافَأةٍ. نصَّ عليه. الرَّابعَةُ، قال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» وغيرِه: ولا يقْتَرِضُ وصِيٌّ ولا حاكِمٌ منه شيئًا. ويأْتِي [في بابِ الشُّفْعَةِ، أنَّه](1) يَلْزَمُه أنْ يَأْخُذَ بالشُّفْعَةِ إذا كان ذلك أحَظَّ. الخامسةُ، يجوزُ رَهْنُ مالِهما للحاجَةِ عندَ ثِقَةٍ، وللأَب أنْ يَرْتَهِنَ مالهما مِن نَفْسِه، ولا يجوزُ لغيرِه، على المذهبِ. وفي «المُغْنِي» رِوايَةٌ، بالجَوازِ لغيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: وفيها نَظَرٌ.
قوله: وشِراءُ العَقارِ لهما، وله بِناؤُه بما جَرَتْ عادَةُ أهْلَ بَلَدِه به. هكذا قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، وصاحِبُ «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيز» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرُهم. قال المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ: وقال أصحابُنا: يَبْنِيه بالآجُرِّ والطِّينِ، ولا
(1) في الأصل، ط:«في الشفيع أن» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَبْنِيه باللَّبِنِ. وحمَلا كلامَهم على مَن عادَتُهم ذلك، وهو أوْلَى. وأجْراه في «الفائقِ» على ظاهرِه، وجعَل الأوَّلَ اخْتِيارَ المُصَنِّفِ.
وَلَهُ شِرَاءُ الأضْحِيَةِ لِلْيَتيمِ الْمُوسِرِ. نَصَّ عَلَيهِ.
ــ
قوله: وله شِراءُ الأضْحِيَةِ لليَتِيمِ المُوسِرِ. نَصَّ عليه. وهو المذهبُ. يعْنِي، يُسْتَحَبُّ له شِراؤُها. قال في «الفُروعِ»: والتَّضْحِيَةُ له على الأصَحِّ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» هنا. وقدَّمه في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْح» ، و «النَّظْمِ» . وعنه، لا يجوزُ له ذلك. قال المُصَنِّفُ في «المُغْنِي»: يَحْتَمِلُ أنْ يُحْمَلَ كلامُ أحمدَ في الرِّوايتَين على حالين، فالمَوْضِعُ الذي منَع منه، إذا كان الطِّفْلُ لا يَعْقِلُ التَّضْحِيَةَ، ولا يَفْرَحُ بها، ولا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يَنْكَسِرُ قَلْبُه بتَرْكِها. والمَوْضِعُ الذي أجازَها، عَكْسُ ذلك. انتهى. وذكَرَه في «النَّظْمِ» قَوْلًا. وأطْلَقَ الرِّوايتَين في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايةِ» ، في بابِ الأُضْحِيَةِ. وذكَر في «الانْتِصارِ» ، عن أحمدَ، تجِبُ الأُضْحِيَةُ عنِ اليَتيمِ المُوسِرِ. فعلى المذهبِ، يَحْرُمُ عليه الصَّدَقَةُ منها بشيءٍ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الفُروعِ» ، وغيرُهم. فيُعايَى بها. قلتُ: ولو قيلَ بجَوازِ التَّصَدُّقِ منها بما جَرَتِ العادَةُ به، لكان مُتَّجِهًا، على ما تقدَّم التنبِيهُ عليه في بابِه.
وَتَرْكُهُ في الْمَكْتَبِ، وَأدَاءُ الأُجْرَةِ عَنْهُ، وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُمَا إلا لِضَرُورَةٍ أَوْ غِبْطَةٍ، وَهُوَ أنْ يُزَادَ في ثَمَنِهِ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا.
ــ
فائدتان؛ إحْداهما، له تَعْلِيمُه ما ينْفَعُه، ومُداواتُه بأُجْرَةٍ؛ لمَصْلَحَةٍ في ذلك، وحْملُه بأُجْرَةٍ ليَشْهَدَ الجماعَةَ. قاله في «المُجَرَّدِ» ، و «الفُصولِ». واقْتَصَرَ عليه أيضًا في «الفُروعِ». قال في «المُذهَبِ»: له أنْ يأْذَنَ له بالصَّدَقَةِ بالشَّيءِ اليَسِيرِ. واقْتَصرَ عليه أيضًا في «الفُروعِ» . الثَّانيةُ، للوَلِيِّ أنْ يأْذَنَ للصَّغِيِرَةِ أن تَلْعَبَ باللُّعَبِ -إذا كانتْ غيرَ مُصَوَّرَةٍ- وشِراؤُها لها بمالِها. نصَّ عليهما، وهذا المذهبُ. وقيل: مِن مالِه. وصحَّحه النَّاظِمُ في «آدابِه» . وهما احْتِمالان مُطْلَقان في «التَّلْخيصِ» ، في بابِ اللِّباسِ.
قوله: ولا يبِيعُ عَقارَهم إلَّا لضَرُورَةٍ، أو غِبْطَةٍ، وهو أنْ يُزادَ في ثَمَنِه الثُّلُثُ فصَاعِدًا. اشْترَطَ المُصَنِّفُ لجَوازِ بَيعِ عَقارِهم وُجودَ أحَدِ شَيئَين؛ إمَّا الضَّرُورَةُ، وإمَّا الغِبْطَةُ. فأمَّا الضَّرُورَةُ، فيجوزُ بَيعُه لها، بلا نِزاعٍ. ولكِنْ خصَّ القاضي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الضَّرُورَةَ باحْتِياجِهم إلى كُسْوَةٍ أو نَفَقَةٍ، أو قَضاءِ دَينٍ، أو ما لا بُدَّ منه. وقال غيرُه: أو يَخافُ عليه الهَلاكَ بغَرَقٍ أو خَرابٍ أو نحوه. ومَفْهومُ كلامِ المُصَنِّفِ، أنَّه لا يجوزُ، إذا لم تَكُنْ ضَرورَةٌ. وهو أحَدُ الوَجْهَين. اخْتارَه القاضي. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الخُلاصَةِ» ، و «الحاويَيْن» ، و «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، وغيرِهم، وكلامُهم ككَلامِ المُصَنِّفِ. وقدَّمه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . والصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، جَوازُ بَيعِه إذا كان فيه مَصْلَحَةٌ. وهو ظاهِرُ كلامِ الإمامِ أحمدَ. واختارَه المُصَنِّفُ في غيرِ هذا الكِتابِ، واخْتارَه الشَّارِحُ، ومال إليه في «الرِّعايةِ
وَإنْ وَصَّى لأحَدِهِمَا بِمَنْ يَعْتِقُ عَلَيهِ وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لإِعْسَارِ الْمُوصَى لَهُ أوْ غَيرِ ذَلِكَ، وَجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ، وَإلَّا لَمْ يَجُزْ لَهُ قَبُولُهَا.
فَصلٌ: وَمَنْ فُكَّ عَنْهُ الْحَجْرُ، فَعَاوَدَ السَّفَهَ، أُعِيدَ الْحَجْرُ عَلَيهِ.
ــ
الكُبْرى». قال النَّاظِمُ: هذا أوْلَى. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وأمَّا الغِبْطَةُ، فيَجوزُ بَيعُه لها، بلا نِزاعٍ. لكِنِ اشْتَرطَ المُصَنِّفُ: أنْ يُزَادَ في ثمَنِه الثُّلُثُ فصَاعِدًا. وهو أحَدُ الوَجْهَين. وجزَم به في «الهِدايةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الهادِي» ، و «الحاويَيْن». وقال القاضي: بزِيادَةٍ كثيرةٍ ظاهِرَةٍ على ثَمَنِ مِثْلِه. ولم يُقَيِّدْه بالثُّلُثِ ولا غيرِه. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» . والصَّحيحُ مِنَ المذهب، جَوازُ بَيعِه، إذا كان فيه مَصْلَحَةٌ. نصَّ عليه، كما تقدَّم، سواء حصَل زِيادَةٌ أوْ لا. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشارِحُ، والشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ، والنَّاظِمُ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: هذا نصُّه. ومال إليه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» .
قوله: ومَن فُكَّ عنه الحَجْرُ فعاوَدَ السَّفَهَ، أُعِيدَ عليه الحَجْرُ. بلا نِزاعٍ. ونقَلَه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجماعَةُ عن أحمدَ.
وَلَا يَنْظُرُ في مَالِهِ إلا الْحَاكِمُ، وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إلا بِحُكْمِهِ. وَقِيلَ: يَنْفَكُّ بِمُجَرَّدِ رُشْدِهِ.
ــ
قوله: ولا يَنْظُرُ في مالِه إلَّا الحاكِمُ. هذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقيل: يَنْظُرُ فيه الحاكِمُ، أو أبُوه. قال ابنُ أبِي مُوسى: حَجْرُ الأبِ على ابنِه البالغِ السَّفِيهِ واجِبٌ على أُصُولِه، حاكِمًا كان أو غيرَ حاكِمٍ. وقيلَ: يَنْظُرُ فيه وَلِيُّه الأوَّلُ، كما لو بلَغ سَفِيهًا. وقيل: إنْ زال الحَجْرُ بمُجَرَّدِ رُشْدِه بلا حُكْمٍ، عادَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالسَّفَهِ.
فائدة: لو جُنَّ بعدَ رُشْدِه، فوَلِيُّه الحاكِمُ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: بل يَليه الأبُ. ذكَرَه في «الرِّعايةِ الكُبْرى» . وقال في «الانْتِصارِ» : يَلِي على أبويه المَجْنُونين. ونقل المَرُّوذِيُّ، أَرَى أن يَحْجُرَ الابنُ على الأَبِ إذا أسْرَف، أو كان يضَعُ ماله في الفَسادِ، أو شِراءِ المُغَنِّياتِ.
قوله: ولا يَنْفَكُّ الحَجْرُ إلَّا بحُكْمِه -هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. قال في «الفُروعِ»: يَفْتَقِرُ إلى حُكْم في الأصحِّ. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا الصَّحيحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» وغيرِه- وقيل: يَنْفَكُّ عنه الحَجْرُ بمُجَرَّدِ رُشْدِه. اخْتارَه أبو الخَطَّابِ. وقيل: يَنْفَكُّ عنه بمُجَرَّدِ رُشْدِه في غيرِ السَّفِيهِ. فأمَّا في السَّفِيهِ، فلا بُدَّ مِنَ الحُكْمِ بفَكِّه.
وَيُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ الْحَجْرِ عَلَيهِ وَالْإِشْهَادُ عَلَيهِ؛ لِتُجْتَنَبَ مُعَامَلَتُهُ. وَيَصِحُّ تَزْويجُهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ. وَقَال الْقَاضِي: يَصِحُّ مِنْ غَيرِ إِذْنِهِ.
ــ
تنبيه: مَفْهومُ قوْلِه: ويَصِحُّ تَزَوُّجُه بإذْنِ وَلِيِّه. أنَّه لا يصِحُّ بغيرِ إذْنِه. وله حالتان، إحْداهما، أنْ يكونَ مُحْتاجًا إلى الزَّواجِ، فيَصِحَّ تَزَوُّجُه بغيرِ إذْنِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب. قال في «الفُروعِ»: يصِحُّ في الأصحِّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشًّرْحِ» ، و «الوَجيزِ». وقيل: لا يصِحُّ. وهو ظاهِرُ كلامِ المُصَنِّفِ هنا، وصاحِبِ «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، وغيرِهم، لأنهم قالوا: يصِحُّ بإذْنِه. وقال القاضي: يصِحُّ بغيرِ إذْنِه. وأطْلَقهما في «البُلْغةِ» . والحالةُ الثَّانيةُ، أنْ لا يكونَ مُحْتاجًا إليه، فلا يصِحَّ تَزَوُّجُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يصِحَّ في الأصحِّ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، في بابِ أرْكانِ النِّكاحِ. وقدَّمه في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «الكافِي» ، و «الهادِي» ، وغيرِهم. وقيل: يصِحُّ. واخْتارَه القاضي. وقدَّمه ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» . قال في «الوَجيزِ» : ويصِحُّ تَزَوُّجُه. وأطْلَقَ. وأطْلَقهما في «البُلْغَةِ» .
فوائد؛ الأُولَى، للوَلِيِّ تَزْويجُ السَّفِيهِ بغيرِ إذْنِه، إذا كانَ مُحْتاجًا إليه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: وله تَزْويجُ سَفِيهٍ بلا إذْنِه، في الأصحِّ. قال الشَّارِحُ، في بابِ أرْكانِ النِّكاحِ: قال أصحابُنا: يصِحُّ تَزْويجُه مِن غيرِ إذْنِه؛ لأنَّه عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فملَكَه الوَليُّ، كالبَيعِ. وكذا قال المُصَنِّف. وقيل: ليس له ذلك. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: والمَنْعُ أقْيَسُ. قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما في «الرِّعايتَين» ، في بابِ النِّكاحِ. فعلى المذهبِ، في إجْبارِه وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ، و «البُلْغَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ، في النِّكاحِ. قلتُ: الأوْلَى الإجْبارُ إذا كان أصلَحَ له. وقال ابنُ رَزِين في «شَرْحِه» ، في النِّكاحِ: والأظْهَرُ أنَّه لا يُجْبِرُه؛ لأنَّه لا مَصْلَحَةَ فيه. وظاهِرُ نَقلِ المُصَنِّفِ، في «المُغْنِي» ، والشَّارِحِ، أنَّ الأصحابَ قالُوا: له إجْبارُه. الثَّانيةَ، لو أذِنَ له، ففي لُزومِ تَعْيِين المرْأَةِ وَجْهان. وأطْلَقهما في «الفُروعِ» ؛ أحدُهما، لا يُلْزِمُهْ بتَعْيِينِه، بل هو مُخيَّرٌ. وهو الصَّحيحُ. قال في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ»: الوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بينَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أنْ يُعَيِّنَ له المرْأةَ، أو يأْذَنَ له مُطْلَقًا. ونصَراه. وهو الصَّوابُ. وجزَم به ابنُ رَزِينٍ في «شَرْحِه» . والوَجْهُ الثَّانِي، يَلْزَمُه تَعْيِينُ المرْأَةِ له، ويتَقَيَّدُ بمَهْرِ المِثْلِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ويَحْتَمِلُ لُزومُه زِيادَةَ إذنٍ فيها، كتَزْويجِه بها، في أحَدِ الوَجْهَين. والثَّاني، تَبْطُلُ هي للنَّهْي عنها، ولا تَلزَمُ أحدًا. قلتُ: ويَحْتَمِلُ أنْ تَلْزَمَ الوَلِيَّ. وإنْ عضَلَه الوَلِيُّ، اسْتَقلَّ بالزَّواجِ، كما تقدَّم قريبًا. ويأْتِي بعضُ ذلك في بابِ أرْكانِ النِّكاحِ. الثَّالثةُ، لو عَلِمَ مِنَ السَّفِيهِ أنَّهُ يُطَلِّقُ إذا زُوِّجَ، اشْتَرَى له أمَةً. الرَّابعةُ، يصِحُّ خُلْعُه، كطَلاقِه وظِهارِه ولِعانِه وإيلائِه، لكِنْ لا يَقْبِضُ العِوَضَ، فإنْ قبَضَه، لم يصِحَّ قَبْضُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقال القاضي: يصِحُّ. فعلى المذهبِ، لو أتْلَفَه، لم يَضْمَنْ، ولا تَبْرأُ المرْأةُ بدَفْعِها إليه. الخامسةُ، لو وجَب على السَّفِيهِ كفارَةٌ، كفَّر بالصَّوْمِ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهب، كالمُفْلِسِ. قلتُ: فيُعايَى بها. وقيل: يُكفِّرُ به، إنْ لم يصِحَّ عِتْقُه. على ما يأْتِي قرِيبُا. فعلى المذهبِ، لو فُكَّ عنه الحَجْرُ قبلَ التَّكْفيرِ، وقدَر على العِتْقِ، أعْتَقَ. السَّادِسَةُ، ينفِقُ عليه بالمَعْروفِ، فإنْ أفْسَدَها، دفَع إليه يَوْمًا بيَوْم، فلو أفْسَدَها، أطْعَمَه بحُضُورِه. وإنْ أفْسَدَ كُسْوَتَه، ستَر عَوْرَتَه فقط في البَيتِ إنْ لم يُمْكِنِ التَّحَيُّلُ ولو بتَهْديدٍ، وإِذا رَآه النَّاسُ، ألْبَسَه، فإذا عادَ، نزَع عنه. السَّابعةُ، يصِحُّ تَدْبِيرُه ووَصِيَّتُه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل: لا يصِحُّ. وتأْتِي وصِيَّتُه في كتاب الوَصايا، في كلامَ المُصَنِّفِ.
وَهَلْ يَصِحُّ عِتْقُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
قوله: وهل يَصِحُّ عِتْقُه؟ على رِوايتَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «مَسْبوكِ الذَّهَبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الحاوي الصَّغِيرِ» ؛ إحْداهما، لا يصِحُّ. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . قال الزَّرْكَشِيُّ، في كتاب العِتْقِ: هذا أصحُّ الرِّوايتَين. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. واخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. قال في «الرِّعايةِ»: يصِحُّ عِتقه على الأضْعَفِ. قال في «الفائقِ» : ولا ينْفُذُ عِتْقُه في أصحِّ الرِّوايتَين. وصحَّحه في «النَّظْمِ» . وقدَّمه في «الكافِي» وغيرِه. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يصِحُّ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدَّمه في
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
«التَّبْصِرَةِ» ، على ما تقدَّم في كتابِ البَيعِ. قال في «الرِّعايةِ الصُّغْرى» ، و «الحاوي الكَبِيرِ»: يصِحُّ عِتْقُه المُنْجَزُ، في أصحِّ الرِّوايتَين. وتقدَّم، هل يصِحُّ بَيعُه إذا أذِنَ له الوَلِيُّ؟ في كتابِ البَيعِ.
وَإنْ أقَرَّ بِحَدٍّ، أوْ قِصَاصٍ، أوْ نَسَبٍ، أَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، أُخِذَ بِهِ.
ــ
قوله: وإِنْ أْقَرَّ بحَدٍّ أو قِصاص، صَحَّ، وأُخِذَ به. إذا أقَرَّ بحَدٍّ، اسْتُوْفِيَ منه، بلا نِزاعٍ. وإذْ أقَرَّ بقِصاصٍ، وطلَب إقامَتَه، كان لرَبِّه اسْتِيفاءُ ذلك، بلا نِزاعٍ. لكِنْ لو عفَا على مالٍ، احْتَمَلَ أنْ يجِبَ، واحْتَمَلَ أنْ لا يَجِبَ، لِئَلَّا يُتَّخَذَ ذلك وَسِيلَةً إلى الإقْرارِ بالمالِ، وقاعِدَةُ المذهبِ، سَدُّ الذَّرائِعِ. وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الفُروعَ» .
فائدة: لا يُفَرِّقُ السَّفِيهُ زَكاةَ مالِه بنَفْسِه، ولا تصِحُّ شَرِكَتُه، ولا حَوالتُه، ولا الحَوالةُ عليه، ولا ضَمانُه، ولا كَفالتُه. ويصِحُّ منه نَذْرُ كلِّ عِبادَةٍ بدَنِيَّةٍ؛ مِن حَجٍّ وغيرِه، ولا يصِحُّ منه نَذْرُ عِبادَةٍ مالِيَّةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وقيل:
وَإنْ أقَرَّ بِمَالٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ في حَالِ حَجْرِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَلَّا يَلْزَمَهُ مُطْلَقًا.
ــ
يصِحُّ نَذْرُها، وتُفْعَلُ بعدَ فَكِّ حَجْرِه. قال في «الكافِي»: قِياسُ قَوْلِ أصحابنا، يَلْزَمُه الوَفاءُ به عندَ فَكِّ حَجْرِه، كالإقْرارِ. وتقدَّم في أوَائلِ كتابِ الحَجِّ، إذا أحرَمَ السَّفِيهُ نَفْلًا.
قوله: وإنْ أقَر بمالٍ، لم يَلْزَمْه في حالِ حَجْرِه. يعْنِي، يصِحُّ إقْرارُه، ولا يَلْزَمُه في حالِ حَجْرِه. وهذا الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ. قال في «الفُروعِ»: والأصحُّ صِحَّةُ إقْرارِه بمالٍ، لَزِمَه باخْتِيارِه، أوْ لا. قال في «الوَجيزِ»: وإنْ أقَرَّ بدَينٍ، أو بما يُوجِبُ مالًا، لَزِمَه بعدَ حَجْرِه، إنْ عُلِمَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسْتِحْقاقُه في ذِمَّتِه حال حَجْرِه. وقدَّمه في «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الرِّعايةِ» ، وغيرِهم.
قوله: ويَحْتَمِلُ أنْ لا يَلْزَمَه مُطْلَقًا. وإليه مَيلُ الشَّارِحِ. واخْتارَه المُصَنِّفُ. فعلى هذا، لا يصِحُّ إقْرارُه بمالٍ. وتقدَّم بعضُ أحْكام السَّفِيهِ، في أوَائِلِ كتاب البَيعَ.
وَحُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ وَلِيِّ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ.
ــ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فَصْلٌ: وَلِلْوَلِيِّ أنْ يَأْكلَ مِنْ مَالِ الْمُوَلَّى عَلَيهِ بِقَدْرِ عَمَلِهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيهِ.
ــ
تنبيه: ظاهرُ قوْلِه: وللوَلِيِّ أنْ يَأْكلَ مِن مالِ المُوَلَّى عليه. ولو لم يُقَدِّرْه الحاكِمُ. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ بشَرْطِه الآتِي. وقال في «الإيضاحِ»: يأْكُلُ إذا قَدَّرَه الحاكِمُ، وإلَّا فلا.
تنبيه آخرُ: فظاهِرُ قوْلِه: يَأْكُلُ بقَدْرِ عَمَلِه. جوَازُ أكْلِه بقَدْرِ عمَلِه، ولو كان فوق كِفايَتِه. وعلى ذلك شرَح ابنُ مُنَجَّى. وهو ظاهِرُ كلامِه في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، أنَّه لا يَأْكلُ إلَّا الأقَلَّ مِن أُجْرَةِ مِثْلِه، أو قَدْرِ كِفايَتِه. جزَم به في «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرُهم مِنَ الأصحابِ. قلتُ: ويُمْكِنُ أنْ يُقال: هذا الظَّاهِرُ مَرْدودٌ بقَوْلِه: إذا احْتاجَ إليه.
وَهَلْ يَلْزَمُهُ عِوَضُ ذَلِكَ إِذَا أَيسَرَ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
لأنَّه إذا أخَذ قَدْرَ عَمَلِه، وكان أكْثرَ مِن كِفايَتهِ، لم يَكُنْ مُحْتاجًا إلى الفاضِلِ عن كِفايَتهِ، فلم يَجُزْ له أخْذُه. وهو واضِحٌ. أو يُقال: هل الاعْتِبارُ بحالةِ الأخْذِ؟ ويَحْتَمِلُه كلامُ المُصَنِّفِ، أو حيث اسْتَغْنَى، امْتَنَعَ الأخْذُ؟
قوله: إذا احْتاجَ إليه. الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ، أنَّه لا يأْكُلُ مِن مالِ المُوَلَّى عليه إلَّا مع فَقْرِه وحاجَتِه، وعليه جماهيرُ الأصحابِ، وقطَع به كثيرٌ منهم. قال في «الوَجيزِ»: ويأْكُلُ الفَقِيرُ مِن مالِ مُوَلِّيه، الأقَلَّ مِن كِفايَتِه أو أُجْرَتِه مجَّانًا، إنْ شغَلَه عن كَسْبِ ما يقُومُ بكِفايَتِه. وكذا قال غيرُه مِنَ الأصحابِ. وقال ابنُ عَقِيلٍ: يأْكُلُ وإنْ كانْ غَنِيًّا، قِياسًا على العامِلِ في الزَّكاةِ. وقال: الآيَةُ مَحْمولَةٌ على الاسْتِحْبابِ. وحكَاه رِوايَةً عن أحمدَ. قال ابنُ رَزِينٍ: يأْكُلُ فَقِيرٌ، ومَن يَمنَعُه مِن مَعاشِه، بالمَعْروفِ.
تنبيه: محَلُّ ذلك في غيرِ الأبِ، فأمَّا الأبُ، فيجوزُ له الأكْلُ مع الحاجَةِ وعدَمِها في الحُكْمِ، ولا يَلْزَمُه عِوَضُه، على ما يأْتِي في بابِ الهِبَةِ. قال القاضِي: ليس له الأكْلُ لأجْلِ عَمَلِه، لغِناه عنه بالنَّفَقَةِ الواجبَةِ في مالِه، ولكِنْ له الأكْلُ بجِهَةِ التَّمَلُّكِ عندَنا. وضعَّفَ ذلك الشَّيخُ تَقِيُّ الديَنِ. ومحَلُّ الخِلافِ أيضًا، إذا لم يَفْرِضْ له الحاكِمُ، فإنْ فرَض له الحاكِمُ شيئًا، جازَ له أخْذُه مجَّانًا مع غِناه، بغيرِ خِلافٍ. قاله في «القاعِدَةِ الحاديةِ والسَّبْعِين» ، وقال: هذا ظاهِرُ كلامِ القاضي. ونصَّ عليه أحمدُ في رِوايَةِ البُرْزَاطِيِّ في الأُمِّ الحاضِنَةِ.
قوله: وهل يَلْزَمُه عِوَضُ ذلك إذا أيسَرَ؟ على رِوايَتَين. وأطْلَقهما في
وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ في النَّاظِرِ في الْوَقْفِ.
ــ
«الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفائقِ» ، و «القواعِدِ الفِقْهِيَّةِ» ؛ إحْداهما، لا يلْزَمُه عِوَضُه إذا أيسَرَ. وهو الصَّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: ولا يَلْزَمُه عِوَضُه بيَسارِه، على الأصحِّ. وصحَّحه المُصَنِّفُ، والشارِحُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» . واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وجزَم به في «الوَجيزِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» . والرِّوايةُ الثَّانيةُ، يَلْزَمُه عِوَضُه إذا أيسَرَ. قال في «الخُلاصَةِ»: ويَلْزَمُه عِوَضُه إذا أيسَرَ، على الأصحِّ.
قوله: وكذلك يُخرَّجُ في النَّاظِرِ في الوَقْفِ. خرَّجه أبو الخَطَّابِ وغيرُه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
والمَنْصوصُ عنِ الإمام أحمدَ، في رِوايَةِ أبِي الحارِثِ، وحَرْبٍ، جَوازُ الأَكْل مِنه بالمَعْروفِ. قاله في «الفُروعِ» ، وغيرِه. قال في «الفائقِ» ، بعدَ ذِكْرِ التَّخْرِيجِ: قلتُ: وإلْحاقُه بعامِلِ الزَّكاةِ في الأكْلِ مع الغِنَى، أوْلَى. كيف وقد نصَّ أحمدُ على أكْلِه منه بالمَعْروفِ، ولم يَشْتَرِطْ فَقْرًا؛ ذكَرَه الخَلَّالُ في الوَقْفِ. قال في رِوايَةِ أبِي الحارِثِ: وإنْ أكَل منه بالمَعْروفِ، فلا بَأْسَ. قلتُ: فيَقْضِي دَينَه؟ قال: ما سَمِعْتُ فيه شيئًا. انتهى. وعنه، يأْكُلُ إذا اشْتَرَطَ. وقال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: لا يُقَدَّمُ بمَعْلُومِه بلا شَرْطٍ، إلَّا أنْ يأْخُذَ أُجْرَةَ عَمَلِه مع فَقْرِه، كوَصِيِّ اليَتيمِ. وفرَّق القاضي بينَ الوَصِيِّ والوَكِيلِ؛ [بأنَّه لا يُمْكِنُه](1) مُوافقتُه على الأُجْرَةِ، والوَكِيلُ يُمْكِنُه. ونقَل حَنْبَلٌ، في الوَلِيِّ والوَصِي يقُومان بأمْرِه، يأْكلان بالمَعْروفِ؛ لأنَّهما كالأَجيرِ والوَكيلِ. قال: وظاهرُ هذا، النَّفَقَة للوَكِيلَ.
فوائد؛ إحْداها، الحاكِمُ أو أمِينُه إذا نظَر في مالِ اليَتيمِ، فقال القاضي مَرَّةً: لا يأْكُلُ، وإنْ أكَل الوَصِيُّ. وفرَّقَ بينَهما وبينَ الوَصِيِّ. وقال مَرَّةً: له الأكْلُ، كوَصِيِّ الأبِ. قلتُ: وهو الصوابُ. وهو داخِل في عُمومِ كلامِ المُصنِّفِ وغيرِه. الثَّانيةُ، الوَكِيلُ في الصَّدقَةِ لا يأْكُلُ منها شيئًا لأجْلِ العَمَلِ. نصَّ عليه. وقد صرَّح القاضي في «المُجَرَّدِ» بأنَّ مَن أُوصِيَ إليه بتَفْرِقَةِ مالٍ على المَساكِينِ، أو دفَع إليه رَجُلٌ في حَياتِه مالًا؛ ليُفَرِّقَه صدَقَةً، لم يَجُزْ أنْ يأْكُلَ منه شيئًا بحَقِّ قِيامِه؛ لأنَّه مَنْفَعَةٌ، وليس بعاملٍ مُنَمٌّ مُنْجِزٍ.
(1) في النسخ: «لأنه يمكنه» . انظر الفروع 4/ 325.
وَمَتَى زَال الْحَجْرُ، فَادَّعَى عَلَى الْوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أو مَا يُوجبُ ضَمَانًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ.
ــ
قوله: ومتى زال الحَجْرُ، فادَّعَى على الوَلِيِّ تَعَدِّيًا، أو ما يُوجِبُ ضَمانًا، فالقَوْلُ قَوْلُ الوَلِيِّ. بلا نِزاعٍ. جزَم به الأصحابُ؛ منهم صاحِبُ «الفُروعِ» ، وقال: ما لم تُخالِفْه عادةٌ وعُرْفٌ، ويَحْلِفُ غيرُ الحاكمِ. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ»: ويَحْلِفُ غيرُ الحاكمِ، على الأصح. قال في «الرِّعايةِ»:
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ في دَفْعِ الْمَالِ إِلَيهِ بَعْدَ رُشْدِهِ.
ــ
وغيرُ الحاكمِ يَحْلِفُ، على المذهبِ إنِ اتُّهِمَ. وعنه، يُقْبَلُ قوْلُه مِن غيرِ يَمِينٍ.
قوله: وكذلك القَوْلُ قَوْلُه في دَفْعِ المالِ إليه بعدَ رُشْدِه. وهو المذهبُ. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، و «الهِدايَةِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. قال في «القَواعِدِ» وغيرِه: هذا المذهبُ. ويَحْتَمِلُ أنْ لا يُقْبَلَ قوْلُه إلَّا ببَيِّنةٍ. قلتُ: وهو قَويٌّ. قال في «القاعِدَةِ الرَّابِعَةِ والأرْبَعِين» : وخرَّج طائفَةٌ مِنَ الأصحابِ، في وَصِيِّ اليَتيمِ، أنَّه لا يُقْبَلُ قَوْلُه في الرَّدِّ بدُونِ بَيِّنةٍ. وعَزاه القاضي في «خِلافِهِ» إلى قَوْلِ الخِرَقِيِّ. وهو مُتَوَجَّهٌ على هذا المَأْخَذِ؛ لأنَّ الإشْهادَ بالدَّفْعِ مأْمُورٌ به بنَصِّ القُرْآنِ. وقد صرَّح أبو الخَطَّابِ في «انْتِصارِه» باشْتِراطِ الشهادَةِ عليه، كالنِّكاحِ. انتهى.
تنبيه: محَلُّ هذا، إنْ كان مُتَبَرِّعًا. فأمَّا إنْ كان بجُعْلٍ، فلا يُقْبَلُ قَوْلُه إلَّا ببَيِّنةٍ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. ذكَرَه في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم، في الرَّهْنِ. وقيل: يُقْبَلُ مُطْلَقًا. وهو ظاهِرُ كلامِ
وَهَلْ لِلزَّوْجِ أنْ يَحْجُرَ عَلَى امْرَأتِهِ في التَّبَرُّعِ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَينَ.
ــ
المُصَنِّفِ وجماعَةٍ.
فائدة: يُقْبَلُ قَوْلُ الأبِ، والوَصِيِّ، والحاكمِ، وأمِينهِ، وحاضِنِ الطِّفْلِ، وقَيِّمِه، حال الحَجْرِ وبعدَه، في النَّفَقَةِ وقَدْرِها وجَوازِها، ووُجودِ الضَّرُورَةِ والغِبْطَةِ، والمَصْلَحَةِ في البَيعِ، والتَّلَفِ. ويَحْتَمِلُ أنْ [لا يُقْبَلَ قوْلُه إلَّا في الأحْظِيَةِ](1) في البَيعِ، إلَّا ببَيِّنةٍ، فلو قال: ماتَ أبِي مِن سنَةٍ. أو قال: أنْفَقْتَ عليَّ مِن سنَةٍ. فقال الوَصِيُّ: بل مِن سنَتَين. قُدِّمَ قَوْلُ الصَّبِيِّ:
قوله: وهل للزَّوْجِ أنْ يَحْجُرَ على امْرَأتِه في التَّبَرُّعِ بما زادَ على الثُّلُثِ مِن مالِها؟ على رِوايتَين. وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ؛ إحدْاهما، ليس له مَنْعُها مِن ذلك. وهو المذهبُ. اخْتارَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ. وصحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» ، «نِهايةِ ابنِ رَزِينٍ» ، و «نَظْمِها» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، ذكَرَه في آخِرِ بابِ الهِبَةِ. قال في «تَجْريدِ العِنايَةِ»: وتتصَدَّقُ مِن مالِها بما شاءَتْ، على الأظْهَرِ. والرِّوايةُ
(1) في الأصل، ط:«لا يقبل قوله في الأحظية» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الثَّانيةُ، له مَنْعُها مِنَ الزِّيادَةِ على الثُّلُثِ، فلا يجوزُ لها ذلك إلَّا بإذْنِه. نصَرَه القاضي وأصحابُه. وصحَّحه في «الخُلاصَةِ» . وقدَّمه في «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «شَرْحِ ابنِ رَزِينٍ» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تنبيهان؛ أحدُهما، محَلُّ الخِلافِ، إذا كانتْ رَشِيدَةً، فأمَّا غيرُ الرَّشِيدَةِ، فهي مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا. الثَّاني، مَفْهومُ قوْلِه: بما زادَ على الثُّلُثِ. أنَّه لا يَحْجُرُ عليها في التبرعِ بالثُّلُثِ فأقل. وهو صحيحٌ، وهو المذهبُ. قال في «الكافِي»: هو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
قَوْلُ أصحابِنا. وصحَّحه في «الفائقِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» ، و «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، وهو ظاهِرُ كلامِ أكثرِ الأصحابِ. وعنه، له ذلك. صحَّحها في «عُيونِ المَسائلِ» ، فلا يَنْفُذُ عِتْقُها. وأطْلَقهما في «الكافِي» .
فصْلٌ فِي الإذْنِ: يَجُوزُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، فِي إحْدَى الرِّوَايَتَينِ.
ــ
ويأْتِي في آخِرِ البابِ، إذا تبَرَّعَتْ مِن مالِ زَوْجِها.
قوله: يجوزُ لوَليِّ الصَّبِيِّ المُمَيِّزِ أن يأذنَ له في التجارَةِ، في إِحْدَى الرِّوايَتَين. وهي المذهبُ، وعليه الأصحابُ. والروايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ.
وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ. وَلَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا الْحَجْرُ، إلا فِيمَا أُذِنَ
ــ
قوله: ويجوزُ ذلك لسَيِّدِ العَبْدِ. بلا نِزاعٍ.
قوله: ولا يَنْفَكُّ عهما الحَجْرُ إلَّا فيما أُذِنَ لهما فيه. يَنْفَكُّ عنهما الحَجْرُ فيما أُذِنَ لهما فيه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ، وعليه الأصحابُ، وقطَع به أمصرُهم، نصَّ عليه. وفي طَرِيقَةِ بعضِ الأصحابِ، لا يَنْفَكُّ الحَجْرُ عنهما؛ لأنَّه لو انْفَكَّ
لَهُمَا فِيهِ، وَفِي النَّوْعِ الَّذِي أُمِرَا بِهِ.
ــ
لما تُصُوِّرَ عَوْدُه، ولما اعْتُبِرَ عِلْمُ العَبْدِ بإذْنِه.
قوله: وفي النوْعِ الذي أُمِرا به. يعْنِي، ينْفَكُّ عنهما الحَجرُ في النَّوْعِ الذي أُمِرا به فقط. وهذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ. وذكَر في «الانْتِصارِ» رِوايَةً، أنَّه إنْ أذِنَ لعَبْدِه في نَوْعٍ، ولم يَنْهَ عن غيرِه، ملَكَه.
وَإنْ أُذِنَ لَهُ فِي جَمِيعِ أنْوَاع التِّجَارَةِ، لَمْ يَجُزْ لَهُ أنْ يُؤجِرَ نَفْسَهُ، وَلَا يَتَوَكَّلَ لِغَيرِهِ. وَهَلْ لَهُ أنْ يُوَكِّلَ فِيمَا يَتَوَلَّى مِثْلَهُ بِنَفْسِهِ؟ عَلَى وَجْهَينَ.
ــ
فائدة: قال في «الفُروعِ» لا: وظاهِرُ كلامِهم، أنَّه كمُضارِبٍ في البَيعِ نَسِيئَةً وغيرِه.
قوله: وإنْ أَذِنَ له في جَميعِ أنْواعِ التجَارَةِ، لم يَجُزْ له أنْ يُؤجِرَ نَفْسَه، ولا أنْ يَتَوَكَّلَ لغيرِه. بلا نِزاع. لكِنْ في جَوازِ إجارَةِ عَبِيدِه وبَهائِمِه خِلافٌ في «الانْتِصارِ» .
قوله: وهل له أنْ يُوَكِّلَ فيما يتَوَلَّى مثلَه بنَفْسِه؟ على وَجْهَين. وهما مَبْنِيَّان على الخِلافِ في جَوازِ تَوْكِيلِ الوَكيلِ، على ما يأْتِي في بابِه. وهذه طَرِيقَةُ الجُمْهورِ؛
وَإنْ رَآهُ سَيِّدُهُ أوْ وَلِيُّهُ يَتَّجِرُ فَلَمْ يَنْهَهُ، لَمْ يَصِرْ مَأْذُونًا لَهُ.
ــ
منهم المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الهِدايةِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الفُروعِ» ، وابنُ مُنَجَّى في «شَرْحِه» ، وغيرُهم، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» أيضًا، في هذا البابِ. وقال في «التَّلْخيصِ» ، في بابِ الوَكالةِ: ليس له أنْ يُوَكِّلَ بدُونِ إذْنٍ أو عُرْفٍ. جعَلَه أصْلًا في عدَمِ تَوْكيلِ الوَكِيلِ.
فائدة: هل للصَّبِيِّ المأْذُونِ له أنْ يُوَكِّلَ؟ قال في «الكافِي» : هو كالوَكِيلِ.
قلتُ: لو قيلَ بعَدَمِ جَوازِه مُطْلَفًا، لكان مُتَّجِهًا.
قوله: وإنْ رَآه سَيِّدُه أو وَلِيُّه يَتَّجِرُ، فلم يَنْهَه، لم يَصِرْ مَأُذُونًا له. بلا نِزاعٍ. لكِنْ قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الذي يَنْبَغِي أنْ يُقال، فيما إذا رأَى عَبْدَه يَبِيعُ، فلم يَنْهَه، وفي جميعِ المَواضِعِ: إنَّه لا يكونُ إذنًا، ولا يصِحُّ التصَرُّفُ، ولكِنْ يكونُ تَغْرِيرًا، فيكونُ ضامِنًا، بحيثُ إنه ليس له أنْ يُطالِبَ المُشْتَرِي بالضمانِ، وإنَّ تَرْكَ
وَمَا اسْتَدَانَ الْعَبْدُ، فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ، يَفْدِيهِ سَيِّدُهُ أو يُسَلِّمُهُ. وَعَنْهُ، يَتَعَلَّقُ بذِمَّتِهِ، وَيُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ، إلا الْمَأْذُونَ لَهُ، هَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؛ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
الواجِبِ عندَنا كفِعْلِ المُحَرَّمِ، كما نقولُ في مَن قدَر على إنْجاءِ إنْسانٍ مِن هَلَكَةٍ، بلَ الضَّمانُ هنا أقْوَى.
قوله: وما اسْتَدانَ العَبْدُ فهو في رَقَبَتِه يَفْدِيه سَيِّدُه، أو يُسَلِّمُه. وعنه، يَتَعَلَّقُ بذِمَّتِه، يتبَعُ به بعدَ العِتْقِ، إلَّا المأْذُونَ له، هل يَتَعَلَّقُ برَقَبَتِه أو ذِمَّةِ سَيِّدِه؟ على رِوايتَين. وذكَر المُصَنِّفُ للعَبْدِ إذا اسْتَدانَ حالتين؛ إحْداهما، أنْ يكونَ غيرَ مَأْذُونٍ له، فلا يصِحُّ تصَرُّفُه، لكِنْ إنْ تصَرَّفَ في عَينِ المالِ؛ إمَّا لنَفْسِه أو للغيرِ، فهو
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كالغاصِبِ، أو الفُضُولِيِّ، على ما هو مُقَرَّرٌ في مَواضِعِه. وإنْ تصَرَّفَ في ذِمَّتِه بشِراءٍ أو قَرْضٍ، لم يصِحَّ. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. وعنه، يضِح، ويُتْبَعُ به بعدَ عِتْقِه. ذكَرَه في «الفُروعِ» ، في كتابِ البَيعِ. وذكَر المُصَنِّفُ الخِلافَ، وصاحِبُ «الشّرْحِ» ، وغيرُهما، احْتِمالين، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» وَجْهَين. فعلى المذهبِ، إنْ وجَد ما أخَذَه، فله أخْذُه منه ومِنَ السَّيِّدِ إنْ كان بيَدِه. فإنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تَلِفَ مِنَ العَبْدِ في يَدِ السَّيِّدِ، رجَع عليه بذلك، وإنْ شاءَ كان مُتَعَلِّقًا برَقَبَةِ العَبْدِ. قاله المُصَنِّفُ وغيرُه. وإنْ أهْلَكَه العَبْدُ، فقام المُصَنِّفُ، أنَّه يتَعَلقُ برَقَبَتِه؛ يفْدِيه سيِّدُه أو يُسَلِّمُه. وهو المذهبُ، ونقَلَه الجماعَةُ عن أحمدَ، وعليه أكثرُ الأصحابِ؛ منهم الخِرَقِيُّ، وأبو بَكْرٍ، وغيرُهما. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ. وهو مِنَ المُفْرَداتِ. والرِّوايةُ الثانيةُ، يتَعَلَّقُ بذِمَّتِه، ويتبَعُ به بعدَ العِتْقِ. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» . وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذهَبِ» ، و «المُغْني» ، و «الشرْحِ» ، و «التلْخيصِ» ، و «الزَّرْكَشِيِّ» ، وتقدَّم رِوايَةُ حَنْبَلٍ. وعنه، إنْ فدَاه، فَداه بكُلِّ الحقِّ، بالِغًا ما لَغ. ذكَرَها في «التَّلْخيصِ» وغيرِه. وعنه، إنْ عَلِمَ ربُّ العَينِ أنَّه عَبْدٌ، فلا شيءَ له. نصَّ عليه، في رِوايَةِ حَنْبَلٍ، كما تقدَّم. فعلى المذهبِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لو أعْتَقَه سيِّدُه، فعلى السَّيِّدِ الذي عليه. نقَلَه أبو طالِبٍ، واقْتَصرَ عليه في «الفُروعِ» . وعلى الروايةِ الثَّانيةِ، في أصْلِ المَسْأَلَةِ، وهو صِحَّةُ تصَرُّفِه إذا تَلِفَ، ضَمِنَه بالمُسَمَّى. وعلى المذهبِ، يَضْمَنُه بمِثْلِه إنْ كان مِثْلِيًّا، وإلَّا بقِيمَتِه. وعلى الرَّوايةِ الثَّالثةِ أيضًا، إنْ وَجدَه في يَدِ العَبْدِ، انْتَزَعَه صاحِبُه منه؛ لتَحَقُّقِ إعْسارِه. قالَه المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، وغيرُهم. وإنْ كان في يَدِ السَّيِّدِ، لم يُنْتَزَعْ منه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. جزَم به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ. واخْتارَ صاحِبُ «التَّلْخيصِ» ، جَوازَ الانْتِزاعِ منه. انتهى. وإنْ تَلِفَ في يَدِ السيِّدِ، لم يَضْمَنْه. وهل يتَعَلَّقُ ثَمَنُه برَقَبَةِ العَبْدِ أو بذِمَّتِه؟ على الخِلافِ المُتقَدِّمِ. وكذا إنْ تَلِفَ في يَدِ العَبْدِ، فمُقْتَضَى كلام المَجْدِ، أَنه لا يُنتزَعُ (1)، وإن كان بيَدِ العَبْدِ، وأنَّ الثمَنَ يتَعَلَّقُ بذِمتِه. قاله الزَّرْكَشِيُّ. قال: ويَظْهَرُ قوْلُ المَجْدِ، إنْ عَلِمَ البائعُ أو المُقْرِضُ بالحالِ، وإنْ لم يَعْلَمْ، فيتَوَجَّهُ قَوْلُ الأكْثَرِين. الحالةُ الثَّانية، أنْ يكون مَأْذُونًا له، ويَسْتَدِينَ، فيَتعَلَّقَ بذِمةِ سيِّدِه. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ؛ لأنَّه تصَرَّفَ لغيرِه، ولهذا له الحَجْرُ عليه، وتَصَرَّفَ في بَيعِ خِيارٍ بفَسْخٍ أو إمْضاءٍ،
(1) في الأصل، ط:«يتبرع» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وثُبوتِ المِلْكِ. ويَنْعَزِلُ وَكِيلُه بعَزْلِ سيِّدِه للمُوَكَّلِ، ولذلك تعَلَّقَ بذِمَّةِ سيِّدِه، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به الخِرَقِيُّ، وصاحِبُ «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، وناظِمُ «المُفْرَداتِ» ، وغيرُهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: هذا المَشْهورُ مِنَ الرِّواياتِ، واخْتِيارُ القاضي، والخِرَقِيِّ، وأبِي الخَطَّابِ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الفُروعِ» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. وصححه في «التَّصْحيحَ» ، و «النظْمَ» ، وغيرِهما. وهو مِن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مُفْرَداتِ المذهبِ. وعنه، يتَعَلَّقُ برَقَبَتِه. وأطْلَقهما المُصَنفُ هنا، وصاحِبُ «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَرْحِ» ، والزَّرْكَشِيُّ، وغيرُهم. قال الزَّرْكَشِيُّ: وبنَى الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين الروايتَين على أنَّ تصرُّفَه مع الإذْنِ، هل هو لسَمدِه، فيَتَعَلَّقَ بذِمَّتِه كوَكِيِله، أو لنَفْسِه، فيتَعَلقَ برَقَبَتِه؟ على رِوايتَين. انتهى. وعنه، يتَعَلقُ بذِمةِ سَحدِه وبرَقَبَتِه. وذكَر في «الوَسِيلَةِ» ، رِوايةً، يتَعَلقُ بذِمَّةِ العَبْدِ. ونقَل صالِحٌ، وعَبْدُ اللهِ، يُؤْخَذُ السَّيِّدُ بما اسْتَدانَ لِمَا أَذِنَ له فيه فقط. ونقَل ابنُ مَنْصُورٍ، إذا ادَّانَ، فعلى سَيِّدِه، وإنْ جنَى، فعلى سيَّدِه. وقال في «الروْضَةِ»: إنْ أذِنَ له مُطْلَقًا، لَزِمَه كلُّ ما ادانَ، وإنْ قيَّدَه بنَوْعٍ لم يَذْكُرْ فيه اسْتِدانَةً، فبرَقَبَتِه، كغيرِ المَأْذُونِ.
تنبيهات؛ الأولُ، يكونُ التَّعَلُّقُ بالدَّينِ كلِّه. على الصحيحِ مِنَ المذهبِ. نقَلَه الجماعَةُ عن أحمدَ، واخْتارَه جماعَة مِنَ الأصحابِ. وقدَّمه في «الفُروعِ». وهو ظاهِرُ كلام الأصحابِ. وفي «الوَسِيلَةِ»: يتَعَلقُ بقَدْرِ قِيمَتِه. ونقَلَه مُهَنَّا. الثَّاني، محَلُّ الخِلافِ المُتقَدِّمِ في الحالتَين، إنَّما هو، في الدُّيونِ. أمَّا أُرُوشُ جِناياتِه،
وَإذَا بَاعَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ الْمَأْذُونَ شَيئًا، لَمْ يَصِحّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ،
ــ
وقِيَمُ مُتْلَفاتِه، فتَتَعَلَّقُ برَقَبَتِه، رِوايةً واحدَةً. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وقدَّمه في «الفُروعِ» . وتقدَّم قريبًا رِوايَةُ ابنِ مَنْصُورٍ، إنْ جنَى، فعلى سَيِّدِه. الثَّالِثُ، عُمومُ كلامِ المُصَنِّفِ، وكثير مِنَ الأصحاب، يَقْتَضِي جَرَيانَ الخِلافِ، وإنْ كان في يَدِه مالٌ. وهو صحيحٌ، وقطَع به المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وغيرُهما. وجعَل ابنُ حَمْدانَ في «رِعايَتِه» محَلَّ الخِلافِ، فيما إذا عجَز ما في يَدِه عنِ الدَّينَ.
فائدتان؛ إحْداهما، حُكْمُ ما اسْتَدانَه أو اقْتَرضَه بإذْنِ السَّيِّدِ، حُكْمُ ما اسْتَدانَه للتِّجارَةِ بإذْنِه. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، والنَّاظِمُ، وصاحبُ «الرِّعايةِ» ، وغيرُهم. وقطَع في «التَّلْخيصِ» ، و «البُلْغَةِ» بلُزِومِه للسَّيِّدِ، وكذا قال الشيخُ تَقِيُّ الدِّينِ. وهو ظاهِرُ كلامِ المَجْدِ. الثَّانيةُ، لا فرْقَ فيما اسْتَدانَه بينَ أنْ يكون فيما أُذِنَ له فيه، أو في الذي لم يُؤْذَنْ له فيه، كما لو أُذِنَ له في التِّجارَةِ في البُرِّ فيَتَّجِرُ في غيرِه. قاله المُصَنِّفُ، والشَّارِحُ، وصاحِبُ «الرِّعايةِ» ، و «الفُروعِ» ، وغيرُهم. ونقَلَه. أبو طالِبٍ. قال الزَّرْكّشِيُّ: وفيه نَظرٌ. وهو كما قال.
قوله: وإنْ باعَ السَّيِّدُ عَبْدَه المأْذُونَ شيئًا، لم يَصِحَّ، في أحَدِ الوَجْهَين. وهو
وَيَصِحُّ فِي الْآخَرِ إِذَا كَانَ عَلَيهِ دَينٌ بِقَدرِ قِيمَتِهِ.
ــ
المذهبُ، صحَّحه في «التَّصْحيحِ» . وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ، وغيرُه. وقدَّمه في «الخُلاصَةِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، و «الفائقِ» ، و «النَّظْمِ» ، وغيرِهم.
قوله: ويَصِح في الآخَرِ إذا كان عليه دَين بقَدْرِ قِيمَتِه. وهو رِوايَة في «الرعايَةِ» ، و «الحاوي» ، و «الفائقِ» ، وغيرِهم. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرْحِ ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهم. وقيل: يصِحُّ مُطْلَقًا. ذكَرَه في «الفُروعِ» . وأمَّا شِراءُ السَّيِّدِ مِن عَبْدِه، فيأْتِي في كلامِ المُصَنِّفِ، في المُضارَبَةِ، في قوْله: وكذلك شراءُ السَّيِّدِ مِن عَبْدِه.
فائدة: لو ثبَت على عَبْدٍ دَينٌ، زادَ في «الرعايةِ» ، أو أرْشُ جِنايةِ، ثم ملَكَه مَن له الدَّينُ أو الأرْشُ، سقَط عنه ذلك. على الصَّحيحِ مِنَ المذهبِ. قدَّمه في «الرعايتَين» ، وغيرِهما. وقيل: لا يَسْقُطُ. وأطْلَقهما في «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروع» ، ذكَرُوه في كتابِ الصَّداقِ.
وَيَصِحُّ إِقْرَارُ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي قَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ فِيهِ.
وَإنْ حُجِرَ عَلَيهِ وَفِي يَدِهِ مَالٌ، ثُمَّ أُذِنَ لَهُ، فَأقَرَّ بِهِ، صَحَّ.
ــ
قوله: ويصِحُّ إقْرارُ المأْذُونِ في قَدْرِ ما أُذِنَ له فيه. هذا المذهبُ، وعليه أكثرُ الأصحابِ. وجزَم به في «المُغْنِي» ، و «الشرْء» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ» وغيرِه. وقال أبو بَكْرٍ، وابنُ أبِي مُوسى: إنَّما يصِحُّ إقْرارُ الصَّبِيِّ فيما أُذِنَ له فيه مِنَ التِّجارَةِ إذا كان يَسِيرًا. وأطَلَقَ في «الرَّوْضَةِ» صِحَّةَ إقْرارِ المُمَيِّزِ. وذكَر الآدَمِي البغْدادِيُّ، أن السَّفِيهَ والمُمَيِّزَ إذا أقَرَّا بحَدٍّ أو قَوَدٍ، أو نَسَبٍ أو طَلاقٍ، لَزِمَ، وإنْ أقَرَّا بمالٍ، أُخِذَ بعدَ الحَجْرِ. قال في «الفُروعِ»: كذا قال. وإنَّما ذلك في السَّفِيةِ. وهو كما قال. ويأْتِي ذلك في كتابِ الإقْرارِ بأَتَمَّ مِن هذا، ويأْتِي هناك إقْرارُ العَبْدِ غيرِ المَأْذُونِ له، في كلامِ المُصَنِّفِ.
قوله: وإنْ حُجِرَ عليه وفي يَدِه مالٌ، ثم أُذِنَ له، فأقَرَّ به، صَحَّ. هذا المذهبُ. جزَم به في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «المُغْنِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الشَّرْحِ» ، و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقال: ذكَرَه الأزَجِيُّ، وصاحِبُ «التَّرْغيبِ» ، وغيرُهما. وقيل: إنَّما ذلك في الصَّبِي، في الشيءِ اليَسِيرِ. ومنَع في «الانْتِصارِ» عدَمَ الصِّحَّةِ، ثم سلَّم ذلك.
فائدة: لو اشْتَرَى مَن يَعْتِقُ على سَيِّدِه بلا إذْنِه (1)، صحَّ. قال في «الرِّعايةِ الكُبْرى»: صح في الأصحِّ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «رُءُوسِ المَسائلِ» له. وأقَرَّه في «شَرْحِ الهِدايةِ». وقيل: لا يصِحُّ. صحَّحه في «النَّظْمِ» ، وشيخُنا في «تَصْحيحِ المُحَرَّرِ» . واخْتارَه القاضي، قاله المَجْدُ في «شَرْحِه» ، وأطْلَقهما في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، في بابِ المُضارَبَةِ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الرعايةِ الصغْرى» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الفُروعِ» ، وزادَ، لو اشْتَرى مَن يَعْتِقُ على امْرأتِه، وزَوْجَ صاحِبَةِ المالِ. وقال في «الرِّعايةِ الكُبْرى» ، في بابِ الكِتابةِ: وإنِ اشْتَرى زَوْجتَه، انْفَسَخَ نِكاحُها، وإنِ اشْترَى زَوْجَةَ سيدِه، احْتَمَلَ وَجْهَين. انتهى. وكذا الحُكْمُ لو اشْترَى امْرأةَ سيِّدِه، أو صاحِبَةَ المالِ. قاله في «المُغْنِي» ، و «الشَّرْحِ» ، و «شَرِحْ ابنِ مُنَجَّى» ، وغيرِهم، في بابِ المُضارَبَةِ. فعلى الأوَّلِ، لو كان عليه دَين، فقِيل: يُباعُ فيه. قدَّمه في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» . وقيل: يَعْتِقُ. وهو احْتِمال في «الرِّعايَةِ» . وأطْلَقَهما في «الفُروعِ» . ويأْتِي نَظيرُها، لو اشْتَرَى المُضارِبُ مَن يَعْتِقُ على رَبِّ المالِ في المُضارَبَةِ. وقد تقدَّم في أولِ كتاب الركاةِ، هل يَمْلِكُ العَبْدُ بالتَّمْلِيكِ، أم لا؟ وذكَرْنا هناك فَوائِدَ جَمَّة، ذكَرَها أكثَرُ الأصحابِ هنا، فلتُراجَعْ هناك.
(1) بياض في الأصل، ط.
وَلَا يَبْطُلُ الإذْنُ بِالْإِباقِ.
ــ
قوله: ولا يَبْطُلُ الإذْنُ بالإباقِ. هذا الصُّحيحُ مِنَ المذهبِ. قال في «الفُروعِ» : ولا يَبطُلُ إذنه بإباقِه في الأصح. واخْتارَه القاضي. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «الشُّرْحِ» ، و «الوَجيزِ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ». وقيل: يَبطُلُ. اخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» . وقدمه في «المُسْتَوْعِبِ» . قلتُ: وهو الصَّوابُ. وأطْلَقهما في «التلْخيصِ» .
فائدة: لو دَبَّرَه، أو اسْتَوْلَدَها، لم يَبطُلْ إذنه. جزَم به في «الفُروعِ» . وفي بُطْلانِ إذْنِه بكِتابَةٍ وحُرِّيَّةٍ وأَسْرٍ، خِلافْ في «الانْتِصارِ» . وفي «المُوجَزِ» ، و «التبصِرَةِ» ، يَزُولُ مِلْكُه بحُرِّيَّةٍ وغيرِها؛ كحَجْرٍ على سيِّدِه. وقال في «الرِّعايَةِ الكُبْرَى» ، و «المُسْتَوْعِبِ»: يَبْطُلُ إذنه بخُروجِه عن مِلْكِه ببَيعٍ أو هِبَةٍ أو صَدَقةٍ أو سَبْيٍ. وجزَما بأنَّه يَبطل إذْنُه بإيلادِها، وهو بعيدٌ.
وَلَا يَصِحُّ تَبَرُّعُ الْمَأْذُونِ لَهُ بِهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وَكُسْوَةِ الثِّيَابِ. وَيَجُوزُ هَدِيَّتُهُ لِلْمَأْكُولِ، وَإعَارَةُ دَابَّتِهِ.
ــ
قوله: ولا يَصِحُّ تَبَرُّعُ المأْذُونِ له بهِبَةِ الدَّرَاهِمِ وكُسْوَةِ الثيابِ. بلا نِزاعٍ.
قوله: ويجوزُ -يعْنِي للعَبْدِ- هَدِيَّتُه للمأْكُولِ وإعَارَةُ دَابَّتِه. وكذا عمَلُ دَعْوَةٍ ونحوُه، مِن غيرِ إسْرافٍ في الكُلِّ. وهذا المذهبُ، وعليه جماهيرُ الأصحابِ. وجزَم به في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُغْنِي» ، و «المُحَررِ» ، و «الشرْحِ» ، و «التلْخيصِ» ، و «الرِّعايتَين» ،
وَهَلْ لِغَيرِ الْمَأْذُونِ الصدَقَةُ مِنْ قُوتِهِ بِالرَّغِيفِ إِذَا لم يَضُرَّ بِهِ وَنَحْوهِ؟ عَلَى رِوَايَتَينِ.
ــ
و «الحاويَيْن» ، و «الفائقِ» ، و «الوَجيزِ» ، و «تَذْكِرَةِ ابنِ عَبْدُوسٍ» ، وغيرِهم. وقدَّمه في «الفُروعِ». وقيل: لا يجوزُ. اخْتارَه الأزَجِيُّ.
قوله: وهل لغيرِ المَأْذُونِ له الصَّدَقَةُ مِن قُوتِه بالرَّغيفِ إذا لم يَضُرَّ به؟ على رِوايتَين. يعْنِي للعَبْدِ. وأطْلَقهما في «الهِدايَةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «المُغْني» ، و «الشرْحِ» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» ؛ إحْداهما، يجوز له ذلك. وهو المذهبُ. صحَّحه في «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْمِ» ،
وَهَلْ لِلْمَرأَةِ الصَّدَقَةُ مِنْ بَيتِ زَوْجِهَا بِغَيرِ إِذْنِهِ بِنَحْو ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَينَ.
ــ
وغيرِهما. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ وغيرُه. وجزَم به في «الوَجيزِ» وغيرِه. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ، و «الفُروعِ» ، و «الرعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، وغيرِهم. والرَّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ.
فائدة: لا تصِحُّ هِبَةُ العَبْدِ إلَّا بإذْنِ سيِّدِه. نصَّ عليه في رِوايَةِ حَنْبَلٍ. قال الحارِثِيُّ: وهذا على كِلا الرِّوايتَين؛ المِلْك، وعدَمِه.
قوله: وهل للمَرْأةِ الصَّدَقَةُ مِن بَيتِ زَوْجِها بغيرِ إذْنِه بنَحْو ذلك؟ على رِوايَتَين.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأطْلَقهما في «الهِدايةِ» ، و «المُذْهَبِ» ، و «الكافِي» ، و «التَّلْخيصِ» ، و «الفائقِ» ؛ إحْداهما، يجوزُ. وهو المذهبُ. وصحَّحه المُصَنِّفُ والشَّارِحُ، وصاحِبُ «التَّصْحيحِ» ، و «النَّظْم.». قال النَّاظِمُ وغيرُه: لها ذلك ما لم يَمْنَعْها. وجزَم به في «الوَجيزِ» ، و «المُنَوِّرِ» ، و «مُنْتَخَبِ الأَزجِيِّ» ، وغيرِهم. واخْتارَه ابنُ عَبْدُوسٍ في «تَذْكِرَتِه» ، وغيرُه. وقدَّمه في «المُسْتَوْعِبِ» ، و «الخُلاصَةِ» ، و «المُحَرَّرِ» ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
و «الرِّعايتَين» ، و «الحاويَيْن» ، و «الفُروعِ» ، وقال: والمُرادُ، إلَّا أنْ يضْطَرِبَ العُرْفُ، ويُشَكَّ في رِضاه، أو يكون بخِيلًا، وتَشُكَّ في رِضَاه، فلا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
يصِحَّ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، لا يجوزُ. نقَلَها أبو طالِبٍ، كصَدقَةِ الرَّجُلِ مِن طَعام المرْأةِ، وكمَن يُطْعِمُها بفَرْضٍ ولم يعْلَمْ رِضاه قال في «الفُروعِ»: ولم يُفَرِّق أحمدُ.