الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجة عليه ذكر أن العمل أيضاً قد يكون على الإنسان وقد يكون للإنسان، فيكون للإنسان إذا كان عملاً صالحاً، ويكون عليه إذا كان عملاً سيئاً.
وانظر إلى هذا الحديث: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ" يتبين لك أن الإنسان لابد أن يعمل إما خيراً وإما شراً.
من فوائد هذا الحديث:
. 1الحث على الطهور الحسي والمعنوي، وجه ذلك أنه قال:"الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ"
. 2أن الإيمان يتبعض، فبعضه فعل وبعضه ترك، وهو كذلك.
. 3فضيلة حمد الله عز وجل حيث قال: إنها تملأ الميزان.
. 4إثبات الميزان، والميزان جاء ذكره في القرآن عدة مرات، جاء ذكره مجموعاً وذكره مفرداً فقال الله عز وجل:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ)(الأنبياء: 47) وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ)(القارعة: 6) وجاء ذكره في السنة صريحاً في قوله صلى الله عليه وسلم: "كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلى اللِسانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبيبَتَانِ إلى الرَّحمَنِ: سُبحَانَ الله وَبِحَمدِهِ سُبحَانَ الله العَظيم"(1) وكذلك في هذ الحديث.
وهذا الميزان هل هو حسي أو معنوي؟
قالت المعتزلة: إنه معنوي، وهو كناية عن إقامة العدل.
والقول الصحيح: إنه حسي، له كفتان وله لسان، توزن به الأعمال الصالحة والسيئة.
(1) أخرجه البخاري كتاب: الدعوات، باب: فضل التسبيح، (6406) . ومسلم- كتاب: الذكر والدعاء، باب: فضل التهليل والدعاء، (2694) ، (31)
وهنا يرد إشكال: كيف يوزن العمل وهو ليس بجسم، وكيف الحمد تملأ الميزان وهي ليست بجسم؟
والجواب عن كل هذا سهل، وهو: أن الله عز وجل قادر على أن يجعل الأعمال أجساماً والمعاني أجساماً، فإنه على كل شيء قدير عز وجل، ألم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان تظلان صاحبهما (1) ، وهما عمل، لكن الله على كل شيء قدير.
أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الموت يؤتى به يوم القيامة على صورة كبش فيوقف بين الجنة والنار ويقال: يا أهل الجنة فيطلعون ويشرئبُّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، يقال: يا أهل النار، فيطلعون ويشرئبون، ويقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، ثم يذبح بين الجنة والنار ويقال: ياأهل الجنة خلود ولا موت، ياأهل النار خلود ولا موت (2) ، والموت معنوي.
فالمهم أن نقول: إن الميزان يوم القيامة حسي، حقيقي، توزن به الأعمال، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن خفت موازينه فقد خسروا أنفسهم.
. 5فضيلة الجمع بين سبحان الله والحمد لله لقوله "سُبحَانَ الله وَالحَمدُ لِلهِ تَملآنِ مَا بَينَ السَمَاءِ وَالأَرضِ" ووجه ذلك أن الجمع بينهما جمع بين نفي العيوب والنقائص وإثبات الكمالات.
ففي "سُبحَانَ الله" نفي العيوب والنقائص، وفي "الحَمدُ لِلهِ" إثبات الكمالات.
. 6أن الصلاة نور ويتفرع على هذا:
(1) أخرجه مسلم كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل قراءة القرآن وسورة البقرة، (804) ، (252)
(2)
أخرجه البخاري كتاب: التفسير، باب: تفسير سورة مريم، (4730) . ومسلم- كتاب: الجنة، باب: النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء، (2849) ، (40)
الحث على كثرة الصلاة. ولكن يرد علينا أن كثيراً من المصلين وكثيراً من الصلوات من المصلي الواحد لا يشعر الإنسان بأنها نور، فما الجواب؟
الجواب أن نقول: إن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم حق لا إشكال فيه، لكن عدم استنارة القلب لخلل في السبب أو وجود مانع.
فمن خلط صلاته برياء فهنا خلل في السبب، لأنه لم يخلص.
ومن صلى لكن قلبه يتجول يميناً وشمالاً فهنا مانع يمنع من كمال الصلاة فلا تحصل النتيجة، وقس على هذا كل شيء رتب الشرع عليه حكماً وتخلف فاعلم أن ذلك إما لوجود مانع، أو لاختلال سبب، وإلا فكلام الله عز وجل حق وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم حق.
. 7الحث على الصدقة، لقوله:"الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ".
. 8أن بذل المحبوب يدل على صدق الباذل، والمحبوب الذي يُبذَل في الصدقة هو المال.
. 9الحث على الصبر وأنه ضياء وإن كان فيه شيء من الحرارة، لكنه ضياء ونور لقوله:"وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ".
. 10أن حامل القرآن إما غانم وإما غارم، وليس هناك مرتبة لا له ولا عليه، إما للإنسان وإما على الإنسان، ويتفرع على هذه الفائدة:
أن يحاسب الإنسان نفسه هل عمل بالقرآن فيكون حجة له، أو لا، فيكون حجة عليه فليستعتب.
. 11عظمة القرآن وأنه لن يضيع هكذا سدىً، بل إما للإنسان وإما على الإنسان.
. 12بيان حال الناس وأن كل الناس يعملون من الصباح، وأنهم يبيعون أنفسهم،
فمن باعها بعمل صالح فقد أعتقها، ومن باعها بعمل شيء فقد أوبقها.
. 13أن الحرية حقيقة هي القيام بطاعة الله عز وجل، وليس إطلاق الإنسان نفسه ليعمل كل سيء أراده، قال ابن القيم رحمه الله في النونية:
هربوا من الرق الذي خلقوا له
…
وبلوا برق النفس والشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله فإنه سيبقى في رق الشيطان.