الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الثامن والعشرون
عَن أَبي نَجِيحٍ العربَاضِ بنِ سَاريَةَ رضي الله عنه قَالَ: وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ مَوعِظَةً وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ وَذَرَفَت مِنهَا العُيون. فَقُلْنَا: يَارَسُولَ اللهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا، قَالَ:(أُوْصِيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عز وجل وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافَاً كَثِيرَاً؛ فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المّهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فإنَّ كلّ مُحدثةٍ بدعة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ)(1) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
الشرح
قوله: "وَعَظَنا" الوعظ: التذكير بما يلين القلب سواء كانت الموعظة ترغيباً أو ترهيباً، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة أحياناً.
وقوله: "وَجلَت مِنهَا القُلُوبُ" أي خافت منها القلوب كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ)(الأنفال: الآية2) .
" وَذَرَفَت مِنهَا العُيون" أي ذرفت الدموع، وهو كناية عن البكاء.
" فَقُلنَا يَا رَسُول الله: كَأنَّها" أي هذه الموعظة "مَوعِظَةَ مُوَدِِّعٍ" وذلك لتأثيرها في إلقائها، وفي موضوعها، وفي هيئة الواعظ لأن كل هذا مؤثر، حتى إننا في عصرنا الآن
(1) أخرجه أبو داود - كتاب: السنة، باب: في لزومالسنة، (4607) . والدارمي - كتاب: المقدمة، باب: اتباع السنة، (96) . والترمذي- كتاب: العلم، باب: ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، (2676)
تسمع الخطيب فيلين قلبك وتخاف وتبكي، فإذا سمعته مسجلاً لم تتأثر، فتأثير المواعظ له أسباب منها: الموضوع، وحال الواعظ، وانفعاله.
" قَالَ أوصيكُم بِتَقوَى الله عز وجل" هذه الوصية مأخوذة من قول الله تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)(النساء: الآية131) فتقوى الله رأس كل شيء.
ومعنى التقوى: طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على علم وبصيرة.
ولهذا قال بعضهم في تفسيرها: أن تعبد الله على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما حرم الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله.
وقال بعضهم:
خل الذنوب صغيرها
…
وكبيرها ذاك التقى
واعمل كماش فوق أر
…
ض الشوك يحذر ما يرى
لاتحقرن صغيرة إن
…
الجبال من الحصى
" وَالسَّمعُ والطَّاعَة" أي لولاة الأمر بدليل قوله وَإِن تَأمَّر عَليكُم والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم، وأن تطيع إذا أمر، وسيأتي إن شاء الله في بيان الفوائد حكم هذه الجملة العظيمة، لكن انظر أن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر بعد ذكر التقوى مع أن السمع والطاعة من تقوى الله لأهميتها ولعظم التمرد عليها.
" وَإن تَأمَّر عَلَيكُم" أي صار أميراً "عبد" أي مملوكاً.
"فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم" أي تطول به الحياة "فَسَيَرى" والسين هنا للتحقيق اختِلَافاً كَثيراً في العقيدة، وفي العمل، وفي المنهج، وهذا الذي حصل، فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا طويلاً وجدوا من الاختلاف والفتن والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان.
ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا الاختلاف، فقال:"فَعَلَيكُم بِسَّنتي" أي الزموا سنتي، والمراد بالسنة هنا: الطريقة التي هو عليها، فلا تبتدعوا في دين الله عز وجل ما ليس منه، ولا تخرجوا عن شريعته.
" وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَاشِدين" الخلفاء الذين يخلفون رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الأول لهذه الأمة، نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته نصاً يقرب من اليقين، وعامله بأمور تشير إلى أنه الخليفة بعده.
مثال ذلك: أتته امرأة في حاجة لها فوعدها وعداً، فقالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال: "ائتِي أَبَا بَكر"(1) وقال: "يَأَبَى اللهُ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنونَ إِلا أَبَا بَكرٍ"(2) وأمر أن تسد جميع الأبواب المشرَّعة على المسجد إلا باب أبي بكر (3) ، وجعله خليفته في الصلاة بالمسلمين حين مرض (4) ، وهذه إمامة صغرى، يشير بذلك إلى أنه يتولى الإمامة الكبرى، وجعله أميراً على الحجيج في السنة التاسعة خلفاً عنه. فهو الخليفة بالنص الذي يقرب من اليقين.
ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه أولى الناس بالخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنهما صاحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كثيراً ما يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، وجئت أنا وأبو بكر وعمر، فرأى أبو بكر رضي الله عنه أن
(1) أخرجه البخاري - كتاب: فضائل الصحابة، باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت متخذاً خليلاً، (3659) . ومسلم - كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي بكر الصديق، (2386) ، (10)
(2)
أخرجه البخاري - كتاب: المرضى، باب: ما رخص للمريض أن يقول: إني وجع، (5666) . ومسلم - كتاب: فضائل الصحابة، من فضائل أبي بكر الصديق، (2387) ، (11) .
(3)
أخرجه البخاري- كتاب: الصلاة، باب: الخوخة والممر في المسجد، (466) ومسلم - كتاب: فضائل الصحابة، من فضائل أبي بكر الصديق، (2382) ، (2) .
(4)
أخرجه البخاري - كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ)، (3385) . ومسلم - كتاب: الصلاة، باب: استخلاف الغمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس، (420) ، (101) .